شهدت علاقة حركة النهضة بأنظمة الحكم في تونس منذ نشأتها في أواخر ستينيات القرن العشرين إلى اليوم عدة تقلبات بحسب السياقات الداخلية والخارجية. ولئن هيمن طابع الصراع والصدام على أغلب أطوارها، فإنها عرفت في بعض الفترات هدوءًا، بل وصل الأمر أحيانًا إلى نوع من التعاون في إطار تبادل ضمني للمصالح. وشكلت سنة 2011 منعطفًا حاسمًا لا في علاقة الحركة الإسلاموية بالنظام الحاكم وإنما بالدولة ذاتها، إذ تمكنت من النفاذ إلى مؤسساتها وتحكمت في المنظومة الحاكمة. واستمر الأمر إلى حدود حدث 25 يوليو 2021، تاريخ اتخاذ رئيس الجمهورية قيس سعيد جملة من التدابير الاستثنائية التي عادت بموجبها حركة النهضة إلى موقع المعارضة، وباتت خارج المؤسستين التشريعية والتنفيذية.
وتهتم هذه الدراسة بتطورات العلاقة بين حركة النهضة وأنظمة الحكم التي تعاقبت على تونس، منذ نشأة الحركة الإسلاموية إلى عام 2022. وهي مدة تاريخية طويلة نسبيًا تسمح برصد مظاهر تلك العلاقة، وتتبع تقلباتها، وتتقصّى العوامل المؤثرة فيها والمحددة لتوجهاتها.
وتعتمد هذه الدراسة عددًا من المناهج؛ من بينها المنهج التاريخي والمنهج التحليلي النقدي، من أجل تفكيك مراحل العلاقة بين حركة النهضة والسلطات المتعاقبة في تونس، واستكشاف السلوك السياسي للحركة الإسلاموية والأدوات التي استخدمتها والاستراتيجيات التي توختها لإدارة تلك العلاقة وتوجيهها نحو تحقيق غايتها في الولوج إلى الحقل السياسي والوصول إلى الحكم. وتحاول الدراسة الاستفادة من المقاربة السوسيولوجية والمقاربة السياسية في معالجتها لطبيعة الحركة الإسلامويّة وتموقعاتها في الحقلين الاجتماعي والسياسي.
وتكمن الرهانات العلمية لهذه الدراسة في الكشف عن الترابط بين البعد الأيديولوجي والممارسة السياسية في البنية التنظيمية لحركة النهضة، ما جعل سلوكها السياسي يتراوح بين المرونة حينًا واللجوء إلى العنف حينًا آخر وفق مرجعياتها القائمة على التقية السياسية وعلى أساس ادعاء “الشرعية الدينية”، وفي تبنّي الازدواجية والانتهازية التي حكمت علاقة هذه الحركة بأنظمة الحكم في تونس، والتي جعلت تلك العلاقة تتأرجح بين المهادنة والتقرب منها طورًا والتصادم والصراع معها طورًا آخر، وفي استجلاء محددات تلك العلاقة المرتبطة بتطورات الأوضاع سواءً أكان على الصعيد الوطني الداخلي أو على الصعيد الإقليمي أو على الصعيد الدولي.
وتكمن راهنية هذه الدراسة في كونها تتخذ المنظور التاريخي مطية، لتبين تأثير التحولات الراهنة في البنية الأيديولوجية والتنظيمية لحركة النهضة، وفي دورها في الساحتين السياسية والاجتماعية في تونس من ناحية، ولاستشراف علاقتها بالنظام الحاكم حاليًا وبالدولة والمجتمع عمومًا، لاسيما في ضوء التطورات السياسية التي تعيشها تونس منذ 25 يوليو 2021 إلى اليوم من ناحية أخرى.
وتشتمل هذه الدراسة على أربعة عناصر؛ يركز العنصر الأول على ظروف نشأة الحركة الإسلاموية في تونس منذ بداية سبعينيات القرن العشرين، ويرصد ما عرفته من تطور من خلال ثنائية الثابت والمتحول في بنيتها الأيديولوجية والتنظيمية. ويتناول العنصر الثاني علاقة الحركة بنظام حكم الرئيس الحبيب بورقيبة إلى حدود نوفمبر/ تشرين الثاني 1987، ويتقصى أطوار هذه العلاقة في مرحلتي السرية والعلنية وتطورها من التوظيف المتبادل إلى المنافسة والصدام. ويعالج العنصر الثالث علاقة الحركة بنظام حكم الرئيس زين العابدين بن علي إلى حدود سنة 2010، ويتتبع مراحلها من التهدئة والمهادنة والتعاون إلى الصراع على مدى 23 عامًا. ويهتم العنصر الرابع بموقع حركة النهضة ودورها في مرحلة ما سمي بــــــــــ “الربيع العربي” منذ 2011، التي شهدت في فترة أولى وعلى مدى عشرية كاملة مراكمة الحركة الإسلاموية لجملة من المغانم، سواء بتموْقعها في الحقل السياسي التونسي بصفة قانونية أو من خلال انتقالها من موقع المعارضة إلى سدة الحكم. أما في الفترة الثانية التي دشنها حدث 25 يوليو 2021 فيبدو أن الحركة تعيش طورًا جديدًا من الانكفاء والتراجع اجتماعيًا وسياسيًا. ويستشرف هذا العنصر آفاق علاقة حركة النهضة لا بنظام الحكم القائم فحسب، بل بالدولة والمجتمع أيضًا.
أولًا: من الجماعة الإسلامية إلى حركة النهضة.. مسارات النشأة والتطور:
لم تعرف تونس طيلة حقبة الاستعمار الفرنسي (1881-1956) وفي مرحلة بناء الدولة الوطنية بعد الاستقلال بروز تيار إسلاموي حركي. وفي مرحلة الكفاح ضد الاستعمار كان الرافد الديني والحفاظ على الهوية العربية الإسلامية قوام أيديولوجيا المقاومة، ومرجعًا وملجأ لحركة التحرير الوطني على نحو ما كان عليه حال معظم قادة المقاومة[1]. وأما بعد الاستقلال، ورغم أن التوجه التحديثي على النمط الغربي كان واضحًا في سياسات الدولة الوطنية، فقد كانت الطبقة السياسية الحاكمة على وعي بالأسس العربية الإسلامية للأنا الوطنية[2]. ولم تكن نزعتها التحديثية معادية للدين. فحرصت على أن يكون له مكانة ودور في بناء الدولة، فكان حاضرًا في الفصل الأول من دستور 1 جوان/ يونيو 1959 من خلال الصيغة التالية “تونس دولة حرة مستقلة الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها”، ووُضعت مجلة الأحوال الشخصية الصادرة في 13 أغسطس 1956 التي كان المراد منها إعادة هندسة المجتمع التونسي على قواعد تحديثية في إطار الاجتهاد الديني، وعملت الدولة على احتكار التصرف في الشأن الديني.
وتعود الإرهاصات الأولى لظهور الإسلاموية الحركية إلى نهايات عقد الستينات من القرن العشرين بعد عودة راشد الغنوشي من رحلته المشرقية، حيث انتهى به التقلب بين الأيديولوجيات الرائجة آنذاك إلى تبني الأيديولوجيا الإسلاموية، إذ يقول متحدثًا عن تجربته في الاهتداء إلى ما سماه الإسلام الأصلي أي الإسلام الذي يمثل نشاطًا شاملًا للحياة، مثلما صاغته جماعة الإخوان المسلمين “تلك كانت هي ليلة دخولي الإسلام (ليلة 15 يونيو 1966)، خلعت فيها عني أمرين، القومية العلمانية والإسلام التقليدي في عملية واحدة، ودخلت في الإسلام الأصلي”[3]. وفي واقع الأمر، لم يكن للأيديولوجيا الإخوانية حضور يذكر في تونس إلى حدود نهاية الستينيات، بالرغم من مرور أربعة عقود على ظهور جماعة الإخوان المسلمين في مصر (1928) وانتشار أطروحاتها، وهو ما يعني أن التوجه الذي عاد به الغنوشي من المشرق مثّل في حينه طرحًا جديدًا وافدًا من خارج السياق الديني والثقافي التونسي، ومخالفًا لما كان عليه وضع الدين تقليديًا في الاجتماع والسياسة في تونس. وقد وجد هذا الطرح صدًى لدى ثلة من الشخصيات، من أمثال حميدة النيفر وحسن الغضبان وعبد الفتاح مورو وغيرهم. وقد كون هؤلاء النواة الأولى التي انطلق بها العمل الإسلاموي الحركي في تونس منذ سنة 1969.
