مقدمة:
في ضوء ما يشهده النظام الاقتصادي العالمي المعاصر من تزايد في أهمية المعلومات وقدرتها على التأثير في مختلف الصعُد، فقد صارت التقارير والمؤشرات الدولية قادرة على تحريك الأسواق المالية وتشكيل القطاعات الاقتصادية وتوجيه قرارات المستثمرين. وينظر في هذا السياق إلى المؤشرات والتقارير الدولية لتقييم الأداء الاقتصادي للدولGlobal Performance Indicators (GPIs) باعتبارها مظهراً من مظاهر تنامي سطوة المعلومات وتأثيرها في عالمنا المعاصر. وفي هذا السياق، دأبت كثير من المنظمات وجهات التمويل الدولية لعقود طويلة على استخدام القروض والمنح والدعم الفني لتطبيق إصلاحات جديدة تؤدي إلى تبسيط الإجراءات وتحسين مناخ الأعمال. كما عمدت منذ تسعينيات القرن العشرين إلى استخدام آلية جديدة تقوم على خلق وضع تنافسي بين الدول من خلال مقارنة أدائها الاقتصادي وتصنيفها بشكل تراتبي وفقاً لعدد من المؤشرات على النحو الذي يحفز هذه الدول على التسابق فيما بينها لتطوير سياساتها الاقتصادية المختلفة لزيادة قدراتها التنافسية ولتحسين ترتيبها في هذه المؤشرات، فهل استطاعت هذه الآلية أن تحقق أهدافها؟
إن الحديث عن أثر المؤشرات والتقارير الدولية المعنية بتقييم الأداء الاقتصادي للدول على مناخ الأعمال وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر يثير مجموعة من التساؤلات من قبيل: ما المقصود بالمؤشرات والتقارير الدولية لتقييم الأداء الاقتصادي للدول GPIs؟ وما هي أبرز هذه المؤشرات والتقارير الدولية؟ وهل تلعب تلك المؤشرات والتقارير دوراً في تغيير السياسات الاقتصادية القائمة لتنفيذ إصلاحات معينة أو أنها مجرد انعكاس للإصلاحات التي تقوم بها الدولة؟
وعلى هذا الأساس تنقسم الدراسة إلى ثلاثة أقسام: يعرض أولها مفهوم المؤشرات والتقارير الدولية حول تقييم الأداء الاقتصادي للدول، وكذلك لمفهومي الاستثمار الأجنبي المباشر Foreign Direct Investment (FDI) ومناخ الأعمال، فيما يناقش القسم الثاني أبرز التقارير الدولية، من حيث نطاق الدراسة والمؤشرات المكونة لها وتطور المنهجية. أما القسم الثالث فيدرس مدى تأثير تلك التقارير والمؤشرات في تطوير مناخ الأعمال وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، مع التركيز على دراسة حالة دول التأثير على بيئة الأعمال في دول أفريقيا جنوب الصحراء.
القسم الأول
مفهوم المؤشرات والتقارير الدولية لتقييم الأداء الاقتصادي للدول GPIs
بادئ ذي بدء، إن التعرض لأثر المؤشرات والتقارير الدولية حول تقييم الأداء الاقتصادي للدول على مناخ الأعمال وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر يستوجب البحث والدراسة للوقوف على ماهية مفهوم مؤشرات وتقارير الأداء الاقتصادي للدول، فضلاً عن مفهوم الاستثمار الأجنبي المباشر ومفهوم بيئة الأعمال، وهو ما يعالجه هذا القسم بإيجاز فيما يأتي:
أولاً: مفهوم الاستثمار الأجنبي المباشر:
تتعدد التعريفات المرتبطة بمفهوم الاستثمار الأجنبي المباشر، غير أنها جميعاً تتفق على اعتباره حركة رؤوس الأموال في الخارج التي تتضمن إنشاء مشروع جديد أو تطوير أو تملّك ما لا يقل عن 10% من أصول مشروع قائم بهدف الإدارة أو التأثير في عمليات الإدارة على المدى البعيد[1]، وذلك بعكس الاستثمار غير المباشر الذي يتوجه عادة إلى شراء أوراق مالية كالأسهم والسندات، فيترتب عليه حقوق مالية دون حق الإدارة[2].
وعلى عكس الديون، فإن الاستثمارات المباشرة لا يترتب عليها التزامات مالية لخدمة أعباء الدين، كما أن تحويل العوائد أو جزء منها خارج الدولة المضيفة يكون مرهوناً بتحقيق أرباح على تلك الاستثمارات، ومن ثم فليس من الغريب ما يشهده الاقتصاد العالمي من تنافس محموم بين الدول لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر وخاصة في الدول النامية التي تعاني تراجعاً في معدلات الادخار الوطني في الوقت الذي تحتاج إلى تمويل خطط التنمية الاقتصادية. كما يتأكد هذا التنافس في ضوء العوائد المتحققة من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر والتي يمكن إيجازها في الآتي:
- زيادة معدلات النمو الاقتصادي: فوفقاً لنظريات النمو الكلاسيكية فإن النمو الاقتصادي يحتاج إلى زيادة حجم رأس المال المستثمر، وهو ما قد لا يكون ممكناً وخاصة في الدول النامية التي تعاني تراجع المدخرات الوطنية وانخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي؛ ومن ثم فإن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر يمكن أن تحسِّن من معدل النمو الاقتصادي.
- نقل وتوطين التكنولوجيا في الدولة المضيفة؛ بما يؤدي إلى زيادة القدرات التنافسية للاقتصاد.
- تنمية البنية التحتية وتطويرها.
- تنمية رأس المال البشري من خلال تدريب العمالة المحلية وإكسابها المهارات التكنولوجية المتطورة وأساليب الإدارة الحديثة؛ بما يؤدي في النهاية إلى نقل هذه الخبرات إلى الشركات الوطنية.
- تقليل معدلات البطالة وخلق فرص عمل بشكل مباشر، أو بشكل غير مباشر من خلال ما تقوم به هذه الاستثمارات من خلق روابط أمامية وخلفية في صورة صناعات مكملة أو خدمات.
- تحسين ميزان المدفوعات وسعر صرف العملة الوطنية من خلال زيادة إيرادات الدولة المضيفة من النقد الأجنبي وزيادة الصادرات.
وقد كان من نتيجة ذلك أن سعت الدول سعياً حثيثاً لإزالة معوقات الاستثمار كافة وتقديم الضمانات والحوافز المالية وغير المالية وتطبيق سياسات اقتصادية لتبسيط الإجراءات وتحسين بيئة الأعمال وخلق المناخ الجاذب للاستثمار.
ثانياً: مفهوم مناخ الأعمال:
تتعدد التعريفات المرتبطة بمناخ الأعمال أو مناخ الاستثمار، شأنها في ذلك شأن أغلب مفاهيم العلوم الاجتماعية، غير أن أقرب التعريفات التي تتفق مع الإطار النظري لهذه الدراسة هو:
“مجموعة السياسات التي تشكل البيئة المحددة للاستثمار والتي توثر بشكل مباشر أو غير مباشر على القرارات الاستثمارية، بما في ذلك سياسات الاقتصاد الكلي والجزئي، حيث ترتبط هذه القرارات ارتباطاً وثيقاً بالسياسة النقدية والمالية والتجارية، إضافة إلى الأنظمة القانونية وقوانين الضرائب والعمل والإطار التنظيمي العام”[3].
