Insight Image

تحليل نتائج الانتخابات البرلمانية في كوريا الجنوبية

12 أبريل 2024

تحليل نتائج الانتخابات البرلمانية في كوريا الجنوبية

12 أبريل 2024

أُجريت الانتخابات البرلمانية الكورية في 10 إبريل 2024؛ لانتخاب أعضاء الجمعية الوطنية الـ 300، في ظل استقطاب سياسي متزايد بين المعسكرين الليبرالي (يسار الوسط) بزعامة الحزب الديمقراطي، والمحافظ بزعامة حزب سلطة الشعب الحاكم، وارتفاع معدلات الصراع بين الرئيس الحالي “يون سوك يول” ومعارضيه، واستياء الناخبين من الحملات الانتخابية السلبية، وارتفاع معدل التضخم، وتباطؤ النمو الاقتصادي.

 وتقليديًّا، تُعدّ الانتخابات استفتاءً شعبيًّا ضمنيًّا على أداء الرئيس يون، الذي تولّى منصبه قبل نحو عامين؛ ومن هنا، حظيَت الانتخابات باهتمام كبير باعتبارها فرصة لقياس مستوى موافقة المواطنين الكوريين الجنوبيين على أداء الرئيس الحالي.

السياق:

تأخذ كوريا الجنوبية (لاحقًا: كوريا) بالنظام الرئاسي؛ فرئيس الجمهورية هو رأس الدولة ورئيس الحكومة، ويُنتخب مباشرة بطريقة الأغلبية النسبية لولاية واحدة مدتها 5 سنوات. وفي آخر انتخابات رئاسية أُجريت في 9 مارس 2022، تم انتخاب يون سوك يول، من حزب سلطة الشعب، رئيسًا بنسبة 48.6% من التصويت الشعبي، وبفارقٍ ضئيل أقل من 1% عن منافسه زعيم المعارضة “لي جاي ميونغ” من الحزب الديمقراطي، الذي حصل على 47.8% من الأصوات. ويُعيِّن رئيس الجمهورية بموافقة الجمعية الوطنية، رئيسَ الوزراء، الذي يُعدّ أكبر مساعدي الرئيس التنفيذيين. أما مجلس الوزراء، أو ما يُعرف بـ”مجلس الدولة” في كوريا، فيعيّنه رئيس الجمهورية بناءً على توصيةٍ من رئيس الوزراء[1].

وتلتئم الانتخابات التشريعية في كوريا الجنوبية كل أربع سنوات، وتنتظم على أساس نظام انتخابي مختلط؛ يجمع بين النظام الفردي ونظام القائمة النسبية. وطبقًا لهذا النظام الهجين، يتم انتخاب نحو 84.3% من أعضاء الجمعية الوطنية (253 عضوًا) بالنظام الفردي بطريقة الأكثرية أو الأغلبية النسبية في الدوائر الانتخابية. أما سائر المقاعد (47 مقعدًا)، فيتم انتخابهم بالقوائم الحزبية على المستوى الوطني (حيث تُعدّ البلاد كلّها دائرةً انتخابية واحدة) وبطريقة التمثيل النسبي. وبعبارة أخرى، تُقسَّم هذه المقاعد تناسبيًّا بين الأحزاب السياسية على أساس الأصوات التي حصلت عليها في الدوائر، بشرط تجاوز الحاجز الانتخابي؛ وهو أن يحصل الحزب على ما لا يقل عن 3% من مجموع الأصوات الصحيحة، أو على خمسة مقاعد في الدوائر الانتخابية “الفردية” على الأقل[2]. ووفقًا لتعديلات القانون الانتخابي لعام 2020، تم تخفيض السنّ القانونية لمن له حق التصويت إلى 18 عامًا؛ ما أتاح إضافة نحو مليون ناخب إضافي في انتخابات إبريل 2024[3].

وكما أشرْنا، جرت الانتخابات التشريعية في ظل مناخ من الاستقطاب السياسي المتزايد بين الليبراليين بقيادة زعيم المعارضة “لي جاي ميونغ” والمحافظين الذين يتزعمهم الرئيس “يون”، وصلت إلى تعرّض زعيم المعارضة، الخصم اللدود للرئيس، للطعن في الرقبة قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات[4].