ويتبين للمتابع لتاريخ الحركة الإسلاموية في تونس أنها مرت منذ نشأتها إلى اليوم بثلاثة أطوار تاريخية كبرى، ويمكن أن نوجزها في النقاط الثلاث التالية:
- يتمثّل الطور الأول في طور التأسيس وقد مر بمرحلتين، ففي المرحلة الأولى اقتصر الأمر على انضمام راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو إلى جمعية المحافظة على القرآن الكريم، التي كان يرأسها الشيخ الزيتوني الحبيب المستاوي والذي كان يمثل الحساسية الدينية المحافظة داخل الحزب الاشتراكي الدستوري الحاكم آنذاك. وقد نشط الغنوشي ومورو في صلب هذه الجمعية من العام 1969 إلى العام 1972، حين دب الخلاف مع الشيخ المستاوي حول خط الجمعية السياسي بين منهج زيتوني يعتمد العمل العلني، ومنهج إخواني يتبنى العمل السري ويكفر المجتمع والحاكم[4]. وأدت القطيعة إلى المرحلة الثانية في هذا الطور التأسيسي، وقد بدأت بمؤتمر انعقد بمزرعة بجهة مرناق (جنوب العاصمة تونس) في شهر إبريل 1972 عرف بمؤتمر الأربعين، نسبة إلى عدد الأشخاص المشاركين فيه. وقد أفضى إلى تأسيس كيان حركي إسلاموي، تبنى أدبيات جماعة الإخوان المسلمين مثلما ضبطها حسن البنا ثم سيد قطب من بعده ويحمل اسم الجماعة الإسلامية[5]. وقد تجلى الانشداد إلى الجماعة الإخوانية في تكليف حميدة النيفر نائب أمير الجماعة بأداء البيعة إلى حسن الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين في مكة خلال موسم الحج في العام 1973، وفي تبني أساليب عمل الجماعة في الدعوة وتكوين العناصر واختراق الأجهزة والمؤسسات[6]. ولعل أهم ما يميز عمل الجماعة في هذا الطور أنها لم تعلن عن نفسها، وظل الطابع السري مهيمنًا على أنشطتها وتحركاتها الدعوية بالأساس. وقد استمر هذا الوضع ثماني سنوات إلى حدود العام 1981.
- تمثل الطور الثاني في خروج الجماعة الإسلامية إلى العلنية، من خلال الإعلان يوم 6 يونيو 1981 عن تأسيس حركة الاتجاه الإسلامي. وقد حاولت الجماعة أن تستفيد من الزخم الذي أحدثته الثورة الإيرانية من جهة، والوضع الداخلي في تونس إثر أحداث يناير 1978 والصدام بين النظام والاتحاد العام التونسي للشغل وما أفرزته من توجه لدى السلطة بعدها نحو الانفتاح على القوى المعارضة. وقد كان واضحًا أن اختيار الاسم الجديد لم يكن اعتباطيًا، إذ رشح بهوية هذه الحركة فهي ترفع شعارات إسلاموية إخوانية قائمة على استغلال الدين في العمل السياسي من قبيل الإسلام هو الحل، والدفاع عن الهوية الإسلامية في وجه قوى الكفر والتغريب.. وقد تجلت هذه الهوية في الوثيقة التي أصدرها هذا التنظيم في العام 1986 بعنوان “الرؤية الفكرية والمنهج الأصولي”، فقد ضبطت الحركة فيها مفهومها للإيمان ودواعي التكفير المستمد من تصورها الشمولي للإسلام[7]، فنصبت نفسها ضمنيًا حكمًا على إسلام غيرها، وباتت تلك الوثيقة مرجع الجماعة في التعامل مع الدولة والمجتمع والخصوم السياسيين. ولئن خرجت الجماعة إلى العلن في هذا الطور فإنها لم تتخل عن الطابع السري من خلال إنشاء جهاز سري خاص ذي بعد أمني وعسكري.
- انتقلت الجماعة في العام 1989 إلى الطور الثالث إثر التحول السياسي الذي عرفته تونس عقب الإطاحة بالرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة (1957-1987)، وصعود زين العابدين بن علي إلى سدة الحكم في 7 نوفمبر 1987، وفي هذا الطور تغير اسم الجماعة إلى حركة النهضة. ولعل أهم ما يميز هذا الطور أن الحركة الإسلاموية عرفت فترتين متقابلتين: فترة كانت فيها حركة معارضة لا تحظى بالشرعية القانونية، وفترة ثانية تميزت بصعودها إلى الحكم عقب ما يعرف بالربيع العربي. ولئن فقدت مواقعها في السلطة عقب حدث 25 يوليو 2021، فإنها مازالت تحافظ على وجودها القانوني بصفتها حزبًا سياسيًا. أما من جهة الأدبيات والمرجعيات، فإن حركة النهضة ظلت في هذا الطور تنتمي إلى تيار الإسلام السياسي الإخواني. ورغم أنها حاولت في المؤتمر العاشر المنعقد في العام 2016 إجراء مراجعات تحت عنوان الإسلام الديمقراطي والفصل بين الدعوي والسياسي، فإن هذه المراجعات لم تكن سوى عملية دعائية للإيهام بصورة من خرج من العباءة الإخوانية لتخفيف الضغط عليها ولتحصين موقعها في السلطة، في حين أنها مازالت في العمق منشدة إلى المرجعية الإخوانية[8]. ولم يبذل قادة النهضة الجهد المطلوب لإقناع قواعدهم التي تنزع أكثر نحو تلك المرجعية بتلك المراجعات، ما جعل الأمر يبدو وكأنه عملية تسويقية للخارج أكثر منه عملًا تأطيريًا للداخل النهضاوي للخروج به من الجبة الإخوانية. وقد ظهرت إلى العلن التهم المتعلقة بامتلاكها لجهاز سري ذي طابع استعلاماتي وأمني، على منوال التنظيم الخاص التابع لجماعة الإخوان المسلمين الأم، وفي استمرار لما كان عليه الحال في الطورين السابقين، وهي تهم محل تتبع قضائي.
لعل أهم ما يمكن أن نخلص إليه من هذا العرض التاريخي لمسارات نشأة حركة النهضة وتطورها ملاحظتان أساسيتان؛
- تكمن الأولى في تمسك الحركة في أطوارها الثلاثة بهويتها الإسلاموية ذات النزعة الإخوانية، إذ لم تخرج من هذه الدائرة الأيديولوجية، رغم كل التغيرات الطارئة في مستوى الخطاب وما عرفته من تحولات؛ من السرية إلى العلنية، ومن الحظر والمنع إلى الشرعية القانونية، ومن المعارضة إلى الحكم. وقد ظلت تلك الهوية بمثابة الحمض النووي المميز لها. وانعكست هذه الهوية الإسلاموية الإخوانية سواء في مرجعيتها الدينية التي يستند إليها خطابها السياسي، وهي مرجعية قائمة على أساس تصور شمولي للإسلام، وعلى ادعاء تمثيل الإسلام الصحيح والعمل على تجسيد مفاهيمه المتمثلة في الحاكمية والشريعة والدولة الإسلامية، سواء عن طريق الدعوة أو عن طريق العنف الذي يقع تقديمه باعتباره جهادًا تحتمه الظرفية المتمثلة في استعصاء السلطة الحاكمة وسدها الطريق أمام الجماعة لنشر دعوتها، والدفاع عن الهوية الإسلامية التي تتعرض إلى ما تعتبره تشويهًا ومحاصرة وطمسًا من التيار التغريبي المهيمن على النظام الحاكم في تونس، أو في بنيتها التنظيمية من خلال مفهوم البيعة المتحكم في علاقة قيادة الحركة بقواعدها[9]، ومفهوم التدافع المتحكم في علاقتها بالقوى السياسية والاجتماعية الأخرى، ومفهوم التمكين المحدد لعلاقتها بالسلطة الحاكمة ومؤسسات الدولة وأجهزتها. ولئن عرفت هذه الحركة تطورًا وخصوصًا بعد 2011، لاسيما في مستوى تبني الديمقراطية الانتخابية وإقامة التحالفات مع بعض القوى السياسية الأخرى ومحاولة التخلص من الارتباط بجماعة الإخوان المسلمين. إلا أن هذا التطور لم يصل إلى حد القطيعة مع الأيديولوجية الإسلاموية، وخصوصًا نواتها الصلبة المتمثلة في الخلط بين الدين والسياسة وادعاء المظلومية كلما واجهت أزمة.
