Insight Image

ما بعد الاتفاق السعودي – الإيراني

16 مارس 2023

ما بعد الاتفاق السعودي – الإيراني

16 مارس 2023

منذ اللحظات الأولى للإعلان عن الاتفاق السعودي الإيراني، تبارى كبار الكُتَّاب والمحللين في توضيح الدوافع والأسباب والاتجاهات والتأثيرات المحتملة للاتفاق، في البيئة الاستراتيجية الدولية والإقليمية. بل إن هناك من ذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، حيث تناولوا مستقبل الاتفاق وموقف الأطراف الدولية والإقليمية منه، دون التطرق إلى الاتفاق نفسه.

وفي الواقع، تتمثل الأهمية الجيواستراتيجية لهذا الاتفاق في التأكيد على السياسات الإقليمية الجديدة التي تسعى إلى “تصفير المشاكل”، وتفعيل الأدوات الدبلوماسية والحوار لحل الأزمات القائمة، وإدارة سياسات خارجية مستقلة، والسعي إلى تحقيق المصالح والغايات الوطنية بمنأى عن صراع القوى الكبرى، والأحلاف والتكتلات السياسية، لا سيّما بعد اهتزاز الثقة الاستراتيجية في القوى الغربية.

وفي هذا التحليل سوف نتناول عدة نقاط رئيسية، هي: الحقائق المسكوت عنها في هذا الاتفاق، والقوى الرابحة والخاسرة من الاتفاق، وماذا بعد الاتفاق السعودي الإيراني؟

أولًا، حقائق مسكوت عنها

بغض الطرف عن التحليلات المختلفة للاتفاق السعودي – الإيراني، فإنه يعكس العديد من الحقائق، التي تتمثل فيما يلي:

أول هذه الحقائق، أن الاتفاق يُعَدُّ مفاجأة للكثيرين، بما فيهم القوى التي كانت تَدَّعي أنها على علم بمسار المفاوضات وجولاتها المختلفة، حيث كانت تُشير تقديرات تلك القوى إلى أن الدولتين – بأي حال من الأحوال – لن تتوصّلا إلى الاتفاق على المدى القريب، في ظل ما وصلت إليه العلاقات بينهما من تعقيد وتشابك، إلى حَدّ الإضرار العمدي بجوهر الأمن القومى لكل منهما.

 ثاني هذه الحقائق، أن الاتفاق لم يكن وليد اللحظة، بل هو نتاج جهد منظم استمر لبضع سنوات، زادت الأمور فيها تعقيدًا وتشابكًا. كما أنه لم يكن ثمرة لجهود وساطة دولة واحدة، بل كان وراءه عدد من الدول، إلى أن كُتب له الظهور إلى العلن على الأراضي الصينية. بمعنى آخر، أن ما جرى في بكين من مفاوضات استمرت لمدة خمسة أيام بين مستشار الأمن السعودي ونظيره الإيراني، كان استكمالًا لخمس جولات، منها ما جرى في بغداد بشكل مباشر، أو عبر سلطنة عمان، من خلال لجنة متابعة الأوضاع في اليمن، التي أسفرت عن توقيع اتفاق لتطبيع وتصحيح مسار العلاقات بين السعودية وإيران، على أمل استعادة هذه العلاقات على صعيد فتح السفارات في البلدين بعد 60 يومًا من تاريخ التوقيع على الاتفاق في بكين، ومن ثم تفعيل الاتفاقية الأمنية بين البلدين، الموقعة عام 2002.

وما من شَكٍّ في أن رعاية الصين للاتفاق السعودي الإيراني من أجل عودة العلاقات بين الجانبين واحترام سيادة كل دولة وعدم التدخل فى شؤونها الداخلية تمثل خطوة مهمة إلى الأمام في اتجاه حل مشاكل المنطقة وتهدئة التوتر، ذلك التوتر الذي تصاعد في الفترة الماضية، وخاصة بين إيران والسعودية [1].

ثالث هذا الحقائق، هو رغبة القيادة في كل من الدولتين على مواصلة المفاوضات، والعمل على إنجاحها، حيث صدر عنهما كثير من التصريحات التي عملت على تهيئة الأجواء لاستمرار مسار المفاوضات بينهما. كل ذلك من أجل “تصفير” المشاكل الخارجية، والتركيز على التنمية الداخلية بمشتملاتها المتنوعة.

