Insight Image

كيفية الاستفادة من النموذج الأمريكي والصيني في الذكاء الصناعي

30 سبتمبر 2025

كيفية الاستفادة من النموذج الأمريكي والصيني في الذكاء الصناعي

30 سبتمبر 2025

كيفية الاستفادة من النموذج الأمريكي والصيني في الذكاء الصناعي

يمثل الذكاء الاصطناعي ثورة تكنولوجية غير مسبوقة، قادرة على إحداث تحول جذري في جميع جوانب الحياة العملية. إذ تقدم هذه التقنيات المتقدمة حلولًا ملموسة لمعالجة بعض من أكبر التحديات العالمية، مما يستدعي أن يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا رياديًّا في خدمة الإنسانية وضمان متطلبات الأمن الوطني. ويمكن لدولة الإمارات العربية المتحدة الاستفادة من هذه الثورة لدفع عجلة النمو الاقتصادي، وتحسين الإنتاجية، وخلق فرص عمل نوعية، وتطوير الخدمات الحكومية، وبناء مدن ذكية مستدامة، وتعزيز الأمن الوطني.

فالذكاء الاصطناعي يتجاوز كونه مجرد تطور تقني ليصبح ثورة شاملة تعيد تشكيل جميع جوانب الحياة العملية. فهو يغير كيفية عمل المؤسسات، وطريقة تقديم الخدمات، وحتى أساليب تفاعل المجتمعات. ولا تقتصر آثاره على تحسين الكفاءة التشغيلية فحسب، بل تمتد لتشمل إعادة تعريف نماذج الأعمال، وخلق صناعات جديدة، وتغيير طبيعة الوظائف والمهارات المطلوبة في سوق العمل. وبالتالي، أصبح الذكاء الاصطناعي ركيزة أساسية للقدرة التنافسية الوطنية، والمكانة الجيوسياسية، وتعزيز القوة الناعمة للدولة.

ومع إنشاء أكبر مجمع للذكاء الاصطناعي في دولة الإمارات خارج الولايات المتحدة، فإن التباطؤ في تبني هذه التقنيات أو عدم اعتمادها لا يمثل مجرد فرصة ضائعة، بل يشكل تحديًا استراتيجيًّا قد يؤثر على الازدهار المستقبلي ويقلل من النفوذ الإقليمي والعالمي للدولة.

وفي هذا السياق، هناك قطبان رئيسيان يتصدران مجال تطوير الذكاء الاصطناعي، وهما النموذج الأمريكي والنموذج الصيني، اللذان يختلفان اختلافًا جذريًّا في منهجية الاستخدام والتطبيق.[1] إذ يعكس تطور الذكاء الاصطناعي في كل من الولايات المتحدة والصين قيمهما المجتمعية، وهياكلهما الاقتصادية، وطموحاتهما الجيوسياسية، وتنافسهما الصناعي، والتجاري والعلمي. وبينما تتسابق الدولتان على الهيمنة العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي، تختلف مناهجهما وسياساتهما الرسمية بشكل ملحوظ عبر عدة أبعاد رئيسية يمكن تلخيصها فيما يلي:

النموذج الأمريكي لتطوير الذكاء الصناعي

يعتمد النموذج الأمريكي لتطوير الذكاء الاصطناعي أساسًا على الفكر الرأسمالي الذي يركز على السيادة والهيمنة والتفرد في تطوير واستخدام هذه التقنية، باعتبارها سلعة ريعية يتم دفع ثمنها مقابل اشتراك، مع توفير خدمة عامة محدودة التكلفة. ومع ذلك، فإن تكاليف امتلاك هذه التقنية وتطويرها مرتفعة للغاية، مما يجعلها متاحة بشكل أساسي للأثرياء والمؤسسات الكبرى القادرة على الاستثمار فيها. بالإضافة إلى ذلك، يظل الوصول إلى نماذج التطوير محصورًا خلف واجهات برمجية للتطبيقات (APIs)، ولا يستطيع الجميع الوصول إليها بحرية، ما يعني أن كل استخدام لأي رمز برمجي يتطلب دفع المال ويخضع للسياسات الأمريكية.

