Insight Image

ديناميات الغاز الطبيعي في البحر الأسود: التداعيات الجيوستراتيجية

11 أغسطس 2020

ديناميات الغاز الطبيعي في البحر الأسود: التداعيات الجيوستراتيجية

11 أغسطس 2020

كثيراً ما تغيب أهمية منطقة البحر الأسود عن بحوث وتحليلات الخبراء المعنيين بقضية أمن الطاقة في دول شرق وجنوب أوروبا. كما أنها أقل حضورًا في البحوث والتحليلات مقارنة مع منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط المضطربة التي استأثرت باهتمام العالم مؤخراً.

واللافت أن البحر الأسود أصبح في الآونة الأخيرة مسرحًا لتنافُس جيوسياسي شرس على موارد الغاز الطبيعي، ما أدى إلى تزايد المخاوف الأمنية في هذه المنطقة. ولا غرابة في أن تَصْرِف هذه المنافسة الحادة للوصول إلى مصادر جديدة للطاقة في شرق المتوسط التركيز عن هذه المنطقة التي تُعد موقعاً مهماً لاحتياطيات الطاقة وخطوط الأنابيب.

وتبتعد هذه الورقة عن فكرة أن البحر الأسود نفسه والدول المطلة عليه بما فيها – روسيا وأوكرانيا ورومانيا وبلغاريا وتركيا وجورجيا – يمكن اعتبارها وحدة تحليل واحدة، ومع ذلك فإن التفاعلات المرتبطة بالطاقة بين هذه الدول هي تفاعلات قوية ومهمة من منظور أمن الطاقة. كما تكشف هذه الورقة، في سياق، تحليلها لتطورات سياسة الطاقة ومقارباتها في البحر الأسود عن تبايُن مصالح الجهات الفاعلة الإقليمية الرئيسة، والمخاوف الأمنية التي تؤثر في مصالح وأولويات أصحاب المصلحة وجميع الأطراف المعنيين خارج المنطقة.

وينبغي التأكيد على أن الوضع في البحر الأسود يختلف كثيراً عنه في شرق البحر المتوسط، لأن احتياطيات الغاز الطبيعي المكتشفة حتى الآن تحت قاع البحر أقل بكثير منها في البحر الأسود، ولم تبدأ طفرة الإنتاج حتى الآن. ولذا فإن مناقشات أمن الطاقة المتعلقة بالبحر الأسود لا تتمحور حول التنافس من أجل الوصول إلى الموارد الهائلة تحت البحر، وإنما تدور حول دور المنطقة ككل في بنية أمن الطاقة الأوسع، والعلاقات التجارية الخاصة بالطاقة، ومشروعات البنية التحتية الجارية، والحسابات الاستراتيجية الإقليمية المتغيّرة.

وهنا تُثار العديد من الأسئلة لأن منطقة البحر الأسود تمثل نقطة تقاطع مهمة لطرق نقل الطاقة الممتدة شمالاً، وجنوباً، وشرقاً، وغرباً وتربط بين بحر قزوين وأوروبا. كما تلفت الورقة، في سياقها، أيضًا الانتباه إلى سلسلة الأحداث والتطورات التي عرفتها المنطقة خلال العامين الماضيين من منظور أمن الطاقة.

Natural gas dynamics in the Black Sea Geostrategic implications-infographics

ممر الغاز الجنوبي

يهدف ممر الغاز الجنوبي إلى نقل الغاز الأذربيجاني إلى الأسواق الأوروبية عبر خط أنابيب يبلغ طوله 3,500 كلم، وما زال العمل جارياً في تشييده، ومن المتوقع أن يكتمل في أواخر عام 2020 عند الانتهاء من أعمال التشييد في الجزء الأخير منه؛ أيْ، خط أنابيب عبر البحر الأدرياتيكي. ويتكون ممر الغاز الجنوبي من خط أنابيب جنوب القوقاز الذي يمتد من أذربيجان إلى الحدود الجورجية-التركية، وخط أنابيب عبر الأناضول الذي يمر عبر تركيا ممتداً من الحدود الجورجية-التركية إلى الحدود التركية-اليونانية، وخط أنابيب عبر البحر الأدرياتيكي. وبسعة أولية إجمالية، سيستطيع ممر الغاز الجنوبي نقل 16 مليار م2 من الغاز الطبيعي سنوياً من بحر قزوين عبر تركيا إلى أسواق الاتحاد الأوروبي. ونظراً إلى أن تركيا تعاقدت على شراء ست مليارات م2 من الغاز الأذربيجاني، فستُنقل العشرة مليارات المتبقية غرباً إلى الأسواق الأوروبية كل عام[1].

