مقدمة
ما يزال الباحثون/ات الغربيون[1] مُنْكَبّين على دراسة أسباب استقطاب الجماعات المتطرفة للشبان والشابات، وعلى التمحيص في الشهادات التي توفرت بعد التحقيق مع العائدين والعائدات من بلْدان النزاع وبؤر التوتر، وهي شهادات تضيء جوانب كانت تُعَدُّ في نظر الدارسين مجرد فرضيات تتطلب البرهنة؛ مثل دور قاعات الرياضات القتالية، والثقافة المرئية (الفيديوهات، الأفلام الوثائقية، الومضات الإشهارية، الكتب الصوتية … إلخ)، ودور مؤدي أغاني “الراب” وغيرهم من الفنانين في تحفيز الشبان على “الجهاد”.
ومن الجدير بالذكر أن معظم الدارسين في “العالم العربي” أو “البلْدان الإسلامية”، لم ينتبهوا إلى أهمية المقاربة التقاطعية intersectionality لتوضيح العلاقة بين الدين/الإسلام والثقافة، والدين والثقافة المادية –“Religion and Material Culture”، والدين والإعلام، والدين والأفلام السينمائية، والدين والموسيقى، وقلما نظروا إلى الاستقطاب الرقمي عبر “الأناشيد الإسلاموية الجهادية”،militant Islamist hymns باعتباره موضوعًا جديرًا بالدراسة. لكن عددًا من المختصين/ات الغربيين في الدراسات الأمنية ودراسات الإرهاب ودراسات التطرف العنيف والسلمي، في السنوات الأخيرة[2]، ركزوا بحوثهم على تحليل هذه الأناشيد، التي تُعَدُّ من منظور الدراسات الثقافية ودراسات الميديا والدراسات النفسية السلوكية وغيرها، أشكالًا من التعبير والتواصل، غايتها التأثير في المتقبل. وقد بيّن هؤلاء أن تلك الأناشيد صارت في نظر الشبان الباحثين عن هوياتهم[3] ومواقعهم في المجتمع والأسرة، هي أفضل وسيلة للتعبير عن عواطفهم أو معاناتهم وشعورهم بالظلم.
وبناءً على تنوع الوظائف التي تضطلع بها الأناشيد، قررت القيادات ”الجهادية” اعتماد هذه الأداة في الدعاية والاستقطاب. ويُعَدُّ إنتاج الأناشيد استراتيجيةً جيدةً وناجعةً للتأثير في سلوك اليافعين والشبان، والتلاعب بعقولهم، والتحكم في بنيتهم النفسية؛ حتى يتخذوا قرار الانتماء إلى الأيديولوجيا الجهادية، أو الهجرة إلى “دولة الخلافة”؛ لينقادوا وراء الأمراء عن “طواعية”، ويَطَّبَّعُوا مع العنف.
ويدفعنا الاطلاع على المُتاح من هذه الدراسات والبحوث إلى التساؤل: كيف تسنى “لعلماء” الجماعات ”الجهادية” تجاوز الأحكام الفقهية التي تُحَرِّم الاستماع إلى الموسيقى وأداء الأغاني والراب؟ وكيف أمكن للقيادات “الجهادية” أن تحوّل الأناشيد الدينية إلى استراتيجية من استراتيجياتها المعولمة للدعاية والاستقطاب؟.
ويدفعنا الاطلاع على المُتاح من هذه الدراسات والبحوث، إلى تحويل عيّنة من الأناشيد المتداولة بين المنتمين إلى الجماعات المتطرفة أو المتعاطفين معها إلى موضوع للبحث والاستقصاء والتحليل. ويرجع مُسَوِّغ اختيارنا الأناشيد الحماسية التي أنتجها جيل جديد من المتبنين “للأيديولوجيا الجهادية” إلى أهمية هذه الاستراتيجية في التأثير في الجموع، وقدرتها على اكتساب مزيد من الأنصار الذين صاروا من مدمني استهلاكها. يُضاف إلى هذا الدافع عاملٌ آخر، يتمثل في أن التسويق للأناشيد الجهادية والإقرار بدورها في استقطاب الجيل الجديد لا معنى له سوى الاعتراف بأن ما يحرك هذه الجماعات الجهادية هو الدافع البراغماتي لا الاعتقادي، فمتى رأت القيادات أن مصالحها مضمونة عدّلت مواقفها مما كانت تَعُدُّه مجونًا وانحلالًا وممارساتٍ منافيةً للإسلام، وأضفت شرعيةً عليها؛ فأظهرت الجانب البراغماتي في لبوس ديني.
وقد قسمنا هذه الدراسة إلى خمسة أقسام؛ فسعينا في القسم الأول إلى رصد مسار تحويل الجماعات “الجهادية” للأناشيد الدينية إلى أناشيد تُوظَّف لخدمة الدعوة إلى الجهاد، ثم تَبَيُّن الأسباب التي جعلت القيادات الجهادية تغير موقفها من سماع الأناشيد وتخالف الأحكام الفقهية التقليدية، بل إنها صارت تشجّع أنصارها على إنتاج الأناشيد “الجهادية” وتصويرها؛ بهدف استقطاب أكبر عدد ممكن من الشبان والشابات.
أمّا القسم الثاني فقد اهتممنا فيه بتحليل أشكال توظيف الجماعات الدينية المتشددة للأناشيد الدينية، وتحويلها إلى أناشيد تخدم مشروعها السياسي-العسكري العنيف، وتحول المستقطبين المتحمسين لإقامة “الدولة الإسلامية” – أو دولة “الخلافة” – إلى أدوات تنفذ الأوامر بكل دقة، فتقطع الرؤوس، وتُمَثِّل بالجثث، وتحرق “الأعداء”، وتعاقب المتخاذلين والمرتدين وغيرهم. وقد اتخذنا عيّنة من الأناشيد الجهادية المتداولة كنماذج؛ للنظر في بنيتها الداخلية، وطرائق توظيف المرجعيات التاريخية والدينية، والمعايير الاجتماعية، والرموز، ومنظومة القيم، وغيرها من العناصر التي تستند إليها الجماعات المتطرفة في عملية تزييف وعي المستمعين أو المشاهدين، والتلاعب بعقولهم، وإيهامهم بأنهم قد تحولوا إلى مجاهدين يذودون عن الإسلام، أو شهداء يَهَبُون حياتهم في سبيل نصرة دين الله .
وخصصنا القسم الثالث للنظر في الأسباب التي تجعل فئات من الشبان والرجال والنساء تتفاعل مع هذه الأناشيد الجهادية، فتندفع وتنفعل، أو تعلن ولاءها للجماعات المتشددة، وتُقدم على الانصياع إلى أوامر القيادات.
واهتممنا في القسم الرابع بتحليل بنية الأناشيد الدينية شكلًا ومضمونًا. وانطلاقًا من هذا التحليل، انصرف اهتمامنا في القسم الخامس إلى رصد أشكال تقَبُّل الجماهير لتلك الأناشيد، وأسباب الانجذاب التي ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار. وختمنا هذه الدراسة بمجموعة من الاستنتاجات التي خلصنا إليها، وبعرض مجموعة من الأسئلة التي طرأت في أثناء البحث.
أوّلًا: مسار الانتقال من الأناشيد الدينية إلى الأناشيد “الجهادية”
يفرق الدارسون بين الأنشودة التي تُعَدُّ قطعة من الشعر تُقرأ على إيقاع واحد، وبين النشيد الذي يرتكز بالأساس على الصوت الشجي مع التلحين. ويُقَسِّم الدارسون هذه الأناشيد إلى أنواع، أهمها “الحُداء”، وهو نوع من أنواع الشعر الحماسي الذي كان يُؤَدَّى على ظهور الخيل لبث روح الحماسة في نفوس المحاربين، وهو متكون غالبًا من بعض الأبيات. أمّا الإيقاع فهو النشيد الذي يجمع بين المعنى واللحن، ويكون متسقًا مع لحنٍ ما، أو مع بحرٍ من بحور العَروض الشعرية[4]. ويُصاحب إنشادَ الكلمات ضربٌ خفيفٌ بالدفوف دون موسيقى. ومن المعروف أن الغناء الإنشادي كان يُرَدَّد بكثرة في الاحتفاء بالانتصارات والاحتفال بالأعياد والمناسبات الدينية وغيرها.
وإذا نظرنا في خصوصيات الإنشاد الديني سيتبيّن لنا أنه الفن الغنائي الذي يتناول موضوعات ذات صلة بحب الله سبحانه وتعالى، ومدح الرسول صلى الله عليه وسلم، والتغني بالقيم الدينية وغيرها، ويتضمن ذكر الله والتهليل والتسبيح. ويُرجع معظم الدارسين تاريخ نشأة هذا الضرب من الإنشاد إلى فترة “الإسلام المبكر”. إذ رُوِيَ أن الصحابة والتابعين كانوا يتغنون بقصائد حسان بن ثابت، شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم، وغيره من الشعراء الذين كانوا يمدحون الإسلام وينوّهون بفضائل العبادات. ثم تطور الإنشاد الديني في عهد الأمويين في الشام ومصر والعراق وغيرها من البلْدان، وأصبحت له إيقاعات متنوعة وقوالب متعددة وطرائق شتى في الأداء. وعرف الإنشاد الديني ازدهارًا كبيرًا في عهد الفاطميين؛ لاهتمام الدولة بالاحتفالات ذات البعد الاجتماعي الديني[5].
ثم صار للإنشاد الديني، مع بدايات القرن الماضي، أهمية كبرى، وتطورت قوالب هذا الفن، خاصة بعد ظهور “الإسلام السياسي”، واحتياج القيادات إلى استخدام الأناشيد في العمل الدعوي، وفي حملات التصدي للغرب “الكافر”. ويُذكر في هذا السياق أن حسن البنا دعا أتباعه إلى محاربة الأغاني “الرخيصة”، و”تهذيب الأغاني والأناشيد، فأثرها في التكوين الروحي للشعب جِدُّ خطير”. وكان مُسَوِّغه لاستخدام الأناشيد الدينية أن هذا الضرب من الفن ملتزم و”نظيف”، ولا يندرج في إطار التسلية والترفيه، بل في العمل التوعوي والتعليمي. فلا مشاحة، حسب رأيه، في أن يتلقى المنضوون إلى الجماعة دروسًا في برامجهم التدريبية تخص المسرح والأغاني الملتزمة وغيرها، ولا مانع لديه في أن تُسَيَّس الأناشيد فتغدو حاضرة في المظاهرات، وذات وظيفة لا تقل أهمية عن وظيفة النشيد الوطني[6].
