Insight Image

هل تقود انتخابات الكاميرون 2025 إلى تغيير حقيقي أم استمرار هيمنة للنظام؟

05 أكتوبر 2025

هل تقود انتخابات الكاميرون 2025 إلى تغيير حقيقي أم استمرار هيمنة للنظام؟

05 أكتوبر 2025

هل تقود انتخابات الكاميرون 2025 إلى تغيير حقيقي أم استمرار هيمنة للنظام؟

تتّجه الكاميرون إلى انتخابات رئاسية في 12 أكتوبر2025، وسط مشهد سياسي شديد الاستقطاب؛ حيث يترشّح بول بيا، البالغ من العمر 92 عامًا، لولاية ثامنة، ما يضع سؤال الخلافة في قلب النقاش العام، ويُعمّق الشكوك في تنافسية الاستحقاق. في الوقت نفسه يحافظ حزب «التجمع الديمقراطي للشعب الكاميروني» على قبضته المؤسسية، بعد سنوات من تعديل قواعد اللعبة لصالحه، فيما أُقصي أبرز خصوم بيا، وعلى رأسهم موريس كامتو، ما يغيّر ميزان المنافسة مبكرًا. يُلاحَظ أيضًا أن قرار تأجيل الانتخابات التشريعية والمحلية إلى 2026 ثبّت للحزب الحاكم أفضلية تنظيمية وسياسية، وقلّص فرص المعارضة في بناء زخم تمثيلي قبل الرئاسيات. عند هذا التقاطع بين الشيخوخة السياسية وتكلّس المؤسسات، تتحول انتخابات 2025 من مجرد سباق إلى استفتاء على استمرارية نمط حكم كامل وحدود قابليته للتجدد [1].

قائمة المرشحين النهائيين تعكس ازدحامًا كميًّا بلا توازن نوعي؛ فهناك ثلاثة عشر اسمًا يتصدرهم بيا، وإلى جانبِه وجوهٌ مخضرمة عادت من تحالفات طويلة مع السلطة، مثل بيلو بوبا مايگاري وعيسى تشيروما، ووجوهٌ أخرى تراهن على تجديد الدم السياسي مثل كابرال ليبي، مع محاولات قانونية وتنظيمية لشخصيات مثل أكيري مونا وجوشوا أوسي لإعادة تعريف المعارضة «الممكنة» ضمن قواعد اللعبة القائمة، كما أن خروج كامتو يقلّص كتلة تصويت احتجاجية كانت قادرة على فرض جولة صاخبة أو على الأقل توحيد خطاب التغيير. والجدالات داخل أحزاب المعارضة، وتنازع الشرعية الحزبية، وانعدام تكافؤ الموارد، كل ذلك يجعل «وحدة المعارضة» احتمالًا نظريًّا أكثر منه خطة تشغيلية، بما يمنح بيا قصب السبق إن بقيت قواعد الاشتباك على حالها [2].

أمنيًّا، يدخل البلد الاستحقاق وهو يواجه ثلاث بؤر نزاع متزامنة: صراع الانفصاليين في المنطقتين الناطقتين بالإنجليزية، وهجمات بوكو حرام في الشمال الأقصى، وضغوط لجوء من أفريقيا الوسطى. هذه التفاعلات تُقوّض شمولية التصويت، عبر النزوح الواسع، واستهداف البنية التعليمية والخدمية، وفرض «إغلاقات» قسرية من جماعات مسلّحة؛ ما يعني احتمالات تفاوت كبير في نسب المشاركة بين الأقاليم، واختبارات عسيرة لحياد الأجهزة الأمنية. في الخلفية، تتصاعد لهجة الكراهية الإثنية والسياسية على المنصات الرقمية، وتتآكل الثقة في التحكيم المؤسسي للنزاعات الانتخابية. وأيُّ تصعيد ميداني عشية الاقتراع قد يجرّ إلى مطالبات بتأجيل جزئي، أو تفاهمات أمنية موضعية، أو حتى «هدنة انتخابية» في المناطق الساخنة، وهي كلها حلول إسعافية لا تُعالج جذور الأزمة [3].

اقتصاديًّا واجتماعيًّا، تُدار الانتخابات في بيئة هشّة: نموّ اقتصادي بنسبة بلغت نحو 4% -لكنه يظل نموًّا صوريًّا لا ينعكس على حياة المواطنين- يرافقه فقر واسع يتجاوز 40%، وبطالة شبابية خانقة، واتهامات بالفساد تُقوّض كفاءة الإنفاق العام. والعُطب الإداري -بدءًا من صعوبة استخراج بطاقات الهوية إلى تعقيدات تسجيل الناخبين، خصوصًا بين النازحين- يرفع كلفة المشاركة، ويُنتج «إقصاءً صامتًا» لكتل اجتماعية كاملة. أمّا خارجيًّا، فنجد مصالح فرنسا والصين وروسيا تتجاور بأدوات متفاوتة، بين الاستثمار، والدعم الأمني، والحرب الإعلامية، ما يثقل ميزان الشرعية ويُعقّد هندسة التوافقات الداخلية. بهذه المعادلة، تصبح نتيجة الصندوق رهينة ثلاثة عوامل: قدرة السلطة على إدارة المخاطر دون قمع فجّ يعيد الشارع إلى الغليان، ونجاح المعارضة في تقديم حاملٍ توافقي بدل تعدّد الرايات، ووجود ضمانات عملية تقلّص فجوة الثقة مع الناخب وتُبقي مسار الانتقال السياسي مفتوحًا بعد يوم الاقتراع [4].

