Insight Image

منطقة الساحل والصحراء الأفريقية: نحو منظور أمني مستدام

22 فبراير 2022

منطقة الساحل والصحراء الأفريقية: نحو منظور أمني مستدام

22 فبراير 2022

تحتوي منطقة الساحل والصحراء الأفريقية على الكثير من عناصر المخاطر والتحديات الأمنية في مفهومها الشامل والمعاصر، الذي يشمل الظواهر الإجرامية المستحدثة والجرائم المنظمة والمخاطر السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ علاوة على الظواهر الإجرامية الإلكترونية والعمليات الإرهابية بشقيها التقليدية والمتطورة. وتمثِّل هذه الكتلة الجغرافية في الصحراء والساحل أكبر المناطق إزعاجاً للدول الأفريقية وأكثرها هشاشة في المنظومة الأمنية، وأوسعها رخاوة في جلب التنظيمات الإرهابية المتطرفة؛ ولهذا احتلت قمة اهتمامات الدوائر الأمنية ومؤسسات صنع القرار السياسي على المستويين الإقليمي والدولي معاً.

وبلغ موضوع الأمن في منطقة الساحل والصحراء من التعقيد ما جعل الكثير ينظرون إليها في غاية من القتامة والتشاؤم ويصفونها بالمعضلة الأمنية العويصة، التي لم تكن مجرد تهديد أمني لأفريقيا وحدها بل أصبحت آثارها الممتدة وغير المباشرة مصدر تهديد لأمن دول الجوار العربية وللدول الأوروبية على السواء. وتم تناول هذا الموضوع عبر مقدمة ومحورين ثم خاتمة. تضمنت المقدمة الإطار التعريفي بالمفاهيم الأساسية للدراسة، والتحديد الجغرافي لمصطلح “منطقة الساحل والصحراء الأفريقية” ثم التطورات الجيوسياسية المؤثرة في توسيع المفهوم إلى دول خارج الإطار الجغرافي، إضافةً إلى مفهوم الحدث الإرهابي الذي تتسم المنطقة به.

 يستعرض المحور الأول المؤشرات العامة للتهديد الأمني لمنطقة الساحل الأفريقية، ويناقش المحور الثاني الاستراتيجيات المقترحة لبناء منظور مستدام للأمن في المنطقة. وفي الخاتمة خلاصة هي رهانات لفاعلية الاستراتيجيات المقترحة.

منطقة الساحل والصحراء: تعود نشأة مصطلح منطقة الساحل والصحراء إلى حقبة السبعينيات من القرن الماضي لتشير إلى الكتلة الجغرافية الممتدة من المحيط الأطلسي غرباً إلى البحر الأحمر شرقاً، وتضم تلك المنطقة دولاً مثل السنغال وموريتانيا ومالي والنيجر وبوركينافاسو وتشاد والسودان ونيجيريا، كما دفعت الأحداث وتطوراتها المتلاحقة إلى أن يأخذ هذا المصطلح بُعداً جيوسياسياً لتندرج تحته مجموعة دول شمال أفريقيا1، ومن أبرز الملامح والقواسم التي تشترك فيها تلك الدول وعرفت بها هذه المنطقة أنها ساحل من الأزمات الممتدة على حدود تتجاوز 6343 كيلومتراً، وهذا الساحل المأزوم يرتبط بعدد من المعضلات الأمنية في مقدمتها أزمة بناء الدولة في هذه المنطقة؛ وتنامي الصراعات الإثنية مع ضعف شديد في الانتماء الوطني لسكانها والبنى الاقتصادية الهشة، إضافةً إلى ضعف الأداء السياسي وعدم الاستقرار، وتعاقب الانقلابات في معظم دولها (موريتانيا، ومالي، وبوركينافاسو، والنيجر)، وأخطر تلك المعضلات الانتشار الواسع لجميع أشكال الجريمة والعنف البنيوي، والجماعات الإرهابية المتطرفة.

كما أنها منطقة تستحوذ على نسبة عالية من الأحداث الإرهابية العنيفة وهذا النوع من الأحداث كما عرَّفته الجهة الأفريقية ذات الاختصاص بالدراسات المعمقة في الإرهاب وتجلياته في أفريقيا -مركز تابع للاتحاد الأفريقي-  الإرهاب: هو “عبارة عن فعل غير مشروع يعتمد على القوة، والعنف، وبثّ الخوف والرعب، وتعريض الحياة والسلامة الجسدية والحرية للخطر، أو تدمير الممتلكات بهدف إكراه الحكومات أو المجتمعات وتخويفها، أو للسيطرة على السكان وفرض هيمنة سياسية، ودينية، وأيديولوجية2.

وتأتي هذه المنطقة في مقدمة المؤشرات الموجبة عالية الخطورة حسب تصنيف تقرير المركز الأفريقي للدراسات والبحوث المتعلقة بالإرهاب ومحور المسار الاستراتيجي للناتو باتجاه الجنوب، حيث أشار هذا التقرير المشترك إلى أن “هناك منطقتي توتر وخطورة عالية في الساحل: وسط الساحل ويضم مالي وبوركينافاسو والنيجر مع موقع عنف شديد في منطقة ليبتاكوغورما الحدودية في حوض بحيرة تشاد مع موقع عنف شديد في ولاية بورنو –نيجيريا- وتشعباته في ولايتي أداماوا Adamawa، ويوبي Yobi المتجاورتين وأراضي الدول المتشاطئة في “النيجر وتشاد والكاميرون”3.

