Insight Image

مناطق النزاع في الشرق الأوسط والاستجابة الإنسانية لوباء “كوفيد-19”: مساعدات من أجل النفوذ

21 أبريل 2020

مناطق النزاع في الشرق الأوسط والاستجابة الإنسانية لوباء “كوفيد-19”: مساعدات من أجل النفوذ

21 أبريل 2020

مقدمة

يشكل إدراك كافة التداعيات السياسية والدولية المترتبة على وباء “كوفيد-19” أمراً صعباً حتى الآن؛ إذ ما تزال الدول تصارع من أجل احتواء آثار هذا الوباء والتخفيف منها. وفي هذا السياق تحديداً، يُمثل مستقبل المساعدات الإنسانية في مناطق النزاع موضوعاً مثيراً للاهتمام بالنظر إلى وتيرة التقشف المستمرة وصعود النزعة الشعبوية اللذان كانا أبرز سمات العقد الماضي، وما يطرحه كذلك تفشي وباء “كوفيد-19” من تهديد بإبطاء تبرعات الدول الغنية للمناطق المتأثرة بالنزاع لأن الحكومات في الغرب توجِّه المزيد من مواردها لمواجهة تداعيات الوباء الداخلية.

كما يشار إلى أن هناك قلق متزايداً من أن “كوفيد-19” قد يُفاقم من حالة عدم الاستقرار في العديد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والمناطق المجاورة، وذلك رغم أن حالات الإصابة المعلنة بهذا الوباء ليست كبيرة في المنطقة بشكل عام، وفي مناطق النزاع كالعراق، وليبيا، وسوريا، واليمن، وأفغانستان خاصة، لكن خطر انتشار الوباء يظل – حتى الآن – قائماً في هذه المنطقة التي حدد فيها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية عدداً من الدول التي تحتاج إلى مساعدات إنسانية عاجلة نظراً إلى التهديد الذي يشكله هذا الوباء على السكان هذه الدول التي فاقمت فيها النزاعات نسيج البنية التحتية الصحية، الأمر الذي أدى إلى بروز حاجة ماسّة إلى حلول تستند إلى قدرات الجهات المانحة الإقليمية والدولية ومتعددة الأطراف.

في هذا الإطار، تتناول هذه الدراسة الجهود التي تبذلها الجهات المانحة حالياً لمساعدة الدول الضعيفة في الاستعداد لمواجهة خطر تفشي “كوفيد-19”. كما تدرس المساعدات الإنسانية المقدّمة حالياً، وستقدّم تقييماً للعوامل السياسية، والدبلوماسية المحيطة بهذه المساعدات.

الوباء والسكان الضعفاء

بدأ العديد من الدول حول العالم في أعقاب انتشار فيروس كورونا المستجد مباشرة في العمل على وضع خطط استجابة وطنية لمكافحة وباء “كوفيد-19″، غير أن سرعة انتشار هذا الفيروس تستدعي كذلك تنسيق أكبر للجهود بين مكونات المجتمع الدولي والتعاون الفعال بينها بهدف تطوير حلول مُثلى للدول التي تعيش في وضعية هشة. ويشار، في هذا الصدد،  إلى أن وكالات الأمم المتحدة تعمل على توفير المساعدات لأكثر من 100 مليون نسمة يعانون حالياً بسبب النزاعات أو انعدام الأمن العام أو الفقر أو الهجرة القسرية الجماعية أو الكوارث الطبيعية.

وتشكل مبادرات العمل والتضامن هذه التي تتولى الوكالات الدولية تنسيقها خطوات أساسية نحو ضمان تصدي العالم لتهديد “كوفيد-19” بأكثر الطرق فعالية. ولا يقتصر الأمر على هذه الوكالات، فلكل من الحكومات الوطنية، والمانحين، وشركاء القطاع الخاص، والمؤسسات الدولية، والمجتمعات المحلية دور يجب الاضطلاع به باعتبار أن الخيارات التي تتخذها جميع هذه الأطراف المعنية اليوم ستحدد مخرجات ونتائج فترة ما بعد الأزمة، ومدى تأثير تداعيات الوباء على المجتمعات الضعيفة في جميع أنحاء العالم.

لقد بدأ “كوفيد-19” في محافظة هوبي الصينية، ثم انتشر في غضون شهرين ليتفشى في أكثر من 208 دول حول العالم ويفرض ضغوطاً هائلة على بنية الرعاية الصحية التحتية التي تصارع من أجل مواكبة الأزمة، إضافة إلى العديد من التداعيات والتحديات الأخرى التي فرضتها هذه الجائحة على القطاعات والمجالات المختلفة ولاسيما في الدول الضعيفة، ومن أبرزها:

