Insight Image

الذّاكرة والتّأويل الدّيني في خِطاب الإسْلامُوفوبيا

15 مارس 2023

الذّاكرة والتّأويل الدّيني في خِطاب الإسْلامُوفوبيا

15 مارس 2023

مقدّمة

تتناول الدّراسة حُضور الذّاكرة والتّاريخ في خِطاب الإسلاموفوبيا (رُهاب الإسلام)، مع تبيان الخُصوصيّة من دولة غربية إلى أخرى، وكيف أنتج ذلك تطرفاً في المواقف السّياسيّة والإعلام، وصَار الإسلام عالقاً بين تصوّرين: الكراهيّة والعداء له في الغرب وبعض دُول آسيا وجماعات الإسلام السياسي وداعش وأخواتها بحسب تعبير كريستيان كولن Christian Coulon في كتابه الصادر مؤخّراً “تعصّب ديني وأحكام مسْبقة: الإسلام عالقٌ بين تصوّرين”[1]، وكلا التّصوّرين يَضرّان بالإسلام والأديان وسُبل التّجسير وبناء التّعايش وانتصار القِيم المشتركة.

وقد كانت مجابهة خِطاب الإسلاموفوبيا من الغربيين أنفسهم، لأنّ “خِطاب الكراهيّة” يُؤزّم المجتمعات الغربيّة التي بها عدد كبير من الجاليات المسلمة مثل فرنسا وبلجيكا وألمانيا وسويسرا والولايات المتحدة الأمريكية، كما أنّ رؤيتنا للغرب والعلمانية مازالت محكومة بتصوّرات موروثة تُلقي الصّراعات في الشّرق الأوسط بظِلالها على الفَهم واستخلاص النّتائج، فـ”العلمانية” و”الاستشراق” و”الأنثروبولوجيا” و”الغرب” وغيرها من المفاهيم متلبِّسة بالسّياقات التّاريخية والحضارية وبسمَة التّعميم في بعض الكتابات العربيّة، فالعِلْمانيّة Laïcisme[2] مثلاً في فرنسا وعلاقتها بالدّين عموماً تختلف عن علمانية سويسرا وبلجيكا وألمانيا، وقِسْ على ذلك مفهوم الغرب والحداثة وما بعد الحداثة، إضافة إلى عدم التّمييز بين مراحل وتطوّر الرّؤية للإسلام والمسلمين في الخطاب والإعلام الغربيين ما قبل حادثة مانهاتن 11 سبتمبر وما بعدها، ولذا سنحاول هنا تحليل بنية خِطاب الإسلاموفوبيا وتطوّره، والسّؤال عن المكوِّنات المعرفيّة والتاريخية والاستشراقية لهذا الخطاب؟ وما هو مستقبل الإسلاموفوبيا في ظل التّغيرات الدّولية الجديدة ؟

أولاً: الإسلاموفوبيا والإنجلية الجديدة: تحالفٌ ضدّ التّعايش.. قراءة في بنية خطاب الإسلاموفوبيا وتطوّره

عرّف قاموس أكسفورد “الإسلاموفوبيا”  Islamophobia بـ “الخوف والكراهيّة الموجّهة ضدّ الإسلام، والتّحامل والتّمييز الممنهج ضدّ المسلمين”، ودخل المصطلح إلى المجال في اللغة الإنجليزية عام 1997 عندما قامت خليّة تفكير بريطانية يسارية التّوجّه تدعى “رنيميد ترست” Runnymede Trust باستخدام هذا المصطلح لإدانة الخوف والعنصرية تجاه الإسلام[3].

وقد تنامى خِطاب الإسلاموفوبيا بسبب صُعود الشّعبويات الحزبيّة والتنظيمية في الانتخابات الغربيّة في العشر سنوات الأخيرة، وهي شعبويّة تغترف من الهُويّة والذّاكرة والتّاريخ، وتختلف عن حالة الرّهاب الآسيوي الذي يجد في الأديان ملاذه لمجابهة الإسلام والمسلمين كأقليّات[4]، وفي الإعلام قد تحضُر الذّاكرة والدّين والقوميّة في خطابات الخوف والتّخويف من تزايد المسلمين المهاجرين، كما يركّز الإعلام على ربْط الإرهاب بالإسلام والمسلمين وهو بذلك يُقولِب الوجدان الغربي والعالمي حسب أهدافه المباشرة وغير المباشرة، فتناول بعض البلدان الغربية لقضايا الإرهاب خصوصاً في بلدان السّاحل الإفريقي، يتمّ التركيز فيه على الجماعات الدّينية المتطرفة التي تتبنّى تأويلاً للإسلام، ويغفل الجوع والفقر والاقتتال القبلي والإثني والصّراع على المساحات الرّعويّة، وكلّها عوامل تتسبب في قتل الآلاف في بعض البلدان الإفريقية أكثر من الإرهاب الدّيني.

من خلال متابعاتنا للخِطاب الغربي وتحليل مكوّناته بخصوص الإرهاب والإسلام، وتزايد انتشار مظاهر الذُّهان من القادِم الأخضر، لاحظنا استمرار وتجدّد مكوّنين أساسين في الإسلاموفوبيا التي هي استمرار وتنويع للتّفكير الذي يأخذ لُبوسات في كل عصر ومرحلة منذ سقوط غرناطة 1492 ثم انتشار الجيوش العثمانية في بلدان غربية وبعد ذلك قيام الثورة الفرنسية (1789) وحملة نابليون بونابرت على مصر (1798) والاستعمار الغربي في القرن التاسع عشر وظهور الثّورات الاستقلالية وبروز الحركات الدينية كتنظيمات منذ الثلاثينات من القرن الماضي من رحم الحركة الإصلاحية، ثم ظهور الدّولة الوطنية في بعض البلدان العربية التي تعتمد بعضها الإسلام مصدراً تشريعياً خصوصاً في الأحوال الشخصية ثم تدفّقات الهجرة نحو الغرب، ثم الصّحوة الإسلامية وظهور الحركات الجهادية وانتهاء بأحداث مانهاتن 11 سبتمبر وما بعد هذه المرحلة وصولاً إلى موجات الرّبيع العربي.

