Insight Image

تصنيف ألمانيا حزب الله مُنظمة إرهابية … التداعيات على الموقف الأوروبي والاتفاق النووي الإيراني

14 مايو 2020

تصنيف ألمانيا حزب الله مُنظمة إرهابية … التداعيات على الموقف الأوروبي والاتفاق النووي الإيراني

14 مايو 2020

لم يكن إعلان وزارة الداخلية الألمانية نهاية شهر أبريل 2020 عن حظر مجمل أنشطة جماعة حزب الله اللبناني وتصنيفه منظمة إرهابية مفاجئاً، وإنما كان أمراً متوقعاً بالنظر إلى الإجراءات التقييدية التي اتخذتها السلطات الألمانية ضد الحزب عام 2019، والتي كانت تشير في مجملها إلى تصاعد القلق من أنشطة الحزب داخل ألمانيا، وانتهاكه القواعد العامة في البلاد. سيشكل القرار الألماني بتصنيف حزب الله “مُنظمة إرهابية” خطوة ستكون لها تداعياتها ليس فقط على حزب الله، وإنما أيضاً على الموقف الأوروبي العام من الحزب، الذي ما يزال يتردد حتى الآن في حظر كافة أنشطة الحزب، ويكتفي بتصنيف جناحه العسكري فقط ضمن المنظمات الإرهابية. كما سيؤثر هذا القرار على إيران الداعم الرئيسي للحزب؛ وخاصة الاتفاق النووي، الذي تعد ألمانيا من أهم الأطراف المدافعة عن استمراره. أبعاد القرار الألماني بتصنيف حزب الله “مُنظمة إرهابية” أعلنت وزارة الداخلية الألمانية نهاية شهر أبريل 2020 حظر ميليشيات حزب الله اللبنانية في جميع أنحاء البلاد، وصنفته “مُنظمة إرهابية”، وأعلن المتحدث باسم الداخلية الألمانية أن الوزارة قامت بملاحقة مشبوهين ينتمون لحزب الله، وداهمت الشرطة بالتزامن مقرات أربع جمعيات تدير مساجد في دورتموند، ومونستر في ولاية نورد راين فستفاليا غرب البلاد، وفي بريمن، وبرلين، يشتبه بأنها على صلة بالحزب[1]. ويأتي هذا القرار استكمالاً للإجراءات التصعيدية المتدرجة التي اتخذتها السلطات الألمانية ضد حزب الله خلال عام 2019، حيث وافق البرلمان الألماني في ديسمبر2019 على اقتراح يحض حكومة المستشارة، أنجيلا ميركل، على حظر جميع أنشطة جماعة حزب الله على الأراضي الألمانية، مبرراً ذلك بما أسماه “أنشطتها الإرهابية” خاصة في سوريا. وقد تقدم بهذا الاقتراح حزب البديل لأجل ألمانيا، أكبر أحزاب المعارضة في البلاد، للبرلمان في يونيو 2019. ويدعو هذا الاقتراح الحكومة الألمانية إلى التخلي عن سياساتها الراهنة، والتي تفرق بين الجناحين السياسي والعسكري للحزب الذي قاتل إلى جانب النظام السوري، كي لا يتم التسامح إزاء أي نشاط في ألمانيا يتم من جانب ممثلين لهذا التنظيم الذي يعارض أفكار التفاهم بين الشعوب[2]. ويذكر أن بين هذه الإجراءات منح الحكومة الألمانية الادعاء العام الاتحادي في سبتمبر 2019 تفويضاً لملاحقة أعضاء حزب الله جنائيًا، وقد مكن ذلك الادعاء العام من البدء في اتخاذ إجراءات قانونية ضد المشتبه في أنهم أعضاء في الحزب الذي عُد منظمة إرهابية أجنبية[3]. ويتضح في ضوء ما سبق أن القرار الألماني بتصنيف حزب الله “مُنظمة إرهابية” جاء استناداً إلى وقائع ومعطيات كانت تشير في مجملها إلى أن الحزب لم يلتزم بقواعد العمل العام، وبدأ يمارس أنشطة غير قانونية، تمثل تهديداً للأمن القومي الألماني، ومن ثم فإن هذا القرار يشكل ضربة قوية لوجود حزب الله في ألمانيا وأوروبا بوجه عام، بالنظر إلى أنه يفرض العديد من القيود على أنشطة الحزب، على النحو التالي[4]:
  1. حظر أنشطة حزب الله ودعايته في ألمانيا، وعدم السماح له برفع راياته خاصة في المناسبات السياسية السنوية التي كان ينظمها في ألمانيا، كمسيرة “يوم القدس” التي ينظمها الحزب بالتعاون مع النظام الإيراني، والتي تكون مثار انتقادات داخلية من جانب الأحزاب والقوى السياسية في ألمانيا.