وانطلاقًا من هذا التصور خَفَتَ البعد الروحاني/ الصوفي في الأناشيد، ليحل محله النَّفَسُ الثوريُّ للجماعات الإسلامية المعارضة للأنظمة، لا سيّما بعد فترة اعتقال أعداد كبيرة من “الإخوان المسلمين” في السجون المصرية، وما تعرضوا له من تعذيب. فصار محتوى الأناشيد معبرًا عن معاناة “المظلومين” و”المعذبين” و”الغرباء”، وفيه دعوة إلى الجهاد ضد جمال عبد الناصر، وحث على توحيد الصف من أجل تأسيس “الدولة الإسلامية”. ثم سرعان ما تحولت الأناشيد مع سيد قطب إلى دعوة إلى الانعزال عن المجتمع “الكافر”، مشفوعة بتجهيز النفس للجهاد لإزالة معالم “الجاهلية”. وسرعان ما صارت أقواله مادة يَتَغَنَّى بها “القابضون على الجمر” في السجون وساحات الاحتجاجات، نذكر في هذا السياق قوله قُبيل إعدامه:
أخي إن ذرفت عليَّ الدموع * وبللت قبري بها في خشوع
فأوقد لهم من رفاتي الشموع * وسيروا بها نحو مجد تليد[7]
وعرفت فترة الثمانينيات من القرن الماضي إقبالًا كبيرًا على الأناشيد الدينية، التي تحولت إلى “أناشيد إسلامية”، بعد التقارب الذي حصل بين الإخوان المسلمين وفريق من الوهابيين في المملكة العربية السعودية، الذين أباحوا استعمال الدف الصغير، وفريق من الإسلاميين الفارين من حزب البعث في سوريا (أبو مازن، أبو راتب، أبو دجانة …) وغيرهم[8]. وهكذا انتشرت الأناشيد الدينية ذات الحمولة السياسية في بلدان عدة، بالرغم من الضغوط التي مارستها الحركات السلفية المتشددة. وتَمَأْسَسَ الإنشاد واستقل، والتبس في الوقت ذاته بالسياسة والأيديولوجيا، فوُظِّفَتْ مثلًا القضية الفلسطينية لتحفيز الجموع على الثورة والجهاد، واعتُمد “أدب المحنة” و”الغربة” لتشكيل الهويات والوعي[9].
وما إن نشأت الفضائيات الدينية وثقافة “الفيديو كليب” حتى ازداد الطلب على الثقافة الشعبية والإنشاد الديني، ومالت الجموع التي انتمت إلى الأحزاب الدينية، إلى استهلاك البرامج الدينية، وجَنَحَ “المتدينون الجدد” إلى ممارسة نمط حياة قائم على إظهار أشكال متنوعة من التدين الطقوسي/الشكلاني، فكانت الأناشيد جزءًا من “مَسْرَحَة” الهوية الدينية. وظهرت برامج وقنوات مخصصة للإنشاد “الإسلامي”، وبرز المنشدون (الشيخ مشاري العفاسي، وأسامة الصافي، وأيمن الحلاق …)، وأُنتجت أناشيد يُعتمد فيها على العود والقانون والناي والكمان والإيقاع السريع، استطاعت أن تنافس الأغاني. وتأسست فرق إنشادية في معظم بلدان العالم الإسلامي، تعتمد لغات متعددة، وصارت الأناشيد مصحوبة في حالات كثيرة بالدعاء الديني بالفصحى أو بالعامية.[10]
غير أن الإنشاد الديني سرعان ما سيتحرر من سلطة الجماعات الإسلامية ووطأة التوظيف السياسي. فإلى جانب كبار المشايخ والمنشدين الذين كانوا يُحيون الليالي الرمضانية والمناسبات الدينية، ظهرت الفرق الشبابية والفرق النسائية التي تحيي الاحتفال بلبس الحجاب والزواج وغيرها من المناسبات، وهكذا ذاع صيت المنشدات، مثل خضرة محمد خضر ونبيلة عطوة وآية الطبلاوي وغيرهن[11].
وقد أدرك الدارسون التطور الحاصل في مسار الأناشيد، ففرقوا بين تحليل الأناشيد الدينية التي تهدف إلى ممارسة الدعوة أو تنمية الجانب الروحاني وتحريك الوجدان، (المولد النبوي، ذكرى عاشوراء، رمضان …) وتروج لنماذج قيادية شبابية من خلال الصورة والصوت، مثل سامي يوسف، وبين الأناشيد “الجهادية” الحماسية التي تدعو إلى ممارسة كل أشكال العنف تجاه الآخر، والتي تُنتقى فيها الكلمات بعناية فائقة حتى تؤثر في الجموع[12].
أمّا الإقبال المتنامي على الأناشيد الدينية فيرجع – في نظرنا – إلى المكانة التي يحتلها هذا الضرب من الفن في حياة عموم الناس، بغض النظر عن الوظائف الروحانية أو التعليمية أو الجمالية أو الدعوية التي تنهض بها الأناشيد، وبصرف النظر عن انخراط الجموع المتشوقة إلى السماع في منظومة عقدية من عدمه، وعن دوافع إقبال الناس على ثقافة استهلاكية ذات ملمح ديني اجتماعي[13]. إذ كلما انسدت الآفاق، أو شعر المرء بالإحباط أو الحزن أو الوحدة، بحث عن وسيلة للهروب أو للخلاص تمكنه من نسيان الواقع المرير أو تجاوز أزماته المختلفة.
لا عجب إذن في مثل هذا المناخ العام، الذي اتسم بالتعلق بـ “ثقافة الجموع” la culture de masse، وكل ما يوحي بالتدين، وحاجة الفرد إلى الاندماج والاعتراف، أن تستغل القيادات “الجهادية” هذه الحاجة النفسية والهووية، فتوظف الأناشيد الدينية في مشروعها السياسي، وتعلن عن تغيير موقفها من الغناء والأناشيد. فبعد أن كان استماع الشباب إلى الأغاني دليلًا على التغريب، وعلامة من علامات “التلوث السمعي”، صارت الأناشيد “الجهادية” الشبابية أداة مُثلى للدعاية والاستقطاب، ولإرهاب العدو وشرعنة العنف.
ثانيًا: توظيف الجماعات الدينية المتشددة للأناشيد الدينية
المُطَّلِع على مواقع الإفتاء وبرامج الإفتاء في الفضائيات الدينية والإذاعات وغيرها يعثر على أسئلة توضح مدى اهتمام فئة من الناس بالحكم الفقهي المتعلق بالاستماع إلى الأناشيد الدينية، إذ يبقى هاجس السائل/ ـة: هل استعمال الآلات الموسيقية المصاحبة لأداء المنشد حلال أم حرام؟ وهل ترديد هذه الأناشيد مباح؟[14] إلى غير ذلك من الأسئلة. ولئن كانت معظم إجابات العلماء مُجمعة على تحريم الغناء والأناشيد الدينية، فإن من “العلماء” المعاصرين من مال إلى إباحة الاستماع إلى هذه الأناشيد، شريطة أن توضع لها ضوابط، كأن يكون مضمونها “إسلاميًا”، ولا تُستخدم فيها المعازف وآلات الطرب الموسيقية، وأن تكون خالية من الإيقاعات التي تحرك السامعين فينتشون، وألَّا تكون بأصوات نساء، إلى غير ذلك من الشروط[15].
ويبدو أن القيادات “الجهادية” في “دولة الخلافة” قد ارتكزت على هذه الآراء لتبرر مخالفتها للأحكام المتعارف عليها بشأن الغناء والموسيقى واستعمال الآلات الموسيقية[16]، فصارت تحفز المنشدين على التغني بأمجاد القدامى وبـ “دولة الخلافة”[17] وسياسة “الخليفة البغدادي” الرشيدة، وتوظف الأناشيد الدينية في إنتاج الأفلام الوثائقية الدعائية لإرهاب الأعداء وجذب المؤيدين[18]. هذه ”المرونة المفاجئة وغير المتوقعة في ذاتية الإرهابي، وقابليتها للانفتاح والاختيار الانتقائي لأنماط التعبير الثقافي الحديثة، تُعَدُّ عكسًا للموقف الأصولي الجامد نظريًا تجاه الثقافة المعاصرة، التي تُصنف في القاموس القيمي لهذه الجماعات بوصفها فاسدة منحلّة ومعادية للأخلاق”[19].
وعلى خلاف “تنظيم القاعدة” الذي كان يفسح المجال للشيوخ كأسامة بن لادن والظواهري وغيرهما حتى يوضحوا آراءهم، فقد عمد “تنظيم الدولة الإسلامية” إلى منح الشباب فرصة لاستعراض القوة والفتوة ورباطة الجأش وكل أمارات الرجولة، والتعبير عن مشاعر الفخر والاعتزاز بالانتماء إلى “دولة الخلافة” والموت في سبيل الله …[20]. لقد طوّع “تنظيم الدولة الإسلامية” مهارات بعضهم لخدمة أهدافه، ووفر الدعم المادي واللوجيستي “للمبدعين”. فصار الشبان يتنافسون في ابتكار محتويات الأفلام والمحاضرات وكلمات الأناشيد وغيرها، وغدت هذه المادة الصوتية عنصرًا أساسيًا في تكوين هوية الجماعة العسكرية. ولا شك عندنا في أن القيادات استغلّت غضب آلاف الشبان من أنظمة صادرت أحلامهم، وهمّشتهم، ولم توفر لهم فرص العيش الكريم، فأوهمتهم بأن فرص العمل وإثبات الذات وتنمية المهارات موجودة في “دولة الخلافة”، حيث يُثَمَّن عمل “الأسود” ويُحتفى بالجهاديين.