وفي هذا السياق، فإن الابتكار في مختلف التطبيقات ليس متاحًا للجميع، بل يتم تأجيره من قبل أصحاب الملكية، دون إمكانية امتلاك هذه الأدوات بشكل كامل لتطوير التطبيقات المختلفة. وفقًا لهذه السياسة والرؤية الأمريكية للذكاء الاصطناعي، لا تعتبر هذه الأدوات متاحة لبقية دول العالم لاستخدامها كما تشاء، بل تُقدَّم كخدمة ريعية عامة يسيطر عليها القلة، بينما تُقاس قيمتها لصالح الجماهير الذين يدفعون مقابل الاستفادة منها، على غرار نظام استئجار أدوات شركة مايكروسوفت للاستخدام المكتبي. وهكذا تتحول أدوات الذكاء الاصطناعي الأمريكية إلى سلعة مستأجرة لا يمكن امتلاكها بشكل دائم، ويمكن وصف هذا النموذج بأنه نوع من الإقطاعية التكنولوجية الرأسمالية، حيث تتحكم أمريكا في هذه الموارد كيف تشاء وتحد من وصول من تشاء.

من جهة أخرى، يتفوق النموذج الأمريكي بشكل استراتيجي في القدرة الحاسوبية الإجمالية (total compute capacity)، وهو عامل حاسم يسمح بنشر الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع وتوظيفه في قطاعات متعددة، بما في ذلك اكتشاف الأدوية، واللوجستيات، والروبوتات الصناعية، والبحث العلمي. [2]وعلى الرغم من أن الصين قد تصل قريبًا إلى تقارب مع الولايات المتحدة في جودة بعض النماذج الفردية، إلا أن محدودية القدرة الحاسوبية الإجمالية الصينية تحد من قدرتها على النشر الشامل، وتجريب أساليب متعددة، ودعم نظام بيئي متنوع من شركات الذكاء الاصطناعي الرائدة، وبالتالي يحد من تأثيرها الاستراتيجي على الاقتصاد العالمي والقوة الناعمة.

ويُعتبر هذا التفوق الحوسبي الأمريكي ميزة رئيسية للاستثمار الاستراتيجي، إذ يسمح للولايات المتحدة بتوظيف عدد أكبر من “الموظفين الافتراضيين” للقيام بالمهام المعرفية على نطاق واسع، ما يضاعف الفائدة الاقتصادية والتكنولوجية ويعزز القوة الوطنية. وقد اتخذت الإدارات الأمريكية السابقة خطوات مهمة لضمان الحفاظ على هذا التفوق، مثل فرض قيود على صادرات المعدات المتقدمة والشرائح الأمريكية إلى الصين، وهو ما يعكس إدراكها المبكر لأهمية التفوق الحوسبي في السباق العالمي للذكاء الاصطناعي.

كما يظل النموذج الأمريكي قائمًا على نظام لامركزي للإبداع، حيث يقود القطاع الخاص التطورات العلمية والتكنولوجية من خلال الاستثمارات في المؤسسات البحثية والجامعات الرائدة، التي تركز على الابتكارات التكنولوجية والبحوث التأسيسية والمنافسة السوقية. ويعزز هذا النظام بيئة قوية تعتمد على الحوسبة السحابية المركزية، ما يسمح بتكامل الموارد البحثية والتجارية بشكل فعّال. وتواصل الولايات المتحدة ريادتها في مجال أبحاث الذكاء الاصطناعي من خلال جذب عدد كبير من الباحثين من الدرجة الأولى من مختلف أنحاء العالم، حيث يشكل الباحثون من أصول صينية حوالي 38٪ من كبار الباحثين في هذا المجال.

في هذا النموذج، تعطي الولايات المتحدة الأولوية لديناميكية القطاع الخاص، الذي يقود التطور العلمي والصناعي في الذكاء الاصطناعي. ويتم التمويل بشكل رئيسي من الشركات الخاصة، والشركات الناشئة، والمؤسسات البحثية الأكاديمية، والمنح البحثية الحكومية، ما يغذي المنافسة ويحفز تطوير مختلف التطبيقات التجارية. كما تمتلك الولايات المتحدة بنية تحتية قوية ومتقدمة جدًّا لأبحاث الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك الوصول إلى الحوسبة عالية الأداء، ومجموعات البيانات الكبيرة، مع تعاون دولي مكثف مع الباحثين والشركات ومراكز الأبحاث من مختلف أنحاء العالم، وخاصة من الدول الأوروبية.

