Insight Image

الانتخابات البرلمانية الأوربية وتداعياتها على أزمة اللاجئين

27 يناير 2020

الانتخابات البرلمانية الأوربية وتداعياتها على أزمة اللاجئين

27 يناير 2020

في أعقاب فرض قيود برلمانية مشدّدة على الهجرة، انخفض إجمالي عدد المهاجرين إلى أوربا، منذ يناير 2019، إلى أدنى مستوى له خلال خمس سنوات. وهذا يشير إلى تغيير جوهري عمّا كان عليه الحال أيام ذروة أزمة اللاجئين الأوربية في عام 2015 عندما رُصِد وصول أكثر من مليون لاجئ إلى أوربا. ففي الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2019، سجّلت الأمم اrلمتحدة ما يزيد قليلاً على 10,200 لاجئ لإعادة توطينهم في 17 دولة من دول الاتحاد الأوربي.

ووفقاً لآخر إفادة قدمها المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن هذا الرقم يشكل تقريباً ثلث إجمالي طلبات إعادة التوطين المقدَّمة في عام 2018، و60% من متوسط معدل الطلبات السنوية الذي بلغ 16,960 طلباً سنوياً خلال السنوات العشر الماضية (انظر الجدول “1” أدناه).

الجدول رقم 1

(المصدر: المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يناير-مارس 2019)

في عام 2019، تلقت ست دول الاتحاد الأوربي (ألمانيا والسويد وفرنسا والنرويج والمملكة المتحدة وهولندا) 81% من إجمالي طلبات إعادة التوطين. ومن بين الدول السبع عشرة الأعضاء في الاتحاد الأوربي التي تلقت طلبات لإعادة التوطين في عام 2019، أعادت تسع دول توطين لاجئين سوريين في الغالب. وكانت السويد وفرنسا والنرويج والمملكة المتحدة وهولندا هي الدول الوحيدة التي أعادت توطين أعداد كبيرة من اللاجئين أصحاب الجنسيات الأخرى، بمن فيهم القادمون من السودان والكونغو والصومال وجنوب السودان وإريتريا.

وعلى الرغم من الانخفاض المطَّرِد في عدد اللاجئين القادمين إلى أوربا والاختلاف الكبير في وضع الهجرة واللجوء بين عامي 2015 و2019، فقد وصل العديد من الحكومات الأوربية إلى طريق مسدود لأكثر من عام بشأن المراجعة المُزمَعة لسياسة الهجرة واللجوء على نطاق الاتحاد الأوربي. وتجدر الإشارة إلى أن هذه المراجعة تتضمن أيضاً تعديلات في حصص إعادة توطين اللاجئين. ففي أوائل مارس 2019، أخفق وزراء داخلية الاتحاد الأوربي في إنجاز أي إصلاح لسياسة الهجرة في الاتحاد، ما أدى إلى تأجيل قضية الهجرة ليتم التعامل معها بعد الانتخابات البرلمانية الأوربية.

هناك العديد من العوامل الكامنة وراء الخوف المستشري من الهجرة والمخاطر الأمنية المتصلة بها، من بينها:

  1. غياب أي سياسة موحَّدة للهجرة نتيجةً للإخفاق الجماعي في العمل المشترك.
  2. المشاكل البنيوية العميقة داخل الاتحاد الأوربي وغياب الإرادة السياسية لمعالجة مثل هذه القضايا، بما فيها الهجرة (غير النظامية).
  3. حدوث تغيير سياسي على مستوى الاتحاد الأوربي؛ أيْ الانتخابات البرلمانية، حيث كانت الحاجة ماسّة إلى الاستقرار والإجماع السياسييْن.
  4. حدوث وحدة حقيقية بما يكفي بين الأحزاب اليمينية والأحزاب المناهضة للاتحاد الأوربي، والتي ينادي أغلبها بفرض سياسات هجرة أشد صرامة وتقييداً.