هناك أيضًا “تنظيم القاعدة”، الذي اكتفى بالترويج لبعض الأناشيد ذات البعد العسكري في أثناء الغزو السوفيتي لأفغانستان (1970 – 1980)، ولم يكن معنيًا بإنتاج أناشيد خاصة به (باستثناء الأناشيد التي جاءت في رثاء “بن لادن” وكانت من نظم بعض الأتباع)، وهو أمر يُفَسَّر بقلة الإمكانيات، والتصورات التي تبنتها القيادات. في حين أن “دولة الخلافة” امتلكت المال والعقول المدبرة والكفاءات، فاستقطبت أصحاب المهارات والمواهب المتعددة. ومن بين هؤلاء نجد الشعراء والمنشدين ومغني الراب، وغيرهم من الذين كانوا حاضرين بقوة في الإنترنت وكل مواقع التواصل الاجتماعي. وجديرٌ بالذكر أن النساء لم يَكُنَّ مستبعداتٍ عن المشاركة في هذا المجال، ذلك أن القيادات “الجهادية” حثت بعضهن على تأليف الكلمات والترجمة وإعادة النشر، إلى غير ذلك من المهام التسويقية التي توضح موقع الشابات في الجناح الإعلامي للجماعات المتطرفة، وتبرز في الوقت ذاته ميلهن إلى استهلاك هذه المواد التي تحرك المشاعر، وهو أمر يعكس الصور النمطية التي تربط الأنوثة بالعواطف والانفعالية.
ثالثًا: فيمَ يكمن “سحر” الأناشيد الجهادية؟
لقد أدركت القيادات ذات التوجه البراغماتي أن الأناشيد تؤدي وظائف متنوعة، منها الاجتماعي والنفسي والتنظيمي والسياسي والثقافي والإعلامي، ويمكن الإفادة منها في الخطط التوسعية والدعاية، وتشكيل مخيال الجموع، وتأسيس الجماعات العضوية. ولذلك ما إن رُسمت حدود “دولة الخلافة”، وأُصدرت قوانينها وأعرافها، ونُظمت معاملاتها التجارية، حتى انكبت على إنشاء مؤسساتها الإعلامية، وصار لها مُنْتَجُها الفني، فقدمت أناشيد “جهادية” باللهجات المحلية والفصحى، تُرجم بعضها إلى لغات متعددة حتى تجذب أكبر عدد من الأتباع[21]. وهي أناشيد توثق الحياة اليومية “للمجاهدين”، وتحتفي بالأبطال، وتُفصح عن طموح أبناء الخلافة. أمّا هدفها الأساسيّ فيكمن في ترغيب الجموع في الهجرة والجهاد، لا سيّما مع ضعف الرقابة على الإنترنت، وتضاعف أعداد المقبلين على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، بعد التحولات التي عرفتها المنطقة تحت مسمى “الربيع العربي”.
يقول ماهر فرغلي موضحًا خطط توظيف الأناشيد الدينية في الاستقطاب: “إن استقطاب التنظيمات الإرهابية للعناصر، وتأطيرهم من خلال الخطاب الصوتي، يتم من خلال ثلاثة مستويات: العاطفي والمعرفي والسلوكي، وفي هذا السياق تحاول هذه التنظيمات ملامسة وجدان المتعاطفين و”الزبائن” المحتملين، من خلال الأناشيد، والأغاني الحماسية، التي ثبت أنها تنقل الشخص من المستوى العاطفي إلى السلوكي”[22]. أمّا ألبرتو فرنانديز، منسق “التواصل الاستراتيجي ضد الارهاب” في الخارجية الأمريكية، فيذهب إلى أن الأناشيد هي “جزء مما يُعرف باستخدام الجانب العاطفي-الثقافي في عمليات تبني الأفكار الراديكالية”، وهي تلعب دورًا أساسيًا في “محاولة تجميل صورة المتطرفين وأفعالهم الوحشية، وإضفاء طابع ديني عليها”[23].
يُضاف إلى ذلك أن الأناشيد استطاعت أن تخلق ثقافة مشتركة لدى أعضائها، حتى إن الكثير من الشبان/ات صاروا يستخدمون النشيد كنغمات لهواتفهم المحمولة، ويحفظون كلماتها عن ظهر قلب، مشفوعة بحركات الجسد التي تبين درجة الانفعال والحماسة والاستعداد للفعل وتنفيذ المطلوب، وهنا ترتبط الكلمة بالرصاصة[24].
ونظرًا إلى كثرة الأناشيد المؤرشفة من جهة، والحيز القصير المتاح لهذه الدراسة، والذي لا يسمح بالاستفاضة في تحليلها، من جهة أخرى، فقد ارتأينا استخراج الأنموذج الشائع Prototype والنظر في آثاره والانعكاسات المترتبة عليه.
رابعًا: تحليل بنية الأناشيد الجهادية
أ- من حيث الشكل
من خلال دراسة عدد من الأناشيد “الجهادية” المتداولة، مثل “صليل الصوارم”، و”قامت الدولة”، و”آه يا أبناء اليمن”، و”نشيد غرباء”، وغيرها[25]، نتبيّن أن البنية السردية تقوم على اختيار القصة وكتابة السيناريو وانتقاء المؤدي وتصميم الإخراج، مع اختيار الصور المصاحبة والموسيقى بعناية فائقة، ووضع الكلمات البارزة في الفيديو بلون مميز. وكل هذه المسائل تتطلب معرفة (savoir-faire) وحبكة وتجربة ودراية، وقدرة على رسم الاستراتيجيات التواصلية والتسويق، وميزانية ضخمة، وغيرها من العناصر. ولذا كان إنتاج الأناشيد موكولًا إلى هيئات إعلامية، مثل مؤسسة أجناد، ومؤسسة الحياة، والفرقان والاعتصام والفرات، وقناة عبود أبو عبد الملك، وقناة كتاب هو القرآن، وغيرها.
وتُستهل الأناشيد في معظم الأحيان بالقرآن، وقد تبدأ ببيان أو خطاب، وتتخللها أدعية أو تُختم بها، وهو أمر يقيم الدليل على أن بنيتها ديناميكية، تكسر الرتابة ولا تحدث الملل، فتغري المتقبل بمزيد البحث عن أناشيد جديدة والاستماع إليها. وهكذا يتحول الاستماع إلى طقس يجعل الفرد مدمنًا ومنغلقًا على ذاته، لا يقوى على مفارقة عالم “آسر”.
أمّا لُغَة الأناشيد فقد شملت اللغة العربية، والإنجليزية، والتركية، والفرنسية، والصينية …[26]، واللهجات المحلية: اليمنية، والسعودية، والمصرية، وغيرها. وهو أمر يفصح عن الرغبة في “عولمة ” هذا المنتج، ومن ثم توسيع شبكة استقطاب عدد كبير من الناس من كل أرجاء العالم. فلئن عجزت الكتب والبيانات عن التأثير في الأجيال الجديدة التي تعزف عن القراءة، فإن وقع الموسيقى والصورة والصوت الشجي في النفوس لا يمكن أن يُقَاوَم؛ لأنه ببساطة يعكس روح العصر.
وهذه الأناشيد التي تُرتجل في سياق خاص – قُبيل عملية التفجير أو بعد كل عملية إرهابية أو في رثاء المجاهدين أو مدح الأبطال – تقوم على التفاعل بين نحن/أنت/أنتم، وتمثل خطابًا أو رسالة موجهة إلى “هُمْ”، وتُسجل غالبًا بأجود التقنيات، ويعلن فيها عن اسم المنشد (أبو المهاجر، خولان الصنعاني، أبو علي، أبو هاجر الحضرمي، نايف الشرهان، أبو البراء (طفل)، ماهر مشعل،…)، ويُشار فيها إلى جنسيات المنشدين (السعوديين، السوريين، اليمنيين ..)، ثم يتم تحميلها على شبكة اليوتيوب مشفوعةً بعبارات: “من أروع ..”، “من أقوى ..”، “من أجمل ..”، “أقوى وأروع أنشودة تبكيك”، “أروع الأناشيد الجهادية مؤثرة اسمعها “، “يرجى دعمنا بـ (اشتراك + إعجاب + مشاركة)” .. [27].
“نرجوا [كذا في الأصل، والصواب: نرجو] منك أخي الحبيب الاشتراك في القناة ومشاركة المحتوى (الفيديو) مع أصدقائك جزاك الله خيرًا”، و”أخي المسلم احرص على نشر هذه المادة، فالدال على الخير كفاعله”. ويمكن أن تُرتب الأناشيد المؤرشفة في بعض المواقع وفق السنوات، وعدد المشاهدين والأكثر مشاهدة وتأثيرًا box-office [28].
إن ترديد هذه الأناشيد بصفة يومية يضطلع بوظيفة ترسيخ الرموز والصور والإيقاعات، حتى أنه يُخَيَّل إلى الأتباع أن ما يفعلونه “صحيح” ومطابق لما جاء في “الشريعة”، ويساعدهم على تقبل القتل والاغتصاب والنهب، باعتبار أن هذه الأفعال هي في نظرهم تنفيذ لأوامر الله.
ب – من حيث المحتوى
تتضمن الأناشيد قِسْمًا تعريفيًا يقوم على تعريف الذات أو الجماعة (المجاهد، التنظيم، الجماعة…[29]) في علاقتها بالأمة والدين، ونجد أيضًا وصفًا للأحوال (أمة مغدورة، الذل، الأطفال المشردون، النساء المغتصبات،…)، وبكاء على ضياع الأمجاد (استباحة القدس،…)، ومقارنة بين السلف والخلف. وتكمن غاية هذا القِسْم في تأثيم الجمهور المستمع/ المشاهد؛ فهو الذي فرط في سيادته، وهو الذي قَبِل الذل والعار ورضي بالاستكانة والخنوع، وهو الذي ضَحَّى بقيم الرجولة. وما من شَكٍّ في أن تعيير الشبان بانعدام الرجولة أو نقصها يُعَدُّ استراتيجية استفزازية، من شأنها أن تحرك مشاعرهم فينتفضوا لإثبات رجولتهم من خلال قبول الالتحاق بـ “الدولة الإسلامية”، والمرور بالاختبارات التي تفرضها على كل من رام التحول من هوية ذكورية سلبية (الرجولة المسحوقة، المهمشة، اللينة،…) إلى “الرجولة الكاملة”. ومن المهم أن نتذكر في هذا الصدد مدى حرص قيادات الجماعات الإسلامية على الإشراف على مشروع بناء الرجولة . ألم يردد سيد قطب : “إنني أؤلف الرجال”؟.