  2. تراجع قدرة حزب الله على تجنيد أعضاء جدد  من داخل ألمانيا وأوروبا، لأن الحزب بمقتضى هذا القرار سيكون خاضعاً للرقابة من جانب الأجهزة المعنية.
  3. خسارة حزب الله لمصدر كبير من مصادر تمويله، كون ألمانيا تعتبر قاعدة أساسية وملاذ آمن لإدارة أعماله التجارية في شراء العقارات والتبادلات التجارية ومنها غسيل الأموال وتجارة المخدرات. كما أنه ليس من المستبعد مصادرة أموال الحزب باعتبارها جاءت نتاجاً لأنشطة غير قانونية.
  4. التعامل مع حزب الله باعتباره مُنظمة إرهابية لا تختلف عن تنظيمي “داعش” و”القاعدة”، وحظر كافة أنشطته التي تمثل تهديداً لأمن ألمانيا واستقرارها، وتقديم عناصره أو حتى المتعاطفين معه إلى المحاكمة في حال اتهامهم بمزاولة أية أنشطة غير قانونية، سيقيد بصورة كبيرة حركة عناصر الحزب والمتعاطفين معه، كما سيضيق من دائرة الحصار المطبقة عليه أوروبياً وعالمياً.
العوامل الدافعة لتصنيف حزب الله باعتباره “مُنظمة إرهابية” لا شك أن تصنيف حزب الله باعتباره “منظمة إرهابية” جاء نتيجة معطيات داخلية وعوامل خارجية، يمكن عرضها على النحو التالي:
  1. التحول في السياسة الألمانية تجاه حزب الله: ظلت الحكومة الألمانية لفترة طويلة تفرق بين الجناحين العسكري والسياسي للحزب، فقد صنفت الجناح العسكري باعتباره منظمة إرهابية، لكنها وقفت في السابق ضد إدراج الجناح السياسي للحزب على لائحة الإرهاب، غير أن القرار الأخير بتصنيف حزب الله، بجناحيه السياسي والعسكري، باعتباره منظمة إرهابية يعد تحولاً في السياسة الألمانية، وربما يأتي كمحاولة من الائتلاف الحاكم لاستعادة مصداقيته أو شعبيته التي تراجعت كثيرًا نتيجة الانتقادات التي وجهت له في العامين الماضيين حول سياساته تجاه قضايا اللاجئين والهجرة والتطرف الداخلي، ولهذا فإن القرار الأخير قد يكون نتيجة لتقييمات سياسية واستخباراتية ارتأت ضرورة التحرك سريعاً لاحتواء خطر حزب الله في ألمانيا، وقد يكون مؤشراً على رغبتها كذلك في لعب دور سياسي دولي يتوازى مع حجمها الاقتصادي، وخاصة في قضية ترتبط بالأمن والاستقرار علي الصعيدين الأوروبي والعالمي بوجه عام[5].