- وتتمثل الملاحظة الثانية في الازدواجية التي تشكل إحدى الثوابت البنيوية سواء في مستوى الخطاب أو الممارسة، فحركة النهضة تتأرجح في مراحل كثيرة من تاريخها الممتد على أكثر من خمسة عقود بين الظاهر والباطن وبين التصريح والإضمار وبين السلمية واللجوء إلى العنف بمختلف أشكاله، وبين العمل العلني والعمل السري. ولا يخفى أن لهذه الازدواجية خلفية دينية تعود أساسًا إلى مفهوم التقية، وهو مفهوم يضفي الشرعية على سلوكها السياسي المتقلب لدى أنصارها، ويبرر به قادتها مواقفهم المتناقضة وتحالفاتهم المتغيرة. إضافة إلى أنهم يعملون، في إطار ما يقولون إنه إحياء للموروث الإسلامي، على ربط الحاضر بالماضي لتأكيد معنى استئناف التاريخ والتماهي مع الأسلاف وتوهم الاحتذاء بهم والسير على منهجهم، ويظهر ذلك في تبني منهج المرحلية في التعامل مع الآخرين سواءً كانوا حكامًا أو قوًى سياسية أخرى، فيصورون أنفسهم بأنهم يقتدون بالنبي (ص) وصحابته في سائر أطوار الدعوة الإسلامية من مكة إلى المدينة، وينسجون على منوالهم في التعامل مع المخالفين في صبرهم عليهم والاكتفاء بالدعوة أو في مهادنتهم أو في التحالف معهم أو في مجاهدتهم واستعمال العنف ضدهم[10].
نتبين من خلال هاتين الملاحظتين أن علاقة حركة النهضة بأنظمة الحكم في تونس وبسائر القوى السياسية والاجتماعية كانت محكومة في مختلف وجوهها بمنطلقاتها الأيديولوجية التي تنهض على خلط الدين بالسياسة واحتكار “الشرعية الدينية” والدفاع عن “الهوية الإسلامية”، وبأدواتها التنظيمية التي تعتمد الجانبين الدعوي والسياسي وتراوح بين الوسائل السلمية والوسائل العنيفة وبين العمل العلني والعمل السري، وبغايتها الرئيسية المتمثلة في الهيمنة على المجتمع والوصول إلى الحكم.
ثانيًا: علاقة حركة النهضة بنظام الرئيس الحبيب بورقيبة (1969-1987):
نشأت الحركة الإسلاموية في ظل حقبة حكم الرئيس بورقيبة، بل كان قادتها الأوائل من أمثال الغنوشي ومورو في المرحلة الممهدة لظهورها ينشطون في إطار جمعية قانونية وهي جمعية المحافظة على القرآن الكريم، وهو ما سمح لهم باستغلال هذه المظلة لممارسة نشاطهم الدعوي في الفضاءات الدينية خصوصًا، واستقطاب الأنصار والأتباع دون قيود أو موانع.
اتسمت علاقة الحركة بالنظام البورقيبي بعدة تقلبات بحسب الانتقال الذي عرفته الحركة من السرية إلى العلنية ومن النشاط الدعوي إلى النشاط السياسي، وبحسب صراع الأجنحة داخل النظام نفسه وصراعها على السلطة وخلافة بورقيبة لاسيما في النصف الأول من عقد الثمانينات.
لقد قامت خطة الجماعة الإسلاموية في بدايات تشكلها التنظيمي ولمدة تناهز عشر سنوات (1969-1978)، بحسب ما يذكر الغنوشي، على الجانب الدعوي في الفضاءات الدينية والتعليمية (مدارس ومعاهد وجامعات) لنشر تعاليمها الأيديولوجية ذات المحتوى الديني والمعارضة للأيديولوجيات الرائجة حينها القومية واليسارية خصوصًا، وتجنب التعرض لنقد النظام الحاكم، وهو ما مكنها من استقطاب قاعدة جماهيرية. ولئن سعى الغنوشي إلى تصوير الأمر على أساس أنه حدث في غفلة من النظام[11]، فإن وضع الأمر في سياقه التاريخي يكشف أن النظام البورقيبي مثله مثل بعض الأنظمة العربية في عقد السبعينات (مصر في عهد الرئيس السادات نموذجًا) عمل على توظيف الحركة الإسلاموية في صراعه ضد الجماعات اليسارية، التي كانت أكثر الجماعات نقدًا للنظام وتصادمًا معه. وقد استغل التيار الإسلاموي ذلك ليس فقط لمواجهة التيار اليساري ودحض أطروحاته، وإنما ليعدّ نفسه بديلًا له في معارضة النظام القائم أيضًا، وهو ما يعني أن الجماعة لم تعد تقتصر على الجانب الدعوي العقائدي فحسب، بل اتخذت طابعًا سياسيًا باعتبارها باتت ممثلة لفئات اجتماعية تمكنت من اختراقها وكسب الأتباع فيها طيلة عشر سنوات من العمل الدعوي الدؤوب على حد عبارة الغنوشي[12]. والحاصل من ذلك أنه في هذه المرحلة كانت العلاقة بين الطرفين مبنية على تبادل ضمني للمصالح؛ إذ استفاد النظام من التيار الإسلاموي في مواجهته للتيار اليساري والنقابي، واستغلت الجماعة أداءها لهذا الدور الوظيفي للانتشار الأفقي في فئات المجتمع ونشر دعوتها في صفوفها.
منذ نهاية السبعينيات بدأت الجماعة تعلن عن نفسها باعتبارها تنظيمًا ذا مشروع سياسي، وقد أسهمت أربعة عوامل داخلية وخارجية في هذا الانتقال وهي؛ تكون قاعدة جماهيرية للجماعة خصوصًا في الفئات الاجتماعية الوسطى والدنيا المنتشرة في ضواحي المدن الكبرى بالأساس (مدن العاصمة تونس وصفاقس وقابس وسوسة..)، واتجاه النظام نحو نوع من الانفتاح السياسي في بداية الثمانينيات وسماحه بتكوين أحزاب سياسية، وصعود الإسلاموية الشيعية إلى الحكم في إيران عقب الثورة الإيرانية (1978)، وصعود مدّ ما عرف بالصحوة الإسلامية في المنطقة إذ أصبحت واقعًا مؤثرًا في المجتمعات العربية.
لقد أدى تحول الجماعة إلى حركة سياسية (دون أن تتخلى عن بعدها الديني الدعوي) إلى الانتقال إلى طور جديد في علاقتها بالنظام، إذ بدأت رحلة المواجهة بين الطرفين، فقد رُفض طلبها للحصول على تأشيرة قانونية للنشاط السياسي، وسُجن بعض قادته (ومنهم الغنوشي) بتهمة الانتماء إلى جمعية غير مرخص لها، وكانت تتخلل هذه المواجهة فترات من المهادنة بفعل العلاقة الخاصة التي ربطت الحركة الإسلاموية بالوزير الأول الأسبق محمد مزالي (1980-1986) الذي توسط للإفراج عن قادة الحركة المسجونين في العام 1984، وسمح لهم بهامش واسع للنشاط الدعوي والسياسي، وتطورت العلاقة بينهما إلى نوع من التحالف، فاستفاد المزالي من دعم الحركة في صراعه مع القوى السياسية والمنظمة النقابية، واستغل الإسلامويون تواطؤه من أجل مزيد الانتشار وترسيخ حضورهم في الساحتين السياسية والاجتماعية[13].