وزاد من حالة الاستقطاب اتهامات الفساد السياسي التي طالت زعيم المعارضة ووزير العدل السابق زعيم حزب “إعادة بناء كوريا”، والسيدة الأولى كيم كيون-هي، والحملات الانتخابية السلبية التي وصلت إلى تهديد الرئيس بسجن بعض معارضيه، وتكثيف المعارضة التركيز على فشل الرئيس في إدارة الدولة، والاقتصاد، والمنازعات العمالية، وغلاء الأسعار، واتهامات الفساد لقرينة الرئيس.

وهكذا، كما أبانت الحملات الانتخابية، هيمنت القضايا الداخلية على الانتخابات، ولاسيَّما القضايا الاقتصادية وتلك المتعلقة بالفساد. فقد كانت أهم القضايا هي ارتفاع معدل التضخم (3.1% قبيل الانتخابات)، وزيادة أسعار المساكن، وتوفير القوة لاقتصاد البلاد المتباطئ الذي يعتمد على التصدير[5]. كما أن إضراب الأطباء المتدربين لفترات طويلة، بسبب خطط زيادة مقاعد كليات الطب، خيّم على السباق؛ في ظل سأَم الجمهور من المنازعات العمالية، برغم تأييد خطة الرئيس لإضافة المزيد من الأطباء[6].

الأحزاب المتنافسة:

تُعدّ الانتخابات الكورية من أقدم التجارب الانتخابية التعددية في آسيا. ولكن النظام الحزبي -كما هو نظام الحُكم- متأثرٌ بدرجةٍ كبيرة بالتجربة الأمريكية لعواملٍ تاريخية وثقافية يضيق المجال هنا عن شرحها. ومن أهم مظاهر التأثر تلك هو الثنائية الحزبية في كوريا بين حزب سلطة الشعب الذي يسيطر على مؤسسة الرئاسة، والحزب الديمقراطي الذي يمتلك الأغلبية منذ انتخابات 2020 في البرلمان. وليس هذا وحسب، بل إن الطبيعة الأيديولوجية للنظام الحزبي الكوري تتشابه مع التجربة الأمريكية؛ حيث الانقسام بين المحافظين (حزب سلطة الشعب) والليبراليين أو يسار الوسط (الحزب الديمقراطي)، ومن ثم الاستقطاب السياسي بينهما، بل والخصومة الكبيرة بين زعيمَي الحزبين. فكما هو الحال بين دونالد ترامب والرئيس جو بايدن، أصبح “لي جاي ميونغ” الخصم اللدود للرئيس “يون سوك يول”. بيْد أنّ هناك سمة خاصة تميز السياسة الكورية؛ وهي الانشقاقات الحزبية، التي وصلت إلى درجة تهديد الطبيعة الثنائية للنظام الحزبي الكوري. ويكفي أن نذكر أن الانتخابات البرلمانية في إبريل 2022 أسفرت عن فوز الحزب الديمقراطي (وحزبه التابع الذي كان معروفًا بـ “المنصّة The Platform”) بـ180مقعدًا، ولكن في عام 2023 انحسرت هذه المقاعد إلى 156 مقعدًا بسبب الانشقاقات الحزبية. وشهد الحزبان الرئيسيّان، قبل الأشهر الثلاثة السابقة من انتخابات إبريل 2024، انشقاقَين، ظهر على إِثْرهما حزبان جديدان، وهما: (1) حزب الإصلاح الجديد، منشقًّا عن حزب سلطة الشعب، والذي أسّسه لي جون سيوك، الرئيس السابق للحزب الحاكم، مع أعضاء الحزب الذين احتجّوا على قيادة الحزب الحاكم الموالية للرئيس “يول”. (2) حزب المستقبل الجديد المنشقّ عن الحزب الديمقراطي، الذي أسّسه “لي ناك يون”، رئيس الوزراء السابق في عهد الرئيس الديمقراطي “مون جاي إن” (2017-2022)؛ بسبب اعتقاده بتحول حزبه السابق إلى “درع مضاد للرصاص” لقائده “لي جاي ميونغ”، ورفض الأخير التنحّي، برغم خضوعه لتحقيق جنائي بتهم الفساد[7]. والواقع أنّ ظاهرة الانشقاقات الحزبية تلك، والناجمة عن فشل الإصلاحات الحزبية والفضائح السياسية والتصورات الشعبية السلبية للحزبين الكبيرين، يمكن أن تُغيّر ديناميكيات الانتخابات على المدى القصير، وتنطوي على مضامين أكبر تتعلق بالطموح السياسي، وضعف الديمقراطية[8].