في بيان صحفي أصدرته المفوضية الأوربية قبل اجتماع المجلس الأوربي في مارس 2019، صرح النائب الأول لرئيس المجلس الأوربي، فرانس تيمرمانز، بأن هناك مشاكل بنيوية داخل سياسات الاتحاد الأوربي الخاصة باللجوء والهجرة والتي يجب معالجتها عاجلاً، على الرغم من أن الاتحاد لم يعد يعاني أزمة هجرة مثل تلك التي مر بها الاتحاد في عام 2015. ونظرا أهمية وحساسية موضوع الهجرة التي تعتبر من ضمن إحدى القضايا الملحّة التي ينبغي مناقشتها على مستوى الاتحاد الأوربي، فقد ظلت في صدارة الاهتمامات الى حين إجراء الانتخابات البرلمانية الأوربية في مايو 2019. وعلى الرغم من رجحان كفة اليمين في نتائج تلك الانتخابات، فإنها لم تكن حاسمة على وجه الإطلاق، حيث سجلت الأربع سنوات الأخيرة المزيد من الإخفاق الأوروبي المتواصل في إحداث توافق سياسي بين الأحزاب اليسارية الحاكمة في جميع دول الاتحاد الأوربي، الأمر الذي يشير إلى غياب واضح للإجماع الأوروبي حول مسالة الهجرة.

التشكيك في جهود الاتحاد الأوربي لمعالجة مشكلة الهجرة

لقد أخفق الاتحاد الأوربي في وضع منظومة متماسكة تمكِّن أعضاءه من تقاسم المسؤولية عن إدارة تدفقات الهجرة (غير النظامية). وفي الوقت نفسه، طالبت المفوضية الأوربية بإدخال إصلاحات من شأنها زيادة دور “الدول الثالثة الآمنة” التي تستضيف المهاجرين، ومن ثم تحويل مسؤولية الاتحاد الأوربي إلى جهة أخرى من دون معالجة الدوافع الأساسية وراء الهجرة (غير النظامية). وعلى الرغم من جهود إدارة الأزمة التي تضمنتها  الخطة الأوربية بشأن الهجرة لعام 2015، فإن العديد من المبادئ ذات الأهمية الملحّة في تلك الخطة لم تفلح في: 

  1. الاستجابة للكوارث التي تقع في البحر الأبيض المتوسط، ضمن إطار برنامج “إنقاذ الأرواح في البحر” الذي تنفذه وكالة حرس الحدود وخفر السواحل الأوروبية (فرونتيكس) بعملياتها المشتركة، مثل عملية تريتون في إيطاليا وعملية بوسيدون في اليونان.
  2. استهداف شبكات التهريب والاتجار بالبشر في إطار عملية السياسة الأمنية والدفاعية المشتركة من أجل التعرف بطريقة منهجية على الزوارق التي يستخدمها المهربون للدخول إلى أوربا وإلقاء القبض عليها وتدميرها.
  3. الاستجابة للأعداد الضخمة من القادمين إلى أوربا عبر إعادة التوطين.
  4. وضع آلية مشتركة لتوفير الحماية للنازحين عبر إعادة التوطين، وفقاً لتوجيهات مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين.
  5. العمل بالشراكة مع دول ثالثة من أجل التصدي للهجرة في منابعها، من خلال مختلف برامج التنمية والحماية الإقليمية.
  6. استخدام أدوات الاتحاد الأوربي لمساعدة الدول الأعضاء الواقعة في الخطوط الأمامية وتمكينها من التصدي للأعداد الضخمة من اللاجئين من خلال صناديق الطوارئ، وهذا ينطبق خصوصاً على اليونان ومالطا وإيطاليا وإسبانيا.

نظراً إلى عدم وضوح التصور والرؤية لدي الاتحاد الأوروبي منذ بداية أزمة اللاجئين، فإن إقامة الشراكات مع دول ثالثة قد طغت على كل الجهود الأخرى. وهذا جوهرياً يعني تصدير الأزمة الى خارج دول، واستخدام أدوات الاتحاد الأوربي لمساعدة الدول المجاورة للاتحاد، خاصة شمال أفريقيا وتركيا، على منع الناس من القدوم إلى أوربا. وهذا يعني تعزيز قدرات تلك الدول على احتجاز القادمين، قبل كل شيء. وقد تم إنجاز معظم هذه الإجراءات باستخدام تمويل الطوارئ.

