Insight Image

التنظيمات المتطرفة والتوظيف الديني لـ “كوفيد-19”: الأبعاد والتداعيات المحتملة على الإرهاب الدولي

06 يوليو 2020

التنظيمات المتطرفة والتوظيف الديني لـ “كوفيد-19”: الأبعاد والتداعيات المحتملة على الإرهاب الدولي

06 يوليو 2020

رغم التوقعات التي كانت تشير إلى أن فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” قد يؤدي إلى تراجع خطر الإرهاب في العديد من المناطق الرئيسية التي تنشط فيها التنظيمات المتطرفة باعتباره أزمة إنسانية تواجه البشرية جمعاء، فإن التطورات الأخيرة تشير إلى عكس ذلك، وتوضح كيف سعت هذه التنظيمات، وتسعى، إلى توظيف هذا الوباء في تعزيز نفوذها، خاصة في مناطق الأزمات. كما استغلت هذه الجماعات إجراءات الحظر والإغلاق التي نفذتها معظم دول العالم في الترويج لأيديولوجياتها، وإعادة تنظيم صفوفها وممارسة أنشطتها الإرهابية في العديد من مناطق العالم.

  الجماعات المتطرفة والتوظيف الديني لجائحة “كوفيد-19”

عملت التنظيمات المتطرفة والإرهابية بمجرد الإعلان عن تفشي وباء كورونا المستجد في مدينة “ووهان” الصينية في ديسمبر 2019 على “تديين” هذا الفيروس، وإسباغه بمبررات دينية تخدم مصالحها؛ فعلى سبيل المثال فإن تنظيم “داعش” فسر انتشار الفيروس على أنه “عقاب من الله”، وحاول تأويل بعض الآيات القرآنية التي تتوافق مع فكره المغلوط، من بينها الآية الثانية عشر من سورة البروج، والتي يقول فيها الله عز وجل: “إن بطش ربك لشديد”؛ كدلالة على أن انتشار هذا الفيروس هو عقاب من الله لمن خالفوا تعاليم الشريعة الإسلامية ومبادئها[1].

لقد ترجم تنظيم “داعش” هذه الرؤية الدينية لفيروس كورونا المستجد في إصداراته الإعلامية، وخاصة في مجلته الأسبوعية “النبأ”، فقد وصفت افتتاحية العدد رقم (226) الذي صدر في 19 مارس 2020 فيروسَ كورونا المستجد بأنه “عذاب أرسله الله إلى أعدائه”. كما نشرت قناة “جرين بيردز” التابعة للتنظيم صورة للفيروس مع تعليق مكتوب عليه “جندي الله”[2].

تنظيم القاعدة هو الآخر تعامل مع فيروس كورونا المستجد من منطلق ديني، حيث أصدر وثيقة موجهة إلى كوادره، والتابعين له في الخارج، تزعم “أن هذا الفيروس أصاب غير المؤمنين”، في محاولة لكسب تعاطف المسلمين وتجنيد المزيد من المؤيدين في صفوفه[3]. كما نشرت – وكالة ثبات الإعلامية – التابعة للتنظيم وثيقة تحت عنوان “كورونا: إبادة للظالمين وشهادة للمؤمنين” تصف المسلمين الذين توفوا نتيجة للفيروس بأنهم شهداء، وتدعو الجماعات التابعة للقاعدة إلى استغلال الوضع الحالي من خلال شن المزيد من الهجمات ضد أعدائهم[4].

ولم يخف تنظيم القاعدة أيضاً ترحيبه بالضرر الذي لحق بالاقتصاد الأمريكي جراء فيروس كورونا المستجد، ودعا مواطني الدول الغربية إلى مراجعة ما أسماه “الفساد الأخلاقي والاقتصاد الربوي، والظلم الذي تسببت فيه حكوماتهم”، وذلك في محاولة لاستغلال العامل الديني في كسب القلوب والعقول، والترويج لأيديولوجية التنظيم، بهدف استمالة المزيد من العناصر في صفوفه في مرحلة ما بعد “كوفيد-19”[5].