رابع هذه الحقائق، أن كُلّ دولة منهما بحاجة ماسّة إلى التهدئة والحوار؛ من أجل التفرغ لملفات أخرى ذات أهمية وأولوية على أجندتها الوطنية. وهنا يمكننا القول إن حاجة إيران للتهدئة كانت أكثر بكثير من المملكة العربية السعودية، حيث تمر بظروف اقتصادية واجتماعية صعبة للغاية، تمثل تحديًا كبيرًا أمام النظام القائم الآن، إذ إنها تريد التفرغ للمواجهة الأكبر مع إسرائيل، والتعامل مع الأوضاع المضطربة في آسيا الوسطى، وإدارة مفاوضات الملف النووي مع القوى الغربية.

خامس هذه الحقائق، أن الاتفاق يأتي في ظل لحظة حرجة من عمر النظام الدولي، الذي يشهد تَحَوُّلًا تدريجيًا نحو الشرق “الصين”، التي ترغب في لعب دور أكبر في النظام العالمي. كما يأتي في ظل حرب تدور بالوكالة بين الغرب وروسيا على الأراضي الأوكرانية، وأزمات وكوارث طبيعية متتالية، ومنظمات دولية عاجزة عن أن تلعب دورًا فعالًا في ظل بيئة دولية مضطربة.

سادس هذه الحقائق، أن عودة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين لا تعني بالضرورة الاتفاق فيما بينهما على كل الملفات، وإنما تعني العودة إلى الطرق المُتعارف عليها بين الدول لحل الخلافات والتشابكات، بعيدًا عن الإضرار أو التدخل في شؤون الطرف الآخر، أو إدارة حرب بالوكالة.

ثانيًا، تأثيرات الاتفاق على العلاقات الإقليمية والدولية

لن تقتصر تأثيرات الاتفاق على السعودية وإيران فقط، فهناك الكثير من القوى الأخرى التي سوف تجني ثمار هذا الاتفاق، والتي من بينها ما يلي:

دول الخليج العربية: إن التقارب السعودي-الإيراني سوف يؤدي بالتبعية إلى تقارب خليجي-إيراني لتطبيع العلاقات وهو ما أشارات إليه التصريحات الإيرانية. وجديرٌ بالذكر أن هذه العلاقات كان يغلفها التوتر بسبب التدخلات الإيرانية في شؤون الدول الخليجية الداخلية. كما أن هذا التقارب يؤمل معه أن يؤدي إلى وقف التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول الخليجية، وفي الممرات البحرية الدولية، وأن يقود إلى مزيد من التنسيق والتعاون بينهما في الكثير من الملفات الأمنية والاقتصادية والسياسية والثقافية. والأهم من ذلك كله أنه سوف يبعد الأراضي الخليجية عن أن تكون ساحة لمعركة محتملة بين إسرائيل وإيران.

الاستقرار في اليمن: إن أحد أهم التأثيرات المتوقعة للاتفاق هو تعزيز الاستقرار في اليمن، حيث سيعمل الطرفان – السعودية وإيران – على وقف الحرب، وفرض التهدئة، ومساعدة الأطراف اليمنية للوصول إلى ترتيبات نهائية لسلام دائم، والدخول في مرحلة إعادة الإعمار بمشاركة الأطراف الإقليمية والدولية الأخرى[2].

دول المشرق العربي: من البديهي أن سوريا ولبنان والعراق وفلسطين ستكون هي الأخرى من الدول المستفيدة من هذا الاتفاق. فعلى الصعيد السوري سوف يؤدي الاتفاق إلى تسريع عودة دمشق إلى الحضن العربي، وربما المساعدة والتنسيق لطرد الجماعات الإرهابية من أراضيها، ليس هذا فحسب، بل أيضًا خروج القوات التركية والأمريكية والروسية. أمّا على صعيد القضية الفلسطينية فسوف تعود لتحتل مكانتها الطبيعية في الأجندة العربية كقضية مركزية، وربما يحدث تعاون بين الرياض وتل أبيب من أجل الوصول إلى تسوية للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي.