ورُغم أن سعته الأولية ليست كبيرة جداً مقارنة ببعض خطوط الأنابيب الأخرى، خصوصاً مشروعات شركة غازبروم، فإنه يمثل إنجازاً مهماً على صعيد مساعي تنويع الإمدادات التي تهدف إلى الحد من هيمنة روسيا على صادرات الغاز إلى أوروبا. وسيكون ممر الغاز الجنوبي أول خط أنابيب يمكِّن الغاز من التدفّق من أراضي الاتحاد السوفيتي سابقاً إلى أوروبا من خلال طريق نقل يعمل باستقلالية عن السيطرة الروسية.

وستعتمد أهمية هذا الخط الجيوسياسية إلى حد كبير على التوسيع المخطط له، والذي يثير المزيد من التساؤلات، خصوصاً حول مدى استقرار الطلب الأوروبي على الغاز المنقول بالأنابيب في زمنٍ أصبح فيه الغاز الطبيعي المسال خياراً جاذباً للعديد من الدول بسبب انخفاض أسعاره. فإذا استمر الطلب على الغاز المتدفق عبر هذا الخط، سيُثار سؤال حول مدى كفاية حجم الغاز الأذربيجاني لتلبية الطلب المتوقع.

وثمة قضية أخرى تتمثل في “الاتفاقية الأوروبية الخضراء” التي تهدف إلى إزالة الكربون بحلول عام 2050 ومدى تأثيرها في اعتماد الاتحاد الأوروبي عموماً على الغاز الطبيعي في العشر سنوات المقبلة؛ ولكن من المنظور الإقليمي، سيسهم هذا الخط في تحقيق أهداف أمن الطاقة وتنويع مصادرها بالنسبة إلى جورجيا، وتركيا، وبلغاريا، فوفقاً للخطط المعتمدة قبلاً، ستلبي أذربيجان 92.7% من طلب جورجيا على الغاز في عام 2020[2].

كما حدث، إضافة إلى هذا، تغيير كبير في تركيبة الواردات التركية في العاميين الماضيين، وأصبحت أذربيجان أكبر مورِّدي الغاز إلى تركيا، وبين مايو 2018 ومايو 2020، ارتفعت حصة أذربيجان في واردات تركيا من الغاز من 20%[3] إلى 33%[4]؛ وهذا يعني أن ممر الغاز الجنوبي يمثل شريان حياة لتأمين احتياجات كل من جورجيا وتركيا من الغاز.

وعلى الرغم من أن ممر الغاز الجنوبي لا يمر عبر أراضي بلغاريا، يجري حالياً تشييد خط الأنابيب الرابط بين اليونان وبلغاريا[5] الذي يبلغ طوله 180 كلم وسيربط ممر الغاز الجنوبي بشبكة الغاز البلغارية ويمثل خطوة مهمة لبلغاريا في اتجاه تنويع مصادر الغاز.

كما ستتمكن بلغاريا بعد اكتمال هذا الخط من جلب غاز بحر قزوين من خلاله. وقد وافقت بلغاريا أيضاً على الاستحواذ على 20% من مشروع الغاز الطبيعي المسال اليوناني الجديد في شمال البلاد، وبهذا تزداد خياراتها للابتعاد عن الغاز الروسي[6]. كما أن الغاز الذي سيصل إلى اليونان عبر محطة أليكساندروبوليس للغاز الطبيعي المسال سيُنقَل إلى بلغاريا عبر خط الأنابيب الرابط بين اليونان وبلغاريا.