 مؤشرات التهديد الأمني لمنطقة الساحل والصحراء الأفريقية:

 تعج منطقة الساحل والصحراء بالعديد من التهديدات وأنماط العنف والجرائم حسب ما تؤكده تقارير الأمم المتحدة، حيث إن ما يقارب ما بين 30% إلى 40% من المخدرات الصلبة تمر عبر هذه المنطقة، كما أنها تشكل ثاني أكبر أسواق الأسلحة الخفيفة في القارة الأفريقية وتشير تقديرات التقارير الخاصة بمسح الأسلحة الخفيفة التابعة لبرنامج المعهد الأعلى للدراسات الدولية بجنيف إلى أن هناك نحو 100 مليون سلاح خفيف في القارة الأفريقية وأن 80% من الأسلحة الموجودة مصدرها بؤر الصراعات السائدة في منطقة غرب أفريقيا التي تنتقل إلى دول الجوار مثل الجزائر عبر دولتي مالي والنيجر4. وفيما يلي سنذكر المتغيرات المؤثرة في أمن تلك المنطقة واستقرارها:

1- الطوارق وأزمة الهوية الوطنية: ظل التعقيد المتنامي لأزمة الطوارق وقبائلها المتوزعة بين دول المنطقة (النيجر –مالي- بوركينافاسو- ليبيا – الجزائر) وتداعياتها الأمنية والمجتمعية حالة مقلقة باتت مصدر إزعاج وعرقلة لجهود تماسك النسيج الاجتماعي، وبناء الهوية الوطنية الواحدة الموحدة للسكان في تلك البلدان. فقد وجدت القبائل الطوارقية المتمركزة في الصحراء الكبرى نفسها مشتتة بين هذه الدول ذات السيادة، التي اتفقت على احترام مبدأ “عدم المساس بالحدود الموروثة عن الاستعمار” المنصوص عليه في ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية عام 1963. وقد كانت التقسيمات الجغرافية للصحراء بالاتفاق بين فرنسا حيث كان أكبر جزء من الصحراء تابعاً لها، وإسبانيا وإيطاليا لاغية الحدود الأنثروبولوجية غير مراعية الامتدادات العرقية والدينية للمجتمعات الأفريقية وشعوبها وخاصة القبائل الصحراوية (الطوارق) فيما يخص حالة الجزائر.

الأمر الذي نتج عنه موقفان رئيسيان للطوارق: موقف رافض لهذا التقسيم ويطالب بتكوين دولة طوارقية في الصحراء الكبرى، وموقف مؤيد للبقاء تحت سيادة الدول المستقلة شريطة التمتع بالحرية في التنقل والحكم والإدارة الذاتية، وقد أسهمت ظروف المناخ المتقلبة في تزايد الاحتقان ليتمسك عناصر الطوارق بفكرة القومية الطوارقية الواحدة، وبفكرة عدم الاعتراف بالحدود الجغرافية الفاصلة بين عناصرها. حيث يضطر بعضهم إلى اللجوء إلى مناطق داخل دول أخرى بسبب الجفاف، واعتبار ذلك امتداداً طبيعياً داخل القومية الطوارقية.

وقد كان هذا التوجه من محددات علاقات الطوارق مع الأنظمة الحاكمة والمتعاقبة على تلك الدول وتسببت في تجدد التوترات في العلاقات، وخاصة دولتي مالي والنيجر بسبب ما يعدُّه السكان الطوارق تهميشاً وقمعاً ضد عناصرهما هناك. وهذا ما يفسر الاشتباكات المتكررة في الثمانينيات من القرن الماضي؛ ما دفع الطوارق إلى الهجرة إلى الجزائر وليبيا وحمل السلاح في وجه السلطات المركزية في كل من النيجر ومالي للمطالبة بحقوقهم. ومع مرور الوقت واستمرار التصعيد تطور الأمر إلى ظهور مجموعة حركات الأزواد التحريرية التي تمردت على سلطة الحكومات المركزية في مالي والنيجر، في حالة مواجهات قتالية أسفرت عن تنامي موجات اللجوء والهجرة غير الشرعية نحو دول الجوار تحديداً الجزائر وليبيا، إضافةً إلى التبعات الإنسانية والمشكلات الأمنية (عمليات التهريب، تجارة المخدرات، الاعتداءات) مثل العمليات المسلحة ضد الثكنات العسكرية للجيش المالي في كيدال في مطلع تسعينيات القرن المنصرم.

 وفي عام 2006 أدت تلك العمليات إلى توتر إقليمي بين بلدان المنطقة (الجزائر ومالي والنيجر)، شهدت معها المنطقة الجنوبية للجزائر حالة انفلات للوضع الأمني، ونشطت محاولات دول الجوار لتهدئة الأوضاع المتصاعدة بين مجموعات الطوارق وحكومات بلدانها وقامت الجزائر بجهود دبلوماسية نشطة في هذا المجال؛ فاحتضنت لقاءات وعمليات الوساطة التي تجاوزت عشر جولات عقدت في مختلف المدن الجزائرية، واستمرت نحو ستة أعوام بداية من لقاء الجزائر العاصمة الأول من 29 إلى 30 ديسمبر/ كانون الأول 1991، إلى لقاء 26 مارس/ آذار 1996 الذي توّج بالإعلان الرسمي لانتهاء النزاع في شمال مالي. ونظمت الحكومة المالية إثره في منطقة تمبكتو حفل “شعلة السلام” اجتمع فيه الفرقاء كلهم وجمعت خلاله الأسلحة وأتلفت.

