Insight Image

اتجاهات الانتخابات العامة في جنوب أفريقيا: الاستمرار والتغير بعد 30 عامًا من الانتخابات الديمقراطية

28 مايو 2024

اتجاهات الانتخابات العامة في جنوب أفريقيا: الاستمرار والتغير بعد 30 عامًا من الانتخابات الديمقراطية

28 مايو 2024

يتوجه أكثر من 27 مليون ناخب مسجل في دولة جنوب أفريقيا إلى صناديق الاقتراع في 29 مايو 2024 لانتخاب أعضاء البرلمان الوطني وبرلمانات المقاطعات، وذلك في ذكرى مرور ثلاثين عامًا على التحول نحو الديمقراطية وإجراء أول انتخابات ديمقراطية بها، وتأتي الانتخابات بُعيد تعديل قانون الانتخابات في العام الفائت لتُعدَّ أول اختبار عملي للقانون الجديد، كما أنها قد تكون المرة الأولى منذ وصول حزب المؤتمر الوطني إلى الحكم التي يحصل فيها على أقل من 50% مما يدفع في اتجاه تشكيل حكومة ائتلافية، لذا يُنظر إلى هذه الانتخابات بوصفها فارقة؛ ذلك أنها تمثل اختبارًا لقدرة النظام السياسي على صياغة تحالفات جديدة في اتجاه الإصلاح عبر المسار الديمقراطي، وتأتي هذه الدراسة لاستعراض اتجاهات الانتخابات العامة وتحليلها، وبيان أهميتها، وملامحها الرئيسية، وأخيرًا استطلاعات نتائج التصويت فيها.

  • في ذكرى مرور 30 عامًا على الانتخابات الديمقراطية في جنوب أفريقيا:

تأتي الانتخابات السابعة في عام 2024 في الذكرى الثلاثين لإجراء أول انتخابات تعددية أنهت نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وتُوِّجت بفوز المؤتمر الوطني الأفريقي -الذي يُشار له اختصارًا بـ (ANC) – بزعامة قائده التاريخي نيلسون مانديلا في تلك الانتخابات بأغلبية ساحقة. وتعدُّ الانتخابات المنظورة أصعب المواعيد التي يشارك فيها حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم بعد 30 عامًا من الهيمنة على السياسة والحكم في جنوب أفريقيا، إذ إن معظم استطلاعات الرأي تشير إلى أنه سيخسر أغلبيته البرلمانية للمرة الأولى في تاريخه، وذلك على الرغم من أمل الرئيس “سيريل رامافوزا” في إعادة انتخابه، وفي حالة خسارة الحزب الحاكم أغلبيته سيُجبر لأول مرة في تاريخه على تشكيل ائتلاف لتشكيل حكومة، مما سيضفي مزيدًا من التعقيد على عملية صنع السياسات، ولاسيما الاقتصادية منها، في الدولة الأكثر تقدمًا في قارة أفريقيا[1].

  • النظام الانتخابي في ضوء تعديلات قانون الانتخابات:

أعلنت اللجنة المستقلة للانتخابات في جنوب أفريقيا أن قرابة 380 حزبًا سياسيًّا سيخوض الانتخابات العامة بمستوياتها الوطنية والجهوية استنادًا إلى نظام انتخابي جديد تم إقراره في البلاد في عام 2023، عندما وقّع عليه رئيس الجمهورية الحالي في 17 إبريل 2023 على مشروع قانون رقم 1 لسنة 2023 بتعديل نظام الانتخابات، قد تضمن أبرز المضامين الآتية:

  • إدراج المرشحين المستقلين وترشيحهم كمتنافسين في انتخابات الجمعية الوطنية والمجالس التشريعية الإقليمية لأول مرة.
  • تحديد المتطلبات التي يجب أن يستوفيها الأشخاص الذين يرغبون في الترشيح بصفتهم مرشحين مستقلين.
  • آلية فحص نسخ قوائم المرشحين المستقلين والوثائق المصاحبة لها.
  • النص على الاعتراضات على المرشحين المستقلين.
  • آلية إدراج قائمة المرشحين المستقلين الذين يحق لهم خوض الانتخابات.
  • اشتراط تعيين الوكلاء من قبل المرشحين المستقلين.
  • إلزام المرشحين المستقلين بالالتزام بمدونة قواعد السلوك الانتخابي.
  • إقرار صيغة منقحة لتخصيص المقاعد وإعادة توزيعها في حالة إخلاء المقاعد.
  • النص على قيام وزير الداخلية بتشكيل لجنة استشارية للإصلاح الانتخابي، وذلك بعد إجراء مشاورات مستقلة في هذا الشأن.
  • نص القانون على أن يقدم فريق اللجنة توصيات غير ملزمة بشأن الإصلاحات المحتملة للنظام الانتخابي للانتخابات المقبلة للجمعية الوطنية والمجالس التشريعية الإقليمية بعد انتخابات 2024[2].

وفي ضوء الملامح الرئيسية لقانون الانتخابات المعدل؛ يسمح  النظام الانتخابي الجديد بخوض المرشحين المستقلين المنافسة الانتخابية، حيث ستكون هناك ثلاث بطاقات اقتراع منفصلة لاختيار حزب واحد أو مرشح واحد؛ تضم البطاقة الأولى 52 حزبًا سياسيًا تتنافس فيما بينها على 200 مقعد في البرلمان الوطني المعروف باسم الجمعية الوطنية، وثاني بطاقات الاقتراع مخصصة لاختيار الأحزاب السياسية والمرشحين المستقلين المتنافسين على 200 مقعد مخصص للمقاطعات في الجمعية الوطنية، وبطاقة الاقتراع الثالثة مخصصة لانتخاب برلمانات المقاطعات[3]، ويتم تحديد عدد المقاعد في المجالس التشريعية الإقليمية بناءً على حجم السكان في كل مقاطعة من المقاطعات التسع، وقد أجازت اللجنة المستقلة للانتخابات 14889 مرشحًا سيتنافسون على 887 مقعدًا في مختلف المجالس الوطنية والإقليمية، وقد رشحهم 70 حزبًا سياسيًا، باستثناء 11 مرشحًا مستقلًّا، ويتنافس على مقاعد الجمعية الوطنية الـ400 عدد 31 حزبًا سياسيًا للمرة الأولى، في 23292 مركز اقتراع من تمام الساعة الخامسة صباحًا إلى الساعة السابعة مساءً بتوقيت جرينتش يوم 29 مايو الجاري.

ويعتمد النظام الانتخابي الجديد على القائمة النسبية، إذ يختار الناخبون حزبًا سياسيًا معينًا عبر بطاقات الاقتراع، ليُحدد بعد ذلك نسبة الأصوات التي يحصل عليها الحزب، والتي تُحدد بدورها عدد مقاعد الحزب في الجمعية الوطنية، وهو ما يعني أن الحزب أو الائتلاف الحزبي الحاصل على أكثر من 50% من المقاعد يمكنه اختيار مرشحه لمنصب رئاسة الجمهورية[4].

  • ملامح المنافسة الانتخابية في انتخابات 2024:

تشهد الانتخابات في عام 2024 منافسة بين أربع جبهات رئيسية، تتباين أوزانها وقدرتها في ضوء عدد من الاعتبارات، نستعرضها على النحو الآتي:

  1. جبهة الرئيس “رامافوزا”/ الرئيس المأزوم:

وعد الرئيس الحالي للبلاد بفوز حزبه الحاكم بالأغلبية المطلقة في انتخابات 2024 مؤكدًا عدم حاجته لأي تحالفات مع أحزاب أخرى لتشكيل حكومة ائتلافية عكس ما ذهبت إليه استطلاعات الرأي، وهو “ماتاميلا سيريل رامافوزا” البالغ من العمر 71 عامًا، والمولود في 17 نوفمبر 1952 بضاحية “سويتو” بالقرب من مدينة جوهانسبرغ[5]، بدء نشاطه زعيمًا نقابيًا مناهضًا لنظام الفصل العنصري، كان ذا ميول شيوعية جزئيًا في بدايته، قبل أن يتحول إلى رجل أعمال، ليعود إلى السياسة عبر الحزب الحاكم نائبًا لرئيس جنوب أفريقيا منذ عام 2014 حتى عام 2018، قبل أن يتولى رئاسة البلاد منذ ذلك التاريخ.

