Insight Image

حوار شانغريلا وأجواء حرب باردة في الإندوباسيفيك

06 يونيو 2023

حوار شانغريلا وأجواء حرب باردة في الإندوباسيفيك

06 يونيو 2023

انعقد حوار شانغريلا في دورته الـ 20 من 2-4 يونيو في سنغافورة وسط تصاعدٍ في حالة التوتر التي تشهدها منطقتي بحري شرق وجنوب الصين منذ أشهر، حيث ألقى التوتر بين الولايات المتحدة والصين بسبب ملفات عدة، بظلاله على المنتدى حتى قبل انعقاده بعدما رفضت الصين عقد لقاء بين وزير دفاعها ووزير الدفاع الأمريكي. ومع ذلك فقد واصل المنتدى أجندته، ونوقشت مختلف القضايا التي كانت على جدول أعماله، بينما أظهرت الحوارات مدى القلق الذي ينتاب القادة الآسيويين من تدهور البيئة الأمنية بمنطقتهم، التي يبدو واضحًا مدى الاهتمام العالمي بها. فما هو حوار شانغريلا؟ وما خلفيته وأهميته؟ وكيفت ألقى التوتر بين الصين والولايات المتحدة بظلاله على أجندة المنتدى؟

ما هو حوار شانغريلا؟

حوار شانغريلا مؤتمر أمني سنوي ينظمه المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) في سنغافورة. وسُمّي كذلك على اسم فندق Shangri-La حيث يُعقد فيه المؤتمر. ويعد أكبر اجتماع أمني في آسيا، ويجمع وزراء الدفاع والمسؤولين العسكريين وواضعي السياسات والخبراء من جميع أنحاء العالم لمناقشة وتبادل وجهات النظر حول القضايا الأمنية في منطقة آسيا والمحيط الهادي. ويوفر منصة للحوار والتعاون بشأن التحديات الأمنية الإقليمية، مثل التوترات الجيوسياسية، والتحديث العسكري، والنزاعات البحرية، والإرهاب، والتهديدات الناشئة الأخرى. ويتضمن المؤتمر عادةً كلمات رئيسية لوزراء الدفاع أو كبار المسؤولين من الدول المشاركة، بالإضافة إلى حلقات نقاش وجلسات تفاعلية. وهو بمثابة فرصة للبلدان للتعبير عن مخاوفها الأمنية، وتسليط الضوء على أولويات سياستها، والانخراط في مناقشات ثنائية أو متعددة الأطراف حول قضايا الأمن الإقليمي.

أهمية المنتدى كإطار أمني

كانت آسيا تفتقر إلى إطار أمني إقليمي على غرار ما هو عليه الأمر في أوروبا. وفي عام 1996، أقترح كل من وزير الدفاع الأمريكي آنذاك وليام بيري ونظيره التايلاندي شافاليت يونغتشايوده مبادرات منفصلة لجمع نظرائهم في آسيا، لكنهم لم يأتوا بجديد، حيث بقي المسار الأول للأمن المتعدد الأطراف الوحيد في المنطقة هو منتدى الآسيان الإقليمي (ARF)، الذي كان في الحقيقة غير عملي؛ لأنه ركز على بناء الثقة وفي أسوأ الأحوال، كان مجرد تجمُّع لإلقاء المحاضرات، حيث كان يتصدر المشهد وزراء الخارجية؛ لذا كانت هناك حاجة إلى آلية لمناقشة التعاون الأمني في المنطقة، بحيث يمكن لوزراء دفاع آسيا والمحيط الهادي الانخراط في حوار يهدف إلى بناء الثقة وتعزيز التعاون الأمني العملي.

وفي البداية، تم تصميم المنتدى على غرار مؤتمر ميونيخ حول السياسة الأمنية، وركزت الدعوات في البداية بشكل أساسي على أعضاء المنتدى الإقليمي لرابطة أمم جنوب شرق آسيا من أجل العمل كمؤسسة أمنية إقليمية حقيقية. وتم اختيار سنغافورة كموقع للمؤتمر الأول، حيث عقد في فندق Shangri-La.

واكتسب المنتدى أهمية كبيرة على مر السنين وأصبح معترفًا به على نطاق واسع كمنتدى رئيسي لمناقشة التحديات الأمنية في منطقة آسيا والمحيط الهادي؛ بل ومن أهم المنتديات المستقلة لتبادل وجهات النظر من قبل صانعي القرار في سياسات الأمن الدولي، وذلك لاعتبارات عدة أهمها:

 أولًا، مشاركة رفيعة المستوى: يجمع المؤتمر وزراء الدفاع والمسؤولين العسكريين وصانعي السياسات من جميع أنحاء العالم. ويدل وجود كبار المسؤولين على جدية والتزام الدول المشاركة في مواجهة التحديات الأمنية في منطقة آسيا والمحيط الهادي.