وتجددت المواجهات لاحقاً بسبب عدم احترام الطرفين للاتفاقيات المبرمة بينهما، وإثر اشتداد الصراع عام 2006 قادت الجزائر مرة أخرى وساطة جديدة أشرف عليها الرئيس الجزائري بوتفليقة شخصياً كدليل على اهتمام الجزائر الكبير بالدائرة الأفريقية لأمنها القومي وبالتهديد الذي يشكله إقليم أزواد بصفة خاصة. وقد أفضت هذه الوساطة إلى توقيع اتفاق السلام بالجزائر في يوليو/ تموز 2006 تحت اسم “تحالف 23 مايو من أجل التغيير”. إلا أن تلك المساعي والجهود الدبلوماسية الجزائرية لم تؤتِ النتائج الإيجابية والفاعلية المطلوبة؛ بسبب ضعف الاستجابة من أطراف النزاع، وهشاشة البناء السياسي، وطول مساحة مناطق الصراع5.

2- تهديد التنظيمات الإرهابية: تمكَّنت الجماعات الإرهابية من نشر مخالبها لتتجاوز مركز وجودها في مالي عبر المناطق القاحلة في الساحل، إلى الجنوب من الصحراء، لتصل إلى الدول المجاورة التي لا تملك عضوية في مجموعة دول الساحل الخمس، بما في ذلك بنين، وساحل العاج، وتوجو، ومن الواضح أن الممارسات العنيفة لتلك الجماعات أدت إلى تدمير الاقتصادات المحلية الهشة، وأعاقت جهود المساعدات الإنسانية في المنطقة. إذ توجد في المنطقة بؤرتان ملتهبتان للتطرف العنيف وعدم الاستقرار، تشمل البؤرة الأولى: مالي وجوارها المباشر؛ ‏بوركينا فاسو والنيجر، في الساحل الغربي، حيث تنشط العديد من الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة في بلاد ‏المغرب الإسلامي، والتي بايع بعضها في السنوات الأخيرة تنظيم “داعش”.

 أما البؤرة ‏الثانية: فإنها تشمل حوض بحيرة تشاد، الذي يضم نيجيريا والنيجر وتشاد والكاميرون، التي تعاني منذ البداية – خاصة نيجيريا- إرهاب جماعة بوكو حرام، ومنذ عام 2016 ظهرت مجموعة منشقة من بوكو حرام ‏أعلنت مبايعتها لتنظيم “داعش”، ‏وعلى الرغم من تأكيد السلطات النيجيرية بأن بوكو حرام قد هُزمت؛ فإن الواقع -برغم مقتل زعيمها “أبوبكر شيكاو”- يثبت عكس ذلك. ويشير تقرير المركز الأفريقي للدراسات والبحوث المتعلقة بالإرهاب، إلى “أن هناك اتجاهات جديدة لعمليات المنظمات الإرهابية من خلال توسيع مناطق عملياتها وإحداث تغييرات في أولوياتها الاستراتيجية كما تضاعفت أنشطتها الإرهابية عن طريق تكتيكات وتقنيات وإجراءات جديدة خاصة في مناطق الحدود”6.

وقد تزايدت نسبة المخاطر الأمنية التي تشهدها منطقة الساحل والصحراء بسبب استفحال الأحداث الإرهابية وحسب التقرير السنوي لمعهد أفريقيا للدراسات الاستراتيجية، التابع لوزارة الدفاع الأمريكية فقد ارتفعت الخسائر التي تتكبدها القارة الأفريقية حيث شهدت تطوراً ملحوظاً خلال العقد الماضي، بما يفوق ستة أضعاف، لتصل حصيلة الأحداث الإرهابية إلى 4161 حدثاً عنيفاً، عند نهاية عام 2020، بعدما كانت محصورة في 673 حادثة فقط خلال عام 2011. ويدق التزايد المطرد الذي بلغ، وبحسب التقرير ذاته، الضعفين فقط فيما بين الأعوام من 2017 إلى 2020، ناقوس الخطر؛ وذلك بسبب اتساع النشاطات الإرهابية في أربعة من مسارح العمليات الرئيسية الخمسة في أفريقيا، التي تتمثل في كلٍّ من الصومال، وحوض بحيرة تشاد، ومنطقة الساحل الغربي، وموزمبيق، فيما تعد منطقة شمال أفريقيا هي المنطقة الوحيدة التي شهدت انخفاضاً في نسبة تلك العمليات7..

 كما أن هناك استمراراً للتوجه الذي بدأ منذ عام 2015، وتتواصل في منطقة الساحل الأفريقي حالة تصاعد للعمليات الإرهابية منذ منتصف عام 2017، حيث إن التحالف المشكل من جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، والدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى قد قاد ما يفوق الألف هجوم منذ ذلك الوقت إلى منتصف العام الماضي، لتنال كل من بوركينا فاسو ومالي والنيجر، حصة الأسد من تلك الهجمات. وتشهد منطقة الساحل والصحراء انتشاراً كثيفاً لكل من تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب”، وجماعة “نصرة الإسلام”، وتنظيم “داعش”، وجماعة “بوكو حرام”، وتتكبد المنطقة خسائر كبيرة تقدر بملايين الدولارات، وخسرت القارة الأفريقية مع حلول نهاية العام الماضي نحو 15 مليار دولار حسب بعض التقديرات فيما بلغت الخسائر عالمياً في تلك الحقبة 70 مليار دولار، وهذه القفزة التي حدثت بسبب اتساع رقعة العمليات الإرهابية في الشرق الأوسط مع صعود التنظيمات المتطرفة، وانتقال التوتر إلى منطقة الساحل والصحراء الأفريقية8.