وفي ضوء ذلك، تظل الكاميرون أمام مرحلة انتقالية دقيقة ووضع أمني حاسم، حيث يشتبك استمرار النظام القائم مع مطالب التغيير المتصاعدة، وتتعقد الحسابات بفعل الانقسامات الداخلية والضغوط الخارجية. فهل ستُعيد انتخابات 2025 تكريس حكم بول بيا لعقد جديد؟ أم أنها ستفتح ثغرة في جدار الاستمرارية تسمح بولادة مرحلة سياسية جديدة في البلاد؟

أولًا: ملامح المشهد في الكاميرون

تدخل الكاميرون مرحلة انتخابية بالغة الحساسية مع اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي في أكتوبر 2025، في ظل مشهد تتنازعه التناقضات بين استمرارية نظام سياسي يقترب من نصف قرن، ومجتمع يزداد ضجرًا من تكلس السلطة وضعف مؤسساتها. الرئيس بول بيا، الذي يحكم منذ عام 1982، يترشح مجددًا وسط تساؤلات متنامية حول حالته الصحية وقدرته على ممارسة مهامه، بعد أن تجاوز التسعين عامًا. ورغم أن النظام الحاكم يقدمه باعتباره رمزًا للاستقرار، فإن طول بقائه في الحكم خلق حالة من السأم الشعبي، وفتح الباب أمام مخاوف من فراغ دستوري محتمل في حال غيابه المفاجئ، خصوصًا في ظل غياب أي ملامح واضحة لخطة انتقالية أو إجماع داخل الحزب الحاكم حول هوية خليفته. هذا الغموض يجعل الانتخابات المقبلة أقرب إلى اختبار لبقاء النظام ذاته أكثر من كونها تنافسًا ديمقراطيًّا حقيقيًّا[5].

تتداخل هذه الحسابات السياسية مع قرارات مؤسسية عززت من قبضة الحزب الحاكم على الساحة، وعلى رأسها تأجيل الانتخابات التشريعية والمحلية إلى عام 2026، وهو ما منح حزب التجمع الديمقراطي للشعب الكاميروني فرصة لترسيخ هيمنته وتضييق الخناق على المعارضة التي فقدت أدواتها التمثيلية. ورغم أن السلطات بررت هذا القرار بضرورة تجنب “ازدحام انتخابي”، إلّا أن المعارضة اعتبرته خطوة مدروسة لإبقاء مؤسسات الدولة تحت سيطرة النظام خلال الاستحقاق الرئاسي، ومن ثم تقليل أي احتمالية لبروز منافسين قادرين على حشد قواعد شعبية أو إحداث اختراق في المشهد السياسي. هذا التلاعب بالمواعيد الانتخابية عمّق أزمة الثقة بين الشارع والنظام، وأعاد إلى الواجهة اتهامات قديمة بتزوير الانتخابات واستغلال مؤسسات الدولة لترسيخ حكم الفرد[6].

على الجانب الأمني، تبدو الكاميرون أمام مشهد ملتهب لا يقل تعقيدًا عن أزماتها السياسية. فالصراع المستمر في المناطق الناطقة بالإنجليزية منذ عام 2017 تحول إلى نزاع مسلح، أفضى إلى نزوح مئات الآلاف وتعطيل المدارس والمستشفيات، بينما فشلت مبادرات الحوار الوطني في تهدئة الأوضاع أو فتح مسار تفاوضي حقيقي مع الانفصاليين. ومع اقتراب موعد الاقتراع، تلوح مخاطر جدية من تصاعد العنف أو تعطيل العملية الانتخابية في تلك المناطق. في الوقت ذاته، يستمر تهديد بوكو حرام في أقصى الشمال، متزامنًا مع آثار مدمرة للتغير المناخي والفيضانات التي عمّقت هشاشة البنية التحتية هناك. هذه التحديات الأمنية المتعددة تهدد بحرمان شريحة واسعة من الناخبين من المشاركة وتضعف شرعية النتائج مسبقًا، كما تفتح الباب أمام اتهامات بتعمد النظام استغلال الظروف لتقليص الأصوات المعارضة[7].

أمّا اقتصاديًّا، فإن الصورة لا تقل قتامة. وعلى الرغم من إعلان الحكومة عن نمو اقتصادي يقارب 4% عام 2024، فإن هذا النمو لا ينعكس على حياة غالبية المواطنين، حيث يعيش نحو 40% تحت خط الفقر وتصل معدلات البطالة بين الشباب إلى مستويات مقلقة. وأضافت الأزمات النقدية ونقص العملة المعدنية أبعادًا جديدة لمعاناة المواطنين، بينما عمّقت الفيضانات في الشمال حالة السخط الاجتماعي. هذه البيئة الاقتصادية المأزومة وفرت أرضية خصبة لاحتجاجات شعبية متفرقة ضد الغلاء وسوء الخدمات، وهو ما يزيد الضغوط على النظام الحاكم، ويُكسب خطاب المعارضة الداعي للتغيير مزيدًا من الصدى لدى فئات متزايدة من المجتمع. ومع ذلك، تظل قدرة المعارضة على تحويل هذا السخط إلى قوة انتخابية مؤثرة محل شك كبير[8].

المعارضة بدورها تعاني من ضعف مؤسسي وانقسامات عميقة، تحول دون قدرتها على صياغة جبهة موحدة. فالمبادرات التي حاولت توحيد الصفوف، مثل “التحالف السياسي من أجل التغيير”، اصطدمت بالتباينات الأيديولوجية والقيود القانونية التي تشترط تمثيلًا برلمانيًّا أو محليًّا للترشح، وهو ما حرم بعض القوى من دخول السباق. بالإضافة إلى ذلك، يواجه قادة المعارضة ونشطاؤها تضييقًا أمنيًّا متصاعدًا، من اعتقالات وملاحقات قضائية إلى حظر فعالياتهم السياسية، الأمر الذي يُقلّص من حضورهم الميداني. كما أن الاستبعاد المتكرر لوجوه بارزة مثل موريس كامتو، الذي حلّ ثانيًا في انتخابات 2018، يعكس حجم القيود المفروضة، ويؤكد أن النظام يفضل خوض سباق محسوم مسبقًا على مواجهة منافسة حقيقية[9].