 
  1. تصاعد القلق من أنشطة حزب الله داخل الأراضي الألمانية: لقد سبق وأن حذرت الاستخبارات الداخلية من تهديدات الحزب داخل البلاد، ففي عام 2018 حذرت من تنامي أنشطة الحزب بشقيه السياسي والعسكري، هذا في الوقت الذي تقدر فيه وكالة المخابرات الفيدرالية الألمانية عناصر الحزب النشطين في الجمهورية الاتحادية بـأكثر من (1050) شخصًا. وقد كشفت وثائق للبرلمان الألماني في ديسمبر 2019، طبيعة الخطر الذي يمثله حزب الله على أمن البلاد، حيث ينظر الحزب إلى الأراضي الألمانية باعتبارها حديقة خلفية لنشاطه ومركز دعم لوجستي.
كما حذرت “الاستخبارات العسكرية الألمانية من أن يواصل الحزب تنفيذ الأعمال الإرهابية خارج الشرق الأوسط، خاصة أنه يعمل في ألمانيا من خلال شبكة متشابكة لدرجة يصعب معها تحديد كل المؤسسات التابعة له. وقد حظرت الحكومة الألمانية في عامي 2008 و2014، بث قناة تلفزيون المنار، وجمعية “يتيم لبنان” التابعتين لحزب الله في البلاد. كما فتح الادعاء الألماني العام 36 تحقيقا ضد أشخاص على صلة بحزب الله فيما لفتت وثائق البرلمان الألماني كذلك نلة الإرهاب ب الله في المانيا  إلى أن استغلال حزب الله شبكة ذات طابع عالمي في تجارة المخدرات والأسلحة يضمن له التمتع بمزيد من المرونة السياسية والعسكرية بما يتجاوز التمويل المباشر من إيران[6]. في الوقت ذاته، فإن هناك العديد من التقارير الإعلامية المتداولة في العامين الماضيين كانت تشير صراحة إلى رصد السلطات الألمانية عمليات حزب الله لتهريب المخدرات إلى ألمانيا قادمة من أمريكا الجنوبية عبر إفريقيا، حيث يصل الكوكايين إلى ألمانيا من خلال موانئ هامبورج، وروتردام الهولندي، وأنتويرب البلجيكي. ويستخدم الحزب الأموال التي يجنيها من هذه التجارة في شراء الأسلحة وتمويل عملياته. كما توصلت السلطات الألمانية لمعلومات تفيد أن حزب الله يستخدم شركة لتأجير السيارات في مدينة دوسلدورف غربي ألمانيا كواجهة لعمليات غسيل الأموال. وتقوم، فضلا عما سبق، المراكز الثقافية والمساجد التابعة لحزب الله في ألمانيا بعدة أدوار، أهمها: الدعاية، وتجنيد أتباع جدد، وجمع التبرعات لصالح قيادات حزب الله في بيروت، وعلى رأس تلك المراكز “مركز الإمام الرضا الإسلامي” في العاصمة برلين. كما أحبط مسؤولون أمنيون عام 2018 هجومًا يشتبه في أنه لحزب الله على عدة مواقع يهودية في جميع أنحاء البلاد[7].  
  1. تورط الحزب في أنشطة تهدد الأمن والسلم الدوليين بالتعاون مع حليفه الرئيسي إيران: لعل هذا المعطى يفسر أيضا سبب إقدام الحكومة الألمانية على إلغاء الترخيص الخاص بشركة “ماهان إير” الجوية لنقلها عتادا وعسكريين إلى سوريا ومناطق حرب أخرى بالشرق الأوسط، والجدير بالذكر في هذا الشأن أن شركة “ماهان” المقربة من الحرس الثوري الإيراني، كانت قد اتُهمت بنقل السلاح من إيران إلى ميليشيات حزب الله وقوات النظام السوري[8].