 على أي حال، تنافَس في انتخابات إبريل 2024، إضافة إلى الحزبين الرئيسيّين، أحزاب إعادة بناء كوريا، والإصلاح الجديد، والمستقبل الجديد، والعدالة الخضراء، والحزب التقدّمي، والحرية، والوحدة. وفيما يأتي نبذة عن أهم هذه الأحزاب[9]:

الحزب الديمقراطي:

تأسس في مارس 2014 باسم تحالف السياسة الجديدة من أجل الديمقراطية، ولكن تم تغيير اسمه إلى الحزب الديمقراطي في ديسمبر 2015. وينتمي الحزب الديمقراطي إلى أحزاب يسار الوسط الليبرالية. ويدعو الحزب إلى التعامل الإيجابي مع كوريا الشمالية، وله بعض التحفظات على الوجود الأمريكي، والتحالف مع الولايات المتحدة، وإعادة توجيه السياسة الخارجية تجاه اليابان. ويتسم الحزب بأن جُلّ أنصاره من الشباب؛ ما يساعده في إدارة حملات شعبية قوية، ولاسيّما عبر الفضاء الإلكتروني، لمعارضة بعض سياسات أو قرارات الحكومة.

حزب سلطة الشعب:

يرجع تأسيس هذا الكيان الحزبي تاريخيًّا إلى عام 1997. وفي فبراير 2020، تم تشكيل حزب المستقبل المتحد United Future Party، عن طريق اندماج حزب الحرية الكوري، وحزب المحافظين الجديد، وحزب إلى الأمام من أجل المستقبل 4.0، إضافة إلى العديد من الأحزاب الصغيرة والمنظمات السياسية. وفي أغسطس 2020، تم تغيير اسم الحزب إلى حزب سلطة الشعب. وبالنسبة لتوجهاته الأيديولوجية، فهو حزب محافظ ويميني.

حزب إعادة بناء كوريا:

أسّسه قبل بضعة أسابيع من انتخابات إبريل 2024 وزيرُ العدل السابق، تشو كوك، المحكوم عليه بالسجن لمدة عامين بتهمة الفساد، والذي استأنف الحكم. وبالنسبة لتوجهاته الأيديولوجية، فهو حزب مناهض للنظام.

علاوة على ذلك، تشهد كوريا، بسبب نظامها الانتخابي المختلط، ظاهرة تشكيل الأحزاب التابعة (للحزبين الكبيرين) من أجل المنافسة على المقاعد المخصّصة للتمثيل النسبي (47 مقعدًا). ومن ثم، تجد أن أسماء الأحزاب المتنافسة على المقاعد الفردية تختلف عن نظيراتها المسجلة على سائر المقاعد؛ لا لشيء إلا لتعظيم حظوظ الأحزاب من المقاعد التي تُنتخب بالتمثيل النسبي. فقد شكّل الحزب الديمقراطي حزبًا تابعًا باسم الائتلاف الديمقراطي، فيما شكّل حزب سلطة الشعب حزبًا تابعًا باسم مستقبل الشعب.

نتائج الانتخابات:

جدول (1)

نتائج الانتخابات البرلمانية في كوريا الجنوبية (10 إبريل 2024)

التغير في المقاعد عدد المقاعد الحزب
2024 2003*
+ 19 175 156  الحزب الديمقراطي الكوري**
– 6 108 114  حزب سلطة الشعب***
+ 11 12 1 حزب إعادة بناء كوريا
جديد 3  الإصلاح الجديد
جديد 1 حزب المستقبل الجديد
-6 0 6 حزب   العدالة الخضراء
0 1 1 الحزب التقدمي 
-1 0 1  حزب الحرية والوحدة Liberty Unification Party
-9 0 9 المستقلّون
300  إجمالي مقاعد الجمعية الوطنية

* آخر تشكيلة للجمعية الوطنية عام 2023

** يتضمّن الائتلاف الديمقراطي

*** يتضمن تحالف حزب مستقبل الشعب

المصدر: إعداد الباحثين، اعتمادًا على نتائج الانتخابات التي أعلنتها وكالة يونهاب للأنباء.

