منذ عام 2017 يعيش الفرع الأوربّي لجماعة الإخوان المسلمين عددًا من التحوّلات الهيكلية والسوسيولوجية، التي طالت طبيعة التنظيم المركزي وسياسته تجاه الحكومات والسديم الواسع من الشتات المسلم في القارة الأوربّية، من بينها حالة التحوّل التنظيمي نحو بلجيكا، بوصفها المعقل الجديد للثقل الحركي للتنظيم وقاعدة أساسية لإدارة الفرع، الذي أصبح أقل مركزية وأكثر أفقية من ذي قبل، وأقل تديُّنًا وأكثر تسيُّسًا.
بموازة ذلك تشهد أوربّا، صحوة سياسية مضادة للإسلام السياسي، لاسيما فرنسا والنمسا، وكذلك صعودًا للأحزاب اليمينية إلى السلطة، الأمر الذي دفع الفرع الأوربّي للجماعة إلى إعادة انتشاره وفقًا للتحوّلات السياسية الجارية. ذلك أن بلجيكا مازالت بعيدةً عن هذه التغييرات المضادة للإسلاموية، كما أنها تشكّل المركز السياسي والبيروقراطي للاتحاد الأوربّي، حيث يمكن للجماعة ومنظماتها العمل على نطاق واسع مع مختلف المؤسسات الأوربّية دون أن يكون لها حضور مركزي في جميع دول الاتحاد.
تسعى هذه الورقة إلى تحليل طبيعة هذا التحوّل المكاني لمركز ثقل التنظيم من معاقله التقليدية، باريس ولندن، نحو بروكسل، من خلال رصد مؤشراته والكشف عن دوافعه ومحاولة تحليل آفاقه المستقبلية وحدوده.
أولًا: مؤشّرات التحول ودوافعه
مطلع عام 2017 أعلن اتحاد المنظمات الإسلامية في أوربّا – الفرع الأوربّي لجماعة الإخوان المسلمين – عن انفصاله رسميًّا عن جماعة الإخوان. وأقرت الهيئة في اجتماعها، الذي عُقد في مدينة إسطنبول التركية، ما أسمته بمشروع “تطوير وهيكلة الاتحاد” ليكون أكثر قدرة على مواجهة التحديات الكبرى، بحسب ما جاء في البيان الختامي للاجتماع وأكد المجتمعون في بيانهم أن الاتحاد هو عبارة عن مؤسسة أوربّية ليس لها أي ارتباط تنظيمي أو إداري بمؤسسات أو هيئات خارج أوربّا، وأنه يبني علاقاته على أساس من الانفتاح والتعاون من أجل الصالح العام”(1). كان ذلك الإعلان بداية مرحلة جديدة للتنظيم الإخواني الأوربّي تنظيميًّا وسياسيًّا. حيث توجّه التنظيم إلى إجراء تغييرات جذرية على هيكله التنظيمي وقطَع راوبطه العلنية مع الجماعة الأم، كما اتّجه نحو تحرير المبادرة واللامركزية من خلال بناء تنظيمي أفقي والتخلّي عن “الهرمية” السائدة منذ الثمانينات. كما توجّه إلى مزيد من تجنيد النخب، وإلى الاستثمار في التعلُّم، والانسحاب من دوائر العمل الديني في أوساط الجاليات المسلمة، والتوجه نحو فضاءات أخرى بينها الجمعيات الحقوقية والمؤسسات غير الربحية والجامعات والأحزاب السياسية ومراكز التفكير(2). لكن تحولًا آخر قد طرأ على نظرة الجماعة إلى أوربّا، لا بوصفها دولًا تحتاج إلى تنظيمات قُطرية محدودةً، بل كيانًا موحدًا يحتاج إلى تنظيم مرن يتوافق مع التركيبة الأوربّية الجديدة، لذلك وجّهت الجماعة ثقلها إلى عاصمة هذا الكيان، بروكسل، حيث تُصنع أهم القرارات التي تؤثر في القارة. ولهذا التوجه مؤشرات عديدة، أهمها تركيز مقر رسمي للتنظيم في بروكسل تحت اسم “مجلس مسلمي أوربّا”.
