تتطلب ظاهرة التطرف والإرهاب استجابة منسقة على الصعيد الدولي، نظرًا لأنها تشكل تحديًا عالميًّا يهدد الأمن والاستقرار. ومن هذا المنطلق، تدعم الحكومة الاتحادية الألمانية تطوير تدابير عملية وفعالة لمكافحة الإرهاب على المستوى الدولي، وفي إطار التزاماتها بوصفها عضوًا في التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، تُسهم ألمانيا أيضًا بموارد عسكرية في الحرب ضد التنظيم.
إن نجاح مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف واستدامتها يتطلبان نهجًا شاملًا يشمل المجتمع بأكمله، مع مراعاة الأسباب السياسية والاجتماعية والاقتصادية للتطرف، بهدف تعزيز المجتمع المدني والهياكل الدستورية. ويُعد احترام حقوق الإنسان عنصرًا محوريًّا في هذه الجهود، حيث تلتزم ألمانيا بضمان معالجة جميع أشكال التطرف العنيف والإرهاب، بما في ذلك التطرف العابر للحدود والإرهاب اليميني والعنيف.
وعلى المستوى الأوروبي، التزمت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بمكافحة الإرهاب بشكل مشترك، وتوفير أقصى حماية لمواطنيها. وتهدف استراتيجية الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب لعام 2005 إلى تعزيز الأمن وحقوق الإنسان في الوقت ذاته، وتمكين المواطنين من العيش في بيئة تجمع بين الحرية والأمان والعدالة.
وعُين في سبتمبر 2007 منسق لمكافحة الإرهاب في إطار السياسة الخارجية والأمنية المشتركة للاتحاد الأوروبي، لتنسيق المواقف عبر مناقشات متعددة الأطراف وثنائية، تشمل دائرة العمل الخارجي الأوروبية والمفوضية الأوروبية. كما تُعد استنتاجات المجلس الأوروبي بشأن منع ومكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، الصادرة في يونيو 2020، نقطة مرجعية مهمة في هذا المجال. ويُنفذ الاتحاد الأوروبي قائمة عقوبات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بالإضافة إلى قائمته الخاصة بالأشخاص والمنظمات الخاضعة للتدابير التقييدية[1].
واقع تهديد التطرف الإسلاموي في ألمانيا
لايزال خطر التطرف الإسلاموي في ألمانيا قائمًا ويتصاعد في ضوء التطورات الإقليمية والدولية. يتجلى هذا التهديد عبر طيف واسع من الفاعلين، بدءًا من منفذين أفراد ذوي دوافع متطرفة وصولًا إلى شبكات وجماعات منظمة، مع احتمالية وقوع هجمات فردية بسيطة إلى جانب سيناريوهات عمليات أكثر تعقيدًا.
ومن أبرز المستجدات الأمنية بروز نشاط فروع تنظيم “داعش” في الخارج، حيث تتزايد المؤشرات على استهداف أوروبا وألمانيا ضمن استراتيجياتها لتعزيز مكانتها في المشهد الجهادي الدولي.
يظل التيار السلفي المكون الأكبر من الفاعلين الإسلامويين في ألمانيا، مع نحو 10,500 مناصر. ورغم تراجع عددي طفيف في السنوات الأخيرة، عاود نشاطه الظهور عام 2023، خصوصًا عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. وقد حقق مؤثرو التيار انتشارًا ملحوظًا بين الشباب من خلال خطابات هوياتية وشعبوية.
كما كثفت جماعات أخرى أنشطتها مؤخرًا، مستخدمةً سرديات أكثر تطرفًا عبر ربط قضايا الدين بالهوية ومفاهيم “التمييز الممنهج”، ما يُسهم في تعميق شعور الاغتراب لدى قطاعات شبابية معينة.
يبقى المشهد الإسلاموي في ألمانيا متعدد الأبعاد: تهديدات ميدانية بهجمات محتملة، ونشاط دعائي رقمي متنامٍ، واستراتيجيات تمويل سرية عابرة للحدود. كل ذلك يستدعي تعزيز التنسيق الوطني والأوروبي في مجالات المراقبة الاستخباراتية، ومكافحة التطرف الرقمي، والتصدي للبنى التحتية المالية الداعمة للجماعات المتطرفة[2].
مشهد التطرف اليميني واليمين الشعبوي
يظهر في مشهد التطرف اليميني واليمين الشعبوي في ألمانيا تصاعدٌ ملحوظ. وفق تقرير “حماية الدستور” لعام 2024 الصادر عن المكتب الاتحادي لحماية الدستور (BfV)، سجل التقرير زيادة بنسبة 48% في الجرائم المرتبطة بالتطرف اليميني، حيث بلغ عددها 42,788 جريمة مقارنة بـ28,945 في عام 2023. ومن بين هذه الجرائم، صُنفت 37,835 جريمة بصفتها جرائم متطرفة يمينية، بما في ذلك 1,281 جريمة عنف، بزيادة 11.5% عن العام السابق.