علاوةً على ذلك، سوف يتم قريباً تعزيز وكالة حرس الحدود وخفر السواحل الأوروبية (فرونتيكس) بمدها بقوة دائمة من حرس الحدود قوامها 10 آلاف جندي، وسوف تصبح قادرة على امتلاك معدّاتها الخاصة، بما فيها الزوارق والطائرات والمركبات، التي “ستكون جاهزة للاستخدام متى ما وحيثما اقتضت الحاجة”.

في حين انخفض عدد المهاجرين القادمين إلى أوربا في السنوات الأخيرة، خصوصاً منذ عام 2018، فقد انخفض أيضاً مستوى التعاون وتقاسم المسؤولية بين دول الاتحاد الأوربي. إن التردد السائد في تحمل مسؤولية عمليات البحث والإنقاذ بطريقة مستدامة قد فاقم شعور الناخبين بأن الاتحاد الأوربي فقدَ السيطرة على مسألة الهجرة. وفي الوقت نفسه، أظهرت مؤسسات الاتحاد الأوربي تفضيلاً للمزيد من المبادرات غير الرسمية بشأن إدارة الهجرة، مع ما تنطوي عليه من غياب الشفافية وغموض في تحديد المسؤولية، خصوصاً تلك المبادرات التي تطرح مشاريع مشتركة مع دول ثالثة.

إن الوضع في أوربا اليوم يتطلب قيادة جريئة لمعالجة قضية الهجرة باعتبارها ظاهرة عادية وضرورية، ولتعزيز سياسات جامعة ومستدامة بين أعضاء الاتحاد الأوربي والدول الثالثة. مع ذلك، ثمة مؤشرات عديدة تدل على أن الانتخابات البرلمانية الأوربية ساهمت في تعطيل وإعاقة هذه الخطوة.

لا توجد حاليا أية منظومة تستطيع من خلالها دول الاتحاد الأوربي أن تتقاسم المسؤولية بخصوص قضية الهجرة واللجوء. وعلى الرغم من أن أكثر من 152 دولة قد وقّعت وصادقت على الاتفاق العالمي بشأن الهجرة في ديسمبر 2018، وأن 14 دولة من دول الاتحاد الأوربي قد وقّعت على آلية التضامن لتقاسُم عبء المهاجرين في يوليو 2019، لم يحدُث شيء يُذكر لتحسين الأوضاع على أرض الواقع، وهذا ما كرس حالة الجمود الطويلة التي يعيش في ظلها جل دول الاتحاد الأوربي.

من ناحية أخرى، معظم الناخبين الأوربيين لا يعتبرون الهجرة موضوعا محوريا بالنسبة لهم ، بل يهتمون أكثر من ذلك بالقضايا المحلية، مثل الفساد ومستويات المعيشة والإسكان والبطالة والصحة، وذلك وفقاً لدراسة استقصائية أجرتها مؤسسة يوغوف (YouGov) مؤخراً. وعلى الرغم من الجهود المناهضة للهجرة التي ترمي إلى تصوير الانتخابات البرلمانية الأوربية على أنها استفتاء على الهجرة، كان الناخبون في إيطاليا وبولندا ورومانيا وإسبانيا مهتمّين بمن يغادرون بلدانهم أكثر من اهتمامهم بالقادمين إليها.

بالإضافة إلى ذلك، حدثت سلسلة طويلة من المظاهرات في جميع أرجاء إيطاليا تُعبّر عن استنكار لفقدان الألوف من المهاجرين  في مياه البحر الأبيض المتوسط. لقد بلغ عدد الموتى بين المهاجرين، الذين حاولوا عبور البحر المتوسط، ألف شخص للعام السادس على التوالي. ومنذ عام 2014، تم توثيق نحو 19 ألف حالة وفاة. وهناك نحو 12 ألف جثة لم يُعثَر عليها ، كما لم يتم التعرف على رفات أغلب أصحابها.