توجه التنظيمات المتطرفة والإرهابية إلى “تديين” وباء كورونا المستجد، يشير إلى عدة أمور رئيسية هي: 

  1. عدم تواني هذه الجماعات في استغلال الأزمات لصالحها، أياً كانت طبيعتها، سواءً أكانت سياسية أم اقتصادية أم صحية كـ “كورونا”، فهذا ملمح عام يميزها عن غيرها من الجماعات السياسية والاجتماعية الأخرى، حيث تشير خبرة السنوات الماضية إلى أن الجماعات المتطرفة والإرهابية استغلت الأزمات التي واجهتها بعض دول المنطقة، وعملت على تعزيز نفوذها فيها على غرار ما هو في سوريا والعراق واليمن وليبيا، مستغلة حالة الفراغ الأمني في هذه الدول للتواجد والتمركز، والانطلاق منها إلى تنفيذ عملياتها الإرهابية في دول الجوار.ورغم أن جائحة “كوفيد-19” هي أزمة صحية وإنسانية، إلا أن هذه الجماعات تعاملت معها باعتبارها فرصة لتعزيز النفوذ والانتشار، فتنظيم “داعش” على سبيل المثال استغل إعلان قوات التحالف والقوات الأمريكية تعليق عملياتها في العراق وسوريا لصالحه وعمد إلى إعادة تنظيم صفوفه في كل من الدولتين، واستئناف أنشطته الإرهابية[6].
  1. اعتبار الجماعات المتطرفة جائحة “كوفيد-19” فرصة ينبغي استثمارها بشكل جيد في المستقبل[7]، ليس فقط في تعزيز نفوذها وتواجدها في مناطق جديدة، وإنما أيضاً في الترويج لأيديولوجياتها. وقد حذر مركز “صواب”، وهو مبادرة إماراتية – أمريكية لمحاربة دعاية داعش على وسائل التواصل الاجتماعي، بالفعل من استغلال الجماعات المتطرفة – منها تنظيم “داعش” – لجائحة “كورونا” في نشر أفكارها المسمومة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتنفيذ عملياتها الإرهابية.كما نبّه المركز إلى أن “الإرهاب والمرض إن تُركا من دون مواجهة، سينتشران ويدمران المجتمعات؛ فالتطرف وكره الآخر والعنصرية والإرهاب، كلها أمراض خطرة ومزمنة يجب التعامل معها كأي مرض آخر يهدد الحياة والسلام”[8].وتأتي هذه التحذيرات بالنظر للمخاوف المتنامية من أن إجراءات العزل والحجر المنزلي الناجم عن وباء كورونا المستجد تتيح فرصاً أكبر لتنظيم داعش، وغيره من التنظيمات المتطرفة، في استغلال الفضاء الرقمي لنشر أفكارها، خاصة مع قضاء الأفراد معظم أوقاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي ومنصاتها، والتي تعد أهم الأدوات التي توظفها هذه التنظيمات في التواصل مع النشء والشباب.
  1. محاولات الجماعات المتطرفة “تديين” وباء كورونا المستجد لا يكشف فقط عن انتهازيتها، وإنما أيضاً عن سطحية فكرها، فحينما يزعم تنظيم “داعش” أن هذا الوباء “عقاب إلهي للأعداء… وعذاب مؤلم من الله للغرب، وبخاصة الدول المشاركة في عمليات عسكرية ضد التنظيم” [9]، وحينما يصور تنظيم القاعدة هذا الوباء بأنه جاء لعقاب الدول الغربية على “فسادهم الأخلاقي واقتصاداتهم الربوية”، فإنما يؤكد أن هذه التنظيمات تعيش خارج التاريخ، وتتجاهل حقيقة أن وباء كورونا المستجد ظاهرة طبيعية تستهدف جميع البشر.وفضلا عن هذا فإنها تتجاهل أيضاً حقيقة أن العالم شهد على مدار تاريخه انتشار العديد من الفيروسات والأمراض المتفشية والأوبئة التي راح ضحيتها الملايين حول العالم، من بينها الملاريا والسل والطاعون والحصبة والإنفلونزا والسارس وأنفلونزا الطيور وأنفلونزا الخنازير وغيرها، والإنفلونزا الإسبانية التي تُصنف “بأم الجوائح”، خاصة أنها تسببت في موت ما بين 40 إلى 50 مليون إنسان في غضون عامين بين عامي 1918 و1920 حسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية ومركز السيطرة على الأوبئة الأمريكي[10].كما أن ادعاء هذه التنظيمات المتطرفة القائل بأن فيروس كورونا المستجد هو “عقاب للغرب”، أمر مغلوط، لأن الوباء أصاب جميع دول العالم بما فيها الدول المسلمة، بل أن  وباء “كوفيد-19” يختلف عن الأوبئة السابقة في عالميته واتساع  رقعة انتشاره وتزايد أعداد المصابين والمتوفين به، بينما كانت أوبئة الماضي، وإلى حدود منتصف القرن العشرين، محلية تصاب بها بلاد بعينها، وكان يسهل التعامل معها واحتواؤها، بينما مع جائحة “كوفيد-19” فإن الأمر يبدو صعباً مع تغلغل الوباء في جميع أنحاء المعمورة وزيادة أعداد المصابين والمتوفين به[11].