هذين المكونين الذين يغذيا ظاهرة الإسلاموفوبيا  طيلة مسَار  امتد لخمسة قرون (منذ سقوط غرناطة إلى اليوم) هما:

  • المكون الأول هو تأويل التاريخ والذّاكرة الذي يُغذّي ويقوّي هذه الفُوبيا ويكون ذلك في مجال البحث العلمي وبعض تيارات الاستشراق، وفي الدّعاية والإعلام بلْه نجده حتّى في الفنون مثل السّينما والآداب وألعاب الأطفال، ويَحضر هذا التّأويل في الأزمات السياسية بين بعض البلدان (بين تركيا وفرنسا)ـ (الجزائر وفرنسا) (الهند وباكستان)، وهذا  يستدعي تقصّي تأويل الذّاكرة والتّاريخ ولا علميّة هذا التّأويل في بعض المراحل، وكيف أنّ المنهجيات الجديدة في العلوم الاجتماعية والإنسانية تكون عاملاً لعلاج “الذّاكرة المريضة” والتوجّه نحو “ذاكرة سعيدة” أو “ذاكرة تعايش”؟[5].
  • أمّا المكوِّن الثّاني الذي برز بالخصوص بعد 11 سبتمبر فهو انتشار بعض الـتّأويلات للمسيحيّة ومنها ما تقوم به الإنجيلية الجديدة[6]في الولايات المتحدة الأمريكية، التي تُعيد نشر بعض الخيال عن القيامة ونهاية العالم بما يخدم أجندات سياسية، وقد دعّمت الطوائف الإنجيلية الجديدة بعض رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية وتتواجد في محافل سياسية، كما تقوم بعملية تبشير في بلدان إفريقية وآسيوية. إنّ هذا التأويل الجديد للدّين في العالم والذي يجد سنده في الوسط اليميني المتطرف والعداء للأجانب يغفل الحقائق العلميّة والتطوّرات الجديدة في منهجيات التاريخ وعلم الأديان ومقارنتها ونتائج بحوث العلوم الاجتماعية والإنسانية، ويمكن هنا أن نقرأ الخلفيّة الدّينية التي تفضِّلها الإنجيلية الجديدة وتقوم باستدعاء مواقف ونصوص من التّاريخ.

إذن لتحليل خطاب الإسلاموفوبيا وتشخيص الحالات الذّهانية تكون القراءة والتّفكيك للتّأويلين المشار إليهما أعلاه كخِطاب وفِعل وممارسة، التّاريخ والذّاكرة كشُحنة معرفيّة ونفسيّة وإعادة إنتاج للحدث بصورة جديدة، والمسيحية الإنجيلية في محاولة إعادة قراءة تجمَع بين التّراث المسيحي واليهودي وكأنّنا أمام “بروتستانتية القرن الواحد والعشرين” مقابل بروتستانية كانت روح الرأسمالية في القرن السادس عشر.

إن الفُوبيا تلجأ للمقاومة والانتشار والتّأثير على علاقات الشعوب والدّول إلى التأريخ والذاكرة والدّين وهي كلّها ترتبط بحالات الوجدان والنّزوع نحو القوميّة والأنا الجمعي الذي يعاني من الخوف من المستقبل، أي من الخطر القادم، وقد يكون “التّاريخ” و”الدّين” هما الدّواء إذا كان العلم والرغبة في العيش معاً وتحقيق الحقوق الإنسانية كشروط وحواضِن لمجابهة الدّاء.

ثانياً: ذاكِرة الحُروب والخوف من الآخَر.. المكوِّنات المعرفيّة والتاريخية والاستشراقية لخطاب الإسلاموفوبيا

لقد جاءت ظاهرة الإسلاموفوبيا نتيجة تراكمات تاريخية لطبيعة العلاقة بين الغرب والإسلام حيث شهدت هذه العلاقة في بداياتها صدامات استغلتها بعض القوى في نسج صورة ذهنية غير سليمة عن المسلمين والعرب، حيث سعت هذه القوى إلى إدماج العامل الديني دائماً في أي خلافات أو صدامات بين الجانبين الغربي والإسلامي.

وتفيد معطيات تاريخ العلاقة بين الشّعوب والمجتمعات والثقافات، أن أشدّ أنماط التّأزم على مستوى العلاقات تكون حين يكون البَاعث على العداء وعدم التّفاهم هو الاعتقاد الدّيني أو إحياء ذاكرة العداء والشّقاق، فمفاعيل الاختلاف قد تكون أنفذ وأقوى كلما احتلّ العامل الدّيني مكانة معتبرة في النّظام الاجتماعي والسّياسي أو تمّ استدعاء التّاريخ والذّاكرة من أجل المغالبة السياسية والمصالح، فالخلاف قد يكون بين مجتمعات اليوم سياسياً وحول قضايا اقتصادية لكنّه يجري تركيب بطّاريات الموروث ليشتغل المخيّل الجمعي في لحظة الأزمات، ويتمّ توظيف ذلك واستثارة مشاعر الكراهيّة والخوف والعداء[7].

فلم تولد فكرة “العدو”ّ المسيحي أو المسلم في المتخيّل الجمعي للمسيحيين أو الإسلاميين في العصر الوسيط، بسبب الخِلاف في قضايا عَقَدية، بل ولدت من اصطدام مصالح القوّة الجديدة الصّاعدة من جزيرة العرب بالإمبراطورية الرّومانية الشرقية (البيزنطية) التي بدأ تنصُّرها قبل دعوة الإسلام بأربعة قرون، والقوّة العربيّة الجديدة ارتبطت بالإسلام فلم يعد صراعاً بين عرب وبيزنطيين بل بين مسيحيين ومسلمين، وتغلّب الدّيني على المضمون القومي[8].