 النموذج الصيني لتطوير الذكاء الصناعي

اختارت الصين مسارًا مختلفًا تمامًا عن النموذج الأمريكي الاحتكاري في تطوير الذكاء الاصطناعي. إذ يقوم النموذج الصيني على نهج أكثر مركزية وإلزامية، ويتعامل مع الذكاء الاصطناعي كبنية تحتية وطنية لتطوير البرمجيات والتطبيقات المختلفة (APIs)، بحيث تكون مفتوحة المصدر ومتاحة لجميع المطورين. يتم من خلال هذا النظام مشاركة الكود البرمجي (الخوارزميات) للذكاء الاصطناعي بحرية، مع السماح للمستخدمين باستخدامه وتعديله وتوزيعه دون دفع أي رسوم أو حقوق ملكية فكرية، ودون أي تدخل سياسي، بهدف تعميم الفائدة على جميع المطورين في الدولة لخدمة التطبيقات التي تخدم منافع المجتمع المختلفة. وهذا النهج يعزز الاقتصاد الوطني بشكل جماعي، من خلال تطوير الشركات لمجموعة واسعة ومتنوعة من التطبيقات وفقًا لمتطلبات الأسواق المحلية والدولية.

تركز الصين كسياسة دولة على إيصال تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى أكبر عدد ممكن من مواطنيها، عبر أنظمة وأجهزة بتكاليف مناسبة، مع زيادة توافر مصادر البيانات الضخمة المفتوحة للجميع، ما يتيح لكل المطورين والمستخدمين الاستفادة من هذه التقنية المتقدمة.

ويميل النموذج الصيني إلى التخطيط الاستراتيجي الذي تقوده الدولة، مع توجيه سياسي واضح لدعم الاقتصاد الوطني، وتعزيز البحث العلمي والتطوير في جميع المجالات، وجعل هذه المعرفة متاحة للناس جميعًا على عكس النموذج الأمريكي. ويعتمد هذا النهج على الإدارة المركزية والرقابة العامة لتطوير أنظمة ونماذج الذكاء الاصطناعي، مع تكاليف أقل بكثير مقارنة بالولايات المتحدة، ما يتيح الوصول السريع والواسع للموارد التقنية.

تسعى الحكومة الصينية إلى دمج الذكاء الاصطناعي في السياسات والخطط الوطنية التعليمية والعلمية والصناعية، من خلال استثمار كثيف في تطوير هذه التقنية كهدف وطني استراتيجي. وتتولى الشركات ومراكز الأبحاث المملوكة للدولة زمام المبادرة في تطوير الذكاء الاصطناعي ضمن مبادرات وسياسات تشجع على مشاركة البيانات العلمية والتكنولوجية، بناءً على دراسة وطنية منهجية لدعم التفوق النوعي في جميع المجالات المدنية والعسكرية. كما يتم دمج الذكاء الاصطناعي رسميًّا في السياسات الصناعية ومتطلبات الأمن الوطني، ما يسمح للسيطرة المركزية للحكومة بتسريع تخصيص الموارد العلمية لجميع المستفيدين بكفاءة وفعالية.

ويولي النموذج الصيني اهتمامًا كبيرًا للتعليم والتأهيل المهني في مجال الذكاء الاصطناعي، من خلال تدريب المهنيين وتعزيز قدرات المواهب الوطنية، وزيادة التخصصات ذات الصلة في المدارس والمعاهد والجامعات ومراكز الأبحاث. ويستفيد هذا النظام من الموارد الضخمة للبيانات لدمج الذكاء الاصطناعي في الصناعات الوطنية، بما يعزز الكفاءة، والقدرة التنافسية، وسرعة الابتكار في سلسلة التطوير والتصنيع.

كما يعطي النموذج الصيني الشركات الصغيرة والمتوسطة أولوية في الوصول السريع لتقنيات الأنظمة مفتوحة المصدر(Open-Source Systems)، ما يجعل الذكاء الاصطناعي متاحًا على نطاق أوسع لجميع المطورين في المجالات العلمية والبحثية والصناعية والتجارية. ويتيح ذلك تدريب نماذج واسعة النطاق بسرعة، والتكيف مع متطلبات السوق المحلية، وتوسيع الحصة الصينية في السوق العالمية من خلال تقديم حلول فعالة، سريعة، وميسورة التكلفة لتلبية احتياجات قاعدة مستخدمين كبيرة.