أدت إقالة محمد مزالي في يوليو 1986 إلى عودة التوتر بين النظام والحركة الإسلاموية. وقد اشتدت حدة التصادم بينهما، إذ ردت الحركة على سجن قادتها ومحاكمتهم مرة أخرى بأعمال عنف بلغت ذروتها في 3 أغسطس 1987 (الموافق لتاريخ ميلاد بورقيبة) بتفجير الفنادق في المدينتين السياحيتين سوسة والمنستير (مسقط رأس بورقيبة) الذي راح ضحيته 13 سائحًا أجنبيًا، وهو ما شكل منعرجًا خطيرًا في العلاقة بين الطرفين. ووصل الأمر إلى حد صدور أحكام بالإعدام في حق مجموعة من الحركة، وحُكم على راشد الغنوشي بالسجن مدى الحياة. وواجهت الحركة موقف النظام بالعمل على تدبير انقلاب، مستغلة في ذلك جهازًا سريًا عُرف باسم المجموعة الأمنية التي كانت تخطط للانقلاب أمنيًا على نظام حكم الرئيس بورقيبة في 8 نوفمبر 1987[14]، وهو ما يعني أن الحركة كانت مستعدة لاتباع المنهج الانقلابي واستعمال وسائل القوة الصلبة لإحداث التغيير في النظام السياسي والاستيلاء على الحكم. وفي واقع الأمر كان النظام نفسه في حاجة إلى التغيير لما أصابه في أواخر عهد بورقيبة من وَهَن، وهو ما تم من داخل النظام نفسه بصعود زين العابدين بن علي في 7 نوفمبر 1987 إلى سدة الحكم أي يومًا واحدًا قبيل انقلاب الإسلامويين.
ثالثًا: علاقة حركة النهضة بنظام الرئيس زين العابدين بن علي (1987-2010):
شكل التغيير السياسي الداخلي في نظام الحكم صفحة جديدة في تاريخ تونس، مُسْدِلًا الستار على حقبة الرئيس بورقيبة بكل ما كان يمثله من ثقل رمزي وتاريخي سواءً في مرحلة الكفاح ضد الاستعمار أو في مرحلة بناء الدولة الوطنية وإرساء مؤسساتها وتشريعاتها الحديثة. وقد مثل صعود الحركة الإسلاموية إحدى أبرز التحديات التي واجهت النظام الجديد لاسيما وأن ابن علي كان يدرك بحكم خلفيته الأمنية (شغل قبل الرئاسة منصب مدير عام الأمن الوطني ثم منصب وزير الداخلية) مبلغ القوة والامتداد الذي حققه التنظيم الإسلاموي سواءً من ناحية اختراق مؤسسات الدولة الحساسة (الأمن والجيش) أو من ناحية عدد الأتباع والمناصرين الذين تمكن من استقطابهم طوال ما يناهز العقدين دون تضييق في المساجد والمعاهد والجامعات وفي الأحياء الشعبية وفي المدن الكبرى.
لقد بدأت العلاقة بين النظام الجديد وحركة الاتجاه الإسلامي، في إطار ما يمكن أن نسميه في تلك اللحظة بتوازن القوة، برغبة متبادلة غير معلنة من كليهما في إقرار نوع من الهدنة؛ فالنظام الجديد برئاسة ابن علي يحتاج إلى الوقت لتوطيد أركان حكمه سياسيًا، ولاستعادة استقرار النظام وصلابته وتحسين الأوضاع اقتصاديًا واجتماعيًا، بعد الاضطرابات الكثيرة والأزمة التي شهدتها البلاد في أواسط الثمانينيات، وقد كانت انتفاضة الخبز في يناير 1984 من أبرز تجلياتها. والحركة الإسلاموية بحاجة إلى الوقت لالتقاط الأنفاس، وتجميع الصفوف بعد الحملات الأمنية التي تلقتها في أواخر العهد البورقيبي. وقد تجلت هذه الهدنة في الإفراج عن السجناء الإسلامويين (أفرج عن الغنوشي في 14 مايو 1988)، وفي منحهم رخصة إصدار صحيفة خاصة بهم (صحيفة الفجر)، وفي إعطائهم تأشيرة تكوين تنظيم طلابي داخل الجامعة (الاتحاد العام التونسي للطلبة) وفي توقيع ممثل عنهم هو نور الدين البحيري على وثيقة الميثاق الوطني في 7 نوفمبر 1988. وفي فبراير 1989 غيرت حركة الاتجاه الإسلامي اسمها إلى حركة النهضة في مسعى للحصول على الاعتراف القانوني بها. وفي الواقع لقد كان الأمر حينها شبيهًا بحالة “اللاحرب واللاسلم”[15]، فالطرفان يدركان أن المواجهة بينهما شبه حتمية وهي مسألة وقت لا غير، فالإسلامويون طلاب سلطة ويرون أن ابن علي بحركته التغييرية قد سلبهم إياها فهم يعتبرون أنهم قد أنضجوا الثمرة غير أنها وقعت في غير أيديهم، والنظام واع بما تشكله الجماعة من خطر عليه لاسيما في ضوء انكشاف أمر المجموعة الأمنية التي كانت تخطط للانقلاب.
بدأت البوادر الأولى لهذه المواجهة بعد انتخابات إبريل 1989 التي شاركت فيها حركة الاتجاه الإسلامي بقائمات مستقلة، فلقد بدا واضحًا أن النظام الجديد قد استكمل عملية البناء وحاز الشرعية القانونية والشعبية عبر تلك الانتخابات، وتمكن سياسيًا من تحييد الحركة الإسلاموية وسحب البساط منها وبخاصة بعد إحداث المجلس الإسلامي الأعلى وقانون تحييد المساجد وقانون الأحزاب الذي يمنع تكوين أحزاب بمرجعية دينية والشروع في إصلاح التعليم، وقد اعتبرت الحركة هذه الإصلاحات تندرج في سياق خطة لتجفيف المنابع وحاولت عبر البيانات التصدي لها[16]. وأدركت الجماعة أن حلمها بالسلطة قد أصبح بعيد المنال وأن الأمور تسير على غير إرادتها. وفي حقيقة الأمر لم تكن حركة النهضة ترى نفسها حزبًا مثل غيرها من الأحزاب بل جماعة ذات بأس وقوة مستمدين من إيمانها بأنها تمثل “الطائفة المؤمنة” التي يقع عليها حكم البلاد و”إصلاح” حالها وفق “المنهج الإسلامي”، وهي لذلك تعمل على إعداد العدة لتحقيق هدفها بما في ذلك الخطط الانقلابية سواء عبر التحركات الميدانية من خلال المسيرات والمظاهرات أو عبر التنظيم السري ذي الطابع الأمني والاستعلاماتي والعسكري الذي توكل إليه المهام ذات الطابع العنيف. وهذه العقيدة السياسية المتسربلة بالدين تجعل الجماعات الإسلاموية عمومًا ومنها حركة النهضة في صدام معلن أو غير معلن مع الأنظمة السياسية الحاكمة ومع الحركات السياسية بمختلف توجهاتها.
عاشت تونس في السنوات الأولى لعقد التسعينات على وقع احتداد الصدام بين النظام وحركة النهضة، فقد وصلت العلاقة بينهما إلى نقطة اللاعودة، عندما أعلن وزير الداخلية في مايو 1991 عن اكتشاف مؤامرة لإحداث الفراغ في أعلى هرم السلطة بتدبير محاولة اغتيال رئيس الجمهورية، من خلال تفجير الطائرة الرئاسية بواسطة صاروخ ستينغر عن طريق تنظيم سري تابع لحركة النهضة[17]. وقد سبقت ذلك أحداث عنف كثيرة تورط فيها منتسبون إلى الحركة على غرار إحراق مقرات الحزب الحاكم التجمع الدستوري الديمقراطي (على سبيل المثال مقر لجنة التنسيق للحزب بمنطقة باب سويقة بالعاصمة التي أدت إلى وفاة الحارس حرقًا في فبراير1991) في إطار ما عُرف بخطة تحرير المبادرة التي وضعتها الحركة بعد خروج الغنوشي بطريقة شرعية من البلاد في 1989 وتهريب قادة آخرين[18]، وواجه النظام الخطة الإسلاموية بقوة من خلال اعتقال عناصرها وتقديمهم للمحاكمة.