 جائحة “كوفيد-19″… أي تأثير على التطرف والإرهاب؟

رغم توظيف الجماعات المتطرفة لوباء كورونا المستجد دينياً، ومحاولات تسييسه لتعزيز نفوذها إلا أن هناك جدلاً حول طبيعة تأثير ذلك على تنامي الفكر المتطرف وانتشار الإرهاب في العالم، ففي الوقت الذي يذهب فيه البعض إلى أن “كوفيد-19” يمثل قيداً على انتشار الإرهاب، لا سيما في الدول التي ينتشر فيها الوباء، خاصة أن عناصر التنظيمات الإرهابية كـ “داعش” ربما تخشى الإصابة بهذا الوباء، ولهذا تفضل الابتعاد عن الأنظار والبقاء في حالة من الكمون ومن ثم إرجاء أنشطتها الإرهابية حتى ينتهي هذا الوباء[12]، لكن المؤكد أن “كوفيد-19” أوجد بيئة مناسبة لتنامي التطرف وتصاعد خطر الإرهاب في المنطقة والعالم، ولعل من أهم المؤشرات على ذلك:

  1. استمرار الترويج للأفكار والأيديولوجيات المتطرفة حيث أتاحت التداعيات التي ترتبت على جائحة “كوفيد-19” في العديد من دول العالم، من إغلاق المدارس وتعليق الأنشطة الترفيهية والثقافية واللجوء إلى العمل عن بُعد، والتعليم عن بُعد فرصاً للتنظيمات المتطرفة لنشر أفكارها من خلال استغلال تواجد الشباب في المنازل، وقضاء المزيد من الأوقات في تصفح الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي[13]. كما أن حالة الهلع والرعب التي تزامنت مع تفشي هذا الوباء دفعت بالعديد من الجماعات المتطرفة إلى البحث عن فئات جديدة وإقناعها بأفكارها، خاصة في المجتمعات الغربية التي كانت الأكثر تضرراً من هذا الوباء[14].
  1. استمرار عمليات التجنيد من جانب التنظيمات المتطرفة التي تنظر إلى وباء كورونا باعتباره فرصة يمكن استغلالها في الدعاية السياسية لمبادئها وأهدافها العامة، ومن ثم كسب مجندين جدد[15]. كما أن التداعيات السلبية المترتبة على هذه الجائحة من تباطؤ وتيرة الاقتصاد، وانخفاض مستويات المعيشة، وتنامي معدلات البطالة، هيأت بيئة ملائمة لهذه التنظيمات تمكنها من استغلال الاحتياجات المالية للأفراد، ومحاولة تجنيدهم عبر تقديم تسهيلات وحوافز اقتصادية تساعدهم على مواجهة التداعيات الاقتصادية لهذه الأزمة[16]؛ والمثال على هذا الفلبين، فأثناء الإغلاق التام للبلاد لاحتواء تفشي هذا الوباء، استمر تنظيم “داعش” في مزاولة أنشطته وبقوة، مستغلًا إجراءات الحجر الصحي ضد الجائحة؛ وقام بتجنيد الأعضاء، ونشر الأفكار المتطرفة، خاصة في المناطق الريفية المنكوبة التي تضررت بشدة من عمليات الإغلاق[17].
  1. استمرار الأنشطة الإرهابية في العديد من المناطق حول العالم جراء انشغال دول العالم بمواجهة وباء كورونا المستجد الأمر الذي سعت معه العديد من الجماعات المتطرفة في أكثر من منطقة إلى إثبات أنها ما تزال قادرة على الفعل والحركة، حيث دعا تنظيم “داعش” عناصره لاستغلال الوباء لتنفيذ عمليات إرهابية في العالم[18]؛ وهذا يرجع بالأساس إلى أن التنظيم الذي خسر مناطق نفوذه الرئيسية في كل من العراق وسوريا وتم اغتيال زعيمه أبوبكر البغدادي والعديد من قياداته الميدانيين يحاول استغلال هذا الوباء في إعادة تنظيم صفوفه مجدداً، وكسب نقاط قوة جديدة، خاصة مع إعلان التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” الذي تقوده الولايات المتحدة في 20 من مارس 2020 سحب بعض قواته في العراق وإعادة تمركزها خوفاً من تفشي فيروس كورونا المستجد بين قوات التحالف[19].