ووفقًا للجنة الانتخابات الوطنية، بلغ حجم الهيئة الناخبة نحو 29.66 مليونًا، وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات 67%، وهي النسبة الأعلى منذ 32 عامًا؛ أي منذ عام 1992، عندما وصلت نسبة المشاركة إلى نحو 72%. ومقارنة بانتخابات 2020، التي بلغت نسبة المشاركة فيها 66.21%، زادت نسبة المشاركة في انتخابات 2024 بمقدار 0.8 نقطة مئوية[10]. وربّما يُعزى ذلك إلى نسبة المشاركة القياسية البالغة 31.28% في التصويت المبكر، وأصوات المواطنين الكوريين الجنوبيين في الخارج ومَن هم على متن السفن[11]. ويمكن تفسير زيادة المشاركة في الانتخابات إلى المصوّتين الجدد الذين قُدّروا بمليون صوت ممّن بلغو السنّ الانتخابي، وحالة الإثارة التي شهدتها الحملات الانتخابية، ومعدلات الصراع المرتفعة التي بلغتها العلاقة بين الحزبين الكبيرين[12].

وأسفرت الانتخابات عن زيادة الحزب الديمقراطي أغلبيته البرلمانية بحصوله على 175 مقعدًا، بنسبة 58.3% من مقاعد الجمعية الوطنية، لكنّه لم يؤمِّن سوى 26.7% من الأصوات. وطبقًا لوكالة يونهاب الكورية للأنباء، فاز “الحزب الديمقراطي” بـ161 مقعدًا في الدوائر الانتخابية الفردية، و14 مقعدًا من مقاعد التمثيل النسبي، عن طريق الحزب التابع (الائتلاف الديمقراطي). ومقارنة بآخر تشكيلة للجمعية الوطنية عام 2023، حقّق الحزب الديمقراطي 19 مقعدًا إضافيًّا؛ حيث كان يملك 156 مقعدًا.

أما حزب سلطة الشعب الحاكم، فقد حصل على 108 مقاعد، منها 90 مقعدًا في الدوائر الفردية، و19 مقعدًا من مقاعد التمثيل النسبي، عن طريق الحزب التابع (مستقبل الشعب). ومقارنة بآخر تشكيلة للجمعية الوطنية، خسر الحزب الحاكم ستة مقاعد، حيث كان يسيطر على 114 مقعدًا؛ ولكنّه انتزع ما يكفي من المقاعد؛ ما يجعله قادرًا على الحؤول بين المعارضة وامتلاك الأغلبية العظمى Super Majority أو أغلبية الثلثَين (200 مقعد) اللازمة لإجراء تعديلاتٍ دستورية، أو توجيه الاتهام للرئيس تمهيدً لعزله.

وإضافةً إلى النتائج “الكارثية” التي حقّقها الحزب الحاكم، كانت أهم النتائج المدوّية للانتخابات هي حصول حزب إعادة بناء كوريا على 12 مقعدًا، وخسارة حزب العدالة الخضراء مقاعده الستة التي كان يمتلكها منذ الانتخابات السابقة، وفقدان المستقلّين أيَّ تمثيل برلماني. وهكذا، فإنّ كتلة المعارضة الأوسع، التي تضمّ الحزب الديمقراطي وحزب إعادة بناء كوريا، تؤمّن نحو 188 مقعدًا.

وبالنسبة للحزبين الجديدين المنشقّين عن الحزبين الكبيرين، فقد فاز حزب الإصلاح الجديد بثلاثة مقاعد، فيما حصل حزب المستقبل الجديد على مقعد واحد[13].

تفسير النتائج واستقراء مضامينها:

تُعدّ نتائج الانتخابات انتكاسةً كبيرة لحزب سلطة الشعب الحاكم والرئيس “يون”. ولعلّ السؤال الآن: لماذا خسر الحزب الحاكم الانتخابات لمصلحة منافسه الحزب الديمقراطي؟

إضافةً إلى الأحوال الاقتصادية التي أُشير إليها سابقًا، كان التصويت الشعبي تعبيرًا عن سوء إدارة الحكم من قِبل الرئيس يون، ولاسيّما إدارته لإضراب الأطباء. فإضافة إلى فوزه بأقلّ هامش في تاريخ الانتخابات في كوريا الجنوبية، وقدره 0.73 نقطة مئوية في انتخابات 2022، فإنّ شعبية الرئيس، بعد أكثر من عامين من تولّيه منصبه، ظلّت منخفضة، لم تتجاوز 30%، أقل بنحو 18 نقطة مئوية عن نسبة التأييد الشعبي التي حصل عليها في الانتخابات (48%)؛ في دلالةٍ واضحة على السخط الشعبي على إدارته[14]. ولذلك نفهم أنه فور إعلان النتائج، تعهّد الرئيس يول بإصلاح إدارة شؤون الدولة، وتحقيق الاستقرار في الاقتصاد، وتعزيز سبل معيشة المواطنين[15].