وبالإضافة إلى ما سبق، يشتمل القسم التعريفي على مساحة لتقديم الآخر/ العدو (أمريكا، إيران/ الشيعة، اليهود، الأنظمة الغاشمة، الكفار، الأئمة المنافقون، علماء الشر،…)، من خلال أسلوب التهويل والمبالغة والتأليب عليه، فالآخر هو رمز الشرور، والخطر، والنجاسة… (الغاشمون، المارقون، الكفار، المجوس، الشياطين ..). وتكتمل صناعة العدو بإنتاج الاستعارات métaphores(الكلاب، الحشرات …)، والتطبيع مع العنف. وغنيٌّ عن الذكر أن تجريد الآخر من فضائله وإنسانيته، وضمه إلى عالم الحيوان أو الأشياء، والـتأليب عليه، والتحفيز على كرهه وإبادته، يُعَدُّ استراتيجية محكمة للتأثير في المتقبل، حتى يتحول إلى فاعل يجوز له التصرف في العدو ذبحًا وحرقًا وتقطيعًا … فيفعل ما لم يكن يخطر له على بال (“اقطع رؤوس المعتدين”، “بالسيوف نمحق الكفار”، “قطع الباغي وريدًا وريدًا”، “تقطع الرؤوس وتسمل الأحداق” …)[30].
أمّا القسم الثاني من النشيد فيُخصص لتقديم البديل، من خلال استدعاء الماضي الذي تُضْفَى عليه المسحة المثالية Idéaliste، والشخصيات المركزية (محمد، أبو بكر، عمر، صلاح الدين، الزبير بن العوام، علي بن أبي طالب، عمرو بن العاص، … مريم بنت عمران، الخنساء، خديجة بنت خويلد، عمر المختار،…)، وذلك بهدف الاقتداء بها من حيث الصفات والسلوك. ويتمثل الهدف من استحضار الماضي والأسماء التاريخية أو الرمزية في خلق نوع من الامتداد مع الماضي، أو إظهار الصلة التي تربط “دولة الخلافة” بالخلافة الأولى، وبالإسلام التأسيسي؛ مما يُضفي الشرعية على الأفعال المرتكبة. ولا شك في أن عبارة “الخلافة الإسلامية” تُعَدُّ بمنزلة الطُّعْم الذي يُوظف لاستدراج الشبان وتحفيزهم على الهجرة والجهاد، الذي لا يعدو أن يكون “جهادًا هُواميًا” (مُتَخَيَّلًا) jihad fantasmé .
أمّا تضمين الآيات والأحاديث، وبعض المفردات ذات الصلة بالأحداث الكبرى كفتح مكة والمغازي و”الفتنة”، فإنه وسيلة لتنشيط الذاكرة وشحذ الهمم، والرفع من معنويات المقاتلين في ساحات القتال (سوريا، العراق، ليبيا …)، وتوجيه النفس نحو بناء هوية جديدة، والفعل في الواقع. فلا غرو أن تكثر المقارنات بين القعود/ الغزو، والجهاد/ الفعل، وأن يُنوه بقيم الأخوة والتضامن والوحدة من أجل نصرة الدين، وبأهمية الانتماء إلى الجماعة المخلصة، وأن يُبَثّ الأمل في النفوس؛ فيكون العمل على تغيير مكانة الأمة أمرًا مشروعًا، وفي الوقت ذاته ممكنًا.
ومن خلال خلق حالة وجدانية تحكمها الأهواء: الانفعال والغضب والشوق (بكت عيني فخذوني إلى أرض الجهاد، ودعوني، فاض دمعي … محب للجهاد فأطلقوني … الشوق إلى الجهاد…)، تحدث “الاستفاقة من الرُّقاد”، فيُولَدُ “المجاهد الصنديد” الذي سيضحي بحياته من أجل الإسلام والدفاع عن الرسول (الكل يهون .. لن نفرط في ديننا …)، ويُصنع المؤازر والمناصر، وتتغير البنية النفسية، فيكثر الفخر والمدح وعرض الذات (على نغمات حمحمة الجياد وقرع سيوفنا البيض … سنمحو الشرك … ردع الكافرين …)، وتُقلب الموازين فيتحول المرء من الحزن إلى الانشراح، ومن الضعف إلى القوة، ومن الانكسار إلى الشعور بالفخر، ومن الاستكانة إلى الفعل في الواقع. ويغدو الخطاب الموجه إلى الآخر قائمًا على التشفي والانتقام والتهديد بالقتل …[31].
ولا تتوقف الاستراتيجيات على الهدم والبناء: هدم الماضي والحاضر المخجل، ونسف صورة “القوى العظمى الإمبريالية”… وإشعار المتقبل بالخزي والهوان وانعدام الرجولة، واستفزازه حتى ينهض من كبوته، ويطيح بالأعداء؛ إذ تتحول الأناشيد إلى وسيلة لتغيير الذهنيات والبنية النفسية، وتصبح أداة لتشكيل المتخيل، وبناء الرموز. ويبدو ذلك جليًا من خلال إعادة تركيب الأحداث التاريخية وتأويل النصوص بطريقة تخدم أهداف الجماعة المتطرفة، وكذلك من خلال اختيار أسماء الأناشيد: (“يا غربتي، أنشودة مبكية”[32]، “أودعكم بدمعات العيون” ،”نامت عيونكم”، “سلامي على الدولة”، “أمتي قد لاح فجر”، “قالو إنها وعد”، “نحن عصبة الأسد”، “هبت الريح قوية”، “الرعب من الخلافة الإسلامية”، “القول قول الصوارم”، “صليل الصوارم”، “نشيد الأباة”، “إذا تهـاون الرجـال فالنسـاء لهـا”، “حي علــى الجهاد”، “نعم قاتل”، “سلكت طريقي ولا لن أحيد”، “تقدم أُخَيَّ لسود الجبال”، “تقدم إلى الموت ثم اقتحم”، ”تقدم إلى الأفق الأبعد”، ”ماضٍ في كفاحي”، “ماضٍ كالسيف”، “قادم كالسيف كالريح كالموج غزارة”، “تقدم يا ابن أقصانا ودُكّ الأرض نيرانا ”، “إننا الأبطال لا نحني الرؤوس”، “يا خيل الله اركبي”، “إلى الأمام تقدموا إلى الجهـاد فلتنفروا”، “لنا المرهفات”، “سنخوض معاركنا معهم”، “حيوا الرجال العوالي”، “حور العين تناديني”، ”يلا يا مسـلم قـــوم في الجنَّـة حـوريَّة”، “يا فوز من نال الشهادة”، “زفوا الشهيد”…).
ولا تكتمل صناعة الجهاديين إلَّا بتوظيف المعجم الحربي وبث الحماسة في نفوس “جند الخلافة” والشباب الذي ينوي الانتماء إلى التنظيمات الإرهابية أو التعاطف معها. فنجد الأناشيد التي تحتفي بالعنف والقتل، وتصف ساحات الوغى والغزو والمعارك، وتتغنى بالسلاح: السيف، الرمح، الحسام (”قراع الأسنة لحن الرجال”، “نَفُلُّ الحديد بعزم شديد”، ”صوت المدافع والطائرات”،…)، وتمدح الفارس، والفتى، والجندي الذي جمع كل عناصر القوة المعنوية والمادية والطبيعية والحيوانية (أهل الكر، الرجال، المفخخ، زفوا الشهيد …)، وتحتفي بالقوة، والزعامة، والبطولة، (“البرق الملتهب نحن المسلمون قادمون .. إننا منتصرون”)، وتشيد بالفعل والعنف (“قطع الباغي وريدًا وريدًا”، “لا تُبقِ يهودا”، “أغمد سلاحك”، “احمل عليهم”، “ستنوح ثكلى”، “أفجر ثكنة الأعداء”، “جماجم الأعداء”، “حطم رؤوس الطغاة”، “بدمائنا سَنُلَوِّن الفجر”، “نمزق الطاغوت والكفر” …). وهكذا تغدو الحياة سيفًا وقرآنًا ومحنةً (“نشيد لا تسألوني عن حياتي”)، وأناشيد تقنع وتحفز وتطمئن، وتخفف عن النفس، ولكنها في الوقت ذاته تبني الجدران العازلة بين من لبى النداء ومن قعد فتفضحه (“قعيد النساء”، و”العيال”، و”الجبان” …).
وبالإضافة إلى ما سبق تَعُجُّ الأناشيد بعبارات تثبت المشروع السياسي واستراتيجية الاستقطاب والعسكرة، إذ يُحتفى بالمقاتلة (“فاحشدوا كل الجنود”، “إنها حرب الوجود” …)، وكذلك بالموت والدم (“الموت عِزٌّ تحت سيفي”، “قنابلي مِسْكٌ”، “ريح قذيفتي عنبر”، “دعني أصنع بدمائي فجرًا”، “شربنا من دماِء الكفِر شربًا أُخَيَّ”، “حطموا أعتَى الرؤوسِ، من يهوٍد ومجوسِ، وصليبيٍّ وروسي” …)[33]، فتغدو الشهادة هدفًا (“يا فوز من نال الشهادة صادقًا”، أناشيد “تقدم إلى الموت”، “لبيك إسلام البطولة”، ”سلكت طريقي”[34]…)، وتغدو رحيلًا واستعدادًا للعرس. ويصبح الشهيد “شفيعَ أهله، لا يُحاسب في القبر”، ويتحول العنف إلى وسيلة للتغيير وإضفاء معنى وإنجاز مشروع (“شهداء الإسلام”، “شهداء الحق” …).