وعقِب الاستفاقة الفرنسية ضدّ ما أسمته إدارة الرئيس إيمانويل ماكرون “الانفصالية الإسلامية”، بعد اغتيال مدرس التاريخ صمويل باتي خريف عام 2020، شنّت السلطات الفرنسية حملةً ضد المساجد والمنظمات والشخصيات التابعة لحركات إسلامية مختلفة، سلفية وإخوانية، أفضت إلى إغلاق عدد من دُور العبادة وحلّ عدد من المنظمات والجمعيات الخيرية والحقوقية(3). وهي قرارات أقرّها القضاء الإداري لاحقًا وواجهتها المنظمات الإخوانية بإعادة التأسيس في بلجيكا. وأبرز مثال على هذا التحوُّل المكاني في مركز النشاط هو منظمة “التجمع ضدّ الإسلاموفوبيا في فرنسا”، التي قررت الحكومة الفرنسية حلها في ديسمبر 2020 بتهم تتعلق ”بنشر الكراهية ومعاداة قيم الجمهورية”(4)، لكنها استبَقت قرار حلّها وسارعت إلى تصفية جميع نشاطاتها في باريس ونقلها إلى الخارج، ثم ما لبثت أن أعلنت عن نفسها مرةً جديدةً من بروكسل في يناير 2021 تحت الاسم ذاته، مع تغيير صبغتها الفرنسية الضيقة إلى صبغة أوربّية أكثر اتساعًا لتصبح “التجمع ضدّ الإسلاموفوبيا في أوربّا”(5). وهي تتمتع بتمويل لأنشطتها من طرف المفوضية الأوربّية(6). وهناك مثال آخر يؤشر إلى نزوع جديد لدى نشطاء الشبكات الإسلاموية في أوربّا للالتجاء إلى بلجيكا، هو قضية الإمام المغربي، حسن إكويسن، الذي أعلن وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانين، في يوليو 2022، عن طرده من البلاد، متهمًا إياه بـ”بإثارة خطاب تحريضي وتصريحات تحرّض على الكراهية والتمييز وتنطوي على رؤية مخالفة لقيم الجمهورية”(7). و في 31 أغسطس 2022، عندما تمت المصادقة النهائية على أمر الطرد من قبل مجلس الدولة، فرّ إكويسن إلى بلجيكا حيث اعتُقل في 30 سبتمبر الماضي في منطقة مونس (8).
المؤشر الثاني على هذا التحوُّل هو الاهتمام الإعلامي والصحفي المحلي بنموّ النشاط الإخواني في بروكسل، وكذلك الشأن بالنسبة للحراك المدني والحقوقي المناهض لهذا النشاط. ويتجلى ذلك بوضوح في عدد كبير من التحقيقات الصحفية الاستقصائية(9)، وفي عدد من العرائض الإلكترونية والبيانات(10) التي أصدرتها منظمات بلجيكية مناهضة للإسلاموية أو نشطاء أفراد، وخصوصًا من النساء(11) ومنظمات الدفاع عن العلمانية.
