Insight Image

ما بين الاستمرارية والتغيير: هل تحمل الانتخابات البرلمانية العراقية فرصاً للتغيير؟

07 أكتوبر 2021

ما بين الاستمرارية والتغيير: هل تحمل الانتخابات البرلمانية العراقية فرصاً للتغيير؟

07 أكتوبر 2021

يتجه العراقيون إلى صناديق الاقتراع خلال العاشر من شهر أكتوبر الحالي، وهي الانتخابات البرلمانية الثانية منذ استعادة أجزاء كبيرة من البلاد من “تنظيم داعش”. ويكشف المشهد الانتخابي، عن تسجيل ما يقرب من 21 تحالف انتخابي يضم مجموعة من الأحزاب والكيانات السياسية يتراوح عددها ما بين 260 – 300 كياناً وحزباً؛ إلى جانب عدد من المرشحين الحزبيين والمستقلين، وذلك لانتخاب 329 نائباً عبر 83 دائرة انتخابية، وفقاً لقانون انتخابي جديد يقوم على الانتخاب طبقاً للنظام الفردي الذي يحسب الفوز لصالح الكتل أو الأحزاب أو المرشحين الحاصلين على أكبر عدد من الأصوات.

عوامل عدة سيكون لها تداعيات على العملية الانتخابية منها ما هو بنيوي مؤسساتي يرتبط بطبيعة النظام السياسي العراقي القائم على مبدأ المحاصصة بين المكونات الاثنية والمذهبية كأساس لتوزيع السلطة. ومنها ما هو سياسي عسكري متمثلا في عدم احتكار الدولة لوسائل القمع والردع إذ يشاركها في هذا الدور مجموعات مسلحة أخرى يتبع بعضها لقوى خارجية.

وستحاول هذه الورقة تتبع الواقع السياسي العراقي وتحديد أزماته، التي تشكل عوائق وتِبيان التحديات التي تواجه الانتخابات العراقية المقبلة، لتقديم قراءة حول مآلاتها.

  • التحالفات الانتخابية

يُمكن تقسيمها إلى ثلاثة مستويات: شيعية تضم خمس تحالفات سياسية، يمتلك أغلبها فصيل عسكري من فصائل “الحشد الشعبي”، وتتنافس فيما بينها على رئاسة الوزراء، وانتزاع النفوذ في المناطق الجنوبية العراقية، إلى جانب أربع تحالفات سُنّية، تمثل المناطق الجهوية والمحافظات ذات الأغلبية السُنية في البلاد، ثم التحالفان الكرديان الرئيسيان.

ويبدو المشهد الشيعي اليوم منقسماً على نفسه، بعد أن كان موحداً، ويحتل أكثر من نصف البرلمان ككتلة قوية، ولا سيّما عند تأسيسه باسم “البيت الشيعي” عام 2005. ويضم هذا التحالف عدداً من الكتل والتحالفات وهي كالآتي[1]:

  • كتلة الفتح بقيادة هادي العامري وقيس الخزعلي، أي حركتي بدر وصادقون، وهي من الكتل القويّة المقرّبة من طهران، وتمتلك إمكانات مالية واقتصادية وعسكرية، وتعلن رفضها المباشر لبقاء القوات الأجنبية في العراق، استناداً إلى قرار البرلمان الذي اتخذ مطلع العام 2020، وهي من القوى التي لها حضور كبير في “الحشد الشعبي”.
  • كتلة سائرون التي تمثل التيار الصدري دون أن تتحالف مع غيرها من القوى السياسية الأخرى، وقد أعلنت عن مقاطعتها للانتخابات في مرحلة سابقة، ليعلن بعد ذلك زعيمها مقتدى الصدر تراجعه عن قرار المقاطعة مفسراً موقفه هذا على اعتبار أنه جاء بعد تسلمه ورقة إصلاحية من القوى السياسية التي تتوافق مع تطلعات تياره وسياساتها[2]؛ مؤكداً أن تياره سيشارك في الاقتراع من أجل ”إنقاذ العراق من الفساد”[3].
  • كتلة دولة القانون بقيادة نوري المالكي، رئيس الوزراء لدورتين (2006 – 2014)، ومعه حزب الدعوة، إضافة إلى حزب الله العراقي، المقرّب من إيران أيضاً، والذي يعتبر قوة مسلحة ضاربة وجزء من “الحشد الشعبي و”حركة إرادة”.
  • تحالف قوى الدولة المدنية الذي يضم “تيار الحكمة”، برئاسة السيد عمّار الحكيم، المتحالف مع “كتلة النصر” بقيادة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي (أحد أجنحة حزب الدعوة الإسلامية)، وكتل صغيرة أخرى.
  • تحالف العقد الوطني الذي يتزعمه رئيس هيئة “الحشد الشعبي” فالح الفياض، منفصلاً بذلك عن كتلة “الفتح” التي تحالف معها في انتخابات عام 2018، ومتحالفاً مع “الحزب الإسلامي العراقي”.
  • تحالف نصحح الذي يتزعمه “المجلس الإسلامي الأعلى” إلى جانب منظمة “العمل الإسلامي”.

أما التحالفات السنّيّة فسوف تتوزّع على ثلاث تجمّعات أساسية:[4]

  • تحالف تقدم الوطني بزعامة رئيس البرلماني الحالي محمد الحلبوسي، ويسعى لتمثيل السنّيّة السياسية أو جناحها الأكبر، وذلك بدعم من الشيعية السياسية والإثنية الكردية السياسية.
  • تحالف عزم العراق بزعامة خميس الخنجر، ويضم كتلة “سنّة صلاح الدين”، وكتلة “سنة ديالى” التي تضم حزب سليم الجبوري الرئيس السابق للبرلمان؛ أما حزب الحل بزعامة جمال الكربولي، فقد أعلن في 23/8/2021 عن تجميد عضويته في التحالف، وعلل ذلك بسبب الضبابية والانتقائية بقراراته، وهيمنة المزاجية والتهميش لبعض أعضاء المكتب السياسي مما يؤثر على قرار رئاسة التحالف.
  • تحالف المشروع الوطني للإنقاذ ويضم الكتلة الموصلية، ويقودها نائب رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان الأسبق أسامه النجيفي، وجمال الضاري الأمين العام للمشروع الوطني العراقي.

ومن المتوقع أن تشتد المنافسة بين تحالف “عزم العراق” وتحالف “تقدم الوطني” خاصة وأنهما يتنافسان على أصوات المكون السنّي في محافظة مهمة هي الأنبار.

وبقيت التحالفات الكردية على حالها وتمثلت في الآتي:

  • كتلة تحالف كردستان التي تضم الاتحاد الوطني الكردستاني، وحركة التغيير “كوران” التي أسّسها القيادي الكردي نوشيروان مصطفى، والتي تعتبر قطباً جديداً سرعان ما حقق وجوداً ملحوظاً في إطار التيار الكردستاني.
  • كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني التي تضم مجموعة من الأحزاب الصغيرة التي تدور في فلكه، وله نفوذ واسع، حيث يمثّل نجيرفان البارزاني رئاسة الإقليم ومسرور البارزاني رئاسة وزراء الإقليم.
  • الحركة الإسلامية الكردستانية التي أعلنت مقاطعة الانتخابات لعدم وجود ضمانات كافية لانتخابات نزيهة.

ومن المؤكد أن تنبثق في مرحلة ما بعد الانتخابات تحالفات سياسية مختلفة عن تلك التي كانت قبلها، ولا سيما أن بعض القوى السياسية نشطت في الفترة الأخيرة لإيجاد تفاهمات مشتركة منها؛ زيارة زعيم تيار الحكمة السيد عمار الحكيم إلى إقليم كردستان[5]، كذلك التقارب بين التيار الصدري وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني وبعض القوى السنّية[6]؛ فضلاً عن تحركات سياسية بين “تحالف الفتح” الذي يتزعمه هادي العامري، وبين “حزب الاتحاد الوطني الكردستاني” وقوى سنّية[7].