ومع تراجع فعالية المعارضة، برز المجتمع المدني والكنيسة الكاثوليكية كأطراف تحاول ملء الفراغ، عبر حملات لتسجيل الناخبين أو الدعوة إلى الحوار الوطني. غير أن هذه الجهود تصطدم ببيئة قمعية تَحُدُّ من حرية التعبير وتضيّق على المنظمات المستقلة. ويمثل اعتقال صحفيين وإغلاق منصات إعلامية رسالة واضحة بأن النظام لا يرحب بأي رقابة أو صوت مستقل قد يكشف ممارساته. وهناك استطلاعات غير رسمية تشير إلى تزايد السخط الشعبي، إلّا أن غياب أدوات فعالة لترجمة هذا السخط إلى فعل سياسي مؤثر يُبقي المعادلة مختلة لصالح النظام الحاكم[10].

ولا يمكن إغفال البُعْد الخارجي الذي يضيف مزيدًا من التعقيد إلى المشهد. فقد عزّزت روسيا حضورها عبر منصات إعلامية تروّج لخطاب موالٍ للحكومة، فيما تحاول فرنسا الحفاظ على نفوذها التاريخي من خلال الدعم الاقتصادي والأمني، بينما تستثمر الصين بكثافة في مشاريع البنية التحتية. هذا التداخل الخارجي يحوّل الانتخابات إلى ساحة تتقاطع فيها مصالح قوى دولية، ويزيد من حساسية المشهد الداخلي، خاصة مع استخدام النظام لخطاب مُعَادٍ للغرب كأداة لتعبئة القواعد المؤيدة. في الوقت نفسه، يظل الضغط الدولي من منظمات وهيئات أممية حاضرًا، لكنه محدود التأثير في ظل ضعف آليات الرقابة المستقلة، الأمر الذي يثير مخاوف من أزمة شرعية دولية في حال جاءت النتائج متوقعة بلا مصداقية[11].

بهذا، تبدو الانتخابات الرئاسية المقبلة في الكاميرون أبعد ما تكون عن مجرد استحقاق دوري، بل أقرب إلى اختبار شامل لمدى قدرة البلاد على تفادي الانزلاق نحو مزيد من الانقسام وعدم الاستقرار. والسؤال المطروح اليوم يتجاوز من يفوز أو يخسر في الصندوق، إلى ما إذا كان النظام السياسي برمته قادرًا على تجديد شرعيته، أو أنه يقترب من نهايته التاريخية في ظل مشهد داخلي مأزوم وضغوط خارجية متزايدة.

ثانيًا: أبرز المرشحين في سباق الرئاسة الكاميرونية

تدخل الكاميرون استحقاقها الرئاسي المقبل من خلال قائمة تضم ثلاثة عشر مرشحًا أقرّتهم اللجنة الانتخابية، غير أن الأنظار تتجه إلى مجموعة محدودة من الشخصيات التي يُنظر إليها باعتبارها صاحبة الحظوظ الأوفر في المنافسة مع الرئيس بول بيا. ويبقى هذا الأخير -البالغ من العمر 92 عامًا- هو المرشح الأبرز رغم الجدل الواسع حول قدرته الجسدية على قيادة البلاد لسبع سنوات إضافية. وينبغي الاعتراف بأن مسيرة بيا -الممتدة منذ 1982- جعلته أكثر من مجرد رئيس، بل رمزًا لهيمنة الحزب الحاكم على الحياة السياسية، وهو يستند إلى شبكة مؤسساتية وإدارية واسعة تُمكّنه من ترجيح الكفة لصالحه. صحيحٌ أن برنامجه الانتخابي المعلن ركّز على قضايا الشباب والنساء، لكنه بدا أقرب إلى محاولة لتجديد الخطاب التقليدي للنظام أكثر من كونه خطة إصلاحية جذرية، ما جعل خصومه يشككون في جدية التغيير الموعود.[12]

في مواجهة بيا، يبرز “بيلو بوبا مايگاري” (Bello Bouba Maigari)، السياسي المخضرم القادم من الشمال، والذي يحاول استعادة موقعه في المشهد بعد عقود من التعاون مع السلطة. يُذكر أن مايگاري كان أول رئيس وزراء في عهد بيا قبل أن ينشق ويؤسس حزبه “الاتحاد الوطني من أجل الديمقراطية والتقدم”. وأسهم تحالفه الطويل مع الحزب الحاكم في ترسيخ قوة بيا الانتخابية في الشمال، لكن ضغوط القواعد الداخلية أجبرته مؤخرًا على خوض السباق مستقلًّا. خطابه الانتخابي يركّز على تقديم نفسه كبديل قادر على تمثيل الشماليين وإعادة التوازن داخل السلطة المركزية، غير أن قربه التاريخي من النظام يُضعف مصداقيته لدى الناخبين الباحثين عن قطيعة حقيقية مع الماضي[13].

ومن الوجوه التي أعلنت التحدي أيضًا، “عيسى تشيروما باكاري” (Issa Tchiroma Bakary) وهو أحد أبرز حلفاء بيا السابقين، والذي شغل مناصب حكومية متعددة قبل أن يستقيل ويطرح نفسه منافسًا جادًّا. يقود باكاري حزب “الجبهة الوطنية للإنقاذ الكاميروني”، ويُقدّم برنامجه باعتباره قطيعة مع أسلوب الحكم الحالي الذي وصفه بـ”الخانق”، واعدًا بإعادة هيكلة شاملة لمؤسسات الدولة. وهو يستند في حملته إلى رصيده السياسي في الشمال أيضًا، لكن خبرته الطويلة داخل مؤسسات النظام قد تجعل من الصعب عليه إقناع الناخبين بقدرته على إحداث تحولات جذرية بعيدًا عن نفوذ الحزب الحاكم[14].