العلاقات الروسية-التركية المتغيرة في مجال الغاز

تتميز العلاقات الثنائية بين روسيا وتركيا بأهمية بالغة عند تعريف ديناميات الغاز الطبيعي في منطقة البحر الأسود. فقد كانت تركيا تشكل ثاني أكبر سوق للغاز الروسي لسنوات عديدة، بعد ألمانيا. وفي عام 2018، بلغت حصة تركيا 12% تقريباً من إجمالي الغاز الذي صدّرته شركة غازبروم إلى الدول التي لم تكن جزءاً من الاتحاد السوفيتي السابق[7]، غير أن محور الغاز الروسي-التركي شهد تحوُّلاً كبيراً في العامين الماضيين بعد أن كان مستقراً للغاية في السابق، فتراجعت حصة روسيا في واردات الغاز التركية تراجعاً حاداً. وبما أن الجزأين الأولين من ممر الغاز الجنوبي أصبحا الآن جاهزيْن للتشغيل، فمن المرجح أن تستفيد تركيا من زيادة حصتها في الغاز المستورد من أذربيجان على حساب روسيا. كما أن زيادة وفرة الغاز الطبيعي المسال الرخيص تمثل تطوراً يخدم مصلحة تركيا في مساعيها لتنويع مصادر الغاز. وتشير البيانات التالية إلى التحوُّل في تركيبة الواردات التركيبة خلال العامين الماضيين:

جدول-1: التغييرات في تركيبة واردات تركيا من الغاز الطبيعي[8]

مايو 2018 مايو 2019 مايو 2020
الحجم (مليون متر قياسي مكعب) الحصة (%) الحجم (مليون متر قياسي مكعب) الحصة (%) الحجم (مليون متر قياسي مكعب) الحصة (%)
الجزائر 313.89 10.43 339.29 12.65 281.96 10.57
أذربيجان 601.30 19.98 769.90 28.72 881.58 33.05
غينيا الاستوائية 0 0 0 0 97.19 3.64
إيران 499.82 16.61 543.13 20.26 0 0
نيجيريا 107.52 3.57 0 0 85.35 3.20
النرويج 0 0 0 0 85.66 3.21
قطر 133.23 4.43 133.90 4.99 520.20 19.50
روسيا 1,353.06 44.97 894.90 33.38 339.95 12.74
ترينداد وتوباغو 0 0 0 0 94.22 3.53
الولايات المتحدة 0 0 0 0 281.29 10.55
الإجمالي 3,008.82 100 2,681.12 100 2,667.41 100

جدول-2: الغاز المنقول بالأنابيب مقابل الغاز الطبيعي المسال: حصة الواردات التركية المتغيرة[9]

مايو 2018 مايو 2029 مايو 2020
الغاز المنقول بالأنابيب 81.57% 82.35% 45.79%
الغاز الطبيعي المسال 18.43% 17.65% 54.21%

على الرغم من تقلص حصة روسيا في واردات تركيا من الغاز، فقد افتُتِح في بداية يناير 2020 الجزء الأول من خط أنابيب الغاز “ترك ستريم” الذي يوجِد رابطاً جديداً مباشراً بين روسيا وتركيا في مجال الغاز[10]. وتبلغ سعة الجزء الأول من هذا الخط 15.75 مليار م2 في السنة، وهو مصمَّم ليحل محل ما يُعرف بخط أنابيب الطريق الغربي الذي تم بناؤه منذ عشرات السنين ويمتد من روسيا عبر أوكرانيا ومولدوفا ورمانيا وبلغاريا إلى تركيا. وستتمكن روسيا بمساعدة خط أنابيب “ترك ستريم” من تعزيز هدفها السياسي ورغبتها في إضعاف دور أوكرانيا بصفته بلد عبور ضمن تركيبة صادرات الغاز الروسي.