ويمكن أنْ يُضاف إلى ذلك سوء إدارة الانتخابات من قِبل زعيم الحزب الحاكم. فقد كان هناك خلافات بين المكتب الرئاسي وزعيم الحزب المقرّب من الرئيس، هان دونج هون، على ترشيحات المرشحين وصلت إلى حدّ مطالبته بالاستقالة من قِبل الأعضاء الرئيسيين في الحزب[16]. ولذلك نفهم أنه إثْر إعلان نتائج الانتخابات، قدّم دونغ-هون استقالته ليتحمّل مسؤولية هزيمة حزبه في الانتخابات. كما أعلن المكتب الرئاسي تقديم رئيس الوزراء، ومجموعة من كبار مساعدي الرئيس، استقالاتهم أيضاً للسبب ذاته[17].

وبرغم أن الرئيس “يون” يشنّ حملةً ضد الفساد، فإن اتهامات الفساد التي طالت السيدة الأولى كيم كيون-هي، واستخدام الرئيس حق النقض ضد مشروع قانون تقدّمت به المعارضة في يناير 2024 لإجراء تحقيق خاص للنظر في الادعاءات ذات الصلة، كل ذلك أسهم بلا شك في تدنّي شعبية الرئيس والحزب الحاكم[18].

ومن المرجح أن تتزايد الضغوط باتجاه إجراء تحقيقات في مزاعم الفساد المتصلة بالسيدة الأولى بعد الانتخابات. فقد دعا زعيم حزب إعادة بناء كوريا ووزير العدل السابق، تشو كوك، عقِب إعلان النتائج الانتخابية، إلى إجراء مثل هذه التحقيقات[19].

ويبدو أن الخصومة الشديدة للرئيس مع قادة المعارضة قد أتت بنتائج عكسية في الانتخابات. فإضافة إلى توعّده زعيم المعارضة، لي جاي ميونغ، ورئيس ثالث أكبر حزب في البلاد (حزب إعادة بناء كوريا)، كما أبانت نتائج العملية الانتخابية، لم يَعقد “يون” منذ تولي منصبه في مايو عام 2022 اجتماعًا واحدًا مع الأول[20].

 ولا شك أن نتائج الانتخابات سوف تُضعِف سلطة الرئيس، أو تزيدها ضعفًا، خلال السنوات الثلاث المتبقية من ولايته، وستُبقيه كالبطّة العرجاء غير قادرٍ على تنفيذ أجندته[21]. ولكن، وفقًا للخبراء، لا يُتوقع حصول تغييرات كبيرة في السياستين الداخلية والخارجية، في ضوء أن الرئيس يواجه الحال ذاتها (البطّة العرجاء) منذ توليه الحكم، وهو أول رئيس، منذ تحوّل كوريا إلى الديمقراطية عام 1987، يعمل مع برلمان تسيطر عليه المعارضة طوال سنوات ولايته الخمس، وإنْ كانت أجندة الرئيس، ولاسيّما الداخلية، سوف تواجَه بتحدياتٍ كبيرة من المعارضة[22]، أهمّها الجمود التشريعي، بينما تُواجه البلاد تحديات تشمل تراجع الاقتصاد، وتزايد التوتر في شبه الجزيرة الكورية[23].

وقد زعم البعض أن سياسة “يون” الحازمة تجاه كوريا الشمالية، وتعزيز تحالف بلاده مع الولايات المتحدة، والتقارب مع اليابان، سوف يعتريها التغيير. ولكن أجندة الرئيس الخارجية لم تكن إحدى القضايا الجدلية أثناء الحملات الانتخابية، ولم تحظَ باهتمام الناخبين؛ ولذلك من غير المرجح أن تختبر تغيرًّا جوهريًّا. وإن ضغطت المعارضة، فيمكن أن تختبر السياسة الكورية تجاه الدول الثلاث، وخاصة كوريا الشمالية واليابان، تغيّرًا محدودًا يتعلق بدرجة الاهتمام، أو أدوات تنفيذ السياسة.

