مقدمة
تتجه أنظار العالم في الثامن عشر من يونيو 2021 إلى انتخابات الرئاسة الإيرانية التي ستكشف عن هوية الفائز بمنصب الرئيس الإيراني. وسيكون الفائز في هذه الانتخابات هو الرئيس الثامن في الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979 بقيادة آية الله الخميني.
وتبرز أهمية هذه الانتخابات بالنظر إلى أن الفائز فيها سيلعب دوراً في التعامل مع مجموعة من القضايا الحيوية التي تتعلق بالجمهورية الإسلامية، ومن أهمها وأبرزها الملف النووي الإيراني الذي شهد تطورات جديدة مع تولي الرئيس الأمريكي جو بايدن السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية، وعلاقات إيران مع القوى الدولية الأخرى مثل الصين وروسيا، بالإضافة إلى علاقاتها بالدول المحيطة والمجاورة في ظل سعيها إلى تحقيق طموحاتها الإقليمية، فضلاً عن بعض قضايا الداخل وأزماته، التي يأتي في مقدمتها الوضع الاقتصادي.
وفي هذا الإطار، لعب مجلس صيانة الدستور المسؤول عن تدقيق أوراق المرشحين للانتخابات دوراً مهماً في توجيه بوصلة هذه الانتخابات، حين أعلن أهلية سبعة مرشحين فقط لخوض السباق الانتخابي من بين 592 مرشحاً، هم إبراهيم رئيسي، رئيس السلطة القضائية، ومحسن رضائي سكرتير مجلس تشخيص مصلحة النظام، وسعيد جليلي، الأمين السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي وكبير مفاوضي الملف النووي الإيراني السابق، وعلي رضا زاكاني، رئيس مركز البحوث البرلمانية، ومحسن مهر علي زاده، عضو مجلس إدارة مؤسسة منطقة كيش الحرة ومحافظ خرسان السابق، وعبد الناصر همتي، رئيس البنك الإيراني المركزي، وأمير حسين قاضي زاده هاشمي، النائب الأول لرئيس مجلس الشورى الإيراني (البرلمان).
وفي خطوة مفاجأة استبعد مجلس صيانة الدستور من قائمة المرشحين، كلاً من الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، ونائب الرئيس الإيراني الحالي إسحاق جهانجيري، ورئيس البرلمان السابق علي لاريجاني دون إبداء الأسباب.
وتسعى هذه الورقة إلى تسليط الضوء على الانتخابات الرئاسية المقبلة في إيران ومحاولة استشراف نتيجتها، من خلال بعض المحاور التي تتناول طبيعة هذه الانتخابات والدور الذي يلعبه مجلس صيانة الدستور في توجيه بوصلتها، ووضع منصب الرئيس وصلاحياته، مع التعريف بالمرشحين السبعة وأهم المستبعدين.
أولاً: إيران وطموحاتها الدولية والإقليمية
سعت إيران منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979 إلى أن يكون لها ثقل إقليمي ودولي، مستغلة في ذلك موقعها الجغرافي المهم حيث تطل على مضيق هرمز الذي يمر من خلاله نحو 40% من إنتاج النفط العالمي. لكن توتر علاقات إيران مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد قيام الثورة الإسلامية جعلها تواجه صعوبات كبيرة، خاصة مع إصرار طهران على بناء برنامج نووي حامت حوله شبهات كثيرة دفعت واشنطن والغرب إلى العمل من أجل منعها من امتلاك سلاح نووي. وعلى المستوى الإقليمي سعت إيران إلى مد نفوذها عبر التدخل في شؤون دول المنطقة من خلال أدواتها كما في لبنان وسوريا والعراق واليمن وغزة، وعبر امتلاك برنامج صاروخي يمثل تهديداً مباشراً للدول المجاورة، بالإضافة إلى دأبها على تهديد المصالح الغربية في منطقة الخليج العربي والبحر الأحمر.
وقد استندت إيران في سعيها لتحقيق طموحاتها الدولية والإقليمية إلى مبدأ تصدير الثورة الذي تبنّاه آية الله الخميني، وكان يسعى من خلاله إلى إخضاع الدول الإسلامية إلى ما يعرف بسلطة الولي الفقيه، حيث يرتبط مفهوم تصدير الثورة ارتباطاً تبادلياً بأممية ولاية الفقيه المحررة من أي الزامات تعاقدية. وتفرض ولاية الفقيه كما يؤمن بها ويفسرها الخميني سلطانها على الدول والأقطار كافة وتمتثل لطاعتها الأمة الإسلامية[1].