 
  1. الاستجابة للضغوط الأمريكية في هذا الشأن: قادت الولايات المتحدة حملة في الأشهر الماضية لإقناع ألمانيا باتخاذ هذه الخطوة، حيث أعرب وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو خلال زيارته إلى العاصمة الألمانية برلين عام 2019 عن أمله في سير ألمانيا على نهج بريطانيا في حظر جماعة حزب الله؛ في الوقت الذي قام فيه السفير الأمريكي لدى ألمانيا، ريتشارد غرينل، منذ أوائل العام الجاري 2020 بحملة في مقرات الاتحاد الأوروبي ببروكسل، لحمل دول الاتحاد الأوروبي على حظر مليشيا حزب الله اللبناني بالكامل، وتصنيفها “مُنظمة إرهابية”، مؤكداً في هذا الخصوص “أن حظر حزب الله يحرمه من شبكات التمويل والتجنيد، ويمنع انتقال العنف إلى أوروبا”[9].
قراءة في ردود الأفعال على تصنيف ألمانيا لحزب الله مُنظمة إرهابية كان من الطبيعي أن يثير القرار الألماني غضب كل من حزب الله وإيران، لأنه موجه لهما بالأساس، ويبعث رسالة حاسمة لهما، مفادها أن ألمانيا تتجه إلى تبني سياسات أكثر تطابقاً مع الولايات المتحدة التي تقود الحملة ضدهما، باعتبارهما يقفان وراء زعزعة أمن منطقة الشرق الأوسط واستقرارها. وقد عبر عن موقف حزب الله من القرار الألماني الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله الذي اتهم  ألمانيا بـ “الخضوع” للإدارة الأمريكية، نافياً وجود أية نشاطات أو تنظيم لحزبه في ألمانيا، معتبراً أن القرار هو “جزء من الحرب الأمريكية – الإسرائيلية” على ما وصفها بـ “حركات المقاومة”. وتوقع نصر الله أن تقدم دول أوروبية أخرى على قرار من النوع ذاته، وطالب الحكومة اللبنانية بالقيام بواجباتها باعتبارها “معنية بحماية مواطنيها في ألمانيا”[10]. إيران بدورها أدانت هذا القرار، واعتبرت أن حزب الله جزء رسمي من الحكومة والبرلمان في لبنان وأنه “لعب وما يزال يقوم بدور رئيسي في محاربة إرهاب داعش”. كما  اتهمت ألمانيا بخدمة أهداف الولايات المتحدة وإسرائيل، قائلة إن “بعض الدول الأوروبية تتخذ مواقفها من دون أخذ حقائق المنطقة بعين الاعتبار وتعمل فقط على تلبية رغبات ماكينة الدعاية الأمريكية”. وأشارت إيران أيضاً إلى أن “على الحكومة الألمانية أن تتحمل التداعيات السلبية الناجمة عن قرارها على محاربة الجماعات الإرهابية في المنطقة”[11]. من الواضح أن الموقف الإيراني جاء متطابقاً مع موقف حزب الله، بالشكل الذي يشير إلى أن هناك تنسيق بينهما في التعامل مع القرار الألماني، لكن اللافت أن  موقف طهران حمل تحذيرات ضمنية لألمانيا من عواقب هذا القرار على محاربة الإرهاب في المنطقة، في إشارة إلى أن إيران أو الميليشيات المسلحة التابعة لها قد تقوم ببعض الأعمال التي تنطوي على تهديد واضح للمصالح الأوروبية في المنطقة رداً على هذا القرار دون أن تقحم نفسها بشكل مباشر في ذلك. كما هي استراتيجيتها دائماً، حيث توكل إلى ميليشياتها القيام بهذا الرد حتى لا تقع تحت طائلة القانون أو العقوبات الدولية. وقد لاقى القرار الألماني بتصنيف حزب الله باعتباره منظمة إرهابية في المقابل ترحيباً واسعاً على الصعيدين الإقليمي والدولي، حيث أيدت الولايات المتحدة على لسان سفيرها في ألمانيا