Insight Image

ممارسات الطب البديل: بين الأدلة العلمية والمخاطر الجانبية

08 أغسطس 2022

ممارسات الطب البديل: بين الأدلة العلمية والمخاطر الجانبية

08 أغسطس 2022

شهد منتصف مارس 2022، توقيع اتفاق بين الحكومة الهندية ومنظمة الصحة العالمية، تقوم بناء عليه المنظمة الدولية بإنشاء وإدارة مركز عالمي للطب الشعبي. ويهدف هذا المركز الفريد من نوعه، إلى توظيف المعرفة الطبية الشعبية من جميع شعوب وثقافات العالم للاستفادة منها، من خلال دمجها وفحصها وتمحيصها بالأساليب العلمية والتكنولوجية الحديثة، سعيا لمواجهة المشاكل الصحية التي يواجهها أفراد الجنس البشري حاليا ومستقبلا. 

 ويأتي تأسيس هذا المركز في وقت يشكل فيه الطب البديل المقصد الأول للملايين من البشر، عند إصابتهم بمرض، أو تعرضهم لمشاكل ومضاعفات صحية. وأمام هذا الواقع، أصبح من الضروري والمهم، اعتماد الممارسات الطبية الشعبية، والتأكد من أمنها وسلامتها، من خلال مركز يطبق المبادئ العلمية الثابتة والمتعارف عليها، لضمان تمتع هذا النوع من الطب بصفة العلم المبني على الأدلة، مثله في ذلك مثل الطب الحديث. 

وحاليا تقسم الممارسات الطبية إلى أنواع مختلفة، إما بناء على مفهوم العلاج أو على كيفية التعامل مع المرض والمريض، أو حسب فلسفة العلاقة بين الصحة والمرض وبين العقل والجسد والغذاء والبيئة. ورغم أن هذه التقسيمات غير واضحة أو محددة المعالم، إلا أنه أصبح هناك شبه اتفاق في الأوساط الطبية وخارجها على معنى ومفهوم تلك التقسيمات والتعريفات. فبداية هناك الطب الحديث أحد أهم أنواع الطب حاليا، وهو الطب الشائع ممارسته في المستشفيات والعيادات الحديثة. أما الطب الشعبي، فهو الطب المستخدم منذ قديم الزمان من قبل القبائل والحضارات القديمة، قبل أن توجد المختبرات وشركات الأدوية متعددة الجنسيات. ويعتبر الطب الشعبي من أصعب الأنواع في التعريف، حيث إنه يشمل ممارسات علاجية متعددة الأشكال وواسعة النطاق، مثل الإبر الصينية والأعشاب العلاجية وحتى الكي والحجامة. 

وهناك أيضا نوعان آخران من الطب حاليا؛ هما الطب التركيبي أو البنائي، والطب الشمولي. ويمكن تعريف الطب البنائي أو التركيبي على أنه نظام معالجة يعتمد على نظرية مفادها أن الأمراض تنتج في الغالب من فقدان التماسك البنائي لأعضاء الجسم، وهو الوضع الممكن إصلاحه من خلال أسلوب المعالجة اليدوية والتأثير على علاقة العظام والعضلات ببعضها بعضا، مع استخدام العقاقير والجراحة في حالات معينة. أما الطب الشمولي فهو مبني على فلسفة أن العلاج يجب ألا يتركز على العضو أو النظام المريض، بل يجب أن يتمتع بنظرة شمولية تتعامل مع الجسم كوحدة واحدة لا يجب تجزئتها، وخصوصا العلاقة بين الجسم والعقل والنفسية. ولذا يرى ممارسو هذا النوع من الطب أن من الخطأ تجاهل الأبعاد العقلية والنفسية والاجتماعية للمريض والمرض في السعي نحو علاجه وتخفيف شكواه. 

وإن كان الاتجاه المتزايد نحو ممارسات الطب الشعبي والطب البديل يحمل في طياته مشاكل ومخاطر صحية كبرى، وخصوصا لدى الأطفال وصغار السن. يمكن رد هذه المضاعفات الخطيرة إلى ثلاثة أسباب رئيسية: الأول هو الاستعاضة عن العقاقير والأدوية الطبية بالوصفات الشعبية التي غالبا ما تكون عديمة الفائدة، في علاج بعض الأمراض الخطيرة، مثل اضطرابات تخثر الدم، أو السكري، أو الصرع والتشنجات العصبية. والسبب الثاني، هو حقيقة أن الكثير من تلك الوصفات الشعبية تسبب في حد ذاتها ضررا ومضاعفات خطيرة، بسبب احتوائها على مركبات كيميائية شديدة الفعالية، وشديدة السمية أحيانا. فمن المعروف أن المكونات الطبيعية قد تحتوي أحيانا على مواد ذات درجة من السمية، وهو ما يعني أن الاعتقاد بأن المواد الطبيعية غير ضارة، مجرد وهم وخطأ كبير. 

أما السبب الثالث في تسبب الوصفات الشعبية في أضرار صحية فادحة، فيتأتى من أنها قد تتفاعل مع بعضها بعضا، أو مع المواد الكيميائية الموجودة في العقاقير الطبية، لتؤدي إلى تبعات وخيمة. وفي هذه الحالات، ينتج الضرر من مزج مادتين كيميائيتين داخل الجسم، لا تشكل أي منهما خطرا أو ضررا، لو تواجدت منفردة داخل الجسم. وهذا التفاعل لا يقتصر فقط على الوصفات الشعبية وإنما ينتشر أيضا بين العقاقير والأدوية الطبية، وإن كانت مثل هذه التفاعلات في حالة الأدوية الطبية معروفة وتخضع للدراسات المستفيضة على عكس الوصفات الطبية التي يجهل ممارسو الطب البديل مكوناتها الكيميائية بالتفصيل. 

وبناء على البيانات والإحصاءات الدولية التي تفيد بأن 80% من سكان العالم يستخدمون الطب الشعبي بشكل أو آخر، طالبت حكومات 170 دولة من بين 194 دولة هم جلّ أعضاء منظمة الصحة العالمية، بتوفير الدعم لتأسيس مركز يختص بجمع وتصنيف وتمحيص الأدلة العلمية على فعالية وكفاءة وأمن وسلامة ممارسات وأساليب الطب الشعبي، وما يتم استخدامه فيه من أعشاب وأساليب علاجية. وهو المشروع الذي سيكتب له أن يرى النور عن قريب في مدينة جامنجار بولاية جوجرات غرب الهند، باستثمار ودعم من الحكومة الهندية بمقدار 250 مليون دولار أميركي، ما يعادل 900 مليون درهم.

المواضيع ذات الصلة