تستمر الجماعات اليمينية المتطرفة في استهداف الأقليات، خاصة المهاجرين والجاليات اليهودية، حيث ارتفعت الجرائم المعادية للسامية بنسبة 36.5%، مسجلة 2,762 جريمة مقارنة بـ 2,023 في عام 2022. وعلى الرغم من انخفاض عدد الجرائم العنيفة المرتبطة بهذه الجرائم بنسبة 18.9%، إلا أن التهديد لا يزال قائمًا.
كما تواصل جماعات، مثل “Reichsbürger” و”Selbstverwalter”، نشر أفكارها المتطرفة، حيث سُجلت 1,292 جريمة مرتبطة بهذه الجماعات، بما في ذلك 149 جريمة عنف مثل الابتزاز والمقاومة ضد السلطات، بالإضافة إلى تهديدات واعتداءات جسدية.
تعتمد هذه الجماعات على نشر دعاية معادية للديمقراطية، مستغلة القضايا الاجتماعية مثل الهجرة والأزمات الاقتصادية لتعزيز خطابها الشعبوي. ويُظهر هذا التوجه تزايد التحديات الأمنية في ألمانيا، ما يستدعي تعزيز الجهود لمكافحة التطرف اليميني وحماية النظام الديمقراطي[3].
ويمتاز التطرف اليميني في ألمانيا بتنوع أيديولوجياته، من القومية ومعاداة السامية والعنصرية إلى العداء للأجانب. ويرى المتطرفون أن قيمة الشخص تتحدد بالجماعة العرقية أو الأمة التي ينتمي إليها، وهو ما يتعارض جوهريًّا مع القانون الأساسي. وتشكل القومية والعنصرية عنصرين أساسيين في أيديولوجيات النازيين الجدد، الذين يستلهمون “الرايخ الثالث” مرجعيةً لأهدافهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مع تفاوت التركيز على الاشتراكية القومية بين الجماعات المختلفة[4].
مكتب حماية الدستور الألماني: (BfV) مهامه وطريقة عمله
يُعد مكتب حماية الدستور الألماني (BfV) جهاز الاستخبارات الداخلية في ألمانيا، ويتولى مسؤولية كشف وتقييم التهديدات المرتبطة بالتطرف السياسي والإرهاب، إضافة إلى التهديدات الناجمة عن أنشطة التجسس، وذلك استباقًا لأي تدخل أو إجراءات شرطية. ويشمل عمل المكتب جمع المعلومات وتحليلها حول الحركات السياسية التي تهدد النظام الديمقراطي الحر، وأمن الدولة الاتحادية والولايات، أو السلامة العامة للبنية الوطنية.
ومن أمثلة جهود المكتب رصد نشاطات الجماعات المتطرفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والكشف عن شبكات تمويل سرية للجماعات المتطرفة، بالإضافة إلى إحباط مخططات اعتداءات محتملة قبل تنفيذها. كما يشارك المكتب في حماية المعلومات والأمن الداخلي ومنع التخريب، من خلال عمليات التدقيق الأمني للموظفين في المواقع الحساسة، مثل المؤسسات الدفاعية والمرافق الحيوية، لضمان عدم استغلال هذه المواقع لأي أنشطة تهدد الأمن.
يعتمد المكتب على مصادر متعددة، بدءًا بالمصادر المفتوحة مثل الصحف والإنترنت، وصولًا إلى وسائل استخباراتية قانونية تشمل المراقبة، والتنصت، وتوظيف عملاء سريين (V-Leute) للكشف عن الأنشطة المخفية للمتطرفين والإرهابيين. ومن الأمثلة العملية على ذلك، استخدام المكتب عملاء سريين لتعقب شبكات المتطرفين اليمينيين الذين يخططون لاعتداءات على الأقليات، أو جمع معلومات حول الجماعات السلفية التي تسعى لتجنيد الشباب عبر الإنترنت. ومع ذلك، لا يمتلك المكتب صلاحيات الشرطة مثل الاعتقال أو استخدام القوة الجبرية، بل يركز على جمع المعلومات وتحليلها بدقة.
ويعمل BfV بتعاون وثيق مع أجهزة حماية الدستور في الولايات، ومع الأجهزة الاستخباراتية الفدرالية الأخرى مثل الاستخبارات العسكرية (MAD) والاستخبارات الخارجية (BND)، لتوفير معلومات دقيقة للجهات المكلفة بالتصدي للتهديدات. كما يسعى المكتب إلى نشر الوعي العام حول المخاطر من خلال التقارير السنوية، مؤكدًا التزامه بحماية الدستور عبر التوعية والتقييم المستمر للتهديدات[5].