ولهذا صعد التنظيم من أنشطته الإرهابية في المناطق المتنازع عليها في العراق وسوريا حيث قام في 9 من مارس 2020 باستهداف قوات الحشد الشعبي المتمركزة قرب مطار حليوة العسكري غرب قضاء طوزخورماتو مما أدى إلى استشهاد اثنين من قوات الحشد وإصابة ثلاثة آخرين. كما أعلن التنظيم في 9 من أبريل 2020 مسؤوليته عن  شن 29 هجومًا منفصلاً في العراق في الفترة بين 1 و8 أبريل. وأعلن التنظيم أيضا مسؤوليته عن 11 هجومًا في سوريا خلال الفترة نفسها. كما شن “داعش” في 9 أبريل 2020 هجومًا واسع النطاق على بلدة السخنة في محافظة حمص شرق سوريا، مما أسفر عن مقتل 32 جنديًا سوريًا و26 من مقاتلي “داعش”[20] . كما تحرك التنظيم أيضاً إلى تحرير مقاتليه المعتقلين في السجون السورية والعراقية، وتسبب في العديد من أعمال الشغب في المناطق المحيطة بهذه السجون[21]، هذا فضلاً عن هروب عدد من معتقلي “داعش” من سجن “الغويران” في الحسكة شمال-شرق سوريا [22].وأفادت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في مايو 2020 أن التنظيم قرر استغلال ظروف العالم تحت وطأة “كوفيد-19” لتصعيد هجماته، حيث نفذ أكثر من 20 هجوماً ضد الأكراد وفي مناطق دير الزور والرقة، ما أدى إلى إصابة ومقتل العشرات، كما نجح في تهريب عناصر من سجن تابع لمخيم الهول؛ هذا في الوقت الذي تشير فيه التقديرات إلى أن عدد أعضاء داعش أصبح يتراوح ما بين 14 إلى 18 ألفاً في الأراضي التي ينشط فيها في سوريا والعراق[23]، وهذا أمر ينطوي على خطورة بالغة، لأنه يؤكد استمرار قدرة التنظيم على التجنيد وضم المزيد من العناصر إليه، وما يعنيه ذلك من احتمال تصاعد أنشطته الإرهابية في المستقبل.ولم تقتصر أنشطة “داعش” الإرهابية على سوريا والعراق، بل امتدت إلى العديد من دول القارة الأفريقية، حيث حذر مجلس السلم والأمن للاتحاد الإفريقي من انعكاسات تفشي وباء كورونا المستجد في إفريقيا في ظل رفض المجموعات الإرهابية والمسلحة وقف عملياتها الإرهابية، وتوقع تصاعد هذه العمليات مع استعانة العديد من دول القارة بجيوشها للمساهمة في مكافحة تفشي وباء كورونا، ما يترك فراغًا أمنيًّا تستغله هذه التنظيمات الإرهابية في استئناف أنشطتها الإرهابية[24].وبالفعل، وحسب مؤشر دار الإفتاء المصرية فإن “القارة الأفريقية شهدت العديد من العمليات الإرهابية خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث ضرب الإرهاب تسع دول أفريقية هي (الصومال، والنيجر، وتشاد، وبوركينا فاسو، وليبيا، وتونس، والكاميرون، ومالي، والكونغو الديمقراطية)، وما تزال أفريقيا مهددة بانتشار التنظيمات الإرهابية، وهناك تنافس قوى بين كل من التنظيمات المُبايعة لـ “داعش” في غرب القارة، والمبايعة لـ “القاعدة”، وانتقل هذا التنافس أخيراً إلى وسط القارة، من خلال فرع “داعش” في الصحراء الكبرى، وجماعة (نصرة الإسلام والمسلمين) الموالية لـ “القاعدة”[25]، فيما تواصل كل من حركة “الشباب” الصومالية وحركة “بوكو حرام” النيجيرية هجماتهما الإرهابية [26].