ثانيًا، التركيز الإقليمي: يركز حوار شانغريلا بشكل أساسي على القضايا الأمنية في منطقة آسيا والمحيط الهادي، وهي منطقة ذات أهمية استراتيجية بسبب حيويتها الاقتصادية والتوترات الجيوسياسية والعسكرة المتواصلة. يوفر المؤتمر منصة للدول لمناقشة هذه التحديات الأمنية الإقليمية ومعالجتها بشكل جماعي.

ثالثًا، الحوار المفتوح والشفافية: يشجع حوار شانغريلا المناقشات المفتوحة والشفافة حول القضايا الأمنية. فهو يسمح للبلدان بالتعبير عن مخاوفها، وشرح مواقفها السياسية، والانخراط في حوار بنّاء. ومثل هذا الحوار يعزز التفاهم ويقلل من المفاهيم الخاطئة ويساعد على بناء الثقة بين البلدان.

رابعًا، المشاركة المتعددة الأطراف: يسهل المؤتمر المشاركة المتعددة الأطراف في قضايا الأمن، حيث يوفر فرصة للبلدان للمشاركة في مناقشات ثنائية أو متعددة الأطراف، واستكشاف مجالات التعاون، وتعزيز أطر الأمن الإقليمية. ويسمح وجود دول مختلفة بتنوع وجهات النظر وتحديد أرضية مشتركة حول تحديات الأمن الإقليمي.

خامسًا، سِجِلٌ حافل في معالجة القضايا الأمنية الحرجة: على مر السنين، نجح حوار شانغريلا في معالجة القضايا الأمنية الحرجة التي تواجه المنطقة؛ حيث وفر منصة لمناقشة الأمن البحري، والنزاعات الإقليمية، وجهود مكافحة الإرهاب، والتهديدات الناشئة الأخرى. ويؤكد سجل المؤتمر في معالجة هذه القضايا أهمية المؤتمر كمنتدى للحوار البنّاء وحل المشكلات.

سادسًا، طبيعة غير ملزمة: حوار شانغريلا هو منتدى غير ملزم، يسمح للدول المشاركة بالتعبير عن آرائها دون التقيد بالالتزامات الرسمية. وتشجع هذه المرونة المناقشات الصريحة واستكشاف الأفكار والنهج المبتكرة لتحديات الأمن الإقليمي. ويمكن أن تساعد التفاعلات غير الرسمية على هامش المؤتمر في تعزيز العلاقات الشخصية وبناء الثقة، والتي يمكن أن تكون حاسمة في إدارة القضايا الأمنية ومواقف الأزمات.

المنتدى الـ 20 في بيئة إقليمية ودولية معقدة

عُقدت النسخة العشرون من منتدى شانغريلا في ظل ظروف إقليمية ودولية معقدة، حيث تشهد منطقة بحر جنوب الصين توترًا متصاعدًا بين الولايات المتحدة والصين، بينما تتصاعد المخاوف من صراع مسلح بسبب تايوان، في حين تراوح الأزمة في شبه الجزيرة الكورية مكانها مع استمرار التوتر بين بيونغ يانغ وجيرانها. ودوليًا يستمر الصراع في منطقة أوراسيا، بينما تدخل الحرب بين روسيا وأوكرانيا مرحلة جديدة مع انطلاق الهجوم الأوكراني المضاد، في حين يسعى الغرب جاهدًا لحشد الدعم لكييف سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا من كل مكان بما في ذلك دول آسيا وفي مقدمتها الصين. كل هذا ألقى بظلاله على المنتدى والمناقشات التي دارت في أروقته على مدار ثلاثة أيام. وفيما يلي أبرز الملفات التي استحوذت على الاهتمام وطغت على جدول أعمال المنتدى:

أولًا، التوتر الأمريكي الصيني

هيمنت العلاقات العاصفة بين الولايات المتحدة والصين على المحادثات مع اجتماع مسؤولي الدفاع في حوار شانغريلا، الذي شارك فيه هذا العام أكثر من 600 مندوب من 49 دولة. وفي الافتتاح، استخدم رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز خطابه الرئيسي للتأكيد على أهمية التواصل بين واشنطن وبكين. وقال إنه بدون الحوار “هناك دائمًا خطر أكبر بكثير من انتقال الافتراضات إلى فعل ورد فعل لا رجعة فيه”. وحذر من أن تداعيات هذا الانهيار “ستكون مدمرة للعالم“.

