Insight Image

تلوث الهواء: قضية صحية بأبعاد دولية

21 يونيو 2022

تلوث الهواء: قضية صحية بأبعاد دولية

21 يونيو 2022

يأخذ التلوث أنماطاً وأشكالاً مختلفة، مثل: تلوث الماء والغذاء، وتلوث الهواء، وتلوث التربة، والتلوث الصوتي، والتلوث الضوئي، والتلوث البصري، والتلوث بالقمامة (خصوصاً بمخلفات البلاستيك)، والتلوث الإشعاعي، وغيرها من أشكال التلوث. وعموماً، يُعرف التلوث على أنه دخول أو إدخال ملوثات على البيئة الطبيعية، تتسبب في آثار وتبعات سلبية.

ويعتبر تلوث الهواء من أخطر أنواع التلوث، وأكثرها انتشاراً على الإطلاق. حيث تصنف منظمة الصحة العالمية تلوث الهواء، على أنه طارئ صحي خطر (Major Public Health Emergency)، بناء على البيانات والإحصائيات التي تظهر وفاة 7 ملايين شخص سنوياً بشكل مبكر، بسبب هذه القضية الصحية بالغة الأهمية. وهو ما يضع تلوث الهواء مع التدخين في المرتبة نفسها، ومع الغذاء غير الصحي أيضاً، كأحد أهم أسباب الوفيات المبكرة. وتتحمل شعوب الدول متوسطة الدخل والفقيرة ومجتمعاتها، العبء المرضي الأكبر لتلوث الهواء، سواء على الجانب الإنساني أو الجانب الاقتصادي، نتيجة الاعتماد بشكل أكبر على مصادر الطاقة الأحفورية، كركيزة أساسية لتحقيق النمو الاقتصادي.

تتعدد وتتنوع أسباب تلوث الهواء الخارجي، فبعضها ناتج عن ظواهر طبيعية، مثل: العواصف الترابية، والنشاطات البركانية، وحرائق الغابات، وإن كانت النشاطات البشرية تعتبر المسؤول الأول عن تلوث الهواء الخارجي، خاصة في المدن. هذا النوع من التلوث قد يكون من مصادر ثابتة، مثل: محطات إنتاج الطاقة التي تعتمد على حرق الفحم، أو بقية أنواع الوقود الأحفوري، أو من مصادر متحركة، مثل: الأنواع المختلفة لوسائل المواصلات، بما في ذلك: السيارات، والطائرات، والبواخر. وتحتل عوادم السيارات مكانة خاصة على قائمة أسباب تلوث الهواء الخارجي، نتيجة احتوائها مزيجاً من الغازات والمواد الكيماوية السامة التي تدخل إلى مجرى الدم، ومن ثم إلى معظم أعضاء الجسم بعد استنشاقها بفترة قصيرة. أما التلوث الداخلي في البيوت والمساكن، فينتج غالباً عن حرق أنواع الوقود الأحفوري، كالكيروسين، والفحم، أو الوقود العضوي، مثل: روث الحيوانات، والخشب، ومخلفات المحاصيل، حيث يعتمد حالياً نحو 3 مليارات شخص على أنواع الوقود تلك، لأغراض الطهي أو لتدفئة المنازل.

ويتسبب الهواء الملوث في أمراض الجهاز التنفسي، مثل: سرطان الرئة، والالتهاب الرئوي الحاد، والانسداد الرئوي المزمن، كما تجد الجزيئات السامة التي يحملها هذا الهواء طريقها إلى مجرى الدم أيضاً، لتصل إلى القلب والشرايين، وتتسبب في الذبحة الصدرية، أو السكتة الدماغية. وأحياناً ما تتسبب في اضطرابات وأمراض عصبية، أو ربما مشكلات في الجهاز التناسلي وفي القدرة على الإخصاب والإنجاب. وتراكمت، مؤخراً، الأدلة العلمية على قوة العلاقة بين التعرض للهواء الملوث، ولفترات طويلة، ومضاعفات العدوى بـفيروس “كوفيد-19”. وكنتيجة لاستنشاق هواء ملوث بشكل يومي، تقل فعالية جهاز المناعة وتتراجع كفاءته، وهو ما يجعل الشخص أكثر عرضة للعدوى بالأمراض التنفسية على مختلف أنواعها. كما أن المضاعفات الناتجة عن العدوى بفيروس “كوفيد-19″، تأخذ منحى أكثر حدة بين المصابين بأمراض مزمنة، مثل: ارتفاع ضغط الدم، أو أمراض القلب، أو أمراض الرئتين، ويمكن أن نفهم لماذا يصبح تلوث الهواء في حد ذاته عاملاً رئيسياً خلف زيادة معدلات الوفيات بين مرضى “كوفيد-19”.

وبخلاف الوفيات المباشرة وغير المباشرة، تمتد تبعات التلوث السلبية لتؤثر في نوعية الحياة أيضاً، وفي الحالة الصحية العامة، الجسدية والعقلية، بما في ذلك الحالة الصحية للأطفال حديثي الولادة. ففي تقرير صدر قبل بضعة أعوام عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة أو “اليونيسيف”، أكد علماء المنظمة أن 17 مليون طفل حول العالم دون عمر السنة، يستنشقون هواءً مسمماً، ما يعرض نمو أمخاخهم للخطر. ويعتبر أطفال جنوب آسيا الأكثر عرضة لهذا الخطر الصحي، حيث يقطن دول هذه المنطقة أكثر من 12 مليون طفل يستنشقون يومياً هواءً ملوثاً بمقدار ستة أضعاف الحد الأقصى المسموح به، بالإضافة إلى 4 ملايين آخرين معرضين لمخاطر التلوث في شرق آسيا ومنطقة المحيط الهادي. وقد وصلت درجة سوء الأوضاع البيئية في بعض هذه الدول، إلى حد إصدار توصيات بضرورة استخدام أقنعة الوجه عند الوجود في الطرقات العامة، وعدم الخروج بالأطفال إلى الشوارع في أوقات الذروة، بينما عمدت بعض المدن إلى إغلاق المدارس والحضانات بشكل تام، بسبب خطورة الوضع على صحة التلاميذ.

هذا الوضع برمته، يجعل من الضروري اتخاذ الإجراءات الكفيلة بخفض التلوث في الهواء، والتي ربما من أهمها تفعيل القوانين والسياسات الكفيلة بخفض ملوثات الهواء، على مستوى المدن والدول، مع العمل على رفع الوعي بين عامة الناس بحجم الخطر الذي يشكله تلوث الهواء. وهو ما من شأنه أن يولد نوعاً من الضغط الشعبي على الجهات المتخصصة بتفعيل تلك القوانين، ويدفعها إلى اتخاذ الإجراءات الكفيلة بخفض معدلات التلوث في الهواء.

المواضيع ذات الصلة