على الجانب الآخر، يظهر “كابرال ليبي” (Cabral Libii) كوجه يمثل جيلًا أصغر سنًّا وأكثر ارتباطًا بالخطاب التغييري. يُذكر أن ليبي كان أصغر المرشحين في انتخابات 2018، وحصد حينها نحو 6% من الأصوات، وهو يسعى اليوم لتوسيع قاعدته عبر خطاب موجه إلى الشباب العاطلين عن العمل والفئات المهمشة. وبصفته رئيس حزب “الحزب الكاميروني للمصالحة الوطنية”، ركز ليبي على محاربة الفساد وإصلاح المؤسسات وضمان المشاركة السياسية الواسعة. ورغم أن مشواره البرلماني منذ 2020 منح حملته زخمًا جديدًا، إلّا أن انقسامات حزبه والطعن في شرعيته القيادية من قِبَل مؤسس الحزب روبرت كونا مثّلت عقبة أمام ظهوره كقائد موحد للمعارضة. ومع ذلك، يُعتبر ليبي اليوم من أكثر المرشحين قدرة على حشد التأييد الشعبي، خصوصًا مع غياب “موريس كامتو”، أبرز منافسي بيا في انتخابات 2018[15].

من جانب آخر، يعود إلى الساحة “أكيري مونا” (Akere Muna)، المحامي الدولي المعروف بخطابه المناهض للفساد، بعد أن انسحب في اللحظات الأخيرة من سباق 2018 لصالح كامتو. هذه المرة يترشح مونا مستقلًّا بخطاب يركز على إعادة الكاميرون إلى المسار الصحيح عبر خطة انتقالية مدتها خمس سنوات، يَعِدُ فيها بإرساء قواعد حكم رشيد ومكافحة الفساد المستشري في أجهزة الدولة. ما يميز مونا أنه ليس مجرد سياسي تقليدي، بل شخصية ذات بُعْد دولي وخبرة في المحافل القانونية والحقوقية العالمية، وهو ما يمنحه قدرًا من المصداقية لدى قطاعات من النخب والمجتمع المدني. مع ذلك، تبقى قدرته على اختراق القواعد الشعبية الواسعة موضع تساؤل، في ظل هيمنة الحزب الحاكم على الموارد والخطاب العام[16] إلى الساحة

أمّا “جوشوا أوسي” (Joshua Osih)، زعيم “الجبهة الديمقراطية الاجتماعية”، فيخوض الانتخابات للمرة الثانية بعد تجربته غير الموفقة عام 2018. والحزب الذي يقوده كان يمثل المعارضة الرئيسية لفترة طويلة بقيادة الراحل جون فرو ندي، لكنه فقد بريقه بفعل الانقسامات الداخلية وتراجع حضوره في معاقله التقليدية بالمناطق الناطقة بالإنجليزية. ويطرح أوسي نفسه كخيار إصلاحي عبر وعود بإعادة هيكلة الدولة وتحقيق إصلاحات اجتماعية ومؤسسية، إلّا أن ضعف تنظيم حزبه وانحسار قاعدته الجماهيرية يجعلان مهمته أكثر صعوبة في مواجهة آلة الحزب الحاكم[17].

في المحصلة، يبدو أن المنافسة الحقيقية تنحصر بين بول بيا، الذي يستفيد من قوة النظام ومؤسساته، وبين وُجُوهٍ معارضة تحاول شق طريقها وسط عراقيل قانونية وتنظيمية وسياسية هائلة. في الوقت نفسه فإن غياب موريس كامتو، الذي شكّل في انتخابات 2018 المنافس الأكثر خطورة بحصوله على نحو 14% من الأصوات، منح بيا أفضلية إضافية في سباق يبدو أنه مُصمم لتكريس بقائه في السلطة. ورغم محاولات بعض المرشحين مثل ليبي ومونا تقديم خطاب بديل، فإن الانقسامات العميقة داخل المعارضة وصعوبة بناء تحالف جامع تجعل فرصهم محدودة. والسؤال الذي يطرحه المراقبون هو ما إذا كان أحد هؤلاء قادرًا على كسر معادلة الاستمرارية، أم أن الانتخابات المقبلة ستكون مجرد محطة جديدة في عمر نظام ممتد منذ أكثر من أربعة عقود.

وفيما يتعلق بموقف المعارضة، فقد شهدت الأوضاع الأخيرة تطورًا لافتًا؛ حيث أعلنت قوى المعارضة الكاميرونية اختيار الوزير السابق “عيسى تشيروما بكاري” مرشحًا توافقيًّا للانتخابات، في خطوة غير مسبوقة تهدف إلى كسر هيمنة الرئيس “بول بيا”، وجاء هذا القرار بالإجماع خلال الجمعية العامة لما يُسَمَّى “اتحاد التغيير 2025″، وهو إطار تنسيقي يضم أحزابًا وشخصيات بارزة، من بينها “أنيست إيكاني” زعيم حزب “مانيديم”. هذا التوافق جاء على خلفية إقصاء موريس كامتو من الترشح وما تبعه من مشاورات مكثفة مع وزراء سابقين، وأكد الاتحاد انفتاحه على توسيع التحالفات شرط الالتزام بمبدأ توحيد الجهود، بما يعكس محاولة جدية لبلورة بديل انتخابي قادر على مواجهة السلطة القائمة[18].

الإطار الدستوري والقانوني للعملية الانتخابية

تستند الانتخابات الرئاسية في الكاميرون إلى دستور 1972 (المعدل 1996 و2008) وقانون 2012، حيث يُنتخب الرئيس مباشرة لسبع سنوات دون سقف للولايات بعد تعديل 2008 المثير للانتقادات. يعتمد القانون نظام الجولة الواحدة بالأغلبية البسيطة، ويكلف المجلس الدستوري بمراقبة العملية والبت في الطعون؛ كما يُلزم بإعلان مرسوم رئاسي يدعو الناخبين قبل 90 يومًا، وهو ما تحقق بتحديد 12 أكتوبر 2025 موعدًا للاقتراع، مع إعلان ترشح بول بيا واستبعاد طعن موريس كامتو[19].