لقد تمكن النظام خلال هذه المواجهة من إنهاء الحضور العلني لحركة النهضة في الساحتين السياسية والاجتماعية، وتوارى عناصرها وأنصارها عن الأنظار منسحبين من المشهد السياسي. فكانت الحركة في حالة انحسار وبدا الأمر داخليًا وكأنها في وضع موت سريري، واقتصر نشاطها على عقد مؤتمرات في الخارج. ولم تعد للظهور في الساحة الداخلية إلا في العام 2005 فيما عُرف بحركة 18أكتوبر /تشرين الأول 2005 التي جمعت مجموعات سياسية معارضة من مشارب مختلفة يسارية وإسلاموية وقومية، ومع ذلك ظل حضورها حينها خافتًا ومحدودًا في نطاق ضيق جدًا.
لقد بدت القطيعة المعلنة تامة بين نظام الرئيس ابن علي وحركة النهضة منذ العام 1991، واستمرت طيلة فترة حكمه رغم المحاولة التي قام بها الغنوشي للمصالحة وإنهاء حالة القطيعة بين الطرفين في رسالة سرية بعث بها إلى الرئيس ابن علي في 13 يوليو 2008[19]. ويبدو أن النظام الحاكم في تونس خلال هذه المرحلة قد تكونت لديه قناعة أن الحركة الإسلاموية هي مصدر الخطر الأساسي على استقراره وديمومته، فقد كان مدركًا من رصيد الخبرة التاريخية لقدرتها على الاختراق والاستقطاب والعمل السري وجاذبية خطابها لدى فئات اجتماعية مخصوصة، فضلًا عن ارتباطاتها بالتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين. وهو لئن قام بجهد من الناحية الأمنية والقضائية لحماية النظام، فإنه لم يول المسألة الثقافية والتعليمية الأهمية المطلوبة لحماية المجتمع، وهو ما بدا أثره واضحًا بعد سقوط النظام وتداعي قوته الأمنية بعد انتفاضة 17ديسمبر2010 و14يناير2011، فيما يُعرف بالربيع العربي.
رابعًا: حركة النهضة في مرحلة “الربيع العربي” (2011-2022):
لعل أول ملاحظة تستوقفنا خلال هذا المرحلة أن حركة النهضة لم تكن حاضرة خلال أحداث الانتفاضة التي استمرت قرابة أربعة أسابيع ولم تشارك فيها، ولكنها كانت أكثر الحركات التي استفادت منها، فعندما كان يغلب على ظن المتابعين أنها حركة تعيش حالة موت سريري بعد الضربات التي تلقتها طيلة عقدين من الزمن، فإذا بها لم تكن سوى في حالة سبات وخمول وتتحين الفرص لتعلن عن نفسها وتتصدر المشهد. وقد تمكنت لأول مرة منذ نشأتها، مستغلة هشاشة الوضع الناتج عن الفراغ الحاصل بعد سقوط النظام وتشتت باقي العائلات السياسية ودعم بعض القوى الإقليمية والدولية، من تحقيق هدفين؛ الأول الحصول على تأشيرة قانونية لممارسة النشاط بصفتها حزبًا معترفًا به فأصبحت لها بذلك شرعية في الحقل السياسي التونسي، دون أن تقدم تنازلات حول هويتها الأيديولوجية التي تعتمد المرجعية الدينية. والثاني وصولها إلى الحكم وإمساكها بمقاليد السلطة. وقد استمر حضورها وتأثيرها في دواليب الحكم على امتداد عشر سنوات منذ حصولها على المرتبة الأولى في انتخابات 23 أكتوبر 2011 إلى 25 يوليو 2021، عندما قرر رئيس الجمهورية قيس سعيد إثر سلسلة من التحركات الاجتماعية الاحتجاجية تجميد البرلمان وإقالة الحكومة، وهما الأداتان الرئيسيتان اللتان كانت تتحكم بهما حركة النهضة في إدارة شؤون الدولة.
لقد تحولت حركة النهضة في هذه المرحلة من حركة معارضة محظورة غير معترف بها وملاحقة أمنيًا إلى حركة تمسك بالسلطة وتتحكم بأجهزة الدولة وترسم سياساتها الداخلية والخارجية، سواء بمفردها أو بمشاركة أحزاب أخرى. فقد انتقلت من حركة تعارض أنظمة الحكم ولها علاقة متوترة بالدولة ومؤسساتها إلى حركة هي العمود الفقري للنظام الحاكم وتتحكم إلى حد كبير بالدولة وبتسيير مؤسساتها وأجهزتها، من خلال منظومة دستورية وقانونية وضعت على المقاس ليكون لها حضور دائم في السلطة. وبقدر ما كان الأمر يمثل في الظاهر انتصارًا للحركة الإسلاموية، إذ بدا لقادتها وأنصارها وكأنه تتويج لمسيرتهم “النضالية” وأن التاريخ قد توقف عندما حققوا حلمهم المنشود، فإنه كان يشكل اختبارًا جديًا لنجاعة شعاراتهم ومقولاتهم الأيديولوجية ومحكًا واقعيًا لقدرة مشروعهم وكفاءة عناصرهم في حل مشكلات الدولة والمجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتعليمية والثقافية وتحسين معاش الناس والارتقاء بجودة حياتهم.
لقد كشفت حصيلة حركة النهضة في الحكم أن وراء القناع الديمقراطي الذي كانت تروج له كانت هناك مفارقة صارخة بين ما حققته من مغانم، من خلال تغلغلها في مؤسسات الدولة وتحكمها في سياساتها واختراقها لأجهزتها واستفادتها في تكوين طبقة برجوازية إسلاموية ذات نفوذ مالي واقتصادي، وبين فشلها في تقديم حلول لمشاكل مختلف الفئات الاجتماعية وأزمات المجتمع الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية. وهو ما يعني أن الهاجس الذي كان يقود الحركة الإسلاموية في هذه التجربة هو هاجس التمكين سواءً مع الدولة وأجهزتها أو مع المجتمع وطبقاته وفئاته[20].
لقد بينت تجربة حركة النهضة في الحكم أن التوتر والصدام بينها وبين نظامي الرئيسين بورقيبة وابن علي لم يكن سوى القشرة الظاهرة، إذ أن الأمر في عمقه له علاقة بالدولة ذاتها، من حيث هي كيان قائم على مفاهيم الوطن والمصلحة الوطنية والمواطنة وسلطة القانون وسيادة الشعب. وقد كانت استراتيجية الحركة الإسلاموية تقوم على العمل تدريجيًا على استغلال هشاشة الدولة والمجتمع في المرحلة الانتقالية وتعميق تلك الهشاشة بما يفضي إلى عزل كل واحد منهما عن الآخر، وهو ما يسهل عملية اختراق الدولة والتمكن من أجهزتها وتحويلها إلى أداة تنفيذية تخدم مصالح الجماعة وارتباطاتها الإقليمية والدولية من ناحية، ومن ناحية أخرى تصبح عملية الاستقطاب داخل المجتمع والهيمنة الأيديولوجية عليه أيسر، سواءً بواسطة مقارها وجمعياتها المنتشرة في كل مكان لتقديم المساعدات والقيام بالأعمال “الخيرية”، أو بواسطة وسائل التنشئة والضبط الاجتماعية (المحاضن والمدارس الخاصة، وسائل الإعلام، المساجد..).