ومن الرّوايات التي تتكرّر في الكتابة، الرّواية الأولى المسيحية ومضمونها أنّ الإسلام أوقف زَحف المسيحية في العصر الوسيط، واجتاح المسلمون أطراف معاقلها زمن الفتوحات، ورواية المسلمين المعاكسة القائلة إنّ المسيحيين غزو ديارهم ونكّلوا بهم، منذ الحملات الصّليبية، والمذابح الجماعية.

 إنّ الصُّور النّمطية عند كلّ فريق منهما عن الآخر مازالت مستمرّة المفعولية، ولم تقْوَ قِيم المواطنة ولا ثقافة التّعايش والحوار على تبديدها، في الوقت الذي تتغذّى حالات التّنافر وسُوء العلاقة بين الغرب ومجتمعات الإسلام من مفعول المواريث التاريخيّة وما تزخر به الذّاكرة الجمعية لدى العالمين معاً من تمثّلات وصُور نمطيّة، وفصول الصّدام وروايات ذلك، واختلال التوازن في العصر الحديث بسبب الاستعمار والهيمنة.

وإذا أردنا أن نقرأ الذّاكرة والتّاريخ في صناعة الصُّور الذّهانية تجاه الآخر المسلم، فيمكن أن يتم ذلك من خلال الميراث الاستشراقي بالخصوص، فالاستشراق لم يكن كلّه نظاماً من الفكْر مُوحّداً، إذ أن هناك تيار الاستشراق العلمي وتيار الاستشراق الأيديولوجي، “ومع وجود هذا التّراث الضّخم من الاستشراق، خاصة من الموضوعي والمنصِف، سيظلّ من العسير القول إن الوعي الغربي تحرّر من تأثيرات تلك التّمثلات الموروثة وتلك الصُّور النّمطية التّقليدية عن العرب والإسلام، ليس فقط في دائرة الرأي العام، بل حتى في أوساط النُّخب العِلميّة والثقافية”[9].

إنّ المستشرقين كانوا متخصّصين ويمضُون عُمرهم في التّكوين منذ جيل أنطون إسحق سيلفستر دو ساسي  Antoine Isaac Silvestre de Sac(1758-1838) في نهاية القرن الثامن عشر إلى جيل جاك بيرك Jacques Berque (1910-1995) و مكسيم رودنسون Maxime Rodinson (1915-2004) وجوزيف فان إس الألمانيVan Ess  Josef (1934-2021)، أما اليوم فعندنا ما يسمُّونهم بالخبراء، وكانت موضوعات المستشرقين هي علوم الإسلام من تفسير وفقه وأصول، أما الخبراء اليوم فاهتمامهم بالظّاهرة الحزبية الدّينية وأسماء قادتها وخطابهم دون فهم سليم ومتخصص للعلوم الإسلامية في قرونها الأولى، ويستمع الغرب إلى هؤلاء الخبراء، الأمر الذي يعزّز من ترسيخ الكثير من التّمثلات المغلوطة عن الإسلام والعرب والصُّور المنمَّطة عنهم[10].

ويتحدث أغلبُ المؤرخين للحُروب والدّارسين من المستشرقين والخبراء أنّ الصّدام الأوّل بالإسلام كان في القرن السّابع الميلادي حيث لم تقبل المسيحية الرومانية بالإسلام عكس التيارات المسيحية المسماة بالهرطقية والتي حاربتها روما، ويلاحظ أنّ الغرب حتى القرن الثامن الميلادي كان يجهل العرب والمسلمين قبل قيام حكمهم في الأندلس، حيث نشأت المعرفة بهم عن طريق الاتّصال الحربي، وظلّ ترديد تسمية السّاراسانيين[11] والهاجريين والإسماعيليين، رغم وصول جحافل الجيوش الإسلامية لبواتيي جنوب فرنسا عام 732 م، وتصرّ بعض الكتابات الغربية على استخدام تسميات إثنية بقصد الحطّ من قدر العرب والمسلمين مثل: المور، البربر، الفرس، الترك،…إلخ، ويسمّي ريتشارد سوذرن R.W. Southern هذه الحقبة بـ “حقبة الجهل بالإسلام”، ثم بعد القرن العاشر كانت “حقبة الجهل النّاجم عن أوهام مخيّلة متسعة”[12]، وهذا الجهل عند المسيحيين اللاتينيين لم يكن عاماً فمسيحيي جنوب إيطاليا مثلاً ومسيحيي بلاد ما سمّي بالأندلس فيما بعد كانت لهم معرفة بالإسلام وبالمسلمين بسبب القرب الجغرافي والاحتكاك التجاري. هذا الجهل بالإسلام والمتخيّل السّلبي في ذاكرة المسيحيين عموماً بسبب الحروب الصّليبية كان وراء الصّدام التاريخي في الأندلس التي دخلها المسلمون، وزامن ذلك سقوط القدس في يد الصّليبيين.

نشأ الصّدام السياسي مع المسلمين خلال عهد البابا أوربان الثاني Urbain 2 (زمن بابويته:1042-1099م) وذلك في القرن الحادي عشر، حين دعا إلى القتال باسم الله ضد الكافرين والوثنيين والهراطقة، السّلاجقة في المشرق والعرب في الأندلس، ورغم التّسامح والتّعايش في الأندلس أثناء حكم المسلمين ظهرت حركة “شهداء قرطبة”[13] التي كانت دليلاً على أن الصدام كان مع فكرة التعايش والتسامح، خاصة وأن نهاية هذا الصدام كانت حروباً شهدت مذابح أودت بحياة الكثير من المسلمين واليهود بعد سقوط غرناطة، فيما اعتبر المسيحيون أن هذه الحُروب التي سميت بحروب الاسترداد “تحقيق إرادة الله في التّاريخ”[14].