وقد جاءت المادة 154 من الدستور الإيراني لتفصّل هذا المبدأ حيث قالت: تعتبر جمهورية إيران الإسلامية سعادة الإنسان في المجتمع الإنساني كله قضية مقدسة بالنسبة إليها، وتعتبر الاستقلال والحرية وقيام حكومة الحق والعدل حقاً لجميع الشعوب في العالم، وعلى هذا فإنها تدعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في بقاع العالم كلها، لكنها تمتنع امتناعاً تاماً عن أشكال التدخل كافة في الشؤون الداخلية للشعوب الأخرى[2].
وفق هذه المبدأ سعت إيران إلى التمدد ونشر نفوذها في المنطقة، وهو ما بدأ بصورة واضحة أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، حين قامت بدعم التنظيمات الشيعية بداية بحركة أمل، ثم حزب الله اللبناني لتسهم في صعوده وسيطرته على مقاليد القوى السياسية في لبنان، ثم جاء تدخلها في العراق استغلالاً للمكون الشيعي والأحزاب والفصائل الشيعية التي دعمتها أثناء الحرب الإيرانية- العراقية وقاتلت ضد نظام صدام حسين، تلا ذلك تدخلها في سوريا لدعم نظام بشار الأسد، ثم التمدد في اليمن عن طريق التحالف مع الحوثيين وتقديم الدعم اللوجستي والعسكري لهم للسيطرة على اليمن.
ويمثل سعي إيران إلى نشر نفوذها-لا سيما في المنطقة- إحدى القضايا الحيوية التي يلعب الرئيس الإيراني دوراً فيها، إذ إن تبنّي هذا الرئيس مبدأ تصدير الثورة يعني استمراره في تطبيق هذه السياسة التي تسعى من خلاها طهران إلى نشر نفوذها في دول المنطقة وذلك من خلال بعض القوى في هذه الدول بما يصب مباشرة في خانة المصالح الوطنية.
ثانياً: منصب الرئيس بعد الثورة الإيرانية
نص الدستور الإيراني الصادر عام 1979 على أن السلطة التنفيذية موزعة بين الرئيس ورئيس الوزراء، على أن يكون القائد الأسمى على السلطة التنفيذية هو الرئيس الذي ينتخبه الشعب لفترة أربع سنوات[3].
وقد تولى أبو الحسن بني صدر رئاسة الجمهورية الإيرانية في 4 فبراير 1980 بعد أن فاز في انتخابات الرئاسة بنسبة 78.9% من الأصوات، وقد حاول بني صدر إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية، منطلقاً من توجهاته الليبرالية، الأمر الذي أدخله في صدام مع رجال الدين أعاق إجراء هذه الإصلاحات، خاصة أن سلطاته كانت مقيدة وهيمن عليها مجلس الثورة الذي كان يسيطر على مؤسسات الدولة الحيوية. وكان اندلاع الحرب العراقية-الإيرانية عام 1980 بداية النهاية لحكم بني صدر، الذي كان يرى ضرورة احتواء الأزمة التي نشبت بين العراق وإيران، وخلال هذه الفترة، وصلت العلاقات بينه وبين مرشد الثورة الإمام الخميني إلى مرحلة خطيرة بعد أن اتسعت شقة الخلاف بينهما، وكانت الرسالة التي بعث بها إلى الخميني والتي يطالبه فيها بحل مجلس الثورة ومجلس القضاء الأعلى وتشكيل حكومة جديدة كوسيلة لإنقاذ البلاد من التدهور السياسي والاقتصادي بمنزلة الرصاصة الأخيرة التي قضت على مستقبله السياسي كرئيس لإيران، حيث قرر الخميني في 27 مايو 1981 عزله من جميع مناصبه بعد أن اتهمه بالخيانة، مبرراً ذلك بمسؤوليته عن إعاقة عمل القوات المسلحة لصد الهجوم العراقي على الأراضي الإيرانية، وتم بعدها إجراء انتخابات رئاسية جديدة[4].
وقد أجريت خلال عهد الخميني أربعة انتخابات رئاسية، الأولى التي فاز فيها أبو الحسن بني صدر، والثانية أجريت في 2 أغسطس 1981 وفاز فيها محمد علي رجائي لكنه لم يستمر في منصبه أكثر من شهر حيث اغتيل في 30 أغسطس 1981، أما الثالثة فقد أجريت في 2 أكتوبر 1981 وفاز فيها علي خامنئي الذي فاز في الانتخابات الرابعة التي أجريت في أغسطس عام 1985 أيضاً [5].
ونتيجة للتضارب بين صلاحيات الرئيس وصلاحيات رئيس الوزراء، وحدوث نوع من الازدواجية في سلطاتهما، اتجهت إيران إلى إنهاء هذا الوضع، في التعديلات التي أدخلت على الدستور عام 1989، حيث تم إلغاء منصب رئيس الوزراء، واعتبار رئيس الجمهورية- كما جاء في المادة 113 – “أعلى سلطة رسمية في البلاد بعد مقام القيادة. وهو المسؤول عن تنفيذ الدستور، ورئيس السلطة التنفيذية إلا في المجالات التي ترتبط مباشرة بالقيادة”، وهو مسؤول بحسب المادة 122 “أمام الشعب والقائد ومجلس الشورى الإسلامي”.[6]
وفي ظل هذه التعديلات الجديدة الخاصة بمنصب رئيس الجمهورية في إيران شهدت الجمهورية الإسلامية خلال الفترة ما بين الأعوام من 1989 حتى 2021 أربعة رؤساء، والمفارقة أن كلاً منهم نجح في الفوز بفترة رئاسية ثانية، وهم: هاشمي رفنسجاني الذي تولى المنصب من عام 1989 حتى عام 1997 لمدة ثماني سنوات، ومحمد خاتمي من عام 1997 إلى عام 2005، وأحمدي نجاد من عام 2005 إلى عام 2013، وأخيراً حسن روحاني من عام 2013 إلى عام 2021.
ثالثاً: دور مجلس صيانة الدستور في الانتخابات الإيرانية
يعتبر مجلس صيانة الدستور من أقوى المجالس الدستورية في النظام الإيراني، ويتكون من (12) عضواً من الفقهاء والقانونيين، يتم اختيار 6 أعضاء عن طريق المرشد الأعلى للثورة الإيرانية وغالباً ما يكونون من رجال الدين، بينما يتم ترشيح الباقي عن طريق رئيس السلطة القضائية على أن يتم المصادقة عليهم من قبل مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان).
ويترأس آية الله أحمد جنتي مجلس صيانة الدستور منذ عام 1993، وكان عضواً به منذ تأسيسه 1980، وهو أحد فقهاء الحوزة العلمية بمدينة قم، وفضلاً عن كونه مرجعاً تقليدياً للشيعة الإمامية، فهو خطيب الجمعة في طهران أيضاً، وهو المعروف بمواقفه المتشددة وقربه من المرشد الأعلى علي خامنئي[7].
ومن ضمن مهام المجلس العديدة الإشراف على انتخابات مجلس الخبراء وانتخابات رئيس الجمهورية وانتخابات مجلس الشورى الإسلامي، حيث يمتلك صلاحية قبول أو رفض المرشحين لعضوية البرلمان أو رئاسة الجمهورية، وفق مجموعة من المعايير التي تتمثل في صحة العقيدة الإسلامية والولاء لنظام الجمهورية الإسلامية، وكذلك قبول مبدأ ولاية الفقيه، وهذا ما يمنع ترشيح أي حزب أو شخص لا يؤمن بمبادئ نظام الجمهورية الإسلامية، كالأحزاب اليسارية أو العلمانية، ويتم رفض كل مرشح للبرلمان أو الرئاسة يُشك بولائه للنظام ومبدأ ولاية الفقيه[8].
ويقوم المجلس بقبول أو رفض المرشحين للانتخابات من دون إبداء أي أسباب وهو ما يؤدي إلى إثارة حالة من الجدل والمعارضة الداخلية لقراراته، كما حدث في كثير من الحالات، فعلى سبيل المثال عبّر الرئيس حسن روحاني عن معارضته لقرارات المجلس الخاصة باستبعاد بعض مرشحي الانتخابات البرلمانية التي أجريت عام 2020 حين قال آنذاك: «هذه ليست انتخابات وإنما عملية تعيينات لنواب البرلمان»، الأمر الذي تبعَهُ هجوم عليه من قبل المرشد الإيراني علي خامنئي بقوله: «عندما تكذبون وتقولون إنَّ هذه الانتخابات شكلية ومجرد تنصيب، تجعلون الشعب يشعر بخيبة أمل من الانتخابات…عليكم ألا تتحدثوا بطريقة يستغلها العدو لإحباط معنويات الشعب»[9].
وقد قبل المجلس طلبات 7 مرشحين فقط من بين 592 مرشحاً للانتخابات الرئاسية التي ستجرى في 18 يونيو 2021، الأمر الذي أثار ردود أفعال عديدة خاصة أن من بين المستبعدين شخصيات سياسية كبيرة مثل محمود أحمدي نجاد الرئيس السابق، وإسحاق جهانجيري، النائب الأول للرئيس الإيراني، وعلي لاريجاني رئيس مجلس الشورى السابق، المستشار الحالي للمرشد الأعلى.
رابعاً: نظرة عامة على المرشحين:
قبل مجلس صيانة الدستور- كما سبقت الإشارة إليه- طلبات سبعة مرشحين لخوض الانتخابات الرئاسية وهم: –
- ابراهيم رئيسي:
يبلغ إبراهيم رئيسي من العمر 61 عاماً، وينحدر من مدينة مشهد، وحاصل على درجة الدكتوراه في الفقه، وشغل سابقاً المناصب التالية: المدّعي العام في طهران؛ منصب رئيس دائرة التفتيش العامة في إيران؛ المساعد الأول لرئيس السلطة القضائية، ويشغل حالياً رئيس السلطة القضائية[10].
وينتمي رئيسي إلى التيار المحافظ أي إلى رجال الدين المتشددين في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ويعد من المقربين لمرشد الثورة علي خامنئي ويحظى بثقته، باعتباره كان أحد طلابه في إحدى المدارس الدينية بمدينة مشهد التي ينحدر منها. وسبق له أن ترشح في انتخابات عام 2017 ضد حسن روحاني. لكنه لم يفز بالانتخابات واكتفى بالحصول على 38% من الأصوات[11].
وكانت قد وجهت إلى رئيسي اتهامات من منظمات حقوق الإنسان والمعارضة بالإشراف على إعدام السجناء السياسيين دون إجراءات قانونية، حيث كان رئيسي عضو اللجنة التي أصدرت أحكام الإعدام بحق نحو 5000 من المعارضين في عام 1988، والتي عُرفت باسم “لجنة الموت”، وقد برزت هذه الانتقادات عندما عينه المرشد الأعلى علي خامنئي رئيساً للسلطة القضائية في مارس 2019.[12]
- محسن رضائي:
يبلغ محسن رضائي من العمر 67 عاماً، وينحدر من محافظة خوزستان، وحاصل على الدكتوراه في الاقتصاد، ويعتبر من مؤسسي الحرس الثوري الإيراني، الذي تولى قيادته في مرحلة صعبة من الحرب العراقية-الإيرانية. ويشغل رضائي حالياً منصب سكرتير مجلس تشخيص مصلحة النظام، وخاض تجارب انتخابية عدة في أعوام 1999 و2005 و2009 و2013.[13]
ويعتبر رضائي من المعارضين لسياسة الرئيس الإيراني حسن روحاني، ويعد من المقربين من التيار المحافظ في إيران، لكن مواقفه الأخيرة في ملف التفاوض النووي جاءت أكثر انفتاحاً من خلال مطالبته لنوع من المصالحة والاتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية، ما دفع ببعض المحللين إلى اعتبار أن مواقف رضائي في هذا الصدد هي الأهم، وتشير إلى استعداده لسلوك الطريق البراغماتي والانخراط مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، خاصة أنه مسؤول عن وضع السياسات التي يوافق عليها المرشد الأعلى وذلك بصفته سكرتير مجلس تشخيص مصلحة النظام[14].
- علي رضا زاكاني:
يبلغ علي رضا زاكاني من العمر 56 عاماً، وهو من مواليد مدينة طهران، وحاصل على درجة الدكتوراه في الطب الذري، وشغل عضوية مجلس الشورى لثلاث دورات. ويشغل حالياً رئيس مركز الطاقة في مجلس الشورى الإسلامي ورئيس مركز البحوث البرلمانية[15].
يعتبر زاكاني من الوجوه الأصولية المتشددة وعمل خلال السنوات الماضية على انتقاد حكومة حسن روحاني، وأسس جمعية “رهبويان” للثورة الإسلامية (تشكيل سياسي للأصوليين)، وهو ضمن الـ11 عضواً في جبهة المحافظين المتحدة في إيران[16]. وزاكاني هو صاحب المقولة الشهيرة بأن إيران باتت تسيطر على 4 عواصم عربية، بعد سيطرة جماعة “أنصار الله” الحوثيين، على صنعاء في اليمن[17].
- محسن مهر علي زاده:
يبلغ محسن مهر زاده من العمر 65 عاماً، وينحدر من محافظة أذربيجان الشرقية، وحاصل على الدكتوراه في الهندسة، وهو محسوب على التيار الإصلاحي في إيران، وشغل بعض المناصب من بينها: مدير مديرية شؤون المحطات النووية في الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية، رئيس الاتحاد الدولي للعبة الزورخانة الرياضية، عضو مجلس إدارة منظمة المنطقة الحرة في كيش؛ محافظ خراسان في عهد الرئيس خاتمي، محافظ أصفهان في عهد الرئيس روحاني. وعمل في إدارة شركات إنتاج السيارات، ثم شغل منصب معاون وزير الصناعة[18].
- سعيد جليلي.
يبلغ سعيد جليلي من العمر 56 عاماً، من مواليد مدينة مشهد، وهو سياسي إيراني ودبلوماسي محافظ يعتبر من المقربين للمرشد الإيراني علي خامنئي، وكان سكرتيراً للمجلس الأعلى للأمن القومي بين عامي 2007 و2013، كما ترأس في تلك الفترة وفد هيئة التفاوض حول الملف النووي الإيراني، كذلك شغل سابقاً منصب نائب وزير الخارجية للشؤون الأوروبية والأمريكية، وهو حاصل على الدكتوراه في العلوم السياسية[19].
ويعتبر جليلي أحد المنتقدين بشدة للاتفاق النووي الإيراني مع الغرب خلال الثماني سنوات الماضية، وكثيراً ما كانت له تصريحات تنتقد التنازلات الإيرانية في الملف النووي[20]. وينتمي جليلي للتيار المحافظ في إيران، ويبدو ذلك واضحاً من خلال قربه من مرشد الثورة علي خامنئي والمناصب الحساسة التي تبوأها خلال السنوات الماضية.
- أمير حسين قاضي زاده هاشمي:
يبلغ أمير هاشمي من العمر 50 عاماً، من مواليد محافظة خراسان، حاصل على درجة الدكتوراه في الطب، شغل سابقاً المناصب التالية: مدير جامعة سمنان للعلوم الطبية؛ عضو في مجلس الشورى في أربع دورات متتالية، وهو حالياً نائب رئيس مجلس الشورى.[21]
ويعتبر أمير هاشمي أحد الأعضاء البارزين في جبهة الصحوة والأصوليين المتطرفين وأحد منتقدي الاتفاق النووي، كما أنه أحد الشخصيات الأصولية التي قيل منذ البداية إنها دخلت هذه المنافسة السياسية كغطاء لإبراهيم رئيسي[22].
- عبد الناصر همتي:
ولد عبد الناصر همتي في مدينة كبودرآهنغ في محافظة همدان عام 1957، وحصل على البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة طهران عام 1978، مُستكملاً دراساته العليا في التخصص والجامعة نفسهما، إذ حصل على المرتبة الأولى في مرحلة الماجستير، ليختتم مسيرته الأكاديمية بدرجة الدكتوراه عام 1993 من جامعة لندن.[23]
وتولى همتي رئاسة مؤسسة التأمين المركزي لمدة 11 عاماً بداية من عام 1993، وشغل عضوية اللجنة الاقتصادية لمجلس الأمن القومي لمدة خمس سنوات، وفي يوليو 2018 تم تعيينه محافظاً للمصرف المركزي الإيراني.
خامساً: أهم المرشحين المستبعدين ودلالات الاستبعاد:
رفض مجلس صيانة الدستور طلبات مئات المرشحين لخوض الانتخابات الرئاسية، ومن أبرز هؤلاء المرشحين ثلاث شخصيات كان لها دور في الحياة السياسية الإيرانية، وهم: –
1- محمود أحمدي نجاد:
يعتبر محمود أحمدي نجاد، الرئيس الإيراني السابق، أحد أبرز المرشحين الذي تم استبعادهم من خوض الانتخابات الرئاسية بقرار من مجلس صيانة الدستور، وليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها استبعاد نجاد من خوض الانتخابات، حيث منعه المجلس أيضاً من الترشح في انتخابات عام 2017 الرئاسية[24].
وكان نجاد قد برر قرار ترشحه للرئاسة قائلاً إن “ملايين الأشخاص على امتداد البلاد دعوني إلى الترشح للانتخابات، حتى أمروني بأن آتي إلى هنا لأسجل، واضعين حملاً ثقيلاً على كاهلي”، مقدماً نفسه على أنه “ابن الشعب الإيراني”، وكرر موقفاً يدلي به منذ أعوام، وهو أن غالبية الإيرانيين فقدوا ثقتهم بالمسؤولين في البلاد[25].
2- إسحاق جهانجيري:
ولد إسحاق جهانجيري في 10 يناير 1958، ويشغل حالياً منصب النائب الأول للرئيس الإيراني حسن روحاني، وسبق له أن كان وزيراً لوزارة الصناعة والمناجم في حكومة الرئيس الأسبق محمد خاتمي، كما شغل منصب محافظ اصفهان في عام 1992 لمدة خمس سنوات.
وسبق لجهانجيري الذي يعتبر من المحسوبين على التيار الإصلاحي، الترشح في مناسبتين لمنصب الرئاسة الإيرانية، كانت الأولى في عام 2013 لكنه انسحب بعد ذلك لصالح الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني، ثم في انتخابات عام 2017، كما انسحب لصالح المرشح حسن روحاني.
3– علي لاريجاني:
ولد على لاريجاني في 3 يونيو عام 1958، وترأس هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيراني بين عامي 1997 و2004 بعد ترشيحه من المرشد الأعلى الإيراني، وترشح للانتخابات الرئاسية الإيرانية سنة 2005 وحل فيها سادساً بعد أن حصل على 5.94% من الأصوات، وكان وزيراً للثقافة والإرشاد الإسلامي في حكومة هاشمي رفسنجاني، والمتحدث باسم الحكومة الإيرانية منذ عام 1994 إلى 2004.
تولى لاريجاني في 14 أغسطس 2005 منصب أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني ثم قدم استقالته بتاريخ 20 أكتوبر 2007، وترأس مفاوضات الملف النووي الإيراني تحت مسمى كبير المفاوضين في مباحثات الملف النووي الإيراني، وشغل منصب رئيس البرلمان الإيراني بين الأعوام 2008 و2020، ويعد حالياً مستشاراً للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي[26].
وقد رأى بعض المحللين أن استبعاد هؤلاء الثلاثة يحمل دلالات عدة يمكن بلورتها على النحو التالي[27]:
- ترسيخ الخط “المحافظ” الأكثر تشدداً وتبعية لمرشد الثورة آية الله خامنئي. حيث ترى بعض القيادات المؤثرة داخل مؤسسات النظام وخاصة في الحرس الثوري أن نهج لاريجاني وجهانجيري “المحافظ” الذي يتسم بـ “الاعتدال” ملائم لها. ومن ثم كان الأفضل استبعادهما مع نجاد الذي دأب على انتقاد مؤسسات النظام وتحديها.
- قطع الطريق أمام امتداد سياسات الرئيس حسن روحاني، إذ إن فوز لاريجاني، كان يعني استمرار تلك السياسات، لا سيما فيما يتعلق بدول الجوار ومع الولايات المتحدة، وبالتالي فإن إقصاء لاريجاني، يمهد الطريق لسياسات “محافظة” أكثر وضوحاً، وأكثر تشدداً مع هذه الأطراف.
- تكوين حكومة قادمة محافظة، ملتزمة بنهج “الثورة”، أياً يكن الرئيس، حيث تكون هذه الحكومة متناغمة مع سياسات خامنئي، ومتعاونة مع “الحرس الثوري”، وصديقة لـ “مجلس الشورى” الذي يسيطر عليه المحافظون المتشددون.
سادساً: رؤية استشرافية
تتجه معظم التوقعات نحو فوز المرشح المحافظ إبراهيم رئيسي بالانتخابات الرئاسية في إيران، إذ يعتقد صحافيون إيرانيون وعرب متابعون عن كثب لملف الانتخابات أن استبعاد علي لاريجاني الرئيس السابق لمجلس الشورى الإيراني، وإسحاق جهانجيري النائب الأول لرئيس الجمهورية، من خوض الانتخابات، يهدف إلى “التمهيد لرئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي، ليكون رئيساً للجمهورية، بعد أن هُزم في الانتخابات السابقة أمام الرئيس حسن روحاني”، حيث إن بقاء لاريجاني وجهانجيري في السباق الرئاسي معناه “عدم ضمان فوز إبراهيم رئيسي، نظراً إلى المنافسة الحادة التي ستكون بينهما، والدعم الذي كان سيحظى به جهانجيري ولاريجاني، واحتمالية تأييد أحدهما لترشيح الآخر في مرحلة انتخابية متقدمة، بهدف إقصاء الثوريين عن سدة الرئاسة”[28].
ومما يزيد من حظوظ رئيسي في الفوز في الانتخابات قربه من المرشد الأعلى علي خامنئي الذي عينه في منصبين مهمين، المنصب الأول في عام 2016 كرئيس لمؤسسة “أستان قدس رضوي” الخيرية التي تتكلف بتسيير شؤون ضريح الإمام رضا، أبرز مواقع الحج بالنسبة إلى الشيعة، الذي يجتذب الكثير من الأموال التي توصف بأنها “دولة داخل الدولة الإيرانية”، ما منحه قوة سياسية كبيرة ونفوذ في شتى المجالات. والمنصب الثاني هو رئيس السلطة القضائية وذلك في مارس 2019 وهو منصب حساس استغله رئيسي ليقدم نفسه باعتباره “عدو الفساد والأرستقراطية وعدم الكفاءة”[29].
خاتمة:
بغض النظر عمن يصل إلى سدة الرئاسة فإن الحقيقة المؤكدة والثابتة في إيران هي أن القرار الأول والأخير في إدارة الجمهورية الإسلامية يبقى بيد مرشد الثورة الإسلامية علي خامنئي، فالسياسة الإيرانية منذ قيام الثورة عام 1979 لم تتغير، فالمرشد له صلاحيات واسعة تفوق صلاحيات رئيس الجمهورية.
فقد تعاقب على منصب الرئاسة عدد من الرؤساء سواء المنتمين إلى المحافظين والإصلاحيين دون أن يكون هناك تغيير إيجابي باستثناء فترة محمد خاتمي التي حاول فيها الالتفات إلى الشأن الداخلي وتحسين علاقاته بدول الجوار. ومن ثم يمكن القول إن السياسة في إيران ليست سوى تبادل للأدوار ولن تتغير على المستوى القريب. وبرغم أن الثامن عشر من يونيو 2021 سيكون يوماً مهماً للإيرانيين الذين سيصوتون في الانتخابات، لكن يرى معظم المراقبين، أن نتيجة هذا التصويت ليست إلا تحصيل حاصل، ولن تقدم أي جديد سواء في داخل إيران أو خارجها.
المراجع
[1]. عبد الستار الراوي، الفقه السياسي الإيراني المعاصر- الجزء الأول (السعودية، دار الدراسات العلمية للنشر والتوزيع، 2021) ص55.
[2]. انظر: دستور إيران الصادر عام 1979 شاملاً تعديلاته لغاية عام 1989، على الرابط: https://www.constituteproject.org/constitution/Iran_1989.pdf?lang=ar
[3]. ويلفريد بوختا، من يحكم إيران؟ بنية السلطة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية (أبوظبي، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 2003) ص 43.
[4]. “أبو الحسن بني صدر.. رئيس أزعج الخميني فعزله”، الجزيرة نت، 3 نوفمبر 2016، على الرابط:https://bit.ly/2R3BAKy
[5]. لمزيد من التفاصيل انظر: خالد محمد البسيوني، التحول العاصف في إيران (القاهرة، دار الأحمدي للنشر والتوزيع، 2006).
[6]. ويلفريد بوختا، مرجع سابق. و: دستور إيران الصادر عام 1979 شاملاً تعديلاته لغاية عام 1989، مرجع سابق.
[7]. صالح حميد، “إيران: إعادة تعيين جنتي على رأس مجلس صيانة الدستور”، موقع العربية نت، على الرابط: https://bit.ly/3vE2LLc
[8]. المرجع السابق.
[9]. المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، “تصفية مجلس صيانة الدستور للمرشحين للانتخابات الرئاسية الإيرانية.. الأبعاد والمآلات”، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 27 مايو 2021، على الرابط: https://bit.ly/3uy8xwt
[10]. ” نبذة عن المرشحين الـ7 للانتخابات الرئاسية الإيرانية”، موقع الميادين نت، 25 مايو 2021، على الرابط: https://bit.ly/3i053Ah
[11]. “إيران: من هو إبراهيم رئيسي المرشح المحافظ الأوفر حظاً للفوز في الانتخابات الرئاسية؟”، موقع فرانس 24، 28 مايو 2021، على الرابط: https://bit.ly/34xcMO4
[12]. “إبراهيم رئيسي رجل الإعدامات على رأس السلطة القضائية في إيران”، صحيفة العرب اللندنية، 8 مارس 2019، على الرابط: https://bit.ly/3fx5hNn
[13]. “نبذة عن المرشحين الـ7 للانتخابات الرئاسية الإيرانية”، مرجع سابق.
[14]. “هل محسن رضائي القائد البراغماتي الذي تنتظره إيران؟”، صحيفة العرب اللندنية، 8 مايو 2021، على الرابط: https://bit.ly/34rKnsW
[15]. “نبذة عن المرشحين الـ 7 للانتخابات الرئاسية الإيرانية”، مرجع سابق.
[16]. داريوش معمار، “انتخابات الرئاسة الإيرانية… 7 مرشحين بوجه واحد”، موقع إندبندنت عربية، 26 مايو 2021، على الرابط: https://bit.ly/3fw7f0H
[17]. “صاحب مقولة “4 عواصم عربية تسيطر عليها إيران” يترشح للانتخابات الرئاسية”، موقع روسيا اليوم، 15 مايو 2021، على الرابط: https://bit.ly/3fS9YRa
[18]. “نبذة عن المرشحين الـ 7 للانتخابات الرئاسية الإيرانية”، مرجع سابق.
[19]. صالح حميد، “لا رئيسي ولا قاليباف.. متشددو إيران يعلنون مرشح الرئاسة”، موقع العربية نت، 29 أكتوبر 2020، على الرابط: https://bit.ly/3i4wkBm
[20]. داريوش معمار، مرجع سابق.
[21]. “نبذة عن المرشحين الـ7 للانتخابات الرئاسية الإيرانية”، مرجع سابق.
[22]. داريوش معمار، مرجع سابق.
[23]. لمزيد من التفاصيل انظر: عريب أبو صلیح، “عبد الناصر همتي… رَجُل الأزمات الاقتصادية”، موقع جادة إيران، 28 سبتمبر 2019، على الرابط: https://jadehiran.com/archives/11544
[24]. “أحمدي نجاد يترشح مجدداً في انتخابات الرئاسة الإيرانية”، موقع روسيا اليوم، 12 مايو 2021، على الرابط: https://bit.ly/3uxa5qj
[25]. “أحمدي نجاد يرشح نفسه لرئاسة إيران.. ويحذر من رفض طلبه”، موقع سكاي نيوز عربية، 12 مايو 2021، على الرابط: https://bit.ly/3bZsCp1
[26]. “علي لاريجاني يتقدم بترشحه إلى الانتخابات الرئاسية في إيران”، موقع فرانس 24، 15 مايو 2021، على ارابط: https://bit.ly/3fE81Jf
[27]. حسن المصطفى، “ما هي رسائل استبعاد لاريجاني وجهانجيري من الانتخابات الإيرانية؟” موقع العربية نت، 25 مايو 2021، على الرابط: https://bit.ly/3p1R9PD
[28]. المرجع السابق.
[29]. “إيران: من هو إبراهيم رئيسي المرشح المحافظ الأوفر حظاً للفوز في الانتخابات الرئاسية؟”، مرجع سابق.