Insight Image

تطبيع العلاقات الإماراتية-الإسرائيلية: تعزيز لعملية السلام الفلسطينية

12 سبتمبر 2020

تطبيع العلاقات الإماراتية-الإسرائيلية: تعزيز لعملية السلام الفلسطينية

12 سبتمبر 2020

شكلت إسرائيل، منذ إعلان تأسيسها في 14 مايو 1948، ظاهرة شاذة على المستويين الجيو-سياسي والثقافي في محيطها الإقليمي؛ ومع أنها تشغل منذ ذلك الحين موقعًا في منطقة الشرق الأوسط، فهي ما تزال تعتبر نفسها أمة محاصرة بطوق لا فكاك منه أقامته حولها دول عربية أخرى في هذه المنطقة. وظلت لهذا السبب تسعى جاهدة لضمان أمنها، لا من خلال الدخول في تفاهمات وترتيبات مشتركة مع جاراتها من الدول العربية، وإنما عن طريق عقد شراكة استراتيجية واسعة النطاق ومتينة الأسس مع الولايات المتحدة؛ حيث تحظى بدعم قوي من جماعات الضغط المتعددة الأطياف والأصول الموالية لها.

ولعل وضعًا كهذا هو الذي دفع بالأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي الأسبق، إلى التنويه بأنه “بات يتعين عليهم [أي الإسرائيليين] الظفر بتقبل دول الجوار لهم في المنطقة التي قدموا للعيش فيها؛ فهم قد جاؤوا إلى هناك بالقوة، ولكنهم لن يبقوا فيها بالقوة؛ ولن يمكنهم البقاء هناك إلا في إطار القبول بهم [من جيرانهم][1].

وهذا الموقف الإسرائيلي كان يرتكز في البداية على أسس ثقافية/حضارية متينة؛ إذ اعتبر قادة الحركة الصهيونية، ومعظمهم من أوروبا، أن موطنهم في فلسطين يرتبط بالحضارة الغربية؛ وبناءً عليه، لم يفتْ تيودور هرتزل، مؤسس الحركة، التصريح عام 1895 بأن الصهيونية ستقيم في فلسطين “جزءًا من الحصن الدفاعي لأوروبا في مواجهة آسيا”[2] رغم أن اليهود كانوا قد كابدوا في أوروبا ممارسات عدائية على مدى الألفيتين المنصرمتين.

ومهما يكن، فقد جاء الاتفاق المبرم بين الإمارات وإسرائيل لتطبيع علاقاتهما الثنائية ليصحح هاتين الظاهرتين الشاذتين؛ فهو يُعد اعترافاً من جانب إسرائيل بأنها تشكل جزءًا لا يتجزأ من منطقة الشرق الأوسط وبأن معالم مصيرها ستحدد تأسيسًا على طبيعة علاقاتها مع جاراتها في المنطقة.

ويشكل هذا التحول تطوراً لافتاً في العلاقات بين بلدين في هذه المنطقة غير أنهما لا يقيمان علاقات رسمية متبادلة، بل إنهما يفترقان بسبب تبني إسرائيل مواقف تنطلق من تصورات مختلفة ذات صلة بالحقوق الإقليمية التي تجيزها لنفسها في المنطقة بشكل قاطع بينما تُنكر على الشعب الفلسطيني في الوقت عينه التمتع بها.

وعلى أية حال، فإن اتفاق السلام الجديد يشكل خطوة مهمة للغاية للمشهد السياسي الإقليمي؛ فهو يطلق العنان لفترة غير عادية ترتبط بالسبل التي يمكن للبلدين بها لا التعامل مع المشكلات الناشبة في المنطقة التي لكل منهما نصيبه منها فقط، بل أيضاً وضع تعريف جديد لأسس التحالفات التي طالما شكّلت الوقائع السائدة في الشرق الأوسط.