ويأتي هذا بينما ذكرت مصادر إعلامية أن الصين رفضت جهود الولايات المتحدة لعقد اجتماع في القمة بين وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن ونظيره الصيني لي شانغفو، حيث طالبت بكين واشنطن بـ “إظهار الإخلاص” و”تهيئة الظروف اللازمة للحوار”. وقد اعتبر هذا الرفض علامة على أن العلاقات العسكرية بين الصين والولايات المتحدة قد وصلت إلى حدودها. كما أرسل الجانب الدفاعي الأمريكي رسالة كتبها أوستن إلى لي، على أمل أن تتمكن واشنطن وبكين من الحفاظ على التواصل والحوار المفتوحين من أجل تجنب أي اتجاه لتحويل المنافسة المتبادلة إلى صراعات. ويبدو أن رفض عقد مثل هذا اللقاء لا يتعلق فقط بالتوتر الحالي، وإنما يرتبط بالعقوبات الأمريكية المفروضة على لي نفسه، حيث إن العقوبات الأمريكية التي فُرضت على لي في سبتمبر 2018 عندما استهدفته إدارة ترامب بسبب “مشاركته” في صفقات الأسلحة مع روسيا، لا تزال عقبة أمام توثيق العلاقات العسكرية بين الصين والولايات المتحدة. ومن وجهة نظر بكين، إذا استمرت هذه العقوبات، فإن الاجتماعات الرسمية بين قادة الدفاع العسكري من الجانبين الصيني والأمريكي “غير مناسبة”. وقد أكد عضو في الوفد الصيني أن رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على لي شرط مسبق لإجراء المحادثات.

ومع ذلك ورغم عدم عقد اجتماع بين الجانبين، تصافح أوستن ولي في اليوم الأول للمنتدى. ولكن بينما لم يعقد أي لقاء بينهما خلال المنتدى، فقد نقلت مصادر أن مسؤولين كبارًا من نحو 20 من أجهزة المخابرات الكبرى في العالم بما في ذلك الولايات المتحدة والصين عقدوا اجتماعًا سريًا نهاية الأسبوع، على هامش اجتماعات حوار شانغريلا الأمني في سنغافورة. ولم تتسرب تفاصيل عن ذلك الاجتماع، ولكنه – وفقًا لمصادر شاركت فيه – بحث تعزيز التعاون بين هذه الأجهزة، بعيدًا عن التوترات السياسية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا تدير ما يسمى بشبكة العيون الخمس لجمع وتبادل مجموعة واسعة من المعلومات الاستخباراتية، ويلتقي مسؤولو استخباراتهم بشكل متكرر. ونقل عن الشخص المطّلع على المناقشات قوله إنه على الرغم من توافر القليل من التفاصيل فقد تناولت المناقشات مواضيع من بينها الحرب في أوكرانيا.

وقد نال التوتر حول تايوان اهتمامًا واضحًا، ولا سيما من الأمريكان القلقين من أي عمل عسكري ضدها، حيث حذر وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، من أن الحرب على تايوان ستكون “مدمرة” وستؤثر على الاقتصاد العالمي “بطرق لا يمكننا تخيلها”، كما أكد على دعم الولايات المتحدة لديمقراطية الجزيرة، بينما كانت البحرية الأمريكية تقوم بعملية عبور عبر مضيق تايوان، وهي خطوة تجدها الصين بشكل منتظم استفزازية. وأظهر الإجراء احتمال سوء التقدير بين الجانبين مع استمرار توتر العلاقات بشأن تايوان والقيود الأمريكية على الرقائق المتقدمة ودعم بكين الدبلوماسي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. بالمقابل حاول وزير الدفاع الصيني، لي شانغفو، أن يكون متوازنًا برغم إشاراته إلى أن عقلية الحرب الباردة تعاود الظهور في منطقة آسيا والمحيط الهادي، مؤكدًا رغبة بكين في الحوار، ووجه انتقادات مبطنة للولايات المتحدة، قائلًا: “إن بعض الدول تحب فرض قواعدها على دول أخرى في نظامها الدولي القائم على القواعد“. وفيما يتعلق بقضية تايوان، أكد لي أن الصين لن تتسامح مع محاولات قوى استقلال تايوان أو قوى خارجية لفصل تايوان عن الصين.