ثالثاً: المؤشرات والتقارير الدولية لتقييم الأداء الاقتصادي للدول (GPIs):
تعبر المؤشرات والتقارير الدولية حول تقييم الأداء الاقتصادي للدول عن مجموعة من المحددات التي يتم من خلالها تجميع وتصنيف البيانات والمعلومات والإحصائيات الخاصة بالدولة وفقاً لمنهجية محددة؛ وذلك بهدف مقارنة الأداء الاقتصادي بين الدول والتعبير عن الأداء الحالي أو المستقبلي للدولة بشكل تراتبي في صورة مركز Rank أو تصنيف Category، وتتمايز هذه المؤشرات والتقارير إلى ثلاثة أنواع رئيسية على التفصيل الآتي:
- المؤشرات (indexes or Indicators): وهي التقارير التي تستخدم التصنيف التراتبي للدول ويتم المفاضلة بين الدول فيها من خلال المركز Rank أو مجموع الدرجات Score، بحيث يعبر المركز عن نتائج تقييم أداء الدول، وذلك وفقاً لمنهجية محددة.
- التقييم الفئوي (Categorical Assessment): وهي التقارير التي تقوم على المفاضلة بين أداء الدول من خلال التصنيف ضمن فئات تراتبية وفقاً لمنهجية محددة.
- القوائم السوداء أو قوائم الترقب (Blacklist or Watchlist): وهي تقارير تقوم بتصنيف الدول وفقاً لمعايير مسبقة تحددها المنهجية، بحيث يتم إدراج الدول التي لا تتفق مؤشراتها مع منهجية التقرير ضمن هذه القوائم[4].
وفي ضوء ما تقدمه هذه المؤشرات والتقارير من نتائج، فلا يعرف متخذو القرار ترتيب اقتصاداتهم بين اقتصادات العالم فحسب، بل تتاح لهم معلومات وفيرة عن الاقتصادات الأخرى، بما في ذلك الاقتصادات المنافسة لهم، كما تمكنهم من الوقوف على المشكلات التي تعانيها اقتصادات بلدانهم، فضلاً عن أفضل السياسات والآليات لمعالجتها وفقاً لأفضل الممارسات الدولية التي تتضمنها تلك المؤشرات والتقارير.
وبشكل عام، تهدف هذه المؤشرات والتقارير إلى خلق مخزون معرفي من البيانات والإحصائيات والمعلومات المرتبطة بتقييم أداء الدول على المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، بحيث يمكن الاستفادة منها في إثراء الأوساط العلمية والبحثية المختلفة. كما تهدف إلى إلقاء الضوء على أهم المشكلات التي تعانيها اقتصادات كثير من الدول بقصد جذب انتباه متخذي القرار ومجتمعات الأعمال وأصحاب المصالح إلى أهمية تداركها، مع تسليط الضوء على أفضل الممارسات الدولية في هذا الخصوص، غير أن غاية ما تسعى إليه هذه المؤشرات والتقارير الدولية يتمثل في إمكانية التأثير على متخذي القرار وخلق الضغوط الموجبة لتطبيق سياسات إصلاحية لخدمة أهداف التنمية الاقتصادية.
ومهما يكن من أمر، فالمتابع لمنهجية عمل المؤشرات والتقارير الدولية يتأكد لديه أنها تعتمد، في سعيها لتحقيق الأهداف المذكورة، على خلق الضغوط الموجبة للإصلاح عبر القنوات الآتية:
- التأثير على الرأي العام الداخلي، بما في ذلك النقابات ومجتمع الأعمال وأصحاب المصالح، من خلال القنوات الإعلامية المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي، بقصد خلق ضغوط مجتمعية تدفعهم إلى المطالبة بسياسات أفضل على خلفية وقوع بلدانهم بمراكز متأخرة في التقارير والمؤشرات المشار إليها[5].
- التأثير المباشر على صانعي القرار Elite Engagement من خلال المناقشات وما تقدمه الجهات المصدّرة للتقرير من استشارات اقتصادية والتأكيد لدى صانعي القرار على أن تراجع دولهم في مؤشرات التقرير يضر بسمعتها ويؤثر على الصورة الذهنية لها كاقتصاد يُعتَمد عليه وجاذب للاستثمار[6]. ومن ناحية أخرى تلقي المؤشرات الفرعية الواردة في هذه التقارير الضوء على مواطن الضعف التي يعوزها التطوير، فضلاً عن الجهات الحكومية المعنية بتطويرها، الأمر الذي يحفز القائمين على هذه الجهات لمعالجة مواطن الضعف المشار إليها وتطبيق السياسات اللازمة لتطويرها تجنباً للنقد واستجلاباً للثناء.
- الضغوط الخارجية Transnational Pressures and Influence وتتمثل في الضغوط التي يمارسها المستثمرون الأجانب وجهات التمويل الدولية، حيث يتأثر قرار الاستثمار الأجنبي المباشر إلى حد كبير بمركز الدولة في المؤشرات والتقارير الدولية عند اختيار وجهة الاستثمار وجدواها[7].
كما تعتمد كثير من الجهات الدولية المانحة للقروض والمساعدات الاقتصادية في كثير من الأحيان على هذه المؤشرات والتقارير الدولية للوقوف على مدى استحقاق الدولة الحصول على التمويل أو المنح المقدمة، وكثيراً ما تشترط هذه الجهات تحقيق تحسن في مؤشرات أو تقارير دولية بعينها كشرط للحصول على التمويل؛ ومن أمثلة ذلك ما يتضمنه القرض الخاص بتمويل سياسات التنمية Development Policy Finance (DPF) من تطبيق سياسات إصلاحية، يتحقق تنفيذها لدى الجهة المانحة بتحسن مؤشرات تقارير دولية، ومنها تقرير ممارسة أنشطة الأعمال على سبيل المثال. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى قيام شركة ديزني العالمية بوقف التعامل مع الدول التي يقل مجموعة درجاتها في مؤشر الحوكمة Worldwide Governance Indicators الصادر عن البنك الدولي عن 20 درجة.
وبناء على ما سبق، فإنه يمكن القول إن قدرة المؤشرات والتقارير الدولية على التأثير لتطبيق سياسات إصلاحية تكون مرهونة بثلاثة عوامل أساسية: أولهما يرتبط بمدى ما تتمتع به الجهة المصدّرة من إمكانيات، بما في ذلك قدرتها على توظيف وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي وشبكة المعلومات الدولية، فضلاً عن قدرتها على التواصل مع القطاع الخاص ومجتمع الأعمال وأصحاب المصالح، وذلك على النحو الذي يمكّنها من خلق الضغوط المجتمعية اللازمة للمطالبة بالتغيير. فيما يتجسد العامل الثاني في قدرة هذه الجهة على توظيف آليات أخرى مثل القروض والمنح والدعم الفني لتحقيق أهدافها، وهي الآليات التي تكون لها أهمية كبيرة في التأثير على النخب السياسية ومتخذي القرار لتقديم سياسات اقتصادية تساعد على تطوير الأداء. أما العامل الثالث فيتمثل في اعتماد التقرير على منهجية محكمة في تحديد المؤشرات الفرعية وطريقة احتساب المؤشر العام، على أن تتضمن طريقة التصنيف النظام التراتبي القائم على المراكز أو مجموع النقاط، مع وجود فريق عمل قادر على إحكام وضبط وتدقيق عملية جميع البيانات والدفاع عن هذه المنهجية وتطويرها بشكل مستمر.
هذا وباستعراض مفاهيم كل من الاستثمار الأجنبي المباشر، ومناخ الأعمال، والمؤشرات والتقارير الدولية المعنية بتقييم الأداء الاقتصادي للدول وما يتصل بهذه المفاهيم من مفردات، فإنه يستدل نظرياً على وجود علاقة تأثير متبادل بين المؤشرات والتقارير الدولية المشار إليها ومناخ الاستثمار؛ بمعنى أن ما تقوم به هذه المؤشرات والتقارير عبر القنوات السالف ذكرها من المنطقي أن يحفز الدول على تطبيق سياسات أفضل لتحسين ترتيبها في هذه المؤشرات والتقارير، فيكون من نتيجة ذلك تحسن الأداء التنافسي للدولة، بما في ذلك مناخ الاستثمار (وهو أحد أهم محددات جذب الاستثمار الأجنبي المباشر)، ويؤدي ذلك كله من الناحية النظرية على الأقل إلى زيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر.