التنسيق داخل وكالات الأمن والاستخبارات الوطنية
يتولى قسم مكافحة التجسس التابع للمكتب الاتحادي لحماية الدستور (BfV) مهمة التعاون مع مختلف الهيئات الوطنية والدولية لضمان الأمن الداخلي وحماية الدولة من التهديدات المتنوعة. وعلى المستوى الوطني، يعمل القسم بتنسيق وثيق مع أجهزة الاستخبارات الداخلية للولايات الاتحادية (LfV)، وجهاز الاستخبارات الخارجية الألماني (BND)، والمكتب الاتحادي لمكافحة التجسس العسكري (BAMAD)، والمكتب الاتحادي للشرطة الجنائية (BKA)، والمدعي العام الاتحادي (GBA)، بالإضافة إلى وكالات أخرى تتبع مختلف الوزارات.
يقوم المكتب الاتحادي لحماية الدستور بتبادل المعلومات بانتظام وفق الحاجة، على المستويين الأوروبي والدولي، ما يتيح الحصول على معلومات استخباراتية جديدة، ويعزز مرونة المكتب في الاستجابة للمخاطر الأمنية والتكيف معها. ويُعد هذا التنسيق محوريًّا لمواجهة محاولات أجهزة الاستخبارات الأجنبية تنفيذ أجنداتها الخفية وفرض نفوذها داخل ألمانيا.
تُشكل التطورات الجيوسياسية والتحالفات والمنافسات الدولية الجديدة، إلى جانب التقدم التكنولوجي، تحديات إضافية لقسم مكافحة التجسس في (BfV)، ما يتطلب تبني نهجٍ استباقي وحذر، مع التركيز على تعزيز قدرات المراقبة والتحليل الاستخباراتي لضمان حماية الدولة والمجتمع من التهديدات الناشئة [6].
التحديات
التوتر بين الحقوق الأساسية و”الديمقراطية”: تعمل ألمانيا وفق مفهوم “الديمقراطية النضالية”، الذي يسمح بتقييد الحريات الديمقراطية لحماية النظام الديمقراطي من التهديدات المتطرفة. ويُثير هذا النهج توترًا جوهريًّا مع الضمانات الدستورية لحريات مثل حرية التعبير والتجمع، ما يُصعّب تنفيذ التدابير دون المساس بهذه الحقوق.
وفيما يخص تحديات حظر الجماعات وتجريم الذات، يُعد الطعن في حظر جماعة متطرفة أمرًا صعبًا؛ لأنه يتطلب إثبات انتهاك حقوقهم الأساسية. ومع ذلك، قد يؤدي الاعتراف بعضوية أو دعم الجماعة المحظورة إلى الملاحقة الجنائية. وهذا يُنشئ معضلة قانونية حيث يجد الأفراد أنفسهم بين خيارين: المطالبة بحقوقهم، أو تجنب التهم الجنائية.
التحديات في مواجهة التطرف وحماية النظام الديمقراطي في ألمانيا:
1. الموازنة بين الحريات الديمقراطية وحماية النظام الديمقراطي
تمثل الموازنة بين الحقوق الأساسية وحماية النظام الديمقراطي أحد أبرز التحديات التي تواجه ألمانيا. ويعمل القانون الألماني وفق مفهوم “الديمقراطية النضالية”، الذي يسمح بتقييد بعض الحريات الديمقراطية لحماية النظام الديمقراطي من التهديدات المتطرفة. ورغم أهمية هذا النهج في حماية الدولة، فإنه يثير توترًا جوهريًّا مع الضمانات الدستورية، مثل حرية التعبير والتجمع، ما يصعّب تطبيق التدابير الأمنية دون المساس بالحقوق الأساسية للمواطنين.
وتبرز هذه المعضلة بوضوح عند حظر الجماعات المتطرفة وتجريم الانتماء إليها. فإثبات الانتهاكات المرتبطة بالعضوية في جماعة محظورة قد يواجه الطعون القانونية؛ حيث يتعين إثبات تجاوز حقوق الأفراد الأساسية. ومع ذلك، قد يؤدي الاعتراف بالعضوية أو تقديم الدعم للجماعات المحظورة إلى الملاحقة الجنائية، ما يضع الأفراد بين خيارين متناقضين: الدفاع عن حقوقهم الدستورية، أو تجنب التهم القانونية. ويعكس هذا طبيعةً دقيقةً وحساسةً للتدخلات القانونية في إطار حماية الديمقراطية.
2. التحديات المرتبطة بالتطرف الإسلاموي واليمين الشعبوي
تظل التحديات الأمنية المرتبطة بالتطرف الإسلاموي ملموسةً، وتتطلب توظيف الموارد الدستورية للدولة كافة. لكن المبالغة في ردود الفعل قد تؤدي إلى نتائجَ عكسيةً، إذ تغذي خطاب الكراهية وتعمّق التمييز الاجتماعي. ومن الأمثلة على ذلك الهجوم المأساوي في مدينة “زولينغن” في 23 أغسطس 2024، حيث طعن مهاجم عددًا من الأشخاص، ما أسفر عن مقتل ثلاثة وإصابة ثمانية، خلال مهرجان للاحتفاء بالذكرى 650 لتأسيس المدينة.