 إعادة صياغة المشهد الأمني الإقليمي

يذهبالمعلقون والمراقبون، حتى اللحظة، إلى وصف الاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي ومضامينه وفقاَ لرؤيتين؛ تفترض أولاهما أن الاتفاق ليس مهمًا بالنسبة للوضع الإقليمي بقدر أهميته للعلاقات الثنائية بين البلدين؛ إذ لم يكشف سوى عن الارتباطات بين الدولتين على امتداد عقدين من الزمن؛ وبالتالي، فإن قيمة هذا الاتفاق – أياً تكن – ستقتصر على المجالات الثنائية. وينوه، تبعًا لهذا، إميل نخلة، بينما هو يستحضر أقوال الزعماء الإماراتيين والإسرائيليين وتصريحاتهم، إلى أن اتفاق تطبيع العلاقات سيعرض خريطة طريق تُعنى بصياغة معالم العلاقات الثنائية في الميادين الاقتصادية، والسياسية، والتكنولوجية، واللوجستية[3].

أما الرؤية الثانية فتؤكد، في المقابل، أهمية البعد الإقليمي لاتفاقية السلام الإماراتية- الإسرائيلية، لا سيما في سياق المواجهات الإقليمية المستمرة التي تشهدها المنطقة. ووفقًا لهذا، يذكر المعلق الأمريكي كينيث بولاك Kenneth Pollack أن الاتفاقية ستشجع كلاً من إسرائيل ودولة الإمارات “على التعاون بشكل أوثق في ما بينهما” لمقاومة اتساع دائرة نفوذ إيران والجماعات الإسلامية المتطرفة[4].

ويتردد صدى هذه الرؤية الثانية لدى الكاتب الإسرائيلي بن كاسبيت Ben Caspit الذي يذهب إلى الاعتقاد بأن الكثير من الدول السنّية، التي تهددها مخاطر المخططات والتجاوزات الإيرانية العدوانية والمزعزعة للاستقرار في المنطقة، صارت “تلوذ بظهر إسرائيل القوي طلباً للحماية”[5].

وفي تقدير حسين إيبش أن دولة الإمارات ربما اقتنعت بأن “إسرائيل باتت تأخذ على عاتقها أداء القسم الأعظم من المهام الشاقة ذات العيار الثقيل لمواجهة الطموحات الإيرانية”، رغم أن الولايات المتحدة هي التي تتزعم التحالف المناهض لإيران؛ وأصبح، تبعًا لهذا، تطبيع العلاقات مع إسرائيل “عاملًا حاسمًا” لضمان الأمن الإقليمي[6]. ويذهب إيبش إلى القول إن تطبيع العلاقات الإماراتية- الإسرائيلية سيعمل أيضًا على “تقوية موقع دولة الإمارات في وقوفها ضد التهديد التركي”.

وعلى ما يبدو، فإن هذه الآراء والتعليقات لم تتعرض سوى لمظاهر النزاعات الإقليمية الناشبة حاليًا ليس إلا، ولم تتناول بالتحليل وجهة النظر الثالثة المحتملة ذات الصلة باتفاقية تطبيع العلاقات بين البلدين، والتي تتعلق بمدى قدرة هذه الاتفاقية، بمرور الوقت، على إحداث تحول هيكلي في المشهد السياسي الإقليمي من عدمه.

ففي الوقت الذي تسعى فيه إسرائيل، من جهة، إلى الاندماج في فضاء المنطقة، وتبادر الدول الإقليمية إلى تقبل ذلك، وتسعى من جهة أخرى، إلى التفاعل معها عبر تفاهمات وتوافقات مشتركة، فإن فرصة لا نظير لها باتت اليوم في متناول الجانبين لصياغة مصالحهما ومصيرهما استنادًا إلى أفكار ومقاربات جديدة تسعى إلى تحقيق السلام والازدهار في المنطقة وتعزيز المصالح المشتركة.

ومن الأهمية بمكان الإشارة هنا إلى أن تطبيع العلاقات هذا يحدث في وقت تحاول فيه الولايات المتحدة تقليص نطاق حضورها في الشؤون الإقليمية بالمنطقة وترك فراغ تحاول قوى إقليمية التغلغل فيه. وقد حرص كينيث بولاك على تذكيرنا بأن الدافع الأقوى الذي يقف وراء تحول مواقف القادة العرب حيال الانخراط في اتفاقات ومشاريع مشتركة مع إسرائيل “يكمن في فك ارتباط الولايات المتحدة بقضايا الشرق الأوسط”[7].

