شهد العقدان الأخيران انفجارًا معرفيا غير مسبوق في حقول متباينة من الفكر الإنساني من الفلسفة إلى العلوم الاجتماعية، ومن دراسات الأمن القومي إلى الذكاء الاصطناعي وأخلاقياته. هذا الانفجار لا يقتصر على الكم وإنما يتمثل في التحولات النوعية التي فرضت على الباحثين إعادة التفكير في أدواتهم النظرية ومناهجهم التحليلية، وفي إعادة تحديد موقع الإنسان في مواجهة عوالم رقمية معقدة، أو في مواجهة تهديدات غير تقليدية للأمن والسلم الاجتماعي النشرة الراهنة لمتابعة الإنتاج المعرفي لشهر أكتوبر 2025 تأتي في هذا السياق لتقدم للقارئ العربي والعالمي أبرز ما صدر حديثا من أعمال باتت بالفعل علامات فارقة في حقولها ، أو على الأقل نصوصا تأسيسية الإعادة النقاش.
من أبرز القضايا التي تتصدر المشهد البحثي العالمي اليوم مسألة التضليل والأمن القومي. فقد بات التضليل المعلوماتي ليس مجرد أداة جانبية في الحملات الإعلامية، وإنما صار قلب الحروب الهجينة. كتاب Routledge يمثل هنا علامة Handbook of Disinformation and National Security بارزة، إذ يجمع بين النظرية والتاريخ والتطبيق في معالجة شاملة للتضليل باعتباره تهديدًا وجوديًا للديمقراطيات وللنظام الدولي. أهمية هذا العمل تكمن في كونه لا يدرس التضليل من زاوية تقنية بحتة، وإنما يربطه بسياقات اجتماعية وثقافية ونفسية، ما يكشف أن المعركة الحقيقية ليست مع الأكاذيب بقدر ما هي مع هشاشة البنى الذهنية والمجتمعية. في هذا المعنى يصبح التضليل امتدادًا للحرب الإدراكية، ويتحول تفكيكه إلى جزء من الدفاع عن الحقيقة كقيمة إنسانية.