يطرح لجوء أفراد جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية إلى الاستخدام الواسع لتطبيق “كلوب هاوس” “Clubhouse”، الذي يتيح لمستخدميه مشاركة أفكارهم صوتياً وربط علاقات ضمن مجموعات للدردشة الصوتية حول العالم، قضية التوظيف السلبي لمنصات التواصل الاجتماعي من قبل التنظيمات المتطرفة. كما يعيد إلى الأذهان ما تسبب فيه الاستغلال السيئ لهذه المنابر الافتراضية (وخاصة تويتر وفيسبوك) من فوضى أمنية ودمار للمجتمعات العربية خلال ما كان يعرف بـ “الربيع العربي”، والتي ما تزال آثارها مستمرة حتى اليوم في بعض الدول العربية مثل ليبيا وسوريا[1].
ولا يخفى على أحد اليوم أن منصات التواصل الاجتماعي تحظى بالأفضلية ضمن حزمة أدوات الجماعات المتطرفة في العالم إذ توظفها على نطاق واسع في عمليات تجنيد الأتباع، والترويج لأيديولوجياتها، بل واستخدامها أيضاً في مهاجمة الخصوم وزرع الفتن في المجتمعات من خلال ما تروج له؛ ولذا أصبحت هذه المنصات من أقوى أدوات التواصل التي تعتمد عليها هذه الجماعات في تحقيق أهدافها، وخاصة بعد أن تأكدت من محدودية تأثير وسائل التواصل التقليدية.
وقد أثبتت منصات التواصل الاجتماعي والتطبيقات الإلكترونية الحديثة بالفعل أنها ذات قيمة كبيرة ومردودات عالية في مجال خدمة أهداف هذه الجماعات في الحشد والتعبئة والتجنيد والتواصل وتنسيق المواقف لتحقيق أجنداتها ومساعيها التخريبية. ويحرص، من هذا المنطلق، أعضاء هذه الجماعات على متابعة كل تطور جديد في مجال أدوات التواصل الاجتماعي وتطبيقاته. كما يتحينون الفُرص التي قد يوفرها كل تطبيق جديد يظهر بهدف استغلالها وتوظيفها في تحقيق أجنداتهم.
ويجدر الإشارة هنا إلى أن التطورات المتسارعة التي تشهدها هذه التطبيقات تجعلها تظهر وتنتشر بسرعة ثم تتراجع ويتضاءل تأثيرها لصالح منصات أحدث، وهو ما يجعل الجماعات المتطرفة في حالة من التنقل الدائم بين هذه المنصات للاستفادة من الميزات التي تتيحها كل منها لتحقيق أهدافها وأجندتها، ومن ثم فإن الأمر لا يقتصر فقط على تطبيق “كلوب هاوس”، وإنما يتعلق بالثورة المتجددة في عالم تطبيقات التواصل والمحادثة وغيرها وكيفية توظيفها من قبل جماعات المتطرفة[2].
ويمكن، في هذا الصدد، لمتتبع نشاطات الحركات المتطرفة وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين من عام 2010 إلى الآن، ملاحظة أن جميعها قد اعتمد على هذه الوسائل لنشر أفكاره التي تستهدف ضرب استقرار المجتمعات في العالم، والترويج لخطاب الكراهية والتطرف؛ ومن أمثلة ذلك توظيف الإخوان لهذه الوسائل لحشد المتعاطفين خلال انتفاضات “الربيع العربي”، واستخدامهم السلبي لتطبيق “يورو فتوى” الذي دفع بالكثيرين إلى مطالبة شركتي “غوغل” و”أبل” بحذفه من متجريهما، خاصة وأن التطبيق كان يروج لتطرف الجماعة في أوروبا[3].
ولا تجد، في السياق نفسه، جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من الجماعات المتطرفة أي مشكلة أو حرج في توظيف فضاءات الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي أو تطبيقاته من أجل نشر خطابها الذي يروج للكراهية والعنف، ومهاجمة حكومات الدول المعادية لها، وتهديد السلم في بعض المجتمعات، حتى ولو بدا الأمر للوهلة الأولى لا يمثل خطراً من وجهة نظر بعض الدوائر الغربية.
تطبيق “كلوب هاوس” والجدل المجتمعي
أثار ظهور تطبيق “كلوب هاوس” وانتشاره الواسع عبر العالم جدلاً مجتمعياً كبيرا حول الجدوى من وجود وسائل التواصل الاجتماعي بالكامل، وما يمكن أن تمثله هذه الوسائل من مخاطر على الاستقرار المجتمعي إذا تم إساءة استخدامها؛ فالبعض يصل في نظرته إلى هذه الوسائل وما تقوم به من أدوار وظيفية للجماعات الإرهابية إلى حد الحكم عليها بأنها سبب كل الخلافات السياسية والأزمات الأمنية التي تمر بها بعض المجتمعات ولا سيما في الشرق الأوسط، بعد أن أصبحت وسيلة سهلة وغير منضبطة لنشر خطاب الكراهية والتطرف.