ريتشارد غرينيل هذه الخطوة، باعتبارها تجسد “حرص أوروبا على التصدي للتهديد العالمي الذي يمثله حزب الله” ودعياً الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ تدابير مماثلة. كما أعرب وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس عن “شكره العميق” للحكومة الألمانية على هذه الخطوة، مشيراً إلى أنها “خطوة مهمة وكبيرة في الحرب ضد الإرهاب في العالم” دعياً الدول الأوروبية الأخرى وكذلك الاتحاد الأوروبي إلى السير على نهج ألمانيا بمنع مجمل نشاطات حزب الله الاجتماعية والسياسية والعسكرية[12]. من الواضح أن الولايات المتحدة ومعها إسرائيل تنظران إلى القرار الألماني باعتباره خطوة مهمة قد تمهد الطريق لتحرك الاتحاد الأوروبي لاتخاذ قرار مماثل في المدى القريب، والتعامل بشكل أكثر جدية مع الخطر الذي يشكله حزب الله، بجناحيه السياسي والعسكري، على الأمن والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي. التداعيات المحتملة للقرار الألماني بتصنيف حزب الله “مُنظمة إرهابية” لا تقتصر التداعيات المحتملة للقرار الألماني فقط على وجود حزب الله في الداخل وإنما ستتجاوز ذلك إلى الاتحاد الأوروبي بوجه عام، والعلاقات مع كل من لبنان وإيران، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
  1. على الصعيد الأوروبي: لا شك أن ألمانيا، وبما تتمتع به من ثقل سياسي واقتصادي داخل الاتحاد الأوروبي، قد تدفع دول الاتحاد إلى اتخاذ قرار مماثل يصنف حزب الله، بجناحيه السياسي والعسكري، باعتباره منظمة إرهابية، خاصة أن الاتحاد حتى وقتنا هذا ما زال يصنف الجناح العسكري للحزب فقط كجماعة إرهابية، والجدير بالذكر أن الاتحاد الأوروبي قد أدرج الجناح العسكري على قائمة الإرهاب عام 2013.
وهناك العديد من المؤشرات التي قد تدفع دول الاتحاد الأوروبي في المستقبل القريب إلى اتخاذ المسلك الألماني نفسه، أبرزها:
  • وجود دول أوروبية غير ألمانيا اتخذت هذه الخطوة من قبل، كبريطانيا وهولندا، ما يعني أن هناك توجه عام متنامي داخل دول الاتحاد الأوروبي بدأ يتعامل بجدية مع الخطر الذي يشكله حزب الله، وضرورة تصنيفه بجناحيه السياسي والعسكري ضمن التنظيمات الإرهابية، خاصة مع الوثائق التي كشفتها الدول الثلاث، ألمانيا وبريطانيا وهولندا، حول تمدد حزب الله في ألمانيا، وتورطه في العديد من الأنشطة الإجرامية التي تخالف القوانين الأوروبية.
  • تزايد عدم القبول بالمنطق الذي كان يستند إليه الاتحاد الأوروبي في الفصل بين الجناح السياسي والعسكري للحزب؛ فالحزب يعمل كمنظومة واحدة متكاملة، ولا توجد لديه وحدات تنظيمية منفصلة، وليس هناك فصل بين أنشطته المختلفة، بما في ذلك عمليات الإرهاب، والإجرام المنظم، ومحاولات التمدد والانتشار العسكري والسياسي والاجتماعي، والتي تتم جميعها من خلال السلطة المركزية للأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، ومن ثم فإن تمسك الاتحاد الأوروبي بفكرة الفصل بين الجناحين السياسي والعسكري للحزب ليست صحيحة وحسب، بل أنها تتيح له المجال لمواصلة أنشطته الإجرامية وأنشطة جمع الأموال في أوروبا وحول العالم دعمًا لأعماله غير القانونية[13].