مع ذلك، على الرغم من نجاح الصين في بناء نماذج ذكاء اصطناعي تنافسية، إلا أن هناك تباينًا مهمًّا بين قدرات النماذج الصينية والأمريكية عند النظر إلى البنية التحتية الحاسوبية الإجمالية (total compute). فقد أظهرت الدراسات الأخيرة أن الولايات المتحدة تحتفظ بتفوق واضح في قدرة المعالجة، بما في ذلك امتلاك عدد أكبر من شرائح الذكاء الاصطناعي المتقدمة، وأحدث المعدات، وبنية تحتية أكثر تطورًا. وهذا التفوق في الحوسبة يُعد عاملًا حاسمًا في تعزيز التحول الاقتصادي، وتأمين القيادة التكنولوجية، وتشغيل منظومة الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع.

وعلى الرغم من أن الصين استطاعت تقليد النماذج الأمريكية وتحقيق تقارب في مؤشرات جودة النماذج (benchmark performance)، فإن محدودية القدرة الحاسوبية الإجمالية تحد من قدرتها على نشر هذه النماذج على نطاق واسع، والقيام بتجارب متعددة، ودعم نظام بيئي متنوع من شركات الذكاء الاصطناعي الرائدة، وبالتالي يحد من تأثيرها الاستراتيجي على الاقتصاد العالمي والقوة الناعمة.[3]

وبالرغم من العقبات، تمكنت الصين من تطوير رقائق AI قوية من خلال تجاوز القيود الأمريكية، بما في ذلك حالات إنتاج شرائح متقدمة عبر وسطاء، كما حدث مع رقائق Huawei Ascend 910B و910C، ما منحها قدرة حوسبية تعادل نحو مليون وحدة Nvidia H100 (جيل سابق). ولكن هذه القدرات الحاسوبية ما تزال متأخرة حوالي أربع سنوات عن تقنيات الولايات المتحدة، وهي تعكس قدرة الصين على تطوير نماذج فردية قوية، لكنها تظل مقيدة على مستوى النطاق الكامل للنشر والتوسع الاقتصادي.

وباختصار، يمكن القول إن النموذج الصيني يركز على تعميم الفائدة الوطنية من خلال الذكاء الاصطناعي، وتعزيز القدرات الصناعية والتعليمية والوطنية، مع سيطرة مركزية واستراتيجية حكومية، بينما تظل الولايات المتحدة مهيمنة في القدرة الحاسوبية الإجمالية التي تسمح لها بنشر واستخدام الذكاء الاصطناعي على نطاق اقتصادي واسع، ما يمثل الميزة الاستراتيجية الحقيقية في المنافسة العالمية على الذكاء الاصطناعي، حتى لو استطاعت الصين الاقتراب في جودة النماذج الفردية.

كيف يمكن لدولة الإمارات أن تستفيد من ثورة الذكاء الصناعي

إن هذا التحول العميق في استخدام الذكاء الصناعي يستلزم منا في دولة الإمارات العربية المتحدة نهجًا حكوميًّا شاملًا وعاجلًا، وهو ما تسعى وتخطط له الدولة حاليًّا. فبالاستفادة من النموذجين الأمريكي والصيني في تطويرهما للذكاء الصناعي. يجب علينا دمج جميع اعتبارات الذكاء الصناعي في تخطيط كل وزارة وكل دائرة، وفي جميع الأهداف التنموية الوطنية طويلة الأمد خاصة في التعليم، بدلًا من قصرها على الإدارات التكنولوجية المتخصصة. ولضمان الاستفادة القصوى من ثورة الذكاء الصناعي وتجنب مخاطرها، يوصى بصياغة استراتيجيات وطنية شاملة لجميع التخصصات كل فيما يخصه، والاستثمار في البنية التحتية الرقمية والبحث والتطوير، وتنمية رأس المال البشري من خلال التعليم المبكر وبرامج التدريب وإعادة التأهيل، ووضع أطر حوكمة قوية تضمن الاستخدام المسؤول والأخلاقي للذكاء الصناعي، بالإضافة إلى تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص والأوساط الأكاديمية، ومواجهة التحديات بفعالية من خلال التعاون الدولي.