  • مجال الرعاية الصحية: أدى الوباء إلى انخفاض ملحوظ في علاج الأمراض الأخرى، وضعف الخدمات الموجَّهة للرعاية الصحية الوقائية، بما في ذلك الرعاية المقدَّمة للنساء الحوامل قبل الولادة وبعدها. كما أن العديد من الدول، خصوصاً الموجودة في المناطق غير الآمنة ومناطق النزاعات، لا تمتلك موارد كافية تمكّن موظفي الرعاية الصحية من العمل بطريقة فعالة، ولا تمتلك المساحة الكافية أو الإمدادات الطبية اللازمة لعلاج المرضى. وبتعبير آخر، كشف الوباء عن الكثير من أوجه القصور في نظم الرعاية الصحية القائمة في جميع أنحاء العالم.
  • التأثير الاقتصادي – الاجتماعي: كان العديد من الدول التي حددها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية يتعامل مع عدد كبير من القضايا، بما فيها النزاع، وانعدام الأمن الغذائي، والهجرة القسرية، والتغير المناخي، والصدمات الاقتصادية – الاجتماعية إلى جانب مهمة إعادة حساب الميزانيات الحكومية المحدودة أصلاً من أجل الاستجابة لوباء “كوفيد-19″، حيث سيؤثر تناقص الإيرادات المالية سلباً في البرامج والخدمات الاجتماعية المنهَكة بالفعل في الدول المتأثرة، ما يترك المجتمعات الأضعف محرومة من الخدمات الأساسية وأسباب العيش.
  • المستلزمات الوقائية المقيّدة: سبب وباء “كوفيد-19” أزمة في إمكانية التنقل حيث بدأ العالم يشهد تغيّرات سريعة في أساليب القبول تجاه الهجرة، وخدمات الطيران، والمواقف تجاه الأجانب، ونظام إدارة الحدود والهجرة، وبالإضافة إلى الارتفاع المحتمل في جرائم الكراهية، والهجمات المدفوعة برهاب الأجانب، فإن الإجراءات الوطنية والإقليمية التي تحد من حركة الناس قد تزيد خطر الحرمان من دخول أراضي بعينها للذين يبحثون عن الحماية واللجوء، ومن ثم يُترك كثيرون محرومين من الرعاية الصحية، والتعليم والضمان الاجتماعي.

وقد عانت فئات أو مجموعات معينة من الناس، بصورة أكبر، من تأثيرات وباء “كوفيد-19” في العديد من المجتمعات الضعيفة في جميع أنحاء العالم. ويمكن تحديد أبرزها في الفئات أو المجموعات الأربع التالية:

  • أصحاب الأمراض المزمنة: هم الأكثر تعرُّضاً للإصابة بحالة حادة، ويشملون الأشخاص الذين يعانون أمراضاً مزمنة ونقصاً في التغذية بسب انعدام الأمن الغذائي، وانخفاض مستوى المناعة، والإعاقات، والشيخوخة؛ وكل هذه العوامل تزيد قابلية إصابتهم بالمرض.
  • النازحون: يشكلون المجموعة الثانية المعرضة لمخاطر عالية تشمل اللاجئين، وطالبي اللجوء، والعائدين، والأشخاص النازحين داخلياً، ومن يفتقرون إلى الموارد الاقتصادية الكافية التي تمكنهم من الحصول على الرعاية الصحية الأساسية، وكثيرون من أفراد هذه المجموعة قد يُحرَمون من الحصول على الرعاية الصحية أو قد يرفضون البحث عن المساعدة الصحية من خلال القنوات الرسمية خوفاً من الوصم والتمييز ضدهم.
  • القُصَّر والأطفال غير المصحوبين: تشمل هذه المجموعة الأطفال المنفصلين عن والديهم أو عن مَن يقدمون لهم الرعاية الأولية بسبب إجراءات الحجر الصحي أو الحجز المنزلي. ويظل الأطفال معرضون لدرجة عالية من خطر الإهمال أو الهجر والاستغلال إضافة إلى ذلك، قد لا يحصلون على ما يكفي من خدمات الرعاية الصحية اللازمة لكبح وباء كوفيد-19.
  • النساء: تشمل هذه المجموعة النساء والفتيات، نظراً إلى دورهن كمسعفات في مجال الصحة والرعاية الاجتماعية ومقدمات الرعاية داخل الأسرة، ما يجعلهن عرضة لخطر العدوى المحتمل وأكثر عرضة للإصابة بالفيروس. كما تتعرض النساء الحوامل لدرجة عالية من خطر الإصابة بالكثير من الأمراض المعدية والفيروسية، بما فيها فيروس “كوفيد-19”.

كما يُتوقّع أن تزداد حوادث العنف القائم على نوع الجنس، رغم أنه لا يستهدف النساء فقط، وذلك بسبب إجراءات احتواء الوباء وتعطُّل خدمات الدعم. وقد بُذلت، في هذا الصدد، بعض الجهود لوضع ضحايا العنف المنزلي في مساكن منفصلة خلال الأزمة الحالية؛ فعلى سبيل المثال، بدأت فرنسا في وضع الضحايا في فنادق منذ منتصف مارس بعد ظهور تقارير تشير إلى ارتفاع حاد في حالات العنف المبلَّغ عنها.

وعلى الرغم من أن “كوفيد-“19 لا يميِّز بين الناس من حيث الآثار التي يُحدثها في وظائف الأعضاء البشرية، من الواضح أيضاً أن الأشخاص الضعفاء والمهمشين يتأثرون أكثر من غيرهم بالمخاطر الاقتصادية – الاجتماعية المصاحبة للوباء؛ فالتهديدات التي يواجهها المحتاجون ينبغي أن تؤخذ في الحسبان ضمن البرامج الإنسانية التي تقوم الجهات المانحة الإقليمية والدولية ومتعددة الأطراف بإعدادها حالياً.

aid influence middle east conflict zones humanitarian response covid-19

 

الخطة الإنسانية العالمية لمواجهة “كوفيد-19”

في سياق الانتشار الحالي للوباء في معظم الدول، تمثل الخطة الإنسانية العالمية لمواجهة “كوفيد-19” آلية استجابة شاملة تشترك فيها الوكالات المعنية، وتسعى إلى تجميع وتحديث البرامج الإنسانية القائمة التي تديرها وكالات الأمم المتحدة وغيرها من الوكالات، مثل: برنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الصحة العالمية، والمنظمة الدولية للهجرة، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (موئل الأمم المتحدة)، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، ومفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف). كما تأخذ الخطة في الاعتبار العمل الجاري الذي تؤديه المنظمة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر.