  1. تزايد المخاوف من لجوء التنظيمات المتطرفة والإرهابية إلى الأسلحة البيولوجية والجرثومية حيث وجه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في مداخلته عبر الفيديو خلال جلسة مجلس الأمن التي عقدت لمناقشة جائحة فيروس كورونا المستجد في أوائل أبريل 2020 تحذيراً من إمكانية “حصول جماعات غير حكومية على الفيروسات واجتياح بلدان ومجموعات بكاملها في كل العالم… واستفادة الجماعات الإرهابية من الأزمة الحالية (كوفيد-19)، وانشغال الحكومات لشن هجوم في أي مكان”، وأعرب غوتيريس عن قناعته بوجود خطر متصاعد في المستقبل، يتمثل في شن الإرهابيين هجمات بيولوجية سامة؛ تهدف إلى انتشار أوبئة قاتلة مثل وباء  كورونا المستجد[27]. ولا شك في أن هذا التحذير يشير إلى أن الجماعات المتطرفة والإرهابية بإمكانها توجيه ضربات بيولوجية، أو جرثومية[28]، وهو أمر لا شك يمثل تهديداً للأمن والسلم والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي.لقد أثارت جائحة كورونا المخاوف من إمكانية حصول التنظيمات المتطرفة والإرهابية على الأسلحة البيولوجية، وهو ما حذرت منه الاستخبارات الروسية عام 2019، حينما ذكرت بأن الإرهاب الدولي يحاول الحصول على الأسلحة البيولوجية والكيميائية والنووية لاستخدامها في هجماته، وبالدرجة الأولى يخص ذلك محاولات الإرهابيين المستمرة للحصول على منفذ للدخول إلى المعلومات حول إنتاج وسائل الإصابة النووية والكيميائية والبيولوجية، واهتمامهم المرتفع بالمسائل الخاصة باحتمال استخدام العوامل البيولوجية المسببة للأمراض والمواد الكيميائية السامة، لأغراض إرهابية؛ بل تأكدت هذه الخطورة مع ما جاء في التقرير السنوي لوكالة الشرطة الأوروبية “يوروبول” في يونيو 2019 بأن محكمة ألمانية حاكمت متطرفين اثنين كانا يخططان لشن اعتداء بـقنبلة بيولوجية في ألمانيا، وذلك في قضية هي الأولى من نوعها في ألمانيا[29].وتتزايد المخاوف في أوروبا والعديد من دول العالم في الآونة الأخيرة من إمكانية قيام الجماعات المتطرفة والإرهابية بشن هجمات بيولوجية أو جرثومية، بعدما أظهرت جائحة كورونا المستجد صعوبة السيطرة على هذه النوعية من الفيروسات، فضلاً عن تداعياتها الخطيرة على الاقتصاد الدولي. وقد حذرت لجنة مكافحة الإرهاب في مجلس أوروبا شهر مايو 2020 من أن استخدام الإرهابيين المتعمد لمسببات الأمراض أو مواد بيولوجية فعالة أخرى “قد يكون مؤثرا للغاية”، حيث من الممكن أن يصبح الضرر على الناس والاقتصاد أكبر بكثير من الهجمات الإرهابية[30].