كيف يمكن الاستفادة من هذه المنافسة والتطور بين النموذجين في الذكاء الصناعي

يمكن الاستفادة من هذه المنافسة والتطور بين النموذجين الأمريكي والصيني في الذكاء الصناعي بعدة طرق استراتيجية، فمن خلال فهم الاختلافات والتباينات في نهج كل منهما، وكذلك من خلال الاستفادة من هذه الابتكارات وتكامل الفرص المشتركة بينهما سواء على المستوى الوطني أو الشركات أو على المستوى التعليمي والتقني والصناعي في الدولة. من خلال تبني استراتيجية وطنية مرنة تعتمد على التعاون مع الجانبين للاستفادة من هذا التنافس، ومن أفضل ما يقدمه كلا النموذجين لتسريع نموّنا التكنولوجي والاقتصادي والعلمي.

المنافسة بين النموذجين الأمريكي والصيني ليست صراعًا صفريًّا، فالمنافسة ليست نهاية، بل بداية لعصر من التعددية التقنية، ويمكن أن تتحول إلى فرصة استراتيجية لإعادة تشكيل الابتكار العالمي والمعرفي للدولة والشركات والباحثين. فهي فرصة يمكن للدولة أن تستفيد منها من خلال الآتي:

1. تبني تقنيات مناسبة للاحتياجات الوطنية وتطويرها محليًّا بما يتوافق مع الأولويات الاقتصادية والاجتماعية:

ينبغي للدولة تحليل احتياجاتها الوطنية في مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، مثل الصحة، التعليم، الصناعة، النقل، والخدمات العامة، لتحديد التقنيات الأكثر ملاءمة. بعد ذلك، يمكن تطوير هذه التقنيات محليًّا بحيث تكون متكاملة مع البيئة الوطنية، وتلبي الاحتياجات الواقعية للمجتمع. هذا النهج يضمن أن الاستثمار في الذكاء الاصطناعي يؤدي إلى حلول عملية قابلة للتطبيق ويدعم أهداف التنمية المستدامة.

2. الاستفادة من تنويع المصادر التكنولوجية المتقدمة في البلدين بشكل منهجي ومنظم لتعظيم العوائد التكنولوجية:

يمكن للدولة الاستفادة من تنويع المصادر التكنولوجية بين النموذجين الأمريكي والصيني عبر اختيار أفضل الحلول التقنية من كل طرف بحسب الأولوية الوطنية. هذا يتطلب وضع آليات منهجية لاختيار واعتماد التكنولوجيات التي تحقق أعلى عائد على الاستثمار، مع الحفاظ على استقلالية الدولة وقدرتها على التكيف مع مختلف القيود أو التحديات العالمية.

3. تحفيز الاستثمار في البنية التحتية الرقمية لبناء قدرات وطنية متكاملة في مجالات البيانات، والحوسبة، والمواهب البشرية المؤهلة:

تعد البنية التحتية الرقمية العمود الفقري للذكاء الاصطناعي. يشمل ذلك الحوسبة السحابية، مراكز البيانات، وشبكات الاتصالات عالية السرعة، وأنظمة تخزين وتحليل البيانات الضخمة. يجب أيضًا تطوير برامج لتأهيل المواهب الوطنية في علوم البيانات وهندسة الذكاء الاصطناعي لضمان استدامة هذه البنية التحتية وتحقيق أفضل النتائج الاقتصادية والعلمية.

4. تعزيز التعاون المؤسسي في البحث والتطوير عبر جميع التخصصات، مع التركيز على دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة:

تعاون المؤسسات البحثية والجامعات والشركات الخاصة يعزز الابتكار ويتيح نقل المعرفة بين القطاعات. الشركات الصغيرة والمتوسطة، بمرونتها وقدرتها على التجريب، تشكل بيئة مثالية لتطبيق هذه الابتكارات، وتحويلها إلى منتجات وخدمات قابلة للتسويق بسرعة، مما يسرع نمو الاقتصاد التكنولوجي الوطني.

5. دعم الشركات الناشئة لتبني حلول هجينة أو محلية تعزز التنافس في الأسواق الوطنية الناشئة:

يمكن للشركات الناشئة أن تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي المفتوحة المصدر لتطوير حلول محلية تلبي احتياجات المجتمع بشكل مباشر، مثل تطبيقات الصحة والتعليم والزراعة الذكية. هذه الاستراتيجية تعزز ريادة الأعمال التكنولوجية، وتخفض تكاليف الابتكار، وتزيد من شمولية الاستفادة في المجتمع.