3- التنافس الدولي وتباين المقاربات الأمنية: من التحديات والإشكالات المهددة للوضع الأمني في منطقة الساحل والصحراء عدم التوافق في رؤى العديد من دول المنطقة في التعامل مع القضايا الأمنية واستراتيجيات مقاربتها؛ الأمر الذي جلب تنافساً كبيراً بين القوى الدولية الكبرى في أفريقيا وفي منطقة الساحل والصحراء على وجه الخصوص، فعلى الرغم من اتفاق الأطراف جميعها والدول المعنية في المنطقة على المخاطر الأمنية المهددة لها ولاستقرارها؛ فإن أسلوب التعاطي وطرق المواجهة يتسم أحياناً بالتناقض والتحفظ ومحل الرفض لدى بعض الدول المعنية في الساحل والصحراء نفسها.

 فالاستراتيجية الأمنية للولايات المتحدة الأمريكية في التصدي للتهديدات وللعمليات الإرهابية، ولنشاطات الجماعات المتطرفة في المنطقة تختلف عن المقاربات الأوروبية الفرنسية مثلاً؛ ما أنتج تنافساً في المنظورات الأمنية الدولية على الساحة، حيث هناك رفض جزائري للمقاربة الأمريكية بإنشاء القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم)، بينما هناك ترحيب من دول أفريقية أخرى تعتبر نفسها شريكاً استراتيجياً للولايات المتحدة الأمريكية، وتنظر بعض دول المنطقة إلى الوجودين العسكريين الأمريكي والفرنسي كضرورة حتمية لمواجهة تصاعد الأوضاع الأمنية المتأججة، لمواجهة الجماعات المتطرفة وعملياتها الإرهابية.

وقد تجدد الاهتمام الغربي بمنطقة الساحل والصحراء الأفريقية في إطار ما يسمى بالحرب على الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية منذ تعرضها لهجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001. حيث قررت الإدارة الأمريكية برئاسة بوش الابن في نهاية عام 2006 إنشاء القيادة العسكرية الخاصة بأفريقيا (AFRICOM) التي أعلنتها رسمياً في فبراير/ شباط 2007، وقد بدأ العمل الفعلي بها في أكتوبر/ تشرين الأول 2008 انطلاقاً من مدينة شتوتغارت الألمانية مقر القيادة العسكرية الخاصة بأوروبا، وهو مقر مؤقت في انتظار أن تستضيفه إحدى الدول الأفريقية. ويعتبر إنشاء (الأفريكوم) خطوة حاسمة ودالة على رغبة أمريكية صارمة في الوجود والتربع العسكري الفعلي فوق الأراضي الأفريقية وهو ما ترفضه رفضاً قاطعاً أغلب الدول المعنية خاصة الدول الكبرى مثل نيجيريا.

أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية منذ مطلع الألفية مشروعات أمنية خاصة بالمنطقة منها ما يعرف بـ”مبادرة دول الساحل لمكافحة الإرهاب” (PAN SAHEL INITIATIVE) التي أطلقتها في بداية عام 2003، ثم بعد ذلك وفي عام 2005، مبادرة مكافحة الإرهاب ما بين الدول المطلة على الصحراء Trans-Saharan Counter – Terrorism Initiative TSCT، وألحقت فيها دول المغرب العربي بالمبادرة السابقة، التي كانت تضم دول الحافة الجنوبية للصحراء فقط9.

وفي المقابل ترتكز الاستراتيجية الفرنسية في مقاربة هذا الملف على تشكيل قوات خاصة أوروبية، تهدف إلى تعزيز الجهود الرامية إلى محاصرة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقية، وترى فرنسا أن تلك القوات ستسمح بتطوير قدرات الجيوش الوطنية لدول المنطقة، وتدعم تخفيف الأعباء المالية وكلفة الخسائر البشرية؛ لأنها تصدت بقواتها العسكرية منفردة للجماعات المتطرفة في المنطقة منذ أعقاب اندلاع الأزمة في مالي منذ عام 2013 10.