ومن المؤكد أنّ الانتخابات أسفرت عن فوز الحزبَين الكبيرين (الحزب الديمقراطي وحزب سلطة الشعب) بأكثر من 95% من مقاعد البرلمان، إلا أنهما لم يتمكّنا من تأمين أكثر من 63.4% من الأصوات. وواضح أنّ النظام الانتخابي المعمول به، ولاسيّما نظام الأغلبية النسبية الذي يتم به انتخاب أكثر من 84% من المقاعد، يعظّم حظوظ الحزبين الكبيرين من مقاعد البرلمان. وطبقًا للخبراء، فإنه كي يستمر نظام الحزبين، ينبغي أنْ يحصل الحزبان الكبيران معًا على نحو 80% من الأصوات. وهكذا، فإن تضاؤل نسبة التصويت الشعبي للحزبين، إضافة إلى ظاهرة الانشقاقات الحزبية، تعني أنّ النظام الحزبي الثنائي في كوريا في سبيله إلى التحول إلى نظام متعدّد الأحزاب في المستقبل القريب. فقد حصل حزب إعادة بناء كوريا على أكثر من 24% من أصوات الناخبين؛ مستغلًّا حالة الاستياء من الحزبين الرئيسيين في البلاد.

علاوة على ذلك، فإنّ من أهم مضامين نتائج الانتخابات التشريعية هو تزايد حظوظ زعيم المعارضة “لي جاي ميونغ”، الذي يواجِه تحقيقات بالفساد يعتبر أن دوافعها سياسية، في الفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2027. ويعتقد مراقبون أنه ينوي خوض هذه الانتخابات مجدّدًا، ولاسيّما أنه خسر الانتخابات الفائتة بفارق ضئيل أمام منافسه الرئيس الحالي يون. ولا يسمح الدستور الكوري بإعادة انتخاب الرئيس، الذي يتولّى منصبه لفترة واحدة فقط.

خاتمة:

تُعدّ نتائج الانتخابات البرلمانية التي أُجريت في 10 إبريل الحالي انتكاسةً كبيرة للحزب الحاكم في كوريا وللرئيس المحافِظ “يون”، الذي كان يأمل الحصول على دعمٍ شعبي لأجندة سياسته الداخلية والخارجية. وقد فهِم الرئيس رسالة الشعب بأن نتائج الانتخابات ما هي إلا تعبير عن عدم الرضا الشعبي عن إدارته لشؤون الدولة، وعن الأحوال الاقتصادية؛ ولذا تعهّد بإجراء إصلاحات في إدارة الحكم، والسياسات الاقتصادية التي يتابعها.

ولا شكّ أن نتائج الانتخابات سوف تُضعف سلطة الرئيس، أو تزيدها ضعفًا، خلال السنوات الثلاث المتبقية من ولايته، وستُبقيه كالبطّة العرجاء غير قادرٍ على تنفيذ أجندته. ولكن لا يُتوقع حصول تغييرات كبيرة في السياستين الداخلية والخارجية، في ضوء أن الرئيس يواجه الحال ذاتها (البطّة العرجاء) منذ توليه الحكم في مايو 2022.

بيْد أنّ التغيير الكبير قد يطول النظام الحزبي قريبًا؛ وذلك أن تضاؤل نسبة التصويت الشعبي للحزبين الكبيرين (الحزب الديمقراطي وحزب سلطة الشعب)، إضافة إلى ظاهرة الانشقاقات الحزبية التي تعانيها الأحزاب الكورية، تعني أن النظام الحزبي الثنائي في كوريا في سبيله إلى التحول إلى نظام متعدّد الأحزاب في المستقبل القريب. وسوف يكون لهذه الانتخابات تأثير معتبر، بلا شك، على الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2027، ولاسيّما في ضوء تزايد حظوظ زعيم المعارضة “لي جاي ميونغ” في الفوز بها.

 

[1] The World Factbook, Korea, South, April 03, 2024, https://www.cia.gov/the-world-factbook/countries/korea-south/#government.