أمّا العراق فهو أيضًا من القوى الرابحة، إذ إن تسوية الخلافات السعودية الإيرانية سوف تساعد العراق على تجفيف بؤر الإرهاب، ومحاصرة تمويل الجماعات الإرهابية، ومواجهة الميليشيات وجماعات العنف، الأمر الذي سوف يؤدي بدوره إلى إشاعة الاستقرار والأمن فيه، لا سيّما وأن هذا الاتفاق قد أكد على الدور الكبير الذي يمكن أن يلعبه العراق في المنطقة. ومما تجدر الإشارة إليه أن هذا الاتفاق، بعد خروجه إلى النور، قد أعقبه إعلان إيران عن إفراج العراق – وبموافقة أمريكية – عن 500 مليون دولار أمريكي كانت مجمدة لتسديد جزء من ديون إيران لدى العراق[3].

أمّا على صعيد لبنان، فإننا لن نشهد تنازلًا سعوديًا في لبنان – حسب تمنيات الممانعة اللبنانية – وعلى أقطاب الممانعة أن يدققوا في كلام وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، الذي قال إنّ لبنان يحتاج إلى تفاهم لبناني – لبناني، لا إيراني – سعودي. ومن الأهمية بمكان أن نشير إلى ما أكّد عليه في سياق كلامه، ألا وهو تمسّكه بخريطة الطريق التي تبدأ من انتخاب رئيس “غير تابع لحزب الله”، قادر على رعاية تشكيل حكومة تبدأ بالإصلاح الفعلي، وهذه المواصفات لا تنطبق بالتأكيد على مرشح حزب الله[4].

العلاقات المصرية -الأردنية – لإيرانية: تشير التصريحات الإيرانية – في أكثر من مناسبة – إلى أن هناك رغبة إيرانية عبّر عنها وزير الخارجية الإيراني عبد اللهيان، تؤكد على ضرورة عودة علاقات بلاده مع كُلٍّ من مصر والأردن. وجديرٌ بالذكر أنه – أثناء إعلانه عن عودة العلاقات مع السعودية – قد لَمَّحَ إلى وجود تطورات أخرى لتحسين علاقات بلاده مع دول أخرى مؤثرة في المنطقة.

إسرائيل: في الوقت الذي رحبت فيه الدول العربية والإسلامية بالاتفاق السعودي الإيراني على استئناف العلاقات الدبلوماسية، معتبرين إياه خطوة باتجاه الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط[5]، فإن موقف إسرائيل كان على العكس من ذلك ، حيث ترى الكثير من السياسين والمفكرين في إسرائيل أن تسوية الخلافات السعودية الإيرانية ليست في مصلحة إسرائيل التي تسعى إلى التطبيع مع المملكة العربية السعودية، كما أن تسوية السعودية لخلافاتها مع إيران سيجعلها في موقف أقوى في مواجهة الضغوط الإسرائيلية – الأمريكية التي تُمَارَس عليها لتحقيق تطبيع “على بياض” مع إسرائيل. بمعنى آخر، إن المملكة سوف تضع شروطها للوصول إلى التطبيع مع إسرائيل، ومنها تنفيذ المبادرة العربية والوصول إلى حل الدولتين. كما اعتبرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن الاتفاق بمثابة صفعة لإسرائيل، وعقبة أمام تطلعات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المعلنة لتوسيع دائرة التطبيع و”اتفاق أبراهام”، فضلًا عن أنها بمثابة فشل لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في سعيه لمنع تعزيز الصين نفوذها بالشرق الأوسط.

وفي هذا الإطار، قال زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد: إن “الاتفاق السعودي الإيراني هو فشل تام وخطر لسياسة الحكومة الإسرائيلية الخارجية… إنه انهيار للجدار الدفاعي الإقليمي الذي بدأنا ببنائه ضد إيران”. كما رأى براين كاتوليس من معهد الشرق الأوسط بواشنطن أن الاتفاق السعودي الإيراني الجديد “قد يؤدي إلى إحداث فجوة أوسع بين إسرائيل والسعودية[6]. وبعيدًا عن تراشق الاتهامات بين الائتلاف والمعارضة في إسرائيل، قال رئيس لجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست يولي إدلشتاين إن تجديد العلاقات بين الرياض وطهران “أمر سيئ للغاية لإسرائيل وللعالم الحُرّ بأسره”[7].