وفي ضوء ذلك، فإن دراسة تأثير المؤشرات والتقارير الدولية على مناخ الأعمال وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر على أرض الواقع تتطلب التعرف على أبرز المؤشرات والتقارير الدولية في هذا الخصوص، من حيث الأهمية والتأثير وتطور المنهجية، وهو ما ينقلنا إلى القسم الثاني من الدراسة.
القسم الثاني
أبرز مؤشرات وتقارير الأداء الاقتصادي للدول
انطلاقاً من أن تأثير مؤشرات وتقارير الأداء الاقتصادي للدول يرتبط بقدرتها على خلق ضغوط مجتمعية للمطالبة بسياسات أفضل كما سبقت الإشارة، يوضع الجدول التالي أبرز المؤشرات والتقارير الدولية من حيث مدى الاعتماد على بياناتها في التصريحات الرسمية والبيانات الصحفية للنخب ومتخذي القرار، فضلاً عن الأبحاث والدراسات العلمية ومواقع التواصل الاجتماعي وشبكة المعلومات الدولية (الإنترنت).
الأهمية النسبية لأبرز المؤشرات الدولية من حيث الاعتماد على بياناتها*
الجدول رقم (1) [8]
وتُظهِر النسب الواردة في الجدول (1) أعلاه تصدُّر تقرير ممارسة أنشطة الأعمال في هذا الشأن بنسبة 65.2%، يليه تقرير التنافسية العالمية بنسبة 16.4%، ثم تقرير الحرية الاقتصادية الصادر عن مؤسسة Heritage بنسبة 8%. وتجسد هذه النسب أهمية التقارير المذكورة وانتشارها وقدرتها على الوصول إلى شريحة مجتمعية كبيرة تتضمن متخذي القرار وصانعي السياسات والصحفيين ومجتمعات الأعمال وأصحاب المصالح، فضلاً عن الأوساط العلمية. وفي هذا السياق نعرض فيما يلي للمؤشرات والتقارير الثلاثة المذكورة من حيث الأهمية وطبيعة المؤشر ونطاق الرصد وتطور المنهجية. وقد تركز التحليل على التقارير الثلاثة الأولى نظراً لأنها تناهز، من حيث الأهمية والانتشار والتأثير، نحو 90% من التقارير الاقتصادية في بيئة الأعمال الدولية حالياً.
أولاً: تقرير ممارسة أنشطة الأعمال: Doing Business Report
هو تقرير سنوي صدر منذ عام 2004 حتى عام 2020 عن مؤسسة التمويل الدولية التابعة لمجموعة البنك الدولي لقياس مدى سهولة أداء الأعمال في 190 دولة حول العالم، من خلال رصد عدد الإجراءات والوقت والتكلفة وجودة التشريعات المنظمة في أكبر مدينة تجارية في الاقتصاد المعني، وذلك من منظور يركز على عشرة مؤشرات تمثل دورة حياة المشروع هي: تأسيس الشركات – استخراج تراخيص البناء – الحصول على الكهرباء – تسجيل الملكية – الحصول على الائتمان – حماية حقوق صغار حملة الأسهم – سداد الضرائب – التجارة عبر الحدود – إنفاذ العقود – تسوية حالات الإعسار.
ويعتبر تقرير ممارسة أنشطة الأعمال من أبرز مؤشرات وتقارير تقييم الأداء الاقتصادي للدول، وخاصة فيما يتعلق بمناخ الاستثمار، إن لم يكن أهمها على الإطلاق، وذلك في ضوء الاعتبارات الآتية:
- تعتمد عليه العديد من المؤشرات والتقارير الدولية المعنية بالأداء الاقتصادي للدول ومناخ الاستثمار؛ ومنها مؤشر التنافسية العالمية، ومؤشر الحرية الاقتصادية الصادر عن مؤسسة Heritage، ومؤشر الكتاب السنوي للتنافسية العالمية Global Competitiveness Yearbook الصادر عن معهد تنمية الإدارة بسويسرا Institute for Management Development (IMD) ومؤشر Fitch للتصنيف الائتماني، ومؤشر الابتكار العالمي Global Innovation Index (GII) الصادر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية WAIPO التابعة للأمم المتحدة[9].
- يعتبر من أهم المرجعيات التي يعتمد عليها المستثمرون، والأكاديميون، ورجال الصحافة والإعلام، وكثير من المنظمات الدولية للتعرف على مدى جدية الحكومات في توفير مناخ جاذب للاستثمار، فضلاً عن كفاءة إجراءات الاستثمار المطبقة في الدول المختلفة، والوقوف على آخر التطورات في مناخ الأعمال لكل بلد.
- يُنظر إليه باعتباره دليلاً استرشادياً دقيقاً للإصلاح، حيث يلقي الضوء على المشكلات التي تواجه المستثمرين ويوضح لمتخذي القرار نقاط الضعف الواجب تداركها لتطوير الإجراءات وتحسين مناخ الاستثمار، كما يقدم التقرير كذلك بدائل متعددة للإصلاح مستمدة من التجارب الناجحة لأفضل الممارسات الدولية.
- له تأثير واضح في رسم الصورة الذهنية عن اقتصاد الدولة ومناخ الأعمال بها في عقول المستثمرين الأجانب وجهات التمويل الدولية.
نطاق الرصد:
يركز التقرير على رصد السياسات الاقتصادية والإجراءات الإصلاحية (في 190 دولة) التي تؤثر على معظم الأبعاد المرتبطة بمناخ الأعمال، بما في ذلك الآتي:
- التشريعات المرتبطة بإجراءات التقاضي وفض النزاعات التجارية وإعادة هيكلة الشركات المتعثرة.
- السياسات التجارية المرتبطة بعمليات الاستيراد والتصدير والتعرفة الجمركية.
- السياسات المالية المرتبطة بمعدل الضريبة وآليات السداد.
- السياسات والضوابط الخاصة بإتاحة التمويل والضمانات ذات الصلة.
- سياسات حماية صغار حملة الأسهم وحوكمة الشركات.
- سياسات تبسيط الإجراءات فيما يتعلق بتأسيس الشركات وترخيص البناء وتسجيل ونقل الملكية وإدخال المرافق.
منهجية التقرير وتطورها:
خرج تقرير ممارسة أنشطة الأعمال من رحم الدراسة التي أعدها سيمون دانكوف وآخرون في عام 2002 بعنوان “ضوابط دخول السوق” The Regulation of Entry، وقدمت الدراسة إجراءات تأسيس الشركات في 85 دولة غطت عدد الإجراءات والوقت اللازم والتكلفة الرسمية التي يجب أن تتحملها الشركة قبل أن تتمكن من العمل بشكل قانوني[10]؛ ليصدر التقرير الأول في عام 2003 بمؤشر واحد فقط وهو مؤشر تأسيس الشركات دون تصنيف الدول تصنيفاً تراتبياً وفقاً لمراكز معينة، ومنذ ذلك الحين لحق بمنهجية التقرير العديد من التطورات شملت ثلاثة محاور أساسية، بيانها على التفصيل الآتي:
- التوسع في نطاق المؤشرات التي يرصدها التقرير لتغطي مراحل حياة الشركة كافة، من التأسيس حتى الخروج من السوق، ففي عام 2004 تم إضافة كلٍّ من: مؤشر توظيف العمالة، ومؤشر إنفاذ العقود، ومؤشر الحصول على الائتمان، ومؤشر تسوية حالات الإعسار، ضمن نطاق الرصد. وفي عام 2005 تم إضافة مؤشر تسجيل الملكية. وبعد ذلك أضيف في عام 2006 كلٌّ من مؤشر حماية صغار حمَلة الأسهم، ومؤشر سداد الضرائب، ومؤشر التجارة عبر الحدود، ومؤشر استخراج تراخيص البناء. وأخيراً تم إضافة مؤشر التعاقدات الحكومية في عام 2020.