وقد نُشِرت هذه الخطة في منتصف مارس، وتركز على الطرق المثلى التي يمكن للمجتمع الدولي أن يكافح بها انتشار فيروس “كوفيد-19” خلال الفترة الممتدة من أبريل إلى ديسمبر 2020. وتقوم الخطة على ثلاث أولويات استراتيجية:

1- احتواء انتشار الوباء الذي يتضمن الجهود التعاونية للحد من المرض والوفيات.

2- الحد من تدهور الأصول والحقوق الإنسانية، والتماسك الاجتماعي وسبل كسب العيش نتيجة للوباء.

3- حماية الفئات السكانية الضعيفة المعرضة للوباء ومساعدتها ومناصرتها (جدول 1).

جدول1: الأهداف الاستراتيجية الثلاثة

الأولويات الاستراتيجية للقطاع الإنساني عام 2020
الأولوية الاستراتيجيةالتنفيذ
احتواء انتشار “كوفيد-19” والحد من المرض والوفياتكشف جميع الحالات المشتبه فيها وفحصها: الكشف من خلال المراقبة والفحوص المعملية وتحسين فهم وباء “كوفيد-19”.
منع انتقال العدوى ومحاصرتها وإيقافها.
اكتساب المعرفة عن “كوفيد-19” وتبادلها، وتطوير تقنيات تشخيص وأدوية ولقاحات جديدة وتوزيعها، واستفادة من الدول الأخرى، ودمج المعرفة العالمية الجديدة من أجل زيادة فعالية الاستجابة للوباء.
علاج الأفراد الأكثر عرضة للخطر ورعايتهم.
تأمين استمرارية الخدمات الصحية الأساسية وسلسلة الإمداد ذات الصلة لضمان استجابة الصحة العامة المباشرة للوباء، وكذلك توفير الخدمات الصحية الأساسية الأخرى.

الحد من تدهور الأصول والحقوق الإنسانية والتماسك الاجتماعي وسبل كسب العيش

 

الحفاظ – بالنسبة للفئات المسحوقة – على قدرة تلبية احتياجاتها من الاستهلاك الغذائي الإضافي، والاحتياجات الأساسية الأخرى التي تترتب عن الوباء.
ضمان الاستمرارية والأمان من مخاطر تلوُّث الخدمات الأساسية، بما فيها الصحة، والمياه، والصرف الصحي، والإمدادات الغذائية، والتغذية، والوقاية، والتعليم للفئات السكانية الأكثر تعرضاً للوباء.
تأمين استمرارية سلسلة إمدادات السلع، والخدمات الأساسية مثل: الغذاء، والمدخلات الإنتاجية والزراعية التي تتأثر بعامل الوقت.
حماية اللاجئين والنازحين داخلياً والمهاجرين والمجتمعات المُضيفة، ومساعدتهم، خصوصاً المعرضون منهم للوباءضمان حماية الحقوق الأساسية للاجئين والمهاجرين والنازحين داخلياً المعرضين للوباء، وكذلك الفئات السكانية المُضيفة.
منع أعمال العنف، والتمييز، والتهميش، وكره الأجانب تجاه اللاجئين، والمهاجرين والنازحين داخلياً، واستباق هذه الأعمال ومكافحتها من خلال تعزيز الوعي بوباء “كوفيد-19” وفهمه على مستوى المجتمع.

المصدر: مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية

تقدّر متطلبات تمويل هذه الخطة الإنسانية العالمية لمواجهة “كوفيد-19″، والتي تسترشد بالمبادئ الإنسانية، خلال تسعة أشهر من عام 2020 بنحو 2.012 مليار دولار شاملاً توسيع التمويل لمشروعات الاستجابة الإنسانية الجارية. وتشمل الخطة 24 دولة ذات أولوية من بينها اليمن، وسوريا، والعراق، وليبيا في منطقة الشرق الأوسط.

وتُقيَّم الدول التي تعاني مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي، على خلفية جائحة “كوفيد-19″، بما فيها تلك الدول الواقعة في الشرق الأوسط، على أنها الأكثر هشاشة حتى قبل انتشار الفيروس وما تزال أقل استعداداً لمكافحة هذا الوباء نظراً إلى عجز قطاع الرعاية الصحية ونقص الغداء عموماً. وعلى الرغم من وجود سيناريوهين رئيسيين: أحدهما يتصور احتواءً سريعاً للوباء والثاني يتوقع أزمةً طويلة الأمد، فسيتمخض المستقبل عن الكثير من الإشكالات والغموض في مجالات التنمية البشرية الرئيسية، هذا إلى جانب ما تفرضه مسبقا طبيعة التمويل المقدّم للوكالات الإنسانية الرائدة من استعداد مستمر من جانب الحكومات الوطنية في جميع أنحاء العالم لدعم مثل هذه الجهود، وينطبق هذا خصوصاً على القوى العظمى التي تقدم نسبة كبيرة من هذه الأموال.

القوى العالمية الكبرى والمساعدات الإنسانية لمناطق النزاع في الشرق الأوسط

تولي القوى العالمية الكبرى اهتماماً خاصاً للنزاعات المختلفة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وقت تظل فيه استراتيجياتها الخاصة بالمساعدات الإنسانية متداخلة مع تنافسها الجيوسياسي من أجل كسب النفوذ في هذه المنطقة. وبالنظر إلى أن أولويات هذه القوى الكبرى قد تتغير في مرحلة ما بعد وباء كوفيد 19 في اتجاه التركيز على الداخل أكثر لمعالجة الاختلالات التي سببها الوباء، فإن السؤال الرئيسي سيكون حول ما إذا كان يمكن لهذه القوى تعديل و/ أو استكمال برامجهم الحالية لتقديم المساعدات الإنسانية لدول المنطقة. كما توجد مخاوف من أن يخرج الفيروس عن نطاق السيطرة في المناطق التي لا توجد فيها خدمات صحية كافية الأمر الذي يطرح التساؤل بشأن مدى استعداد هذه القوى لإعطاء المساعدات أولوية أعلى من مصالحها الوطنية.

ويمكن إلقاء الضوء على هذه الجوانب الخاصة بإدارة المساعدات من خلال النظر في نموذج مساعدات الولايات المتحدة لأفغانستان والعراق؛ إذ يلاحظ أن إدارة ترامب، وتحديداً في العام الذي ستقام فيه الانتخابات الرئاسية الأمريكية، تسعى إلى الوفاء بوعودها بتقليص الالتزامات العسكرية والمالية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. في مقابل هذا يكرَّس الاتحاد الأوربي الجزء الأكبر من جهوده لتوفير المساعدة للدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط التي ظلت مصادر لأعداد كبيرة من النازحين. كما يلاحظ أن نهج بروكسل، في هذا الصدد، تُمليه حسابات سياسية قصيرة المدى تقوم على السلوك العدائي للدولة الوطنية تجاه المزيد من تدفقات المهاجرين وخطر رد الفعل الشعبي الذي قد ينجم عنه.

الولايات المتحدة الأمريكية

على الرغم من أن إدارة ترمب تعهدت في البداية بتقديم أموال إضافية لمساعدة الدول الضعيفة في مكافحة “كوفيد-19″، فقد بقيت السياسة الأمريكية خاضعة للحسابات الداخلية والظروف الخاصة في مناطق النزاع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ ففي 27 مارس 2020، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن تقديم حزمة طوارئ صحية وإنسانية بقيمة 274 مليون دولار لمساعدة الدول المنكوبة في جهودها لمكافحة وباء “كوفيد-19”.

ومن إجمالي هذه الحزمة تم تخصيص 40 مليون دولار لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، و15.5 مليون دولار للعراق “لمساعدته في إعداد المختبرات، وتنفيذ خطة طوارئ الصحة العامة الخاصة بنقاط الدخول، وتفعيل وقف إطلاق النار، ومراقبة حالات الأمراض الشبيهة بالإنفلونزا، وغير ذلك”. كما قُدِّمت نحو 17 مليون دولار من المساعدات الإنسانية لسوريا، وخُصِّصت 6 ملايين دولار لليبيا.

وما يثير الانتباه أن حزمة وزارة الخارجية الأمريكية استبعدت اليمن على الرغم من تبرّع الولايات المتحدة عام 2019 بأكثر من 700 مليون دولار للأمم المتحدة والمنظمات الأخرى العاملة في اليمن، ووُزِّع معظم هذا المبلغ في المناطق الشمالية التي يسيطر عليها المتمردون الحوثيون. لكن المساعدات الأمريكية لليمن تقلصت إلى حد كبير في الأسابيع الأخيرة بسبب الاتهامات بأن الحوثيين يفرضون قيوداً وشروطاً لتوزيع المساعدات الإنسانية في المناطق اليمنية التي يسيطرون عليها.

ويشار، في هذا الإطار، إلى أن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية قد أوقفت في 27 مارس مساعدات بقيمة 70 مليون دولار كانت مخصصة لشمال اليمن، فيما لم تتأثر الأموال الأخرى المخصصة لجنوب اليمن. والمرجح، على المدى القريب، أن يؤدي هذا القرار – الذي اعترضت عليه الجمعيات الإنسانية وبعض أعضاء الكونغرس الأمريكي، وتداعياته المحتملة بسبب تفشي وباء “كوفيد-19” – إلى نقص خطير في تمويل البرامج التي تديرها الأمم المتحدة وغيرها من وكالات المعونة الأخرى التي تقدم المساعدة لقطاع الرعاية الصحية اليمني.

كما تسعى الولايات المتحدة، في حالة أفغانستان، إلى تخفيض حزمة مساعداتها الأمنية السنوية البالغة 4 مليارات دولار بمقدار مليار دولار، ومساعداتها المدنية المقدَّمة لحكومة أفغانستان المركزية بمقدار 500 مليون دولار. وتأتي هذه الخطوة في الأساس نتيجةً للإحباط الأمريكي المستمر من الجمود السياسي في أفغانستان جرّاء التنافس بين الرئيس الأفغاني أشرف غاني والدكتور عبدالله عبدالله، الرئيس التنفيذي لأفغانستان؛ وقد احتدّ هذا التنافس بسبب نتائج الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها التي جرت أواخر عام 2019.

وتتلهّف الولايات المتحدة لبناء جبهة متحدة في كابُل من أجل تعزيز فرص نجاح محادثات السلام مع طالبان. وعلى الرغم من أن سحب الدعم الأمريكي ليس مرتبطاً مباشرةً بوباء “كوفيد-19″،إلا أن هذه الخطوة تأتي في وقت حرج، بالنظر إلى تحذيرات وزارة الصحة الأفغانية من أن نحو 80% من السكان الأفغان قد يتعرضون إلى الإصابة بالفيروس. وبسبب الخطر الذي تواجهه القوات الأجنبية في البلاد، أجرت بعثة الناتو العسكرية فحصاً على 1,500 من أفرادها بعد أن أُصيب أربعة منهم بالفيروس.

الاتحاد الأوربي

سعت سياسة المساعدات الأوربية تجاه الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في الأشهر الأخيرة، إلى البناء على البرامج القائمة. واستجابةً لانتشار “كوفيد-19″، خصص الاتحاد الأوربي 262 مليون دولار إضافية لمساعدة اللاجئين والمحتاجين في سوريا، والعراق، والأردن، ولبنان، فبلغ إجمالي المبلغ الذي قدمه من خلال “الصندوق الائتماني الإقليمي للاتحاد الأوروبي للاستجابة للأزمة السورية” أكثر ملياري دولار.

ويتم توجيه هذه الأموال الإضافية التي تقدمها بروكسل إلى دعم الرعاية الصحية في الدول المستهدفة من أجل مساعدتها في تخفيف مخاطر انتشار الوباء “كوفيد-19”. كما يذهب معظم هذه المساعدات إلى تعزيز السلامة الاجتماعية، وتوفير التعليم المحلي، وتحسين الرعاية الصحية للاجئين السوريين في الأردن ولبنان.

ظل الاتحاد الأوربي محافظاً على تدفق مساعداته الإنسانية الجارية لليمن، على الرغم من أنه لا يقدّم للبلاد مساعدات محددة تتعلق بفيروس كورونا. ويشار إلى أن الاتحاد الأوربي قدَّم في عام 2019 مساعدات بلغ إجمالي قيمتها 177 مليون دولار ليصبح إجمالي الأموال التي قُدِّمت لليمن 776 مليون دولار منذ بداية الحرب الأهلية في 2015، وهذه الأموال موجّهة تحديداً لمساعدة المجتمعات اليمنية المحلية في تطوير خدماتها الصحية وضمان تسهيل الحصول على مياه الشرب والأغذية وتحسين المرافق الصحية وتوفير فرص تعليمية إضافية.

إضافة إلى هذا، يقدِّم الاتحاد الأوربي مساعدات لأفغانستان، على الرغم من أنها تبدو ضئيلة مقارنة بالمبالغ التي تعهّدت بها الولايات المتحدة. ويشار في هذا الصدد إلى أن المفوضية الأوربية قدّمت في عام 2019 مساعدات طوارئ بلغت قيمتها 84 مليون دولار خصصت للمساعدة في مواجهة الوضع الإنساني المتردي في أفغانستان وكذلك لمساعدة اللاجئين الأفغان في باكستان وإيران.

والملاحظ أن ما يقدمه الاتحاد الأوربي من أموال يخضع إجمالاً، في هذه الحالة، لمدى التزام الولايات المتحدة تجاه أفغانستان والمستقبل المحتمل لبعثة الناتو التدريبية العاملة حالياً في البلاد. فإذا نجحت إدارة ترمب في دفع عملية السلام الأفغانية إلى الأمام وتقليص قواتها المنتشرة في أفغانستان وكذلك المساعدات المالية التي تقدمها لكابل، من المرجح أن يسعى الاتحاد الأوربي أيضاً إلى تخفيض مساعداته التي ينفقها في دولة ليس لديه فيها أي مصالح حيوية.

الصين وروسيا

قدّمت كل من الصين وروسيا معونات فعلية محدودة لمناطق النزاع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمساعدتها في مكافحة “كوفيد-19″، رغم أن ما قدمه البلدان يتضاءل أمام الأموال المقدمة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي. وأرسلت، في هذا السياق، الحكومة الصينية لفلسطين 10 آلاف حقيبة لوازم صحية لمكافحة فيروس كورونا. كما أرسلت فريقاً طبياً للأراضي الفلسطينية لمساعدة الفرق الطبية والمستشفيات الفلسطينية في مواجهة وباء “كوفيد-19”.

وفي العراق، قدّم فريق طبي صيني المساعدة في إنشاء مختبر بي سي آر جديد في بغداد بهدف تحسين قدرة الخدمات الطبية المحلية على تأكيد الحالات المشتبه في إصابتها بفيروس كورونا. وقد صُمِّم هذا المختبر الجديد بحيث يكون قادراً على إجراء 1,000 عملية فحص في اليوم.

أما روسيا فقد قصرت مساعداتها على سوريا حتى الآن، فعقب زيارة قام بها وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، إلى سوريا استقبله فيها الرئيس السوري بشار الأسد في أواخر مارس، أرسلت البحرية الروسية مساعدات طبية تتضمن معدات متخصصة للمساعدة في كشف حالات الإصابة بفيروس كورونا ومعالجتها في سوريا. ونظراً إلى الدمار الذي ألحقته الحرب الأهلية بالنظام الصحي السوري، تسعى حكومة الرئيس فلاديمير بوتين إلى إظهار استعدادها لمساعدة شعب سوريا في وقت الأزمة. وتدرك روسيا أن تقديم المساعدة سيعزز استقرار نظام الأسد أيضاً.

ويتضح هذا فعلاً في الدبلوماسية الروسية في الأمم المتحدة عندما قال الممثل الروسي الدائم في إحدى جلسات مجلس الأمن في 30 مارس إنه ينبغي السماح لدمشق فقط بالتحكُّم في توزيع المساعدات الإنسانية، وليس الأكراد السوريين أو القوات المعارضة الأخرى. وتقدّم موسكو مساعداتها عن وعي بالسياق الجيوستراتيجي في المنطقة، حيث يدرك بوتين تماماً فوائد النظر إلى روسيا في الشرق الأوسط باعتبارها شريكاً موثوقاً ومُحسناً مفيداً وبديلاً مُؤتمناً للدول الغربية.

لا شك في أن المساعدات التي تقدمها روسيا والصين تُعطى بهدف القيمة الدعائية التي تنطوي عليها سرعة تقديم المساعدات الطارئة، على الرغم من أن هذه المساعدات مفيدة عموماً. كما أن مثل هذه التدخلات الدراماتيكية تعزز الانطباع بأن الاتحاد الأوربي بطيءٌ وبيروقراطيٌّ ثقيل الحركة في استجابته للأزمات الإنسانية، في حين تعززتصرفات إدارة ترمب المتهورة الانطباع بأن القوى الغربية تعمل وفقاً لأغراض متعارضة في جهودها للمساعدة في مكافحة الوباء؛ ففي أعقاب القرار المفاجئ الذي اتخذه ترمب بإيقاف التمويل الأمريكي لمنظمة الصحة العالمية، سعت الصين وروسيا وإيران إلى تسليط الضوء على الرغبة الأمريكية المزعومة في تخريب الجهود الدولية المشتركة الموجّهة لمكافحة الأزمة.