أمّا شروط الترشح، فيحددها القانون الانتخابي الكاميروني بدقة، أبرزها أن يكون المرشح كاميرونيًّا بالميلاد، عمره لا يقل عن 35 عامًا يوم الاقتراع، ومقيمًا إقامة مستمرة 12 شهرًا قبل الترشح. يُشترط أيضًا التمتع بالحقوق المدنية والسياسية، والتحلي بسمعة أخلاقية، وعدم الخضوع لعقوبات مُسْقِطة للأهلية، مع إيداع ضمان مالي قدره 30 مليون فرنك أفريقي. أمّا المرشح المستقل فهو مُطَالَب بتأمين 300 تزكية من منتخبين محليين موزعين على الأقاليم، بما يعكس أولوية القاعدة الوطنية الواسعة[20].

وفيما يتعلق بالهيئة الانتخابية، تتولى “إليكام” (Elections Cameroon) إدارة وتنظيم الانتخابات عبر مجلسها الانتخابي ومديريتها العامة، ورغم وصفها بالمستقلة فإن تبعيتها للسلطة التنفيذية تثير جدلًا حول حيادها. وإلى جانبها، تعمل لجان إشراف محلية ووطنية ولجان فرز متعددة المستويات لمتابعة العملية حتى إعلان النتائج. ويحتفظ المجلس الدستوري بالقرار النهائي في اعتمادها والبت في الطعون، ما يجعل الشفافية ونشر المحاضر الضمان الأهم لنزاهة الاقتراع[21].

يمكن القول إن العملية الانتخابية في الكاميرون تسير وفق تسلسل قانوني يبدأ بدعوة الناخبين بمرسوم رئاسي قبل 90 يومًا، يعقبه إغلاق السجل وإعلان القوائم، ثم حملة انتخابية تستمر أسبوعين. ويوم الاقتراع يُصوّت الناخبون في مراكز محدودة العدد ببطاقات بيومترية وأظرف موحدة، وتُفرز الأصوات محليًّا بحضور ممثلي المرشحين، قبل رفع المحاضر للتجميع الوطني، ليحسم المجلس الدستوري النتائج النهائية بعد النظر في الطعون.[22] .

ثالثًا: التحديات التي تواجه الانتخابات الرئاسية في الكاميرون

تدخل الكاميرون انتخابات 2025 في ظل بيئة سياسية وأمنية متشابكة تجعلها أكثر من مجرد عملية اقتراع رئاسية، بل اختبارًا حقيقيًّا لمدى صمود النظام القائم وقدرة المجتمع على المطالبة بالتغيير. فالرئيس بول بيا، الذي تجاوز التسعين عامًا، يسعى لولاية ثامنة وسط استياء شعبي واسع، فيما تعيش البلاد انقسامات داخلية وحروبًا مفتوحة في مناطق عدة. ورغم أن الانتخابات من المفترض أن تكون لحظة ديمقراطية تعكس إرادة الناخبين، إلّا أن السياق الراهن يوحي بمشهد مثقل بالأزمات الأمنية، والانقسامات السياسية، وضعف المؤسسات، وهي كلها عوامل لا تقتصر على تهديد نزاهة الانتخابات فحسب، بل استقرار البلاد ككل. ولا تقتصر التحديات المطروحة على الصراع المسلح والانتهاكات، بل تمتد إلى قضايا الحوكمة، والشرعية، والضغوط الخارجية، ما يجعل الاستحقاق الانتخابي لحظة فارقة قد ترسم مستقبل الكاميرون لعقود مقبلة، وفي هذا السياق، يمكن تسليط الضوء على أبرز هذه التحديات، وذلك على النحو التالي[23]:

  • الأزمة الأمنية والانفصالية: الاضطرابات المسلحة في الشمال الغربي والجنوب الغربي، حيث يسيطر الانفصاليون الأنجلوفونيون على مساحات واسعة، هذه الاضطرابات تُشكل التحدي الأكبر أمام تنظيم انتخابات ذات مصداقية. فقد تسببت سنوات العنف في تعطيل الحياة اليومية وإجبار مئات الآلاف على النزوح، ما يعني أن نسبة كبيرة من الناخبين قد تُحرم من التصويت. كما أن تهديد الانفصاليين بفرض مقاطعة شاملة للانتخابات يجعل من الصعب ضمان الحد الأدنى من المشاركة، فضلًا عن أن العسكرة المفرطة في هذه المناطق قد تعطي الانطباع بأن الانتخابات تجري تحت فوهة البندقية[24].
  • تهديدات بوكو حرام في الشمال: معروفٌ أن شمال الكاميرون يُعَدُّ خزّانًا انتخابيًّا مهمًّا، غير أنه يواجه تصاعدًا جديدًا في هجمات جماعة بوكو حرام. هذه الهجمات تستهدف المدنيين والبنية التحتية، وتزرع الخوف بين السكان. إضافة إلى ذلك، تؤثر الفيضانات الموسمية في هذه المنطقة على قدرة الناخبين على الوصول إلى مراكز الاقتراع، ما يضاعف من تحديات المشاركة. وبالطبع فإن استمرار هذه الظروف من شأنه أن يقوض الثقة في قدرة الدولة على تأمين المواطنين وضمان سلامة العملية الانتخابية، ويُبرز هشاشة السلطة أمام الجماعات المسلحة العابرة للحدود[25].
  • سيطرة الحزب الحاكم على المؤسسات: حزب الشعب الديمقراطي الكاميروني (CPDM) بقيادة بول بيا يهيمن على مؤسسات الدولة كافة، بما فيها الهيئات المشرفة على الانتخابات والمحكمة الدستورية. هذا الاحتكار يُفقد العملية الانتخابية معناها الديمقراطي، إذ ينظر المعارضون إلى المؤسسات كأدوات لتثبيت حكم الرئيس، لا كضامنة للنزاهة. فمن خلالها يتم تعيين المقربين في مناصب حساسة، والتلاعب في قوائم الناخبين، وكلها ممارسات تُفقد الثقة بالانتخابات. كما أن غياب الشفافية في فرز الأصوات وتاريخ التلاعب بالنتائج يفتح الباب أمام نزاعات سياسية قد تتطور إلى اضطرابات شعبية واسعة[26].
  • إقصاء المعارضة وتفكيكها: تتعرض المعارضة في الكاميرون لحملة ممنهجة من التضييق، سواء عبر حظر التجمعات، أو اعتقال القادة السياسيين، أو منع التحالفات. ولا شك أن استبعاد شخصية بارزة مثل موريس كامتو يكشف بوضوح عن نية النظام إضعاف المنافسة. كما أن محاولات تفكيك الأحزاب من الداخل عبر دعم فصائل بديلة يُقوض أي إمكانية لبروز مرشح توافقي. هذه السياسات لا تؤدي فقط إلى إضعاف المعارضة، بل تُشجع على عزوف الناخبين وفقدان الثقة بالعمل السياسي كوسيلة للتغيير[27].
  • أزمة الشرعية في ظل غياب البدائل: استمرار الرئيس بيا في الحكم منذ 1982 جعل النظام السياسي شخصانيًّا بامتياز، ما خلق فراغًا فيما يتعلق بالبديل المحتمل. وفي ظل غياب أي خطة واضحة لمرحلة ما بعد بيا تثور المخاوف من فوضى في حال غيابه المفاجئ، خاصة مع تقدمه في السن وتراجع حضوره العلني. هذا الغموض يضعف شرعية العملية الانتخابية، حيث يُنظر إليها كوسيلة لإطالة عمر النظام بدلًا من تجديد النخب السياسية، وهو ما قد يؤدي إلى تصاعد الدعوات لمقاطعة الانتخابات وازدياد خطر الاحتجاجات[28].
  • العوامل اللوجستية وضعف الإدارة الانتخابية: المشاكل المتعلقة بتسجيل الناخبين ونقص بطاقات الهوية الوطنية تُشكّل عقبة أساسية أمام مشاركة واسعة. يُضاف إلى ذلك تأخر اللجنة الانتخابية في تحديث السجل الانتخابي، واعتماد نظام بطاقات متعددة بدلًا من ورقة اقتراع موحدة، ما يزيد من فرص التلاعب والتزوير. هذه الثغرات الإدارية ليست مجرد خلل تقني، بل انعكاس لغياب الإرادة السياسية لإصلاح النظام الانتخابي، الأمر الذي يكرّس فقدان الثقة في العملية برمتها[29].
  • الاستقطاب العرقي وتصاعد خطاب الكراهية: الخطاب السياسي المتداول عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي يتخذ الآن منحًى خطيرًا من خلال تأجيج الانقسامات العرقية، خصوصًا بين البامليكي والبولّو. هذا النوع من الخطاب يُهدد بجر البلاد إلى مواجهات مجتمعية قد تخرج عن السيطرة، خاصة إذا شعر طرفٌ ما أنه مستهدف أو مُهمش. وعدم وجود قوانين رادعة لتجريم خطاب الكراهية، أو مؤسسات قادرة على ضبط هذا الانفلات، من شأنه أن يزيد من احتمالية اندلاع أعمال عنف مرتبطة بالانتخابات[30].
  • الضغوط الخارجية والدعاية الدولية: تتداخل في الانتخابات الكاميرونية أبعاد خارجية معقدة، من بينها التدخل الإعلامي والدبلوماسي لقوى دولية مثل روسيا وفرنسا. وبينما تسعى بعض الأطراف لتثبيت النظام القائم لضمان مصالحها الاقتصادية في النفط والغاز، يضغط آخرون من أجل تحسين شروط الديمقراطية. هذا التناقض يُلقي بظلاله على شرعية الانتخابات، حيث لا يُنظر إلى العملية على أنها تنافس داخلي فحسب، بل يُنظر إليها كجزء من صراع نفوذ دولي، ما قد يُفاقم الشكوك حول استقلالية القرار السياسي[31].
  • جيل الشباب المهمش: تشكل الفئة الشابة الغالبية في المجتمع الكاميروني، لكنها تُعاني من التهميش السياسي والاقتصادي. وفي ظل ارتفاع نسب البطالة وغياب فرص المشاركة السياسية، بات الشباب أكثر ميلًا للتعبير عن رفضهم، إمّا عبر الإنترنت أو الهجرة غير النظامية، بدلًا من الانخراط في الانتخابات. وتجاهل هذه الكتلة الديموغرافية يُفقد الاستحقاق الانتخابي أهميته، ويُكرّس القطيعة بين الدولة ومواطنيها، ما قد يتحول إلى انفجار اجتماعي في حال فُرضت نتائج لا تعكس تطلعاتهم.

رابعًا: السيناريوهات المتوقعة من الانتخابات

تشير التطورات السياسية والأمنية في الكاميرون إلى أن الانتخابات الرئاسية المقررة عام 2025 لن تكون مجرد محطة دستورية عادية، بل لحظة مفصلية؛ لأنها ستكشف مدى قدرة النظام على الصمود أو الدخول في مرحلة من التصدع. فمع تقدم الرئيس بول بيا في العمر، وهيمنة حزبه على مفاصل الدولة، وتآكل الثقة الشعبية في المؤسسات، تتبلور أمام الكاميرون مسارات متباينة قد تعيد إنتاج الوضع القائم أو تفتح الباب أمام تحولات عميقة. إن التداخل بين هشاشة البنية الأمنية في المناطق الأنجلوفونية، وتزايد الضغوط الاجتماعية، والتدخلات الخارجية يجعل من الاستحقاق المقبل اختبارًا مزدوجًا: أولًا لشرعية النظام، وثانيًا لإمكانية بناء توافق وطني جديد. وبهذا المعنى، فإن نتيجة الانتخابات، سواء أفضت إلى فوز بيا أو خسارته، ستترجم في صورة سيناريوهات ذات دلالات عميقة على مستقبل البلاد[32].

