ليس الإرهاب بالظاهرة الجديدة في التاريخ، ولا ارتباطه بالدين أمرا حادثا، فقد عرفت العديد من الأديان - منذ القدم - حركات من هذا الصنف، مثل حركة الزيلوت» في اليهودية، ومثلها الفرقة المعروفة باسم «الحشاشين» في الإسلام. لكن الظاهرة الإرهابية – كما عاشتها البشرية في الآونة الأخيرة - تُمثل ضَرْبًا من استثناء، وذلك إذا أخذنا بعين الاعتبار توسعها وانتشارها إلى أن شملت العالم كله تقريبا، وتحولت لتصبح هي الحدث الأبرز خلال عقدين كاملين من الزمان في القرن الحادي والعشرين، حتى ذهب بعضهم إلى اعتبارها الحرب العالمية الرابعة، بعــد كـل مــن الحــربـيـن المعروفتين ثم الحرب الباردة، وهذا وضع لا سابقة له في التاريخ.
وغني عن البيان أنه لم يحصل حتى الآن إجماع حول تعريف الإرهاب، لا لــدى الجهات التشريعية والقانونية، ولا في أوساط الدارسين والباحثين. ولكن يمكن بطريقة إجرائية أن نقترح تحديد الظاهرة الإرهابية في تجلّيها الأخير، انطلاقا من تداخل أربعة مكونات أساسية.
فالمكوّن الأول ذو طبيعة أيديولوجية، إذ يتمثل في وجود تأويل مخصوص، وهو تأويل حرفي وعنيف للدين الإسلامي، هو الذي يُطلق عليه مصطلح «الجهادية». ولئن ذهب بعض الباحثين إلى إرجاع الأيديولوجيا الجهادية، أو إلى ربطها بطبيعة الدين الإسلامي ذاته، أو إلى بعض التيارات التي ظهرت خلال تاريخه، مثل الخوارج والقرامطة والحشاشين، فإن معظم الباحثين يرى أن نشأتها الحديثة إنما تعود إلى تأسيس تنظيــم «الإخوان المسلمين سنة 1928، وعلى وجه الخصوص منذ أن تجدرَتْ أطروحات هذا التنظيم على يد سيد قطب، الذي اقتبس أفكار أبي الأعلى المودودي، وصاغها بطريقه جذابة في كتبه المشهورة التي انتشرت في العالم العربي انتشار النار في الهشيم، ثم انتشرت في العالم كله. وما فتئت هذه الأيديولوجيا تواصل تجذرها وتَطَرُّفها منذ ذلك التاريخ. ولم تكتف بهذا، بل إنها استقطبت تيارات دينية أخرى لاحقا، مثل الوهابية، أو بعض أنماط التدين المحلّي في إفريقيا وآسيا، فدفعت جزءًا من أنصار هذه التيارات إلى التطرف بدورهم، وغنمت في هذه الأثناء رسوحًا أكبر في كثير من المجتمعات المحلية. ولقـــد اكتسبت هذه الأيديولوجيا الجهادية خصائص وآليات باتت هي الآن محل درس عميق بعد أن كان يُسْتَهَان بأهميتها في السابق، أو يُكْتَفَى بمواجهتها مواجهة أمنية صرفة...