6. الاستفادة من التعددية التكنولوجية لكل من النموذجين لتجنب الاعتماد على طرف واحد:

الاعتماد على مصدر واحد للتقنيات الحديثة يزيد من تعرض الدولة لمخاطر سياسية أو اقتصادية. باستخدام مزيج من التقنيات الأمريكية والصينية، يمكن للدولة تأمين استقلاليتها التقنية وضمان استمرار عملياتها الحيوية حتى في حالات الحظر أو القيود الدولية.

7. دفع عجلة الابتكار المحلي عبر التكيف والدمج بين التقنيات الأمريكية والصينية لبناء حلول محلية مبتكرة تلبي الاحتياجات الوطنية:

يمكن دمج أفضل الممارسات من النموذجين، مثل الابتكار المفتوح الصيني واستخدام الحوسبة عالية الأداء الأمريكية، لإنشاء حلول وطنية ذكية تناسب الخصوصية الثقافية، والاحتياجات الاقتصادية، ومتطلبات الأمن الوطني، ما يعزز قدرة الدولة على المنافسة عالميًّا.

8. تعزيز التعاون الدولي والإقليمي، خصوصًا مع الدول العربية، وبناء تحالفات تكنولوجية متوازنة لتشكيل مجموعات تعاون مشتركة تستفيد من المنافسة بين الجانبين:

يمكن إنشاء شراكات استراتيجية مع دول المنطقة لتبادل الخبرات والموارد التكنولوجية، وتحقيق مخرجات بحثية مشتركة، وتطوير قدرات الذكاء الاصطناعي الإقليمي. هذه التحالفات توفر شبكة أمان ضد المنافسة الدولية وتتيح تبادل البيانات والتجارب والخبرات العملية.

9. صياغة سياسات واستراتيجيات وطنية ذكية مستندة إلى دراسة نقاط القوة والضعف لكل نموذج:

يجب إجراء تحليل استراتيجي شامل لكل نموذج، لتحديد العناصر التي يمكن تبنيها في السياسات الوطنية. هذه الاستراتيجية تساعد في وضع أطر تنظيمية واضحة، وتوجيه الاستثمار، وتعزيز الابتكار، وضمان الاستفادة القصوى من التطورات العالمية.

10. تنويع مصادر التعليم والتدريب وبناء الكفاءات، وتشجيع المشاريع التعليمية والبحثية التي تدمج بين التقنيات الأمريكية والصينية:

تنويع مصادر التعليم يضمن إعداد قوى عاملة مؤهلة في مختلف تخصصات الذكاء الاصطناعي، ويتيح دمج التجارب العالمية في المناهج الوطنية. دعم المشاريع التعليمية والبحثية المشتركة يعزز الابتكار ويهيئ البيئة المناسبة للابتكارات التكنولوجية المستدامة.

11. تعزيز التعليم الرقمي القائم على أدوات كلا الطرفين بما يضمن الاستفادة القصوى من الابتكارات التكنولوجية ويهيئ بيئة تعليمية وبحثية متقدمة ومستدامة:

يمكن استخدام منصات تعليمية وأدوات رقمية متقدمة مستوحاة من كلا النموذجين في المدارس والجامعات، لتدريب الطلاب والباحثين على أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي. هذا يخلق بيئة تعليمية قائمة على التجربة العملية والابتكار، ويؤسس لقاعدة معرفية متينة تدعم مستقبل الدولة التكنولوجي.

تعد المنافسة بين أمريكا والصين في الذكاء الصناعي فرصة ذهبية للدولة لاختيار ما يناسبها لخدمة متطلبات الأمن الوطني على جميع المستويات، وبناء نماذج محلية ذكية، وتجنب الهيمنة التكنولوجية، وتسريع التحول الرقمي في الدولة بأقل تكلفة وأعلى كفاءة.