ويتميز بكونه مفاوضًا ماهرًا؛ إذ شغل منصب كبير مفاوضي “المؤتمر الوطني الأفريقي”  إبان التحول نحو الديمقراطية في جنوب أفريقيا، ليتولى بعدها منصب أمين عام “المؤتمر الوطني الأفريقي” في الفترة من عام 1991 حتى نهاية عام 1997، وقد مارس دورًا نقابيًا فاعلًا بتأسيسه أكبر نقابة عمال في البلاد، التي مارس من خلالها دورًا مؤثرًا في مفاوضات إنهاء الفصل العنصري، وقد تحول لاحقًا إلى رجل أعمال ذي ثروة قُدرت قُبيل توليه رئاسة جنوب أفريقيا بمبلغ 550 مليون دولار، وقد وُجهت له انتقادات عدة بسبب تضارُب المصالح بين أعماله التجارية ومنصبه السياسي، وهي الانتقادات التي لم تتحول إلى أي اتهام حقيقي.

وانتخابيًا؛ هو أحد “الثلاثي الشاب” عقب التحول نحو الديمقراطية بصحبة “كريس هاني” الذي اغتيل، و”ثابو مبيكي”، وعلى الرغم من كونه كان خيار نيلسون مانديلا المستقبلي لرئاسة البلاد، بيد أنه خسر منافسة السباق الرئاسي عام 1997 أمام “ثابو مبيكي”، ليترك بعدها السياسة ويتفرغ لمجال الأعمال قبل عودته مرة أخرى لمنصب نائب الرئيس “زوما” عام 2014، ثم رئاسة “المؤتمر الوطني الأفريقي” في ديسمبر 2017، ليتولى رئاسة البلاد بعدما اختاره البرلمان الجنوب أفريقي في جلسة استثنائية يوم 15 فبراير 2018، لخلافة زوما بعد تسع سنوات من حكم الأخير للبلاد -حيث حاول “رامافوزا” إزاحته من المنصب على خلفية اقتران اسمه بفضائح فساد- ليستمر “رامافوزا” في حكم البلاد حتى تاريخه[6].

وقد روج “رامافوزا” لشخصه بصفته محاربًا للفساد، هادفًا لإعادة بناء سمعة حزب “المؤتمر الوطني الأفريقي”، إلا أن ذلك لم يحُل دون ارتفاع معدلات البطالة إلى 32% – وهو المعدل الأعلى عالميًّا- خلال فترة حكمه، كما أنه فشل في إدارة “أزمة الكهرباء” في البلاد، حيث تشهد جميع أنحاء البلاد انقطاعات متكررة للتيار الكهربائي، على أثر فشل مزود الخدمة الذي تُديره الدولة، مما ألحق ضررًا بالغًا بالاقتصاد الوطني، وبسمعة الرئيس شخصيًا بوصفه عاجزًا عن معالجة مشاكل جنوب أفريقيا، حتى وإن أُشير إلى أزمة انقطاع الكهرباء بوصفها نتيجة لسوء إدارة موروثة من حقبة الرئيس السابق “زوما”. ومع ذلك لايزال المراقبون يتوقعون أن الحزب الحاكم برئاسته قادر على الفوز بأكبر حصة من الأصوات في الانتخابات الوشيكة مقارنة بمنافسيه، دون إغفال احتمال تشكيل حكومة ائتلافية في حال عجزه في الحصول على أكثر من 50% من الأصوات، وهو السيناريو الذي يتوقعه كثير من المراقبين.