والمؤشر الثالث والأكثر أهميةً هو التقارير التي يصدرها جهاز أمن الدولة البلجيكي حول الظاهرة، حيث تشير إلى وجود نهج إخواني منظم لتوطين الثقل التنظيمي في العاصمة البلجيكية(12). حيث يكشف الجهاز الأمني البلجيكي في إحدى تقاريره الذي صدر عام 2021 تعليقًا على قضية إحسان حواش التي استقالت من منصب مفوضة الحكومة في “معهد المساواة بين النساء والرجال” بسبب علاقتها بجماعة الإخوان المسلمين إلى أن الفرع الأوربّي للجماعة “يهدف إلى أسلمة تقدمية طويلة الأمد للمجتمع الأوربّي بكل مكوناته. وعلى المدى القصير فإن هدفهم الرئيسي هو حماية الهوية الإسلامية وتعزيزها وترسيخ المجتمع للإسلام، والتي يفسرونها بطريقة أرثوذكسية. وتحقيقًا لهذه الغاية تحاول جماعة الإخوان المسلمين تقديم نفسها على أنها صوت المسلمين والمتحدث باسمهم لدى السلطات. تعتمد استراتيجية تحقيق هذه الأهداف بشكل أساسي على التشدد الاجتماعي والسياسي، والضغط والانخراط، بقيادة “نخبة طليعية” من نشطاء الإخوان المتعلمين (…) تختار جماعة الإخوان المسلمين الأوربّية نهجًا تدريجيًّا وعمليًّا للغاية، يمنحون من خلاله أنفسهم بعض المرونة فيما يتعلق ببعض التعاليم الإسلامية، ويكيّفون خطابهم مع جمهورهم، ويخفون نواياهم وقناعاتهم الحقيقية. إنهم يزرعون صورة عامة للمسلمين الأوربّيين المندمجين جيدًا والمعتدلين و(نسبيًّا) التقدميين، لكن هذا يخفي خطاب المظلومية الداخلي ورسالتهم الأساسية. مع الأخذ في الاعتبار استراتيجية الإخوان المسلمين في الاقتراب ومحاولة التأثير على الشخصيات المؤثرة – مع إخفاء أسسهم الأيديولوجية ونواياهم الحقيقية(13)“.
إلى جانب التحوّل الاستراتيجي الذي حدث في رؤية الجماعة للكيان الأوربّي منذ 2017، فإن دافعًا آخر يبدو شديد الأهمية لهذا التوجه الإخواني نحو بلجيكا وهو “الدافع الأمني”، حيث يحاول التنظيم الأوربّي بشكل أساسي تأمين وجود تنظيمي مستقر بعيدًا عن المشاكل التي أصبح يعاني منها في بعض الدول: حيث يتعرض إلى مشاكل قانونية وقضائية عديدة في فرنسا تتعلق بمساجده ومدارسه وتمويله الخارجي والعوائق الجديدة التي وضعها “قانون الانفصالية” وصعود أقصى اليمين. أما في السويد وإيطاليا فيتعلق الأمر بهجرة استباقية خوفًا من إجراءات متوقّعة يمكن أن تقرّها حكومات أقصى اليمين الصاعدة في البَلدين. فيما أصبحت بريطانيا محطة غير مُجدية لقيادة التنظيم بعد خروجها من الاتحاد الأوربّي، لجهة العوائق الإدارية والمالية التي فرضها هذا الخروج.
ثانيًا: أهداف التحول
إلى جانب توافق هذا التحوّل المكاني لثقل التنظيم نحو بلجيكا مع الاستراتيجية الجديدة للفرع الإخواني الأوربّي التي أقرت عام 2017، فإنه يحقّق هدفين أساسيين لنشاط الجماعة:
هدف هيكلي تنظيمي: تقوم الرؤية الجديد للجماعة على أساس أن تحولًا في مركز القرار قد جرى داخل الكيان الأوربّي من مراكز قرار متعددة في العواصم الأوربّية إلى مركز قرار موحّد في بروكسل، حيث أصبحت التشريعات الأوربّية تتمتع بقدرة هائلة على فرض نفسها في أقطار الاتحاد وكذلك المؤسسات الأوربّية المختلفة: المفوضية والبرلمان والمحكمة الأوربّية لحقوق الإنسان. من هذا المنطلق توجّه الفرع الأوربّي الإخواني إلى نقل ثقل قراره هو الآخر إلى بروكسل. وبرغم أن التوجه الجديد للجماعة هو اللامركزية والتنظيم الأفقي غير أنها تحتفظ بمؤسسات ذات طابع أوربّي في بروكسل للقيام بوظيفة التنسيق بين مختلف ساحات النشاط مثل المنتدى الأوربّي للمرأة المسلمة، ومنتدى المنظمات الشبابية والطلابية المسلمة في أوربّا، والشبكة الإسلامية الأوربّية. هذه المنتديات ليست تنظيمًا مركزيًّا بقدر ماهي تنسيقيات تضم داخلها العشرات من الجمعيات المحلية المنتشرة في جميع الدول الأوربّية، وتتمتع بفرض الولوج إلى المؤسسات الأوربّية المركزية من خلال هذه التنسيقيات. يضاف إلى ذلك أنهم يستفيدون في بلجيكا من هامش حرية واسع لحركة الأموال والأشخاص وإنشاء المؤسسات لم يعد موجودًا بالقدر ذاتِه من السهولة في بقية الدول الأوربّية. إنهم يتصرفون من خلال نسيج جمعوي كثيف للغاية، مدعوم من السلطات العامة البلجيكية، خصوصًا في ظل حكومة الائتلاف الليبرالي–الاشتراكي.