لذلك، أثَّر التنافس بين القوى الكبرى في جهود مساعداتها الإنسانية المقدمة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ ففي حين حافظت الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي على مستوى تمويلهما للمنطقة، أو حتى زادتاه في حالات عديدة، فقد تأثر تقديم هذه المساعدات بالعوامل السياسية ولم يكن هناك تنسيق يُذكر يضمن توجيهها بطريقة أكثر فعالية.

ويتضح أيضاً أن روسيا والصين تؤطران جهود مساعداتهما الإنسانية لكسب الإشادة أو الثناء من الحكومات والسكان المحتاجين. وفي حالة أفغانستان، يُعد تهديد “كوفيد-19” إضافة أخرى للتحديات التي تواجه السلطات في كابل وهي تسعى إلى بناء عملية سلام مؤقتة وضمان استتباب الأمن بعد انسحاب قوات حلف الناتو والقوات الأمريكية المحتمل.

جهود مجلس التعاون الخليجي للمساعدة في الحرب الإقليمية على “كوفيد-19”

إن التنافس بين القوى الكبرى الذي أثر في سياسات مساعداتها الإنسانية قد طغى إلى حدٍّ ما على أي تدخلات فعالة على المستوى الإقليمي؛ ففي دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، نجد أن المساعدات الإنسانية التي تقدمها حالياً دول مجلس التعاون، خصوصاً دولة الإمارات العربية المتحدة، لمناطق النزاع الإقليمي ترتكز على إرث عريق من المساعدات الإقليمية السخية. لقد سارعت دول الخليج العربية الرئيسية في الاستجابة للتهديد، وتُعدّ تبرعاتها من أكبر المبالغ التي تقدمها حكومات وطنية. كما استطاعت حكومات مجلس التعاون الخليجي تطبيق الدروس المستفادة من محاربة الوباء في بلادها.

اتخذت المساعدات التنموية الحالية التي يقدمها مجلس التعاون الخليجي للدول الأخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أشكالاً متنوعة، بدءاً من المنح للمشروعات الصحية والتعليمية إلى المشروعات الفنية للمساعدة في ابتكار الطاقة المتجددة. وعلى الرغم من أن الوباء الحالي غير مسبوق، فقد أظهر أن دول الخليج العربية استطاعت أن تتكيف بسرعة مع الظروف المتغيرة وتقدم مساعدات طوارئ للمحتاجين. ومنذ بداية ظهور فيروس كورونا، ظلت دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والكويت تساعد الدول المتقدمة والنامية على حدٍّ سواء في مكافحة انتشار الوباء.

إن السياسيات الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي الرئيسية المانحة تجسِّد المبدأ القائل بوجوب التعاون الإنساني متعدد الأطراف في أوقات الأزمة. وقد قادت، في هذا السياق، دولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، والكويت عمليات إنسانية ضخمة للأزمة ارتكزت على جهود مساعداتها السابقة:

دولة الإمارات العربية المتحدة

تركز سياسة المساعدات الخارجية الإماراتية على التنمية البشرية المستدامة، وفي حين أن المساعدات الخارجية تهدف إلى الحد من الفقر وتعزيز الاستقرار وبناء السلام في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والاستثمار في الدول النامية، فإنها تهدف أيضاً إلى بناء علاقات تعاونية قوية مع الدول الأخرى؛ ففي السنوات الأخيرة، ظلت دولة الإمارات العربية المتحدة على استعداد لتقديم المساعدة متى ما ظهرت أية أزمات صحية عالمية طارئة على غرار ما حدث مؤخراً عندما تفشى وباء الكوليرا في اليمن، وقبله عند بداية أزمة الإيبولا في غرب أفريقيا.

ويُوجَّه جزءٌ كبير من المساعدات الخارجية الإماراتية إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خصوصاً للدول المتأثرة بالنزاع، مثل العراق وليبيا وسوريا واليمن، إلى جانب أفغانستان، وذلك وفقاً لسياسة مصمَّمة تحديداً لتعزيز الاستقرار والسلام في المنطقة وغيرها من المناطق (جدول 2).

إضافة إلى ذلك، أعطت وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية أولوية للمشروعات المرتبطة بالبناء والصحة والتعليم والطاقة باعتبارها أهم القطاعات التي تحتاج إلى مساعدة في العديد من الدول، وذلك التزاماً برؤية الوزارة المتمركزة حول التنمية البشرية المستدامة. وقد اضطلع صندوق أبوظبي للتنمية بدور فعال في دعم المشروعات المحلية من خلال المساعدات الخارجية الهادفة إلى تمكين الحكومات المتلقِّية والمجتمعات المحلية من تسريع النمو الاقتصادي (جدول 3).