وليس بخاف أيضًا أن الفرضية التي تدعو الولايات المتحدة إلى تقليص مسؤولياتها ودورها القيادي على الصعيد الإقليمي وتحث الدول الإقليمية على النهوض بدور أقوى في معالجة قضايا الأمن الإقليمي، كانت قد تبلورت إبّان عهد الرئيس أوباما ووجدت صداها لدى ترامب أثناء فترة ولايته الرئاسية الأولى التي أوشكت على الانتهاء. بيد أن ثمة عوامل أوسع نطاقًا كانت تفعل فعلها خلال العقد الفائت في إضعاف قدرات أميركا القيادية ومصداقيتها في ما يتعلق بالتعامل مع الشؤون الإقليمية. ففي مقال نشرته له مجلة فورين أفيرز العام الماضي، يقول فريد زكريا إن لحظة الأحادية القطبية الخاصة بالولايات المتحدة قد بدأت تفقد تأثيرها وفاعليتها حقًا مع الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، حيث تسببت تصرفات إدارة بوش الابن وسياساته في “تقويض سلطة الولايات المتحدة على الصعيدين الأخلاقي والسياسي”. ولقد بلغت هذه العملية الحضيض في عهد إدارة ترامب عندما بات جليًا – والحديث ما يزال لفريد زكريا – أن “أبرز سمات سياسة ترامب الخارجية تمثلت في غيابها كلية”[8].

وإزاء خلفيةٍ كهذه، يغدو من الضروري النظر إلى تطبيع العلاقات الإماراتية-الإسرائيلية بوصفها مدخلا لجهود أوسع تكرسها الدول الإقليمية لإشاعة الأمن والاستقرار على مستوى المنطقة برمتها، دونما حاجة لتدخل الولايات المتحدة بشكل استبدادي لغرض تحديد (أو تحريف) أولويات هذه الدول والتقليل من شأن مبادراتها.

القضية الفلسطينية

تشكل هذه القضية، دون أدنى شك، المفتاح لإحلال السلام الإقليمي. فمسألة إقامة دولة فلسطينية التي يتردد صداها في كل أنحاء العالم العربي، أصبحت سببًا رئيسا للتوترات وأعمال العنف العرضية المحتدمة منذ سنوات، وعاملًا بالغ الأهمية يحول دون عقد المزيد من اتفاقات التطبيع السياسية في عموم أرجاء المنطقة. ويشير، في هذا السياق، إميل نخلة إلى أن: “أي علاقات سلمية بين إسرائيل ودول عربية أخرى … قد لا يكتب لها البقاء إن هي لم تشمل الفلسطينيين، فهم أبناء إبراهيم الآخرين”.

ومن جانبهم شدد، الزعماء الإماراتيون مؤخراً على أهمية هذه المسألة؛ فقد صرح الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، وبشكل قاطع، بأن الاتفاق مع إسرائيل لن يأتي على حساب القضية الفلسطينية، وعلى أن الإمارات ستظل ملتزمة بإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية[9].

وفي كلمة ألقاها في الحادي والثلاثين من أغسطس أمام شرائح من أبناء الجالية الفلسطينية المقيمين في دولة الإمارات، أعاد الشيخ عبد الله بن زايد، وزير الخارجية والتعاون الدولي، التأكيد على أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل يأتي “بغية ضمان مستقبل يعمه السلام في المنطقة”. كما طمأن أبناء الجالية الفلسطينية بأن “العلاقات الوطيدة القائمة بين دولة الإمارات والفلسطينيين ستحافظ على صلابتها ولن تتغير أبدًا”. وأضاف الوزير قوله إن دولة الإمارات العربية المتحدة لطالما ساندت الموقف العربي “الداعي إلى تأسيس دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية” وأنها ستظل على هذا النهج[10].

وعلى الصعيد ذاته، فإن الاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي لتطبيع العلاقات بين البلدين ينبئ أيضًا بأن حل الدولتين المتعلق بالقضية الفلسطينية سيحالفه الآن النجاح بقدر أكبر، نظراً إلى أن بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، ولكي يمهد الطريق أمام الاتفاق، قد وافق على التخلي عن خطته السابقة التي تستهدف قيام إسرائيل رسميًا بـ “ضم” جزء من الضفة الغربية المحتلة إليها.

ومع أنه يصح القول إن هناك في الضفة الغربية بالفعل 300 مستوطنة إسرائيلية تؤوي قرابة 600 ألف مستوطن، إلا أن ضم هذه المستوطنات رسميًا إلى إسرائيل كان من شأنه تقويض خيار الدولتين إلى الأبد، ناهيك عن إطلاق شرارة الاضطرابات وأعمال العنف لا في الأراضي المحتلة وحسب، بل وفي بقاع أخرى من المنطقة أيضًا.