لقد جاء الصدام مع الإسلام في القرن الحادي عشر الميلادي فيما لم يكن يعرف الغرب أو أوربا الكثير عن الإسلام، فاعتمد في ذلك على ما ورد في التوراة وبعض نُصوص المؤلفين المسيحيين الشرقيين والبيزنطيين، وأنتجت الحروب الصليبية، كما يقول مكسيم رودنسون، جمهوراً متعطشاً لصورة الإسلام العدوّ،[15] وهي حاجة استجاب لها المؤلفون اللاّتين بين عام 1100 و1140، حيث تكونت صّورة سلبية عن الإسلام والعرب نسجتها كتابات اللاهوت اللّاتين، وروايات الفرسان الصّليبيين، وأصبحت جزءً من تاريخ المخيّلة الأوروبية، ولم يكن  هناك فَرق بين المعرفة الشّعبية والنّظرة المدرسية الرسمية كما يقول هشام جعيط[16]، أي كانت هناك نظرة واحدة في الموقف من الإسلام، وتمّ اختزال صورة الإسلام في قضايا (الإباحية الجنسية، والعنف، وكون الإسلام حّرف الديانتين المسيحية واليهودية)، وظلّت الرّؤية الغربية المسيحية تاريخياً تقتات من أقوال يوحنا الدمشقي (676-749م) في كون الإسلام ينكر ألوهيّة المسيح وعقيدة التثّليث والصّلب، مع إغفال الآيات القرآنية التي تتحدث عن المشتركات بين الأديان السماوية.

إنّ هذه الخلفية التاريخية كانت بمثابة الأساس الذي نتجت عنه ظاهرة الإسلاموفوبيا. وقد تم وضع مجموعة من الآليات التي تستهدف ترسيخ هذه الظاهرة في نفوس الكثير من الغربيين، ومن بين هذه الآليات ما يلي:-

  • آليّة الإغراق: وهي عبارة عن تقديم معلومات مكثّفة ومنتقاة في الإعلام الغربي تُظهر المسلم على أنه إرهابي، ويمثّل الشّر، ومصدر التّهديد القادم.
  • آليّة الحصار: وهي عبارة عن فرض وجبة إعلامية ذات مضمون واحد في كل مصادر الأخبار، تروي وجهة النّظر الغربية من الأحداث مع تنويعات شكليّة.
  • آليّة الاختزال: وهي عبارة عن اختزال لفظ “الإرهاب” في معنى الشّر المطلق أو الشيطان الوارد في الكتاب المقدّس، ثم الحديث في الإعلام للتأثير على العاطفة الدينية، أنّ الإرهابي اليوم هو ما تحدّثت عنه النصوص المسيحية، وأن المسلمين والإسلام مصدر الإرهاب (الشّر).
  • آليّة الشّحن الانفعالي: تتضمن هذه الآلية تشويه الصورة الحقيقية وتفجّير مشاعر الخوف وتحريك الانفعالات النّاتجة عن الشّعور بالتّهديد وبالتاالي تعطيل عمليات النّقد والمقارنة والتّحليل.
  • آليّة الإبهار: وتقوم على إهار المتلقي الغربي من خلال بلاغة الصّورة ومؤثرات الصّوت وتقنيات التّكبير والترّكيز والتّرميز والمزج والإسقاط والسّرعة في نقل الخبر، وطريقة تقديمه.
  • آليّة التّعميم: وتذهب إلى عدم التّمييز بين المسلمين وسلوكياتهم السياسية والاجتماعية، وبين الإسلام كدين، الذي يتمّ الإحالة إليه على أنه يحضّ على العنف والعدوان ودعم الإرهاب.[17]

وتستخدم هذه الآليات في الإعلام والسينما ووسائط التواصل الاجتماعي، فعلى سبيل المثال، أذاع التلفزيون الهولندي العمومي في شهر أغسطس 2004 فيلما وثائقياً مدته 14 دقيقة بعنوان “الاستسلام” وهو لفظ مشتق من كلمة “الإسلام”، يحكي قصة امرأة مسلمة شابة تعرّضت للإساءة بطرق مختلفة من عائلتها، واستهدف الفيلم توصيل رسالة مفادها أن المسلمين ليسوا أحراراً وأن المرأة عندهم تخضع للعبودية، وأن هولندا والغرب يضمّون طائفة إسلامية لا تتوافق مع مجتمعاتهم وتهدّد مستقبلهم.

المثال الثاني البارز هو صحيفة “شارل أبدو” (Charlie Hebdo) التي فجّرها إرهابيون في يناير 2015 وقُتل جرّاء ذلك اثنا عشر شخصاً من بينهم ضابط مسلم، والتي تشبه في سخريّتها من النبي محمد والإسلام صحيفة (دير ستورمر) النّازية المعادية للسّامية التي كان يصدرها النازي يوليوس سترايشر، والتي كانت تصور اليهود أناساً جشعين، لا ثقة فيهم.

أمّا على مستوى العمل الفكري والأكاديمي فمن أكثر الذين ربطوا بين الإسلام والإرهاب الكاتب الأمريكي برنارد لويس صاحب نظرية “التّفكيك وتسْخين الأزمات”، وإيمانويل سيفان في كتابه: “الإسلام الرّاديكالي”، وبنجامين بربار في كتابه: “الجهاد في مواجهة عالم ماك”، ثم مارتن كريمر: “الصّحوة العربية والإحياء الإسلامي: سياسة الأفكار في الشرق الأوسط”.

تشير تلك الخلفية التاريخية والاستشراقية والآليات المشار إليها، إلى أن ظاهرة الإسلاموفوبيا تستند إلى خبراء وإعلاميين يروجون “الصُّورة المتخيّلة” عن العرب والمسلمين التي كتبها الرّحالة والمستشرقون التّقليديون. ورغم التّطور الذي حدث في العلوم الإنسانية (مجالات التاريخ والأنثروبولوجيا والإتنولوجيا وعلم السّياسة والاستشراق) إلا أنّ دوائر القرار تحتاج إلى “الرّمزيات الصِّدامية” بدل “المشتركات الإنسانيّة”، ولذلك نشهد في العشرين السنة الأخيرة تزايد الاهتمام بنظريات صدام الحضارات ونهاية التّاريخ، على اعتبار أنها تفسِّر حتمية “انتصار الليبرالية”، ومن هنا ندرك “عولمة الحرب على الإرهاب” بكلّ أشكالها التي تقودها بعض الدّول الغربية.

