اتجاهات اقتصادية

الأتمتة ومستقبل المزاحمة بين الإنسان والآلة: رؤية تحليلية استشرافية

21 مايو 2023

Publication Thumb

ISBN: 978-9948-794-95-0

د.إ 10

ملخص تنفيذي

من بين العديد من الاتجاهات العالمية الكبرى في عالمنا المعاصر، يبرز حاليا التحول إلى الاعتماد المفرط على الآلات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، بديلًا مـن الجهد العضلي والذهني للإنسان. ولقد بات العامل البشري حائرا بين سوق عمل يضيق بتيارات جديدة وافدة من العمالة الإنسانية، وبين وظائف ومهام يتم إلغاؤها يوميًا بفعل التوسع في الأتمتة في أنشطة المزارع والمصانع والقطاعات الخدمية، وصولاً إلى الأجهزة الحكومية نفسها. فها هي ملايين الوظائف التي تم إلغاؤها ولم تعد مطروحة في سوق العمل، وتلك المهارات الجديـدة التـي يجـب اكتسابها بوصفها متطلبًا أساسيًا عند البحث عن الوظائف الشاغرة. وبينما تتفاقم الأعباء على عاتق العمالة البشرية، فإن سؤالًا مُلِحًا بات يؤرق الباحثين في المستقبليات وفي الاتجاهات الكبرى هل سيصل العالم بالفعل إلى الوقت الذي تختفي فيه العمالة البشرية بصورة شبه كاملة، وتنتصر الآلات، وتسود الأتمتة؟

إن الإجابة على هذا التساؤل الرئيسي وما يطرحه من تساؤلات فرعيـة، هـي الخط الناظم لتفاصيل هذه الدراسة ومحتوياتها وما استقرت عليـه مـن موضوعات ومحاور. فلقد انطلقت الدراسة من عرض ملخص التاريخ المزاحمة ومحاولات التكامل بين الآلة والعامل البشري. وفي هذا المحور، ذكرت الدراسة أن قضية المزاحمة، وإن كانت حدتها قد زادت وتسارعت في العقود الأخيرة فإنها ليست بالأمر الجديد على الإنسان. فالثورة الصناعية في مهدها الأول في أوروبا الغربية كانت خير شاهد على فداحة ما تخلقه الآلة من تحديات أمام الوظائف البشرية. لكن لهذا التاريخ وجهة نظر أخرى أثبتتها الدراسة في هـذا الجزء؛ ألا وهي أن التحول إلى الأتمتة يخلـق بـدوره وظائف جديدة بقـدر مـا يلغي من وظائف قديمة؛ أي إن أثره كان متعادلا على سوق العمل في مواطـن الثورة الصناعية وبالإضافة إلى ذلك تطرقت الدراسة - باقتضاب - إلى مسوغات التحول التاريخي صوب الأتمتة ودوافعه، وإلى أسباب الاعتماد على الآلات وحَصَرَتْها في أهداف الانتصار في حلبة التنافس الدولي والوفورات التي تخلقها الآلات بالمقارنة بالجهد البشري والقدرات العالية على التكيف مع ظروف الأسواق المحلية والدولية.

وفي المحور التالي من موضوعات الدراسة، كان التركيز عـلى تناول مظاهـر الأتمتة وقضاياها ومؤشراتها في القرن الحادي والعشرين. وحيث إن هناك مؤشرات حديثة حول هذه الظاهرة القديمة، فإن الغالبية العظمى من هذه المؤشرات هي من النوع البديل أو غير المباشر) الذي يحاول الاستدلال ببعض المظاهر على إلغاء الوظائف بسبب شيوع الاعتماد على الآلات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي. وبالاعتماد على تحليل عيّنة من التجارب الدولية المتنوعة بين الدول المتقدمة والدول الآخذة في النمو بدءًا من الاقتصاد الأمريكي وصولا إلى الاقتصاد الأندونيسي، فقد قسمت الدراسة هذا الموضوع إلى ثلاثة عناصر فرعية: أولها يرصد المؤشرات الكلية عن الأتمتة مثل مؤشرات الناتج الصناعي وإنتاجية العمال والصادرات فائقة التقنية وثاني هذه العناصر هو تحليل جغرافيا الأتمتة والتحول الحاصل في قطاعاتها الرئيسية. أما ثالث هذه العناصر فقد استهدف تسجيل بعض الملاحظات العامة حول مؤشرات الأتمتة المختارة، مثل منهجية المؤشرات البديلة (غير المباشرة الراصدة لهذه الظاهرة، ونسبية التحول للأتمتة في الاقتصادات الآخذة في النمو، مع الإشارة إلى أن الأتمتة - بوصفها أحد التوجهات العالمية الكبرى - ينبغي النظر إليها بصفتها وسيلة وليست غاية في حد ذاتها.

وبعد ذلك تصدت الدراسة لتحليل تداعيات الأتمتة على سوق العمل من واقع ما استنتجته من ملاحظات مستخرجة من بعض التجارب الدولية الداخلة ضمن عينة الدراسة. وفي هذا الجزء، عرضت الدراسة لأهم مؤشرات البطالة في صفوف العمال؛ لكي تقارنها بمؤشرات الأتمتة في دول العيّنة نفسها. فلقد تأملت الدراسة في تطورات البطالة بصورة إجمالية، وفي بطالة العمالة ذات المستويات...