ومع أن نتنياهو كان قد ذكر، بدافع من اعتبارات سياسية محلية، بأنه قد وعد بـ “تأجيل” عملية الضم ليس إلا، فإن عددًا من المعلقين الإسرائيليين والأمريكيين لا يرجح إحياء هذه العملية في المستقبل المنظور لأنها قبل كل شيء لا أساس لها في القانون الدولي وجوبهت بالاعتراض على المستوى العالمي، كما أنها ستضر التطور الحاصل في العلاقات العربية- الإسرائيلية.

وعلى حد تعبير حسين إيبش، فإن “الغالبية العظمى من الإسرائيليين، على ما يبدو، تعطي الأولوية للاتفاق [مع دولة الإمارات العربية المتحدة] بدلاً من ضم الأراضي”، في سياق موقف يمكن أن يُعزى في المقام الأول إلى “المكاسب الاستراتيجية والسياسية التي سيجنيها كلا الجانبين” نتيجة لتطبيع العلاقات[11].

ووفقًا لهذا، فإن تطبيع العلاقات بين دولة الإمارات وإسرائيل سيضمن البقاء لحل الدولتين ولإمكانية تحققه في الوقت المناسب مستقبلًا. وبفضل التقدم المحرز على مسار تطبيع العلاقات العربية-الإسرائيلية، فإن البيئة المناسبة لإحداث تحولات أساسية في المواقف الراسخة المعادية للتغيير ستشهد هي الأخرى – أي البيئة – تحسنًا ملحوظًا. وكما يراه ستيفن ديزلي Stephen Daisley ، فإن “الاندماج ضمن المنطقة سيكون له تأثيره على إسرائيل أيضًا؛ ولعل إسرائيل التي ستجد نفسها في وضع يمنحها مزيداً من الأمان ويخفف من عزلتها، ستسعى للتخلي عن بعض مواقفها المتشائمة حيال دعائم السلام والتعاون التي أرسيت في الأعوام الأخيرة”[12].

تحديات أمام مبادرة السلام

انطلاقًا من الموقف الراسخ بشأن الطموحات الفلسطينية وكما عبَّر عنه القادة الإماراتيون، فإنه يمكن لدولة الإمارات من خلال هذه الاتفاقية أداء دور قيادي فاعل في العملية السلمية بهدف إقامة الدولة الفلسطينية؛ فإلى جانب إحقاق حقوق المجتمع الفلسطيني، فإن النهوض بهذا الدور ستكون له آثار ومضامين إيجابية بالنسبة للنزاعات الأخرى التي تفسد أجواء المنطقة وتثير ارتباكها؛ ومنها – مثلاً – الهواجس الأمنية الناشئة عن طموحات إيران وتركيا الإيديولوجية والسياسية، فهذان البلدان يستغلان القضية الفلسطينية وقد جعلا منها ركنًا رئيسيًا من أركان مشروعيهما السياسي الإقليمي.

ولأن دولة الإمارات تؤازر المصالح الفلسطينية وتساندها على نحو فعّال، فإنها لن تحرم على إيران وتركيا توجيه سهام الانتقاد إليها في ما يتعلق بمسألة جوهرية كهذه فحسب، بل وسيغدو بوسعها أيضًا المناداة بفتح باب الحوار مع هاتين الدولتين[13]. ومتى ما حل السلام بديلًا عن الصراع، فسيكون بمقدور المنطقة جني ثمار قدراتها وطاقاتها الهائلة المتنوعة في ميادين الطاقة والتمويل والموارد التكنولوجية، وما أكثر ما يستخدم منها اليوم لتغذية أدوات الحرب ومعداتها.

ومهما يكن من أمر، فإن من المهم التنويه إلى أن أية جهود تُبذل باتجاه تحقيق التطلعات الفلسطينية لا بد وأن تضع في حسبانها تحديات عدة:

أولًا: عاش العرب، على امتداد عقود، في عزلة عن الإسرائيليين. وجميعهم اليوم يتشاطرون إرثاً مليئاً بالمرارة والتجاهل والريبة والتحامل المتبادل؛ فعلى مدى تقريبًا قرن من الزمن، كان هذا الطرف “يشيطن” ذاك، فيلغي بذلك ما يزيد على ألف عام من العلاقات الودية الطيبة التي جمعتهما.