  1. فوز بيا مع استمرارية القمع: في حال تمكن الرئيس بيا من الفوز بولاية جديدة، فإن النظام سيُكرّس استمراريته عبر أدواته التقليدية القائمة على السيطرة الأمنية والهيمنة المؤسسية. هذا السيناريو قد يمنح النظام استقرارًا شكليًّا على المدى القريب، لكنه يحمل بذور هشاشة طويلة المدى، إذ يفاقم مشاعر الإحباط بين الشباب والمعارضة. كما أن تجاهل مطالب الإصلاح قد يُعزز احتمالات احتجاجات واسعة، خصوصًا في المناطق الأنجلوفونية والشمال. ومع أن القوى الدولية قد تقبل بهذا الفوز حفاظًا على مصالحها، فإن الشرعية الداخلية ستظل موضع شك، ما يترك البلاد عالقة بين استقرارٍ مُصْطَنَع وانفجار محتمل في المستقبل القريب.
  2. فوز بيا مع إصلاحات محدودة: قد يلجأ النظام، تحت ضغط داخلي وخارجي، إلى إدخال إصلاحات شكلية، مثل توسيع هامش حرية الإعلام أو تحسين إدارة الانتخابات. وفي هذا السياق يُعاد انتخاب بيا، ولكن مع تقديم تنازلات رمزية تمنح العملية قدرًا من القبول الدولي وتخفف حدة الاحتقان الداخلي. ورغم أن هذه الخطوات قد تبدو انفراجة نسبية، إلّا أنها لا تعالج جذور الأزمة، إذ يظل النظام قائمًا على شخص الرئيس وحزبه، ما يعيد إنتاج نفس الاختلالات البنيوية. هذا السيناريو قد يطيل عمر النظام، لكنه يُبقي الباب مفتوحًا أمام تصاعد الأزمات مستقبلًا في غياب إصلاحات جوهرية تعيد بناء الثقة الشعبية.
  3. خسارة بيا عبر تصويت احتجاجي واسع: في حال نجحت المعارضة في استثمار الغضب الشعبي وتراجع حضور بيا، قد تشهد البلاد تحوُّلًا غير متوقع عبر تصويت احتجاجي يُنهي أربعة عقود من حكمه. هذا السيناريو سيفتح آفاقًا جديدةً أمام البلاد، لكنه يحمل أيضًا مخاطر انفجار الصراعات الداخلية بسبب غياب خطة واضحة لمرحلة ما بعد بيا. فالمؤسسات الضعيفة والانقسامات العرقية قد تجعل الانتقال محفوفًا بالتوترات، وقد يحاول النظام القائم تعطيل النتائج أو الالتفاف عليها. صحيحٌ أن خسارة بيا قد تبدو بداية لعهد جديد، إلّا أن غياب توافق سياسي ومؤسسي قد يُحولها إلى لحظة فوضى أكثر من كونها انتقالًا ديمقراطيًّا.[33]
  4. خسارة بيا وتفكك السلطة: إذا جاءت الهزيمة في ظل غياب بديل توافقي، فإن البلاد قد تدخل مرحلة تفكك سياسي تُبرز الصراعات بين أجنحة الحزب الحاكم والجيش والمعارضة. في هذا السياق، قد يُفتح الباب أمام انتقال مرتبك تتخلله محاولات انقلابية أو فرض وصاية أمنية على المشهد. هذا السيناريو يُضعف استقرار الدولة، خصوصًا مع تصاعد النزاعات الانفصالية، وقد يدفع قوى دولية إلى التدخل المباشر لفرض تسوية مؤقتة. وبدلًا من أن تكون هزيمة بيا مدخلًا لإصلاح سياسي، قد تتحول إلى صدمة تُسرّع انهيار المنظومة القائمة وتُدخل البلاد في مرحلة من الفوضى السياسية والأمنية. [34]
  5. تأجيل الانتخابات نتيجة تصاعد العنف: ويبقى احتمال إرجاء الانتخابات مطروحًا بقوة إذا ما تصاعد العنف في المناطق الأنجلوفونية، أو إذا اندلعت اضطرابات واسعة النطاق تهدد العملية الانتخابية. في هذا السيناريو، قد يلجأ النظام إلى استخدام ذريعة “الحفاظ على الأمن والاستقرار” لتبرير التأجيل، وهو ما يمنحه فرصة لإعادة ترتيب أوراقه الداخلية وتعزيز قبضته الأمنية. غير أن هذا الخيار يحمل كلفة سياسية مرتفعة، إذ يُفاقم فقدان الثقة في النظام، ويُظهر عجزه عن إدارة استحقاق ديمقراطي في موعده. كما أنه قد يفتح الباب أمام مزيد من الضغوط الدولية لفرض جدول زمني جديد، ويُغذي شعور المعارضة والجمهور بأن السلطة غير مستعدة للتخلي عن الحكم، ما قد يؤدي إلى مزيد من الانفجار الشعبي وعدم الاستقرار[35].

وختامًا، يمكن القول إن انتخابات الكاميرون لعام 2025 لن تُقاس فقط بميزان الأصوات أو بعدد المرشحين، بل بقدرتها على اختبار صلابة النظام وإمكانيات المجتمع في إعادة تعريف مساره السياسي. واستمرار الرئيس بول بيا في السباق يرمز إلى ثقل الماضي وهيمنة الحزب الحاكم، فيما تحاول وجوه معارضة متباينة رسم ملامح بديل غير مكتمل. والأزمات الأمنية والاقتصادية تجعل العملية الانتخابية محاصرة بتحديات غير مسبوقة، فيما تُضيف الضغوط الدولية طبقات أخرى من التعقيد. والنتيجة -أيًّا كانت- ستحدد إن كان هذا البلد سيواصل الدوران في حلقة الاستمرارية، أو سيجرؤ على فتح نافذة نحو تحول سياسي محفوف بالمخاطر. بهذا المعنى، تشكل انتخابات 2025 لحظة فاصلة بين الاستقرار الشكلي والانزلاق إلى سيناريوهات مفتوحة على احتمالات غامضة.