جدول 2: المساعدات الخارجية الحكومية الإماراتية بين 2016-2018

المساعدات الخارجية الحكومية الإماراتية (بالدولار الأمريكي)
الدولة201620172018
العراق73,349,325385,801,70148,810,901
ليبيا43,250,38614,609,338
سوريا36,814,00422,324,08559,618,469
اليمن881,505,481792,297,0962,615,683,674
أفغانستان318,26815,088,77912,522,449

المصدر: وزارة الخارجية والتعاون الدولي – دولة الإمارات العربية المتحدة

 

جدول 3: المساعدات الخارجية المقدَّمة من صندوق أبوظبي للتنمية بين عامي 2016-2018

المساعدات الخارجية المقدَّمة من صندوق أبوظبي للتنمية (بالدولار الأمريكي)
الدولة201620172018
العراق3,120,0003,120,000
ليبيا
سوريا3,300,00050,000
اليمن3,000,00012,858,6449,515,965
أفغانستان34,949,00912,260,0006,130,000

المصدر: وزارة الخارجية والتعاون الدولي – دولة الإمارات العربية المتحدة

على الرغم من الجهود الإماراتية لتطوير دول النزاع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فهذه الدول ما زالت متأثرة بالخصومات السياسية بين الفصائل المختلفة، وحالات التمرد والنزاعات المدنية، والفساد. مع ذلك، ظلت دولة الإمارات العربية المتحدة سريعة في توسيع استجابتها الإنسانية؛ فخلال الاجتماع الافتراضي الذي عقدته مجموعة العشرين في مارس 2020، أكدت دولة الإمارات العربية المتحدة استعداداها للاضطلاع بدور رائد في الجهود الإنسانية العالمية.

ويشار، في هذا السياق إلى قيام الإمارات العربية المتحدة في بداية مارس بإجلاء مواطنين عرب وأسَرهم من مدينة ووهان الصينية –  بؤرة “كوفيد-19”. ونُقِل هؤلاء الأفراد جواً إلى مدينة أبوظبي الإنسانية وتلقّوا الرعاية الصحية، وكان معظمهم مواطنين عراقيين وسوريين ويمنيين. وأثبتت دولة الإمارات العربية المتحدة بهذا موقفها التضامني الكامل من خلال استجابتها لطلب حكوماتهم بإجلاء مواطنيها غير القادرين على مغادرة الصين.

إضافة إلى ذلك، وبالتنسيق مع الهلال الأحمر، زادت الحكومة الإماراتية جهودها في اليمن، حيث بدأت بحملات التوعية والتعقيم على مستوى المدن ومضاعفة تدفق الإمدادات الغذائية والطبية. كما قدّمت دولة الإمارات العربية المتحدة دعماً قوياً لمحاولات الأمم المتحدة الرامية إلى تهدئة الوضع في اليمن. ولتحقيق هذه الغاية، دعا وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، الدكتور أنور قرقاش، في بداية أبريل 2020 إلى تنفيذ اتفاق الرياض للسلام باعتباره إجراءً ملحّاً من أجل تمكين اليمنيين من مكافحة الوباء بغض النظر عن الخصومات الحالية الدائرة بين الفصائل في البلاد.

لقد كانت دولة الإمارات العربية المتحدة على استعداد أيضاً لدعم الجهود الإنسانية بغض النظر عن العلاقات المجمّدة مع حكومة دمشق منذ بداية الحرب الأهلية السورية في عام 2011، وكان هناك قلق عالمي بشأن هشاشة وضع النازحين داخلياً أمام وباء “كوفيد-19” في المعسكرات المزدحمة الواقعة بالقرب من الحدود السورية التركية. وبأخذ هذا الوضع في الاعتبار، وسّعت دولة الإمارات العربية المتحدة مساعداتها للحكومة السورية لمكافحة الفيروس وتقديم الاحتياجات الملحة لها بصرف النظر عن النزاع الناشب على الأرض.

المملكة العربية السعودية

باعتبار أن المملكة العربية السعودية من أكبر المانحين في العالم، فقد وزّعت مساعدات بمبالغ مماثلة لما قدمه المانحون الغربيون الرئيسيون. وعلى الرغم من أن الدول الإسلامية والعربية هي الدول المتلقية الأولى لمساعدات المملكة العربية السعودية، فإن مساعدات المملكة قد قُدمت أيضاً للمساعدة في مجابهة الطوارئ الإنسانية، بغض النظر عن الدين والعرق، كما حدث ذلك في أعقاب الزلزال المدمر الذي ضرب هايتي في عام 2010.

لقد أصبح اليمن أكبر المتلقين للمساعدات الإنسانية السعودية في الآونة الأخيرة. وبالإضافة إلى ذلك، جددت الرياض التزامها بمساعدة القطاع الصحي اليمني في أواخر مارس عندما أرسلت إمدادات طبية ملحّة إلى اليمن لمكافحة انتشار “كوفيد-19”. كما تبرعت بمبلغ 10 ملايين دولار لتمويل مشروعات منظمة الصحة العالمية في البلاد. إضافة إلى هذا، تبرعت المملكة العربية السعودية بمبلغ 10 ملايين دولار لمساعدة دول الشرق الأوسط الأخرى المتأثرة بالنزاع في جهودها لاحتواء فيروس كورونا وتخفيف تأثيراته (جدول 4).

 جدول 4: إجمالي المساعدات السعودية لكل بحسب الدولة

إجمالي المساعدات السعودية لكل دولة (بالدولار الأمريكي)
الدولةالمبلغ
العراق535,123,507
ليبيا66,667
سوريا1,103,046,478
اليمن8,044,694,424
أفغانستان177,528,357

المصدر: مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية

الكويت

ظلت الكويت نشطة في مجال المساعدات الإقليمية حيث قدّمت جهوداً إنسانية كبيرة في سوريا، والعراق، ومعسكرات اللاجئين السوريين في الأردن. كما ظلت الكويت على استعداد لمساعدة العراق، على الرغم من تاريخها المعقّد معه، إذ وجّهت مساعداتها نحو تعزيز جهود العراق التنموية بالاستثمار في الرعاية الصحية والتعليم وإعمار المناطق الحضرية العراقية.