عملت حركة النهضة خلال العشرية الفارطة على أن تنفذ مشروعها في التمكين بطرق مختلفة، محاولة في كل مرة أن تتأقلم مع تغير الظروف والسياقات الداخلية والخارجية. ويعني هذا المشروع في الأدبيات الإسلاموية السيطرة على السلطة السياسية من ناحية، والهيمنة على المجتمع من ناحية أخرى. وقد شرعت حركة النهضة بعد 2011 ووصولها إلى سلطة الحكم في الولوج إلى مؤسسات الدولة ومحاولة الهيمنة على أجهزة الدولة، وخصوصًا أجهزة الأمن والقضاء والإدارة وتحويلها إلى أدوات تنفيذية مُسخّرة لخدمة مشروعها ولفرض نموذجها المجتمعي وفق رؤيتها الأيديولوجية في مواجهة القوى السياسية والاجتماعية المعارضة لها. وقد سلكت في تحقيق ذلك أساليب مختلفة متكيفة في كل مرحلة مع إكراهات الواقع التونسي المعقد بعد 2011. وقد توخت في المرحلة الأولى التي تميزت باندفاعها نحو فرض سيطرتها على الدولة والمجتمع، منتشية آنذاك بانتصارها الانتخابي وصعود الإسلاموية الإخوانية إلى الحكم في مصر والمغرب، فضلًا عن دعم بعض القوى الإقليمية والدولية، منهج التدافع الاجتماعي والمغالبة لحسم الصراع مع القوى المعارضة معتمدة على جهازها الدعوي والدعائي وعلى تحالفها مع الجماعات السلفية، وأسلوب الهيمنة على مراكز النفوذ والسلطة (تولى قياديوها منذ 2011 إلى 2013 رئاسة الحكومة ووزارات الداخلية والعدل والخارجية) واختراق الجهاز البيروقراطي للدولة من خلال تعيين عناصرها وأنصارها الموالين لها في مختلف الإدارات. إلا أنها اصطدمت بممانعة قوية من المجتمع المدني والقوى السياسية ما اضطرها إلى أن تسلك منهجًا آخر وبخاصة بعد حلولها في المركز الثاني في انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2014، وهو المنهج القائم على ما سمي التوافق مع حزب نداء تونس بزعامة الرئيس السابق الباجي قائد السبسي الذي نعتته قبل ذلك بكونه أخطر من السلفيين، ولم يكن الأمر في الحقيقة سوى تحالف ظرفي مع القوى الممثلة للطبقة الحاكمة والممسكة بمراكز النفوذ الاقتصادي والسياسي، وهو ما مكنها من المحافظة على مصالحها ومواقعها داخل مؤسسات الدولة من جهة، ومن اختراق هذا الحزب وإضعافه من الداخل من جهة أخرى. ويعكس هذا السلوك المنطلقات الأيديولوجية لحركة النهضة وخصوصًا الازدواجية والتقية السياسية والمرحلية، وهو ما ظهر مرة أخرى في انتخابات 2019، عندما اتهمت حزب قلب تونس بزعامة نبيل القروي بالفساد قبيل الانتخابات، ولكنها عقدت تحالفًا معه بعد الانتخابات ما مكن راشد الغنوشي من رئاسة البرلمان، وسعت إلى فرض مشاركته في الحكومة. وتجدر الإشارة إلى أن الغنوشي كان قد نظر إلى هذا المنهج في التحالف مع غير الإسلاميين لإقامة حكم تعددي يسمح بنشر الدعوة، تمهيدًا “لإقامة حكم الإسلام ولو بعد حين”[21]، وتشير عبارة “ولو بعد حين” إلى المنهج الإخواني في اتباع التدرج والمرحلية انتظارًا للحظة التمكين.
ولم يقتصر مشروع التمكين لدى حركة النهضة على البعد السياسي، بل شمل البعدين الاجتماعي والاقتصادي، فمن الناحية الاجتماعية سعت إلى أسلمة المجتمع وفق رؤيتها الأيديولوجية معتمدة على نسيج واسع من الجمعيات التابعة لها وعلى شبكة من الدعاة سواءً من الداخل أو الخارج الذين يقومون بنشر “الدعوة” مستغلين الهشاشة الاقتصادية والمعرفية لبعض الفئات الاجتماعية. وأما من الناحية الاقتصادية، فقد عملت حركة النهضة على السيطرة على المجال الاقتصادي سواءً من خلال الاستحواذ على جهاز الدولة الذي يتولى عملية تنظيم إدارة الثروة داخل المجتمع من خلال التشريعات والقوانين والرخص التي تمنح للفاعلين الاقتصاديين، أو من خلال إخضاع رجال الأعمال المتهمين بالفساد ومساومتهم مقابل الدعم المادي للحركة، أو من خلال ربط الاقتصاد المحلي بالحلفاء الإقليميين[22]. ولئن تمكنت الحركة من مراكمة الثروة وتكوين طبقة برجوازية مرتبطة بها، إلا أنها فقدت دعم الشرائح الاجتماعية المتوسطة والفقيرة، وهو ما بدا واضحًا منذ 25 يوليو 2021.
لم يكن التمكين مجرد تصور نظري لدى حركة النهضة، بل كان مشروعًا مخططًا له ويسير وفق ما تقتضيه المرحلة من تكتيكات، ولئن بدا أنها قد حققت مكاسب كبيرة ومضت في هذا المشروع أشواطًا مهمة طيلة العشرية التي تولت فيها زمام الحكم، فإن استفحال الأزمة الاقتصادية وآثارها الاجتماعية إضافة إلى تأثيرات انتشار وباء كوفيد 19 وعدم قدرة الدولة على الاستجابة الناجعة لتحدياتها، دفع فئات اجتماعية واسعة إلى تنظيم تحركات ومظاهرات احتجاجية بلغت أوجها في 25 يوليو 2021، واستهدفت مقار حركة النهضة والبرلمان والحكومة، وهما مؤسستان كانتا تحت سيطرتها وتخضعان لتوجيهها. وقد كشف هذا الحدث المفصلي أن استجابة المجتمع والدولة لمشروع التمكين الإسلاموي كانت عكسية، إذ فشلت محاولة الهيمنة الأيديولوجية على المجتمع، ولم تحقق عملية اختراق أجهزة الدولة والتحكم فيها أهدافها كاملة وهو ما تجلى في دعم تلك الأجهزة (الأمنية والعسكرية والبيروقراطية الإدارية) لإجراءات الرئيس قيس سعيد الاستثنائية في 25 يوليو 2021.
أصبحت حركة النهضة بعد 25 يوليو 2021 خارج منظومة الحكم، وقد تأكد هذا الوضع بعد إقرار الدستور الجديد في 25 يوليو 2022، وعادت الحركة إلى موقع المعارضة، غير أنها لم تفقد إلى حد الآن شرعيتها القانونية وهو ما مكنها من القيام بتحركات علنية للتعبير عن مواقفها، وهي وضعية مريحة بالنسبة إليها، رغم ما يلاحق بعض قادتها من قضايا، مقارنة بما كان عليه الحال مع نظامي الرئيسين بورقيبة وابن علي. والملاحظ أن حركة النهضة في هذه الفترة أصبحت تعيش نوعًا من العزلة إذ لم تستجب أغلب القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة لنداءاتها المتكررة بتوحيد الجهود في معارضة الرئيس سعيّد رغم التقاطع في المواقف بينها، على غرار مقاطعة الاستفتاء على الدستور ومقاطعة الانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها في 17 ديسمبر 2022[23]، كما أن خطابها ومواقفها بلغا حالة من الاهتراء وفقدا جاذبيتهما في المجتمع، وهو ما يفسر محدودية التحركات التي دعت إليها منذ أكثر من عام. وهي الآن في انتظار دورة زمانية جديدة ينتفض فيها “الشارع الاجتماعي” على وقع اشتداد الأزمة الاقتصادية والمالية[24]، لكي تعمل على استثمارها لصالحها على غرار ما جرى في 2011 معولة في ذلك على قصر الذاكرة، ومتجاهلة اختلاف السياق جوهريًا بين المرحلتين.