على الرغم من الانخفاض الكبير في عدد المهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى أوربا عبر البحر الأبيض المتوسط، خصوصاً بعد الاتفاق الثنائي الموقَّع بين إيطاليا وليبيا في عام 2017، والمشكوك فيه إلى حدٍّ ما، فقد ارتفع معدل الوفيات في مياه البحر، حيث بلغ ثلاثة أضعافٍ في عام 2018. وبموجب ذلك الاتفاق، ينبغي على ليبيا إيقاف المهاجرين الذين يحاولون العبور، مقابل تدريب حرس السواحل الليبية والحصول على زوارق وأموال.

وفي محاولة أخرى لاستخدام التدابير المؤقتة، اتفقت إيطاليا ومالطا وألمانيا وفرنسا في نهاية سبتمبر 2019 على خطة لتقاسم المسؤولية عن استضافة طالبي اللجوء والمهاجرين الذين تم إنقاذهم في وسط البحر الأبيض المتوسط. وقد تم التوقيع على الاتفاق في مالطا، بعد فترة وجيزة من موافقة الحكومة الإيطالية الائتلافية الجديدة، ذات الميول اليسارية، على فتح أحد موانئها أمام قارب ثانٍ من قوارب المنظمات غير الحكومية كان يحمل 182 شخصاً على متنه. إن المرحلة الجديدة من آليات الطوارئ المؤقتة تمثِّل تقدماً ملحوظاً مقارنةً مع الترتيب السابق الذي لا يسمح لأكثر من سفينة في وقت واحد وكان له تأثير ضار على المهاجرين. وفي الوقت نفسه، أُلقي القبض على أكثر من 2,300 طالب لجوء وأُعيدوا قسراً إلى معسكرات الاحتجاز الليبية منذ بداية عام 2019، وتم تجريم المنظمات غير الحكومية التي تعمل على إنقاذ المهاجرين وفرض غرامة عليها بصورة منتظمة.

إن إخفاق أوربا في جعل خطابها الأخلاقي مطابقاً لأفعالها قد أدى إلى اتخاذ إجراءات أقل رسميةً وشفافية، وإلى مشاركة دول أقل عدداً في حل مشكلة الهجرة، وإتاحة مجال أوسع لممارسة أعمال تمييزية ضد المهاجرين. إضافة إلى ذلك، يبدو أن الاتحاد الأوربي يفضل التعاون مع دول ثالثة في محاولة منه لتصدير المشكلة، كما اتضح ذلك في ترتيبات الإنزال من السفن التي اعتمدها، واتفاق الاتحاد الأوربي وتركيا في عام 2016، والصندوق الائتماني لحالات الطوارئ في أفريقيا في عام 2019، والتعاون الإسباني-المغربي في عام 2018 لكبح الهجرة غير النظامية، والاتفاق الثنائي بين إيطاليا وليبيا.

إضافة إلى ذلك، لا يوجد سوى القليل من المعلومات المتاحة حول طريقة عمل آلية التضامن الأوربية، بما في ذلك ترتيبات الإنزال بالنسبة إلى السفن التي تحمل مهاجرين. وهذا يجعل منح اللجوء في أوربا أمراً مرتبطاً بحسن نوايا الدول الأعضاء الفردية أكثر من كونه التزاماً دولياً منصوصاً عليه في القانون الإنساني.

كما أن التحول في التشريع الأوربي لم يكن يسير على خطى التغييرات المتسارعة على أرض الواقع، حيث نجد أن مسودة خطة الاتحاد الأوربي الخاصة بإطار إعادة التوطين تستخدم منطق الحوافز مع فرض العديد من الشروط لحصص إعادة التوطين. ومن هذه الشروط:

  1. وضع آليات لإثبات حدوث انخفاض في تدفقات المهاجرين غير النظاميين من المنبع.
  2. زيادة عمليات العودة من خلال اتفاقات للسماح مجدداً للمهاجرين غير النظاميين بدخول البلدان التي أتوا منها.
  3. وضع شروط لعودة طالبي اللجوء بناءً على نظام لجوء فعّال.