ثالثاً: مستقبل ظاهرة الإسلاموفوبيا:

يعتبر البعض التطرّف الغربي في مواقفه تجاه الإسلام والمسلمين والمهاجرين، تَطرفاً سياسياً واجتماعياً وثقافياً، يجسّده اليمين المتطرف والإسلاموفوبيا من خلال المتخيّل والصّدام والصّراع في ظلّ النّيوليبرالية الجديدة، ومنذ أحداث 11 سبتمبر يُصرّ الإعلام الغربي على ربط الإرهاب والتّطرف بالإسلام والمسلمين، وكانت مجابهته للإرهاب وحروبه في المنطقة العربية والإسلامية والإفريقية تتسِّم بعنف اعتمد على التّصورات الدّينية والتّاريخية والرّمزية، وتستخدم تِرسانة من المصطلحات الدّينية التي تذكر بتاريخ الحروب الصّليبية ،كما ذكرنا آنفاً.

وقد لاقى ذلك تأييداً من جمعيات دينيّة مسيحيّة في الغرب، مما يُظهر أنّ المصالح الاقتصادية والاستراتيجية للغرب قد تلجأ في تطرّفها وحروبها إلى “المعجميّة الدّينية الصِّدامية” التي تتغذّى في بعض رؤاها من الميراث الأنثربولوجي والاستشراقي الذي يَنظر إلى العالم غير الغربي كونه لم يعرف الدّولة بالمعنى الحديث والمعاصر وأن نمطه السّياسي في الحكم والاقتصادي يحتاج إلى مساعدة الغرب ونظامها العلماني والعولمي للتّطور والخُروج من التخلّف.

ولفهم استشرافي للإسلاموفوبيا والبحث عن آليات المجابهة والعلاج، فإنه من الضروري أن نفهم الفضاء الثقافي والديني والتاريخي الذي يغذي الكراهية والتّمييز على أساس ديني أو عرقي أو ثقافي، فهو الواقع الذي قد يستمر حسب بعض الخبراء والباحثين لسنوات قادمة خصوصاً بعد سيطرة اليمين المتطرف في بعض الحكومات الغربية، والتبشير المتواصل لرؤية دينية إنجيلية تحمل معاني العداء والكراهية، فقد انتعش الـتّأويل المسيحي البروتستانتي الإنجيلي للعالم والعلاقات الدولية بالخصوص بعد 11 سبتمبر، وهي تيارات دينية تعيد نشر بعض الخيال عن القيامة بما يخدم أجندات سياسية، وقد دعّم الإنجيليون الجُدد  بعض رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، ويقومون بعملية تبشير في بلدان إفريقية وآسيوية. ويتزايد اليوم في الغرب وبالخصوص الولايات المتحدة الأمريكية، الكنائس البروتستانية ذات التوجّه الإنجيلي الجديد ولها تأثير قويّ في الخيارات السياسية والعلاقات الدّوليّة، وهذا التداخل بين الديني والسياسي جرى تسميته “الدّين المدني” وهو مصطلح يعود في الأصل إلى جون جاك روسو.

وتعود أصُول التأويل الجديد للمسيحية (الإنجيلية الجديدة) إلى الراعي إيساك Esek William Kenyoun  (1867-1948) القائل بإمكانيّة تغيّر الواقع المادّي بقوّة الإيمان، وهي القوّة التي توفّر الرخاء المادي، ويتظافر هذا التوجّه مع رؤية ألكسيس توكفيل في كتابه: “الديمقراطية الأمريكية” (1931)، ولتحقيق “إنجيل الرّخاء” المعتمد على المبشِّرات التوراتيّة في الأساس قامت ما سمي “بالكنائس العملاقة” (Mega Church)، وصاحب ذلك بروز أكبر المبشّرين الدينيين في التلفزيونات الأمريكية، ويُقدّر عدد المنتمين إلى هذا التيار في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها ثمانين مليون من الأتباع.

إنّ هذه الكنائس صارت مركبات اجتماعية وتبشر بالرخاء الأمريكي وتتلاءم مع العهد النيوليبرالي الجديد ويلعب “التليفانْجيليست” (المبشّر الأنجيلي التلفزي) دوراً كبيراً في ترويج مثل هذه التّصورات، وانتشر هذا التيار في بعض البلدان الإفريقية مثل نيجيريا وكينيا وجنوب إفريقيا وأوغندا، وامتد إلى بلدان أمريكا اللاتينية حيث تدخل أتباعه في السياسة وأيدوا مترشحين لانتخابات رئاسية، وكان نقل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب سفارة الولايات المتحدة الأمريكية إلى القدس إرضاء للإنجيليين الجدد الذين يحلمون بتسريع نهاية العالم وعودة المسيح، وتابعه في ذلك رئيس غواتيمالا لأنه إنجيلي، حيث إنّ التقارب بين الانجيليين واليهودية المسيحانية[18] هو التقاء حول: “شخصية المخلّص واستعادة الأرض واللسان للشعب اليهودي كإحدى البشائر لقيام مملكة الرّب”[19]

في أمريكا توجد على الأقل ثلاثة اتجاهات إنجيلية، الأول هو الجناح التقدّمي ويمثله بعض الصّحف منها: (Sojourners و The Other Side )، ويتمتع بالنفوذ وله برنامج خاص بالعدالة الاجتماعية. الاتجاه الثاني المعروف بـ”الوسط” أو الكنيسة الإنجيلية الرسمية وتعتبر من أكبر التجمعات، إذ تمثل 65 في المائة من مجموع الإنجيليين الأمريكيين، أما الاتجاه الثالث فهو الرابطة للإنجيليين التي تضمّ أكثر من ثلاثين طائفة إضافة إلى إرسالياتها ووكالات الخدمة المتفرعة عنها[20]

وقد انتقلت الحركات الإنجيلية من “السكون الديني” إلى “الالتزام السياسي”، وأصبحت أذرعاً للأحزاب السياسية في البرزايل وكولومبيا والبيرو، وتزاوج الوعظ الديني بالخطاب السياسي، والعمل في المجالات الاجتماعية، وشهدت العمليات الانتخابية خلال عام 2018 في كل من كوستاريكا والبرازيل والمكسيك وكولومبيا وفنزويلا ظهور لاعب جديد وهي الانجيلية الجديدة واختيارها اليمين والمحافظين.