  1. جبهة “جون ستينهاوزن”/ المنقذ الأبيض من الفساد:

“جون ستينهاوزن”  البالغ من العمر 48 عامًا، وهو الزعيم الأبيض الوحيد لحزب سياسي من بين الأحزاب السياسية الكبرى في البلاد، حيث يُعدُّ اللون محدّدًا رئيسيًا في الوعي السياسي، ومن ثم فقد وُجهت له انتقادات بوصف حزبه يمثل مصالح الأقلية البيضاء فحسب، ولا يُعبِّر عن الأغلبية السوداء التي تشكل 80% من سكان البلاد، ويُعدُّ ستينهاوزن زعيم حزب “التحالف الديمقراطي الوسطي” المعارض الرئيسي للحزب الحاكم، وقد وعد في بيان حزبه يوم 17 فبراير الماضي بالعاصمة بريتوريا وسط مؤيديه “بإنقاذ” جنوب أفريقيا مما يقول إنه “الفساد وسوء إدارة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي”، ومع ذلك فإنه لم يقترب قط من الفوز في أي انتخابات سابقة، وقد فاز حزبه بنسبة 22% في الانتخابات العامة الأخيرة في عام 2019 مقابل 62% لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي، ولعل الملمح الأبرز في الانتخابات الوشيكة هو دخول حزب “التحالف الديمقراطي” المعارض برئاسة جون ستينهاوزن في تفاهمات وتحالفات مع أحزاب المعارضة الأصغر قبيل الانتخابات، على أمل أن يؤدي تصويتهم المشترك إلى الحصول على الأغلبية وإزاحة حزب المؤتمر الوطني عن سدة الحكم، بيد أنه في ضوء الإحصاءات السابقة يصعب عليه الوصول إلى حاجز 50% عبر تحالفه مع هذه الأحزاب، ومن ثم فهذا السيناريو غير مرجح في نظر مراقبين، دونما استبعاد الاضطرار لاشتراكه في ائتلاف جديد للحكم.

  1. جبهة “جوليوس ماليما”/ ومحاولة فاعلة لاختبار الماركسية:

“جوليوس ماليما” هو سياسي يساري متطرف بالغ من العمر 43 عامًا، ولد في 3 مارس 1981 في بلدة “سيشيغو” بمقاطعة “ليمبوبو” الحدودية مع زيمبابوي وموزمبيق وبتسوانا في شمال شرق البلاد[7]، وهو زعيم شبابي سابق في الحزب الحاكم، قبل أن يُطرد منه، ليُشكل في عام 2013 حزب “المقاتلون من أجل الحرية الاقتصادية” الذي يُشار له اختصارًا باسم (EFF)، والذي صعد في غضون خمس سنوات ليكون ثالث أكبر حزب في برلمان جنوب أفريقيا.

ويعد “ماليما” أكثر السياسيين إثارة للجدل في البلاد، ويتميز بخطاب سياسي يساري متطرف، وتدور أهداف رسالته الانتخابية الرئيسية حول فشل الحزب الحاكم في حماية الفقراء والسود في البلاد، مما أكسبه زخمًا بين الشباب الساخطين والمتعطلين عن العمل، كما دعا إلى تأميم المناجم، وإعادة توزيع الأراضي على السود الفقراء، ويُعلن صراحة اتباع حزبه أيديولوجية ماركسية، مُشيرًا إلى أن عدم المساواة الاقتصادية على أساس عرقي لاتزال قائمة بعد عقود من انتهاء الفصل العنصري، حيث يرى أنه لا يزال الفقراء من السود والأثرياء من البيض، كما أن سلوكه البرلماني يُوصف بالتشدد؛ إذ تسبب في مشاجرات داخل البرلمان مع حراس الأمن به، ومقاطعته لخطابات معارضيه بشكل منتظم، ومع ذلك فإن حزبه يُعدُّ الأقرب إلى الدخول في ائتلاف حكم، إن  فَشِل حزب المؤتمر الوطني الأفريقي في الحصول على الأغلبية المؤهلة لتشكيل الحكومة منفردًا، وذلك على الرغم من عدم إعلان أيٍّ من الطرفين إذا ما كان هناك اتفاق محتمل في هذا الشأن.