- زيادة العينة المبحوث من الدول التي تضمنها التقرير من 133 دولة في عام 2003 إلى 190 دولة في تقرير عام 2020 مع التوسع في رصد مؤشرات التقرير لتشمل ثاني أكبر مدينة تجارية إذا كان عدد سكان الدولة يزيد عن 100 مليون نسمة وهو ما تم في نحو 11 اقتصاداً حتى الآن.
- تطوير طبيعة المؤشرات لتشمل معايير إضافية تتضمن جودة أداء الخدمة، وقوة الأطر القانونية والتنظيمية في عدد من المؤشرات الفرعية؛ منها مؤشر الحصول على الكهرباء، ومؤشر تسجيل الملكية، ومؤشر استخراج تراخيص البناء، ومؤشر سداد الضرائب على سبيل المثال.
وقد استقرت منهجية التقرير على رصد عدد الإجراءات والوقت والتكلفة وجودة الأطر القانونية والتنظيمية في المؤشرات العشرة السابق ذكرها، بالإضافة إلى مؤشر التعاقدات الحكومية، وذلك من خلال إجراء استبيان حول حالة دراسية شائعة وقابلة للمقارنة بين دول العالم، تستكمل شركات القطاع الخاص والجهات الحكومية وفقاً لكل مؤشر بإجمالي أكثر من 12500 مستجيب في 190 دولة، على أن يتم التحقق من البيانات الواردة في الاستبيانات بالتواصل الذي يتم بصورة دورية بين فريق العمل الخاص بكل مؤشر وممثلي القطاع الخاص والحكومة، أو من خلال بعثة جمع البيانات Data Collection Mission والتي تتضمن قيام ممثل عن فريق العمل الخاص بالمؤشر بزيارة ميدانية للدولة لمعاينة وتقييم ما يحدث من إصلاحات على أرض الواقع؛ ومن ثم يرصد إجمالي الدرجات Score التي تحصل عليها الدولة في المؤشرات الفرعية؛ لتُعطى الدول بعدها مراكز تراتبية Rank في المؤشرات الفرعية ثم المؤشر العام، وذلك بتقدير المسافة من الحد الأعلى للأداء لكل دولة Distance to Frontier (DTF)
وعلى الرغم من جودة منهجية تقرير ممارسة أنشطة الأعمال، فقد لحقها عدد من الانتقادات أبرزها ما يأتي:
- لا يقيس تقرير ممارسة أنشطة الأعمال كل جوانب بيئة الأعمال التي تهم المستثمرين؛ مثل الأمن والاستقرار السياسي، ومؤشرات الاقتصاد الكلي، وانتشار الرشوة والفساد، وجودة الطرق، والحصول على الأراضي، ومستوى التدريب ومهارات القوى العاملة، أو حالة النظام المالي.
- تتسم منهجية بعض مؤشراته بالتحيز؛ ومنها على سبيل المثال مؤشر سداد الضرائب فيما يتعلق بمعدل الضريبة الذي يعطى درجات أعلى للدول الأقل في معدل الضريبة أو التي لا تفرض ضرائب على الإطلاق، وكذلك مؤشر التجارة عبر الحدود فيما يتعلق بالتكتلات الاقتصادية كالسوق المشترك ومناطق التجارة الحرة.
- بعض المؤشرات الفرعية الواردة في التقرير لا تعبر عن مجال الرصد؛ ومنها مؤشر الحصول على الائتمان الذي لا يتطرق لسهولة حصول الشركات على التمويل على أرض الواقع.
ثانياً: مؤشر التنافسية العالمية: – Global Competitiveness Index (GCI)
هو مؤشر سنوي يصدر عن المنتدى الاقتصادي العالمي World Economic Forum (WEF) لقياس ومقارنة عوامل تنافسية الاقتصاد على المستوى الكلي والجزئي في 141 دولة حول العالم ويرصد قدرة الدولة على الاستفادة من مصادرها المتاحة لتحقيق الازدهار لمواطنيها.
وتجنباً للجدل الدائر في الأوساط العلمية حول مفهوم التنافسية فقد عمد المنتدى الاقتصادي العالمي عند إعداد التقرير إلى تعريف التنافسية باعتبارها مجموعة المؤسسات والسياسات والعوامل التي تحدد مستوى الإنتاجية في الدولة من منطلق أن هناك علاقة ارتباط إيجابية بين تنافسية للدولة ومستوى رفاهية المواطنين[11]. ويتكون مؤشر التنافسية العالمية من 114 مؤشراً فرعياً تتوزع بين 12 ركيزة أساسية؛ هي: المؤسسات، واستقرار الاقتصاد الكلي، والصحة، والتعليم الأساسي، والتعليم العالي والتدريب، وكفاءة أسواق السلع، وكفاءة سوق العمل، ودرجة تطور سوق المال، والاستعداد التكنولوجي، وحجم السوق، ودرجة تطور الأعمال، والابتكار. وتصنف هذه الركائز ضمن ثلاث مجموعات تعبر عن المرحلة التنموية للاقتصاد؛ وهي: مجموعة المتطلبات الأساسية، ومجموعة معززات الكفاءة، ومجموعة عوامل الابتكار والتطوير[12].
نطاق الرصد:
يرصد التقرير تنافسية الاقتصاد والسياسات ذات الصلة في ثلاث مجموعات أساسية تمثل مراحل التنمية التي تمر بها الدول وفقاً لمنهجية التقرير وهي:
1) اقتصادات تعتمد على عناصر الإنتاج: Factor- Driven Economy
في المرحلة الأولى من مراحل التنمية وهي المرحلة التي تحركها عوامل الإنتاج، تتنافس البلدان على أساس مواردها من العمالة غير الماهرة والموارد الطبيعية في المقام الأول، وتتنافس الشركات فيما بينها على أساس الأسعار، ومن ثم تتوقف القدرة التنافسية للدولة في هذا المرحلة بشكل أساسي على كفاءة المتطلبات الأساسية من المؤسسات والبنية التحتية والتعليم والصحة. وبناءً عليه، يركز التقرير في هذه المرحلة على رصد السياسات والإجراءات الإصلاحية الخاصة بتطوير أداء القطاعين العام والخاص وحوكمة الشركات، فضلاً عن مستوى البنية التحتية للنقل والمرافق، علاوة على السياسات المتبعة لتحقيق استقرار أداء الاقتصاد الكلي وتلك المطبقة لتحسين جودة الصحة والتعليم الأساسي.
2) اقتصادات تعتمد على الكفاءة: Efficiency- Driven Economy
وهي الاقتصادات التي استطاعت تحقيق قدر من التنمية تسبب في الارتفاع النسبي للأجور، وتتوقف القدرة التنافسية للدولة في هذا الخصوص على تطور عمليات الإنتاج وكفاءتها، وزيادة جودة المنتج، وهو ما لا يتم إلا من خلال الاهتمام بالتعليم العالي والتدريب وتطوير الأسواق المالية المتقدمة؛ لهذا يركز التقرير في هذه المرحلة على رصد الإجراءات الإصلاحية والسياسات المعنية بتطوير التعليم العالي والتدريب المهني، والسياسات المتعلقة بتحقيق استقرار النظام المالي وتطويره، فضلاً عن سياسات المنافسة وحرية التجارة والسياسات المحفزة على استخدام التكنولوجيا الحديثة.