 وفي إطار هذه المقاربة قادت القوات الفرنسية مجموعة من العمليات في المنطقة، خلال السنوات الأخيرة، منها عمليتا «سيرفال» عام 2013، و«برخان» عام 2014، اللتان ألحقتا بالجماعات المسلَّحة التي تنشط في منطقة الساحل الكثير من الخسائر، وبرغم أهمية هذه المبادرات وقوتها؛ فإنها لم توقف المخاطر والتهديدات الأمنية بشكل نهائي بسبب غياب المشاركة الحقيقية الفاعلة للجيوش الوطنية، إضافةً إلى عدم امتلاكها قدرات ومهارات قتالية في مستوى التهديدات والتحديات الفعلية التي تواجه هذه الدول، سواء كان مصدرها شبكات التهريب أو الجماعات الإرهابية11.
يضاف إلى ذلك المحاولات الخاصة في مجال التنسيق الأمني المحلي بين الدول المعنية فقط دون غيرها، وهو ما قامت به الجزائر حين أنشأت مركز قيادة إقليمياً في تمنراست (في الجنوب الجزائري)؛ بهدف تنسيق تحركات جيشها مع تلك التي تقوم بها جيوش كل من موريتانيا ومالي والنيجر، كما شهدت هذه المنطقة من الصحراء الجزائرية اجتماعات في نهاية سبتمبر/ أيلول من عام 2011 لمجلس رؤساء أركان الجزائر ومالي وموريتانيا والنيجر؛ بهدف “وضع استراتيجية موحدة لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة” بحسب نص بيان وزارة الدفاع الجزائري12.

وفي نهاية القمة التي عُقدت في نواكشوط، في فبراير 2014، أصدر رؤساء موريتانيا، ومالي، والنيجر، وتشاد، وبوركينا فاسو، بياناً مشتركاً أعلنوا فيه إنشاء مجموعة دول الساحل الخمس، كإطار مؤسسي يكون مسؤولاً عن التنسيق والمراقبة للتعاون الإقليمي، وتهدف مجموعة دول الساحل الخمس إلى تحسين بيئة السلام والازدهار في المنطقة، مع أخذ التحديات المرتبطة بالأمن والتنمية التي تؤثر في المنطقة بالحسبان. ولذلك يعتبر التعاون والتضامن في مجالات الأمن والحوكمة والتنمية العامة من المتطلبات الأساسية لتحقيق أهداف المنظمة الطموحة13.

4- التحديات الإجرامية المركبة: تتعدد أنواع الجرائم والتحديات المهددة لاستقرار منطقة الساحل والصحراء الأفريقية؛ بسبب وجود العديد من التنظيمات والشبكات الإجرامية المتداخلة الخطوط والمقاصد، التي تأخذ من العنف وسيلة لها، ومنها: حركات التمرد، والميليشيات العرقية، والعصابات الإجرامية، والتجار العاملون في التهريب، إضافةً إلى جماعات التطرف الإرهابية، وعادة لا تكون الخطوط بين هؤلاء الفاعلين واضحة دائماً؛ حيث يمكن أن تكون العضوية متقلبة ومتداخلة، وتظهر تحالفات المصالح وتتفكك اعتماداً على طبيعتها، والشخصيات المتحالفة، والسياق السياسي الأوسع؛ ونادراً ما تكون التجمعات العرقية متجانسة أو موحدة؛ فالطوارق، على سبيل المثال، ممزقون بسبب التنافس بين العشائر، والمنافسة بين أفراد النخبة من أجل السيطرة والنفوذ، ومع ذلك فإن أبرز القواسم المشتركة بين هذه المجموعات المتباينة هو كراهية سلطة الدولة الوطنية المركزية ومقاومتها، يعني ذلك أن الجماعات المتطرفة العنيفة في منطقة الساحل مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالبنية التحتية الأوسع للمنافسة والصراع والأمن، ولا يمكن فهمها – أو معالجتها – بمعزل عن ذلك. وتعمل الجماعات المتطرفة العنيفة في منطقة الساحل جنباً إلى جنب وعبر مجموعة واسعة من الشبكات الإجرامية العابرة للحدود، التي شهدت في العقدين الماضيين عائدات وفيرة، خاصة أن التجارة عبر الصحراء كانت شريان الحياة الاقتصادي لمنطقة الساحل والصحراء، وعلى الرغم من أن الكثافة السكانية قليلة؛ فإن المنطقة تتقاطع مع طرق التجارة التي تربط المدن الرئيسية بمحاور ومحطات طرق أقل حجماً، والعديد من هذه المناطق التي ظهرت على خرائط الاتِّجار غير المشروع اليوم مثل: غاو، وتمبكتو، وأغاديز، وغات- كانت مراكز رئيسية في حركة التجارة التي ربطت إمبراطوريات غرب أفريقيا الرئيسية مع المغرب العربي ومنطقة الشرق الأوسط، في وقت مبكر من القرن التاسع الميلادي.

ومن ناحية أخرى فإن العلاقات العرقية والاجتماعية والتجارية العابرة للحدود التي تسهل الاتِّجار في العصر الحديث، قد شُكِّلت على مدى قرون عدة؛ فالحدود الموروثة عن العهد الاستعماري -وأضفت عليها الدولة الوطنية طابع المشروعية على الرغم من أنه يمكن اختراقها بسهولة- لم يكن لها تأثير يذكر في هذه التدفقات التجارية. وبالنسبة إلى معظم المجتمعات خارج العواصم الوطنية، فإن الحدود الإقليمية ليست أكثر من فكرة مجردة، ومع فرض الحدود الوطنية، وتوسيع النقل البحري والجوي في التبادل التجاري المشروع، أصبحت طرق التجارة القديمة عبر الصحراء والساحل ممرات آمنة لإضفاء الطابع المؤسسي على عمليات التهريب المزدهرة، وفي كثير من الأحيان تكون السلطات الحكومية المحلية متواطئة في عمليات التجارة غير المشروعة، وفي هذا الإطار، تنتقل السجائر، التي تُصَّنع في الأغلب في آسيا، من ساحل غرب أفريقيا إلى ليبيا والجزائر وأوروبا، بقيمة تُقدَّر بمليار دولار سنوياً، كما يُهرَّب الوقود والمركبات المدعومة في الجزائر، إلى المغرب ومالي والنيجر، وبالمثل تُهرَّب السلع المنزلية الأساسية، والمواد الغذائية، وحتى الملابس.