[1] Ilaria Allegrozzi, Cameroon Doubles Down on Excluding Opposition Candidate from Elections, Human Rights Watch. https://www.hrw.org/news/2025/08/06/cameroon-doubles-down-on-excluding-opposition-candidate-from-elections

[2] Cameroon releases provisional list of 13 candidates for presidential election, huaxia. https://english.news.cn/20250726/c73337a76308473f926d99d8a6cb8862/c.html

[3] فاروق حسين أبو ضيف، الكاميرون على مفترق طرق: انتخابات 2025م بين هيمنة النظام وتصاعُد التحديات الداخلية، قراءات أفريقية. https://shorturl.at/SJ0s9

[4] الكاميرون على مفترق طرق: انتخابات 2025م بين هيمنة النظام وتصاعُد التحديات الداخلية، مرجع سابق.

[5] Tiara Njamfa, Growing Pains (and Gains): How Cameroon’s Tech Scene is Jumping Through Hurdles and Prepping for Primetime, Included VC. https://medium.com/included-vc/where-growing-pains-mean-growing-gains-how-cameroons-tech-scene-is-jumping-through-hurdles-and-98b7c94ea489

[6] Preventing Unrest in the Run-up to Cameroon’s Presidential Poll, International Crisis Group. https://www.crisisgroup.org/africa/central-africa/cameroon/b206-preventing-unrest-run-up-cameroons-presidential-poll

[7] Cameroon: Change is Coming but More of the Same? 2025 Elections, Africa Center for Strategic Studies. https://africacenter.org/spotlight/2025-elections/cameroon/

[8] [8] Inside Cameroon’s Secret Push for Constitutional Reform, The Africa Report. https://www.theafricareport.com/381363/inside-cameroons-secret-push-for-constitutional-reform/

[9] Cameroon’s Secret Constitutional Reforms: Power Reshuffle, Vice Presidency, and the Dual Citizenship Debate, Cameroon Online. https://www.cameroononline.org/cameroons-secret-constitutional-reforms-power-reshuffle-vice-presidency-and-the-dual-citizenship-debate/

[10] Cameroon’s President Wins Backing to Delay Legislative, Local Polls, Reuters. https://www.reuters.com/world/africa/cameroons-president-wins-backing-delay-legislative-local-polls-2024-07-09/

[11] Head of State’s 2025 New Year Message to the Nation, Presidency of the Republic of Cameroon. https://www.prc.cm/en/news/speeches-of-the-president/7577-head-of-state-s-2025-new-year-message-to-the-nation

[12] Farouk Hussein Abo Deif, Cameroon at a Crossroads: 2025 Election Amidst Regime Dominance and Escalating Crises, African narratives. https://africannarratives.org/cameroon-at-a-crossroads-2025-election-amidst-regime-dominance-and-escalating-crises

[13] Paul Njie, Is the world’s oldest leader set for an eighth term?, BBC. https://www.bbc.com/news/articles/c1kzvjyljwjo

[14] Is the world’s oldest leader set for an eighth term?, IBID.

[15] Is the world’s oldest leader set for an eighth term?, IBID.

[16] Is the world’s oldest leader set for an eighth term?, IBID.

[17] Nick Ericsson, ‘Nowhere is safe’ – Cameroonians trapped between separatists and soldiers, BBC. https://www.bbc.com/news/articles/c6296pp1p6wo

[18] Jeune Afrique, Cameroon’s Paul Biya heads to Switzerland, three weeks before the election, The Africa Report. https://www.theafricareport.com/392841/cameroons-paul-biya-heads-to-switzerland-three-weeks-before-the-election/

[19] Tansa Mus, Cameroon’s Biya signs law allowing third term bid, Reuters. https://www.reuters.com/article/economy/cameroons-biya-signs-law-allowing-third-term-bid-idUSL15296024/?utm_source=chatgpt.com

[20] أكبر رئيس في العالم يسعى لولاية ثامنة، بي بي سي عربي. https://www.bbc.com/arabic/articles/cx2n1n4n4q4o

[21] Farouk Hussein Abou Deif, Le Cameroun à la croisée des chemins: Les élections de 2025 entre l’hégémonie du régime et les défis internes croissants, Afrique Centrale. https://qiraatafrican.com/fr/15341/15341/

[22] Amr Rashad Ismail, Will the presidential elections in Cameroon lead to real change, Democratic Arabic Center. https://democraticac.de/?p=106277

[23] Will the presidential elections in Cameroon lead to real change, ibid.

[24] Cameroon: Change is Coming but More of the Same? 2025 Elections, Africa Center for Strategic Studies. https://africacenter.org/spotlight/2025-elections/cameroon/

[25] Cameroon Country Briefing – January 2024, Squarespace.

https://static1.squarespace.com/static/632482dc1b943212b681b181/t/67f7b69fe921fe48ddd59994/1744287391280/Cameroon+Country+Briefing+-+Jan+2024.pdf

[26] Cameroon at a Crossroads: 2025 Election Amidst Regime Dominance and Escalating Crises, ibid.

[27] Cameroon May Soon Lurch into Crisis. Here’s How the US Can Help Steer It Away, Atlantic Council. https://www.atlanticcouncil.org/blogs/africasource/cameroon-may-soon-lurch-into-crisis-heres-how-the-us-can-help-steer-it-away/

[28] Le Cameroun à la croisée des chemins: Les élections de 2025 entre l’hégémonie du régime et les défis internes croissants, ibid.

[29] Cameroon at a Crossroads: 2025 Election Amidst Regime Dominance and Escalating Crises, ibid.

[30] Le Cameroun à la croisée des chemins: Les élections de 2025 entre l’hégémonie du régime et les défis internes croissants, ibid.

[31] Cameroon at a Crossroads: 2025 Election Amidst Regime Dominance and Escalating Crises, ibid.

[32] Le Cameroun à la croisée des chemins: Les élections de 2025 entre l’hégémonie du régime et les défis internes croissants, ibid.

[33] Cameroon at a Crossroads: 2025 Election Amidst Regime Dominance and Escalating Crises, Ibid.

[34] Will the presidential elections in Cameroon lead to real change, Ibid.

[35] Cameroon at a Crossroads: 2025 Election Amidst Regime Dominance and Escalating Crises, Ibid.

المواضيع ذات الصلة