ولكي تحقق وتستفيد دولة الإمارات العربية المتحدة من فوائد الذكاء الصناعي بشكل شمولي لدفع عجلة التطور والتنمية ورفع جودة الحياة، ينبغي وضع وصياغة وتحديث استراتيجيات وطنية شاملة للذكاء الصناعي، يتم تحديثها بانتظام وشبه سنويًّا لمواكبة التطورات المتسارعة في هذا المجال والاستفادة من المنافسة والتطور بين النموذجين الأمريكي والصيني. ويجب أن تتضمن هذه الاستراتيجيات رؤية طويلة الأمد وأهدافًا قابلة للقياس ومؤشرات أداء رئيسية لتقييم التقدم المحرز من خلال الآتي:

  1. الاستثمار المكثف والعاجل في البنية التحتية الرقمية: يتوجب على الدولة تسريع وتيرة الاستثمار في البنية التحتية الرقمية المتطورة، بما في ذلك شبكات اتصالات عالية الجودة وذات النطاق العريض مع قدرات حوسبة سحابية فائقة السرعة ومراكز البيانات والبنية التحتية السحابية، لدعم متطلبات الذكاء الصناعي من الحوسبة والتخزين وتجميع البيانات الحكومية (بما يراعي الخصوصية والأمان) وتوفيرها كخدمة (Data as a Service) لتعزيز الابتكار والبحث العلمي.
  2. تنمية رأس المال البشري وتأهيله للمستقبل: يجب إطلاق برامج وطنية شاملة وعاجلة لإعادة تدريب وتطوير مهارات القوى البشرية العاملة في الدولة، مع التركيز على المهارات الرقمية المتقدمة وعلوم البيانات وهندسة الذكاء الصناعي. كما يجب دمج مفاهيم الذكاء الصناعي في جميع مرحل المناهج التعليمية وخاصة من المراحل المبكرة لضمان إعداد جيل قادر على التكيف مع متطلبات سوق العمل المستقبلي.
  3. إصلاح وتطوير المناهج التعليمية: يجب إدخال مفاهيم الذكاء الصناعي وعلوم البيانات والبرمجة من مراحل التعليم المبكرة والتركيز على تأهيل المدرسين. وتمكين العاملين في القطاعات التقليدية من اكتساب المهارات اللازمة للتعامل مع الذكاء الصناعي. وخاصة دعم الجامعات ومراكز الأبحاث الوطنية لقيادة الابتكار في مجالات الذكاء الصناعي الأساسية والتطبيقية والمعرفية.
  4. تعزيز البحث والتطوير والابتكار: يجب دعم البحث والتطوير في مجال الذكاء الصناعي من خلال تمويل مستدام وإنشاء مراكز تميز وتشجيع الشراكات بين الجامعات والمؤسسات البحثية والقطاع الخاص وخاصة تعزيز وتنشيط الشركات الصغيرة والمتوسطة. هذا سيساهم في تطوير حلول مبتكرة تلبي الاحتياجات الوطنية وتزيد من القدرة التنافسية.
  5. وضع أطر حوكمة وأخلاقيات قوية للذكاء الصناعي: من الضروري تطوير أطر قانونية وتنظيمية واضحة ومرنة تضمن الاستخدام المسؤول والأخلاقي للذكاء الصناعي. يجب أن تركز هذه الأطر على مبادئ العدالة والشفافية والمساءلة وحماية خصوصية البيانات ومكافحة الانحياز الخوارزمي، مع ضمان الرقابة البشرية على القرارات الحاسمة.
  6. بناء نظام بيئي داعم للذكاء الصناعي: يتطلب ذلك تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص، ودعم الشركات الناشئة في مجال الذكاء الصناعي وخاصة دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة وتبسيط الإجراءات الحكومية لتبني الحلول المبتكرة. يجب أن تعمل الحكومة كعامل تمكين للابتكار وتوفر بيئة جاذبة للمواهب والاستثمارات.
  7. تعزيز الابتكار والبحث العلمي: يتطلب ذلك تعزيز الاستثمار في المراكز البحثية المتخصصة في الذكاء الصناعي وتشجيع التعاون بين الجامعات وشركات التكنولوجيا وتمويل المشاريع البحثية الرائدة في مجالات مثل معالجة اللغة الطبيعية والروبوتات والتعلم العميق. وبناء المناهج الحديثة التي تدمج التكنولوجيا والإبداع. وتدريب القوى العاملة على المهارات المستقبلية مثل تحليل البيانات البرمجية وأساسيات الذكاء الصناعي.
  8. الاهتمام بالمشاركة الفعالة في التعاون الدولي: يجب على الدولة أن تشارك بفعالية في الجهود الدولية لوضع معايير عالمية للذكاء الصناعي وتبادل الخبرات، وأفضل الممارسات ومواجهة التحديات العابرة للحدود مثل الأمن السيبراني والتلاعب بالمعلومات.
  9. التركيز على تطبيقات الذكاء الصناعي ذات الأثر الاجتماعي والإنساني: بالإضافة إلى العوائد الاقتصادية المتميزة، يجب توجيه استثمارات الذكاء الصناعي نحو المجالات التي تخدم المواطنين وتحقق أهداف التنمية المستدامة وتعزيز الهوية الوطنية والاعتزاز بالمواطنة، مثل تحسين الرعاية الصحية وتوفير التعليم الجيد للجميع وتطوير وسائل النقل والبنية التحتية، وجعلها أكثر كفاءة ومعالجة للتحديات البيئية واستجابة لاحتياجات المواطنين مما يقلل الوقت والتكاليف والبيروقراطية.
  10. التعاون الدولي وبناء الشراكات الاستراتيجية: لابد من المشاركة في الجهود العالمية والتعاون مع المنظمات الدولية والدول المتقدمة في هذا المجال، لوضع معايير عالمية لاستخدام الذكاء الصناعي، وكذلك جذب الخبرات واستقطاب الكفاءات العالمية، وتعزيز نقل المعرفة والتكنولوجيا للدولة.
  11. أهمية تعزيز الأمن الداخلي: يمكن استخدام تقنيات الذكاء الصناعي لتعزيز الأمن الوطني عبر تحسين قدرات تحليل البيانات والمراقبة الاستباقية للتهديدات والتصدي لها ومكافحة الجريمة وتحليل أنماط النشاط الإجرامي. وتعزيز الأمن السيبراني وكشف ومنع الهجمات الإلكترونية بشكل أسرع وأذكى.
  12. تنويع مصادر الدخل الوطني: عبر تطوير صناعات قائمة على التكنولوجيا مثل البرمجة وتحليل البيانات والخدمات السحابية، وجذب الاستثمارات عبر بناء قوانين وبيئة جاذبة للمستثمرين في مجالات التكنولوجيا، وخاصة في دعم الشركات الوطنية الناشئة وتمويل المشاريع التي تعتمد على الذكاء الصناعي.