“كوفيد-19” والإرهاب.. تحديات كونية تتطلب تعزيز التعاون في مواجهتها

يمكن القول، في ضوء ما سبق، أن فيروس “كوفيد-19” والإرهاب الدولي يشتركان في عدة سمات، يمكن توضيحها على النحو التالي:

  1. أنهما يندرجان ضمن التحديات الكونية العابرة للحدود التي لا يقتصر أثرها على دولة أو منطقة بعينها، فالإرهاب ظاهرة لا دين لها ولا وطن ولا هوية ترتبط بها، وكذلك فيروس كورونا المستجد فإنه يعد من الأوبئة المتفشية العابرة للحدود، حيث انتشر بسرعة منذ ظهوره في مدينة “ووهان” الصينية، ليعبر إلى جميع دول العالم، المتقدمة والنامية والفقيرة، ويلقي بظلاله السلبية على الجميع دون استثناء.
  1. أنهما يشكلان تهديداً للأمن والسلم الدوليين، فالإرهاب خطر قائم وواقع بالفعل، ويزعزع الأمن والسلم والاستقرار والتنمية ويستنزف مليارات الدولارات سنوياً، يكفي الإشارة هنا إلى أن تكلفة الحرب التي تقودها الولايات المتحدة على الإرهاب منذ أحداث 11 من سبتمبر 2001 وحتى العام 2019، تقدر بـ 5.9 تريليون دولار، وهذا المبلغ يتضمن أكثر من تريليوني دولار أنفقت في العمليات الخارجية، و924 مليار دولار أنفقت على الأمن الداخلي، و353 مليار دولار أنفقت على الرعاية الصحية ورعاية جرحى الحرب والمعاقين من أفراد القوات الأمريكية في مناطق النزاعات[31].كما يمثل، في الوقت ذاته، فيروس “كوفيد-19” تهديداً فعليا للأمن والسلم الدوليين، فسرعة انتشاره وحجم الخسائر الناجمة عنه تشكل تحدياً وجودياً ليس للنظام الدولي فحسب بل للبشرية جمعاء في ظل صعوبة السيطرة عليه حتى وقتنا الراهن، واستمرار انتشاره بمعدلات متسارعة،  كما أنه تداعياته الاقتصادية والاجتماعية، سواءً تلك الخاصة بتراجع النمو وزيادة معدلات البطالة والفقر والركود  تنطوي هي الأخرى على تهديد واضح للأمن والاستقرار في معظم دول العالم، خاصة إذا ما اقترنت بمظاهرات عنيفة احتجاجاً على فشل الحكومات في التعاطي مع هذا الوباء واحتواء تداعياته المختلفة.ولعل من المؤشرات الدالة على التأثيرات السلبية لجائحة “كوفيد-19″، في هذا السياق، تقديرات صندوق النقد الدولي في شهر يونيو 2020، والتي توقعت فيها أن يخسر الاقتصاد العالمي بسبب هذه الجائحة 12 تريليون دولار، وأن ينكمش الاقتصاد العالمي بنحو 4.9% هذا العام[32]، الأمر الذي يحمل في طياته مخاطر كبيرة على معظم اقتصادات العالم.
  1. كلاهما يتم توظيفه في إذكاء نزعات الكراهية والعنصرية فإذا كانت الجماعات المتطرفة والإرهابية تعمل دوماً على التحريض والكراهية ضد الغرب، وتسعى إلى إحياء الصدام بين الديانات المختلفة، فإن الأمر نفسه ينطبق على قوى اليمين المتطرف في الغرب التي تتبنى نظرة عنصرية واستعلائية في التعامل مع وباء كورونا، حينما تصفه بـ “الفيروس الصيني”، هذا في الوقت الذي تزداد فيه المخاوف من تنامي ما يسمى بـ”الإرهاب الأبيض” في بعض الدول، والذي يستهدف بالأساس الجنسية الصينية والآسيوية يوجه عام بدعوى أنها مصدر فيروس كورونا والسبب في انتشاره[33].
  1. مواجهة الإرهاب وجائحة “كوفيد-19” تتطلبان المزيد من التعاون الدولي بالنظر إلى أنه ليس بمقدور أي دولة أو مجموعة من الدول مهما كانت قدراتها أن تتصدى لهما، بالنظر لما يشكلانه من تداعيات خطيرة، ولهذا فإن أي استراتيجية فاعلة لمواجهتهما إنما تقتضي توحيد الجهود الدولية وتنسيقها، والحيلولة دون توظيفهما بشكل سلبي، سواء من جانب الجماعات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية أو قوى اليمين المتطرف في زعزعة أسس الأمن والاستقرار والتنمية على الصعيدين الإقليمي والدولي أو في إذكاء نزعات الكراهية والعنصرية.