يبدو أن حركة النهضة من خلال ردود فعلها لم تستخلص الدروس مما حدث منذ 25 يوليو 2021 إلى حد اليوم، فهي من خلال استعمال عبارة انقلاب تختزل الأمر في قرار فرد (هو رئيس الجمهورية) استغل سلطاته من أجل إخراجها من الحكم، دون أن تعي أبعاد الحدث الاجتماعية والسياسية العميقة، والتي تعكس مشكلة الإسلاموية عمومًا وحركة النهضة خصوصًا مع الدولة والمجتمع، بصرف النظر عن مسألة النظام الحاكم. وفي ظل هذا الوضع المتسم بتوتر العلاقة بين حركة النهضة والأطراف السياسية الفاعلة، سواء رئاسة الجمهورية أو القوى السياسية والاجتماعية الأخرى كالحزب الدستوري الحر والاتحاد العام التونسي للشغل، يمكن أن نستشرف مسار العلاقة بينها وبين الدولة والمجتمع في الاحتمالين التاليين؛ الاحتمال الأول أن تعيد حركة النهضة النظر في موقفها من إجراءات رئيس الجمهورية وتعمل على تطبيع العلاقة معه على نحو يحفظ وجودها، لاسيما في ظل القضايا التي تلاحقها، وتقبل بهامش ضيق من النشاط في الحقل السياسي، وفق القواعد التي ضبطها الدستور الجديد في انتظار تغير موازين القوة بينها وبين النظام الحاكم، لتستعيد دورها داخل السلطة وتستأنف مشروع التمكين. وفي هذه الحالة لا يُتوقَّع أن تراجع الحركة هويتها الأيديولوجية، بل لعلها تتشبث بها باعتبارها تمنح أنصارها شعور الانتماء وتعزز التضامن بينهم، من خلال معاني الابتلاء والمظلومية والصبر على المحن والشدائد. والاحتمال الثاني أن تجري الحركة مراجعات جذرية أيديولوجيًا وتنظيميًا تفضي إلى الخروج من الدائرة الإسلاموية والقطيعة معها، وإعادة الاندماج في البيئة الثقافية والفكرية والسياسية التونسية على قاعدة الانتماء الوطني، ومن منطلق كونها فاعلًا سياسيًا مثل غيرها في خدمة الدولة والمجتمع. وفي هذه الحالة تتجاوز العائق الذي يجعلها دائمًا محل احتراز وتحفظ، بل ورفض عند النخب وفي أوساط فئات اجتماعية واسعة، ويجعل علاقتها بالدولة مبنية على التوتر والصدام.
الخاتمة
استعرضت هذه الورقة علاقة حركة النهضة بالأنظمة الحاكمة في تونس وبالدولة والمجتمع، منذ نشأتها في أواخر الستينيات من القرن الماضي إلى اليوم. ويمكن أن نوجز أهم ما نخلص إليه في النقاط التالية:
- للإسلاموية التونسية منذ نشأتها ارتباط متين بالإسلاموية الإخوانية، وخصوصًا في مستوى الهوية الأيديولوجية التي تحدد إلى حد كبير رؤيتها السياسية، وتمنحها دينامية ذاتية تحمي بها كيانها وتحفظ وجودها، وتعول على الاستفادة من البيئة الثقافية والاجتماعية السائدة المتسمة بتعثر مشروع التحديث الذي تبنته الدولة الوطنية وتهميشه لفئات اجتماعية معيّنة[25]، وعلى استغلال ما تشهده البلاد من أزمات وما ينتج عنها من هشاشة، وهي كلها عوامل تفسر قدرتها على إعادة الظهور والصعود على مسرح الأحداث في كل مرة رغم ما تتلقاه من ضربات.
- استفادت حركة النهضة في فترة السبعينيات من سياسة بعض الأجنحة داخل النظام في توظيف الإسلامويين في صراعهم ضد القوى اليسارية والنقابية، وهو ما منحها الفرصة للاستقطاب والانتشار داخل المجتمع دون تضييق، فتكونت لها قاعدة اجتماعية أصبحت بها حركة ذات وزن وتطمح إلى لعب دور سياسي يتجاوز الدور الدعوي والاجتماعي. فاستفاق النظام في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، وقد انفلت زمام التحكم من بين يديه، على وقع حركة لها امتداد شعبي وتروم أن تنال الاعتراف بها في الحقل السياسي.
- أصبحت الحركة الإسلاموية منذ ذلك الحين تشكل جزءًا من الواقع السياسي وتراوحت علاقتها بأنظمة الحكم بين المهادنة حينًا والتوتر والصدام أحيانًا كثيرة، وما زاد في حدة هذا التوتر والصدام التوجه الانقلابي للحركة الإسلاموية من خلال تكوين جهاز سري، يهدف إلى قلب النظام الحاكم وتهيئة الظروف لاستيلاء الجماعة على السلطة.
- انتقلت حركة النهضة في مرحلة ما يسمى الربيع العربي من موقع المعارضة المحظورة والملاحَقة إلى موقع السلطة والحكم، ثم عادت بعد عشر سنوات كاملة إلى موقع المعارضة دون أن تفقد الاعتراف القانوني بها إلى الآن. وقد بدا جليًا من خلال تجربتها في الحكم أن عدم نجاحها في إدارة الدولة مرده إلى أنها كانت طوال تاريخها تبحث عن سبيل التمكن من الحكم لا عن سبيل الحكم الرشيد والنافع[26]، وأن المشكلة واقعة ليس بينها وبين النظام الحاكم بقدر ما هي واقعة بينها وبين الدولة والمجتمع باعتبارهما كيانيْن حديثيْن قائميْن على قواعد المواطنة والسيادة للشعب وقيم الجمهورية ويتطلعان إلى استكمال مسار التحديث والتنمية للحاق بالأمم المتقدمة.
- يبدو مسار العلاقة بين حركة النهضة والدولة والمجتمع في تونس مفتوحًا على احتماليْن اثنين مثلما بينت الدراسة، وفي كليهما بات من الواضح اليوم أن الإسلاموية باعتبارها هوية أيديولوجية تشكل عائقًا يحول دون تطبيع حركة النهضة مع الدولة والمجتمع. ولعل الدرس الذي لم يستطع قادة النهضة الحاليين، لأسباب متعددة، استخلاصه هو ضرورة الخروج من الإسلاموية أيديولوجيًا وتنظيميًا خروجًا لا تلاعب فيه ولا مخاتلة وتحمل مسؤولية ذلك، ولها بعد ذلك أن تعيد صياغة هويتها السياسية والفكرية في إطار قيم الدولة الوطنية، وترتيب علاقتها بالدولة والمجتمع باعتبارها فاعلًا سياسيًا مثل غيرها لا الفاعل الذي يرغب في التحكم والقيادة ويعمل على فرض مشروعه بشتى الطرق على الجميع.ويقع على عاتق الدولة ونخبها السياسية والفكرية مسؤولية حماية المجتمع، ولاسيما الفئات الأكثر هشاشة معرفيًا واجتماعيًا من الانجذاب إلى الإسلاموية من خلال اتباع قواعد الحكم الرشيد واستكمال مسار التحديث وتجذيره في كافة الصعد. ولعل ذلك قد يكون مدخلًا إلى الضغط على حركة النهضة لتغير ليس فقط سلوكها السياسي، بل منطلقاتها الفكرية والأيديولوجية وتقطع روابطها مع جماعة الإخوان أيضًا.
المراجع
- أبو مصعب السوري، دعوة المقاومة الإسلامية العالمية. على الرابط:
- أحمد نظيف، الإسلاميون في تونس وانهيار “مشروع التمكين”. على الرابط:
- ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، تونس.. علاقة تاريخية بين “النهضة” وتنظيم الإخوان الدولي. على الرابط:
- ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، الاقتصاد السياسي للحركة الإسلاموية.. الإخوان في تونس ومشروع التمكين الاقتصادي. على الرابط:
- أسماء سحبون، شهادة تاريخية صادمة لمدبر عملية باب سويقة: كنت جاسوس النهضة داخل حزب التجمع. على الرابط:
- بسام حمدي، رسالة سرية منسوبة لراشد الغنوشي إلى بن علي. على الرابط:
- حركة النهضة، الرؤية الفكرية والمنهج الأصولي لحركة النهضة التونسية، سلسلة قطوف النهضة، جوان 2012. على الرابط:
- حنان جابلي، وسط سعي المعارضة لتعبئته.. الغنوشي يلوح بإشعال الشارع التونسي. على الرابط:
- راشد الغنوشي، الحريات العامة في الدولة الإسلامية (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1993).
- ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، من تجربة الحركة الإسلامية في تونس (لندن: المركز المغاربي للبحوث والترجمة، 2001).