[2] Yonhap, “National Assembly passes electoral reform bill,” The Korea Herald, December 27, 2019, https://shorturl.at/puwR5; Inter-parliamentary Union, Republic of Korea Kuk Hoe (National Assembly), Electoral System, n.d., https://shorturl.at/vzDM4.

[3] Lee Jung-youn, “Young Korean stars vote for first time,” The Korea Herald, April 10, 2024, https://shorturl.at/bwAE0.

[4] سي إن إن بالعربية، ” طُعن في رقبته.. كاميرا ترصد لحظة تعرّض زعيم المعارضة بكوريا الجنوبية لهجوم مباغت،” 2 يناير 2024، https://shorturl.at/rxDE4.

[5] Sam Kim, “South Korea’s Sticky Inflation Clouds Outlook for Rate Cuts,” Bloomberg, April 02, 2024, https://shorturl.at/blzN6; Kwanwoo Jun, “South Korea Forecasts Slower-Than-Expected Economic Recovery in 2024,” January 03, 2024, The Wall Street Journal, https://shorturl.at/pBMU6.

[6] Hyunsu Yim, “South Korea doctors’ strike widens as medical professors join protests,” Reuters, March 24, 2024, https://shorturl.at/cksy5.

[7] Jong Eun Lee, “Breakaway parties threaten to disrupt South Korea’s two-party system – can they also end parliamentary gridlock?,” The Conversation, https://shorturl.at/jkGU1, March 22, 2024.

[8] Soyoung Kim, “Party splits shift South Korea’s political landscape,” East Asia Forum, February 01, 2024, https://shorturl.at/bsFJ4.

[9] Aljazeera, “South Korea holds parliamentary elections: All you need to know,” April 09, 2024, https://shorturl.at/gvGOZ.

[10] Victor Cha, Jinwan Park, and Andy Lim, “South Korea’s 2024 General Election: Results and Implications,” CSIS, April 10, 2024, https://shorturl.at/gjlsu.

[11] إبراهيم مصطفى، “هيئة مراقبة الانتخابات: نسبة إقبال الناخبين النهائية المبدئية تبلغ 67%،” وكالة يونهاب للأنباء، 11 إبريل 2024، https://shorturl.at/qvFK7.

[12] فرانس 24، ” كوريا الجنوبية: المعارضة تفوز بالانتخابات التشريعية والرئيس يون سوك يتعهد بـ “إصلاحات”،” 11 إبريل 2024، https://rb.gy/qf725q.

[12] https://www.elwatannews.com/news/details/7097170

[13] Cha, Park, and Lim, South Korea’s 2024 General Election; Kim-han Joo, “(3rd LD) DP wins resounding majority in crushing defeat for PPP,” UHANAP News Agency, April 11, 2024, https://en.yna.co.kr/view/AEN20240409006060315.

[14] Choi Ik-jae, “Similarities between US and South Korean Politics,” translated from Korean by Krystal Endo, Watching America, March 29, 2024, https://rb.gy/hwjmyn.

[15] Kim-Eun jung, “Yoon vows to reform state affairs after election defeat,” YONHAP News Agency, April 11, 2024, https://rb.gy/2unijj.

[16] https://www.elwatannews.com/news/details/7097170

[17] يونهاب، ” زعيم الحزب الحاكم يستقيل بعد هزيمة حزبه في الانتخابات البرلمانية،” 11 إبريل 2024، https://shorturl.at/abDGO؛ يونهاب، “المكتب الرئاسي: رئيس الوزراء يقدم استقالته بسبب الهزيمة في الانتخابات،” 11 إبريل 2024، https://rb.gy/6ip30z.

[18] Lee, “Breakaway parties threaten.”

[19] Kim-Eun jung, “New minor party calls for prosecution’s probe into first lady’s allegations,” YONHAP News Agency, April 11, 2024, https://en.yna.co.kr/view/AEN20240411008800315?section=national/politics.

[20] jung, “Yoon vows to reform.”

[21] jung, “Yoon vows to reform.”

[22] https://www.csis.org/analysis/south-koreas-2024-general-election-results-and-implications

[23] مونت كارلو الدولية، “الحزب الحاكم في كوريا الجنوبية يُمنَى بهزيمة قاسية في الانتخابات، والرئيس يتعهد بإجراء إصلاحات،” 11 إبريل 2024، https://rb.gy/wfvoqk.

المواضيع ذات الصلة