والملاحظ أن عمليات الاستحواذ على السلع غير المشروعة اتسعت، وهي في الأغلب ما تكون مرتبطة بالشحنات التجارية أو المهربة بشكل كبير في السنوات الأخيرة، ويوفر الوصول إلى التقنيات الجديدة -مثل أنظمة الملاحة عبر نظام تحديد المواقع العالمي  (GPS)وهواتف الأقمار الصناعية- للمهربين ميزة في تخزين السلع مؤقتاً، وتجنب اكتشافها أو الاستيلاء عليها من الأجهزة المعنية، وقد تضخمت الإيرادات في السنوات الأخيرة؛ ما خلق اقتصاداً إجرامياً مزدهراً، وتعد المخدرات حالياً من أكثر السلع التي يُتاجَر بها من حيث الربح؛ نظراً إلى أن كارتلات الكوكايين في أمريكا الجنوبية تتعرض لضغوط متزايدة، في ضوء تقليص إمكانية الوصول إلى أسواق الولايات المتحدة، وأصبح المستهلكون في أوروبا – وبشكل متزايد في آسيا – سوقاً مستهدفة مهمة، وعليه فقد حوَّل المهربون في أمريكا اللاتينية العمليات وشبكات النقل إلى بيئة أكثر تساهلاً في الساحل وغرب أفريقيا.  وبذلك أصبح منحى دوائر الخطورة على الوضعية الأمنية في منطقة الساحل والصحراء هو علاقات تعاون وتبادل مع عصابات الجريمة المنظمة والمافيا النشطة في مجال (الاتِّجار بالمخدرات والبشر والسلاح)؛ لتجديد التموين وتمويل نشاطها بعد سلسلة محاولات تجفيف ومضايقة لمصادر التمويل والمؤونة التي كانت تعتمد عليها في التسعينيات من القرن الماضي. ولا يخفى ما تشكله الجريمة المنظمة المتعلقة بالاتِّجار بالمخدرات، من تهديد للأمن حيث يمس بتأثيراته السلبية جميع الوحدات المرجعية للأمن في دول المنطقة، (الدولة، والمجتمع، والأفراد)، الذي يتطلب استراتيجيات أمنية شاملة للتصدي لها، أي تقوم على إجراءات عسكرية وأخرى غير عسكرية قانونية اقتصادية، اجتماعية.

وقد أسهمت عوامل القرب الجغرافي من مناطق إنتاج المخدرات وعبورها في أفريقيا جنوب الصحراء (خليج غينيا بالدرجة الأولى، إضافة إلى السنغال، ساحل العاج، غانا، توغو، بنين، نيجيريا والكاميرون). كما أسهم ضعف الأنظمة الجنائية في أفريقيا جنوب الصحراء وفسادها، وطبيعة بنية الحروب والنزاعات فيها وكذا انكشاف بعض دول المنطقة مثل الجزائر من الجنوب؛ بسبب ضعف التغطية الأمنية لحدودها الجنوبية في تفاقم التأثير السلبي للمخدرات في أمن المجتمع والأفراد. وتشير أرقام كميات القنب الهندي، والكوكايين، والهيروين، المضبوطة في الجزائر كل عام والمقدرة بالأطنان، إضافةً إلى مئات الآلاف من الأقراص المهلوسة، إلى خطورة التهديد الآتي من المخدرات وشبكات تهريبها والاتجار بها على الأمن الجزائري14.

5- هشاشة الوضع الاقتصادي: تعاني المجتمعات المحلية في دول الساحل والصحراء أزمات اقتصادية صعبة وضغوطاً متزايدة على الأراضي والموارد والتوظيف؛ ما يجعلها ضمن تصنيفات الدول الأكثر ضعفاً في العالم. ونتيجة لذلك تراجعت النيجر وتشاد ومالي لسنوات عدة إلى ذيل دليل التنمية البشرية للأمم المتحدة، الذي يقيس المؤشرات الأساسية، مثل: الصحة والتعليم ومستوى المعيشة، وعلى العكس من ذلك فالملاحظ أن الأرقام المجموعة على المستوى الوطني هي الأخرى لا تعكس النسبة الحقيقية للفقر والضعف في المجتمعات الأكثر عرضة للخطر15، وتعد المناطق التي تشتغل فيها الجماعات المتطرفة العنيفة من بين أكثر المناطق تهميشاً ومعاناة من حيث الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وفي كثير من الحالات تعد هذه المناطق المهمشة هي الأسوأ على مستوى مجتمعاتها الوطنية، كما أدى التدهور البيئي وتغير المناخ إلى إضافة طبقة من الضعف إلى بيئة اقتصادية هشة بالفعل، ومن المعروف أن الأغلبية العظمى من سكان منطقة الساحل تعتمد على الزراعة، أو الرعي، أو تربية الماشية، من أجل الحصول على سبل العيش، وكلها ذات طبيعة حساسة للغاية تجاه الصدمات المناخية والخارجية. على سبيل المثال انخفض المتوسط السنوي لهطول الأمطار في جميع أنحاء المنطقة بشكل حاد منذ سبعينيات القرن الماضي، وتقلَّصت السهول الفيضية، والمستنقعات الموسمية، واختفت في بعض الحالات، وقد تقلَّصت بحيرة تشاد والأراضي الرطبة المرتبطة بها بنسبة 95% في نصف القرن الماضي16. وتصنف منطقة الساحل والصحراء من أكثر المناطق نمواً، إضافةً إلى الديون الخارجية فحسب إحصائيات مجموعة البنك الأفريقي للتنمية والاتحاد الأفريقي واللجنة الاقتصادية لأفريقيا، بلغت الديون الخارجية لبوركينافاسو نحو 1751 مليون دولار، وتشاد نحو 2134 مليون دولار، ومالي نحو 1863 مليون دولار، والسودان نحو 34360 مليون دولار، وبلغ متوسط نصيب الفرد من الدخل لدول الساحل 59% فقط من متوسط دخل الفرد في أفريقيا جنوب الصحراء ونسبة التعليم أقل من 50% 17.