وهناك من يرى أن موقف الاتحاد الأوروبي الراهن من حزب الله يتسم بالازدواجية في التمييز بين الجناح العسكري والجناح السياسي لحزب الله، خصوصاً بعد شروع عدد من الدول الأوروبية بإدراجه على قوائم الإرهاب، وتصاعد المطالب الأمريكية للاتحاد الأوروبي بتصنيف الحزب على قوائم الإرهاب لديه لزيادة الضغط على قيادته وأعضائه وإصدار مذكرات توقيف بحقهم[14].
  • تورط الحزب في العديد من الأنشطة التجسسية لصالح إيران في أوروبا، حيث يقوم بإرسال مواطنين يحملون الجنسيتين اللبنانية والأوروبية (من السويد وفرنسا وغيرهما) لتنفيذ هذه العمليات[15]. وقد كشف ميشال كوديلكا رئيس جهاز الأمن والمعلومات “مكافحة التجسس” التشيكي في 8 أكتوبر 2018 أن جهاز الأمن ساهم في تعطيل مخدمي شبكات هاكر لـحزب الله، في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، والتي كانت تستخدم في عمليات التجسس السيبراني [16].
  • ضلوع الحزب في العديد من الأنشطة الإرهابية داخل الأراضي الأوروبية، والتي تعود إلى عام 1985 عندما اختطف طائرة كانت في طريقها من أثينا إلى روما كان الحزب يقف وراءها. كما تعرضت حافلة سياحية عام 2012 في بلغاريا لهجوم إرهابي نسب لعناصر من الحزب كان أسفر عن مقتل ستة مدنيين وإصابة أكثر من 30 آخرين.
وأدانت محكمة في قبرص عام 2013 شخصًا كان يعد لهجمات إرهابية فيها، واعترف هذا الشخص بأنه عضو في حزب الله. كما كشفت المخابرات البريطانية عام 2015 عن اكتشاف مخابئ كبيرة لمواد متفجرة في المملكة المتحدة، وقبرص، ودول أوروبية أخرى وخارجها مخصصة لهجمات إرهابية في المستقبل[17]. فضلاً عن هذا، يعّد حزب الله أداة إيران في مراقبة المعارضة الإيرانية في الخارج، فوفقاً لتقديرات استخباراتية، فإن الحزب يوظف عناصره في مراقبة المجموعات الإيرانية المعارضة، بل واغتيال بعض قياداتها في ألمانيا والدول الأوروبية بوجه عام[18].
  • تنامي ضغوط اليمين المتطرف في أوروبا لفرض حظر شامل على الأنشطة التي يقوم بها حزب الله اللبناني، وغيره من التنظيمات المتطرفة التي بدأت تهدد الأمن والاستقرار في العديد من الدول الأوروبية في السنوات القليلة الماضية، بل إن اليمين المتطرف كان يستغل النشاط العلني لحزب الله في ألمانيا والعديد من الدول الأوروبية في توجيه انتقادات إلى الحكومات الأوروبية، واتهامها بالتقاعس في مواجهة تغلغل الحزب في أوروبا وغض النظر عن أنشطته الغير قانونية.
  • تدفع جماعات الضغط الموالية للولايات المتحدة وإسرائيل في الاتحاد الأوروبي في اتجاه التحرك لتصنيف حزب الله، بجناحيه السياسي والعسكري، كمنظمة إرهابية؛ خاصة أن هذه الجماعات تنشط بشدة في العديد من الدول المؤثرة داخل الاتحاد الأوروبي، كفرنسا وإسبانيا وإيطاليا وبلجيكا[19].
