Insight Image

استقرار منطقة الشرق الأوسط بين ترامب وبايدن: أيهما أفضل؟

04 أغسطس 2020

استقرار منطقة الشرق الأوسط بين ترامب وبايدن: أيهما أفضل؟

04 أغسطس 2020

تحظى الانتخابات الرئاسية الأمريكية بأهمية قصوى لدى الأمريكيين، ولا تقل أهميةً عن ذلك لبقية العالم؛ غير أن أهمية انتخابات الثالث من نوفمبر القادمة تكتسي طابعاً خاصاً باعتبارها الأهم في تاريخ الولايات المتحدة المعاصر بالنسبة لمستقبل القوى الدولية ولاستقرار العالم وازدهاره.

وتُتابع حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشعوبها باهتمام كبير السباق إلى البيت الأبيض بين الرئيس الحالي دونالد ترامب الذي كرس منذ اليوم الأول من رئاسته نسقاً ذهب فيه إلى إلغاء جميع سياسات سلفه؛ وجو بايدن، يد أوباما اليمنى، والرجل المخلص الذي قدم خدماته له على مدى فترتين رئاسيتين بصفته نائباً للرئيس.

وبشكل عام يعتبر تأثير الشؤون الخارجية في قرارات الناخبين الأمريكيين ضئيلا، وهذا الأمر سينطبق أيضاً على انتخابات هذا العام التي أظهرت فيها استطلاعات الرأي العام، على بعد أشهر فقط من الانتخابات، استياء الأمريكيين وعدم رضاهم عن الإدارة الحالية، إضافة إلى تزامن إجراء هذه الانتخابات مع أسوأ أزمة صحية عرفتها الولايات المتحدة في تاريخها الحديث؛ وهي الأزمة التي تعاملت معها إدارة ترامب بشكل مروع أدى إلى تزايد حالات الإصابات بفيروس “كوفيد-19″، وتسجيل خسائر في الأرواح أكثر من أي بلد آخر.

في ظل هذه الظروف، وبينما سيكون على الناخبين الأمريكيين تحديد مَنْ سيدير بلدهم، ومَنْ سيفوز بمقاعد  الكونغرس للسنوات الأربع المقبلة، ستكون أيضا أعينهم على من يمكنه إيقاف تفشي وباء كورونا، وإدارة الركود الاقتصادي العميق الناتج عن هذه الأزمة الصحية، وتهدئة احتجاجات الشارع الأمريكي على عنف الشرطة والظلم العنصري.

وبوجه عام لن تحتل الشؤون الدولية، بما فيها شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، صدارة اهتمامات أي ناخب أمريكي؛ غير أن قرار هؤلاء الناخبين – رغم عدم الاهتمام العام بالسياسة العالمية – سيكون له تأثيره على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وفقاً لطبيعة السياسات التي يُتوقع أن ينتهجها كل مرشح؛ وهذا ما يفسر التوقعات الحذرة في المنطقة لنتائج انتخابات نوفمبر المقبلة التي ستؤثر في الاستقرار السياسي والاقتصادي لكل دولة وللمنطقة ككل.

وإذا كان هدف الرئيس ترامب هو مَحْوُ إرث سلفه أوباما في كل مجال من مجالات السياسة المحلية والدولية، فإن إدارة بايدن ستركز – من ناحية أخرى – أكثر على استعادة ما تم تحقيقه خلال سنوات إدارة أوباما، ولو بقيود أكثر على الأجندة الدولية، حيث ستركز هذه الإدارة على تصحيح أخطاء إدارة ترامب التي تجسدت ذروتها مع أزمة “كوفيد-19” التي راح ضحيتها 130 ألف شخص، وخلفت أضراراً وخيمة لا يمكن تصورها وتبدو معها آفاق الانفراج بعيدة. كما ستضطر هذه التطورات بايدن إلى العمل بجد لإعادة إرساء سيادة القانون وإعادة الانخراط مع العالم، والعمل جنباً إلى جنب مع الحلفاء بدلاً من توجيه النصح وفرض الإملاءات عليهم.

قد يميل الجمهور إلى الرغبة في أن يركز الرئيس المقبل على القضايا الداخلية، غير أن هذا الخيار ليس واقعياً بالنسبة للولايات المتحدة، وما يجعله كذلك هو التداعيات المدمِّرة لأزمة وباء “كوفيد-19″، التي تفرض عليها التعاون مع العالم بمختلف مكوناته بما فيه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا باعتبارها اقتصاداً رئيسًا؛ ولكن إخفاق واشنطن في الآونة الأخيرة في المنطقة قد يدفع بالرئيس الأمريكي المقبل إلى إدارة ظهره للمنطقة.