 وتشير تعليقات وزير الدفاع الصيني بشأن تايوان إلى معارضة الصين للطريقة التي تتعامل فيها الولايات المتحدة مع المسألة، حيث تعارض بكين أي استغلال لتايوان “لاحتواء الصين”. ومن منظور موضوعي، كانت الولايات المتحدة تزود تايوان بالأسلحة من أجل “ردع التهديد العسكري” من الصين، وهو السيناريو الذي يجعل بكين ترفض التخلي عن استخدام القوة للتعامل مع المستقبل السياسي لتايوان. وبما أن واشنطن تدعم بشكل صريح حكومة تايوان، فإن بكين تعتبر هذا الموقف غير مقبول سياسيًا وأيديولوجيًا وعسكريًا. وتعارض بكين أي تفاعل رسمي بين الحكومة الأمريكية والجانب التايواني. وعلى هذا النحو، تنظر بكين إلى العلاقات التجارية الوثيقة بين واشنطن وتايبيه والتي توجت مؤخرًا بتوقيع عدد من الاتفاقيات التجارية على أنها تحالف اقتصادي له تداعيات سياسية كبيرة. وفي ظل هذه المعطيات والتطورات التي صاحبتها، يبدو من الطبيعي ألا تستطيع الدبلوماسية العسكرية بين الصين والولايات المتحدة تحقيق أي اختراق في ملتقى شانغريلا.

ويأتي الموقف الصيني الحازم نوعًا ما في سياق تضارب في المنظور بين البلدين على نطاق أوسع، حيث تعارض الصين الهيمنة الأمريكية، سواء في آسيا أو في العالم. وتتمحور الرؤية الصينية حول المبادئ التقليدية التي تتحدث عنها بكين، ومنها دعوة دول العالم إلى الالتزام برؤية الأمن المشترك والتعاون في إطار تعددي، والالتزام باحترام سيادة وسلامة أراضي جميع الدول وضرورة أخذ الشواغل الأمنية المشروعة لجميع البلدان على محمل الجد والالتزام. وهذه بالطبع رؤية تتعارض مع الاستراتيجية الجيوسياسية للولايات المتحدة التي ترى الصين أنها فرض للهيمنة الأيديولوجية والعسكرية في العالم.

ثانيًا، مخاوف آسيان الأمنية

كانت مخاوف دول جنوب شرق آسيا (الآسيان) من التصعيد بين الولايات المتحدة والصين حاضرة في المنتدى المنعقد على أرض أحد أعضائها، حيث أكد الأمين العام لرابطة أمم جنوب شرق آسيا، كاو كيم هورن، على أهمية مركزية الآسيان في الهيكل الإقليمي وكيف يمكن أن تُكْمل الترتيباتُ الإقليمية الفرعية الآلياتِ الإقليمية التي تقودها الرابطة. وشدد على مركزية الآسيان في المنطقة، وكيف يمكن أن تكون بتعدديتها قوة جاذبة في تعزيز الوحدة بين الدول الأعضاء في الرابطة وكذلك التعاون مع الشركاء الخارجيين للرابطة. وبرغم توافق الرابطة على العناصر الرئيسية فيما يتعلق بالحاجة للحفاظ على الاستقرار وحل الخلافات عبر الحوار، فإن هناك تباينات بين الأعضاء فيما يتعلق بالمقاربة مع الصين، حيث تسعى دول من بينها ماليزيا وسنغافورة للتقارب والحوار، بينما تميل بعض الدول أكثر للموقف الأمريكي، وخاصة الفلبين التي تربط نفسها بشكل أقوى مع واشنطن عسكريًا، بما في ذلك تسيير دوريات مشتركة في بحر الصين الجنوبي، وهو ما يثير حفيظة الصين.

ثالثًا، الأوروبيون والبحث عن دعم لكييف

برغم بُعد المسافات فقد كانت الحرب في أوكرانيا حاضرة بوضوح في المناقشات، وقد شاركت مجموعة رفيعة المستوى من المسؤولين الأوروبيين بما في ذلك رئيس السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، ورئيس الوزراء الإستوني كاجا كالاس، ووزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف، ووزير الدفاع البريطاني بن والاس، حيث عبروا جميعًا عن أملهم في تسخير القمة لحشد الدعم لكييف بين الدول الآسيوية، بينما أنهى وزير الدفاع الأوكراني إحدى الجلسات الأخيرة يوم السبت بملاحظة حادة حول نفوذ الصين على روسيا، قائلًا إنه يعتقد أن هناك تفاهمًا جديدًا بين روسيا والصين بعد أن زار الرئيس شي جين بينغ موسكو في وقت سابق من هذا العام، حيث أصبحت بكين “الشقيق الأكبر” في العلاقة بين البلدين. ووجهت رئيسة الوزراء الإستونية رسالتها إلى قمة شانغريلا الأمنية – حول التهديد الذي تشكله الحرب الروسية في أوكرانيا على بلادها، وكذلك دور الصين في الحرب المستمرة. ومع ذلك فلم تبرز هناك أي مظاهر تغيير على الموقف الصيني. ولكن ربما يكون التطور الأبرز فيما يتعلق بالموقف الآسيوي من الحرب هي خطة السلام التي اقترحها وزير الدفاع الإندونيسي لإنهاء الحرب في أوكرانيا، حيث دعا إلى منطقة منزوعة السلاح وإجراء استفتاء للأمم المتحدة فيما أسماه الأراضي المتنازع عليها؛ وقد رفضتها كييف على الفور، حيث أكدت على وجوب سحب روسيا قواتها من الأراضي الأوكرانية.