أما الجزء الثاني من خط أنابيب “ترك ستريم” فهو مصمَّم لتوصيل الغاز الروسي إلى وسط أوروبا عبر تركيا والبلقان، غير أن موعد اكتمال بنائه ما زال غير مؤكد. وبالإضافة إلى “ترك ستريم” الجديد، يوجد خط آخر مباشر تحت البحر؛ “خط أنابيب بلو ستريم” الذي يربط روسيا بتركيا وتبلغ سعته السنوية 16 مليار م2 وظل يعمل منذ عقدين تقريباً.  وفي ما يتعلق بالعلاقات المستقبلية بين روسيا وتركيا في مجال الغاز، فلا بد من التأكيد على أن ظروف السوق الحالية والتطوير الذي تشهده البنية التحتية التركية، بما في ذلك خطوط الأنابيب الجديدة ومنشآت الغاز الطبيعي المسال الجديد، ستساعد تركيا في التوصل إلى تركيبة من واردات الغاز أكثر توازناً وتنوعاً. لقد كانت روسيا في السابق أهم مورّدي الغاز لتركيا بما لا يقارن، ومن المتوقع أن تفقد حصتها السوقية في تركيا في ظل الظروف الراهنة. وبعد أن نجحت أنقرة في إنشاء إطار أكثر تنوعاً ومرونة لوارداتها من الغاز، من المستبعد أن تستعيد روسيا مكانتها السابقة في السوق التركية.

غير أن سؤال المستقبل الرئيسي هو: هل ستكون روسيا مستعدة لتقديم أسعار أكثر جاذبية عند إعادة التفاوض مع تركيا حول عقود بيع وشراء الغاز طويلة الأجل بعد انتهاء مدة الاتفاقات الحالية في السنوات المقبلة، وبغض النظر عن اعتبارات الأسعار، فإن مرونة هذه العقود لها أهمية حاسمة أيضاً، خصوصاً في ما يتعلق بالبنود التي تُلزم المستورد بدفع ثمن السلعة سواء اشتراها أو لم يشترها؛ أي ما يُعرف ببنود “خذ أو ادفع” التي عادةً ما تفرض على مستوردي الغاز عبئاً كبيراً. كما أن تحول تركيا الكبير إلى واردات الغاز الطبيعي المسال سيشكِّل ورقة مساومة يمكن أن تستخدمها أنقرة في التفاوض على أي عقود غاز جديدة مع روسيا في المستقبل.

المنظومة الأوكرانية-الروسية لعبور الغاز

تحتل ديناميات الغاز بين روسيا وأوكرانيا أهمية أيضاً من منظور منطقة البحر الأسود، حيث كانت روسيا تقليدياً تصدِّر كميات كبيرة من الغاز إلى الغرب عبر أوكرانيا، ولكن النزاعات العديدة أثرت في العلاقات بين البلدين في مجال الغاز، مثل الخلافات التي وقعت في عامي 2006 و2009 بخصوص دفع المستحقات، ما دفع موسكو إلى قطع إمدادات الغاز تماماً عن أوكرانيا بهدف الضغط عليها.

كما أدى ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، واندلاع نزاع عسكري مديد في شرق أوكرانيا، إلى تصدُّع حاد في العلاقات الروسية-الأوكرانية أثر في علاقاتهما في مجال الطاقة. وقد توقفت أوكرانيا عام 2015 عن استيراد الغاز الروسي ولكنها ظلت مساراً حيوياً لعبوره إلى الاتحاد الأوروبي[11].

ونظراً إلى أن الاتفاق الحالي لعبور الغاز بين روسيا وأوكرانيا من المقرر أن ينتهي في 1 يناير 2020، فقد ثارت تساؤلات مهمة حول المفاوضات الثنائية بين البلدين لتمديد الاتفاق، ولكنهما توصلا في 30 ديسمبر 2019 إلى اتفاق جديد مدته خمس سنوات.

وينص الاتفاق على أن تسمح أوكرانيا بعبور ما لا يقل عن 65 مليار م2 من الغاز الروسي في عام 2020، وما لا يقل عن 40 مليار م2 سنوياً بين عامي 2021 و2024[12]. ولا شك في أن هذا الاتفاق يمثل خطوة مهمة في اتجاه الحفاظ على دور أوكرانيا بوصفها بلد عبور، فضلاً عن أن العقد يمنحها الحق في تلقي رسوم عبور تبلغ نحو سبعة مليارات دولار[13].