هدف استراتيجي: أما الهدف الاستراتيجي، وهو الأهم ضمن هذا التحوُّل، فهو عملية طويلة المدى لخلق “مجموعات ضغط – لوبي” موالية للجماعة في قطاعات مختلفة مثل حقوق الإنسان، والمرأة والتعليم والسياسة. وذلك عبر نهج متعدد الطرق لخلق نخب إخوانية جديدة لديها موقع داخل النسيج الأوربّي وكذلك استمالة نخب أوربّية والتأثير على مجموعات حزبية داخل البرلمان الأوربّي وربط علاقات سياسية وشخصية وجمعياتية مع فاعلين في المؤسسات الأوربّية التنفيذية، لاسيما المفوضية الأوربّية والمجلس الأوربّي. وقد أشار تقرير جهاز أمن الدولة البلجيكي إلى ذلك بالقول:”تقوم استراتيجية الإخوان المسلمين في الاقتراب ومحاولة التأثير على الشخصيات المؤثرة، مع إخفاء أسسهم الأيديولوجية ونواياهم الحقيقية”(14). وفي تقريره لعام 2020 يقول الجهاز:”في السنوات الأخيرة، نظّمت جماعة الإخوان المسلمين، وخصوصًا في بروكسل، مجموعة واسعة من الأنشطة الحرة. على وجه الخصوص مبادرات جديدة في مجال التعليم والتدريب محددة للشباب والطلاب، ولديهم حركة كشفية خاصة بهم. كما نجد عناصر الجماعة في العديد من المنظمات غير الربحية، وغيرها من المنظمات، وفي جميع مجالات المجتمع. ولذلك يبدو أنهم أكثر نفوذًا وأهمية ممّا قد يتوقّعه المرء”(15). ومن خلال الجهر بتبني قضايا المساواة ومكافحة العنصرية وتمكين النساء والمهاجرين، تنجح المنظمات الإخوانية في بروكسل في أن تجد لها مكانًا داخل المؤسسات الأوربّية من خلال برامج التعاون والتمويل الاتحادي السخي. في أغسطس 2022، بمناسبة اليوم العالمي للشباب، أصدرت المفوضية الأوربّية مقطع فيديو لتكريم الشباب في جميع أنحاء أوربّا. ومن بين المنظمات التي تم تكريمها، منتدى المنظمات الشبابية والطلابية المسلمة في أوربّا، المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين، وهي منظمة تضمّ أكثر من ثلاثين جمعية موزعة على عشرين دولة(16). هذه الحركة أثارت انتقادات واسعة في فرنسا على مستوى رسمي على لسان مارلين شيابا، الوزيرة المنتدبة المسؤولة عن المواطنة. لكن الانتقادات لم تمنع الاتحاد الأوربّي من الاستمرار في تمويل المنظمة(17). كما يتمتع “المنتدى الأوربّي للمرأة المسلمة”، الذراع النسائي للفرع الإخواني في أوربّا، بدعم من البرامج الأوربّية الاتحادية. وهذا المنتدى تقوده، نورة جاب الله، زوجة الرئيس السابق للتنظيم الإخواني الأوربّي، أحمد جاب الله(18). وقد قدّر أعضاء البرلمان الأوربّي في سبتمبر 2020 في سؤال مكتوب إلى المفوضية الأوربّية أن مبلغ الإعانات المخصصة للمنظمات الإسلاموية على مدى خمس سنوات يناهز 36.5 مليون يورو على الأقل(19). كما تمتعت منظمة “الإغاثة الإسلامية” القريبة من الجماعة بتمويلات من المفوضية الأوربّية، وبرغم أن وزارة الخارجية الألمانية قد أوقفت في عام 2020 تعاونها مع فرع المنظمة بعد تحقيق استمر ثلاث سنوات من قبل محكمة المراجعين الفيدرالية، غير أن المفوضية الأوروبية أقرت هذه المنظمة على أنها “شريك إنساني للفترة من 2021 إلى 2027” (20).