الانتخابات البرلمانية الأوروبية– عامل محفّز للتغيير السلبي

في 27 مايو، تم الإعلان عن نتائج الانتخابات البرلمانية الأوربية لعام 2019، والتي أظهرت تحولاً هائلاً في المشهد السياسي للاتحاد الأوربي. فللمرة الأولى منذ أكثر من 40 عاماً، لم تعد كتل يمين الوسط ويسار الوسط صاحبة أغلبية في برلمان الاتحاد الأوربي، بعد أن كانت مهيمنة في السابق. وقد تقهقرت أحزاب الوسط في جميع الدول الأعضاء، خصوصاً الدول الكبرى في الاتحاد الأوربي، مثل ألمانيا وفرنسا، التي كانت تقليدياً أكثر ميلاً إلى الوسط. وكانت الأحزاب السياسية المختلفة في جميع أنحاء الاتحاد الأوربي قد دفعت بقضية الهجرة إلى مركز الاهتمام باعتبارها المسألة الحاسمة للهوية الأوروربية، حيث وُصِفت الانتخابات البرلمانية بأنها أداة لتحديد حُرّاس هذه الهوية، على الرغم من البيانات المتضاربة التي جُمعت قبل الانتخابات عن أفضليات الناخبين (مسح مؤسسة يوغوف YouGov).

لقد كشفت نتائج الانتخابات عن اتجاهٍ واضح بعض الشيء نحو فوز الأحزاب اليمينية في مختلف أنحاء أوربا، بما فيها الدول الكبرى مثل المملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا. فقد حصل “حزب بريكسيت” البريطاني على 31.7% من أصوات الناخبين البريطانيين. وفي فرنسا، حصل حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف (الجبهة الوطنية سابقاً) على 23.2%. وفي إيطاليا، حصل حزب رابطة الشمال، بقيادة ماتيو سالفيني، على 33.43% من الأصوات، بعد أن كان قد حصل على 6.2% فقط في انتخابات البرلمان الأوربي في عام 2014، ما يظهر المكاسب التي حققها اليمين المتطرف. وفي المجر، حصل حزب فيدس اليميني الحاكم على 52% من الأصوات، متعهداً بالمزيد من التشدد في موقف البلاد، المتحفِّظ سلفاً، تجاه الهجرة.

الرسم البياني رقم 1

(المصدر:  Euractiv.com/البرلمان الأوربي بالتعاون مع مجموعة كانتار، مايو 2019)

 

الجدول رقم 2

(المصدر:  Euractiv.com/ البرلمان الأوربي بالتعاون مع مجموعة كانتار، مايو 2019)

 

على الرغم من أن أعداد المهاجرين غير النظاميين القادمين إلى أوربا بلغت أدنى مستوياتها في السنوات الخمس الماضية، خصوصاً منذ أزمة اللاجئين الأوربية في عام 2015، فإن القضايا المرتبطة بالهجرة واللاجئين ظلت من الأولويات القصوى بالنسبة إلى مختلف الأحزاب السياسية الأوربية، الأمر الذي يشير إلى وجود فجوة بين الأجندة الرسمية وهموم الناخبين. وقد أدى هذا التناقض إلى تحويل التركيز نحو الحد من الهجرة (غير النظامية) وتشديد الرقابة على الحدود باتخاذ تدابير عملية وتوفير تمويل لحالات الطوارئ. وفي المقابل، شهدت أوربا انخفاضاً في التعاون على مستوى الاتحاد الأوربي، وارتفاعاً في التدابير غير الشفافة ضد المهاجرين، بالإضافة إلى تصدير المشكلة إلى دول ثالثة.

إن صعود اليمين المتطرف يهدد بزيادة الظروف سوءاً بالنسبة إلى المهاجرين الذين يحاولون دخول أوربا في السنوات المقبلة. وفي حين أن معاداة المهاجرين على مستوى السياسات كثيراً ما تكون مرتبطة بالحركات اليمينية المتطرفة، فحتى قادة التيار السائد في أوربا قد انخرطوا في إشاعة الخوف ضد المهاجرين وفرضوا ضوابط غير إنسانية للحد من الهجرة ومنعها قبل الانتخابات وبعدها. وكان زعماء أوربيون بارزون، مثل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، من القلائل الذين رحبوا بعدد كبير من اللاجئين واعترفوا بأن بعض سياسات الهجرة الأوربية ينطوي على مشاكل معقّدة. وعلى الرغم من هذا الاعتراف، فإن الإرادة السياسية على مستوى الاتحاد الأوربي تجاه تغيير الوضع القائم قد بلغت أدنى حدٍّ لها. إن بروز الأحزاب المناوئة للمهاجرين قد نجح في دفع قادة الاتحاد الأوربي إلى الموافقة على اتخاذ سياسات أشد صرامة تجاه المهاجرين، من دون معالجة المشاكل الكامنة في نظام الهجرة الأوربي الذي يحتاج إلى مراجعة عاجلة.