وبإبرام اتفاق عبور الغاز، نجح الطرفان في تأمين حالة استقرار مؤقتة في علاقاتهما الثنائية في مجال الغاز وفي بنية أمن الطاقة في منطقة شمال البحر الأسود. مع ذلك، ما زالت هناك أسئلة مهمة تُثار حول ما سيحدث عند انتهاء الاتفاق، خصوصاً أن الجزء الأول من خط أنابيب “ترك ستريم”، الذي يتخطى أوكرانيا، قد بدأ تشغيله بعد أسبوع واحد من إبرام الاتفاق الروسي-الأوكراني. وفي الوقت نفسه، كانت أعمال البناء في خط الأنابيب المثير للخلاف، “نورد ستريم-2″، عبر بحر البلطيق تمضي إلى الأمام أيضاً، وتدل هذه المشروعات على أن روسيا ما زالت تعمل بطريقة نشطة في اتجاه تنويع مسارات صادراتها من الغاز، الأمر الذي يُنذر بتداعيات وخيمة على أوكرانيا نظراً إلى أنها قد تفقد سريعاً عائداتها من رسوم العبور ومكانتها الجيوسياسية بصفتها دولة عبور للطاقة بعد عام 2014. ولم يتضح بعد ما إذا كانت روسيا ستحتاج إلى أي خط أنابيب أوكراني لعبور الغاز عقب هذا التاريخ أم ستوقف تدفقات الغاز الحالية تماماً.

سياسة الغاز والتطوير في رومانيا

ظل تطوير احتياطيات الغاز البحرية الرومانية في البحر الأسود على جدول الأعمال منذ زمن طويل، غير أن تحقيق هذا الهدف واجه الكثير من التأخير. وورد في أبريل 2020 أن القرار النهائي للاستثمار في تطوير مشروع “نيبتون ديب”، الذي يُعد أهم مشروع في هذا الصدد، قد تم تأجيله إلى عام 2021[14]. وعلى الرغم من أن شركة “أو إم في بتروم” (OMV Petrom) وشركة إكسون موبيل ظلتا تُحضّران لتنفيذ هذا المشروع منذ تأسيسهما مشروعاً مشتركاً في عام 2008، فقد أكدت شركة إكسون موبيل في بداية عام 2020 أنها تفكِّر في الانسحاب من المشروع[15]. وفي هذه الأثناء، أعلنت شركة الغاز الرومانية “رومغاز” المملوكة للدولة عن رغبتها في الاستحواذ على حصة إكسون موبيل، ولكن المفاوضات أوقفت إلى عام 2021، وفقاً لما قاله الرئيس التنفيذي لشركة “رومغاز”، أدريان فولنتيرو[16].

وتشير تقديرات سابقة إلى أن احتياطيات مشروع “نيبتون ديب” تتراوح بين 42 و84 مليار م2 من الغاز الطبيعي. وعلى الرغم من أن هذه الكمية ضئيلة مقارنةً بمعظم اكتشافات الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط، فإن الاستغلال الناجح لهذه الاحتياطيات سيقوي موقع رومانيا الإقليمي إلى حد كبير في ما يتعلق بديناميات الطاقة في منطقة البحر الأسود، ولكن البرلمان الروماني أجاز في عام 2018 قانوناً بحرياً بات يشكل عقبة كبيرة أمام مشروعات تطوير الغاز في البحر الأسود، ولا بد من إصدار تشريع جديد لكسر هذا الجمود.

ووفقاً لوزير الاقتصاد والطاقة وبيئة الأعمال الروماني، فيرجيل دانيال بوبيسكو، يمكن أن يتم تعديل هذا القانون بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة[17]. لذلك قد يكون عام 2021 نقطة تحول بالنسبة لإمكانية استمرار مشروع “نيبتون ديب”. وفي ما يتعلق بمشاركة رومانيا في مشروعات نقل الغاز الرئيسية، لم تتحقق الخطط السابقة الرامية إلى دمج البلاد في المبادرات الاستراتيجية، مثل نقل غاز بحر قزوين إلى أوروبا.