رؤية في بناء منظور مستدام للأمن

استراتيجيات استدامة الأمن والمقاربة الأممية: تعددت المقاربات والاستراتيجيات ومحاولات التدخل لإيجاد حلول تتسم بالجذرية والشمولية لإنهاء هذه الحالة الفوضوية للأمن في منطقة الساحل والصحراء الأفريقية، ومنها ما أطلقته الولايات المتحدة الأمريكية ووصفته بالشراكة المعنية بمكافحة الإرهاب عبر الصحراء الكبرى عام 2007؛ بهدف تعزيز قدرة البلدان في عموم منطقة الساحل على مواجهة الإرهاب، ولتيسير التعاون بين بلدان منطقة الساحل والبلدان المغاربية. كما أطلق الاتحاد الأوروبي في مارس/آذار 2012 استراتيجية بشأن الأمن والتنمية في منطقة الساحل هدفت إلى معالجة الأسباب الجذرية للفقر في المنطقة وﺗﻬيئة الظروف المواتية للتنمية الاقتصادية والبشرية. وكلتا الاستراتيجيتين لم تنجح لأسباب عدة منها النزعة الجيوسياسية المعززة لمصالح الدول المنشئة لها والمثقلة بخلفيات تاريخية غير مريحة للمنطقة شعوباً وقيادات. وقد أعطى هذا الأمر ميزة تفضيلية للمقاربة الأممية في قرارها رقم 2056 يوليو/تموز 2012، عندما أعلنت مجموعة استراتيجيات للمنطقة تضمنت أبعاد الأمن والحوكمة والتنمية وحقوق الإنسان والقضايا الإنسانية. واعتمدت تلك الاستراتيجية ثلاث غايات استراتيجية أساسية هي: أولاً تعزيز الحوكمة الفعالة ذات الطبيعة الاستيعابية لمختلف المتغيرات في أنحاء المنطقة، ثانياً تمكين آليات الأمن الوطنية والإقليمية من التصدي للتهديدات العابرة للحدود، ثالثاً تكامل الخطط والتدخلات الإنسانية والإنمائية من أجل بناء القدرة على التحمل في الأجل الطويل. وحددت في كل استراتيجية عدداً من الأهداف والإجراءات، بما مجموعه 75 إجراء. وعلى الرغم من الانتقادات الموجهة لها؛ فإننا نرى أنها قد تكون أكثر الاستراتيجيات المقترحة ملاءمة لضبط الوضع في المنطقة بعد الأخذ في الاعتبار أهمية الخصوصيات الثقافية واللغوية لعدد من مناطق دول المنطقة، إذ سيكون تهميشها من أسباب ظهور النزاعات وتجدد التوترات.

كيف يمكن الوصول إلى نظام أمن مستدام في الساحل؟

من المؤكد لدى المتابع للشأن الأمني في القارة الأفريقية بشكل عام وفي منطقة الساحل والصحراء على وجه الخصوص أنه على الرغم من التعاطي الأمني والوجود العسكري إلى جانب عدد من القوات الأممية والأفريقية الأخرى في منطقة الساحل لم يُقضَ نهائياً على الجماعات الإرهابية أو يُتمكَّن من كسب تحقيق رهان الاستقرار والأمن في هذه المنطقة الاستراتيجية، وهذا أمر طبيعي ولا يدعو للاستغراب؛ لأن مقاربة الظاهرة الإرهابية في هذا السياق ركزت في مجملها على الجوانب الأمنية، أكثر من استحضارها لعوامل أخرى مسؤولة بدورها عن تغذية الإرهاب والتطرف في المنطقة، في أبعادها التربوية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية؛ لذلك نرى أن التركيز على الجانب العسكري في التعامل مع التهديدات الإرهابية، وعلى الرغم من أهميته وحتميته يظل مقاربة قاصرة وحلاً مؤقتاً يفتقد الاستدامة والنجاعة المطلوبتين، لأن المنطقة ستظل تدور في دوامة تتأرجح بين الاستقرار تارة، والعنف والفوضى تارة أخرى.