واستغل حزب “البديل من أجل ألمانيا” (AfD) الحادثة لطرح أجندته المعادية للمسلمين، مروجًا لترسانة خطابية تهدد التماسك الاجتماعي وتعزز الانقسام السياسي.
يشكل هذا الموقف معضلةً مزدوجةً: من جهة، يبرز التطرف الإسلاموي بوصفه خطرًا أمنيًّا واجتماعيًّا؛ ومن جهة أخرى، يتعزز خطاب اليمين المتطرف الشعبوي المعادي للمسلمين، ما يزيد من الاستقطاب ويضعف التماسك الاجتماعي. ويوضح هذا أن مكافحة التطرف لا تقتصر على الإجراءات الأمنية، بل تشمل أيضًا المسؤولية السياسية والأخلاقية للأحزاب والمؤسسات الديمقراطية، التي يجب أن تعمل على التصدي للأجندات الهدامة للتيارات الشعبوية واليمينية المتطرفة دون المساس بحقوق المواطنين المسلمين الأبرياء.
ومن هنا، يتضح أن مكافحة التطرف الإسلاموي تتطلب استراتيجيةً دقيقةً: التمييز بين الدين الإسلامي والجماعات التي تستخدم الدين وسيلةً لفرض أيديولوجيات متطرفة، مع ضمان عدم الترويج لمشاعر معادية للمسلمين؛ إذ إن هذا الخلط يهدد الاستقرار الاجتماعي ويضعف فعالية السياسات الأمنية[7].
3. فعالية برامج مكافحة التطرف والتحديات المرتبطة بها
على الرغم من الجهود المكثفة والبرامج المتنوعة لمكافحة التطرف، تبرز تحديات ملموسة تتعلق بفعالية هذه البرامج، خاصةً في مجال إعادة التأهيل وفك الارتباط عن الجماعات المتطرفة. فقد لوحظت حالات لأفراد عادوا إلى الانخراط في أنشطة متطرفة بعد إطلاق سراحهم من السجن، ما يثير تساؤلات حول جودة مبادرات إعادة التأهيل الحالية ومعدلات نجاحها. وهذا يشير إلى الحاجة إلى أطر قانونية منسقة وفعّالة لضمان تنفيذ السياسات على نحوٍ متكامل. ورغم امتلاك ألمانيا إطارًا قانونيًّا شاملًا لمكافحة الإرهاب، فإن التطبيق العملي لهذه القوانين وقياس مدى فعاليتها يمثلان تحديًا مستمرًّا.
تتطلب مواجهة أشكال الإرهاب كافة، بما في ذلك التطرف اليميني، تعزيز التنسيق بين التشريعات الوطنية والأطر القانونية الأوروبية، لضمان نهجٍ أكثر تماسكًا وفعالية. ويُعد الرصد والتدابير الاستباقية عنصرين أساسيين لتحديد ومراقبة الجماعات المتطرفة والجهات الفاعلة الفردية المحتملة، إلا أن هذه المهمة تزداد صعوبة في ظل استخدام الشبكات المتطرفة أساليبَ مبتكرةً للتخفي والتهرب.
وفي الوقت ذاته، تُستخدم المبادرات التعليمية والمجتمعية للوقاية الأولية من التطرف، لكن الانتقال من منع التطرف إلى ملاحقة الأفعال الإجرامية المحددة يظل مهمةً معقدةً، تستلزم جهودًا متواصلة للتكامل بين الوقاية والرصد والملاحقة القانونية[8].
4. تحديات رصد المقاتلين الأجانب والاتصالات المشفرة
تستمر صعوبة تتبع المقاتلين الألمان في مناطق النزاع، مثل العراق وسوريا، حتى عام 2025، بسبب استخدام الجماعات المتطرفة منصات اتصال مشفرة، ما يعيق المراقبة التقليدية ويعطل أساليب التتبع الاعتيادية. كما تُستخدم مسارات هجرة غير نظامية ووثائق مزورة للتهرب من السلطات، في حين تظل البيئة الأمنية الإقليمية متقلبة، ما يزيد من صعوبة مراقبة المقاتلين الأجانب العائدين وملاحقتهم قضائيًّا.
وحتى بعد انتهاء الحرب الأهلية السورية، تواصل الشبكات المتطرفة عملياتها وتجنيد مقاتلين جدد، مستفيدةً من التقنيات الرقمية لإعداد محتوى تعليمي وتبادله يوضح طرق التهرب من المراقبة. ويخلق الاعتماد المتزايد على منصات المراسلة المشفرة عوائقَ كبيرةً أمام وكالات مكافحة الإرهاب، ما يستلزم تطوير أدوات تحليلية وتقنية متقدمة لمواكبة هذه الأساليب وحماية الأمن الداخلي.