ثالثًا: الآفاق والحدود
ستكون الاستراتيجية الإخوانية الجديدة لتحويل العاصمة الأوربّية بروكسل، إلى قاعد خلفية ومركز ثقل تنظيمي، لقيادة نشاطها الأوربّي رهينة طبيعة الجهات الحاكمة في بروكسل. حيث سيكون وجود تحالف الأحزاب الليبرالية والاشتراكية في السلطة دافعًا أكبر للجماعة نحو الاستفادة من هامش الحرية الواسعة، لجهة تشكيل الجمعيات والدعم الحكومي والمالي. في المقابل ستواجه هذه الاستراتيجية تحديات كبيرة في حال صعود الأحزاب اليمينية، لاسيما اليمين المتطرف. كما أن وجود الأحزاب اليمينة المتطرفة داخل المؤسسات الأوربّية، لاسيما البرلمان سيكون عائقًا أمام هذه الاستراتيجية.
وحتى اليوم تبدو فرنسا وحيدةً، و بدرجة أقل النمسا، داخل المؤسسات الأوربّية التنفيذية والتشريعية، التي تقف بقوة ضدّ دعم وتمويل المنظمات القريبة والموالية للإخوان المسلمين، بحكم صرامة العلمانية الفرنسية وسياسات إدارة الرئيس ماكرون المناهضة للإسلاموية(21). لكن ذلك لن يكون مستدامًا بالنسبة للإخوان مستقبلًا، حيث يمكن أن يشكّل صعود الأحزاب اليمينية واليمين المتطرف حائلًا بينهم وبين اختراق المؤسسات الأوربّية وخصوصًا الحصول على الدعم السياسي والمالي، وربما يكون صعود حكومة من أقصى اليمين في إيطاليا مؤشرًا على ذلك مستقبلًا.
وهناك عائق آخر يمكن أن يعرقل جهود التنظيم الأوربّي الإخواني في استراتيجيته البلجيكية هو الضغط الذي تقوم به الصحافة والمنظمات المدافعة عن العلمانية والنسوية في بروكسل ضد تنامي وجود الجماعة في بلجيكا وخصوصًا داخل المؤسسات الأوربّية. إلى جانب الآراء السلبية التي تعبّر عنها المؤسسة الأمنية والاستخبارتية البلجيكية في تقاريرها من هذا الوجود المتنامي. فمراكز الضغط المدنية والأمنية هذه سيكون لها تأثير على الحكومة الحالية أو الحكومات القادمة في اتجاه نوع من التوازن في التعامل مع الجماعة ومنظماتها. ومع ذلك يمتلك الإخوان مرونة غير محدودة – عكس بقية الحركات الإسلاموية – مع التعامل مع الضغوط، لاسيما الأمنية، كي يعيدوا إنتاج الجماعة في أشكال جديدة وبهويات ظاهرية تبدو منسجمةً مع القيم الأوربّية إلا أنها تخدم المشروع المركزي وهو التمكين.