 وفي سياق الحديث والبحث عن نظام أمني تتوافر فيه الاستدامة والديمومة والشمولية يمكن القول: إن تحقيق الأمن في هذه المنطقة المترامية الأطراف، وتطويق الإرهاب بشكل ناجع، يبدأ بتأمين الجبهة الوطنية الداخلية أولاً بتأهيل الكوادر الأمنية من جيوش ورجال أمن في دول المنطقة، كما يجب أن يؤخذ في الحسبان الأسلوب والشكل الذي تتم به هذه المقاربة بحيث تكون أكثر جدية، وتتماشى مع تحقيق مقاصد التنمية. ويمكننا أن نقترح المقاربات التالية كمنطلق نحو الاستدامة للمنظومة الأمنية في منطقة الساحل والصحراء الأفريقية:

  1. المقاربة التشاركية: وهذه المقاربة تشمل مكونات المجتمع كلها في منطقة الساحل والصحراء الأفريقية بحيث تكون حلاً لمشكلات المنطقة. ولن يتحقق هذا الحل ما لم يأخذ أبناء المنطقة إجراء الأمور بأيديهم، أي يكونون هم من يقررون إجراءاتها وبالتالي هم من يجنون ثمارها، وفق مقاربة تشاركية وتوافقية.
  2.  المقاربة الاستيعابية الاندماجية: تعتمد على فك ارتباط الشباب بالجماعات المسلَّحة والجريمة المنظمة وتحتاج قناعة خاصة، وإلزاماً قانونياً بضرورة استيعاب الاتجاهات السياسية المختلفة، وخصوصاً لدى الشباب، ودعم الحوار السياسي الداخلي في دول المنطقة، كما يستلزم إيجاد حلول واقعية للنزعات الانفصالية التي تتفجر بسبب سياسات التهميش والإقصاء وإيجاد حلول ناجعة للخصوصيات الثقافية والعرقية.
  3. المقاربة التعاونية الإقليمية: تستهدف تأمين وضعية المجالات المجتمعية الأخرى للانسجام مع خط الدفاع للأمن العام، وتشمل التعاون الإقليمي في قضايا السياسة والحوكمة والتنمية والثقافة وغيرها. وتكون بمنزلة خط تقييمي لمدى نجاعة مقاربة الاستراتيجية الأمنية وسلامة مسارها.

الخلاصة
تحظى المؤشرات العامة لمهددات الأمن في منطقة الساحل والصحراء الأفريقية والمقترحات المقدمة لتأمين وجود نظام أمني، بالاستدامة والفاعلية للاستجابة إلى تلك التحديات والأزمات المزمنة. وتبقى جدواها مرهونة بسلوك الأطراف الداخلية والقوى الإقليمية المحيطة ذات المصالح والارتباطات مع المنطقة.

 

المراجع:

[1] عبد الغفار الديواني، “الأدوار الإقليمية والدولية في الساحل الأفريقي: معضلة الاستقرار”، مجلة المستقبل، مركز المستقبل، 2015. https://futureuae.com/m/Mainpage/Item/628

[2] الاتحاد الأفريقي،”الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء: حقائق وأرقام”، المركز الأفريقي للدراسات والبحوث المتعلقة بالإرهاب ومحور المسار الاستراتيجي للناتو باتجاه الجنوب، 2020، ص4.

[3] المرجع السابق، ص4.

[4] UNODC:United Nations Office on Drugs and Crime : RESULTS AND ACTIVITIES , Sahel Programme Progress Report June( 2017) p 5

[5] بوحنية قوي، “استراتيجية الجزائر تجاه التطورات الأمنية في الساحل الأفريقي”، الدوحة، مركز الجزيرة للدراسات، ص3. studies.aljazeera.net

[6] الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء، مرجع سابق، ص5.

[7] Are US forces essential to war on terror In Africa,s Sahel region? African center for strategic studies http://africacenter.org

[8] Africa,s security challenges:A View from Congress, the Pentagon, and USAID at https://www.csis.org/events/africas-security-challenges-view-congress-pentagon-and-usaid

[9] Pan Sahel Initiative- at 2001-2009. State. Gov

[10] بوحنية قوي، “استراتيجية الجزائر تجاه التطورات الأمنية في الساحل الأفريقي”، مرجع سابق، ص 4.

[11] عبد النور بن عنتر، “العلاقات المغاربية- الأفريقية، بعض الجوانب الإشكالية: مجموعة الخبراء المغاربيين”، عدد 4، تونس، مركز الدراسات المتوسطية، فبراير2011، ص3.

[12] بوحنية قوي، “استراتيجية الجزائر تجاه التطورات الأمنية في الساحل الأفريقي”، مرجع سابق، ص 5.

[13] إعلان إنشاء مجموعة الدول الخمس في الساحل، موقع مقاتل http://www.muqatel.com/openshare/Behoth/Monzmat3/dew

[14] بوحنية قوي، “استراتيجية الجزائر تجاه التطورات الأمنية في الساحل الأفريقي”، مرجع سابق، ص 4

[15] بلغيت حميد، “محددات السلوك الصراعي لدول منطقة الساحل والصحراء”، شبكة الحوار المتمدن، العدد3407، 25 يونيو2011.

[16] الحسين الشيخ العلوي، “منطقة الساحل الأفريقي ومعبر الموت الدولي”، الدوحة، مركز الجزيرة للدراسات. https://studies.aljazeera.net › 2015/08

[17] المؤشرات العامة عن الوضع الاقتصادي والتنمية البشرية لدول منطقة الساحل والصحراء الأفريقية. https://pharostudies.com

 

المواضيع ذات الصلة