  1. جبهة “زوما”/ محاولة عنيفة للعودة:

“جاكوب زوما” الرئيس السابق للحزب الحاكم والبلاد لمدة تسع سنوات منذ 2009 وحتى 2018، ونائب رئيس البلاد في الفترة من 1999-2005، ونائب رئيس الحزب الحاكم في الفترة من 1997 إلى 2007، ثم رئيسًا للحزب الحاكم من 2007 حتى 2017، وُلد في 12 إبريل 1942، ويبلغ من العمر 82 عامًا، وفي ديسمبر عام 2023 أعلن “زوما” أنه سيُدير ظهره للحزب الحاكم الذي قاده ذات يوم، فقام الحزب الحاكم بتعليق عضوية زوما في يناير 2024، ليعود إلى السياسة عبر حزب ناشئ جديد، ، فبدأ في دعم حزب سياسي جديد اسمه “رمح الأمة” ليتولى زوما رئاسة الحزب في إبريل من عام 2024، وقد خاض حزبه أول انتخابات فرعية في أوائل عام 2024[8].

وقد أُثير جدل سياسي وقانوي بشأن اسم الحزب وشعاره، فاسم الحزب الجديد في اللغة المحلية هو “أومكونتو وي سيزوي” (uMkhonto weSizwe Party) والذي يُشار إليه اختصارا باسم (MK Party)[9]، والذي يعني “رمح الأمة” وهو الاسم والراية اللتان تعود نسبتهما إلى الجناح المسلح لحزب المؤتمر إبان نضاله ضد الفصل العنصري، إذ رفع حزب المؤتمر الحاكم لاحقًا دعوى لمنع الحزب الوليد من استخدام الاسم بدعوى الملكية الفكرية، وتاريخيًا؛ فإن حزبًا قد تأسس عام 1961باسم “رمح الأمة” على يد الرئيس الأسبق نيلسون مانديلا، وذلك لمكافحة نظام الفصل العنصري، وسرعان ما تحول ليكون الجناح المسلح لحزب المؤتمر، واللافت للنظر أن نسخة عام 2024 من الحزب تم إعلان تأسيسها بالتزامن مع الذكرى الـ62 من إعلان البيان التأسيسي للنسخة الأصلية من الحزب في 16 ديسمبر عام 1961، وذلك في إشارة لمنازعة الحزب الجديد لحزب المؤتمر الوطني الحاكم في احتكاره لمسيرة النضال ضد الفصل العنصري التي تمثل شرعيته الأساسية للاستمرار في الحكم حتى تاريخه[10].

وانتخابيًا؛ يرى مراقبون صعوبة منافسة حزب “زوما” الجديد على المراكز الثلاثة الأولى في انتخابات 2024، بيد أن النتيجة الرئيسية لحضوره الانتخابي هو الدفع نحو مزيد من تآكل شعبية وأصوات الحزب الحاكم، خصوصًا في ظل استمرار حصول “زوما” على دعم شعبي في بعض الأنحاء، كمسقط رأسه بمقاطعة “كوازولو ناتال” الساحلية في الشمال الشرقي للبلاد، ومع ذلك فإن فرصه الانتخابية لاتزال محدودة خاصة في ظل إدانته قضائيًا مرات عدة، آخرها إدانته بتهمة ازدراء المحكمة، والحكم عليه بالسجن في عام 2021، وهي الحادثة التي تسببت في اندلاع أعمال شغب ونهب أسفرت عن مقتل أكثر من 350 شخصًا في أسوأ أعمال عنف شهدتها البلاد منذ انتهاء الفصل العنصري، ومن ثم فالملمح الرئيسي لمشاركة حزبه الانتخابية تدور حول المخاوف الأمنية من اندلاع أعمال عنف وشغب، خصوصًا في ضوء ما يخوضه “زوما” شخصيًا من معركة قضائية بشأن إذا ما كانت إدانته الجنائية السابقة تمنعه من الترشح للبرلمان أم لا، لتلتصق به صفة جديدة باعتباره “محرضًا” على زيادة التوتر في انتخابات فارقة في تاريخ البلاد[11].