3) اقتصادات تعتمد على الابتكار: Innovation- Driven Economy
وفي هذه المرحلة لا تكون الدولة قادرة على الحفاظ على أجور أعلى ومستوى معيشي أفضل إلا من خلال إنتاج سلع جديدة ومختلفة باستخدام عمليات إنتاج أكثر تطوراً تعتمد على الابتكار والتكنولوجيا الحديثة؛ ومن ثم يركز التقرير في هذه المرحلة على رصد الإجراءات الإصلاحية والسياسات المعنية بتحسين مناخ الأعمال ودعم الابتكار في المؤسسات الوطنية العامة والخاصة، فضلاً عن سياسات حماية الملكية الفكرية والتشريعات ذات الصلة. وبشكل عام يتم رصد كافة السياسات المشار إليها أعلاه في 141 دولة على اختلاف مستوى التنمية الاقتصادية، إلا أن أوزانًا مختلفة تُعطى للمجموعات المذكورة، وذلك وفقاً لمرحلة الاقتصاد التنموية، حيث يختلف تأثير هذه العوامل باختلاف مرحلة التنمية.
هذا وتنبع أهمية مؤشر التنافسية العالمية من قدرته على تقديم صورة شاملة لمستوى التنافسية للدول، تجمع بين مؤشرات الاقتصاد الكلي والجزئي، وعلاوة على ذلك يساعد التقرير متخذي القرار بالدول على تحديد فجواتها التنافسية وتحديد أولويات الإصلاح وآلياته في ضوء ما يتضمنه من أفضل الممارسات الدولية. كما تعتمد عليه كثير من التقارير والمؤشرات الدولية الأخرى؛ ومنها تقرير الحوكمة الصادر عن البنك الدولي، وتقرير الحرية الاقتصادية الصادر عن هيرتيج.
منهجية التقرير وتطورها:
وبعكس تقرير ممارسة أنشطة الأعمال لم تشهد منهجية تقرير التنافسية تغييرات محورية، إلا فيما يتعلق بتغيير بعض المؤشرات الفرعية أو بزيادة العينة المبحوثة من الدول من 117 دولة في تقرير عام 2005-2006 إلى 141 دولة في تقرير عام 2019-2020 وهي التغييرات التي لم تؤثر في منهجية التقرير بشكل عام. وتعتمد عملية جمع البيانات على استطلاع رأى المديرين التنفيذين للشركات بإجمالي أكثر من 4000 مستجيب أغلبهم من القطاع الخاص، وتمثل نتائج الاستطلاع نحو 70% من قيمة المؤشر، بالإضافة إلى البيانات الرسمية الصادرة عن المنظمات الدولية المختلفة والتي تمثل نحو 30% من قيمة المؤشر[13]. وقد تعرضت منهجية التقرير إلى انتقادات عديدة أبرزها ما يأتي:
- استطلاع الرأي، وهو وسيلة جمع البيانات الأساسية للتقرير، لا يُعتَمد عليه؛ فالأسئلة الواردة فيه أسئلة تخضع لتفضيلات ووجهات نظر المستجيبين، دون وجود آلية لتدقيق هذه البيانات على نحو ما هو معمول به في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال؛ الأمر الذي ينعكس على مصداقية نتائج التقرير وتأثيره بشكل عام.
- لا تتضمن المنهجية أسساً اقتصادية رياضية محكمة يُعتَمد عليها في تحديد الوزن النسبي للمتغيرات، وإنما تُحدَّد الأوزان النسبية للمؤشرات والركائز بشكل تحكُّمي من جانب فريق عمل التقرير.
- في بعض الأحيان تعتمد بعض المؤشرات على استطلاع الرأي في جمع بيانات، برغم توافر الإحصائيات والبيانات المنشورة والموثقة ذات الصلة، ومن أمثلة ذلك على سبيل المثال المؤشرات الخاصة بجودة التعليم والطرق.
ثالثاً: مؤشر الحرية الاقتصادية: Heritage Index of Economic Freedom
هو تقرير نصف سنوي يصدر عن مؤسسة Heritage لمقارنة وقياس مدى الحرية الاقتصادية في 178 دولة حول العالم، وذلك من خلال أربعة أبعاد اقتصادية مختلفة هي: إنفاذ العقود، وحجم الجهاز الحكومي، وكفاءة التنظيمات والضوابط، ودرجة انفتاح الأسواق[14].
نطاق الرصد:
يرصد التقرير السياسات والإجراءات الإصلاحية الخاصة بمجال التجارة؛ كتحرير التجارة، وحماية حقوق الملكية الفكرية، وسياسات الاستثمار فيما يخص حماية المستثمرين، فضلاً عن القيود الواردة على الاستثمار، والسياسات المعنية بتأسيس الشركات، وتراخيص مزاولة النشاط، وإدخال المرافق، والخروج من السوق. كما يرصد التقرير السياسات المالية المرتبطة بضبط إيقاع الجهاز المصرفي، وتلك الخاصة بمعدل الضريبة، والإنفاق الحكومي، فضلاً عن حركة رؤوس الأموال، والدَّين ونسب العجز في الموازنة. وفيما يتعلق بمنظومة العدالة يرصد التقرير التشريعات المنظمة لآليات التقاضي وفض النزاعات، وتلك الخاصة بالشفافية ومكافحة الفساد والرشوة[15].
منهجية التقرير:
تتضمن الأبعاد الاقتصادية المذكورة 12 مؤشراً فرعياً لقياس الحرية الاقتصادية تتمتع بوزن نسبي متساوٍ، كل منها يقيَّم بدرجات تتراوح (0-100)، وتتكون المؤشرات الفرعية المشار إليها بدورها من مؤشرات فرعية أخرى لها الوزن النسبي نفسه. وبشكل عام يعبر المتوسط العام للدرجات لكل دولة عن درجة الحرية الاقتصادية التي يتمتع بها اقتصادها[16]. ويعتمد هذا المؤشر في مصادر بياناته على التقارير الدولية الأخرى، وعلى رأسها تقرير ممارسة أنشطة الأعمال ومؤشر التنافسية العالمية، فضلاً عن بعض البيانات الإحصائيات الرسمية المنشورة عن الجهات الرسمية والمنظمات الدولية ذات الصلة[17].
ولم تلحق منهجية التقرير أية تغيرات محورية ترقى للـتأثير في منهجية التقرير بشكل عام، إلا بزيادة عدد المؤشرات الفرعية المذكورة إلى 12 مؤشراً بعد أن كانت 10 مؤشرات فرعية في تقرير عام 2005. وعلى الرغم من أن هذا التقرير يقوم بترتيب الدول في مراكز محددة، من حيث الحرية الاقتصادية، فإن المراكز التي تحصل عليها الدول لا يعوّل عليها في التمييز بينها، مادامت هذه الدول قد وقعت في نفس الفئة التي يحددها التقرير؛ وعليه فإنه يمكن تصنيف هذا التقرير ضمن تقارير التصنيفات الفئوية.
وصفوة القول إن هناك العديد من المحددات التي تحدد جودة المؤشرات والتقارير الدولية وجدوى الاعتماد عليها في تقييم تنافسية اقتصادات الدول المختلفة، وتتضمن هذه المحددات وجود منهجية محكمة، وأن تتسم آلية جمع البيانات بالموضوعية والانضباط مع وجود آليات لتدقيق تلك البيانات، وأن يعتمد التقرير التصنيف التراتبي للدول، وأن يعبر هذا التصنيف عن صورة شاملة لتنافسية الاقتصاد على المستويين الكلي والجزئي، وأنه بقدر ما يتوافر في التقرير من المحددات المذكورة كان ذلك مظنة قيامه بتأثير أكبر على أرض الواقع.