  • المحددات السياسية والأمنية للانتخابات

إن النظام السياسي الذي تشكل بعد عام 2003 قائم على المحاصصة الاثنية والطائفية حيث جعل الوزراء يستبدلون الولاء للدولة، بالتبعية والانقياد لرؤساء الأحزاب الذين اختاروهم لإدارة هذه الوزارة أو تلك، وهو ما يجعل الوزير مديناً لرئيس الحزب على اختياره في هذا المنصب ومنفذاً لطلباته.

وفي الوقت نفسه، تدار الوزارات والمؤسسات الحكومية عبر سياسات المحاصصة التي جعلت منها إقطاعيات تتصرف فيها الأحزاب كما تشاء، وتدر عليها الأموال التي تمكنها من تحقيق النفوذ والإمساك بالسلطة من خلال كبار الموظفين المدنيين داخل البيروقراطية الرسمية.

الملاحظ هنا أن أغلب القوى السياسية بمختلف اتجاهاتها مدركة لتأثيرات الطرف الإيراني على العملية السياسية وعملية صنع القرار، الأمر الذي يتطلب عدم اتخاذ سياسات غير محسوبة العواقب لن ترضى عنها إيران ويكون لها تداعيات ويترتب عليها الكثير من التحديات.

واليوم يتحدث العراقيون عن دولتين متوازيتين – واحدة علنية بحكومة ضعيفة لن تقوى على تحقيق الوعود التي أطلقها رئيس الوزراء لجهة مكافحة الفساد، وحصر السلاح بيد الدولة؛ والأخرى مستترة بحكومة قوية وتدار من قبل رجال الميليشيات وتتحرك استجابة لمصالح الجانب الإيراني؛ وبحسب رمزي مارديني فإن الميليشيات المسلحة في العراق، متشابكة مع الدولة وتمارس نفوذاً سياسياً معها، الأمر الذي يلغي الحدود بينهما[8].

ورغم الجهود التي تقودها حكومة الكاظمي لإنهاء فوضى الميليشيات وتوطيد الأمن والاستقرار، فإن النتائج تبدو محدودة حتى الآن، في ضوء ما أظهرته هذه الميليشيات من استهانة بالحكومة، ومن ذلك: رفضها تسليم السلاح وحصره في أيدي القوات الحكومية؛ ففي أول بيان لـ “أبو حسين الحميداوي”، أمين عام ميليشيا “كتائب حزب الله في العراق”، الذي صدر بالتزامن مع مرور عام على مقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، وصف هذا السلاح بأنه: “أكثر شرعية وعقلانية من أرقى الجيوش والمؤسسات العسكرية”، مشيراً إلى أنه؛ “سيبقى بأيديهم إلى أن يشاء الله، ولن يسمح لأحد – كائناً من كان- أن يعبث به”، حسب تعبيره[9].

ويترك النمو الشديد في حجم الطبقة الفقيرة وما ينجم عنها من مظاهر اجتماعية وسياسية وثقافية آثاره على زيادة حدة الصراع المجتمعي والسياسي، لتتصاعد مواقف الرفض للعملية السياسية ومن يتصدى لها، بعد أن أضحى استغلال ثروات العراق الطبيعية، يعود بالفائدة على طبقة محدودة في المجتمع. لنشهد ارتباطاً إيجابياً بين مستوى الشعور بالحرمان النسبي ومستوى عدم الرضا، وما يترتب عليها من عنف محتمل.

وبحسب إحصائيات وزارة التخطيط فإن نسبة الفقر في العراق وصلت نحو 27% ونحو 31% بحسب تقرير لبرنامج الغذاء العالمي. وإن هناك أكثر من 1.4 مليون أسرة تتلقى مساعدات الضمان الاجتماعي، بالإضافة إلى أكثر من مليون آخرين تقدموا إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ليتم ضمهم في الضمان الاجتماعي، وهذا يعني أن نسبة كبيرة من المجتمع العراقي تعيش تحت مستوى الفقر، وهي نسب في تزايد مستمر[10].

فيما بقيت الديمقراطية تراوح بين التطبيق المحدود والترويج السياسي، ولم تنجح في إيجاد قواعد ثابتة تحكم اللعبة السياسية من أجل حمايتها كما يجري في معظم الدول ذات الأنظمة السياسية الديمقراطية. كما أن ارتباط عمليات الفساد في العراق بشبهات تنسيقٍ محكمٍ مع دول إقليمية، يجعل من أمر اجتثاثها أمراً ليس بالهين، إن لم يكن مستحيلاً في ظل طبيعة التركيبة القانونية والتنفيذية والتشريعية القائمة في العراق.

وفي غضون ذلك، تبدو السوق الانتخابية واحدة من السمات السائدة التي ترافق العملية الانتخابية، وما رسخته الطبقة السياسية لشراء أصوات الناخبين الفقراء، من خلال ما يطلق عليه بـ “البطاقات الانتخابية” والتي يتراوح سعرها اليوم ما بين 200 إلى 300 دولار أمريكي؛ وهي عبارة عن آلية يعتمدها سماسرة الأصوات، تقوم على أخذ ما يشبه التعهد من الناخب بالتصويت لقائمة ما ويستلم نصف المبلغ على أن يتم تسليمه بقية المبلغ بعد إجراء الانتخاب، بعد أن تتأكد الجهة من أن عملية التصويت تمت كما هو متفق عليه، إما عبر التصوير بهاتف نقال داخل كابينة التصويت، أو بعد فتح الصناديق وإعلان أصوات مركز الاقتراع[11]. وبحسب إحدى الناشطات المدنيات، فإن مخيمات النازحين والعشوائيات والقرى هي أكثر نقاط الجذب التي تجري فيها مثل تلك العمليات، لارتفاع معدلات الفقر فيها، فضلاً عن غياب الوعي بأهمية الصوت الانتخابي، في رسم مستقبل الحكومة واتجاهاتها[12].

  • صراعات الطبقة السياسية

ومن المرجح أن تشهد الأوساط الشيعية حصول شد وجذب ما بين أحزابها وقواها الرئيسية، خصوصاً بعد إعلان “مقتدى الصدر” تراجعه عن قرار عدم المشاركة في الانتخابات، ليكون تياره أحد أبرز المرشحين لنيل الكتلة الأكثر عدداً في الانتخابات، لقدرته الكبيرة على تنظيم صفوفه وتحشيد جماهيره المطيعة، بالإضافة لما سيكون له من دور مؤثر في تنصيب رئيس الوزراء المقبل، لتزيد بذلك حظوظ “مصطفى الكاظمي” في طرح اسمه لولاية ثانية.

وما تقدم، سيدفع “تحالف الفتح” إلى الدخول في خط التنافس الشيعي وهو خصم كبير للصدر، وأذرعه العسكرية تعلن ولاءها لولاية الفقيه دون مواربة، ساعياً ليكون ترشيح رئيس الوزراء من خلاله. وفي الاتجاه نفسه، يتطلع “نوري المالكي” الذي يرأس “كتلة دولة القانون” إلى منصب رئيس الوزراء وإن كان قد أعلن عدم رغبته في المنصب.

ويبدو الصراع السنّي – السنّي حاضر أيضاً في مشهد الانتخابات ما بين “تحالف تقدم” و”تحالف عزم” وكلاهما طامع بزعامة السنّة، وينظر له بمنزلة صراع صفري لما يتوافر عليه الطرفان من قدرات مادية ولوجستية وارتباطات عشائرية. رغم أن هذين التحالفين يشهدان منافسة شرسة فإن المعطيات تشير إلى احتمالية كبيرة في تحالفهما مستقبلاً.

وعلاوة على ذلك، وكجزء من الصراعات الداخلية فإن الخلافات العائلية داخل “حزب الاتحاد الكردستاني”، ستؤثر على نتائجه في الانتخابات المقبلة، بالنظر لما يشهده الحزب من انقسام ما بين لاهور وبافل.

وتتوزع المناصب الرئاسية في حكومة بين المكونات والأطياف على أسس طائفية، بحسب نظام المحاصصة الاثنية والطائفية الذي أقرته سلطات الاحتلال الأمريكي عام 2003، الأمر الذي ترتب عليه نتائج بالغة الخطورة أثرت في كفاءة العمل الحكومي معرقلة بذلك عملية صناعة القرار، ونتيجة لذلك اتسمت الحكومة المتتابعة بالهشاشة، وقلة التجربة والفشل في أداء المهام، وذلك بسبب التقاسم المذهبي والاثني والولاء والمغانم السياسية.

ويتطلب تشكيل الحكومة العراقية، الحصول على 165 مقعداً، وهو ما لم تفلح في تحقيقه أي كتلة أو حزب سياسي منذ عام 2005، الأمر الذي دعا إلى عقد تحالفات لتشكيل الحكومة، وبحسب العديد من الباحثين، فإن لكل كتلة سياسية دوائر محسومة النتائج وفق التأييد والولاء، وأن ثمة توجه لدى الكثير من الكتل لمعادلة مبادلة الأصوات بين الدوائر وفق التأييد الشعبي، بمعنى انتخاب مرشح لحزب في دائرة معينة مقابل انتخاب مرشح الطرف الآخر في دائرة أخرى[13].

  • “حركة تشرين” والانتخابات

ولو تم ضمان نزاهة الانتخابات فسوف يحصل مرشحي “حركة تشرين” على أكثر من 38% من الأصوات الفعلية المدلى بها[14]، لكنهم دخلوا في تنافس مع بعضهم، داخل الدائرة الانتخابية الواحدة، ما يؤدي إلى تشتت الأصوات التي سيحصلون عليها. إلا أن آخرين من الحركة الاحتجاجية، أعلنوا مقاطعتهم ومعارضتهم للنظام السياسي، الأمر الذي خلق حالة من المعارضة داخل البلاد.

هذا، وانقسمت الأحزاب الجديدة، التي يقودها ناشطون شاركوا في التظاهر بشأن المشاركة في الانتخابات، بين من قرر المشاركة، مثل تحالف “نازل آخذ حقي”، و”تيار وعي”، و”حركة امتداد”، وبين مقاطعين للانتخابات، مثل “حزب البيت الوطني”، الذي يعد أكثر الأحزاب قبولاً بين المتظاهرين العراقيين[15].

وبالمعنى نفسه، فإن نتائج قوى “حركة تشرين” في الانتخابات المقبلة ستكون محدودة لسببين:

  • أولاً: أحزابها الناشئة لن تجاري القوى والأحزاب الحاكمة، فالأخيرة خبرت الانتخابات وتتمتع بإمكانية الوصول إلى موارد سياسية ومالية وانتخابية كبيرة.
  • وثانياً: من المتوقع عدم مشاركةالناخبين الداعمين لحركة الاحتجاج في الانتخابات، وإن حملة مقاطعة الانتخابات، التي تدعمها أحزاب ذات توجه إصلاحية لن تؤدي إلا إلى تعزيز قوة الأحزاب الحاكمة التي التزم جمهورها الانتخابي بالاقتراع لها في كل انتخابات.

وفي السياق نفسه، أبدت الطبقة السياسية سلوكاً غير مبالٍ حيال ما يحدث من خروقات قانونية وأخرى ذات صلة بقضايا الفساد[16]، فضلاً عن عدم امتلاكها ثقافة الاستقالة في حال تقصيرها في أداء المهام الوظيفية أو ارتكاب أخطاء جسيمة، تحركها نوازع البقاء في السلطة دون رقيب أو حسيب. وبالتالي فإن أحزاب الحركة الاحتجاجية، بقدراتها المحدودة وافتقارها للتنظيم والدعم السياسي والمالي والإعلامي، لن يكون بمقدورها منافسة الأحزاب المتنفذة.

ورغم ما تقدم، فإن انخراط بعض القوى المنتمية إلى “حركة تشرين” في الانتخابات المقبلة، من شأنه أن يكون الخطوة الأولى لمشاركة قوى المعارضة في العملية السياسية مستقبلاً، وأن يحد من استحواذ الحرس القديم على العملية السياسية.

ومن وجهة نظر أخرى فإن المقاطعة الواسعة للانتخابات، ستكون سبباً في بقاء الطبقة الحاكمة في المشهد السياسي، ولن تفضِ إلى تحقيق مطالب الحركة الاحتجاجية الداعية إلى التغيير، ومكافحة الفساد، والحد من البطالة والفقر، وتحسين الخدمات العامة، وتحرير الشأن السياسي العراقي من تدخلات دول الجوار، دون أن نغفل مطالبها في إجراء انتخابات مبكرة لتنحية الحرس القديم والحد من هيمنته على المجال السياسي والاقتصادي.

وفي كل الأحوال، فإن الإحباط الذي يشهده الشارع العراقي وعدم الثقة في شرعية الانتخابات كوسيلة للتمثيل السياسي، من شأنه أن يجعل المشاركة في الاقتراع متدنية، في ظلّ استمرار الفساد المالي والإداري وانفلات السلاح واستشراء ظواهر العنف والإرهاب، وضعف الدولة وطغيان سلطة المرجعيات باسم الطائفة أو الدِّين أو العشيرة أو الحزب أو المنطقة أو الجهة، ناهيك عن تدهور الخدمات الصحية والتعليميّة والبلديّة وارتفاع معدلات البطالة وازدياد مستويات الفقر والجريمة.

وكل هذا يحدث في وقت تلوح فيه تهديدات “تنظيم داعش” في الأفق، وهو التنظيم الذي أخذ يستعيد نشاطه في الآونة الأخيرة في كل من العراق وسوريا، الأمر الذي يثير المخاوف من احتمال تزايد عملياته بشكل أكبر خلال الأشهر المقبلة، وسيتم استغلال نشاط هذا التنظيم ليصار إلى إعادة الشحن الطائفي ودعوة الناخب إلى الاقتراع بحسب انتمائه الاثني والطائفي مع تنامي سيطرة الميليشيات الشيعية الولائية.

  • الانتخابات المقبلة: توقعات وأرقام

حسب استطلاع للرأي أجرته المجموعة المستقلة للأبحاث، واعتماداً على تتبع السلسلة الزمنية للمشاركة في الانتخابات البرلمانية العراقية، يلاحظ انخفاضاً متزايد لنسب المشاركة، ففي انتخابات عام 2005، والتي أجريت فيها أول انتخابات برلمانية بعد عام 2003 سجلت نسبة المشاركة نحو 79% لتتراجع في الانتخابات المتعاقبة وتصل في عام 2018 إلى 45%؛ وعليه فمن المتوقع أن يستمر التوجه التنازلي، حيث يرى بعض الباحثين أن نسبة المشاركة هذه الانتخابات ستكون منخفضة للغاية ولا تتجاوز نسبة 30%[17].

شكل رقم (1) نسب المشاركة في الانتخابات البرلمانية

كما يطرح الاستطلاع سؤالاً حول العزوف الجماهيري المتوقع عن المشاركة في الاقتراع، جراء تدني ثقة الجمهور في أداء المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، لتؤشر الإجابات على تزايد عدم الثقة، والتي بلغت نسبة 75% بين ثقة منعدمة وثقة قليلة.

شكل رقم (2) نسبة الثقة في لجنة الانتخابات العراقية – استبيان 2021

– وتتوقع نسبة كبيرة تصل إلى 63.4% من المجيبين على الاستطلاع أن الانتخابات القادمة لن تساهم في تحسين الأوضاع في العراق، وترتفع هذه النسبة أكثر لدى المستطلعين من الشيعة لتبلغ 67.8%، و64.7% لدى الأكراد، بينما تنخفض نسبياً بين السُّنة لتصل إلى 52.2%[18].

شكل رقم (3) مساهمة الانتخابات في تحسين الأوضاع في العراق

– وحول السؤال عن نتائج الانتخابات المقبلة وهل ستؤدي إلى حدوث اضطرابات سياسية وأمنية؟؛ فإن 68.3% من المستطلَعين ذهبوا في اتجاه احتمال حدوث الاضطرابات وتصاعد الصراع، وكانت النسبة الأعلى لدى المستطلَعين الشيعة وقد بلغت 75.4% ويليهم السنّة بواقع 60.8% بينما انخفضت نسبياً لدى الكرد بواقع 52.5%[19].

شكل رقم (4) نتائج الانتخابات والاضطرابات السياسية والأمنية 

-وبخصوص النظرة السلبية حول هذه الانتخابات وما ستؤول إليه، فإن نسبة كبيرة من المستطلَعين تصل إلى 62.4% أكدت إجاباتهم على عودة الحراك الشعبي وهو ما يعبر عن عدم ثقة الجمهور بجدوى هذه الانتخابات في تغيير الأوضاع القائمة بينما ترتفع هذه النسبة بين المستطلَعين من الشيعة لتصل إلى ما نسبته 71.2%[20].

شكل رقم (5) نتائج الانتخابات وعودة الحراك الشعبي

 

خلاصة

يستعد العراق لخوض خامس تجربة انتخابية له منذ عام 2005، والتي تأتي بعد احتجاجات واسعة اندلعت في أكتوبر 2019 للمطالبة بإصلاح الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية. وليس من المتوقع أن تشهد هذه الانتخابات مشاركة جماهيرية واسعة، بسبب التجارب السابقة للاقتراع وما شهدته من أعمال غش وتزوير، وعدم ثقة المواطن في النظام السياسي القائم على اتفاق الكتل السياسية على اقتسام السلطة وتوزيع المناصب، بعيداً عن الحجم الانتخابي أو مخرجات العملية الانتخابية.

كما لا يعول الناخبون على التغيير مستقبلاً عبر صناديق الاقتراع في ظل واقع سيطرة الأحزاب والكتل السياسية المتنفذة على القرار السياسي، وانتشار السلاح خارج سلطة القانون، ووفرة المال السياسي الذي مكن الطبقة السياسية من التلاعب بنتائج الانتخابات وشراء الأصوات؛ بالإضافة إلى عقلية الاستحواذ والتمسك بالحكم هو أحد المشتركات التي تجمع بين القوى والأحزاب السياسية على اختلاف توجهاتها، جراء المزايا المالية والشخصية التي أمنتها لهم العملية السياسية.

ولهذا سيبقى الحرس القديم محافظاً على مكاسبه مع دخول عدد من الوجوه الجديدة المعترك السياسي، ومن المرجح أن تنغمس هي الأخرى في منظومة الفساد والاستجابة للضغوط الإقليمية بغية استمرار بقائها في لعبة المصالح والنفوذ.

وأخيراً، الناخب العراقي يواجه خيارين أحلاهما مر؛ إما العزوف عن المشاركة وبذلك سيفسح فرصاً أكبر لفوز أحزاب السلطة وميليشياتها، أو أن يشترك في العملية الانتخابية، التي ستكون من نتائجها بقاء الخريطة السياسية على حالها وإن أضيفت لها بعض الوجوه الجديدة، والتي سرعان ما ستدخل في مؤسسة الفساد العميقة، لتتماهى مع الحرس القديم في تقاسم السلطة والمنافع. فالسيناريو المحتمل في ظل مقاطعة قوى وأحزاب للعملية الانتخابية يؤشر على تعزيز قبضة النخب العميقة، والمتحالفة مع الميليشيات الموالية لإيران التي ستوظف السرديات الطائفية لحشد الدعم السياسي.