إن طرق معالجة الهجرة داخل الاتحاد الأوربي أصبحت مشتتة بين مقترحات تقاسم الأعباء وتوفير المزيد من التمويل لوكالة حرس الحدود وخفر السواحل الأوروبية (فرونتيكس) والاستعانة بدول ثالثة لإيجاد حلول للمشكلة. وهذا يدل على غياب الإجماع حول الموضوع والمشاكل المحتملة التي تنتظر المناقشات المستقبلية بشأن مراجعة سياسات الهجرة المتّبَعة على مستوى الاتحاد الأوربي وعلى المستوى الوطني. (انظر الجدول رقم 3 أدناه).

الجدول رقم 3

(المصدر: Euractiv.com، مايو 2019)

لقد تأرجح الوضع العام بين طرفي نقيض؛ حيث يتم الترويج لتوفير مرور آمن وتعزيز حقوق الإنسان والمزيد من التعاون، في حين يتم تعزيز المزيد من الرقابة المشددة على الحدود والمزيد من التمويل لوكالة حرس الحدود وخفر السواحل الأوروبية (فرونتيكس) والتشديد من شروط الدخول باعتبار ذلك هو الحل الأسلم. وفي الوقت نفسه، تركز بعض الأحزاب أيضاً على تصدير القضايا المتعلقة بالهجرة من خلال إيجاد الحلول في دول ثالثة. وهذا يعني أساساً أن جوهر نظام الهجرة في الاتحاد الأوربي لا بدّ أن يُترَك كما هو، ولكن تُحوَّل مشاكله إلى مكان آخر في حين تعالج أوروبا قضاياها الداخلية الأكثر أهمية. وتشير هذه التباينات الواضحة في السياسات إلى أن قضية الهجرة ما زالت في حاجة إلى الكثير من النقاش.

فرصة مواتية

بالنظر إلى المناخ السياسي السائد اليوم في مختلف أنحاء الاتحاد الأوربي، فإن انتخابات البرلمان الأوربي لعام 2019 قد تؤدي إلى المزيد من تطبيق سياسات غير إنسانية في حق اللاجئين وطالبي اللجوء. ويتضح هذا في المكاسب التي حققتها الأحزاب اليمينية المتطرفة المناهضة للمهاجرين على حساب تحالفات وسطية أكثر تقليدية تولت قيادة البرلمان لأربعين عاماً. لقد أصبحت مشكلة الهجرة في أوربا أكثر تعقيداً مع استمرار الجمود إزاء التوصل إلى تشريع موحد بشأن الهجرة ووجود تشريع أشد قسوة على المستوى الوطني في دول اللجوء الرئيسية.

ربما تكون الانتخابات البرلمانية في الاتحاد الأوربي قد أحدثت تحوُّلاً في الموقف السياسي الأوربي في اتجاه التضييق على الهجرة وكثَّفت التركيز على الحدود الأوربية في السنوات الخمس المقبلة. غير أن القضايا الأكثر إلحاحاً التي تتطلب المزيد من الجهد تشمل (1) مراقبة ممر غرب البحر الأبيض المتوسط ودعم المغرب (2) مراقبة ممر وسط البحر الأبيض المتوسط وتقديم الدعم من أجل تحسين الأوضاع في ليبيا (3) مراقبة ممر شرق البحر الأبيض المتوسط وإدارة الهجرة في اليونان (4) الترتيبات المؤقتة للإنزال من القوارب والسفن، والتي تعني وضع المزيد من الحلول المؤقتة التي استُحدِثت في صيف عام 2018 وفي يناير 2019.