خاتمة
منذ عام 2017 دخل الفرع الأوربّي لجماعة الإخوان المسلمين طورًا جديدًا، تنظيميًّا وسياسيًّا. بدايةً من الانفصال التنظيمي عن الجماعة الأم وتغيير الاسم إلى تحويل نهجه السياسي في تجنيد الحشود والاهتمام بالجوانب الدينية والدعوية ودُور العبادة، نحو التركيز على استمالة النخب والاستثمار في التعليم والسياسة والاقتراب من الأحزاب ودخول الانتخابات البلدية في كثير من الدول والاتجاه نحو العمل المدني في المنظمات والجمعيات ومجموعات الضغط، من خلال تبنّي قضايا لها تأثير في الساحة الأوربّية مثل الأقليات والنساء ومكافحة العنصرية وحقوق الإنسان. وقد ترافق ذلك مع تحوُّل طرأ على نظرة الجماعة لأوربّا، لا بوصفها دولًا تحتاج إلى تنظيمات قطرية محدودةً، بل كيانًا موحدًا يحتاج إلى تنظيم مرن يتوافق مع التركيبة الأوربّية الجديدة، لذلك وجّهت ثقلها إلى عاصمة هذا الكيان، بروكسل، حيث تُصنع أهم القرارات التي تؤثر في القارة. ولهذا التوجه مؤشرات عديدة، أهمها تركيز مقر رسمي للتنظيم في بروكسل تحت اسم “مجلس مسلمي أوربّا”. كما كان الدافع الأمني هاجسًا من هواجس الهجرة الإخوانية التنظيمية نحو بروكسل، حيث يتمتع التنظيم بهامش حركة ونشاط وحرية لم يعد موجودًا في دول مثل فرنسا أو إيطاليا. أما الهدف الاستراتيجي، وهو الأهم ضمن هذا التحول، فهو عملية طويلة المدى لخلق “مجموعات ضغط – لوبي” موالية للجماعة، وذلك عبر نهج متعدد الطرق لخلق نخب إخوانية جديدة لديها موقع داخل النسيج الأوربّي وكذلك استمالة نخب أوربّية والتأثير على مجموعات حزبية داخل البرلمان الأوربّي وربط علاقات سياسية وشخصية وجمعياتية مع فاعلين في المؤسسات الأوربّية. ومن خلال الجهر بتبني قضايا المساواة ومكافحة العنصرية وتمكين النساء والمهاجرين، تنجح المنظمات الإخوانية في بروكسل في أن تجد لها مكانًا داخل المؤسسات الأوربّية من خلال برامج التعاون والتمويل الاتحادي السخي. لكن هذه الاستراتيجية تواجهها العديد من العوائق أوربّيًا وبلجيكيًّا، أبرزها صعود قُوى اليمين، وكذلك الوعي السياسي والمدني والأمني محليًّا بخطورة تنامي وجود الجماعة.
المراجع
- – L’UOIF devient « Musulmans de France » – La Croix – 28/02/2017 – https://www.la-croix.com/Religion/Islam/LUOIF-devient-Musulmans-France-2017-02-28-1200828273
- – أحمد نظيف – الإخوان المسلمون في أوروبا: التحوالت الهيكلية والاجتماعية – ضمن كتاب ” السلالة الجديدة للتنظيم الدولي للإخوان: التحوّرات – الصراعات – الإرهاب” ص 175 – مركز المسبار فبراير – 2021
- – Loi contre le “séparatisme” : 3 points pour comprendre le projet de loi et ses enjeux – RTL – 09/12/2020 – https://www.rtl.fr/actu/politique/loi-contre-le-separatisme-3-points-pour-comprendre-le-projet-de-loi-et-ses-enjeux-7800937258
- – Le Collectif contre l’islamophobie officiellement dissous – La Croix – 02/12/2020 – https://www.la-croix.com/France/Le-Collectif-contre-lislamophobie-officiellement-dissous-2020-12-02-1201127873
- – Une association belge soupçonnée de vouloir faire renaître le CCIF – La Croix – 25/02/2021 https://www.la-croix.com/France/association-belge-soupconnee-vouloir-faire-renaitre-CCIF-2021-02-25-1201142580
- – Question parlementaire – E-001646/2021(ASW) – Parlement européen – Réponse donnée par M. Reynders au nom de la Commission européenne – 19.5.2021 – https://www.europarl.europa.eu/doceo/document/E-9-2021-001646-ASW_FR.html