خاتمة

إذا كان “وباء كورونا المستجد”، وما صاحبه من إجراءات احترازية ووقائية كسياسات الإغلاق واللجوء إلى العمل عن بُعد والتعليم عن بُعد، وفرت فرصاً للتنظيمات المتطرفة والإرهابية ساعدتها على نشر أفكارها وإعادة تنظيم صفوفها واستئناف أنشطتها الإرهابية، فإن على المجتمع الدولي أن يعي هذه التطورات، وألا يؤجل الحرب ضد التطرف والإرهاب، بدعوى انشغاله بالتصدي لجائحة “كوفيد-19″، فالاثنان يشكلان تهديداً للأمن والسلم الدوليين، ولهذا من المهم والضروري أن تسير جهود مواجهتهما بشكل متوازٍ، لأن أي تهاون في هذا الأمر ستكون تكلفته كبيرة على المدى البعيد على الصعد كافة.


الهوامش  

[1] –   محمد مختار قنديل، الإرهاب وكورونا: غلو، مثالية، تجاهل، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، 28 أبريل 2020، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/2AiPobI

[2] –    فاليريو مازوني ، فيروس كورونا: ردود فعل المسلحين الإسلاميين على تفشي الوباء، عين أوروبية على التطرف، 30 مارس 2020 ، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/3eZMV50

[3] – How Extremists Are Adapting to the Coronavirus Crisis, European Eye on Radicalization, 1 May 2020, https://bit.ly/31wsf0E

[4] –    فاليريو مازوني ، فيروس كورونا: ردود فعل المسلحين الإسلاميين على تفشي الوباء،  مصدر سبق ذكره

[5] –  عبدالله بن خالد بن سعود الكبير ، كورونا والجماعات الإرهابية والمتطرفة والإجرامية.. التعاون الدولي ضرورة لتجاوز آثار هذه الجائحة، صحيفة “اندبندنت عربية”، 2 يوليو 2020، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/3givay0

[6] –    جاسم محمد، داعش.. طموحات جديدة مع تفشي “فيروس كورونا”، موقع شبكة رؤية، 8 أبريل 2020، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/3dVxg5o

[7] – علا بياض، الجماعات المتطرفة، تصاعد الطموحات في ظل فيروس كورونا ؟ ، المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، 1 مايو 2020، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/31w5EBA

