مثلت الحرب الروسية - الأوكرانية منطقة حرجة لسياسات بعض الدول التي تحاول قدر الإمكان الحفاظ على مصالح متوازنة أطراف مع الصراع وعدم الميل باتجاه تبني موقف منحاز سواء من ناحية تجنب إظهار التأييد لروسيا أو الإدانة لها. ومع أن الدول تميل إلى موقف الحياد باعتباره "فضاء آمناً" يُمكن أن يحميها من الأضرار الجانبية لانحيازها لأحد أطراف الصراع، فإن الصين لم تكن رغم اتخاذها هذا الموقف، تشعر أنها تقف في منطقة مريحة لأن روابطها الاستراتيجية مع روسيا واحتواء علاقتهما على الكثير من المشتركات لا سيما ما يتعلق بالرؤية لطبيعة النظام الدولي ورفض الأحادية الأمريكية وإدراكهما المتماثل نسبياً للبيئة الأمنية الإقليمية وما تحويه من تحديات وتهديدات والتشابه في بعض جوانب الحكم بين الدولتين فضلاً عن الصداقة الشخصية القائمة بين الرئيسين الصيني والروسي، كل هذا كان يتطلب من الصين إبداء موقف مساند لروسيا ومعزز لها وليس أن تلوذ بالحياد. مع ذلك، وجدت الصين أن أفضل خيار سياسي يمكن أن تتبناه ظاهرياً هو الوقوف في المنتصف بين طرفي الصراع.
ولعل ما جعل الصين تتخذ سياسة حذرة تجاه هذه الحرب هو طبيعة موقع القوة الذي تحتله والشروط التي يجب الإيفاء بها من أجل الحفاظ على هذا الموقع. إذ تمثل الصين قوة اقتصادية ناهضة ارتبط صعودها بالعلاقات التجارية الثرية مع دول العالم، لاسيما دول أوروبا وأمريكا الشمالية، والحفاظ على النمو الاقتصادي الصيني يُلزمها الإبقاء على علاقة طبيعية مع هذه الدول من أجل الوصول إلى هدفها الاستراتيجي بعيد المدى وهو أن تكون الاقتصاد رقم واحد على مستوى العالم. وكل هذا فرض عليها الالتزام الشديد بسياسة تأمين الصعود السلمي للقوة الصينية من خلال التعامل بنوع من التوازن تجاه أطراف الصراع. إذ التزمت الصين بتطبيق حزمة من العقوبات الاقتصادية ضد روسيا لكنها في الوقت نفسه أبدت تفهماً للظروف الأمنية التي دفعت روسيا للدخول في حرب، كما ساندتها على مستوى الإعلام الشعبي وهو ما تم فهمه على أنه مؤازرة سياسية، وأن تركيز الصين الأكثر أهمية الذي يكمن وراء هذا السلوك هو من أجل التكيف مع الحقائق والوقائع على مستوى النظام الدولي وعلاقات القوة التي ستؤسس لها الحرب بعد انتهائها.