إضافة إلى هذا، ونظراً لضعف استجابة بغداد لوباء “كوفيد-19″، وضعف قطاع الرعاية الصحية العراقي، ثمة حاجة ملحّة إلى مساعدة إضافية من أجل منع حالات الإصابة المتفرقة بالفيروس من الانتشار على نطاق واسع. لذلك تعهّدت الكويت بتقديم 10 ملايين دولار مباشرةً للعراق، ومبلغ 40 مليون دولار لمنظمة الصحة العالمية لمكافحة تفشي الوباء.

توصيات

استجابةً للتهديد الكوني الذي يشكله وباء “كوفيد-19″، يجب على المجتمع الدولي أن يوحّد جهوده على جبهات عدة في وقت واحد على المديين القصير والمتوسط من أجل معالجة الأزمة الحالية وتبنّي تدابير وقائية للمستقبل.

ويمكن، لتحقيق هذا الهدف، اتخاذ خطوات عدة في المستقبل القريب:

  • لأن من خصائص وباء “كوفيد-19” الرئيسية انتشاره السريع والمطّرد في جميع أنحاء العالم، فإن إحدى أهم الخطوات التي ينبغي اتخاذها هي تنفيذ آليات رصد ملائمة على المستوى المحلي، وذلك لتتبُّع الإنجازات، والتدخل الفوري في المناطق الأكثر عرضة للإصابة إذا لزم الأمر.
  • يجب على المجتمع الدولي، بما فيه الدول المضيفة للفئات السكانية الضعيفة والمنظمات الدولية، أن يعمل معاً لمعالجة نقص المعلومات، والمعلومات المضللة، والتمييز القائم على الخوف، وانعدام الشفافية في الإجراءات. فكل هذه الإشكالات تقلل من حصول الفئات الضعيفة على الرعاية الصحية. ويقدم جدول رقم 5 التالي تصورا للدور الذيلا يمكن أن تقوم به المنظمات الإنسانية الدولية في مواجهة هذا الوباء.

 جدول 5: خطة مكافحة “كوفيد-19” –

التدخلات والأدوار المنوطة بالوكالات الإنسانية العالمية
الوكالةالنشاطالجدول الزمني
منظمة الصحة العالميةرصد حالات “كوفيد-19” في جميع أنحاء العالم (الحالات الجديدة وعدد الوفيات ومعدل الوفيات).يومياً
مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانيةالرصد التنفيذي، بما في ذلك التدابير على المستوى الحكومي والقدرة التنفيذية للعمليات الإنسانية.أسبوعياً
برنامج الأغذية العالميرصد قدرة السوق التشغيلية، ودرجات الاستهلاك الغذائي، وإعلان مؤشر استراتيجيات التكيُّف المشدّدة وتقديرات إنتاج الأغذية والمحاصيل.شهرياً
صندوق الأمم المتحدة للسكانتدابير الاحتواء، بما فيها رصد خدمات التوليد الطبية الطارئة وخدمات رعاية حديثي الولادة.شهرياً
اليونيسفعدد الأطفال والشباب الذين خارج المدرسة بسبب الإغلاق الإجباري للمدارس.شهرياً
الجهود المشتركة بين الوكالاتضمان السلامة من العدوى واستمرارية الخدمات الأساسية، بما فيها الصحة والماء والمرافق الصحية والتغذية والمأوى والحماية والتعليم للفئات الأكثر تعرضاً للوباء.وفقاً للوضع
الجهود المشتركة بين الوكالاتالدعوة إلى حصول الفئات السكانية الضعيفة على المساعدة والعلاج من “كوفيد-19”.وفقاً للوضع
برنامج الأمم المتحدة الإنمائيمنع مخاطر العنف والتمييز والتهميش وكره الأجانب تجاه الفئات الضعيفة، واستباق هذه المخاطر ومعالجتها.وفقاً للوضع

المصدر: مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية

خاتمة

إن القرارات التي تتخذها دول العالم اليوم للمساعدة في مكافحة “كوفيد-19” ستساعد في تحديد شكل المجتمعات حول العالم في المستقبل. وستستمر التداعيات على نظم الرعاية الصحية والاقتصادات والأنظمة السياسية والثقافات وقواعد السلوك. وتتعدد أوجه المساعدات الخارجية، وكذلك دوافعها؛ فإلى جانب هدفها الإيثاري الواضح المتمثل في تعزيز التنمية الاقتصادية والرفاه الإنساني، يمكن أن تُوظَّف باعتبارها جزءاً من القوة الدبلوماسية الناعمة والاستراتيجيات الدعائية الأكثر جرأة، ما يعني أن إساءة توظيفها وتسييسها أمر حتمي في الكثير من الحالات.

مع ذلك، توجد حاجة إلى الإغاثة الإنسانية المنتظمة في مناطق النزاع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من باب الواجبات الإنسانية الراسخة وحدها. فمن ناحية، يمكن أن يؤدي الأثر الاجتماعي للوباء إلى إضعاف التماسك وتعميق التفاوت في المناطق التي يدور فيها نزاع عنيف.

ومن ناحية أخرى، يمكن لجهود المساعدات الخلّاقة أن تحول دون أسوأ الآثار الاقتصادية-الاجتماعية للوباء، وذلك بحماية الفئات السكانية الضعيفة من خلال توفير الأمن وتحسين الرعاية الصحية باعتبارها الأساس لحياة أفضل، ولتحقيق هذه النتيجة الأخيرة، لا بد الآن من إقامة تعاون عالمي فعال بين الحكومات الوطنية من أجل تطوير جهود مكثفة لمكافحة “كوفيد-19” وضمان الاستعداد لإبطال الآثار المستقبلية بالنسبة لجميع الناس المعرضين للخطر.

المواضيع ذات الصلة