واستقراءً لما سبق يعتبر تقرير ممارسة أنشطة الأعمال نموذجاً جيداً للتقارير الدولية في هذا الشأن، حيث تتوافر فيه كافة المحددات المذكورة أعلاه، خلا التعبير عن صورة شاملة لاقتصاد الدولة على المستويين الكلي والجزئي، وهو ما يثير الفضول لاستخدامه كدراسة حالة يمكن من خلالها التعرف على مدى تأثير التقارير الدولية في تحقيق تغييرات في السياسات الاقتصادية على أرض الواقع، وهو ما ينقلنا إلى القسم الثالث من الدراسة.
القسم الثالث
أثر المؤشرات والتقارير الدولية على بيئة الأعمال وجذب الاستثمار: دراسة حالة لتأثير تقرير ممارسة أنشطة الأعمال على دول أفريقيا جنوب الصحراء
بادئ ذي بدء تجدر الإشارة هنا إلى ما قام به كل من Divanbeigi وRamalho بدراسة الارتباط وتحليل نموذج الانحدار بين تحسين بيئة الأعمال (استناداً إلى مؤشر المسافة من الحد الأعلى للأداء في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال) من ناحية، والتوسع في تأسيس الشركات ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من ناحية أخرى، وقد خلصت الدارسة إلى الآتي:
- أن العلاقة بين تحسين مناخ الأعمال والتوسع في تأسيس الشركات علاقة طردية قوية؛ بمعنى أنه كلما قلت المسافة من الحد الأعلى للأداء (وهو ما يرتبط بتطبيق سياسات إصلاحية لتحسين مناخ الاستثمار) كلما زاد معدل تأسيس الشركات، وقد أكدت الدراسة أن التحسن في المسافة من الحد الأعلى للأداء بمقدار 10 نقاط يؤدي بشكل أو بآخر إلى زيادة عدد الشركات التي يتم تأسيسها بواقع 0.6 شركة لكل 1000 نسمة في سن العمل[18].
- أن العلاقة بين تحسن مناخ الأعمال ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي علاقة طردية ضعيفة، بمعنى أن تحسن بيئة الأعمال (التحسن في ترتيب الدولة في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال) لا يرقى أن يكون سبباً في زيادة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي[19]. وربما يرجع ذلك إلى أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي يحدده كثير من العوامل، لا يكون أهمها وأكثرها تأثيراً مناخ الأعمال.
وقد تأكدت هذه النتائج في الدراسة التي قدمها Haidar لبحث الارتباط وتحليل نموذج الانحدار للعلاقة بين تحسين مناخ الاستثمار ونمو الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة 2006-2010 اعتماداً على بيانات تقرير ممارسة أنشطة الأعمال، حيث انتهت الدراسة أيضاً إلى وجود علاقة طردية ضعيفة بين المتغيرين[20].
ويهدف هذا القسم إلى التعرّف إلى أثر المؤشرات والتقارير الدولية في مناخ الأعمال وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر على المستويين الدولي والإقليمي، عبر دراسة التغيرات التي طرأت على بيئة الأعمال في دول أفريقيا جنوب الصحراء.
أولاً: على المستوى الدولي:
في معرض الحديث عن تأثير تقرير ممارسة أنشطة الأعمال على مناخ الأعمال، يمكن القول إن كثيراً من متخذي القرار في دول العالم يستهدفون تحسين مراكز بلادهم في التقرير، ومن ثم تطوير مناخ الأعمال سعياً لتحقيق التنمية، والأمثلة على ذلك كثيرة؛ فقد أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قراراً في عام 2012 يقضى باتخاذ اللازم نحو تحسين ترتيب روسيا في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال من المركز 120 في تقرير عام 2011 إلى المركز 50 في تقرير عام 2015 ثم إلى المركز 35 في تقرير عام 2018[21]. وكان من نتيجة ذلك أن احتلت روسيا المركز 51 في تقرير عام 2016 الذي يتم رصده في 2015، ثم وصلت إلى المركز 21 في تقرير عام 2020.
وعلى صعيد آخر في عام 2011 أعلنت جورجيا عن سعيها لتحسين ترتيبها في التقرير من المركز 100 لتكون ضمن أفضل 20 دولة على مستوى العالم فيما يتعلق بمناخ الأعمال خلال سنتين، هو ما تحقق بالفعل، حيث احتلت جورجيا المركز 8 في تقرير عام 2014[22]. وفي عام 2014 أعلن رئيس وزراء الهند Narendra Modi عن استهدافه تحسين صورة بلاده كقبلة للاستثمار من خلال تحسين ترتيب الهند في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال من المركز 130 في ذلك الوقت إلى المركز 50 ثم إلى المركز 30 فيما بعد؛ وسعياً لتحقيق ذلك فقد قام بالدعوة إلى عقد اجتماع حكومي رفيع المستوى لمناقشة سبل تحسين ترتيب الهند في التقرير، وتم الاتفاق على استراتيجية تضم 46 سياسة إصلاحية، لتحسين ترتيب الهند، متسقة بشكل شبه كامل مع منهجية التقرير؛ وقد كان من نتيجة ذلك أن تحسن ترتيب الهند إلى المركز 100 في تقرير عام 2018، ثم إلى المركز 63 في تقرير عام 2020[23].
وليس أدل على مدى تأثير تقرير ممارسة أنشطة الأعمال (على متخذي القرار في تطبيق سياسات إصلاحية لتحسين ترتيب بلادهم في التقرير وتحسين مناخ الأعمال) من أنه حتى عام 2015 قامت ما يزيد عن 50 دولة بتشكيل هياكل مؤسسية رسمية أخذت شكل وحدات أو لجان تستهدف تحسين ترتيب بلادها في التقرير، وذلك على التفصيل الآتي:
لجان ووحدات شكّلتها الدول لتحسين ترتيبها في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال
الجدول رقم (2) [24]
وقد نجح التقرير في خلق الضغوط اللازمة لتحسين وتطوير مناخ الأعمال بشكل كبير، حيث قامت الدول منذ عام 2005 وحتى الآن بتنفيذ أكثر من 3800 إصلاحاً استرشاداً بتقرير ممارسة أنشطة الأعمال واتساقاً مع منهجيته، تتوزع على المؤشرات الآتية:
عدد الإصلاحات التي تم تنفيذ خلال الفترة 2005-2020 مقسمة وفقاً لمؤشرات التقرير
الشكل رقم (1) [25]
ويتضح من الشكل رقم (1) شمول الإصلاحات التي طبقتها الدول مؤشرات التقرير كافة، والتي تمثل بدورها جوانب اقتصادية حيوية عديدة؛ أبرزها: السياسات المالية المتعلقة بالضرائب، وآليات التقاضي وفض النزاعات التجارية والخروج من السوق، وسياسات تحرير التجارة، والسياسات المصرفية الموجبة لإتاحة التمويل، فضلاً عن السياسات الخاصة بتبسيط الإجراءات فيما يتعلق بتأسيس الشركات وإدخال المرافق وتسجيل الملكية واستخراج تراخيص البناء.