  1. العلاقات مع لبنان: لا شك أن القرار الألماني بتصنيف حزب الله منظمة إرهابية سيكون له تداعياته المباشرة على العلاقات مع ألمانيا، خاصة بالنظر إلى الاعتبارات التالية:
  • يشكل حزب الله أهم الأطراف المؤثرة في المشهد السياسي اللبناني، ليس فقط لأنه يشارك في السلطة بشكل فاعل، حيث يسيطر على الحكومة حالياً، بعد تولي حسان دياب الموالي للحزب رئاسة الحكومة، وإنما أيضاً لأنه يمتلك قوة عسكرية فاعلة، غير خاضعة للجيش الوطني اللبناني، وهذا يعني أنه قد يدفع الحكومة إلى اتخاذ قرارات في المستقبل تؤثر بالسلب على العلاقات مع ألمانيا.
  • تراجع الدور الألماني في الوساطة بين إسرائيل وحزب الله، إذ أن القرار الأخير قد يدفع الحزب مستقبلاً إلى التحفظ على هذه الوساطة، خاصة أنه بات على قناعة الآن أن القرار الألماني جاء استجابة للضغوط الإسرائيلية كما أشار الأمين العام للحزب في تعليقه على القرار، وهذا – كما يرى الحزب – سيفقد ألمانيا صفة الوسيط النزيه والمحايد مع إسرائيل في أية أزمات مستقبلية.
تضاؤل نفوذ حزب الله في ألمانيا وأوروبا بوجه عام، خاصة أن تصنيف الحزب باعتباره مُنظمة إرهابية لن يؤدي فقط إلى انحسار أنشطة الحزب في الداخل، وإنما أيضاً وربما الأهم، سيتيح صلاحيات واسعة للأجهزة الأمنية والاستخباراتية في فرض رقابة مشددة أكثر على الجمعيات والمراكز الدينية والثقافية التي يَنشط خَلفها حزب الله أو أن تكون واجهة له خلال الفترة المقبلة.
  1. العلاقات مع إيران والموقف من الاتفاق النووي: لا يمكن تجاهل تأثير القرار الألماني على العلاقات مع طهران، خاصة أن الأخيرة اعتبرت أن هذا القرار موجه بالأساس ضدها وضد حلفائها في المنطقة أو ما تسميه بـ”محور المقاومة”، ولهذا فإن تداعيات هذا القرار قد تؤثر بالسلب على العلاقات بين الدولتين خلال الفترة المقبلة، خاصة أن هذا القرار يتماهى مع الموقف الأمريكي العام من حزب الله اللبناني. في الوقت ذاته فإن هذا القرار قد يؤثر بالسلب أيضاً على مجمل العلاقات الإيرانية – الأوروبية، خاصة مع الدول التي تمتلك ألمانيا قدرة كبيرة في التأثير عليها، وفي ظل اقتناع العديد من العواصم الأوروبية بخطورة السياسات الإيرانية على الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وضرورة تغيير هذه السياسات.
وفي الوقت ذاته، قد يكون القرار الألماني بتصنيف حزب الله باعتباره منظمة إرهابية مؤشراً على تحول محتمل في الموقف الألماني من الاتفاق النووي الإيراني خلال الفترة المقبلة، إما بالانسحاب على غرار ما فعلت الولايات المتحدة في مايو عام 2018، ولاسيما إذا واصلت إيران تصعيدها في هذا الملف، وإما بممارسة مزيد من الضغوط على إيران كي تلتزم ببنود هذا الاتفاق وتتراجع عن قراراتها الأخيرة الخاصة بتخفيض التزاماتها في الاتفاق، خاصة أن ألمانيا، ومعها كل من فرنسا وبريطانيا، ترى أن إيران لم تف بالتزاماتها وتواصل تحديها لإرادة المجتمع الدولي. خاتمة يؤسس القرار الألماني بتصنيف حزب الله منظمة إرهابية لتحول محتمل في السياسة الألمانية والأوروبية تجاه الحزب، وداعمه الرئيسي إيران، خاصة في ظل المعطيات والشواهد التي تثبت مسؤولية طهران وميليشيا حزب الله عن العديد من الأنشطة غير المشروعة داخل أوروبا في السنوات القليلة الماضية، والتي تتنوع ما بين التجسس والإرهاب واغتيال المعارضين. في الوقت ذاته، فإن هذا القرار يعكس المأزق الذي قد يواجهه حزب الله، وحليفته إيران الآن، خاصة بالنظر لما تتمتع به ألمانيا من وزن سياسي واقتصادي وقدرة على التأثير في العديد من العواصم الأوروبية لاتخاذ قرارات مماثلة بحظر الجناح السياسي للحزب في المستقبل.   