5. التحديات القانونية في مكافحة التطرف والإرهاب في ألمانيا
الإطار القانوني المقيد: ينص القانون الأساسي الألماني (Grundgesetz) على قيود صارمة لحماية حقوق المواطنين، بما في ذلك حرمة المراسلات والخصوصية.
فعلى سبيل المثال، لا يُسمح بالتنصت على الهواتف أو مراقبة البريد الإلكتروني إلا بموافقة قضائية صارمة، وغالبًا لفترات زمنية محدودة. وعلى الرغم من أهمية هذا الإطار للحفاظ على الديمقراطية، فإنه قد يبطئ سرعة استجابة الأجهزة الأمنية للتهديدات العاجلة، ويزيد من تعقيد التدابير الاستباقية.
صعوبة حظر التنظيمات المتطرفة: نجحت ألمانيا في حظر بعض الجمعيات المتطرفة، مثل “جمعية أنصار الدولية” عام 2021، إلا أن الإجراءات القضائية المتعلقة بالحظر غالبًا ما تكون معقدة وطويلة؛ إذ تتطلب إثبات أن نشاط المنظمة يهدد النظام الديمقراطي الحر. وبالمثل، يواجه حظر مجموعات اليمين المتطرف تحديات قانونية، خصوصًا أن العديد منها يتخفى تحت غطاء جمعيات ثقافية أو نوادٍ رياضية؛ ما يجعل كشف أهدافها الحقيقية أكثر صعوبة.
الإشكاليات القانونية في الملاحقة الوقائية: تواجه أجهزة الأمن قيودًا كبيرة عند مراقبة أفراد لا يتورطون مباشرة في أعمال إرهابية، ولكن يُشتبه في ارتباطهم الأيديولوجي أو التنظيمي بجماعات متطرفة. وفي هذه الحالات، يصعب تطبيق المراقبة أو الاعتقال الوقائي؛ ما يخلق فجوات في التعامل مع “المشتبه بهم المحتملين”، ويزيد من تعقيد استراتيجيات الوقاية[9].
حظر شبكة “أنصار الدولية” الإسلامية: في 5 مايو 2021، أعلن وزير الداخلية الاتحادي الأسبق هورست زيهوفر حظر شبكة “أنصار الدولية” الإسلامية، وشمل القرار عمليات تفتيش ومصادرة ممتلكات في عشر ولايات اتحادية. وقد طالت الإجراءات الجمعية نفسها والمنظمات المرتبطة بها؛ بهدف تعطيل نشاطها ومنع استغلالها لنشر الأيديولوجية المتطرفة. ويبرز هذا المثال التوازن الدقيق بين الحاجة إلى حماية الدولة من التهديدات الأمنية، واحترام الإجراءات القانونية لضمان حقوق الأفراد.
تصنيف العناصر الخطرة: أصبح مصطلح “التهديد” منذ 13 يناير 2020 عنصرًا أساسيًّا في لغة السلطات الأمنية الألمانية. وقد عرّفت الشرطة الجنائية في الولايات والمكتب الاتحادي للشرطة الجنائية مفهوم “التهديد المحتمل” على النحو التالي:
“التهديد المحتمل هو شخص تُبرر وقائعُ معينةٌ افتراضَ ارتكابه جرائمَ ذات دوافع سياسية بالغة الأهمية، ولاسيما تلك المنصوص عليها في المادة (100 أ) من قانون الإجراءات الجنائية”[10].
مراجعة قوانين الأمن الألمانية: أصدر معهد “ماكس بلانك لدراسة الجريمة والأمن والقانون” تقريره الشامل حول مراقبة السلطات الأمنية في ألمانيا يوم 6 مايو 2025، بعد عام من العمل المكثف. وهدفت الدراسة، التي كُلّف المعهد بها في أوائل 2024، إلى تقييم صلاحيات وتدابير المراقبة التي تتخذها سلطات الأمن وإنفاذ القانون، بما يشمل عمليات التفتيش ومراقبة الهواتف.
ركز التقرير على القوانين الفيدرالية وقوانين الولايات وقانون الإجراءات الجنائية، موضحًا شدة هذه الصلاحيات وفق معايير موضوعية، مثل أهمية البيانات المجمعة ومدة المراقبة المسموح بها، مع التأكيد على ضمانات حماية الأفراد، بما في ذلك الالتزام بحذف البيانات وتوثيقها بشكل قانوني. وقد قيّم الباحثون أكثر من 3,200 صلاحية قانونية يمكن للسلطات الأمنية إصدار أوامر بموجبها وتنفيذ تدابير المراقبة.[11]
قرارات المحكمة الدستورية الاتحادية: يجوز ترحيل الأشخاص الذين يشكلون تهديدًا لأمن ألمانيا، أو يُعتقد أنهم قادرون على تنفيذ هجمات إرهابية بموجب المادة (58 أ) من قانون الإقامة. وقد أكدت المحكمة الدستورية الاتحادية في كارلسروه عام 2017 أن هذا الحكم يتوافق مع القانون الأساسي[12].