ثانياً: دراسة حالة دول أفريقيا جنوب الصحراء. Sub-Saharan Africa
يشار إلى إقليم أفريقيا جنوب الصحراء باعتباره المنطقة الجغرافية الواقعة في القارة الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى، وبينما يستبعد تعريف منظمة الأمم المتحدة السودان من هذه الدول، فإن تعريف الاتحاد الأفريقي يستبعد موريتانيا فقط دون السودان. وفي هذا السياق يضم إقليم أفريقيا جنوب الصحراء كلاً من: أنجولا، بورندي، جمهورية الكونغو الديمقراطية، الكاميرون، جمهورية أفريقيا الوسطى، تشاد، جمهورية الكونغو، غينيا الاستوائية، الجابون، كينيا، نيجيريا، رواندا، ساوتومي، تنزانيا، أوغندا، جيبوتي، إريتريا، إثيوبيا، الصومال، بوتسوانا، جزر القمر، ليسوتو، مدغشقر، مالاوي، موريشيوس، موزمبيق، ناميبيا، سيشل، جنوب أفريقيا، إسواتيني، زامبيا، زيمبابوي، بنين، مالي، بوركينافاسو، ساحل العاج، الرأس الأخضر، جامبيا، غانا، غينيا، غينيا بيساو، ليبريا، النيجر، السنغال، سيراليون، توجو.
وتصنف معظم الدول الواقعة في إقليم أفريقيا جنوب الصحراء ضمن المناطق ذات الدخل المنخفض، وكذلك ضمن أقل البلدان نمواً وفقاً لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)[26]، (أقل البلدان نمواً، 2020) كما جاءت كافة الدول الواقعة في هذا الإقليم ضمن أسوأ 75 دولة (من أصل 175) في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال 2007 باستثناء 5 دول، وهي: موريشيوس (المركز 32)، ناميبيا (المركز 42)، بتسوانا (المركز 48)، سيشل (المركز 84)، كينيا (المركز 88)[27].
وفيما يتعلق بتأثير التقرير على مناخ الأعمال وجذب الاستثمار الأجنبي في دول أفريقيا جنوب الصحراء فيمكن الإشارة إلى أنه ضمن الإصلاحات المشار إليها آنفاً فقد قامت دول أفريقيا جنوب الصحراء بتنفيذ أكثر من 944 إصلاحاً تمثل 24% من إجمالي الإصلاحات المنفذة شملت الآتي:
- سياسات وإصلاحات لتحرير التجارة وتسهيل التبادل التجاري.
- تقليل العبء الضريبي على الشركات فيما يتعلق بضريبة الدخل وضريبة القيمة المضافة.
- تطبيق نظم مميكنة وتقليل عدد الإجراءات والوقت والتكلفة في التعامل مع الجهات الحكومية فيما يتعلق بتأسيس الشركات وتسجيل الملكية والحصول على الكهرباء واستخراج تراخيص البناء.
- استخدام النظم التكنولوجية الحديثة في تقليل الوقت اللازم لفض النزاعات التجارية.
- زيادة معدل الاسترداد فيما يتعلق بالديون على الشركات المتعثرة.
- زيادة نطاق الإفصاح وحوكمة الشركات وحماية صغار حملة الأسهم.
- تطبيق منظومة إعادة هيكلة الشركات لتقليل إشهار إفلاس الشركات المتعثرة.
- زيادة موثوقية إمداد الكهرباء وتقليل معدل انقطاع التيار وفترته.
وفي سياق متصل فقد قامت 16 دولة من دول أفريقيا جنوب الصحراء، كما في الجدول رقم (2) السابق ذكره، بتأسيس هياكل مؤسسية في شكل لجان أو وحدات تستهدف تحسين ترتيب بلادها في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال وهو ما ساهم في تحسن ترتيبها في التقرير.
عدد الإصلاحات المنفذة خلال الفترة (2005-2020)
الشكل رقم (2) [28]
وسعياً لتحديد أكثر الدول إصلاحاً في المنطقة يعرض الشكل رقم (2) عدد الإصلاحات التي تم تنفيذها في إقليم أفريقيا جنوب الصحراء وفقاً للدولة، موضحاً أن أكثر الدول تنفيذاً للإصلاحات منذ صدور التقرير خلال الفترة (2005-2020) هي:
- رواندا بإجمالي 56 إصلاحاً شملت: تبسيط وميكنة الإجراءات الحكومية، زيادة موثوقية إمداد الكهرباء، إتاحة التمويل بضمان المنقولات، تطبيق نظم الفحص القائم على المخاطر، حماية صغار المستثمرين وزيادة نطاق المساءلة، تقليل الوقت والتكلفة للاستيراد والتصدير، إصدار قانون إعادة الهيكلة للشركات المتعثرة.
- موريشيوس بإجمالي 40 إصلاحاً شملت: تطبيق نظم الفحص القائم على المخاطر، زيادة موثوقية إمداد الكهرباء، تحرير التجارة، تطبيق قانون الوساطة لحل النزاعات خارج إطار التقاضي، تطبيق قانون لإعادة الهيكلة للشركات المتعثرة، تقليل معدل الضريبة على الشركات، ميكنة وتبسيط الإجراءات الحكومية.
- كينيا بإجمالي 38 إصلاحاً شملت: تبسيط وميكنة الإجراءات الإدارية – زيادة موثوقية التيار الكهربائي – تطبيق نظام لمراقبة واستعادة انقطاعات التيار الكهربائي – زيادة نطاق حماية المستثمرين – إصدار قانون الضمانات المنقولة للتوسع في تمويل المشروعات، تطوير منظومة الاستيراد والتصدير، تيسير إجراءات الخروج من السوق.
وقد أدى ذلك إلى تحسن الدول المذكورة في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال بشكل ملحوظ على نحو ما يظهر في الأشكال البيانية (3 و4 و5).
تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر على رواندا بالمليون دولار وترتيبها في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال (2010-2020)
الشكل رقم (3) [29]
وتظهر بيانات الشكل رقم (3) تحسن ترتيب رواندا في التقرير من المركز 70 في تقرير عام 2010 إلى المركز 38 في تقرير عام 2020، كما استطاعت موريشيوس الحفاظ على مركزها ضمن أعلى 20 دولة في الترتيب العالمي في ضوء ما قامت به من إصلاحات، كما في الشكل رقم (4)، أما كينيا فقد تحسن ترتيبها من المركز 94 في تقرير عام 2010 إلى المركز 56 في تقرير عام 2020، كما هو موضح في الشكل رقم (5).
تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر على موريشيوس بالمليون دولار وترتيبها في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال (2010-2020)
الشكل رقم (4) [30]
وفيما يتعلق بتطور تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر على هذه البلدان في ضوء تحسن ترتيبها في التقرير، فتوضح الأشكال (3) و(4) و(5) أن الاتجاه العام للبيانات Trendفيما يتعلق بتحسن ترتيب هذه الدول في التقرير يقابله بشكل أو آخر تحسن في الاتجاه العام لتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر.
تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر على كينيا بالمليون دولار وترتيبها في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال (2010-2020)
الشكل رقم (5) [31]
غير أنه بتدقيق البيانات في الأشكال المذكورة يتبين أنه في كثير من الأحيان يتراجع ترتيب الدولة في التقرير في الوقت الذي تزيد فيه تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر أو العكس، وهو ما يتجلى بمراجعة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر على كينيا وترتيبها في التقرير على النحو الوارد في الشكل رقم (5)، فقد اختلف الاتجاه العام لترتيب كينيا بالتقرير مع الاتجاه العام لتدفقات الاستثمار الأجنبي؛ بمعنى أن هناك اتجاهاً عاماً لتراجع ترتيب كينيا في التقرير في ظل اتجاه عام بتحسن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، وذلك حتى عام 2018، عندما انقلب الأمر رأساً على عقب، حيث صاحب تحسن الترتيب تراجع في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر.
وبناءً عليه يتأكد وجود علاقة ضعيفة بين تحسن مناخ الاستثمار (متمثلاً في تحسن ترتيب الدولة في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال كمتغير مستقل) وتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر كمتغير تابع؛ بمعنى أن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر تتأثر بمدى سهولة مناخ الأعمال، إلا أن الأخير لا يرقى أن يكون سبباً مباشر في ذلك. ويرجع ذلك إلى أن جذب الاستثمار الأجنبي المباشر لا يعتمد فقط على تحسين مناخ الاستثمار بقدر ما يعتمد على عوامل ومحددات أخرى أبرزها: الاستقرار السياسي، وحجم السوق، وتوافر المواد الأولية، وتكلفة العمالة، وجودة البنية التحتية، وحوافز الاستثمار.