ويؤكد هذا نسبياً ما جاء على لسان الرئيس أوباما ذات مرة عندما قال: “الشرق الأوسط يجرك دائماً إلى الوراء”، وسواءً انخرطت الولايات المتحدة بنشاط أو حاولت تجنب الانخراط في المنطقة، فإن مصالحها ستتأثر على المستويين الثنائي والإقليمي، وكذلك علاقاتها مع القوى الخارجية المنافسة الأخرى، مثل روسيا والصين الساعيتين إلى تحقيق أهدافهما في المنطقة. ولهذا توجد حاجة دائمة، في أوساط أعلى مراتب صناع القرار في واشنطن، إلى التيقُّظ والالتزام بتوجيه موارد عسكرية ودبلوماسية واقتصادية للانخراط في المنطقة.

وسواء أسفرت الانتخابات الرئاسية عن فوز ترامب بفترة ثانية أو فترة أولى لـ بايدن، ستواجه الولايات المتحدة تحديات كبيرة تهدد مصالحها في المنطقة، ما يعني حتماً قضاء وقت أكثر في معالجتها؛ ومن المسلم به لأي إدارة جديدة أن هناك ضرورة لحماية بعض المصالح الأمريكية في المنطقة من بينها تدفق الطاقة، وأمن إسرائيل والدول الحليفة لها، وردع الإرهاب والأصولية، وضمان عدم هيمنة أي قوة إقليمية أو خارجية.

لقد تباينت الكيفية التي تعاملت بها الإدارات الأمريكية السابقة مع هذه المهام إلى حد كبير. وسيظل الرئيس الأمريكي المقبل مشغولا بتحديات مثل كبح طموحات إيران النووية وسعيها للهيمنة، وإدارة الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، ودعم الحلفاء في الخليج العربي، ودعم مصر والأردن، وتحقيق الاستقرار في ليبيا والعراق، ومنع سوريا من الوقوع تحت تأثير إيران أو روسيا.

وسيحدث بالتأكيد، في حال أصبح بايدن رئيسًا، تغيير على مستوى التعاون مع الحلفاء، وتحوُّلٌ في اللغة، وتماسكٌ أكثر في السياسات الأمريكية؛ ففي مجالين رئيسيين من المجالات التي تحظى باهتمام الولايات المتحدة وتثير قلقها – إيران والقضية الإسرائيلية – الفلسطينية – من المنطقى أن نتوقّع تغييراً أوضح استناداً إلى خبرته في الحكم ونظرته الأوسع للعلاقات الدولية.

إيران

اتّبع ترامب، بأسلوبه التبسيطي في صنع السياسات، نهجاً ثنائياً للغاية تجاه قضايا الشرق الأوسط، ما يجعل من المستحيل معرفة سبب اعتراضه على الاتفاق النووي الإيراني المُبرَم عام 2015 (المعروف رسمياً باسم خطة العمل الشاملة المشتركة)، ويجعل المتتبع يتساءل عما إذا كان سبب هذا الاعتراض مرده إلى اعتبار أن الاتفاق توصل إليه ووقع عليه سلفه أوباما، أم أن مرده إلى تركيبة ترامب التي ترى أن العدو يجب أن يُهزَم تماماً حتى يستسلم.

فعلى الرغم من أن الاتفاق النووي الإيراني بعيدٌ عن الكمال، فإنه أوجد إطاراً قانونياً وقّعت عليه إيران ووافق عليه مجلس الأمن الدولي، وبموجبه تقوم إيران بتخفيض كمية اليورانيوم المخصب التي يمكنها امتلاكها مقابل رفع العقوبات عنها. لقد وافقت إيران بموجب هذا الاتفاق ومن أجل رفع العقوبات عنها على واحدٍ من أكثر أنظمة التفتيش صرامة مهمته كشف أي محاولة للتحايل على الاتفاق.

وأثبتت عمليات التفتيش التي نفذتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية امتثال إيران لحرْفية الاتفاق وإن لن يكن دائماً لروحه إلى أن تخلى عنه ترامب في مايو 2018، وفرض مجموعة واسعة من العقوبات عليها والتي لم تلحق فقط أضرارا بإيران، بل وأيضاً الدول التي تمارس التجارة معها، الأمر الذي دفع إيران إلى إعلان تراجعها عن الاتفاق والقيود التي يفرضها على نوع أجهزة الطرد المركزي التي يمكنها تشغيلها، وكمية اليورانيوم المخصب التي يمكن أن تنتجها.