اعتراضات قانونية وحدود المراقبة: تثير مراقبة الأشخاص المصنفين خطرين جدلًا قانونيًّا مستمرًّا؛ ففي يناير 2025 رأت المحكمة الدستورية الاتحادية أن بعض مواد قانون الشرطة في ولاية شمال الراين-وستفاليا تتجاوز ما يسمح به الدستور، وألغت فقرتين تتعلقان بآليات المراقبة. وتعود القضية إلى شخص انضم في شبابه إلى جماعة متطرفة، وحُكم عليه بالسجن في جريمة قتل غير عمد، ثم وُضع تحت مراقبة مشددة شملت التصوير السري في الأماكن العامة؛ ما أثر أيضًا في أشخاص من محيطه، وأثار اعتراضات قانونية وصلت إلى المحكمة التي شددت على ضرورة الموازنة بين متطلبات الأمن وحماية الحقوق الأساسية[13].
تعليق تصنيف حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD): في 8 مايو 2025، علّق المكتب الاتحادي لحماية الدستور (BfV) تصنيفه لحزب البديل من أجل ألمانيا حزبًا “يمينيًّا متطرفًا مؤكدًا”، بعد طلب عاجل من الحزب أمام المحكمة الإدارية في كولونيا بتاريخ 2 مايو 2025 للطعن في هذا التصنيف. ورغم تعليق التصنيف، استمر المكتب في متابعة الحزب بصفته “حالةً مشتبهًا فيها”، مؤكدًا التزامه بالمراقبة والشفافية القانونية.
وأشار زعيم الحزب في ساكسونيا السفلى إلى أن تعليق التصنيف يمثل تصحيحًا للتصنيف السابق، ويؤكد أن سيادة القانون في ألمانيا تعمل على نحوٍ سليم؛ ما يعكس التوازن بين حماية الديمقراطية ومراعاة الحقوق القانونية للأحزاب السياسية.
المحكمة الدستورية الاتحادية: يجوز ترحيل الأشخاص الذين يمثلون تهديدًا لأمن ألمانيا، أو يُعتقد أنهم قادرون على تنفيذ هجمات إرهابية في ألمانيا بموجب المادة (58 أ) من قانون الإقامة. وقضت المحكمة الدستورية الاتحادية في قرار نُشر في كارلسروه عام 2017 بأن هذا الحكم القانوني متوافق مع القانون الأساسي[14].
تقييم وقراءة مستقبلية
يعكس مشهد الإرهاب والتطرف في ألمانيا اليوم أزمات داخلية وخارجية متشابكة؛ فمن جهة، يظل خطر الجماعات المتطرفة قائمًا، وإن كان بدرجة أقل تنظيمًا مقارنة بذروة نشاطها بعد عام 2014، لكنه يتخذ أشكالًا متحوّرة تعتمد على “الذئاب المنفردة” والخلايا الصغيرة، المتأثرة بخطابات رقمية عابرة للحدود. ومن جهة أخرى، يظهر التطرف اليميني بوصفه تهديدًا لا يقل خطورة؛ إذ يمتزج النشاط السياسي فيه مع نزعات عنف مباشرة، مستغلًّا الاستقطاب الاجتماعي والخوف من الهجرة والأزمات الاقتصادية لصناعة بيئة خصبة للتجنيد والتأثير.
ويضع هذا الواقع ألمانيا أمام معضلة مركبة: كيف يمكن لدولة تقوم على أسس دستورية صارمة، تحمي الحقوق والحريات، أن تواجه تهديدات تتغذى على الفضاء المفتوح الذي توفره الديمقراطية نفسها؟
المقاربة المستقبلية:
تشير المؤشرات المستقبلية إلى أن مواجهة التطرف لن تقتصر على المقاربة الأمنية فحسب، بل ستتجه نحو استراتيجية شاملة تشمل إصلاحات قانونية دقيقة، وتطوير أدوات رقمية متقدمة، وتوسيع شراكات أوروبية ودولية لمواجهة التهديدات العابرة للحدود.
ويُرجح أن يكون المشهد الأمني المستقبلي مزيجًا من التقدم والانتكاسات، أو بتعبير آخر: نجاحًا في بعض مسارات الوقاية والتقليل من حدة الهجمات، يقابله استمرار التوتر حول حدود المراقبة وصلاحيات الأجهزة الأمنية، وما قد يثيره ذلك من جدل سياسي وقانوني دائم.
التحديات المجتمعية:
يبقى التحدي الأكبر داخليًّا، في المجتمع الألماني نفسه: كيف يمكن الحد من خطاب الكراهية، وتقليل جاذبية الجماعات المتطرفة لدى الشباب، في وقت تتزايد فيه التصدعات الاجتماعية؟ وتكمن الإجابة في قدرة الدولة على تطوير برامج وقائية فعّالة تصل إلى الفئات الأكثر عرضة للاستقطاب؛ مثل الشباب في الأحياء المهمشة أو العائدين من مناطق النزاع، مع توفير التمويل الكافي والدعم المؤسسي لهذه البرامج.