 المراجع

[1] .  “لا أحد قوي بما يكفي”.. خارطة تحالفات شيعية تسبق الانتخابات في العراق، الحرة، 08 مايو 2021، https://arbne.ws/3m4iUY

[2] . شذى العاملي، الصدر يتراجع عن قرار مقاطعة الانتخابات العراقية، اندبندنت عربية، 27 أغسطس 2021، https://bit.ly/3uBqATZ

[3]. ” العراق: مقتدى الصدر يتراجع عن قراره مقاطعة الانتخابات التشريعية”، فرانس 24، 27/8/2021، https://bit.ly/2XVarx2

[4] . “الخريطة السنّية في العراق تتأرجح بين مفاهيم الزعامة وحقوق المكوّن تشكيل تحالف جديد تمهيداً للانتخابات”، الشرق الأوسط، 13 أبريل 2021، على الرابط: https://bit.ly/37GTBmE

[5]” رئيس حكومة إقليم كوردستان يستقبل رئيس تيار الحكمة الوطني وتحالف عراقيون السيد عمار الحكيم، حكومة إقليم كوردستان”، 21 فبراير2021، على الرابط: https://bit.ly/3xvpfOj

[6]” السباق الانتخابي في العراق.. ماذا يعني تقارب الصدر وبارزاني؟”، سكاي نيوز عربية، 4 يونيو 2021، على الرابط: https://bit.ly/3iwQcNB

[7] “الانتخابات العراقية.. خارطة تحالفات مبكرة ومصدر يعلق على “حظوظ الكاظمي”، الحرة، 25 يونيو 2021، على الرابط: https://arbne.ws/3AqC0eY

[8] . تحدي السيطرة على الميليشيات.. الكاظمي “يبحث عن مواقع آمنة”، الحرة، 2 يوليو 2020، https://arbne.ws/3B5w4J3

[9] . نوزت شمدين، “ميليشيات ترث “داعش” وتستولي على عقارات في الموصل”، درج، 12 يونيو 2020، https://daraj.com/47946/

[10] . Farhad Alaaldin, A State in Collapse: Mapping Iraq’s Economic Woes, Washington institute, Jun 2, 2021, https://bit.ly/3a5qwSV

[11] . ” نائبة تتحدث عن ارتفاع سعر البطاقة الانتخابية إلى نحو 300 دولار”، المسلة، 14/9/2021، https://bit.ly/3uCMI09

[12] . انتخابات العراق.. شراء الأصوات يتفشى تحت ستار “البطاقات”، سكاي نيوز عربية، 6 يوليو 2021، https://bit.ly/3irmYiy

[13].  أحمد الدباغ، “مع قرب إجرائها.. تعرف على مناطق نفوذ الكتل الرئيسية بالانتخابات العراقية القادمة”، الجزيرة، 25/9/2021، https://bit.ly/2Yinl8c

[14] .  إريك غوستافسون، عمر النداوي، محمد خليل، استطلاعات الرأي تعطي الأفضلية للإصلاحيين في العراق، لكنهم قد يخسرون الأصوات المائلة لصالحهم، معهد واشنطن، 20 أغسطس 2021، https://bit.ly/3A8ejrn

[15].  خريطة انتخابات العراق.. تنافس محموم ومسار التحالفات معقد”، الحرة، 15 سبتمبر 2021، https://arbne.ws/3D6R6rl

[16] . The Political Economy of Institutional Decay and Official Corruption. – The Case of Iraq,
Iraqi Economists Network, May 19, 2020, https://bit.ly/3itPZub

[17] Iraq’s October Elections: A Game Changer or More of the Same? Webinar, https://iiacss.org/iraqs-october-elections-a-game-changer-or-more-of-the-same-webinar/, 7-9-2021.

[18] . Ibid.

[19] . Ibid.

[20] . Ibid.

المواضيع ذات الصلة