وتبعاً لهذ، ثمة جهود كبيرة ينبغي أن تُبذل من قبل كلا الجانبين على المستويين الرسمي والشعبي لرأب الصدع الذي أحدثته الأعمال والتحركات العدائية لتحل محلها علاقات تقوم على التفاهم والمودة والألفة ما بين هذين الشعبين.

ثانيًا: يكمن العائق الرئيس الذي يعترض سبيل التطبيع والتفاهم المتبادل في صميم النظام السياسي الإسرائيلي نفسه الذي تتشكل معالمه في تحالف طال أمده كثيراً ما بين حزب الليكود اليميني العلماني وبين أحزاب دينية متطرفة تتمتع بنفوذ قومي مؤثر يتخطى بكثير مقياس أعداد أتباعها، وتمارس حق النقض (الفيتو) ضد أي محاولات ذات صلة بالتسوية الإقليمية قد تفضي إلى تأسيس دولة فلسطينية قابلة للبقاء والنمو.

ولغرض المضي قدمًا بالعملية السلمية، فلا مناص أمام إسرائيل من الإقرار بضرورة إعادة النظر في مواقفها المتطرفة التي طالما تمسكت بها. وبحسب سليمان الهتلان، الذي سبقت الإشارة إليه، فإن إسرائيل “ينبغي أن ترمي على قارعة الطريق طموحاتها التوسعية، وأن تكبح جماح اليهود المتعصبين في الحركة الاستيطانية … وأن تترك وراء ظهرها عقليتها العسكرية، وتولي جلَّ اهتمامها للفرص الاقتصادية المستقبلية المتاحة داخل منطقة الجوار”.

ومن حسن الطالع أن هناك في إسرائيل والولايات المتحدة جماعات معتدلة تقر بأن الفلسطينيين قد وقعوا ضحية للظلم والإجحاف، وبأن الأمن الإقليمي يستلزم تلبية تطلعهم لإقامة دولتهم. وهنا سيكون المجال متاحاً أمام دولة الإمارات العربية المتحدة لممارسة نفوذها كي يتسنى، بمضي الوقت، إلغاء القوانين والأنظمة الإسرائيلية التمييزية المهينة للفلسطينيين، ودفع إسرائيل لتبني مواقف إيجابية من شأنها تعزيز المصالح الفلسطينية وبخاصة في المجال الاقتصادي. وعلاوة على ما تقدم، فإن الضوابط والقيود الحدودية الإسرائيلية الخاصة بتنظيم الاستثمارات التجارية في الأراضي الفلسطينية باتت تخلق عقبات كأداء أمام تعزيز مجتمع المال والأعمال الفلسطيني وتطويره وتوفير فرص عمل للكوادر الفلسطينية[14].

ثالثًا: ستكون مسألة إقامة دولة فلسطينية محور عملية بطيئة طويلة الأمد وذات منحى تدريجي، وغالباً ما يطالها التعقيد بفعل السياسات الإسرائيلية (والأمريكية)، والخلافات الفلسطينية-الفلسطينية، وتدخلات لاعبين إقليميين آخرين، وأعمال العنف التي يتكرر وقوعها في كلا المعسكرين. وهذا في مجمله سيفرض على قادة دولة الإمارات العربية المتحدة وكوادرها الدبلوماسية التفاعل بشكل معمَّق ومؤثر مع هذه القضية في فلسطين وإسرائيل على حد سواء، ومواصلة تقديم المساعدات التنموية لتوفير مقومات الحياة اللائقة للشعب الفلسطيني المحاصر.

رابعًا وأخيرًا: ليس بخافٍ أن دولة الإمارات مصممة على تفعيل هذه المسألة وإدامة حضورها في المنابر والمنتديات الإقليمية والدولية لتضمن بذلك بقاءها في بوتقة الوعي الشعبي، أولًا، وتصاعد الأصوات المطالبة بإحراز تقدم باتجاه تأسيس الدولة الفلسطينية، ثانيًا. وفي هذا الإطار، ينسب إميل نخلة لمسؤول رفيع في مجال الأمن القومي الإسرائيلي قوله إن “عملية إحلال سلام دائم بين إسرائيل والعرب ينبغي أن تبدأ بحسم الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني وإيجاد سبل تكفل إنهاء احتلال الضفة الغربية”. وفي هذا الشأن، فإن الخيار الأفضل اليوم هو حل الدولتين.