وقد كونت تيارات الإنجيلية الجديدة لوبي سياسي داخل الحزب الجمهوري الأمريكي عبر مؤسّسات مؤثِّرة مثل السّفارة المسيحيّة العالميّة بالقدس التي تأسست عام 1980، حتى أنه تم اعتبار الحرب في العراق حرباً صليبية بأسلوب حديث، ويبدو أن شعار (المسيح هو الحلّ- Jesus is the answer-)  عند التيارات الدينية المتشدّدة مرشحٌ لمزيد من التّطور ومدّ السياسة بما تحتاجه من هواجس تجاه الآخر. [21]

إلى جانب تنامي الإنجيلية الجديدة وتأويلها للمسيحية، تؤكد بعض التوقعات والمؤشرات صعود اليمين المتطرف في عدة دول غربية، إما منفرداً بالحكم أو شريك فيه، كما أنه سينشط أكثر في مجال التّواصل الاجتماعي والتجمعات بسبب الهجرة المتزايدة وصعوبة اندماج بعض الجاليات المسلمة في مجتمعاتهم الغربية، وعودة بعض متطرفي الغرب الذين انضموا غلى تنظيم داعش أو جماعات متطرفة أخرى إلى بلدانهم، وإخفاق هذه البلدان في تحقيق ما يسمى بـ”المواطنة المتعددة الثقافات” وهي معاناة سياسية وتاريخية في بلدان عرفت التعدد القومي والإثني بفعل الاستعمار والاحتلال أو الهجرة الفردية والعائلية مثل كندا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا.

وبالإضافة إلى هذين العاملين، هناك مجموعة أخرى من العوامل التي من شأنها أن تغذي حالة الرُّهاب من الإسلام والمسلمين يمكن حصْرها في:

  • استمرار أزمة الشّرق الأوسط وصعوبة الحلّ السلمي للقضية الفلسطينية، وصعود اليمين الديني المتطرف في إسرائيل.
  • استمرار الإرهاب في مناطق عديدة من العالم، حيث تشير بعض المؤشرات إلى أنه خلال السنوات القادمة قد ينشأ تحالف- ربما ضمنياً- بين التطرف الديني والتطرف اليميني، مما يؤثر بالسلب على حالة التعايش والسلم العالميين، والأمر الذي ينعكس بدوره على تفاقم وانتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا.
  • غياب الردع القانوني في بعض البلدان الغربية ضد الكراهية للإسلام والتمييز، بل إن بعض القوانين التي تصدرها بعض الدول ومنها فرنسا من أجْل مجابهة واجتثاث التّطرف الديني تنعكس سلباً على التجمعات المسلمة المهاجرة وحرياتها وخصوصيتها مما يزيد من الاحتقان والتطرف، فمثلاً تِكرار بعض المفردات مثل “الانفصالية” و”الإرهاب الإسلامي” في خطاب الرّئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يُبرز “الهيجان العاطفي” المتأثِّر بأحداث شار إبدو الشّهيرة والخوف من عودة “الإمبراطورية العثمانية” والإخفاق في حلّ الأزمة اللبنانية والخوف على مصالح فرنسا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
  • يعمل الخطاب الإسلاموفوبي على استثمار واستغلال وسائل التواصل الاجتماعي في نشر شعبويته وكراهيته للأجانب والدين والرموز الدينية، ولذلك كلما كانت القوانين صارمة بخصوص مراقبة المحتويات وحجب ما يدعوا إلى الكراهية والعنف والتمييز كانت الخسارة الشعبية لليمين المتطرف والتيارات الشعبوية التي تغذّي خطاب الإسلاموفوبيا.

في ضوء هذه العوامل، يبدو أن خطاب الإسلاموفوبيا سيستمرّ بنفس الوتيرة، بل إن المتوقع زيادة جرعاته وقوّته في الإعلام، خاصة أن آليات مكافحته القانونية والسّياسية والثّقافية غير كافية حتى الآن، كما أن معضلة الخطاب الديني المتطرف والجماعات المسلحة باسم الإسلام ومفاهيم “الخلافة” و”الولاء للدين لا للوطن” وإقامة “الدولة الإسلامية” وغيرها مازالت تشكّل مخزوناً فكرياً وإيديولوجيا لحركات دينية تنشط في أوربا وتشكّل عامل إعاقة للمُواطنة وإدماج المهاجرين والأقليات المسلمة في بلدانهم الأوربية[22].

الخاتمة:

إنّ التاريخ والمخيّلة حاضرة في علاقات الشّعوب والصّراعات، وأبرز مثال على ذلك، العلاقات الفرنسية-الجزائرية التي ما زالت تعاني حتى اليوم  من مشكل “الذاكرة” و”الاعتراف”، حيث يغذّي عدم الاعتراف الفرنسي ومدح الذّاكرة الاستعمارية تحالف يميني متطرف، فالتطرف كخِطاب وفِعل وممارسة يلجأ إلى التأريخ والذاكرة والدّين وهي كلّها ترتبط بحالات الوجدان والنّزوع نحو القوميّة والأنا الجمعي الذي يعاني من الخوف من المستقبل.