وفي نهاية مارس الماضي استبعدت اللجنة الانتخابية “زوما” من الترشح للانتخابات، إلا أن محكمة انتخابية ألغت قرار اللجنة في إبريل 2024، قبل أن تستأنف اللجنة الانتخابية قرار المحكمة أمام المحكمة الدستورية العليا، التي قضت يوم الإثنين 20 مايو 2024، أي قبيل الانتخابات بأسبوع، بعدم أهليته للترشح في الانتخابات العامة، وذلك على خلفية إدانته في عام 2021 بازدراء المحكمة، إذ نصت هيئة المحكمة في قرارها القاضي بعدم أهليته، أن “عقوبة السجن لأكثر من عام التي صدرت بحق زوما تجعله غير مؤهل لخوض الانتخابات”[12]، إذ حُكم عليه حينها بالسجن لمدة 15 شهرًا بعد رفضه مرات عدة المثول للإدلاء بشهادته أمام لجنة مكلفة بالتحقيق في اتهامات ضده بمحاباة الأقارب والفساد أثناء فترة حكمه، وقد شهدت جلسة المحكمة الدستورية التي قضت بمنع زوما حالة من الجدل القانوني حول أهلية زوما، نظرًا إلى أن فترة سجنه تم تقصيرها، إذ لم يقضِ في السجن سوى شهرين أو أزيد قليلًا ، إذ حصل على إفراج مشروط لأسباب صحية في البداية، قبل أن يتم تخفيف عقوبته لاحقًا، إذ استندت المحكمة العليا في رفضها ترشحه إلى أنه تم “اعتماد مدة العقوبة الصادرة في حقه وليس مدة العقوبة التي قضاها في السجن”، ومن ثم فقد يؤدي منع زوما من الترشح إلى موجة من أعمال العنف والشغب خلال الانتخابات المنتظرة مثلما حدث عقب الحكم عليه في عام 2021، ليُضفي سمة جديدة للانتخابات العامة في جنوب أفريقيا[13].

  • استطلاعات نتائج التصويت لانتخابات 2024: الاتجاهات والقضايا المُلحّة:

يُشير تتبع نسب الأصوات الانتخابية التي حصل عليها الحزب الحاكم على مدار الانتخابات الستة الفائتة تآكلًا لشعبيته بين المواطنين في جنوب أفريقيا، وهي الشعبية التي يُعزى تضاؤلها إلى قضايا ملحّة عدّة ستستعرضها الدراسة لاحقًا، وقد أشارت استطلاعات الرأي التي أجراها بعض المراقبين إلى أن الانتخابات الراهنة ستُشكل مشهدًا فاصلًا في تاريخ حزب المؤتمر الوطني الحاكم، إذا ما انخفض عدد الأصوات التي سيحصل عليها في الانتخابات الوشيكة دون حاجز الـ 50% مما قد يدفعه لعقد تحالفات مع آخرين لتشكيل ائتلاف حاكم ليحصل متغير نوعي جديد في السياسة والحكم في جنوب أفريقيا.

رسم بياني يوضح نسبة الأصوات

التي حصل عليها الحزب الحاكم في مقابل الأحزاب الأخرى جميعها في مختلف الاستحقاقات الانتخابية (اللون الأحمر يُشير إلى الحزب الحاكم، والرمادي إلى باقي الأحزاب)

المصدر: شبكة بي بي سي عن اللجنة الانتخابية https://www.bbc.com/news/articles/clll2p73j5lo

ويُفسر المراقبون الانخفاض المطّرد في شعبية الحزب الحاكم بفشله في معالجة عدد من القضايا الملحة والهيكلية في الداخل الجنوب أفريقي، أولها تراجع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في السنوات الأخيرة لما هو دون الـ 7 آلاف دولار أمريكي في عام 2022، بعد أن لامس سقف الـ 9 آلاف دولار أمريكي في عام 2011، وهو ما يعكس حالة التعثر الاقتصادي في الدولة الأغنى في أفريقيا، مما يرفع مستويات الفقر، ويُصعب على المواطنين الحصول على سكن ورعاية صحية وفرص عمل أفضل.