وعلى المستوى الدولي، ينطوي الاتفاق على زيادة النفوذ الصيني في المنطقة، حيث أكدت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن الاتفاق السعودي الإيراني يمثل انتصارًا دبلوماسيًا لبكين في منطقة هيمنت الولايات المتحدة لفترة طويلة على جغرافيتها السياسية. واعتبرت الصحيفة هذاالاتفاق بمثابة “هزة في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط”، ومؤشر على زيادة نفوذ بكين في منطقة تخلت الولايات المتحدة عنها، لتحوّل تركيزها إلى صراع على النفوذ مع الصين وروسيا[8]. ولا شك أن دخول الصين على الخط، وإسهامها في فرض التهدئة، ونجاحها في تحقيق اختراق شرق أوسطي، كل ذلك يبدو وكأنه جاء على حساب الدور الأمريكي المتراجع في المنطقة، وهو ما أثار الذهول والقلق في واشنطن التي تعاملت معه كحدث قد يمثل نقطة تحوّل إقليمي – جيوسياسي فارقة، وربما تاريخية. ولأنه بهذا الحجم، فقد احتل على الفور العناوين الرئيسية، وأثار فيضًا من التعليقات والقراءات الأولية التي تقاطعت في تفسيره عند اعتباره هدفًا صينيًا في المرمى الأمريكي، في اللحظة ذاتها التي تتحدث فيها إدارة بايدن عن الخطر الصيني، وتحشد لإضعاف نفوذه في العالم، ولمواجهته في عقر داره الآسيوي[9].

بمعنى آخر، فإن هذا الاتفاق يُعَدُّ بمثابة دفعة صينية لدول الإقليم في استمرار التوجه شرقًا بدلًا من الاعتماد على قوة واحدة، وبما يترك لها فسحة لحرية القرار المحلي ولتغليب مصالحها الاستراتيجية. وبذلك، فإن الصين كسرت وحدانية التعويل في المنطقة على الولايات المتحدة، بعدما أدت سياساتها إلى “الفراغ والفشل” وعدم الاستقرار. كما أن التوجهات الصينية تخاطب المنطقة بلغة “تراعي حساسياتها”، وبالتالي تعزز العلاقات معها والثقة بها[10].

وفي المجمل، إن الاتفاق يعتبر بمثابة رسالة من الصين إلى العالم، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تقول في رسالتها إنها قوة صاعدة، وتمثل منافسًا حقيقيًا لحضورها الدولي، ليس فقط على المستوى التجاري والاقتصادي، بل أيضًا على المستوى السياسي والدبلوماسي، وهو مجال كان للولايات المتحدة السبق والهيمنة عليه[11].

وفي هذا السياق، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن إعلان إيران والسعودية إعادة العلاقات الدبلوماسية يمثل تحديًا جيوسياسيًا للولايات المتحدة، وانتصارًا للصين. وهنا نستطيع القول إن الموقف الحقيقي للولايات المتحدة والدول الأوروبية سيكون عاملًا مؤثرًا في مسألة عودة العلاقات السعودية الإيرانية، بل وفي أكثر من ذلك، ألا وهو الذهاب قُدُمًا لتسوية النزاعات في اليمن، وسوريا تحديدًا، والعكس صحيح.

ليس من شك في أن استئناف علاقات البلدين يعبر عن إحباط الرياض وعدم ثقتها في واشنطن. فمع استمرار سياسة إدارة أوباما – عبر إدارة بايدن – في تجاهل التحالف العربي، وقلق العواصم العربية من الأخطار التوسعية والإرهابية للراديكاليين في المنطقة، ومشاهدتهم تسليم أفغانستان إلى حركة “طالبان” بعد 20 عامًا من الدعم، وبعد أن صُدموا من رؤية الهرولة الغربية باتجاه طاولة المفاوضات مع الإيرانيين، بل حتى من دون دعوة التحالف العربي، وهو المعنيّ الأول بالبعد الإقليمي، هنالك بدأت تتكون اتجاهات لدى بعض الدول العربية، مفادها أن مصالحها الوطنية يجب أن تأتي قبل التحاقها الدائم بسياسات واشنطن، لا سيّما بعد أن بات واضحًا أن إدارة بايدن ماضية في وضع مصالحها المرتبطة بالاتفاق النووي فوق أي اعتبار، بما فيه الأمن القومي لشركائها العرب والشرق أوسطيين. وبناء عليه، بدأت الأجندات الوطنية للسعودية وغيرها من الدول النافذة في المنطقة تضع أولوياتها الوطنية أولًا، ومن ثم مصالحها القومية الإقليمية، وبعد ذلك تختار المواقف الدولية التي تناسبها، وليس ما يُفرض عليها من أية عاصمة قوى كبرى[12].