محاور الموازنة المستقبلية:
يتحدد مستقبل التدابير الأمنية والاجتماعية في ألمانيا بقدرتها على الموازنة بين أربعة محاور رئيسية:
- الأمن الفعال: منع الهجمات قبل وقوعها من خلال رصد متقدم وتعاون استخباراتي شامل.
- الوقاية المجتمعية: مواجهة الأفكار المتطرفة من جذورها عبر التعليم والحوار المجتمعي ومبادرات الاندماج.
- المرونة القانونية: تطوير أدوات قانونية إضافية تتيح معالجة التهديدات دون انتهاك الدستور.
- التعاون الأوروبي والدولي: تعزيز الفعالية عبر تبادل المعلومات والممارسات الأمنية مع الشركاء الدوليين.
التحدي الأكبر:
يقف المجتمع الألماني اليوم أمام مفترق طرق؛ فإما بناء نموذج متكامل يجمع بين الردع والوقاية ويحافظ على ثقة المواطنين، وإما الانزلاق إلى حلقة مفرغة من التهديدات الأمنية والاجتماعية. فالتهديد ليس في الإرهاب ذاته بوصفه فعلًا أمنيًّا، بل في إمكانية أن تتحول الديمقراطية والمجتمع إلى “ضحايا جانبية” في معركة طويلة الأمد مع التطرف.
واقع البرامج الحالية:
على الرغم من النجاح الملموس في الحد من العمليات الإرهابية الكبرى بفضل يقظة الأجهزة الأمنية وتطوير قدرات الرصد المبكر والتعاون الاستخباراتي، فإن برامج منع ومعالجة التطرف العنيف تواجه شكوكًا واسعة. ويعاني بعض هذه البرامج من ضعف التمويل، وفجوات في الوصول إلى الفئات الأكثر عرضة للاستقطاب؛ ما يبرز الحاجة إلى تقييم مستقل ومستمر لفاعلية الاستراتيجيات المتبعة.
إن هذا التناقض بين النجاح الأمني الفوري والقصور الوقائي طويل المدى يعكس تحديًا أساسيًّا للسياسة الألمانية: كيفية الانتقال من مجرد منع وقوع الهجمات إلى معالجة الجذور الاجتماعية والفكرية التي تغذي الإرهاب والتطرف العنيف.
توصيات لمواجهة التطرف والإرهاب في ألمانيا
1 . تعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية
- تطوير قنوات اتصال مركزية بين أجهزة حماية الدستور في الولايات والمكتب الفيدرالي (BfV)؛ لتسهيل تبادل المعلومات الاستخباراتية بشكلٍ سريعٍ وفعالٍ، مع وضع معايير واضحة لحماية حقوق المواطنين والخصوصية.
- اعتماد أنظمة مؤتمتةٍ وآمنةٍ لمعالجة البيانات الاستخباراتية، مع مراجعاتٍ دوريةٍ لضمان عدم استغلال المعلومات ضد مواطنين أبرياء.
- تشجيع التدريب المشترك للكوادر الأمنية والقانونية على الموازنة بين الأمن وحقوق الإنسان؛ لضمان توافق الإجراءات مع القوانين الدستورية.
2 . الوقاية المجتمعية وإعادة الإدماج
- توسيع برامج الوقاية المجتمعية والدعم النفسي والاجتماعي للفئات الهامشية الأكثر عرضة للاستقطاب، بما يشمل الإرشاد الأسري، وبرامج الشباب، وبرامج إعادة الإدماج للأفراد العائدين من مناطق النزاع.
- تنفيذ برامج توعية في المدارس والجامعات وأحياء المدن التي تشهد مستوياتٍ عاليةً من التطرف؛ لتعزيز الوعي المدني وقيم الديمقراطية.
- توظيف القيادات المحلية والمنظمات غير الحكومية لبناء شبكات وقاية اجتماعية تقلل من قدرة التنظيمات المتطرفة على استقطاب الأفراد.
3 . الرقابة على المحتوى الرقمي والتقنيات الحديثة
- تطوير أدواتٍ تقنيةٍ متقدمةٍ لمراقبة محتوى التطرف ونزعه عبر الإنترنت، مع التركيز على المنصات الرقمية الحديثة، وشبكات التواصل الاجتماعي، وتقنيات الذكاء الاصطناعي (AI).
- تعزيز التعاون مع مزودي خدمات الإنترنت على المستوى الأوروبي والدولي؛ لضمان إزالة المحتوى المتطرف بسرعة، وملاحقة الحسابات المرتبطة بالتجنيد والتحريض.