والسلام بين دولة الإمارات وإسرائيل يبشّر اليوم أيضًا بحقبة استثنائية من الرخاء والازدهار لأبناء المنطقة قاطبة، مهما اختلفت انتماءاتهم وأصولهم، عرباَ كانوا أو يهوداً أو إيرانيين أو أتراكاً .. فهذه شعوب لطالما كان كل منها يتفاعل مع الآخر على امتداد قرون من الزمن، وأسست في غضون ذلك شطراً عظيماً من تراث الحضارة الإنسانية. وتلكم هي الحصيلة الأفضل لعملية تطبيع العلاقات الثنائية التي استهلتها كل من دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل.

 


المراجع

[1]  Dr Sulaiman Al Hattlan, “Acceptance and trust drive UAE-Israel accord,” Arab News, 1 September 2020: https://www.msn.com/en-ae/news/other/acceptance-and-trust-drive-uae-israel-accord/ar-BB18BHNX

[2]  Emran Qureshi and Michael A Sells (ed.), The New Crusades – Constructing the Muslim Enemy, (Karachi: Oxford University Press, 2003), p. 116

[3]  Emile Nakhleh, “How the UAE-Israel deal serves bilateral relations, not larger issues,” Responsible Statecraft, August 24, 2020: https://responsiblestatecraft.org/2020/08/24/how-the-uae-israel-deal-serves-bilateral-relations-not-larger-issues/

[4]  Kenneth Pollack, “Israeli-Emirati normalisation: Be careful what you wish for”, AEI, August 13, 2020: https://www.aei.org/foreign-and-defense-policy/israeli-emirati-normalization-be-careful-what-you-wish-for/

[5]  Ben Caspit, “Exposure of Israel-UAE ties changes Middle East substantively,” Al-Monitor, August 18, 2020: https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2020/08/israel-united-arab-emirates-egypt-us-mossad-yossi-cohen.html

[6]  Hussein Ibish, “How an agreement with Israel fits into the UAE doctrine,” Bloomberg, August 19, 2020, at: https://www.bloomberg.com/opinion/articles/2020-08-19/how-an-agreement-with-israel-fits-into-the-uae-doctrine

[7]  Kenneth Pollack, “Israel-Emirati normalisation: Be careful what you wish for”

[8]  Fareed Zakaria, “The Self-Destruction of American Power,” Foreign Affairs, July-August 2019, at: https://www.foreignaffairs.com/articles/2019-06-11/self-destruction-american-power

[9]  Al Arabiya English, August 31, 2020: https://english.alarabiya.net/en/2020/09/01/UAE-Israel-deal-will-not-come-at-expense-of-Palestinian-cause-Abu-Dhabi-Crown-Prince

[10]  Emirates News Agency, August 31, 2020: https://www.msn.com/en-ae/news/other/uae-will-continue-to-embrace-unswervingly-support-palestinians-abdullah-bin-zayed/ar-BB18yQwe

[11] Hussein Ibish, “UAE-Israel normalisation is both a serious blow and a blow and a sudden lifeline for a two-state solution,” August 25, 2020: https://ibishblog.com/2020/08/25/uae-israel-normalization-is-both-a-serious-blow-and-a-sudden-lifeline-for-a-two-state-solution-2/

[12]  Stephen Daisley, “Have Arab nations forgotten about Palestine by accepting Israel?,” The Spectator, August 19, 2020: https://www.spectator.co.uk/article/have-the-arab-nations-forgotten-about-palestine-in-their-acceptance-of-israel-

[13]  The shaping and pursuit of a regional peace process has been discussed by this author in: Talmiz Ahmad, “Shaping a Peace Process for the Gulf: An Indian Initiative to Realise the Ideas of Westphalia,” Asian Journal of Middle Eastern and Islamic Studies, Volume 13, 2019 – Issue 4, p. 568-91

[14]  Kerry Boyd Anderson, “Palestinian businesses held back by lack of a political solution,” Arab News, September 1, 2020: https://www.arabnews.com/node/1727921

المواضيع ذات الصلة