لقد أصبح من الواجب اعتماد نهج شامل بشأن قضية الهجرة. كما أن الوضع يتطلب اتخاذ مجموعة من الإجراءات المتواصلة والمنسقة التي تتسق مع كل من الركائز الأربع لخطة الهجرة في السنوات الخمس المقبلة:

الحد من العوامل المحفزة على الهجرة غير النظامية، وذلك عن طريق: (أ) معالجة الأسباب الجذرية للنزوح القسري وغير النظامي في الدول الثالثة (ب) مكافحة المتّجرين بالبشر ومهربيهم (ج) معالجة مسألة العودة (الآمنة).

  1. تعزيز إدارة الحدود – إنقاذ الأرواح وتأمين الحدود الخارجية – من خلال (أ) تعزيز دور وقدرات وكالة حرس الحدود وخفر السواحل الأوروبية (فرونتيكس) (ب) وضع معيار لإدارة الحدود على مستوى الاتحاد الأوربي (ج) تعزيز التنسيق داخل الاتحاد الأوربي فيما يتعلق بوظائف حرس السواحل (د) مراجعة المقترح الخاص بالحدود الذكية (هـ) تعزيز قدرات الدول الثالثة على إدارة حدودها.
  2. واجب أوروبا تجاه الحماية – وضع سياسة لجوء مشتركة فعالة، من خلال (أ) التنفيذ المُحكَم لنظام اللجوء الأوروبي المشترك (ب) المزيد من تطبيق نظام دبلن، الذي يعني تقاسُم أكبر للمسؤولية بين الدول الأعضاء (ج) تعزيز الأحكام الخاصة بـ”بلد المنشأ الآمن” المنصوص عليها في نظام إجراءات اللجوء، وذلك للمساعدة في تسريع معالجة طلبات اللجوء من الدول المصنَّفة على أنها آمنة.
  3. وضع سياسة جديدة للهجرة الشرعية، من خلال (أ) اعتماد سياسة ثابتة ومُحكَمة بشأن الهجرة والتأشيرة (ب) التكامل الفعال (ج) تعظيم فوائد التنمية في دول المنشأ (د) إنشاء منبر للحوار مع الشركاء الاجتماعيين حول الهجرة الاقتصادية.

غير أن هذه المقاربات بعيدة كل البعد عن الوضوح في ظل الاختلافات الجوهرية في أساليب التعامل مع الهجرة بين الأحزاب الرئيسية الفائزة في الانتخابات البرلمانية الأوربية. عموماً، في غياب حركة موحّدة وإرادة سياسية كافية لمناقشة الاختلافات الجوهرية في أساليب التعامل مع الهجرة التي ظهرت مباشرةً قبل فترة الانتخابات، فسوف تظل سياسة الهجرة في الاتحاد الأوربي في حاجة ماسّة إلى التغيير، بل ربما تزداد سوءاً، خصوصاً إذا نجحت الأحزاب اليمينية في الانتخابات الوطنية في المستقبل.

يتوفر الاتحاد الأوربي على الأدوات اللازمة لمعالجة قضية الهجرة بطريقة أمثل، كما تُبيِّن الخطة الأوروبية بشأن الهجرة. ولكن الجانب الإشكالي في المستقبل وفي السنوات الخمس المقبلة هو احتمال الافتقار إلى الإرادة السياسية الضرورية لتحقيق هذا الحل، نظراً إلى الصعود الواضح للأحزاب اليمينية في جميع أنحاء أوروبا وكثرة المقاربات المتباينة في التعاطي مع جوهر مشكلة الهجرة. وفي النهاية، مثلما انخفضت أعداد المهاجرين الوافدين إلى أوربا، انخفض أيضاً التعاون وتقاسم المسؤولية داخل الاتحاد الأوربي. إن جهود الاتحاد الأوربي لتحويل المسؤولية إلى جهات أخرى سوف تزيد من خطر المزيد من الوفيات وتقلل من احتمال حل الأزمة المستفحلة داخل الاتحاد الأوربي في المستقبل

المواضيع ذات الصلة