- فريد بن بلقاسم، المراجعات في تجارب الحركات الإسلاموية في مرحلة ما بعد الربيع العربي: حركة النهضة أنموذجًا. سلسلة اتجاهات حول الإسلام السياسي، تريندز للبحوث والاستشارات، العدد 1، إبريل 2021.
- عبد الله عمامي، تنظيمات الإرهاب في العالم الإسلامي أنموذج النهضة (تونس: الدار التونسيّة للنشر، 1992).
- عبد المجيد البدوي، مواقف المفكرين العرب من قضايا النهضة في العالم العربي من مطلع القرن إلى مُوفّى الستينات بحث في الثوابت والمتغيرات (تونس: منشورات كلية الآداب بمنوبة، 1998).
- عبد المجيد الشرفي، لبنات (تونس: دار الجنوب، 1994).
- محمد الحداد، المرجعية الإخوانية في كتاب “الحريات العامة في الدولة الإسلامية” لراشد الغنوشي. على الرابط:
- المنصف بن سالم، سنوات الجمر شهادات حيّة عن الاضطهاد الفكري واستهداف الإسلام في تونس. على الرابط:
- هادي يحمد، من صلح الحديبية.. إلى فتح مكة. على الرابط:
- هشام جعيط، الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي، ترجمة المنجي الصيادي (بيروت: دار الطليعة ط 2، 1990).
- تقرير على موقع سكاي نيوز: تونس.. هل يشارك الإخوان بالانتخابات رغم إعلان المقاطعة؟ على الرابط:
[1] عبد المجيد البدوي، مواقف المفكرين العرب من قضايا النهضة في العالم العربي من مطلع القرن إلى موفى الستينات بحث في الثوابت والمتغيرات (تونس: منشورات كلية الآداب بمنوبة، 1998)، ص 46-48.
[2] هشام جعيط، الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي، ترجمة المنجي الصيادي (بيروت: دار الطليعة ط 2، 1990)، ص 20.
[3] راشد الغنوشي، من تجربة الحركة الإسلامية في تونس (لندن: المركز المغاربي للبحوث والترجمة، 2001)، ص 31.
[4] عبد الله عمامي، تنظيمات الإرهاب في العالم الإسلامي أنموذج النهضة (تونس: الدار التونسية للنشر، 1992)، ص 19.
[5] أقر الغنوشي أن المكون الأهم في بنية الحركة الإسلامية التونسية لم يكن التراث الإسلامي المحلي، وإنما ما سماه الفكر الإصلاحي المشرقي، كما انتهى إليه بالخصوص عند الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية في باكستان ومالك بن نبي. راجع: المرجع السابق، ص 105.
[6] أحمد نظيف، تونس.. علاقة تاريخية بين “النهضة” وتنظيم الإخوان الدولي. على الرابط:
[7] تعني الشمولية في تصورها أن الإسلام لا ينحصر في مجال العقائد والشعائر بل يتعداه ليشمل الحيز الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. راجع: الرؤية الفكرية والمنهج الأصولي لحركة النهضة التونسية، سلسلة قطوف النهضة، جوان 2012، ص 6. على الرابط:https://bit.ly/3zr8U1g
[8] فريد بن بلقاسم، المراجعات في تجارب الحركات الإسلاموية في مرحلة ما بعد الربيع العربي: حركة النهضة أنموذجًا. سلسلة اتجاهات حول الإسلام السياسي، تريندز للبحوث والاستشارات، العدد 1، أبريل 2021، ص 27.
[9] من إجراءات كسب العضوية في حركة النهضة أن “يؤدي العضو بيعة الالتزام بالولاء وطاعة قيادة الحركة وحفظ أمانتها وبذل الوسع في تحقيق أهدافها والانضباط إلى نظمها ومناهجها”. راجع: راشد الغنوشي، الحريات العامة في الدولة الإسلامية (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1993)، ص 342.
[10] تحدث القيادي النهضاوي الصادق شورو في أبريل 2011 عن صلح الحديبية، ليصور علاقة حركته بالطيف السياسي المخالف لها، والواضح من خطابه أنه يريد أن يضع الإسلامويين في موضع النبي وصحابته وباقي القوى السياسية في موضع كفار قريش. ثم تحدّث لاحقًا عندما كانت حركته في الحكم عن تطبيق حد الحرابة على المعارضين للحكومة. انظر: هادي يحمد، من صلح الحديبية.. إلى فتح مكة. على الرابط:
[11] راشد الغنوشي، من تجربة الحركة الإسلامية في تونس، مرجع سابق، ص 57.
[12] المرجع السابق، ص 58.
[13] عبد الله عمامي، تنظيمات الإرهاب في العالم الإسلامي أنموذج النهضة، مرجع سابق، ص 190-192.
[14] أشار أبو مصعب السوري، بناءً على معلومات استقاها من عناصر جهادية تونسية تعرف إليها، إلى تكون ما سماه “جهاز سري عسكري خاص” تابع للاتجاه الإسلامي يتكون من ضباط تم تجنيدهم وآخرين تم زرعهم في الجيش التونسي، وقد أعد برنامجًا لانقلاب عسكري يوصل الإسلاميين إلى السلطة. راجع التفاصيل في: أبو مصعب السوري، دعوة المقاومة الإسلامية العالمية، ص 757. على الرابط:
وقد أكد المنصف بن سالم (1953-2015) تكوين مجموعة عسكرية وأمنية –تحت إشرافه- تحمل اسم “مجموعة الإنقاذ الوطني” لإعداد انقلاب على نظام الرئيس الحبيب بورقيبة في 8 نوفمبر 1988. راجع: المنصف بن سالم، سنوات الجمر شهادات حية عن الاضطهاد الفكري واستهداف الإسلام في تونس، ص 42-46. على الرابط:
[15] عبد الله عمامي، تنظيمات الإرهاب في العالم الإسلامي أنموذج النهضة، مرجع سابق، ص 293 وص 321.
[16] المرجع السابق، ص 296.
[17] عن هذا الجهاز وأساليب تنظمه وخططه في مرحلة ما بعد تغيير 7 نوفمبر1987 انظر: المرجع السابق، ص 307-312.
[18] يمكن الاطلاع على شهادة كريم عبد السلام وهو أحد المشاركين في عملية حرق مقرات التجمع الدستوري الديمقراطي، وفيها اعتراف بتنظيم خاص شكلته حركة النهضة في تلك الفترة وإعلان الخطة الاستثنائية للحركة “تحرير المبادرة” في 1991. أسماء سحبون، شهادة تاريخية صادمة لمدبر عملية باب سويقة: كنت جاسوس النهضة داخل حزب التجمع. على الرابط: https://bit.ly/3FOC91T
[19] بسام حمدي، رسالة سرية منسوبة لراشد الغنوشي إلى بن علي. على الرابط: https://bit.ly/3tcvyXw
[20] أحمد نظيف، الإسلاميون في تونس وانهيار “مشروع التمكين”. على الرابط: https://bit.ly/3UnYEiv
[21] راشد الغنوشي، الحريات العامة، مرجع سابق، ص 364.
[22] أحمد نظيف، الاقتصاد السياسي للحركة الإسلاموية.. الإخوان في تونس ومشروع التمكين الاقتصادي. على الرابط:
[23] لا يستبعد بعض المراقبين أن تشارك حركة النهضة بعناصر من الصف الثالث والرابع في هذا الاستحقاق الانتخابي في محاولة لاختراق الدائرة السياسية في تونس بعد الرفض الشعبي للتنظيم. انظر: تونس.. هل يشارك الإخوان بالانتخابات رغم إعلان المقاطعة؟ على الرابط:
[24] حنان جابلي، وسط سعي المعارضة لتعبئته.. الغنوشي يلوح بإشعال الشارع التونسي. على الرابط: https://bit.ly/3UU25xx
[25] عبد المجيد الشرفي، لبنات (تونس: دار الجنوب، 1994)، ص92.
[26] محمد الحداد، المرجعية الإخوانية في كتاب “الحريات العامة في الدولة الإسلامية” لراشد الغنوشي. على الرابط: