Insight Image

الانسحاب الأمريكي وتعقيدات الواقع العراقي

03 أغسطس 2021

الانسحاب الأمريكي وتعقيدات الواقع العراقي

03 أغسطس 2021

مقدمة:

ركزت وسائل الإعلام على زيارة رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، يوم 26 يوليو 2021 إلى واشنطن، ولقائه الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في البيت الأبيض، وتعد هذه الزيارة الثانية بعد زيارته الأولى في 20 أغسطس 2020، حيث التقى، حينذاك، الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، وقد لاقت زيارته حفاوة كبيرة من الجانب الأمريكي، ونوقشت خلالها ملفات مهمة ركزت على الدور المحوري، والأساسي للحكومة العراقية في إرساء منظومة الدولة، وسياق انسحاب القوات الأمريكية من العراق، وبالرغم من اختلاف نهج الرئيس بايدن عن سلفه ترامب، فإن الملفات الشائكة في العراق هي ذاتها، بل تعقدت أكثر، لاسيما في ظل انتشار الفصائل الموالية لإيران في غرب آسيا بشكل عام، وفي العراق بشكل خاص، الذي يعد بوابة الانطلاق لمشروع تصدير النموذج الإيراني للمنطقة، واستكمال تمددها صوب الغرب الآسيوي.

وقد أشارت وسائل الإعلام إلى مقتطفات محددة من خطاب الرئيس الأمريكي، جو بايدن، خلال لقائه رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، وكان الخطاب مكتوباً على ورقة يحملها الرئيس الأمريكي، وينظر إليها باستمرار، عند التحدث إلى رئيس الوزراء العراقي، وبالرغم من ضخامة الوفد العراقي المرافق للكاظمي، فإن مخرجات اللقاء محدودة.

 وقد أعلن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أن الولايات المتحدة ستنهي بحلول نهاية العام “مهمتها القتالية” في العراق لتباشر “مرحلة جديدة” من التعاون العسكري مع هذا البلد[1]، كما وأكد بيان أمريكي – عراقي مشترك، تحويل مهمة قوات التحالف في العراق إلى مهمة تدريبية واستشارية، وأنه لن تكون هناك قوات قتالية بعد نهاية العام الحالي، مشيراً إلى استمرار التعاون مع الدولتين في العديد من المجالات الأخرى، كجزء من اتفاقية الإطار الاستراتيجي لعام 2008 لعلاقة الصداقة والتعاون بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية العراق.

وجاء خطاب الرئيس الأمريكي، متماشياً مع التكهنات والتحليلات حول عدم مقدرة الطرفين، على حل الأزمات العالقة في العراق، وإيجاد مخارج لها، لاسيما المتعلقة بالجوانب الاقتصادية والصحية والسياسية، والنفوذ الخارجي، وتؤكد المؤشرات الحيوية للواقع العراقي، أن جذر المشكلات التي يمر بها العراق، هو فشل النظام السياسي في إدارة البلاد، وتحقيق الديمقراطية الموعودة، وإرساء مؤسسات الدولة، وضمان تحقيق الشفافية والحوكمة وحقوق الإنسان؛ ويعد العامل الأساسي وفقاً للمعطيات، هو أخطاء الاحتلال الأمريكي في العراق، وتفكيكه لأركان الدولة العراقية العريقة، وقواتها المسلحة، والاعتماد على القوالب السياسية الجاهزة، دون الأخذ في الاعتبار خطورة ذلك، وأهمية العراق الجيوستراتيجية، فضلاً عن عدم مواءمة تلك السياسات من حيث التنظيم، والتأهيل، والمرونة، لبلد يعاني ركام الاحتلال والحروب، وتغول العامل الإقليمي، المتمثل بالنفوذ الإيراني المتعاظم، إذ يجابه رفضاً عراقياً شعبياً واسعاً.

 وقد تمكّنت إيران من العمل مع الولايات المتحدة بعد عام 2003 في العراق، وتأسيسها لعدد من الميليشيات والأحزاب السياسية، بما يخالف القوانين والأعراف الدولية، حيث يشير قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 36/103، المؤرخ في 9 كانون الأول/ ديسمبر 1981، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، “أنه لا يحق لأي دولة أن تتدخل بشكل مباشر أو غير مباشر، ولأي سبب كان، في الشؤون الداخلية والخارجية لأي دولة أخرى”[2].

 

الكاظمي في واشنطن

رافق رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، إلى واشنطن في 26 يوليو، وفداً رفيع المستوى؛ وفقاً للأمر الديواني (45) في 15-7-2021، والمتداول نسخة منه في مواقع التواصل الاجتماعي، وتضمن الوفد 25 شخصية، بضمنها وزير الخارجية، فؤاد حسين، ومستشار الأمن القومي، قاسم الأعرجي، وستة من كبار الضباط برتبة فريق ولواء، من وزارة الدفاع، وقادة الأسلحة، والعمليات المشتركة، ومدير الاستخبارات العسكرية، إضافة إلى مديرين في الاستثمار، والنفط، والتخطيط، والصحة، والتجارة، والخارجية.

وقد التقى الكاظمي رئيس مجموعة “صندوق النقد الدولي”، وغرفة التجارة الأمريكية، وعدداً من رجال الأعمال، وكان وزير الخارجية قد وصل إلى العاصمة الأمريكية، للمشاركة في الجلسة الرابعة من الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن، التي سبقت زيارة رئيس الوزراء، وتوصل الطرفان إلى توافقات حول الموضوع الحيوي المتعلق بوجود القوات الأمريكية في العراق، إذ أبلغت الحكومة العراقية عن قناعتها إلى الطرف الأمريكي بأنه “ليست هناك حاجة إلى القوات القتالية العسكرية الأمريكية”، وبالوقت نفسه لم تتخلَ عن القوات الأمريكية بقولها هناك “حاجة للعراق إلى تطوير الوضع العسكري والتدريب، والحاجة الماسة إلى التعاون في مجال الاستخبارات العسكرية، والقوة الجوية”.

 وكان وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، قد أكد في مقابلة مع “الحرة” أن “بلاده لا تزال بحاجة لدعم القوات الأمريكية المنضوية في التحالف الدولي”، وفعلياً يبلغ عديد القوات الأمريكية في العراق 2500 جندي، ووفقاً للمعايير الحربية، لا يشكّل هذا العدد، مؤشراً عسكرياً للإقدام على أي عمل عسكري أمريكي محتمل، في مسرح معقّد كالعراق، ولم تشهد الساحة العراقية طوال هذه الأعوام عملاً عسكرياً أمريكياً في المدن العراقية، أو تدخلاً في الحياة السياسية العراقية، أو فرض أشخاص وسياسيين في الكابينة الوزارية العراقية.

وقد صدرت ردود أفعال متباينة من الفصائل الموالية لإيران، رافضة تصريح وزير الخارجية العراقي، حول الحاجة للقوات الأمريكية، قبيل زيارة رئيس الوزراء إلى واشنطن، بينما أثنت بعض القوى الشيعية على الاتفاق بعد الزيارة، وقد أعلن تحالف الفتح برئاسة هادي العامري ترحيبه بما حققه المفاوض العراقي، واعتبره إنجازاً وطنياً، وكذلك رحب رئيس التيار الصدري، مقتدى الصدر، بالاتفاق العراقي-الأمريكي لانسحاب القوات القتالية الأمريكية من البلاد بحلول 31 كانون أول/ديسمبر المقبل، وقال الصدر في تغريدة له على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي تويتر؛ “شكراً للجهود المبذولة لبلورة هذه الاتفاقية، ولاسيما الأخ مصطفى الكاظمي لانسحاب قوات الاحتلال القتالية من العراق”، وأضاف الصدر: “يجب وقف العمل العسكري للمقاومة مطلقاً، والسعي لدعم القوات الأمنية من الجيش والشرطة، لاستعادة الأمن وبسطه على الأراضي العراقية، وإبعاد شبح الإرهاب، والعنف، والمتطفلين، وأدعياء المقاومة”، بينما لوّح المتحدث العسكري باسم كتائب حزب الله في العراق، باستمرار استهداف الميليشيات للقوات الأمريكية في غرب آسيا أو أينما وجدت.

 

انسحاب أمريكي لدواعٍ استراتيجية

في الوقت الذي تعمل فيه الإدارة الأمريكية، على تقليص وجودها العسكري في الشرق الأوسط، تماشياً مع التحول الاستراتيجي في رؤية وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، حيث ترى أن الأولوية، تستوجب تركيز الوجود العسكري الأمريكي في المحيطين الهادي والهندي، وليس الشرق الأوسط، بحسب ما صرحت به المتحدثة باسم البنتاغون “جيسيكا ماكنولتي” لمواجهة تصاعد نفوذ الصين[3].

وكان قرار الانسحاب قد اتُخذ في عهد الرئيس السابق، دونالد ترامب، وفي ظل التطورات المراهنة من المحتمل أن يتغير الموقف، وعلى الرغم من القرار الأمريكي بالانسحاب، فإن ثمة انقساماً بين وزارة الخارجية والبيت الأبيض من جهة، اللذين يؤيدان سحب جميع القوات القتالية من العراق، ووزارة الدفاع، وكبار القادة العسكريين من جهة ثانية، الذين يرون ضرورة الإبقاء على ما يكفي من القوات الأمريكية في قاعدتي “عين الأسد” في الأنبار، و”مطار أربيل الدولي” في أربيل؛ لمواجهة المتغيرات، وتنامي نشاطات تنظيم “داعش”، لاسيما أن قاعدة “عين الأسد” تعد قاعدة استراتيجية للولايات المتحدة، لما فيها من تسهيلات عسكرية متقدمة، يمكن استخدامها كبديل استراتيجي للقواعد، التي انسحبت منها، مؤخراً، في قطر وأفغانستان، حيث انسحب الجيش الأمريكي من قاعدة “باغرام” الجوية في أفغانستان[4]، وأغلق كلاً من معسكر “السيلية” الرئيسي في قطر الشهر الماضي، ومعسكر السيلية الجنوبي، ونقطة إمداد بالذخيرة تسمى “فالكون”[5]، وقد قلصت الولايات المتحدة عديد جنودها عند تشكيل التحالف الدولي في عام 2014 من 5200 إلى نحو 2500 جندي، ومدرب، ومستشار، ولا يزالون في العراق، ضمن مهمة التحالف الدولي المكلفة بالحرب على تنظيم “داعش الإرهابي” وستنتهي هذه المهمة، بنهاية العام، وتتحول إلى مهام التدريب والاستشارة .

 

مشهد عراقي مضطرب

تعاني الحكومة العراقية المؤقتة التي تشكلت إثر الاحتجاجات العراقية 2019، أزمات متعددة في الجوانب السياسية والاقتصادية والصحية والمجتمعية، وكذلك أزمات المياه مع تركيا وإيران، والتدخلات الإقليمية الإيرانية – التركية، فضلاً عن الاضطراب السياسي في لوحة الانتخابات التشريعية المقررة في أكتوبر المقبل؛ حيث أعلن رئيس التيار الصدري، مقتدى الصدر، قبل زيارة الكاظمي إلى واشنطن، بأنه لن يشارك في العملية الانتخابية، وكذلك الحال بالنسبة إلى الحزب الشيوعي العراقي الذي أعلن مقاطعته للانتخابات[6]، كما أعلن “المنبر العراقي” بزعامة رئيس الوزراء الأسبق، إياد علاوي، مقاطعة الانتخابات البرلمانية، بالإضافة إلى جبهة الحوار الوطني برئاسة صالح المطلق.

وبرزت صراعات سياسية بين كتلتي “العزم” و”تقدم” حول ملف عودة نازحي جرف الصخر، وتطورت إلى تصعيد سياسي وإعلامي مع اقتراب موعد الانتخابات[7]، ويصفها بعضهم أنها معارك كسر عظم مرتقبة بين الطرفين، وصراع انتخابي مرير بين السياسيين السُّنة، بينما يصفها آخرون أنها سياسة “شد الأطراف” لدواعٍ انتخابية، بغية الحصول على مؤيدين لكلتا الكتلتين، وقد انقسم الساسة السُّنة بين جبهة يقودها الخنجر، وأخرى بزعامة رئيس البرلمان الحالي، محمد الحلبوسي. وكما يبدو فإن الأحزاب والتيارات السياسية المنسحبة، اتخذت قرار عدم المشاركة بالانتخابات، لاحتمالية عزوف الناخب العراقي عن المشاركة، ووجود بيئة انتخابية غير مؤاتية.

وبالتزامن مع ذلك، برز صراع كردي عائلي على زعامة الاتحاد الوطني الكردستاني، وذكرت تسريبات إعلامية في إقليم كردستان العراق، أن هناك صراعاً محتدماً داخل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الشريك في إدارة الإقليم، وقد بلغ حد التلويح بالمواجهة العسكرية[8]، وتتركز التسريبات على وجود خلافات حادة من الأمنين العامين المُشتركين للحزب، بافل طالباني، نجل مؤسس وزعيم الحزب الرئيس العراقي السابق جلال الطالباني، وشريكه في قيادة الحزب وابن عمه، لاهور شيخ جنكي.

وتعاني الحكومة العراقية تراكمات وأخطاء سابقة في سياق إدارة القوة، وتفويض العمليات، ووفقاً للسياق يفترض أن تكلف المؤسسة العسكرية الرسمية في المهام المتعلقة، بالأمن والدفاع حصراً، وكذلك تنفيذ العمليات السوقية (الاستراتيجية)، بما يوائم نظام المعركة، وتخصيص المهام، ولا يمكن الخلط بين مهام الجيش والشرطة والعمليات الخاصة، نظراً إلى التخصص وطبيعة التشكيل والمهام.

 وفي الواقعين العسكري والأمني العراقيين، نشهد إسناد المهام إلى فصائل مسلحة وجدت لدواعي الطوارئ، بالرغم من وجود قوات مسلحة نظامية كافية لتأدية تلك المهام، ويعد هذا النهج مجافياً للدستور العراقي، ومنظومة القيم العسكرية (وحدة القيادة)، وينطوي تراجع دور القوت المسلحة لصالح الحشد الشعبي (قوة مسلحة غير نظامية) على مخاطر استراتيجية، وتهديدات تمس مستقبل الدولة العراقية، وشكل نظامها.

كتاب حزب الله سنخرج كامل القوات الأمريكية من غرب آسيا

حرصت الولايات المتحدة الأمريكية على استخدام الصبر الاستراتيجي، أمام الهجمات التي تعرضت لها في العراق، من قِبل الميليشيات الولائية، ولم تنجر لتماس مباشر مع الأذرع الإيرانية، لخوض حرب بالوكالة، كما تسعى لها إيران منذ سنوات، وبعد إعلان الرئيس الأمريكي، جو بايدن، انتهاء المهمة القتالية بالعراق، بنهاية هذا العام، انبرت القوى الشيعية المشاركة في العملية السياسية، ومنها تحالف الفتح برئاسة، هادي العامري، بالترحيب بهذا الإعلان، إلا أن موقف الفصائل المسلحة الأخرى لم يكن واضحاً.

وعلى العكس من ذلك، برز تطور لافت للانتباه في موقف الفصائل الولائية، ويشير إلى مرحلة قد تكون أكثر اضطراباً في المنطقة بشكل عام، والعراق بشكل خاص، ففي لقاء على قناة “بي بي سي العربية “مع المتحدث العسكري باسم كتائب حزب الله في العراق”[9] أكد فيه أن جميع القواعد الأمريكية في العراق تعرضت للضربات من قِبل ما سماها (فصائل المقاومة)، وأشار إلى أن جهد وتركيز الفصائل الآن، لا ينصب على القوات الأمريكية الموجودة على الأراضي العراقية، بل “الهدف الأساسي هو إخراج كامل القوات الأمريكية من غرب آسيا”، وتم بالفعل استهداف القوات الأمريكية في قواعدها خارج العراق، وتلك القواعد جميعها تحت مرمى نيران الفصائل، الأمر الذي سيفتح أفقاً جديداً في بيئة الفوضى المسلحة في المنطقة، ويشير إلى تصاعد محتمل للعمليات، وسيكون هناك تداعيات قد يصعب معالجتها من خلال التوافقات، التي تنتهجها الحكومة العراقية بين إيران والولايات المتحدة.

وإثر هذه التصريحات، فإن العراق يمر فعلاً بحزمة تهديدات استراتيجية، ومخاطر متعددة، لعل أبرزها؛ الانفلات المسلح، المتمثل بتهديد الفصائل الولائية، وعدم التزامها بالقواعد الدولية، والضوابط الحكومية، وقد شهد العراق تصعيداً من قِبل تلك الفصائل، ضد أرتال قوات التحالف الدولي المنسحبة، واستهدفت أماكن وجودها والبعثات الأجنبية في الأنبار، وإربيل، وبغداد بالصواريخ، والطائرات المسيرة، وقد اشتدت تلك العلميات بشكل لافت للانتباه، مؤخراً، وأضحت ممارسات يومية، وأوقعت خسائر بشرية بالأرواح، والأصول المدنية العراقية، والأمريكية، في أربيل وبغداد، وتعد تلك العمليات تحدياً صارخاً للأعراف الدولية، والقرارات الحكومية الساعية للاندماج في المجتمع الدولي والمحيط الإقليمي.

 

 

احتواء غير ناجح

حاولت الحكومة العراقية من خلال السبل السياسية، والدبلوماسية، احتواء الفصائل المسلحة، من خلال التفاوض معها بشكل مباشر، أو اتخاذ وساطة من جهات عراقية سياسية للتأثير فيها، أو عبر الأساليب الدبلوماسية من خلال التواصل مع إيران، راعية هذه الفصائل، للضغط عليها بغية احتواء سلاحها، ومنع تحديها للدولة العراقية، والمفروض أن تكون هذه الفصائل جزءاً من القوات المسلحة العراقية، ولكن الواقع يشير إلى عكس ذلك، إذ تستخدم طهران هذه الفصائل في هجمات، كوسيلة ضغط في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة حول الملف النووي، وتعمل على تصعيد الموقف، كلما تعثرت المفاوضات في جنيف.

وحسب الإعلام الإيراني فإن المسؤولين الإيرانيين، بمن فيهم الرئيس المتشدد المُنتَخَب حديثًا، إبراهيم رئيسي، لا يرغبون أن تجرهم هذه الهجمات إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع الولايات المتحدة، وبالفعل فإن استراتيجية الاقتراب غير المباشر الإيرانية، تعمل على التماس بالوكالة عبر الأذرع العسكرية الموجودة في العراق تحديداً، ويبدو أن هذه التصريحات الإيرانية، تجافي الواقعية العملياتية على الأرض، ولو نقوم بمزامنة تصريح ممثل حزب الله، مع زيارة قائد فيلق القدس الإيراني إلى بغداد سراً، سنستنتج أن التصعيد أو التلويح به، هو التكتيك المستخدم الذي سيتعامل به النظام الإيراني، بعد استلام رئيسي منصبه، لتحقيق الأهداف “الثورية” والاحتفاظ بالمكاسب الاستراتيجية التي حصلت عليها جراء الاحتلال الأمريكي للعراق .

 وقد أكد معهد واشنطن استخدام إيران للعراق كمسرح للعمليات التي نفذتها فصائل مسلحة تدين بالولاء لها[10]، وقد نسبت لأسماء فصائل وهمية للتمويه عن الفاعل الحقيقي، ويقول موقع (Task & Purpose) لقد تعرضت القوات الأمريكية في العراق للهجوم كل يوم خلال الأسبوع الأول مطلع شهر يونيو 2021 [11]، حيث تشير تقديرات أمريكية إلى أن قوات التحالف الدولي، قد تعرضت لعشرات الهجمات باستخدام العبوات الناسفة، على قوافل الإمدادات، وهجمات صاروخية ضد منشآت دبلوماسية أمريكية، وطائرات مُسيَّرة على مواقع تابعة للتحالف الدولي في العراق، وفي الجدول أدناه يبين الهجمات وفقاً لموقع (Task & Purpose)

 

هجمات بطائرات مسيّرة وصواريخ على قواعد أمريكية في العراق وسوريا منذ يوليو ويونيو 2021

3 يونيو، سفارة الولايات المتحدة- بغداد

6 يونيو، عين الأسد – الأنبار

9 يونيو، مطار بغداد – بغداد

10 يونيو، قاعدة بلد الجوية – صلاح الدين

15 يونيو، مطار بغداد – بغداد

20 يونيو، عين الأسد – بغداد

27 يونيو، أربيل

28 يونيو، حقل عمر النفطي، سوريا

5 يوليو، عين الأسد

6 يوليو، سفارة الولايات المتحدة- بغداد

 

قواعد ومرتكزات حربية

يلوح أمامنا مشهد لانفلات السلاح المؤدلج، تديره فصائل مسلحة متعددة الولاء، وتنظيمات إرهابية فاعلة ومتفاعلة في المشهد العراقي، ولم تمتلك الحكومات العراقية المتعاقبة ثقافة الدولة، بل غلبت طابع العسكرة على سياساتهم، كتشكيل الميليشيات، واستخدام القوة المفرطة، دون التفكير بالحلول السياسية، والعسكرية طويلة الأمد، ما أدى إلى ظهور مناخ أمني مضطرب في العراق، والمنطقة، ويتم تغذيته بسيناريوهات إقليمية، تضمن تناسل وانشطار الفصائل المسلحة ذات النهج الطائفي والمرتبطة كسابقاتها بإيران.

ولعل هذا المناخ منح الدول الإقليمية منافع استراتيجية عسكرية في العراق، منها استخدام العراق ممراً لنقل الأسلحة الإيرانية كالصواريخ والمعدات والأفراد إلى سوريا ولبنان ولفصائلها في العراق[12]، فضلاً عن إنشاء تمركزات حربية (قواعد عسكرية) في العمق العراقي، ضمن جغرافية عسكرية، تمتد من الحدود العراقية – السورية شمال غرب العراق، إلى الحدود الأردنية والسعودية غرب العراق، ويشكل هذا التمركز العسكري الاستراتيجي حرجاً كبيراً للحكومة العراقية، التي تتجنب معالجته، لاعتبارات القوة والبقاء في السلطة.

وقد أشار معهد واشنطن في 26 حزيران/يونيو 2021، أن هيئة الحشد الشعبي قد نظّمت عرضاً عسكرياً في معسكر أشرف (معسكر أبو منتظر المحمداوي)، في محافظة ديالى العراقية، وقد حضره رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، وجرى خلال العرض، استعراض أنواع مختلفة من الأسلحة، والمعدات (المصنوعة في إيران بشكل أساسي)، وشملت هذه الأسلحة الجديدة، طائرات عسكرية مسيّرة، بما فيها الطائرة القتالية من دون طيار “مهاجر-6″، وقد تم استعراضها حصرياً من قِبل وحدات، تسيطر عليها “كتائب حزب الله” التابعة لـ”قوات الحشد الشعبي” وتحديداً “مديرية استخبارات الحشد الشعبي” وقيادة عمليات الجزيرة، وقد أشار المعهد في 20 يوليو 2021 إلى أن نطاق عمليات قيادة “عمليات الجزيرة ” وهو مجال مسؤولية كتائب حزب الله الخاصة على الحدود السورية؛ أي ما يسمى “الجسر البري” بين إيران والعراق وسوريا ولبنان.

 ويضم نطاق قيادة عمليات الجزيرة وفقاً لمعهد واشنطن؛ مجمع قاعدة جرف الصخر الكبير، الذي يضم العديد من البلدات والقرى الريفية المهجورة التي استولت عليها “قوات الحشد الشعبي” في عامي 2014 و2015، وطُوّرت إلى كانتون عسكري واقتصادي خاضع للسيطرة الحصرية لكتائب حزب الله، وتجاور هذه المنطقة العديد من مواقع التصنيع العسكري العراقي ما قبل عام 2003، التي أعادت كتائب حزب الله تخصيص بعضها لإنتاج القذائف والمتفجرات، واختبارها وتخزينها، وفقاً للمعهد.

 

التأثيرات

مما ورد أعلاه من استعراض تعقيدات الواقع العراقي، وقرار الانسحاب الأمريكي، ستبرز لدينا عدد من التأثيرات، التي من المرجح أنها تمس مستقبل العراق والمنطقة، ولعل أبرزها:

  1. سيخلف الانسحاب الأمريكي من العراق، تداعيات مشابهة لما يجري في اليمن، حيث إن الفصائل المسلحة أقوى من الدولة وفقاً للمؤشرات الحيوية، ومن المرجح أن تفرض تلك الفصائل سيطرتها بشكل محكم على المشهد السياسي والعسكري العراقي.
  2. لم يطرح لقاء الرئيس بايدن بالكاظمي، مخرجات عملية لمعالجة أزمات الواقع العراقي، لاسيما أن الرئيس بايدن كان مسؤولاً عن ملف العراق في إدارة أوباما، وملماً بتفاصيله كافة، وعملية الهروب إلى الأمام، ستضع العراق أمام خيارات صعبة للغاية، إذ من المرجح أن يستمر الواقع العراقي بالهبوط إلى أدنى مستوى خدمي وأمني، ما سيزيد من السخط الشعبي، ويقوي دوامة الفوضى العارمة.
  3. يشكل الاضطراب السياسي، والانسحابات المتوالية من الانتخابات التشريعية المقبلة، خطورة محتملة، إذ يوجد بالفعل مؤشرات لعزوف الناخب العراقي عن الانتخابات، ومن المرجح أن يعاد سيناريو عام 2018 بانتخابات مزورة، تقود العراق لأربع سنوات، ويتصدى للعمل السياسي شخصيات لم ينتخبها الشارع العراقي.
  4. يشكّل تهديد كتائب حزب الله بملاحقة القوات الأمريكية في غرب آسيا، والعمل على إخراجها، مؤشراً لاضطراب مستقبلي للمنطقة بشكل عام، والعراق بشكل خاص، إذ من المرجح أن يكون العراق قاعدة عسكرية، وملاذاً لتلك التشكيلات العسكرية المؤدلجة، ما يجعل العراق تحت نيران الحرب مرة أخرى.

 

المصادر

لقاء المتحدث باسم حزب الله في العراق، على الرابط: https://www.youtube.com/watch?v=S5vYB941QTM

[1].” سيادة العراق” و”الحفاظ على الحريات الأساسية”، مخرجات الاجتماع الأمريكي – العراقي، الحرة، 27 يوليو 2021.

[2]. جامعة منيسوتا– مكتبة حقوق الإنسان، إعلان عدم جواز التدخل بجميع أنواعه في الشؤون الداخلية للدول، على الرابط: http://hrlibrary.umn.edu/arabic/DIIIIAS.html

[3]. البنتاغون يعلن بدء خفض الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، DW، 19/06/2021، على الرابط: https://bit.ly/3C3lqn5

[4] . القوات الأمريكية تغادر أكبر قاعدة جوية في أفغانستان، بي بي سي، 2 يوليو 2021.

[5] . إعلام: الجيش الأمريكي ينقل معداته من قطر إلى دولة عربية أخرى سبوتنك عربي، 3 يوليو 2021.

[6] . بعد التيار الصدري.. الحزب الشيوعي يقاطع الانتخابات العراقية، سكاي نيوز عربية، 24 يوليو 2021.

[7] . صراع الحلبوسي والخنجر يتمايل على أرجوحة الانتخابات وجرف الصخر، هاف بوست عراقي، 25/07/2021.

[8]. العراق.. “صراع عائلي” على زعامة الاتحاد الوطني الكردستاني، سكاي نيوز عربية، 11 يوليو 2021.

[9] . لقاء المتحدث باسم حزب الله في العراق، على الرابط: https://www.youtube.com/watch?v=S5vYB941QTM

[10]. طائرات من دون طيار تابعة لـ «قيادة عمليات الجزيرة» في «كتائب حزب الله»، معهد واشنطن 20 يوليو 2021.

[11]. Task & Purpose، US troops in Iraq have come under attack every day this week JUL 07, 2021.

[12] .الحرس الثوري الإيراني ينقل صواريخ وطائرات مسيرة إلى العراق، القبس الكويتية، 27 / 12 / 2020.

 

المواضيع ذات الصلة