جاءت عملية استهداف قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري في الثالث من يناير 2020 بواسطة قصف صاروخي بالقرب من مطار بغداد لتؤسس لتحول جديد في استراتيجية واشنطن تجاه إيران ووكلائها في المنطقة، وتستهدف استعادة هيبة الردع الأمريكية ومصداقيتها، خاصة بعد السلوك العدائي الذي مارسته طهران، والميليشيات التابعة لها في أكثر من منطقة على مدار ما يزيد عن عام ونصف، وتحديداً منذ انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي في مايو 2018 دون رد مناسب من جانبها على تحركات طهران في المنطقة ما أوجد لدى الأخيرة انطباعاً بأنها في موقف أقوى يتيح لها التمادي في سياساتها التصعيدية وأنشطتها التخريبية دون “رادع” يثنيها.
ورغم أن عملية اغتيال سليماني جاءت رداً على هذا السلوك العدائي الذي تصاعدت وتيرته بصورة لافتة في شهر ديسمبر 2019، وخاصة بعد الهجمات المتتالية التي تعرضت لها المصالح الأمريكية في العراق، نتيجة قيام ميليشيات الحشد الشعبي، التابعة لإيران، باستهداف القاعدة العسكرية العراقية – الأمريكية (K-1)؛ إلا أن تصريحات العديد من المسؤولين السياسيين والعسكريين الأمريكيين التي أعقبت هذه العملية تشير بوضوح إلى أن واشنطن ستواصل هذا النهج إذا تمادت إيران في سياساتها العدائية وممارسة أنشطتها التخريبية، ما يعني أن ثمة تحولاً في استراتيجية الردع الأمريكية، والتي ستكون المحدد الرئيسي في فهم ديناميكيات الصراع الأمريكي- الإيراني خلال الفترة المقبلة. فما هي أبعاد هذه الاستراتيجية؟ وما هي أدواتها الرئيسية؟ وما هي خيارات إيران في التعامل معها؟