إنّ خِطاب الكراهيّة وصورته المريضة في اللغة والثقافات يعتمد المخيال الّلغوي والدّيني والثّقافي، وتبقى الحاجة إلى فهم آليات تكوّنه والقيام بتفكيكه في الفكر الغربي والمواثيق الدّوليّة، وكيف نستثمر الثّقافة والدّين في مواجَهته، وللحدّ من آليّات خطاب الكراهيّة وتحقيق العيش معاً، وذلك بالوقاية منه بداية في مجالي التربية والتعليم ثم الإعلام، والاستمرار في وضع نماذج من الخطط والبرامج التي تقوم بها الحكومات أو الهيئات المدنية كورشات تدريب وتعليم مهارات ولقاءات بين الذين يختلفون دينياً ولغة وعرقاً، وتأصيل الوقاية من “الكراهيّة” والبحث عن “المواطنة التعايشية” من خلال “القِيم الأخلاقية الكونيّة”.

 ضمن هذا الجهد الحضاري، جاء إعلان يوم للتسامح وإنشاء وزارة له في دولة الإمارات العربية المتحدة، وإطلاق “وثيقة الأخوة الإنسانية” التي وقعها في أبوظبي عام 2019 البابا فرنسيس بابا الفاتيكان وشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب. وكذلك هناك مساعي رابطة العالم الإسلامي تحت قيادة أمينها العام الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى في تحقيق التعايش الديني والثقافي ومجابهة الكراهية والإسلاموفوبيا بناء على ما جاء في “وثيقة مكة” التي صدرت في مايو 2019.

وإضافة إلى ما سبق،  يمكن اقتراح مجموعة أخرى من الآليات الوقائية لمكافحة الإسلاموفوبيا وذلك كالتالي:

  • هناك حاجة إلى تعزيز خطاب ديني معتدل متسامح يحلّ الأشكال بين مفهوم “الولاء للدين” و”الولاء للوطن” واعتبار “المواطنة” مقصداً دينياً من أجل تحقيق السلم والتعايش والطمأنينة، ومن شأن ذلك أن يدفع الغرب الليبرالي إلى تعديل رؤيته الموروثة من القرن السادس عشر والسابع عشر الخاصة بالمواطنة التي لا تعترف بالقوميات والإثنيات أو تجعلها في مرحلة تالية، في اتجاه تحقيق “الاندماج” الكلي وذوبان الثقافات الأخرى في الثقافة الغالبة التي تتبناها الدولة، وتحقيق “المواطَنة المتعدّدة الثقافات” بما يكسب هذه المجتمعات حماية من التطرف الطائفي والعرقي واللغوي[23]
  • التأكيد على أهمية حقوق الإنسان والحريّات الأساسية في مكافحة الإرهاب، واستخدام معاهدات الأمم المتحدة الحالية بشأن الحريات الدينية وحرية التعبير وحظر التمييز العنصري، وما إلى ذلك كأدوات لمكافحة الإرهاب، وتشجيع الحكومات على إحياء مبادرة الأمم المتحدة بشأن تحالف الحضارات.
  • تقديم مشاريع قوانين لمكافحة الإسلاموفوبيا على غرار مشروع “مكافحة الإسلاموفوبيا الدولية”، وتأسيس مراصِد للإسلاموفوبيا على مستوى وزارات الخارجية، مثل مكتب معاداة السامية الذي اعتمدته الخارجية الأمريكية، أو على غرار القوانين الغربية في مكافحة الإرهاب، فالإسلاموفوبيا والإرهاب والتطرف ومعادة السامية كلها تزعزع الاستقرار والسلم الدوليين.
  • مراجعة المناهج الدراسية التي تدعو إلى العنصرية والكراهية والتمييز أو تحيي الضغائن وتستثمر في العداء التاريخي بين الأديان والشعوب، بالإضافة إلى وضع مزيد من القوانين لتطهير محتويات وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام من خطاب الكراهية والعداء للأجانب.

المراجع

[1] – Christian Coulon, Fanatisme et préjugés: l’islam pris entre deux imaginaires, Ed Karthala, Paris, 2021.

[2] – أورد مُعجم علم الاجتماع المعاصر لمؤلفه توماس فورد هولت ثلاث موادٍّ لها صلة بمصطلح العلمانية، وهي: عِلمَاني Secular  وعَلمَنة Sécularisation  ومُجتمع عِلماني Secular society ، ومن مَعاني العِلمانية: (الدّنيوي أي -غير الروحي- وهو نقيض المُقدّس، إرجع إلى:

Thomas Ford Hoult, Dictionary of Modern Sociology, Ed,1969

[3] – (رنيميد ترست (Runnymede Trust  تأسّس هذا المركز البحثي في عام 1996م، في عام 1997 قدم تقريراً سمّاه: “الإسلاموفوبيا: تحدٍّ للعالم الإسلامي أجمع”، وكان هذا أولَ استعمالٍ لتعبير الإسلاموفوبيا. وهناك لجنة منبثقة عن هذه المركز يترأسها غوردون كونواي نائب مستشار جامعة ساسكس  (University of Sussex) تبحث في شؤون المسلمين البريطانيين وظاهرة (الإسلاموفوبيا).وقد أصدرت هذه اللجنة تقريراً تحت عنوان: الإسلاموفوبياIslamophobia) ) نشره وزير الخارجية البريطاني السابق جاك سترو Jack Straw . وترى خلية التفكير البريطانية “رنيميد ترست” Runnymede Trust أنه لا يوجد كيان واحد للأسلاموفوبيا، فهناك (إسلاموفوبيات) ولكل منها خصائص مميزة له:

 يمكن العودة إلى الموقع الإلكتروني لمركز البحث الخاص بهذه الخلية:  www.runnymedetrust.org

[4] – أعلنت الأمم المتحدة عن اعتبار من كل عام 15 ماس يوماً عالمياً لمكافحة الإسلاموفوبيا (رهاب الإسلام)، ويصادق اليوم ذكرى أليمة ضدّ المسلمين والبشرية جمعاء، حيث راح ضحية تفجير مسجدين بمدينة كرايست تشيريش بنيوزيلاندا العشرات من الأبرياء.