الهوامش [1]– ألمانيا تحظر حزب الله اللبناني على أراضيها وتصنفه “منظمة إرهابية”، موقع فرنسا 24، 30 أبريل 2020، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/2SPnZEt [2]– البرلمان الألماني يطالب حكومة ميركل بحظر حزب الله اللبناني، موقع “دويتش فيله”(ألمانيا)، 19 ديسمبر 2019، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/2WiyW3z [3]– حزب الله اللبناني: كيف تطور الحظر الألماني على الجماعة من جزئي إلى كلي؟، هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، 30 أبريل 2020، من خلال الرابط التالي : https://bbc.in/2WGgz7B [4]– جاسم محمد  ، حظر حزب الله في ألمانيا.. النتائج و التداعيات، المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، 30 أبريل 2020، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/3dp3AOn [5]– المصدر السابق [6]–  للمزيد من التفاصيل حول هذا الجانب يمكن الرجوع إلى : Bojan Pancevski, Germany’s Parliament Moves to Ban Hezbollah, The Wall Street Journal, 19/12/2019, https://on.wsj.com/2WyD4eA [7] – ألمانيا تحظر حزب الله.. الدلالات والنتائج، مركز سمت للدراسات، 5 مايو 2020، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/2YOOBJp [8] – حازم سعيد ، حظر حزب الله فى ألمانيا … الأسباب والتداعيات،  المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ، 30 أبريل 2020، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/2WCV33x [9]– حسام حسن، حملة أمريكية لتصنيف حزب الله منظمة إرهابية في الاتحاد الأوروبي، بوابة العين الإخبارية(أبوظبي)، 22 يناير 2020، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/35GufDH [10].- نصر الله يتهم ألمانيا بـ”الخضوع” للإدارة الأمريكية، موقع “دويتش فيله”(ألمانيا)، 4 مايو 2020، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/2zk7tW0 [11]– إيران تدين تصنيف ألمانيا لـ “حزب الله” كمنظمة إرهابية، موقع روسيا اليوم، 30 أبريل 2020، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/3ciccpQ [12]– حزب الله اللبناني: كيف تطور الحظر الألماني على الجماعة من جزئي إلى كلي؟، مصدر سبق ذكره [13] -Dr. Richard Burchill, The Criminal Activities of Hezbollah and the European Union, European Eye on Radicalization, 5 August 2019, https://bit.ly/2LdvEZ4 [14].  طوني بولس ، ألمانيا تدرج حزب الله على قوائم الإرهاب… فهل يتبعها الاتحاد الأوروبي؟، موقع “اندبندنت عربية”، 30 نوفمبر 2019، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/2xK99Yq [15]– الاتحاد الأوروبي .. .كيف ينظر الى حزب الله، بعد وضعه على قائمة الإرهاب ؟، المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، 19 ديسمبر 2019، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/2yGcFn3 [16]– هولندا …كيف تنظر إلى حزب الله ، بعد وضعه على قائمة الإرهاب ؟، المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، 18 يونيو 2019، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/2WfUZYu [17] -Dr. Richard Burchill, Ibid. [18]–  بديع يونس، ألمانيا.. بين ممارسات حزب الله و”عقدة” النازية، موقع العربية نت، 2 مايو 2020، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/2zopfrm [19]–  د. عدنان منصور ، ألمانيا فعلتها: فمَن بعدَها!، صحيفة البناء، 5 مايو 2020، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/35Jl6dw        

المواضيع ذات الصلة