ونظرًا إلى خطورة مضامين هذه الأناشيد، التي لا تقل عن خطورة الجرائم الإرهابية، كانت الدعوة إلى محاسبة واضعي هذه الكلمات بتهمة الإرهاب مُسَوَّغة ومفهومة. وتتجلى خطورة الأناشيد في أشكال التأثير التي تجمع بين الصوت والصورة. فبعد أن انطلقت القيادات بإنتاج الأناشيد المسموعة، احتاجت في مرحلة لاحقة إلى مزيد استقطاب العناصر، فوظفت الصوت المؤثر الشجي، والإيقاع السريع العصري، والتكرار ورجع الصدى، واتخذت الصورة (الأسد، الخيل، الليث، الكلايشنكوف، السيارات، الأطفال، الشيوخ، النساء …) وسيطًا ناجعًا، واستخدمت كذلك التضمين والتناصّ (لقطات من المعارك، ومن أفلام سينمائية مثل فيلم “الرسالة”…) لإضفاء بُعْدٍ واقعي عملي على الأناشيد، ولمزيد من التأثير في الحواس، فإذا بالمشاهد/ المستمع يبكي ويصرخ ويتوعد …
ولا شك في أن استخدام صوت الرصاص والمدافع وتضخيم الصوت amplifiée يوضح الهدف من هذا الإخراج السينمائي الدرامي لأفلام الحركة – film d’ action . إنه البحث عن الإثارة والتحفيز والانفعال ورد الفعل. وهنا تتجلى قوة تأثير الأناشيد التي تشبه أغاني “الألتراس” في ملاعب الرياضة، فهي تُدخل المُشاهد في عالم التخييل، ثم تخرجه إلى أرض الواقع، فيغدو متحمسًا لتحويله إلى أرض النزال. وبذلك يتجاوز المتقبل فعل المشاهدة والاستماع، إلى الفعل في الواقع، لا سيّما بعد أن يتم إيهامه بضرورة تطهير الأرض من النجاسة، وبناء مجتمع طاهر مثالي، حيث الانسجام والتنميط والأحادية (الموحدون، الإسلام الحق والصحيح )، فلا خيار أمامه إلَّا اعتناق الإسلام “الصحيح”، أو الحرب. وانطلاقًا من هذا التصور تنهض بعض الأناشيد بوظيفة الطمأنة: طمأنة الأتباع بأنهم تحولوا من الضلال إلى الهداية، وصاروا على الصراط المستقيم.
ويبلغ التأثير مداه عند استحضار صورة الأم (“أنشودة مبكية”، “أودعكم بدمعات العيون”…)، ومخاطبتها (“إذا جاءك الخبر، لا تبكي”، “أماه لا تحزني لقاؤنا في الجنة”، “طالع عالموت يا أمي لا تخافي علي”، “يا يما أنا طالع أخلع ثوب العار”، “أماه ديني قد دعاني للجهاد، لا تبكي علي إذا سقطت ممددًا”، “الموت لا يخيفني”، و”مُنايَ أن أُمَدَّد”…)، فتكون النتيجة ارتفاع نبضات القلب، وضغط الدم والانفعال، فإذا بالمستمع/ المشاهد يتماهى مع الشخصيات “المنمذجة”، ويتمنى أن يكون هو الآخر، شهيدًا وشفيعًا لأهله.
ويتجاور استدرار العطف مع الإيحاء الجنسي والإغراء، فتتحول الحور العين إلى محفز جنساني: (“حور العين تدانيني”، وهي تفرح وتطالب: “زفوا الشهيد وخلوا الزفة على السنة”…). وبذلك يتشكل مُتَخَيَّل الفردوس (الجنان، الفردوس، الجنات، الآخرة، الجنة …)، فيصبح منتهى الأمل. ولا مانع لدى منتجي هذه الأناشيد من وصف الحور العين ولذة النعيم ومحاصرة المستمع، مادامت الغاية هي كسب أتباع جدد يكونون في خدمة الجماعة.
ونذهب إلى أن ما يسترعي الانتباه في صياغة هذه المضامين ذلك الربط بين زمنين: زمن الإسلام المبكر/ التأسيسي، والزمن الحاضر، وعقد صلة تطابق بين شخصيات قدوة (أبو بكر، عمر بن الخطاب، صلاح الدين الأيوبي …) وبين قيادات جهادية، والربط بين دلالات الجهاد في النصوص الدينية القديمة، وبين التأويل الجديد الذي أُضْفِيَ على النصوص فجعلها في خدمة مشروع أيديولوجي-سياسي. يُضاف إلى ذلك ربط تجارب المعتقلين السياسيين من الإخوان المسلمين ومن تنظيم القاعدة وغيرهم بمحن الإرهابيين الجدد. ولا معنى لهذا الربط سوى إعادة إنتاج السرديات وخطابات المظلومية وأدبيات المحنة، وإيهام المرء بأنه لم يخرج عن تعاليم الإسلام “الحقيقي”، بل إنه أكثر وفاءً للشريعة والتزامًا بما أسست له الأجيال السابقة من “المجاهدين”.
وهكذا نتبين أن دور الأناشيد في الاستقطاب الرقمي كان أساسيًا وناجعًا، بل إنه يأتي على رأس أدوات التجنيد، ويُدرج ضمن “القوى الناعمة”. فعن طريق انتقاء الكلمات وتنظيم عناصر الخطاب واختيار المؤدي صاحب الصوت الشجي، تنجح الجماعة في “ترويض” الأفراد وتطويعهم لخدمة الأيديولوجيا الجهادية بأسرع وقت ممكن، إذ لا وجه للمقارنة بين الاستقطاب الذي يرتكز على نشر الكتب والبيانات والخطب، وتوضيح أسس الجهاد، والنفير، وغيرها من المصطلحات والمفاهيم المعقدة، وبين تسويق نشيد يحرك السواكن ويلهب المشاعر في لمح البصر.
خامسًا: تَقَبُّل الجماهير للأناشيد الجهادية
إن ما يثير الانتباه في هذه الأناشيد أنها “طَقْسَنَتْ” الدعاية الجهادية (أضفت طابعًا طُقوسيًا عليها)، وأعلت قدرتها على التأثير في النفوس والتحكم في مصائر أصحابها، وتأطير هوياتهم بطريقة تُلْغِي الفرد لفائدة الجماعة، وتُظهر السياسي في لبوس ديني. وتكمن شدة تأثير الأناشيد الجهادية في “بلاغتها” وقدرتها على الإثارة وتزييف الوعي وفعلها التنويمي؛ إذ يُغَيَّبُ العقل وتتحرك الأهواء (الغضب، الحزن، الكره …) وتضطرب الأحاسيس.
ولا يتوقف التفاعل مع هذه الأناشيد عند الجهاديين فحسب، إذ إن البُلْدان التي عاشت التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في العشرية الأخيرة، وخاضت تحولات ثقافية تجلت في مستوى القيم والسلوك والعلاقات، وطريقة العيش، وأشكال التفاعل مع الأنماط الموسيقية المختلفة، هذه البُلْدان قد شهدت إقبالًا على مثل هذه النوعية من الأناشيد الحماسية، فانتشرت الأناشيد الجهادية في الفضاءات العمومية وفي وسائل النقل (الدكاكين، الجامعات، سيارات الأجرة،…)[35]، وصار الإقبال عليها يتجاوز إطار الأحزاب (حماس وحزب الله، …)، والجماعات الدينية المتشددة، ليصل إلى عموم الناس، ويتجاوز فئة الشباب ليجذب اليافعين والكهول من الجنسين، والمتدينين وغير المتدينين، ويشمل مختلف الطبقات الاجتماعية والمستويات التعليمية والانتماءات الثقافية والأيديولوجية. بل وصل الأمر إلى حد اعتراف عدد من الدارسين الغربيين الذين قضوا ساعات وساعات في الاستماع إلى عينات مختلفة من الأناشيد الجهادية الحماسية، بأنها ذات وقع في النفوس. وقد يعود ذلك إلى المدة التي يستغرقها البحث عن الأناشيد، والتي تجعل الباحث “مدمنًا” لسماعها ومتأثرًا بإيقاعاتها، وقد يرجع السبب كذلك إلى “سحر المقامات” وتحريكها للسواكن[36]، وهو أمر قد تَحَدَّثَ عنه أيضًا عدد من العائدين، بمَنْ فيهم مَنْ هاجروا من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وغيرهم إلى “بلاد الإسلام” و”دولة الإسلام”. فقد صرح بعضهم بأن الإيقاعات تربك النظام الإدراكي والوعي بالأشياء والطبيعة والكون.
ولئن كان المقبلون على الاستماع إلى الأناشيد والأغاني، التي يُنظر إليها على أنها دينية، لا يدركون في الغالب دلالات المعاني، ولا يفرقون بين المحتوى الجهادي والمحتوى الصوفي، فإن صانعي هذا المنتج كانوا على وعي بأساليب التأثير، ووقع بعض الكلمات في النفوس، ودور الإيقاع والصوت الشجي، والإطار العام، وسياق الاستماع أو المشاهدة (فردي/ جماعي)، ونوع المُنْتَج (فيديو صوت وصورة أو صوت فحسب)، ومكان الاستماع (في العمل، في البيت …)، وزمان الاستماع (الليل/ النهار…) في التأثير في المستمع. وعلى هذا الأساس خططوا وانتقوا الكلمات وتصرفوا في الإيقاع، واختاروا الصور والرموز المصاحبة وزمن التسويق إلى غير ذلك. فكان مفعول الأناشيد يُضاهي أثر الخمر[37].
ونرجح أن منتجي هذا المحتوى قد اختبروا درجة تأثير الأناشيد في العاطل عن العمل، والمنحرف، وفاقد الأمل، والفاشل، وفاقد الثقة في النفس، والمهمش، والذي يعاني من الهشاشة أو الصدمات، وذاك الذي يعيش الفراغ أو العزلة، وكاره ذاته، ومن يمقت الآخر، وغيرهم، فكتبوا سردية تلبي حاجة الجميع، وتراعي متغيّرات الجندر/ السن/ الإثنيات/ القومية/ الطبقة … وأكدوا أن نجاح الاستراتيجية متوقف على احترام المسار القائم على الاستماع/ المشاهدة، مرة أو مرتين أو أكثر، والتذكر، وإعادة النشر، والإخبار، والحفظ، والإدمان، ثم الفعل.
وفق هذه الأهداف يتجلى سبب الربط مثلًا بين سلسلة الهجمات الإرهابية على باريس في نوفمبر 2015، وحَدَثُ إحراق الطيار الأردني (معاذ الكساسبة) في يناير من العام نفسه، واسترجاع النشيد الذي أُنتج عند تنفيذ الحكم، والمتمثل في البرهنة على أن مشروع “الدولة الإسلامية” هو إقامة العدل وتطبيق شرع الله وإرهاب الأعداء، أي مواصلة المشروع الذي أطلقه المسلمون الأوائل، والمتجذر في التاريخ والذاكرة الجمعية.