وقد أدت هذه التطورات إلى إقدام إيران على تنفيذ هجوم على المنشآت النفطية السعودية في سبتمبر 2019 الأمر الذي لم تمرره واشنطن مرور الكرام إلى أن جاء الرد عليه في يناير 2020 باغتيال قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني في غارة جوية أمريكية، ما تبعه رد إيران بإطلاق صواريخ على القواعد الأمريكية في العراق، لتصبح صورة الانهيار الكامل للعلاقات بين البلدين واضحة تماماً.

لا توجد أي مؤشرات على أن ترامب سيعيد التفكير في كيفية ردع طموحات إيران وعدوانها في المنطقة إذا فاز بفترة رئاسية ثانية، ومن المحتمل أن تتّبع واشنطن استراتيجية الضغط من خلال العقوبات والعمليات السرية، بما فيها الهجمات السيبرانية، أملاً في أن يقود ذلك إلى انهيار النظام الإيراني.

ومن ناحية أخرى، إذا فاز بايدن – وبناءً على تركيبة الكونغرس أيضاً – فإن إدارته ستسعى إلى استعادة الاتفاق النووي الإيراني في سياق يدرك فيه بايدن حقيقة النظام الإيراني وميوله إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة؛ الأمر الذي أكده في مقال صدر له في مجلة “فورين أفيرز” تعهّد فيه بأن أي إدارة مستقبلية يقودها هو ستتّبع “طريقة ذكية لمكافحة التهديد الذي تشكله إيران لمصالحنا”، وهذه الطريقة تتضمّن إعادة تفعيل الاتفاق النووي الإيراني شريطة عودة إيران إلى الالتزام به.

من الواضح أن بايدن ملتزم بمسار التسوية الدبلوماسية بشراكة مع الحلفاء الإقليميين والدوليين من أجل إعادة إرساء إطار للتعامل مع إيران. وربما ترحب إيران بهذا التغيير وتُظهِر المزيد من المرونة، نظراً إلى الأضرار الوخيمة التي لحقت بها جراء وباء “كوفيد-19″، وما تسبب فيه من اضطرابات محلية واجتماعية، ولكن حدوث أي تخفيف في العقوبات قد لا يُرضي حلفاء واشنطن في المنطقة.

الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني:

تمثلت البصمة السياساتية الأخرى لترامب في المنطقة في خطة “السلام من أجل الرخاء”، المعروفة باسم “صفقة القرن” الرامية إلى إنهاء الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، والتي دق بها البيت الأبيض آخر مسمار في نعش الحل القائم على إنشاء دولتين. كما وضعت واشنطن في موقع الوسيط المنحاز بتحركات أحادية تمثلت في نقل السفارة الأمريكية إلى القدس دون الاعتراف بأجزاء من المدينة عاصمةً لدولة فلسطينية مستقبلية؛ هذا بالإضافة إلى وقْف جميع المساعدات المقدمة للسلطة الفلسطينية، ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين المسؤولة عن 5.5 مليون لاجئ فلسطيني في الشرق الأوسط، وإغلاق مكاتب السلطة الفلسطينية في واشنطن، ودعم مخطط إسرائيل لضم نحو 30% من أراضي الضفة الغربية المحتلة بطريقة أحادية.

وفي ظل هذه التطورات من غير الوارد أن تُعيد إدارة بايدن السفارة الأمريكية إلى تل أبيب، ولا يُتوقَّع أن تعترف بالمدينة عاصمة لفلسطين، ولكنها قد تعترض بقوة على أي ضم أو توسّع أحادي للمستوطنات اليهودية غير القانونية في الأراضي المحتلة. كما أنه من المرجح أن يحاول الرئيس بايدن منع أي ضم للأراضي الفلسطينية إذا لم يكن ذلك قد حدث فعلاً قبل موعد توليه الرئاسة ما سيكون عليه من الصعب إلغائه.

والواقع أن بايدن يحمل معه جذور مبادرة جون كيري للسلام التي طُرِحت خلال فترة توليه منصب نائب الرئيس، ومن المشكوك فيه أنه يرغب في بذل المزيد من الجهد والموارد على خطة سلام أخرى، بل يُرجَّح أن يستمر لفترة رئاسية واحدة فقط وقد يرى أن دوره انتقالي يركز فيه على تخفيف الأضرار التي ألحقها ترامب بالبلاد طوال أربع سنوات.