[5] – النّعوت الواردة للذاكرة استعملها مؤرخون فرنسيون من مدرسة الحوليات في تناول قضايا محنة اليهود الفرنسيين زمن حكومة فيشي والاحتلال النازي لباريس، ووظفها مؤرخ السلطة الفرنسية اليوم بن جاما ستورا ، راجع كتابه:

Benjamin Stora, France-Algérie : Les passion douloureuses, Ed Albin Michel, Paris

[6] – الإنجيلية: Evangélisme حركة بروتستانتية مسحية ظهرت في القرن الثامن عشر ثم انتشرت في أمريكا، وهي حركة تؤكد على “الولادة من جديد” والتفسير الحرفي للإنجيل وتوقع مجيء المسيح الثاني الوشيك الحدوث.

[7] – عبدالغني عماد، في جينالوجيا الآخر: المسلم وتمثلاته في الاستشراق والأنثروبولوجيا والسيسيولوجيا، الطبعة الأولى، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2020)، ص 35.

[8] – عبدالإله بلقزيز، ما قبل الاستشراق: الإسلام في الفكر الديني المسيحي، الطبعة 1، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2021)، ص 21.

[9] – المرجع نفسه، ص 31.

[10] – المرجع نفسه، ص 33.

[11] – نسبة إلى سارة زوجة إبراهيم، و”الهاجريين” نسبة إلى هاجر، أنظر: ريتشارد سوذرن، صورة الإسلام في أوربا في القرون الوسطى، ترجمة: رضوان السيد (بيروت: دار المدار الإسلامي، 2006)، ص 53-54.

[12] – ريتشارد سوذرن، صورة الإسلام في أوربا في القرون الوسطى، تر: رضوان السيد،  (بيروت: دار المدار الإسلامي، 2006)، ص 87.

[13] – أحداث دونها القس الكاثوليكي أوخيليو تتحدث عن إعدام المسلمين حوالي خمسين   مسيحياً بين فترة (851-859م)، والقصة أن هذا القس وجد مخطوطة في أحد الأديرة تتحدث عن النبي الجديد بعنوان “النبي المشؤوم” وقام بتلخيص النص والذي فيه سب وشتم للنبي عليه السلام، وقال لأتباعه تحدثوا به في الأسواق بقرطبة وإشبيلية، طبعاً كان الإعدام لبعضهم والجلد لبعضهم الآخر، واعتبرت االكنيسة الكاثوليكية هؤلاء شهداء، والرّواية تحمل عدة تناقضات ولا يزال الخلاف حولها، كما يعتبرها البعض البدايات الأولى للإسلاموفوبيا لأنّ هؤلاء القساوسة قاموا باستفزاز المسلمين والاستهزاء بديانتهم، وبالتالي يرى البعض هذه الحادثة بداية الصدام بين الأديان وتبنى هذا الطرح مجموعة مؤرخين في اسبانيا في القرن التاسع عشر ثم يعتمدها صموئيل هانتينغتون في القرن العشرين)                                    

[14] – الصدام الدموي في المشرق أو ما سمي بـ”الحروب الصليبية” وفي الأستوغرافيا العربية لا يوجد كلمة الصّليبية وإنما “الفرنجة”، وهي عبارة استخدمت في القرن الخامس عشر ميلادي، عد إلى: عبدالإله بلقزيز، مرجع سابق، ص 163.

[15] – Maxim Rodinson, entre Islam et Occident, Ed Belles lettres (Paris), 1998, P 23.

[16] – هشام جعيط، أوربا والإسلام، صدام الثقافة الحديثة، الطبعة 3، (بيروت” دار الطليعة، 2001)، ص 13.

[17] – عماد عبدالغني، عبء الآخر: صورة العدو في العقل السياسي الأمريكي (بيروت: دار الإنشاء للصحافة والطباعة والنشر، 2004)، ص ص 130-131.

[18] – المسيحانية أو الميسانية Messianism  مصطلح استعمل في الأصل للدلالة على الإيمان بعودة المسيح، وفي هذا الصدد استعمل للدلالة على اليهود الذين يؤمنون بعودة المسيح (اليهودية الميسيانية).

[19] – عز الدين عناية، حركات الإنجيليين الجدد: معنى ظهورها وانتشارها، التفاهم (مجلة)، العدد 65، (سلطنة عمان: وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، 2019)، ص 116.

[20] – ماهي المسيحية الصهيونية الأصولية الغربية؟ ترجمة: لولانس سمور( القدس، مركز اللقاء للدراسات الدينية والتراثية في الأرض المقدسة، 1991) ص 9.

[21] – عز الدين عناية، نحن والمسيحية في العالم العربي وفي العالم، الطبعة 1، (الدار البيضاء: دار توبقال للنشر، 2010)، ص 173.

[22] – يمكن هنا العودة إلى كتاب يحاول أن يقرأ أثر الإخوان المسلمين في تقوية خطاب الإسلاموفوبيا بفتاويهم التي تقف حائلاً أما تحقيق :المواطنة” و”الإندماج، كتاب: “المشروع: استراتيجية الفتح والتسلل للإخوان المسلمين في فرنسا” (بالفرنسية).

Alexandre Del Valle et Emmanuel Rasavi,  Le Projet : la stratégie de conquête et d’infiltration des frères musulmans en France, Ed, Essai (Paris), 2019.  

[23] – استعمل هذا المفهوم الفيلسوف الكندي ويل كيمليكا في نظريته الليبرالية عن حقوق الأقليات، أنظره:

Will Kymlicka, La citoyenneté multiculturelle, Ed, Boréal (Paris), 2017.

المواضيع ذات الصلة