وقد تأكد ذلك في الدراسة التي قام بها البنك الدولي للوقوف على طبيعة العلاقة بين ترتيب الدولة في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال (اعتماداً على مؤشر المسافة من الحد الأعلى للأداء) وبين تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، والتي خلصت إلى وجود علاقة طردية ضعيفة لا يترتب عليها أن يكون تحسن مناخ الاستثمار وترتيب الدولة في التقرير سبباً مباشراً في زيادة تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر[32].
النتائج والتوصيات:
باستعراض وتحليل تأثير المؤشرات والتقارير الدولية المعنية بتقييم الأداء الاقتصادي للدول، ودراسة آليات ذلك التأثير ومداه، تخلص الدراسة إلى النتائج والتوصيات الآتية:
- أن المؤشرات والتقارير الدولية المعنية بتقييم الأداء الاقتصادي للدول، ولاسيما التي تعتمد على التصنيف التراتبي للدول، تلعب دوراً مؤثراً في تطبيق سياسات إصلاحية لتحسين تنافسية الاقتصاد على مستويات عديدة. غير أن تأثير المؤشرات والتقارير يكون مرهوناً بما تتمتع به الجهة المصدرة من إمكانيات على نحو ما سبقت إليه الإشارة، فضلاً عن ضرورة وجود منهجية متماسكة ومحكمة يقوم على تطويرها فريق عمل متخصص يتولى ضبط عملية جمع البيانات وتدقيقها بشكل مستمر. ومن ثم فهناك حاجة ملحة إلى ضرورة استفادة المؤشرات والتقارير الدولية من آلية عمل ومنهجية تقرير ممارسة أنشطة الأعمال رغم توقف إصداره، وذلك لإثراء وتدعيم هذه المؤشرات والتقارير وزيادة تأثيرها.
- مع التسليم بقدرة هذه المؤشرات والتقارير على إحداث تغييرات تتضمن تطبيق سياسات إصلاحية تؤدي إلى تحسين مناخ الاستثمار وبيئة الأعمال، إلا أن تحقيق ذلك لا يؤدي بالضرورة إلى زيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، ومن ثم تحقيق التنمية الاقتصادية، وذلك في ضوء وجود محددات وعوامل أخرى أكثر تأثيراً. وبناءً عليه، ينبغي لمتخذي القرار والقائمين على الجهاز الإداري للدولة ألا ينظروا إلى هذه المؤشرات والتقارير الدولية باعتبارها مصدراً للإزعاج بما تتضمنه من نقد للسياسات الاقتصادية القائمة، بل يتعين النظر إلى هذه المؤشرات والتقارير باعتبارها محفزاً على الإصلاح ودليلاً يسترشد به لتحسين تنافسية الدولة.
- وينبغي عند صياغة استراتيجية جذب الاستثمار الأجنبي المباشر الإحاطة بكافة المحددات المرتبطة بجذب الاستثمار الأجنبي المباشر في كل قطاع من القطاعات المستهدفة، بالإضافة إلى تحسين مناخ الاستثمار وبيئة الأعمال بطبيعة الحال، وهي المحددات التي تختلف من قطاع إلى آخر وفقاً لطبيعة القطاع والفرص الاستثمارية المتاحة والمزايا التنافسية التي تتمتع بها الدولة، حيث إن الاحاطة بتلك المحددات وتطويرها يعد السبيل الأمثل لجذب الاستثمارات المستهدفة.
المراجع
[1] حسان خضر، الاستثمار الأجنبي المباشر، تعاريف وقضايا، سلسلة جسر التنمية، السنة الثالثة، ص 3، 2004.
[2] محمد سلامة، دور معايير التقارير المالية الدولية في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وأثرها على التنمية الاقتصادية في مصر، 2015. http://search.mandumah.com/Record/1025255
[3] قويدري، كريمة، الاستثمار الأجنبي المباشر والنمو الاقتصادي في الجزائر، مذكرة التخرج لنيل شهادة الماجستير في العلوم الاقتصادية، الجزائر: جامعة أبى بكر بلقايد، 2011.
[4] Kelley, G. Judith and Simmons, A. Beth. 2021, Introduction: The Power of Global Performance Indicators, www.Cambridge.com.
[5] Doshi, Rush et.al. 2019, The power of Ranking: The Ease of Doing Business Indicator and Global Regulatory Behavior, USA: Cambridge University Press.
[6] Kelley, G. Judith and Simmons, ibid.
[7] Ibid.
[8] Doshi et al., 2019, 13[9] Haidar, Ibrahim Haidar. 2012,” The Impact of Business Regulatory Reforms on Economic Growth, Journal of the Japanese and International Economics, Vol. 26(3), PP 285-307.
[10] Simeon djankov rafael la porta florencio lopez-de-silanes andrei shleifer, 2002. The regulation of entry, quarterly journal of economics. Vol. Cxvii february issue 1.
[11] Dadgar, Yadollah, et al., 2019, The Impact of Global Competitiveness Index (GCI) on Economic Growth in Iran and some Selected Countries, Canada: OIDA International Journal of Sustainable Development
[12] The Global Competitiveness Report, World Economic Forum, https://www.weforum.org/reports/the-global-competitiveness-report-2020
[13] The Global Competitiveness Report 2019, World Economic Forum, https://www.weforum.org/reports/the-global-competitiveness-report-2020
[14] Miller, Terry et, al., 2021, Highlights of the Index of Economic freedom, www.Heritage .org.
[15] حليمي، حكيمة وحليمي، ليلى، “دراسة تحليلية لمؤشر الحرية الاقتصادية ودوره في تقييم المناخ الاستثماري في الجزائر سنة 2018 باستخدام طريقة ACP”، مجلة الباحث الاقتصادي، المجلد 7، (12)، ص 244-263، 2019.
[16] Miller et.al.,2021, ibid
[17] ibid
[18] Divanbeigi, Raian and Ramalho, Rita, 2015, Business Regulations and Growth: Policy Research Working paper, World Bank Group: Development Economics Global Indicators Group, https://openknowledge.worldbank.org/handle/10986/22172
[19] ibid
[20] Haidar, Ibrahim Haidar. 2012, ibid.
[21] Doshi, Rush et.al. 2019, The power of Ranking: The Ease of Doing Business Indicator and Global Regulatory Behavior, USA: Cambridge University Press.
[22] ibid
[23] Doing Business Report 2018.
[24] Doshi, Rush et.al. 2019,18))[25] إعداد الباحث من البيانات المنشورة على https://www.doingbusiness.org/en/reforms
[26] مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، 2020، https://unctad.org/system/files/official-document/ldcr2020overview_ar.pdf
[27] Doing Business, 2007
[28] إعداد الباحث من البيانات المنشورة على https://www.doingbusiness.org/en/reforms [29] من إعداد الباحث اعتماداً على: https://www.doingbusiness.org/en/reforms، https://unctadstat.unctad.org [30] من إعداد الباحث اعتماداً على: https://www.doingbusiness.org/en/reforms، https://unctadstat.unctad.org [31] من إعداد الباحث استناداً إلى الرابط: https://www.doingbusiness.org/en/reforms، https://unctadstat.unctad.org[32] Anderson, John and Gonzalez, Adrain, 2012, Does Doing Business Matter for Foreign Direct Investment, https://www.doingbusiness.org/en/reports/thematic-reports/does-doing-business-matter-for-foreign-direct-investment