رسم بياني يوضح تغيرات نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي

 في جنوب أفريقيا مقدرًا بالدولار الأمريكي

المصدر: شبكة بي بي سي عن البنك الدولي https://www.bbc.com/news/articles/clll2p73j5lo

وقد أدى التعثر الاقتصادي في جنوب أفريقيا بفعل عوامل خارجية عدة كجائحة كورونا والارتفاع العالمي للأسعار، وعوامل داخلية كأزمة انقطاع الكهرباء -وذلك ضمن عوامل أخرى كالفساد والجريمة- إلى مستويات معتبرة من عدم العدالة في توزيع الدخل والثروة بين السكان، وفقًا لمقياس جيني، لتكون الدولة الأكثر تفاوتًا في توزيع الدخل عالميًا في السنوات العشر الأخيرة، فعلى سبيل المثال يمتلك أغنى 20% من السكان ما يقرب من 70% من الدخل، وعلى النقيض يمتلك أفقر 40% من السكان في البلاد نحو 7% فقط من دخل البلاد.

رسم بياني يوضح تصدُّر جنوب أفريقيا

قائمة أكثر 10 دول تشهد عدم مساواه في الفترة من 2010-2022

المصدر: شبكة بي بي سي عن تقرير التنمية البشرية 2023/2024 https://www.bbc.com/news/articles/clll2p73j5lo

ولعل أبرز الأسباب الرئيسية لعدم المساواة المعتبرة في جنوب أفريقيا هي ارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات غير مسبوقة وصلت إلى مستويات هي الأعلى عالميًا، بلغت ذروتها في عام 2023 لتصل إلى 34,3%، لتنخفض قليلًا إلى حدود 33% في الربع الأول من عام 2024.

رسم بياني يوضح التغير في معدل البطالة في جنوب أفريقيا في الفترة من 2008-2024

المصدر: شبكة بي بي سي عن وزارة الخزانة https://www.bbc.com/news/articles/clll2p73j5lo

وقد أدى ارتفاع معدلات البطالة إلى اتساع الهوة في أوساط الشباب بين مَن هم في التعليم أو العمل أو التدريب وبين غيرهم، لتصل نسبة من ليسوا ضمن هذه الفئات إلى أكثر من 44% في الفئة العمرية من 15 إلى 34، وذلك في البلد الذي تُعدُّ أغلبية سكانه شبابًا، إذ تبلغ نسبة من هم دون سن 35 عامًا نحو 26 مليون نسمة.

شكل يوضح نسبة الشباب مِمَّن

ليسوا في العمل أو التدريب أو التعليم في الفئة العمرية من 15 إلى 34

المصدر: شبكة بي بي سي  https://www.bbc.com/news/articles/clll2p73j5lo

ويُعد ملف الجريمة أحد الملفات الحرجة في المنافسة الانتخابية الجارية؛ إذ ارتفعت إلى مستويات غير مسبوقة في عام 2023 لتصل إلى حدود 300 حالة اعتداء، و50 حالة قتل، وفي حدود 70 حالة سرقة لكل 100 ألف نسمة، ويُعدُّ ملف المستويات المرتفعة للجريمة في جنوب أفريقيا أحد الملفات المهمة على أجندات الأحزاب السياسية في هذه الانتخابات؛ إذ تعهد معظمها في بياناته الانتخابية بمعالجة مستوياتها المرتفعة.

رسم بياني يوضح معدل ونوعية الجرائم لكل 100 ألف نسمة في جنوب أفريقيا

المصدر: شبكة بي بي سي  https://www.bbc.com/news/articles/clll2p73j5lo

وآخر الملفات ذات الأولوية على الأجندات الانتخابية للأحزاب هو معدلات الهجرة المتنامية إلى جنوب أفريقيا وخصوصًا من دول الجوار، على الرغم من الصعوبات الاقتصادية المتزايدة التي تواجهها البلاد، إذ بلغت نسبة المهاجرين إلى جنوب أفريقيا في عام 2023 نحو 3% من السكان أي نحو 2,4 مليون شخص، وهو ما تسبب في موجة من العنف ضد الأجانب في الآونة الأخيرة.