رابعًا، ماذا بعد؟

 صحيحٌ أن هذا الاتفاق قد أشاع جَوًا من التفاؤل، ولكن هذا التفاؤل ينبغي أن يتسم بالحذر الشديد. والسؤال هنا: هل بعودة العلاقات بين البلدين انتهت الخلافات بينهما؟ الإجابة بالطبع لا. إذ إن العلاقات السعودية الإيرانية – على مدار ثمانية عقود مضت – اتسمت بالصراع والاحتقان الشديدين؛ بسبب خلافات سياسية وعرقية ومذهبية، إلى جانب التنافس على قيادة المنطقة والعالم الإسلامي. ويُذكر في هذا الصدد أن السعودية – رغم خلافها مع نظام الشاه البهلوي – قد أعربت عن وقوفها إلى جانبه بعد أن أطاحت به “ثورة الخميني الإسلامية” عام 1979، واستمرت العلاقات تشهد توترًا بسبب الأبعاد المذهبية، وليس فقط المشاكل السياسية والتنافس على النفوذ. ومع وصول الرئيس المحافظ أحمدي نجاد إلى السلطة الإيرانية، ومع تطور البرنامج النووي الإيراني، ومع سيطرة الأحزاب الشيعية المتحالفة مع إيران على السلطة في العراق، الجار الشمالي للسعودية، تصاعد التوتر إلى ذروته، وتلا ذلك اشتباكات حدودية بين السعودية والحوثيين 2009 – 2010.

كما زاد من التوتر القائم بين البلدين، محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن عام 2011، ثم التدخل السعودي العسكري في البحرين 2011 في أعقاب الاحتجاجات البحرينية التي اتُّهِمَتْ فيها إيران بدعم جماعات معارضة شيعية، كذلك قيادة السعودية تحالفًا عربيًا وإسلاميًا لمكافحة الحوثيين المدعومين من إيران. وتضمنت الخلافات السياسية ملفات أخرى تتعلق بالحج والحجاج الإيرانيين. وفي عام 2016 أعدمت السلطات السعودية “نمر النمر”، وهو عالم دين شيعي سعودي ذو نشاط سياسي معارض، وله روابط بالنظام الإيراني، أُعدم هو من ضمن 47 شخصًا بتهم متعلقة “بالإرهاب”، معظمهم مرتبطون بتنظيم القاعدة، وقد أدى ذلك إلى ارتفاع حدة التوتر بين البلدين بشكل كبير، ما أسفر عن قطع العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض بعدما اقتحم متظاهرون إيرانيون مبنى السفارة السعودية في طهران، والقنصلية السعودية في مدينة مشهد.[13] ثم بلغ الصراع ذروته في هجوم بالصواريخ والطائرات بدون طيار على منشآت النفط السعودية في عام 2019. وقد أدى هذا الهجوم إلى تعليق أكثر من 5 % من إنتاج النفط الخام اليومي في العالم. واتَّهَمَتْ الولايات المتحدة والسعودية إيران برعاية الهجوم، وهو ادعاء نفته إيران[14].

وبالرغم من كل ما سبق، فإنه من المؤكد أن هذا الاتفاق لم يكن مجرد حدث أو فرقعة إعلامية، إنما هو نتاج عمل دؤوب وقنوات اتصال بين البلدين، معظمها غير علني، على مدى عامين، ولعبت فيها دول الجوار دورًا أساسيًا فى تقريب وجهات النظر بينهما، بما يعني أن هناك نية حقيقية للوصول إلى حل نهائي، ولو في جانب من الملفات العالقة بين البلدين، ولو بشكل تدريجى.