ولما كان للأناشيد دور في بناء الذاكرة الجمعية والهوية، فقد حرصت القيادات على أن تتضمن برامج التنشئة والتدريب والتعليم حصصًا للنشيد “الإسلامي”. فما إن ينضم الفرد إلى الجماعة الجهادية حتى ينطلق في التدرب على استعمال السلاح، وحضور حلقات السماع التي تساعده على الانفصال عن أهله ونمط عيشه وعاداته القديمة، وتغيير ذائقته الموسيقية السابقة، فيُولَد ولادة جديدة. والواقع أن تغيير انتماء الفرد من خلال الخطاب الوجداني و”إلهاب المشاعر” يجد له سندًا في الخطاب السلفي الجهادي، الذي يصر أصحابه على أنهم نجحوا في كسب الأنصار من خلال التأثير في عواطف الناس.
وانطلاقًا من هذا التصور كانت برامج تنشئة “أشبال الخلافة” قائمة على حفظ الأناشيد التي تشكل مخيالهم وفق سردية “المظلومية”، وتجعلهم في المستقبل مستعدين للذود عن مشروع إقامة دولة الخلافة، خاصة بعد رفض المجتمعات عودتهم وإعادة إدماجهم.
لقد حدد المشرفون على الجهاز الإعلامي الفئات المستهدفة بهذا الخطاب، والمتمثلة أولًا في “المجاهدين القاعديين”، والمؤيدين، والمتعاطفين مع الفكر الجهادي، ويكون معظمهم من الشباب. أمّا الهدف الذي رسمه المشرفون على الدعاية، فيتمثل في إرساء جسور التواصل مع هذه الفئات، في زمن عز فيه الحديث مع الأهل والخلان، وصار الهاتف الذكي أقرب إلى المرء من أمه وأبيه. يُضاف إلى ذلك الحصول على دعم غير مشروط للمشروع والولاء للجماعة.
أمّا الفئة الثانية فتتمثل في الجماهير العريضة. ويكون الهدف من الدعاية المعتمدة على الأناشيد تشكيل الرأي العام، وتأكيد مدى نفوذ التنظيمات الجهادية في المجتمع، إمّا بغرض حشد التأييد أو بغرض الترهيب من الإقدام على مواجهة التنظيمات. وتخص الفئة الثالثة “جمهور الخصوم من أجهزة الدولة ومؤسساتها ومؤيديها؛ بهدف إضعاف موقفها، والتأثير على هيبتها، وإظهارها بمظهر العاجز في مقابل قوتها”[38]. ولكننا نلحظ أنه مع مرور الزمن تطورت استراتيجيات الاستقطاب وفق الجمهور الجديد المتكون من المعتنقين الجدد للإسلام، والمتأثرين بالأغاني والإيقاعات السريعة وغيرها من الأنماط الموسيقية، وبناءً على ذلك كان من الضروري الاستعانة بكُتَّاب للأناشيد من المنتمين إلى ثقافات مختلفة.
خاتمة
تُصَنَّفُ دراسة الأناشيد – من المنظور السوسيولوجي – في إطار تحليل مختلف أبعاد “الدين المعيش” lived religion والمُمَارَس (طقوس الاستماع أو المشاهدة)، من خلال جلسات إنشادية جماعية، أو فردية حين يخلو الفرد إلى نفسه، فتكون الآلة والتكنولوجيا أقرب إليه من ذويه، فيبحر في الإنترنت، ويتمسك بهاتفه أو حاسوبه، وينتشي بكلمات وإيقاعات، فتنشأ التجربة “الدينية” وتقوى، لا سيّما حين تُسهم الأناشيد في بناء تجربة دينية مشتركة تعتمد على الحواس (السمع، البصر ..)، وعلى الجسد في حالاته المتعددة (السوي/ العليل/ الضعيف/ القوي/ المتحرك/…) وهو أمر يدعونا إلى التفكر في العلاقة بين الأشياء المادية (الهاتف/ الراديو/ التلفاز/ الفيديو المصور للأناشيد/ الكاميرا/ الراية/ السلاح/ الميكروفون/ الآلات …) وعلاقتها بالأفكار والتصورات والرموز، والتدبر في طرائق تشكيل البنية الذهنية: (بماذا أحلم؟ ماذا أُريد أن ألمس؟)، والألوان التي باتت تجذبني: (الأسود، الأحمر،…)، والأصوات التي أضحت تشدني: (الرصاص، الطلقات،..) والروائح التي بِتُّ متعودًا عليها: (رائحة الدم، النتونة،…).
ونظرًا إلى أن الآلة صارت تعوض الأهل والمدرسة والمسارح ودور السينما وغيرها، وَجَبَ التبصر في العلاقات الأسرية والاجتماعية، إذ كيف للحاسوب أو الهاتف أن يحل محل الوالدين؟ وكيف أمكن للجماعات المتشددة أن تعيد بناء الروابط الاجتماعية بين أفرادها من خلال التكنولوجيا، فيُعَوَّض الأهل بالقيادات الجهادية، وتُعَوَّض العلاقات الاجتماعية بالعلاقات العضوية؟[39].
وبالإضافة إلى ما سبق، يُمكننا تحليل هذا الموضوع من خلال الانتباه إلى أن الأناشيد ليست إلَّا عنصرًا من الثقافة المادية التي استغلتها القيادات للإيقاع بأصحاب الهشاشة – كالمعطوبين والمنعزلين والباحثين عن ذواتهم – فأوحت إليهم بضرورة دخول معترك تجربة “دينية حقيقية”، ومنحتهم وعيًا مُزَيَّفًا، إذ أوهمتهم بأنهم سيتحولون من الضعف إلى القوة، ومن الشعور بالذل إلى الإحساس بالفخر، وسيتحررون من القيود والجدران العازلة. وتوحي هذه التجربة بأشكال تنمية القدرات والتحفيز على الخلق والإبداع والفعل، ولكن يصحب ذلك أن تَتَحَوَّل وجهة استخدام الفنون والآلات والتكنولوجيا، التي من المفروض أن تساعد الفرد على تهذيب الذوق، وصياغة تجربة جمالية، ودعم الإحساس بالحياة وصياغة رؤية لها … لتصبح بدلًا من ذلك وسائل في خدمة التوحش والدمار والإبادة والموت، وتغدو سلاحًا للقتل، ويغدو المُسْتَقْطَبُ سجين قيود جديدة تُسهم في استلابه وضياعه.
وتكمن خصوصية الثقافة الجهادية (jihadist culture) التي تتضمن مجموعة من الممارسات والقيم والسلوكات، وتتمظهر من خلال اللباس، وإعفاء اللحية، وإطالة الشعر، والرياضة البدنية، وتوزيع الكتب والفيديوهات والأناشيد … تكمن هذه الخصوصية في قدرتها على استقطاب أعداد غفيرة من الشبان والكهول والنساء، وعلى بناء الهوية “الجهادية”، وتنشئة الأطفال على قيم مختلفة تؤذن بسوء المصير.
ويتبيّن من خلال دراسة عدد من الشهادات أن للأناشيد طاقة سحر لم ينتبه إليها الأهل، فحسبوا أن الابن المنعزل والمعتكف إنما يسير على درب الهدى، ولكنه في الحقيقة بات ضحية المستقطِبين الذين رأوا أن الضرورة تستدعي توظيف التكنولوجيا، لتحويل الدين إلى ممارسات تستجيب لقيم السوق وقوانين العرض والطلب، أي “تسليعه”. وترتب على ترسيخ ثقافة الاستهلاك (سوق الترويج الديني) أن تم توظيف الخطاب الديني لقولبة السلوك وبيع الوهم، وتزويد الفرد بالأحاسيس القوية و”الحارّة” (sensations fortes)، التي تجعله يتجاوز الحدود التي يفرضها الدين والأعراف والقانون، والآباء، والمؤسسات. وفي السياق نفسه أثبت الدارسون الذين اهتموا بتحليل عدد من الأناشيد وصور المعارك، وفيديوهات الانتحاريين قبل أدائهم للعمليات التفجيرية، أثبتوا مدى خطورة هذه المواد، إذ أصبحت الأناشيد وسيلة للتحكم في البنية النفسية والسلوكية للفرد، وقولبة لمشاعره. فما إن يدمن على استهلاك الأناشيد الجهادية حتى ينتقل من حالة شعورية “باردة” إلى أخرى “حارة”، فيتحول إلى فاعل agent وفق مفهوم النظرية الاجتماعية التي وضحها برونو لاتور Bruno Latour.
صحيحٌ أن عددًا من الباحثين يرون أن الأناشيد الجهادية تمثل تمظهرًا معاصرًا للأيديولوجيا الجهادية، ولكن هذا الرأي لم يكن محل إجماع، إذ صَنَّفَتْ مجموعة من الدارسين الأناشيد الجهادية ضمن الاستراتيجيات الجديدة للجماعات المتشددة، التي تُوظف فيها الحاجة إلى الانتماء إلى جماعة عضوية لخدمة المشروع السياسي، ويُثَمَّن فيها تبادل المشاعر والتعاطف في الغالب، على حساب الأيديولوجيا[40].
غير أن اللافت للنظر أن الاهتمام بالأناشيد لم يكن حكرًا على الدارسين، إذ دفع الوعي بخطورة الأناشيد الجهادية بعض الناشطين/ات في مجال مكافحة الإرهاب[41] إلى وسيلة مزج الجد بالهزل، من خلال تحويل بعض الأناشيد إلى مقاطع كوميدية، ودمجها بفيديوهات رقص، أو تحويلها إلى أغنيات شعبية، أو مسرحتها على اليوتيوب، حتى تفقد معناها وتخف طاقتها على الجذب. وفي السياق نفسه عملت مؤسسة الأزهر[42] على توظيف الأناشيد الدينية في برامج التوقي من الإرهاب ومكافحته، محاولةً بذلك التصدي لعملية تحويلها إلى سلاح للقتل، وساعية إلى تنبيه المسلم/ـة إلى مخاطرها، ولافتة انتباهه إلى ضرورة تغيير سلوكه حتى يصبح مشاهدًا إيجابيًا، لا يتفاعل آليًا مع ما يُعرض عليه نفسيًا وعقليًا وسلوكيًا، بل يُعمل عقله، فيتساءل ويبحث وينخرط في مسار مكافحة كل أشكال التطرف العنيف.
