على مدى العقود الثلاثة الماضية، شهدت الصين معجزة اقتصادية؛ سواء في معدلات النمو الاقتصادي التي أنجزتها، أو في قدرات القطاعات الاقتصادية التي نوعتها، وبالأخص قدرات القطاع الصناعي. ويُعدُّ قطاع العقارات المسهم الرئيسي في تحقيق معدلات نمو مرتفعة للصين. إذ بينما أكدت المصادر الدولية أن إسهام القطاع العقاري في الناتج المحلي الإجمالي يبلغ نحو 6.1% لكن بالنظر إلى التشابك الواضح لهذا القطاع مع القطاعات الاقتصادية الأخرى، فإن العديد من التقديرات الدولية تخلص إلى أن إسهامه قد يصل إلى 30% من الناتج المحلي الإجمالي الصيني، ويُلاحظ أن سبب هذا التضخم في قطاع العقاري راجع إلى ارتفاع أعداد السكان الصينين والاتجاه نحو التحضر، والميراث الثقافي للصينين في امتلاك المنازل. وتشكل هذه العوامل مجتمعة الدافع لنمو هذا القطاع العقاري في الصين. وبالرغم من ذلك، فإن نمو القطاع العقاري في الصين كان محفوفًا بالعديد من المخاطر، كان أبرزها الاعتماد على الاقتراض وقد جاءت جائحة كوفيد - 19 اختبارًا حقيقيا للفقاعة العقارية في الصين؛ إذ انغلقت الصين على نفسها مقارنة بالفترات التي سبقت الجائحة، وشهد النمو الاقتصادي تباطؤا، وتراجعت مدخرات الأسر الصينية، وانخفضت أسعار العقارات مما كان له أكبر الأثر في تباطؤ نمو القطاع العقاري، ومن ثم النمو الاقتصادي الصيني.
وفي ضوء الواقع الراهن والتوجهات المحتملة لأداء القطاع العقاري الصيني حاولت الدراسة التعرف إلى أهم مصادر النمو في الاقتصاد الصيني، وأهم الأسباب الحقيقية التي أسهمت في دفع نمو القطاع العقاري، والأبعاد الاقتصادية للأزمة الحالية لهذا القطاع، إضافة إلى السيناريوهات المحتملة للنمو الصيني في ضوء تأزم سوق العقارات، ثم استعراض أهم التداعيات المحلية والعالمية المحتملة حال حدوث أزمة واسعة النطاق في القطاع العقاري الصيني.