ومن الواضح أن الصين – الشريك الاستراتيجي لكلا الطرفين – قد طرحت نفسها كطرف ضامن لتنفيذ الاتفاق، ولاعب دولي جديد في الشرق الأوسط، يستطيع تذليل العقبات التي قد تعترض تنفيذ الاتفاق في إطار مبادراتها العالمية لتحقيق الأمن والسلام الدوليين.

خلاصة القول، علينا أن ننظر إلى الاتفاق بعيون إيجابية، تتلخص بعضها في وجود قوة كبيرة في المنطقة – وهي الصين – بدأت تأخذ زمام المبادرة لوضع حد لحالة عدم الاستقرار في المنطقة، في ظل غياب تام للإدارة الأمريكية، كما أن الاتفاق يعكس تَحَوُّلًا في سياسات دول المنطقة نحو المقاربات المنطقية والواقعية، مع تغليب أولوية الاستقرار الاقتصادي على الأمني في ضوء حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي العالمي[15].

وأخيرًا، إن الخطوات التالية للاتفاق بين السعودية وإيران ستوضح إلى حد كبير إلى أي مدى هناك جِدِّيَّة حقيقية للاستمرار قُدُمًا في طي خلافات الماضي، والتحرك نحو مستقبل أقل صراعًا في الإقليم، تسوده روح التعاون وعلاقات حسن الجوار، واللجوء إلى الأدوات الدبلوماسية لمواجهة الخلافات القائمة والمحتملة.

المراجع

[1]– د. عمرو الشوبكي، “السعودية وإيران”، المصري اليوم، 12 مارس 2023، https://bit.ly/403RXVp

[2]– “مستقبل المباحثات السعودية الإيرانية.. هل من اتفاق يلوح في الأفق بينهما؟”، مركز الفكر للدراسات الاستراتيجية، 18 أكتوبر 2021، https://bit.ly/401ZC6s

[3]– “مسؤول: العراق يفرج عن 500 مليون دولار من أموال إيران المجمدة لديه”، وكالة فارس، 10 مارس 2023، https://bit.ly/3TgoaGF

[4]– أسعد بشارة، “السعودية في موقع أقوى.. ماذا عن لبنان؟”، العربية نت، 14 مارس 2023، https://bit.ly/3ZPF69I

[5]– “ترحيب عربي باستئناف العلاقات السعودية الإيرانية”، سكاي نيوز، 10 مارس 2022، https://bit.ly/3l2Va8I

[6]– الاتفاق السعودي الإيراني يزيد من تعقيد سعي إسرائيل لتطبيع العلاقات مع العرب، فرانس 24، 11 مارس 2023، https://bit.ly/3ZNLuxV

[7]– محمد وتد، “صفعة لنتنياهو وفشل لبايدن.. الاتفاق بين السعودية وإيران بعيون الصحافة الإسرائيلية”، الجزيرة نت، 13 مارس 2023، https://bit.ly/3YN0w5K

[8]– صالح حسن، “صحيفة: إيران تعهدت بوقف نشاطها المزعزع بموجب الاتفاق السعودي”، العين الإخبارية، 12 مارس 2023، https://bit.ly/3FjiAxz

[9]– “صدمة في واشنطن بدور الصين في عودة العلاقات بين إيران والسعودية”، ميدل إيست نيوز، 12 مارس 2023، https://bit.ly/3JyFgwg

[10]– عبد الرحمن الراشد، “بكين.. هل ينهي نزاع 40 عامًا؟”، جريدة الشرق الأوسط، 12 مارس 2023، https://bit.ly/3J2zTnG

[11]– د. عمرو الشوبكي، مرجع سبق ذكره.

[12]– وليد فارس، “إعلان بكين”.. ما يرى وما لا يرى”، إندبندت عربية، 14 مارس 2023، https://bit.ly/3JDqrIL

[13]– صالح حميد، “اقتحام السفارة السعودية في طهران وإشعال النيران فيها”، العربية نت، 2 يناير 2016، https://bit.ly/3JvLwVF

[14]– هوزان زبير، “أبعاد عودة العلاقات السعودية الإيرانية وأثرها على سوريا ودول أخرى”، نورث برس، 11 مارس 2023، https://npasyria.com/144828/

[15]– دانة العنزي، “الصين واتفاق عودة العلاقات بين السعودية وإيران”، العربية نت، 14 مارس 2023، https://bit.ly/3JhUxjL

المواضيع ذات الصلة