أكدت الشيخة اليازية بنت نهيان بن مبارك آل نهيان، أن الرواية العربية المعاصرة تُعد فضاءً مشتركاً يلتقي فيه الخيال بالمعرفة، والحلم بالفكر، مشددةً على أن الأعمال السردية الحديثة، وخصوصاً النسائية منها، باتت تسهم بشكل جوهري في تشكيل ذائقة القارئ العربي وتوسيع فضاءاته الإدراكية عبر طرح رؤى فلسفية عميقة تمتد من مشرق العالم العربي إلى مغربه.
جاء ذلك في دراسة تحليلية للشيخة اليازية بنت نهيان، أصدرها مركز تريندز للبحوث والاستشارات، تزامنا مع اليوم العالمي للفلسفة بعنوان «التجليات الفلسفية في الرواية العربية المعاصرة: دراسة تحليلية في روايتَي “تراب سخون” و”سرمدان”».
تحليل مقارن بين الواقع والأسطورة
سلطت الدراسة الضوء على عملين روائيين بارزين يمثلان اتجاهين فلسفيين متكاملين؛ الأول رواية “تراب سخون” للكاتبة التونسية أميرة غنيم، التي تطرح أسئلة الذاكرة والسلطة والاختيار من خلال استحضار التاريخ التونسي وشخصيات مثل الحبيب بورقيبة، حيث يتحول “التراب الحار” إلى استعارة لما تخفيه الأرض من آلام وأسرار.
أما العمل الثاني فهو رواية “سرمدان” للكاتبة الأردنية-الفلسطينية جمانة مصطفى، التي تتخذ من العوالم الخارقة والأسطورة أرضاً للسرد، طارحةً أسئلة الوجود والعدم والإيمان في عالم تتعايش فيه المخلوقات الأسطورية وتواجه تهديداً وجودياً.
الوجودية الفردية والكونية
وأوضحت الشيخة اليازية في دراستها أن الروايتين تقدمان مقاربات فلسفية وجودية متباينة؛ إذ تجسد “تراب سخون” الوجودية الفردية، حيث تواجه الذات ذاتها وتصبح الذاكرة فعلاً للمقاومة واستعادة الهوية، بينما تمثل “سرمدان” الوجودية الكونية/الكلية، التي يتجاوز فيها الكائن حدود العقل ليبلغ وعياً قائماً على الإيمان والحدس في مواجهة الفناء.
واستندت الدراسة إلى مرجعيات فلسفية متنوعة، رابطةً بين السرد الروائي وأفكار فلاسفة كبار مثل مارتن هايدغر، وسارتر، وكيركغارد، إضافة إلى الإشراق الصوفي عند السهروردي، مؤكدة أن الفلسفة في هذه الأعمال ليست دخيلة، بل هي أداة لاستكشاف الإنسان والعالم.
الزمن والذاكرة والآخر
وتعمقت الدراسة في تحليل مفهومي “الزمان والمكان”؛ ففي الرواية التونسية يظهر الزمن كفعل استعادة، وتتداخل الذاكرة الشخصية بالوطنية، أما في الرواية الأردنية، فالزمن والذاكرة يخضعان للمحو من أجل ولادة وجود جديد في عالم الخيال. كما ناقشت الدراسة إشكالية “الآخر”، معتبرة أن الصراع في النصوص المدروسة ليس مجرد عداء، بل ضرورة وجودية لاكتشاف الذات واختبار هشاشتها أو صلابتها.
دعوة لدمج الرواية في المناهج الفلسفية
واختتمت الشيخة اليازية بنت نهيان دراستها بطرح تساؤل جوهري حول إمكانية بناء وعي ثقافي وتربوي متكامل دون حضور الرواية العربية في عملية التنشئة الفكرية.
ودعت الدراسة في توصياتها الختامية إلى ضرورة أن ينال الأدب العربي الحديث مكانته في الدرس الفلسفي والمناهج الأكاديمية، ليس بوصفه إرثاً جمالياً فحسب، بل كفضاء معرفي يساهم في بناء الأسئلة وتنمية التفكير النقدي، مؤكدة أن اللغة العربية بثرائها المجازي قادرة على الارتقاء بالمعنى من مستوى التصوير إلى مستوى التفكير الفلسفي العميق.