رسم بياني يوضح نسب المهاجرين إلى جنوب أفريقيا في عام 2023

المصدر: شبكة بي بي سي https://www.bbc.com/news/articles/clll2p73j5lo

في النهاية يمكن القول إن حزب المؤتمر الوطني سيظل مهيمنًا على الانتخابات العامة والنظام السياسي في جنوب أفريقيا في الانتخابات الوشيكة، إما منفردًا أو مؤتلفًا، ولكن مع استمرار تراجع شعبيته في السنوات المقبلة، إن تواصل الأمر على ما هو عليه، فقد ينقاد الحزب إلى الانحسار في المشهد السياسي في جنوب أفريقيا في غضون الانتخابات بعد المقبلة، خصوصًا إذا ما فشل في تقديم حلول حقيقية لمعالجة معدلات أدائه السلبية غير المسبوقة في السنوات الأخيرة، في القضايا الهيكلية الملحّة، التي لا يبدو أنه لديه أجندة حقيقية للتعاطي معها، وخصوصًا في ملفات الفساد والجريمة، والبطالة.

 ولعل السمة الأهم في الانتخابات الوشيكة هو بدء التنازع حول الشرعية التاريخية للحزب الحاكم، بوصفه المكافح الأوحد الذي ناضل لإنهاء نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا في 1991، وهذا هو المسوغ الرئيسي لبقائه ونجاحه انتخابيًّا حتى تاريخه.

 وثاني تلك السمات تتمثل في احتمال اكتساب العملية الانتخابية في جنوب أفريقيا سمة معتبَرة، وهي اعتياد أعمال العنف والشغب المصاحب للانتخابات، خصوصًا في ظل منع زوما من الترشح، وفي ضوء خبرته مع أحداث العنف عام 2021.


[1] The Africa Center for Strategic studies, “South Africa: May 29, 2024, Elections.” Africa Center for Strategic Studies. May 3, 2024. https://shorturl.at/HLhw3.

[2] “What’s New in the 2024 Elections: Electoral Amendment Act – Electoral Commission of South Africa.” n.d. https://shorturl.at/wSNsZ.

[3] ليث مشتاق، “جنوب أفريقيا تقترع.. كيف تقدم الأحزاب الرئيسية نفسها للناخبين؟”، الجزيرة نت، 3 مايو 2024، على الرابط: https://shorturl.at/tVz3T

[4] ليث مشاق، “التحالفات الحزبية عنوان المرحلة في انتخابات جنوب أفريقيا”، الجزيرة نت، 9 مايو 2024، على الرابط: 2024 https://shorturl.at/rA2sH.

[5] The Editors of Encyclopaedia Britannica. 2024. “Soweto | History, Map, & Facts.” Encyclopedia Britannica. May 21, 2024. https://www.britannica.com/place/Soweto.

[6] “من هو سيريل رامافوزا؟”، جريدة الشرق الأوسط، 17 مايو 2019، على الرابط: https://shorturl.at/WwgWh

[7] The Editors of Encyclopaedia Britannica. “Limpopo | Wildlife, Parks & Nature Reserves.” Encyclopedia Britannica. April 21, 2024. https://www.britannica.com/place/Limpopo.

[8] Legassick, Martin. “Jacob Zuma | Biography, Age, MK Party, ANC, Education, & Facts.” Encyclopedia Britannica. May 22, 2024. https://www.britannica.com/biography/Jacob-Zuma.

[9] McKenna, Amy. “Umkhonto we Sizwe Party | MK, Origins, Controversy, & Jacob Zuma.” Encyclopedia Britannica. May 20, 2024. https://www.britannica.com/topic/uMkhonto-weSizwe-Party.

[10] ليث مشتاق، “شعار رمح الأمة محور صراع رفاق السلاح في جنوب أفريقيا”، الجزيرة نت، 28 مارس 2024، على الرابط: https://shorturl.at/OfsGw

[11] Associated Press. 2024. “South Africa Facing Milestone Election; Here Are the Main Players.” Voice of America, May 19, 2024. https://shorturl.at/iSUK3.

[12] “القضاء يستبعد الرئيس السابق لجنوب أفريقيا من المشاركة في الانتخابات”، هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية، 20 مايو 2024، على الرابط: https://shorturl.at/hQflf.

[13] “القضاء بجنوب أفريقيا يستبعد زوما من المشاركة في الانتخابات”، الجزيرة نت، 20 مايو 2024، على الرابط: https://shorturl.at/TGexd

المواضيع ذات الصلة