رابعًا، التوتر في شبه الجزيرة الكورية

لطالما شكل التوتر في شبه الجزيرة الكورية محورًا مهمًا في منتدى شانغريلا، وذلك بالنظر إلى أن المسألة ربما تكون الأقدم في المشاغل الأمنية للمنطقة وما وراءها، بالنظر إلى التهديدات المتكررة التي زادت خطورتها بعد تكثيف بيونغ يانغ إطلاقها الصواريخ البالستية في كل اتجاه، ولا سيما تجاه اليابان وجارتها الجنوبية. ومع استحواذ المنتدى على تصاعد التوتر الأمريكي الصيني، كان هناك شعور بتجاهل القضية، وهو ما عبر عنه وزير الدفاع الكوري الجنوبي بصراحة، حيث قال إن بعض الدول تجاهلت السلوك غير القانوني لكوريا الشمالية، الذي يهدد بتقويض عقوبات الأمم المتحدة ضد برامج البلاد الصاروخية والنووية؛ في إشارة بالطبع إلى الصين وروسيا اللتين تجاهلتا دعوة الولايات المتحدة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لإدانة محاولة كوريا الشمالية الأخيرة إطلاق قمر صناعي وألقيا باللوم على الولايات المتحدة في زيادة التوتر في شبه الجزيرة الكورية.

وفي سياق متصل كان هناك حرص من اليابان وكوريا الجنوبية على الدفع بعلاقاتهما قدمًا في ظل البيئة الأمنية المضطربة في شبه الجزيرة الكورية، حيث أعلن وزير الدفاع الياباني في المؤتمر أن بلاده وكوريا الجنوبية اتفقتا على حل الخلافات بسرعة بشأن المواجهات العسكرية السابقة التي تقف في طريق توثيق التعاون الأمني. وقال “ناقشنا القضايا المعلقة واتفقنا على تسريع المحادثات، بما في ذلك خطوات لمنع تكرار حادث الرادار في 2018“، في إشارة إلى حادثة قيام مدمرة كورية جنوبية بإغلاق رادار الاستهداف على طائرة استطلاع يابانية؛ ما أثار نزاعًا وتَّر العلاقة بينهما.

الخلاصة:

أظهرت النقاشات التي جرت في منتدى شانغريلا مدى تأثير التوتر بين الولايات المتحدة والصين على الأمن في آسيا، حيث يتنامى قلق الدول الآسيوية في المنطقة من تداعيات ذلك على الأمن والاستقرار ليس فقط في منطقة بحر الصين الجنوبي، وإنما في منطقة المحيطين الهندي والهادي وربما العالم ككل، وذلك بالنظر إلى تنامي النفوذ الصيني اقتصاديًا والقلق الغربي من أن يتحول ذلك إلى قوة عسكرية خاصة مع تنامي قوة الصين البحرية وتجاوزها القوة الأمريكية، بكل ما يحمله ذلك من تحدٍّ للهيمنة الغربية. وبالمقابل، فإن الولايات المتحدة ستواصل سياستها في مواجهة الصين، سواء من خلال تعزيز علاقاتها الثنائية مع دول المنطقة، أو تعزيز التحالفات الجماعية القائمة، أو ربما استحداث أحلاف جديدة على غرار الناتو، وهو ما حذرت منه الصين معتبرة أن ذلك سيغرق المنطقة في دوامة من النزاعات. وفي ظل السياق الذي تنظر فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى الصين على أنها “تهديد عسكري” وتتخذ إجراءات لردعها من خلال تحالف صريح بشكل متزايد مع تايوان، فمن الصعب توقع أي اختراق في العلاقات الصينية الأمريكية أو حدوث تغيير كبير في العلاقات الصينية الأمريكية على المدى المنظور؛ وهو ما سيلقي بظلاله على الوضع الأمني في منطقة شرق وجنوب شرق آسيا، وبالطبع على منطقة الإندوباسيفيك ككل.

المواضيع ذات الصلة