ولما كانت الأناشيد بمنزلة “شحن للطاقة”، ووسيلة إشباع وتفريغ للكبت، فقد سعى نزر من الدعاة[43] وبعض الجمعيات إلى تنشيط الإنشاد الصوفي، وإبراز وظيفته الروحية، موضحين أن تجربة التفاعل مع الأناشيد الصوفية/ الدينية تُسهم في إضفاء معنى على الحياة، وتشكيل تصور مختلف عن العالم. فمن خلال تهذيب السلوك وعقلنة المواقف تكون الرَّوْحَنَةُ والمحبة والسلام.
أمّا على الصعيد الأكاديمي، فإن هذا المناخ الثقافي، الذي أسهم في توظيف الأناشيد الدينية لغايات أيديولوجية وسياسية، قد دفع الباحثين/ات إلى التفكير في الشأن الديني في ضوء الإعلام الجديد، وحث بعضهم/نّ على تحليل ما يُعرض من مواد على مواقع التواصل الاجتماعي، والاهتمام بفك شفرات أشكال التواصل ومضامين المواد المنشورة والموزعة، التي يتم التعليق عليها أو إهداؤها إلى الآخرين، طالبين منهم أن ينشروها “ولهم حسنة في الدنيا والآخرة”، دون التفطُّن إلى الرسائل التي تتضمنها. غير أننا نرى أن هذا النهج لا يكفي للمواجهة، إذ يتعين علينا اليوم أن نفكر معًا: لِمَ أضحى الشباب يستعملون الميديا لبناء التجارب الدينية وإضفاء معنى على حياتهم وبناء هوياتهم؟ ولِمَ تراجع فعل العقلنة لمصلحة التعبير عن الانفعال والعواطف والمشاعر والأهواء؟.
هذه الإشكاليات تدعو الأكاديميين والأكاديميات إلى العمل على سد الفجوة بين دراسات الميديا والدراسات الدينية ودراسات التطرف العنيف وبناء السلام، وإلى تجاوز مرحلة تجاهل كل اختصاص للآخر، والانطلاق نحو تأسيس مرحلة جديدة، قائمة على صياغة عقد شراكة؛ من أجل التفكر في ما يجري من حولنا، وتقديم فرضيات مختلفة عن السائد.
المراجع
[1] “الأناشيد الجهادية” هي صنف من الأناشيد التي أنتجتها الجماعات المتطرّفة، واستعملتها في استقطاب الشبّان، وقد تشكلت لها ملامح خاصة، سواء في الشكل أو في المضمون أو في الوظيفة، وهي التي سنتناولها بالتحليل.
ومن أوّل الباحثين الذين لفتوا الانتباه إلى أهمية دراسة الأناشيد، نذكر مارك ساجمان:
Marc Sageman, Understanding Terror Networks, (2004), Philadelphia: University of Philadelphia Press, p. 178. The author says: “social bonds play a more important role in the emergence of the global Salafi jihad than ideology”.
يقول المؤلف: ”ينهض الرابط الاجتماعي بدور مهم في بروز السلفية الجهادية المعولمة أكثر من الأيديولوجيا” .
[2] يُنظر في هذا الصدد:
– Conference: “JIHADI AUDIOVISUALITIES, MEANINGS, AESTHETICS, APPROPRIATIONS”, JOHANNES GUTENBERG UNIVERSITY of MAINZ, 4-5 October 2018.
– Hasna Hussein, (2017), Le recrutement numérique des adolescent.e.s par Daesh : Les chants «anasheed» djihadistes, Revue MEDIADOC, N° 18, Juin 2017: https://bit.ly/3FSaKvC
- Luis Velasco-Pufleau, « Après les attaques terroristes de l’État islamique à Paris. Enquête sur les rapports entre musique, propagande et violence armée », Musique et sciences sociales,5/2015. https://transposition.revues.org/1327#bodyftn29 [تاريخ الاطلاع 12 يوليو 2022]
- Said Behnam « Hymns (Nasheeds) : A contribution to the Study of the Jihadist Culture », Studies in Conflict and Terrorisme, vol. 35, n° 12, 2012.
[3] يمكن الرجوع مثلًا إلى تحليل الباحث الإيراني الفرنسي فرهاد خسرو خاور Farhad Khosrokhavar
[4] يُنظر مقال: آلاء الفارس، معنى النشيد وأنواعه، نشر بموقع “موضوع”، بتاريخ 14 سبتمبر 2022، تاريخ الاطلاع 22 أغسطس 2022، على الرابط: https://bit.ly/3Fsxthm
[5] يرُوى أنّ النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم مرّ ببنات صغار، كُنّ يمدحنه ويقلن: نحنُ جَوَارٍ من بني النجار .. يا حبّذا محمّدٌ من جارِ. (أخرجه ابن ماجة في سننه، وأورده البيهقي في “دلائل النبوة”، وفي “ذخيرة الحفاظ” لابن القيسراني).
ويُذكر أنّ بداية الإنشاد كانت مع بلال الحبشي المؤذن وصاحب الصوت الجميل الجذَّاب. ونشير في هذا الصدد إلى الاحتفال برأس السنة الهجرية، وبليلة المولد النبوي الشريف، وليلة أول رجب، وليلة الإسراء والمعراج، وليلة أول شعبان ونصفه، وغرة رمضان، ويوم الفطر، ويوم النحر، والاحتفال بمولد أمير المؤمنين علي بن أبى طالب، ومولد ولديه الحسن والحسين والسيدة زينب، ويوم النيروز شم النسيم، ويوم الغطاس وخميس العهد مشاركةً للنصارى في شعورهم الديني. لمزيد الاطلاع ينظر: https://bit.ly/3B90zzZ
[6] لمزيد الاطلاع على برنامج البنا “إصلاح منابع الثقافة العامّة” يمكن الرجوع إلى: أنور الجندي، حسن البنّا: الداعية الإمام والمجدد الشهيد (دمشق: دار القلم، 2000)، ص 79.
Husam Tammam and Patrick Haenni, De retour dans les rythmes du monde. Une petite histoire du chant (ex)islamiste en Égypte, Vingtième Siècle. Revue d’histoire, April – Jun, 2004, No. 82, Numéro spécial: Islam et politique en méditerranée au 20e siècle (Apr. – Jun., 2004), Sciences Po University Press, pp. 91-102, https://www.jstor.org/stable/3771584
[7] خالد صبيح، التعبير المنغّم في الإسلام : عرض تاريخي موجز، موقع معازف، بتاريخ 11 أبريل 2017، تاريخ الاطلاع 12 نوفمبر 2022، على الرابط: https://bit.ly/3VXNIZt
وتُنسب إلى سيد قطب قصيدة “غرباء” التي ذاع صيتها لدى الجماعات المتشددة، ونصّها:
غرباء
غرباء ولغير الله لا نحني الجباه
غرباء وارتضيناها شعارًا في الحياة
إن تسل عنا فإنّا لا نبالي بالطغاة
نحن جند الله دومًا دربُنا دربُ الأُباة
لن نبالي بالقيود
بل سنمضي للخلود
فلنجاهد ونناضل ونقاتل من جديد
غرباء هكذا الأحرار في دنيا العبيد
كم تذاكرنا زمانًا يوم كنا سعداء
بكتاب الله نتلوه صباحًا ومساء
نقلًا عن: قصيدة غرباء طوبى للغرباء – منتديات بورصات (borsaat.com)
وقصيدة “ثوار ثوار” التي جاء فيها:
دروب الأقصى بتلاقينا … خيول العز بتسرح فينا
ودم الشهداء بيحيينا … الجنة بدها رجال
ثوّار .. ثوّار
مسرى الهادي نادى فينا … لازم ترجع فلسطينا
صلاح الدين رجالك فينا … راح تمسح العار
ثوّار .. ثوّار
سيف ومصحف يا أحرار … لازم نصبر مهما صار
وبعون الرب الجبار … بعد الليل نهار
ثوّار .. ثوّار
سيري يا مراكب فينا … حتى نحرر أراضينا
حتى نوّصل مراسينا … ونسحق الغدار
ثوّار .. ثوّار
يا رياح الجنة هبي … يا أنهار الشهداء صبي
إسلامي ينادي مين يلبي … قوموا يا أبرار
ثوّار .. ثوّار
انظر موقع: أنشودة ثوار قمة في الروعة (ibtesamah.com)
[8] Husam Tammam and Patrick Haenni, De retour dans les rythmes du monde.
[9] Ibid.
[10] أمين بن عبد الله الشقاوي، الأناشيد الدينيّة، شبكة الألوكة، بتاريخ 28 نوفمبر 2017، تاريخ الاطلاع: 22 أغسطس 2022،
[11] Husam Tammam and Patrick Haenni, De retour dans les rythmes du monde.
وانظر كذلك: مروة البشير، فنّ الإنشاد الديني (القاهرة: الدار المصرية اللبنانية، 2018).
[12] نذكر في هذا الصدد : حسام تمام ، و ;Patrick Haenniو Luis Velasco-Pufleauوغيرهم.
[13] Rüdiger Lohlker, Hip Hop and Islam: An Exploration into Music, Technology, Religion, and Marginality, in: Wiener Zeitschrift für die Kunde des Morgenlandes, Department of Oriental Studies, University of Vienna (2014), Vol. 104, pp. 115-135, https://www.jstor.org/stable/24754719
[14]عُدّت الأناشيد لهوًا وبدعةً، ومن ممارسات الصوفية التي لا يُعمل بها، وهي فتنة وطرب ولعب، واعتُبر “الغناء حرامًا كلّه”. يُنظر: الأناشيد الإسلامية – الاستفتاءات – موقع مكتب سماحة المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله) (sistani.org)
[15] يُنظر: أقوال العلماء في حكم الأناشيد، شبكة الألوكة، 6 نوفمبر 2008، على الرابط: https://bit.ly/3uABs5i
[16] فضيلة الشيخ العلاّمة صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله: “الواجب الحذر من هذه الأناشيد ومنع بيعها وتداولها”. شبكة الألوكة، المرجع نفسه.