سوريا وليبيا والعراق

تمثل سوريا والعراق وليبيا النقاط الثلاث الساخنة الأخرى في الشرق الأوسط التي عانت من السياسات الأمريكية القاصرة والمختلفة خلال السنوات الأربع الأخيرة، وكل من ترامب وبايدن ملتزم بتقليص التدخل الأمريكي في النزاعات الدولية، ولكن بايدن يؤمن بمبدأ تعددية الأطراف وبالدبلوماسية، ومن المرجح أن يتعاون مع الدول الأخرى من أجل كبح التهديدات النابعة من الصراع على السلطة في تلك الدول والتدخل الأجنبي فيها على عكس ترامب.

وقد أعطت هزيمة تنظيم داعش، في هذا السياق، شعوراً زائفاً للولايات المتحدة بأنها يمكن أن تسحب معظم قواتها من المنطقة وتقلل من تدخلها فيها، وهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة، لأن هزيمة تنظيم داعش عسكرياً لم تستأصل جذور الأسباب التي رفعته إلى تلك المكانة من القوة التي كان عليها؛ وهذا يعني أن معالجة المشاكل يتطلب قوة ناعمة، بدلاً من القوة الخشنة، ولا أحد يوفرها أفضل من الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين.

وإحدى مخلفات عهد ترامب التي سجلها التاريخ عليه في إطار محاربة أمريكا لتنظيم داعش هي خيانته للأكراد في سوريا الذين تُركوا لمصيرهم تحت رحمة تركيا بعد الانتصار على داعش. كما أن سوريا عموما ومصيرها لا يعني الشيء الكثير للرئيس الأمريكي الذي انسحب منها وتركها ساحة مفتوحة للقوى الخارجية الروسية والتركية والإيرانية وحتى إسرائيل لتحسم النزاع فيها. وسيتعيّن على بايدن استعادة مصداقية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط التي قوّضتها إدارة ترامب.

وربما يكون العراق قد أمر بطرد القوات الأمريكية من البلاد عقب اغتيال قاسم سليماني في بغداد غير أن بقاء هذه القوات يخدم مصلحة البلدين باعتبارها صمام أمان يمنع عودة ظهور تنظيم داعش أو أي تنظيم مشابه، وكذلك تحجيم نفوذ إيران على النظام السياسي العراقي الذي جاء نتيجة للغزو الأمريكي سيئ التخطيط للعراق عام 2003.

ويعتبر وجود الولايات المتحدة في العراق أمرا ضروريا في المستقبل المنظور لضمان تدفق النفط ودعم حلفائها وردع التطرف؛ أما ليبيا فإنها تمثل تحدياً أكثر تعقيداً لأنها تؤثر في مجموعة واسعة من المصالح والحلفاء الذين انزلقوا في خندق هذا البلد الذي يزداد تمزقاً. فهناك دول، مثل تركيا ومصر ودولة الإمارات، وحتى اليونان وإيطاليا، لديها مصالح ثابتة في ليبيا، سواء أكانت مصالح اقتصادية أم سياسية، ولديها قلقٌ تجاه تدفقات الهجرة والطاقة. وكل ما فعلته إدارة ترامب في السنوات الأخيرة هو الدعوة إلى وقف إطلاق النار، ولم يكن هناك أي مؤشر على مشاركة فعالة، وربما لن يحدث هذا بغض النظر عمّن يفوز بالرئاسة ما لم يوجد خطر من اندلاع حرب مباشرة تؤثر في حلفاء الولايات المتحدة.

خاتمة

ربما لا يكون الشرق الأوسط مركزاً لاهتمام الولايات المتحدة، سواء فاز ترامب أو بايدن بالانتخابات الرئاسية، خصوصاً أن السنوات المقبلة سيتعيّن فيها على الولايات المتحدة معالجة آثار الدمار الذي خّلفه وباء “كوفيد-19″، إلا أن استمرار ترامب لأربع سنوات أخرى سيفاقم وسيزيد من تهميش الولايات المتحدة ويجعلها على هوامش السياسة في المنطقة.

وفي حال بايدن، فقد تتبنّى إدارته سياسات أكثر تماسكاً ووضوحاً، وربما تفعل ما يكفي فقط لمعالجة الأضرار وتعود إلى اتّباع نهج أكثر تعددية للتصدي لقضايا إيران العدوانية والنووية. وربما تمنع ترسيخ الاحتلال الإسرائيلي، وتستخدم قوتها الناعمة لتعزيز الإصلاحات اللازمة ودعم حلفائها.

كما يمكن أن تلجأ في الوقت نفسه إلى القوة الخشنة للحيلولة دون ظهور تنظيمات شبيهة بتنظيم داعش مرة أخرى؛ ومع هذا تظل الولايات المتحدة حتى الآن قوة متراجعة الأهمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهذا اتجاه قد توقفه رئاسة بايدن، وربما تقلبه رأساً على عقب.

المواضيع ذات الصلة