- وضع سياسات وقائية لمواجهة استغلال تقنيات الذكاء الاصطناعي في إنتاج محتوى دعائيٍ متطرفٍ؛ ما يوازن بين الحرية الرقمية وحماية الأمن العام.
4 . التعامل مع التطرف السياسي داخل الإطار الديمقراطي
- وضع قواعد واضحة لتصنيف المنظمات بوصفها “متطرفة” أو “مشبوهة”، مع ضمان الشفافية في الإجراءات القضائية والمراجعة القانونية المستمرة.
- تطوير برامج حوارية وإشراك المجتمع المدني لمواجهة الأيديولوجيات المتطرفة دون تقييد الحريات الأساسية، مع متابعة تطبيق سياسات متوازنة تقلل المخاطر دون خلق شعور بالتمييز ضد مجموعات معينة.
5 . تقييم الأداء والبحث الأكاديمي
- تطوير مؤشرات قياس الأداء لبرامج مكافحة التطرف والإرهاب؛ لتقييم فاعلية الاستراتيجيات المتبعة بشكل دوري.
- إجراء دراسات متابعة لتأثير السياسات، بما يشمل مراقبة الاتجاهات المجتمعية، وفعالية برامج الوقاية، ونجاعة التعاون الدولي.
- الاستثمار في أبحاث أكاديمية مستقلة حول التطرف والإرهاب؛ لتوجيه السياسات استنادًا إلى الأدلة الواقعية والبيانات الموضوعية.
[1] .Deutschland engagiert sich international gegen den Terrorismus. 19.04.2021 – Artikel, Bundesamt für Auswärtige .https://bit.ly/42SLO1U
[2]. Gefährdung durch den islamistischen Terrorismus, Bundes verfassungsschutz. verfassungsschutz.de/SharedDocs/publikationen/EN/reports-on-the-protection-of-the-constitution/2025-06-brief-summary-2024-report. https://bit.ly/4pKldy3
[3]. Brief summary 2024 Report on the Protection of the Constitution Facts and Trend, verfassungsschutz.de/SharedDocs/publikationen/EN/reports-on-the-protection-of-the-constitution/2025-06-brief. https://bit.ly/4gJSiWJ
[4]. Right-wing extremism, verfassungsschutz. de/EN/topics/right -wing- extremism, Bundesamtfür Verfassungschutz. https://bit.ly/4nLZd3S
[5] .Bundesamt für Verfassungsschutz, bund.de/ Shared Docs/ behoerden/DE/bfv.htm, Bundesministerium des Innern.https://bit.ly/4mAeWSV
[6]. Counter-intelligente, verfassungsschutz. de/EN/topics/counter -intelligence/counter-intelligence_node.html, Bundesamt für Verfassungsschutz https://bit.ly/4nPiSzZ
[7]. Islamisierung Deutschland -Realität oder Zerrbild? faz.net/aktuell/politik/inland/ warum -die- rede-von-der- islamisierung -ein-zerrbild- ist-110577410 .html, Von Mathias Rohe 24.09.2025- Frankfurter Zeitung.https://bit.ly/46tQ3mY
[8]. Faith and Fury: Rising Anti-Blasphemy Extremism in Europe and its Legal Implications, Merlina Herbach Research Fellow, Rule of Law – ICCT. https://bit.ly/3Iz1pgo,
[9] .The difficulty of tracking German fighters abroad, especially in Iraq and Syria 2025, Adrian Shtuni ,Associate Fellow, Preventing / Countering Violent Extremism – ICCT. https://bit.ly/3Kg08LI
[10]. The Islamic State in 2025: an Evolving Threat Facing a Waning Global Response, Adrian Shtuni ,Associate Fellow, Preventing / Countering Violent Extremism – ICCT, https://icct.nl/people/adrian-shtuni .https://bit.ly/47ZHG3L
[11]. From Radicalisation to Designation: The AfD’s Extremist Turn, From Radicalisation to Designation: The AfD’s Extremist TurnJulian Lanchès , Junior Research Fellow, Current and Emerging Threats – ICCT.https://bit.ly/46BrmFr.
[12]. Überwachungsmaßnahmen und Auskunftserteilung. bundesnetzagentur. de/DE/Fachthemen/Telekommunikation/OeffentlicheSicherheit/Ueberwachung_Auskunftsert/node. Bundesengezagentur. https://bit.ly/48zyWS8
[13] .Islamist network Ansaar International e.V., .bund.de/ SharedDocs/ pressemitteilungen /EN/2021/05 /verbotsverfahren, press release , Date: 05 May 2021.https://bit.ly/46JuuxN
[14]. “Gefährder, dieser Begriff taucht in aktuellen sicherheitspolitischen Debatten immer wieder auf. Doch wer ist damit eigentlich gemeint?, bpb.de/themen/migration-integration/kurzdossiers/migration-und-sicherheit, Daniela Hunold Jan Raudszus https://bit.ly/42Nncrl