وفي الوقت نفسه، يُعتبر بدء أعمال البناء في خط أنابيب الغاز الرابط بين بلغاريا ورومانيا والمجر والنمسا وإمكانية إكماله بحلول نهاية عام 2020 تطوراً مهماً، غير أن إيقاف مشروعات إنتاج الغاز البحرية في البحر الأسود، المذكور سابقاً، يجعل الغرض من خط الأنابيب أعلاه مبهماً للغاية[18]. وعلى الرغم من السعة الأولية المتواضعة التي يتميز بها خط الأنابيب هذا، فإنه مصمَّم لتوفير قناة جيوستراتيجية لاستيراد وتصدير الغاز بالنسبة إلى رومانيا ولموازنة الدور الروسي في إمدادات الغاز في المنطقة. وقد فكرت شركة “رومغاز” الرومانية في الاستحواذ على حصة بنسبة 20% في مشروع أليكساندروبوليس للغاز الطبيعي المسال في اليونان ولكنها تخلت لاحقاً عن الفكرة مفضِّلةً تطوير مشروع محطة الغاز الطبيعي المسال النهائية الرومانية على ساحل البحر الأسود الذي ربما يكتمل بحلول عام 2026.[19]

الخاتمة

تشكّل منطقة البحر الأسود حيزاً جيوستراتيجياً تتم فيه معاملات تجارية ثنائية مهمة من حيث أمن الطاقة، كما أنها ساحة لمنظومة معقدة من التفاعلات والعلاقات المتبادلة حيث تتطابق أو تتعارض مصالح المورِّدين والزبائن، والأطراف الوسيطة أيضاً. وفي ظل السعي إلى التنويع باعتباره أحد العوامل الرئيسية المحركة لسياسة الطاقة في المنطقة، فإن هذه الاستراتيجية توفر أيضاً إطاراً شاملاً لتحليل ديناميات الغاز الإقليمية.

ففي البحر الأسود، يحاول المورِّدون تنويع قنوات تصدير إنتاجهم، في حين يسعى المستوردون إلى تقليل اعتمادهم على مورِّديهم من خلال إنشاء منظومات استيراد بديلة؛ ولذا فإن التقدم الأخير الذي حدث في إنشاء قنوات رئيسية جديدة لنقل الغاز في جميع انحاء المنطقة، مثل ممر الغاز الجنوبي أو “ترك ستريم” أو مشروعات الغاز الطبيعي المسال الإضافي في دول الجوار، جاء نتيجة لمبادرات ستعيد رسم خريطة الطاقة في المنطقة إلى حدٍّ ما.

وتعكس هذه المشروعات، في الوقت نفسه، التنافس القائم بين روسيا والدول الأوروبية الأطلسية في ما يتعلق بمصالحها الإقليمية على صعيد الطاقة. ونظراً إلى أن روسيا فقدت حصة سوقية كبيرة في تركيا خلال العامين الماضيين، فإنها ستعمل على تعويض هذه الخسارة من خلال تطوير مشروعات طاقة إقليمية أكثر طموحاً، مثل المرحلة الثانية من خط أنابيب “ترك ستريم”.

كما أن أي تمديد إضافي لخط أنابيب الغاز الروسي إلى البلقان ووسط أوروبا سيتطلب تعاون هذه الدول؛ وعلى الرغم من أن محور الغاز الروسي-التركي كان يشكل في السابق شبكة رئيسية للطاقة بالنسبة للمنطقة، فإن التطورات الحالية تشير إلى تزايد عدد الجهات الفاعلة التي يمكنها أيضاً أن تسعى وراء تحقيق أهدافها وأن تحدد شكل أجندة الغاز الإقليمية.

ولتحقيق هذه الأهداف، من المتوقع أن تقوم رومانيا وبلغاريا بدور متعاظم في ديناميات الطاقة في المنطقة، إلى جانب أذربيجان، التي لا تطل على البحر الأسود، باعتبارها دولاً مهمة مصدرة للغاز وقادرة أيضاً على التأثير في تطورات الطاقة الإقليمية. كما أنه من المحتمل، في الوقت نفسه، أن تتضاءل المكانة المستقبلية لأوكرانيا في بنية أمن الطاقة الإقليمي، وما زالت التبعات الجيوسياسية المرتبة على ذلك غير معروفة على وجه التحقيق.