[8] –   أحمد عابد، “صواب” يحذّر من استغلال الجماعات المتطرفة لـ “كورونا”، صحيفة الإمارات اليوم(دبي)، 19 يونيو 2020، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/3gmKlXd

[9] –   ياسر عبد العزيز ، كـورونا يفـاقـم خطـورة الهجمـات البيـو – إرهابيـة، مجلة درع الوطن(أبوظبي)، 9 يونيو 2020، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/3iitmqy

[10] –  فيروس كورونا: هل من دروس يمكن تعلمها من الإنفلونزا الإسبانية؟، هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، 29 أبريل 2020، من خلال الرابط التالي: https://bbc.in/2Zzm3m1

[11] –  عبد الإله بلقزيز، عولمةُ ڤيروس كورونا، موقع “سكاي نيوز”، 13 مايو 2020 ، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/38q5oFv

[12] –   أحمد هاشم، بينها داعش والقاعدة.. “كورونا” الفتاك يحاصر الإرهاب، بوابة العين الإخبارية(أبوظبي)، 18 مارس 2020، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/38jaZgE

[13] – Eric Rosand, Khalid Koser, and Lilla Schumicky-Logan, Preventing violent extremism during and after the COVID-19 pandemic, The Brookings Institution, April 28, 2020, https://brook.gs/2BmU80x

[14] –   Nikita Malik ,Self-Isolation Might Stop Coronavirus, but It Will Speed the Spread of Extremism, foreign policy  March 26, 2020, https://bit.ly/2NFthPE

[15] –   محمد مختار قنديل، مصدر سبق ذكره.

[16] –   تقى النجار، الإرهاب. و”ثغرة كورونا”، المرصد المصري، 30 مارس 2020، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/2D9X7dk

[17] –   ياسر عبد العزيز ،  مصدر سبق ذكره

[18] –  جاسم محمد،  مصدر سبق ذكره

[19] –   محمد مختار قنديل، مصدر سبق ذكره

[20] –    المصدر السابق

[21] –    MICHAEL KNIGHTS,How the Islamic State Feeds on Coronavirus, politico magazine, 04/08/2020, https://politi.co/3gdUpSb

[22] –   تقى النجار، مصدر سبق ذكره.

[23] – ياسر عبد العزيز، مصدر سبق ذكره

[24] –    مروة نظير، كيف تستغل الجماعات الإرهابية جائحة “كورونا”؟، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة،أبوظبي، 26 أبريل 2020، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/2YT9Edm

[25] –   ياسر عبد العزيز، مصدر سبق ذكره

[26] –   وليد عبد الرحمن، مفردات خطاب “تنظيمات الإرهاب” في “زمن كورونا”، صحيفة الشرق الأوسط(لندن)، رقم العدد  ( 15106) 7أبريل 2020، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/3ghqNDn

[27] –   جوتيريس يحذر من استخدام الفيروسات سلاحاً بيد الإرهابيين، صحيفة الخليج(الشارقة)،10 أبريل 2020، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/2VLHfnJ

[28] –   علا بياض، مصدر سبق ذكره

[29]  –   أحمد طاهر، الأمن البيولوجي والتنظيمات الإرهابية… نحو استراتيجية للمواجهة، مجلة المجلة، 1 مايو 2020، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/2BBF3bz

[30]  – قلق أوروبي من “هجمات بيولوجية” بوحي كورونا، بوابة العين(أبوظبي)ـ، 25 مايو 2020 من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/2C2TDbX

[31] –  6 تريليونات. تكلفة “فلكية” للحرب الأميركية على الإرهاب، موقع سكاي نيوز، 15 يناير 2019، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/2BpvIni

[32] –  صندوق النقد الدولي: الاقتصاد العالمي سيخسر 12 تريليون دولار جراء كورونا، موقع اليوم السابع، 24 يونيو 2020، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/2NXQ2hT

[33] –    مروة نظير، مصدر سبق ذكره.

المواضيع ذات الصلة