- – Belgique : l’imam Iquioussen jugé indésirable “sur le sol européen” – M.C avec AFP – 9 décembre 2022 – https://www.tf1info.fr/international/belgique-l-imam-iquioussen-estime-comme-indesirable-sur-le-sol-europeen-2241310.html
- – L’imam Iquioussen, recherché par la France, arrêté en Belgique – Lexpress – 01/10/2022 https://www.lexpress.fr/societe/l-imam-iquioussen-recherche-par-la-france-arrete-en-belgique_2181166.html
- – En Belgique, les Frères musulmans regorgent de talents ! – Marianne – 19/07/2021 – https://www.marianne.net/agora/humeurs/en-belgique-les-freres-musulmans-regorgent-de-talents
- – Frères musulmans en Belgique : une réalité tangible et mal connue (carte blanche) – Le Vif – 31-07-2021 – https://www.levif.be/belgique/freres-musulmans-en-belgique-une-realite-tangible-et-mal-connue-carte-blanche/
- – Fadila Maaroufi : « La Belgique joue un rôle non négligeable dans l’accueil des islamistes » – FRONT POPULAIRE – 26/10/2022 – https://frontpopulaire.fr/societe/contents/fadila-maaroufi-la-belgique-joue-un-role-non-negligeable-dans-laccueil-des-_tco_15980684
- – Rapport annuel 2020 – https://www.vsse.be/sites/default/files/1-ra2020-fr-l-single.pdf
- – La note de la Sûreté sur Ihsane Haouach : et pour les Francophones la même chose – http://blog.marcelsel.com/2021/07/15/la-note-de-la-surete-sur-ihsane-haouach-et-pour-les-francophones-la-meme-chose/
- – La note de la Sûreté sur Ihsane Haouach : et pour les Francophones la même chose – http://blog.marcelsel.com/2021/07/15/la-note-de-la-surete-sur-ihsane-haouach-et-pour-les-francophones-la-meme-chose/
- – Rapport annuel 2020 – https://www.vsse.be/sites/default/files/1-ra2020-fr-l-single.pdf p12
- – FEMYSO : LA COMMISSION EUROPÉENNE PROMEUT UNE ASSOCIATION PROCHE DES FRÈRES MUSULMANS ET CRÉE LA POLÉMIQUE – CNEWS – 18/08/2022 https://www.cnews.fr/videos/monde/2022-08-18/femyso-la-commission-europeenne-promeut-une-association-proche-des-freres
- – Paris interpelle à nouveau Bruxelles sur son soutien à l’association islamiste Femyso – Le Parisien avec AFP – Le 29 août 2022 https://www.leparisien.fr/societe/paris-interpelle-a-nouveau-bruxelles-sur-son-soutien-a-lassociation-islamiste-femyso-29-08-2022-W73DUHGCS5HK3OYY2VNQNA35YQ.php
- – Debunk – Une enquête sur l’Infiltration européenne des Frêres Musulmans – Lignes de crêtes – 26 novembre 2021 – https://www.lignes-de-cretes.org/debunk-une-enquete-sur-linfiltration-europeenne-des-freres-musulmans/
- – À Bruxelles, la sainte alliance entre wokisme et islamisme – Le Figaro – 19/01/2022 – https://www.lefigaro.fr/international/a-bruxelles-la-sainte-alliance-entre-wokisme-et-islamisme-20220119
- – Union européenne et financement d’organisations non gouvernementales liées à l’islam radical – Question écrite n° 00675 de M. Pierre Charon (Paris – Les Républicains) – publiée dans le JO Sénat du 07/07/2022 – page 3267 – https://www.senat.fr/questions/base/2022/qSEQ220700675.html
- – Debunk – Une enquête sur l’Infiltration européenne des Frêres Musulmans – Lignes de crêtes – 26 novembre 2021 – https://www.lignes-de-cretes.org/debunk-une-enquete-sur-linfiltration-europeenne-des-freres-musulmans/