الخلاصة

لقد أصبحت ثورة الذكاء الصناعي قوة دافعة لا يمكن تجاهلها في مسيرة التنمية الوطنية. إن قدرة الذكاء الصناعي على تحسين الإنتاجية الاقتصادية، وتطوير الخدمات الحكومية، وبناء مدن ذكية مستدامة، والارتقاء بقطاعات حيوية مثل الزراعة والرعاية الصحية والتعليم، تمثل فرصًا استراتيجية غير مسبوقة للدول الطامحة إلى الازدهار والريادة. ومع ذلك، فإن هذه الثورة تحمل في طياتها تحديات كبيرة تتعلق بسوق العمل وبالفجوة الرقمية بين أفراد المجتمع، والمخاطر الأخلاقية، وقضايا الحماية للبيانات الشخصية وخصوصية البيانات، وتحديات الأمن السيبراني، بالإضافة إلى الحاجة الملحة لتطوير الأطر التنظيمية والقانونية المرنة والشاملة. ولكن يكمن التحدي الأكبر للدولة في كيفية إدارة هذا التحول المعقد لضمان أن تكون فوائد الذكاء الصناعي شاملة وعادلة ومنتجة، وأن يتم التخفيف من المخاطر المحتملة بشكل فعال. يتطلب ذلك نهجًا استراتيجيًّا رسميًّا متعدد الأبعاد، يجمع بين الاستثمار التكنولوجي، وتنمية رأس المال البشري، والحوكمة الرشيدة، والتعاون الدولي الفعال.


[1] Stanford Institute for Human-Centered Artificial Intelligence (HAI). “Artificial Intelligence Index Report 2025.” Stanford University, April 2025. https://hai-production.s3.amazonaws.com/files/hai_ai_index_report_2025.pdf.

[2] Lennart Heim, “China’s AI Models Are Closing the Gap—but America’s Real Advantage Lies Elsewhere.” RAND Corporation, May 2, 2025. https://www.rand.org/pubs/commentary/2025/05/chinas-ai-models-are-closing-the-gap-but-americas-real.html.

[3] Lennart Heim, Ibid.

المواضيع ذات الصلة