المراجع

[1] ”6 bcm of natural gas delivered to Turkey as TANAP ramps up flow in 2nd operating year,” Daily Sabah, 11 June 2020 (https://www.dailysabah.com/business/energy/6-bcm-of-natural-gas-delivered-to-turkey-as-tanap-ramps-up-flow-in-2nd-operating-year)

[2] ”Georgia to receive 92.7% of gas from Azerbaijan, 6.6% from Russia in 2020,” Neftegaz.ru, 30 December 2019 (https://neftegaz.ru/en/news/Transportation-and-storage/516078-georgia-to-receive-92-7-of-gas-from-azerbaijan-6-6-from-russia-in-2020/)

[3] T.C. Enerji Piyasası Düzenleme Kurumu, ”Doğal Gaz Piyasası Aylık Sektör Raporu,” May 2018 (https://www.epdk.gov.tr/Detay/DownloadDocument?id=qgniV4rz17E=)

[4] T.C. Enerji Piyasası Düzenleme Kurumu, ”Doğal Gaz Piyasası Aylık Sektör Raporu,” May 2020 (https://www.epdk.gov.tr/Detay/DownloadDocument?id=Nj954eJRL3g=)

[5] Aimee Knight, ”Over 70 km of line pipes delivered for Greece-Bulgaria gas interconnector,” World Pipelines, 18 May 2020 (https://www.worldpipelines.com/project-news/18052020/over-70-km-of-line-pipes-delivered-for-greece-bulgaria-gas-interconnector/)

[6] ”Bulgaria to acquire 20% of Alexandroupolis LNG project in Greece,” New Europe, 9 January 2020 (https://www.neweurope.eu/article/bulgaria-to-acquire-20-of-alexandroupolis-lng-project-in-greece/)

[7] Gazprom Export, ”Delivery Statistics,” (http://www.gazpromexport.ru/en/statistics/)

[8] T.C. Enerji Piyasası Düzenleme Kurumu, ”Doğal Gaz Piyasası Aylık Sektör Raporu,” May 2018; and T.C. Enerji Piyasası Düzenleme Kurumu, ”Doğal Gaz Piyasası Aylık Sektör Raporu,” May 2020

[9] Ibid.

[10] Gazprom, ”TurkStream gas pipeline officially launched in grand ceremony,” 8 January 2020 (https://www.gazprom.com/press/news/2020/january/article497324/)

[11] Tim Daiss, ”Ukraine Celebration: One Year Without Russian Gas,” Forbes, 27 November 2016 (https://www.forbes.com/sites/timdaiss/2016/11/27/ukraine-celebration-one-year-without-russian-gas/#7ae00f0862f4)

[12] Aura Sabadus, ”Ukraine, Russia sign 5-year gas transit agreement,”ICIS, 31 December 2019 (https://www.icis.com/explore/resources/news/2019/12/31/10456279/ukraine-russia-sign-5-year-gas-transit-agreement)

[13] Ibid.

[14] ”FID on Romania’s Neptun Deep gas project delayed to 2021,” Kallanish Energy, 30 April 2020 (https://www.kallanishenergy.com/2020/04/30/fid-on-romanias-neptun-deep-gas-project-delayed-to-2021/)

[15] ”Exxon Mobil confirms may exit Romanian offshore gas project,” Reuters, 8 January 2020 (https://www.reuters.com/article/us-romania-energy-exxon/exxon-mobil-confirms-may-exit-romanian-offshore-gas-project-idUSKBN1Z70XP)

[16] ”Romanian Romgaz is still interested in stake in Neptun Deep gas project,” Serbia Energy, 15 May 2020 (https://serbia-energy.eu/romanian-romgaz-is-still-interested-in-stake-in-neptun-deep-gas-project/)

[17] ”Romania will amend the offshore hydrocarbon law after the parliamentary elections,” Serbia Energy, 3 June 2020 (https://serbia-energy.eu/romania-will-amend-the-offshore-hydrocarbon-law-after-the-parliamentary-elections/)

[18] ”Delayed Romanian Black Sea Gas Projects Pose Risk to Pipeline,” Pipeline & Gas Journal, 21 July 2020 (https://pgjonline.com/news/2020/07-july/delayed-romanian-black-sea-gas-projects-pose-risk-to-pipeline)

[19] ”Romania: LNG terminal on Black Sea coast in next six years,” Serbia Energy, 8 May 2020 (https://serbia-energy.eu/romania-lng-terminal-on-black-sea-coast-in-next-six-years/)

المواضيع ذات الصلة