[17] يُنظر نشيد “يا دولة الإسلام نوّرتي الدنيا”.
[18] محمد عبد الوهاب الفقية، دور شبكات التواصل الاجتماعي في إمداد الشباب العربي بالمعلومات والأخبار حول ظاهرة الإرهاب: دراسة مقارنة بين الشباب فى أربع دول عربية، المجلة العربية للإعلام والاتصال، الجمعية السعودية للإعلام والاتصال، الرياض، 2017، ص 275.
أماني المهدي، توظیف التنظیمات الإرهابیة لشبکات التواصل الاجتماعي في استقطاب الشباب: الاستراتیجیات وآلیات المواجهة، نشر المركز العربى الديمقراطي، 12مارس 2018.
[19] الحاج ولد إبراهيم، اللعب بالنار؛ الترفيه والأيديولوجيا في لعبة “GTA 5 صليل الصوارم”، معهد العالم للدراسات، 29 سبتمبر 2016، على الرابط: https://bit.ly/3uzm75i
[20] أساليب داعش في تجنيد الشباب، شبكة الإسلام العتيق، على الرابط: www.islamancient.com/asaleeb.pdf
[21] ياسمين فراج، دراسات في النقد الموسيقي (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2016).
[22] ماهر فرغلي، أناشيد داعش تتغنى بالموت، موقع حفريات، 17ديسمبر 2017، على الرابط: https://bit.ly/3HkzoX0
[23] مراد بطل الشيشاني، كيف تستخدم الجماعات المسلحة الأناشيد لتحفيز أعضائها؟، موقع BBC ، 12 ديسمبر 2014، على الرابط: https://bbc.in/3VI3QhT
[24] يُذكر أنّه “في عام 2011، كان الشاب أريد أوكا، الألماني الذي ينحدر من أصول كوسوفية، يستمع لنشيد أنتج في وزيرستان باللغة الألمانية، قبل أن يطلق النار على جنود أمريكيين في مطار فرانكفورت عام 2011، فقتل اثنين منهم وجرح آخرين. كانت كلمات النشيد تقول: “أماه اصمدي فقد خرجت للجهاد”. كيف تستخدم الجماعات المسلحة الأناشيد لتحفيز أعضائها؟ موقع BBC نشر بتاريخ 12 ديسمبر 2014، تاريخ الاطلاع 10سبتمبر 2022، على الرابط: https://bbc.in/3BuSrdp
[25] صليل الصوارم من إنتاج مؤسسة أجناد للإنتاج الإعلامي، عام 2014.
“وقد عزمنا” من إنتاج مؤسسة البراق للإنتاج الإعلامي، عام 2015.
“وأتينا نملأ الآفاق رعبًا” من إنتاج مؤسسة Artman، عام 2016.
[26] يُنظر مثلًا نشيد “سوف نمضي للمعالي”.
[27] ونعثر أيضًا على هذه العبارات والروابط التي تُسَوِّق للفيديوهات الخاصة بالأناشيد:
(Please support (subscription + Like + Share
تابعنا على قناتنا في اليوتيوب لكي يصلك جديد دروسنا
https://www.youtube.com/c/IslamischeL…
تابعوا صفحتنا الرسمية على الفيس بوك :
https://www.facebook.com/IslamischeLi…
: Follow our page on the official Facebook
https://www.facebook.com/IslamischeLi…
ويمكن الرجوع إلى: صفحة على الفيسبوك عنوانها “نادي أناشيد إسلامية” تروّج لـ “أروع الأناشيد الجهادية”، تاريخ الاطلاع 27 أكتوبر 2022، وهذه الأرشفة تثبت أنّ رواد الصفحة يُقبلون على تحميل الأناشيد إلى اليوم. (الرابط صحيح ويفتح بالنقر عليه)
(2) نادي أناشيد إسلامية | Facebook
[28] تحدد أعداد المشاهدين لإبراز نجاح النشيد في التأثير في الناس
- 184 838 vues-15 812 vues-52 955 vues-467 806 vues
[29] يُنظر في هذا الصدد: أناشيد إسلامية جهادية (أكثر من 200 نشيد) جديد: أخوكم الضالم [كذا في الأصل، والصواب: الظالم] نفسه محمد Free Download, Borrow, and Streaming : Internet Archive، على الرابط: https://bit.ly/3uPz6Qe
[30] يُنظر مثلًا:
- نشيد قد عزمنا قد عزمنا للمعالي: أجناد Free Download, Borrow, and Streaming : Internet Archive، على الرابط: https://bit.ly/3HMme4W
- نشيد زلزلت أركانهم، على الرابط: https://bit.ly/3WBYqoX
[31] يُنظر في هذا الصدد أرشيف الأناشيد الإسلامية الجهادية: أناشيد إسلامية جهادية (أكثر من 200 نشيد) جديد: أخوكم الضالم [كذا في الأصل، والصواب: الظالم] نفسه محمد : Free Download, Borrow, and Streaming : Internet Archive، على الرابط: https://bit.ly/3uPz6Qe
[32] نلفت نظر القراء إلى أنّنا اشتغلنا على معظم نصوص هذه الأناشيد منذ 2017، ومؤخّرًا تمّ سحبها من يوتيوب وفق القوانين الجديدة المنظمة للمادة المعروضة. ولذلك لم نُشر إلى كلّ الروابط.
[33] قد عزمنا قد عزمنا للمعالي ومضينا
جنّةَ الخلد ابتغينا فاحشدوا كل الجنود
بَاء عباد الصليبِ في متاهات الحروب
لا تدع أي مجيبِ لا تدع نذلًا يعود
نحن للعليا سنحيا فاقتحم هيّا أخيَّ
إنه الروض تهيّا فانتشق مسك الخلود
حطموا أعتى الرؤوسِ، من يهودٍ ومجوسِ، وصليبيٍّ وروسي
أيها الصِّيد الأسود، لحمُنا والله مُرُّ
من بلادي لن تمروا، سوف أمضي لن تقرّوا
كم حصدنا من حقود، نحن للعليا سنحيا، فاقتحم هيّا أخيَّ
نشيد: قد عزمنا قد عزمنا للمعالي ومضينا.
المنشد: غير معروف.
نشيد قد عزمنا قد عزمنا للمعالي، تاريخ النشر 5 فبراير 2015، على الرابط: https://bit.ly/3BGhUjZ
وانظر كذلك: كلمات أغنية نشيد صليل الصوارم – أبو هاجر الحضرمي – غالب أحمد باقعيطي (nicepedia.com)، على الرابط: https://bit.ly/3HHk72r
[34] نشير إلى تصرّف الجهاديين في كلمات بعض الأغاني (لفيروز، ولطيفة وغيرهما) وتحويلها إلى أناشيد/ أغانٍ جهادية. يُنظر مقال: هدى الصالح، شاهد أناشيد محمد عبده وفيروز السرية لداعش والإخوان، موقع العربية، 8 ديسمبر 2016، على الرابط: https://bit.ly/3WfWnGM
[35] كنّا شاهدين على ذيوع هذه الأناشيد الجهادية في ساحة كلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة – تونس، بعد أحداث 2011 التي أُطلق عليها “غزوة منوبة”، اعتصم فيها عدد من السلفيين في بهو عمادة الكلية، وعطلوا الدروس، مطالبين بمنع الاختلاط، وتمكين المنقبات من الدراسة، وتخصيص فضاءات للصلاة، ومنع عدد من الأساتذة من التدريس بدعوى أنهم/نّ علمانيون/يات وكافرون/كافرات. وكنّا نستمع في كلّ مظاهرة داخل الكلية إلى نشيد “غرباء ولغير الله لا نحني الجباه”، انظر الرابط: https://bit.ly/3j7RYrj
[36] ياسمين فراج، مرجع مذكور.
[37] Jonathan Pieslak, (2015), “For the Islamic State, music is the “alcohol of the soul””, The conversation, https://bit.ly/3j0ap0R, and: Behnam Said, ( 2012), “Hymns (Nasheeds), A Contribution to the Study of the Jihadist Culture”, Studies in Conflict & Terrorism, vol. 35, p-p. 863-879: https://bit.ly/3HHmRwL
[38] رانيا مكرم، الإعلام الجهادي: كيف وظفت التنظيمات الجهادية وسائل الإعلام؟، المركز العربي للبحوث والدراسات، 26 أبريل 2016، على الرابط: https://bit.ly/3VXyVy6
[39] “… Social bonds play a more important role in the emergence of the global Salafi jihad than ideology.” Marc Sageman, (2004), Understanding Terror Networks, Philadelphia: University of Philadelphia Press, p. 178.
[40] الاستراتيجية الإعلامية للجماعات الجهادية، وضحها أنور العولقي في مقالاته في مجلة إنسباير ،وسائر كتاباته ومحاضراته. انظر، على سبيل المثال:
Anwar al-Awlaki, (2015), Allah Is Preparing Us for Victory: With Notes, CreateSpace Independent Publishing Platform: https://bit.ly/3W1RVLV
[41] Gilbert Ramzay & Moutaz Alkheder, (2020), Joking About Jihad Comedy and Terror in the Arab World, Hurst & Company, London.
يمكن الاطلاع على بعض هذه الفيديوهات على هذه الروابط:
– سعوديون يتحدون داعش بأنغام “يا عاصب الراس وينك”: دفاع عن محمد بن نايف، وتوعّد “الخليفة” والحور العين، 14 يوليو 2014، على الرابط: https://cnn.it/3UQjBCc
- نشيد صليل الصوارم، على الرابط: https://bit.ly/3FzdtJ8
- مصريون يحولون نشيد “صليل الصوارم” إلى رقصة، روبرتاج ظهر على موقع قناة الجديد اللبنانية، سليم اللوزي، على الرابط: https://bit.ly/3BBFoH8
[42] أحمد البحيري، «الإفتاء»: أناشيد «داعش» تؤثر بشدة على «المراهقين»، موقع المصري اليوم، 17 مارس 2015، على الرابط: https://bit.ly/3HBPYli
[43] إيهاب يونس، الإنشاد يواجه التطرف ويصلح ما دَمَّره ”داعش”، 24 مايو 2018، موقع المرجع، على الرابط:https://bit.ly/3hiLuoY