وينظر، في السياق نفسه، البعض الآخر إليها من ناحية أنها تمثل أحد إفرازات التحولات الكبرى في عالم التقنية، وأنها كأي تطور تكنولوجي له سلبياته وله إيجابياته؛ ومن ثم فمن غير المنطقي ولا العقلاني الحكم عليها بأنها غير مفيدة للمجتمعات البشرية خاصة في ظل أهميتها في تسهيل التواصل ونقل المعرفة، كما ينبغي عدم الخلط بين أهميتها وبين توظيفها من قبل المخربين الذين لن يدخروا جهداً في البحث عن طرق ووسائل أخرى بديلة تعينهم على تحقيق مساعيهم ما لم يتحقق مرادهم بهذه الوسائل[4].
وبعيداً عن هذا الجدل الذي لا ينفي أو يمنع حقيقة أن العالم أصبح يعيش في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، تبقى إحدى سماتها أنها باتت أداة محورية في أيدي المتطرفين والإرهابيين لنشر أفكارهم واستهداف الشباب – ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط. كما أن باستخدامهم الخبيث لهذه الوسائل شكلوا ذهنية جماعية تُرادف هذه الوسائل بالفوضى والتخريب؛ ولا يتوقف الأمر عند هذا بل تخطاه إلى تشويه صورة الإسلام، بالقدر نفسه، عن طريق استخدام الخطاب الديني لتجنيد الشباب العربي والمسلم[5].
توظيف الإخوان المسلمين لتطبيق “كلوب هاوس”
اخترقت عناصر جماعة الإخوان سريعا تطبيق “كلوب هاوس” الصوتي الجديد، وتواجدوا بكثافة في غرف الدردشة الخاصة به، وبدأوا في عقد اجتماعاتهم عبره. ويشكل لجوؤهم لهذه الوسيلة تطوراً طبيعياً، بفعل نجاح الدول العربية والخليجية في الحد من توسع التنظيم وتضييق الخناق عليه عبر منصات التواصل الاجتماعي التقليدية مثل فيسبوك وتويتر؛ وفي ظل هذه الظروف وجد هؤلاء في تطبيق “كلوب هاوس” ضالتهم لإحياء تجربتهم في تمزيق المجتمعات واختراقها في حركة بهلوانية يائسة هدفها بث أفكارهم وتجنيد أتباع ومؤيدين جدد.
لقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة ميدان لحرب أفكار مستعرة بين التنظيمات المتطرفة من جانب والحكومات والتيارات الليبرالية الداعمة لها من جانب آخر، فالطرفين يسعيان لكسب معركة العقول والقلوب وخاصة لدى الفئات الشابة الأكثر استخداماً لهذه التطبيقات؛ وهنا يجب الإشارة إلى أن الحرب الإعلامية والفكرية ضد جماعة الإخوان وغيرها من التنظيمات المتطرفة ليست سهلة، حتى لو كانت هذه الجماعة قد فشلت في إدارة المعركة الإعلامية خلال الفترة الماضية بعد اتضاح خطورة توجهاتها على المجتمعات[6].
وبناء على ما سبق، لا يمكن القبول مبدئياً بالتقليل من خطورة هذه التطبيقات، لأن هذا قد يعطي الجماعات المتطرفة الفرصة لفرض رؤاها من خلال هذه التطبيقات، بصورة تؤدي إلى إثارة التوترات والانقسامات داخل المجتمع وتسمح بوقوع الشباب فريسة لخطاب الكراهية الذي تنشره عبر هذه التطبيقات.
ومع الإقرار بأن الشعوب باتت اليوم أكثر وعياً من ذي قبل، فيجب ألا ننسى أن هذه الجماعات المتطرفة تجيد تصيد الفرص؛ وهذه القدرة تستلزم عدم التقاعس في مواجهة خطاب هذه الجماعات عبر هذه الوسائل القائمة، لأن الأمر لن يقف عند حد تطبيق “كلوب هاوس”. كما سنشهد ظهور تطبيقات جديدة سيستغلها الإخوان في محاولة العودة من جديد، والتواصل مع الشباب والتقرب إليهم (خاصة الجيل الذي لم يتشكل ذهنياً بعد)، والتركيز على القضايا التي تستحوذ على اهتمامهم، تمهيداً لتجنيدهم وحشو أذهانهم بأفكار متطرفة ومشوهة.
ويمكن من هنا تفسير “تهافت” الإخوان على توظيف تطبيق “كلوب هاوس”، فهو وسيلة حديثة لم يَذِع صيتها بعد بمستوى باقي التطبيقات التي صارت أحد أدوات صدهم والقضاء على تواجدهم مجتمعياً. فكان من المناسب “امتطاء” هذا التطبيق قبل أن تُسلط عليهم الأضواء ويخسروا ساحة جديدة لمعركتهم الفاشلة[7]. ويبدو أن “الإخوان” قد فوجئوا بتنامي حجم الوعي الشعبي ضدهم والقدرة على إدراك أهدافهم، لا سيما أن هناك تناقضاً بين الخطاب الإنساني المعلن، القائم على تقبل الآخر، وفكرهم الحقيقي الذي كشفته الممارسات على الأرض خلال فترة حكمهم لمصر، والتي أظهرت أنهم أبعد ما يكونوا عن قيم الديمقراطية والتعايش.
منع التوظيف السلبي لتطبيقات التواصل
رغم أن تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي تخدم الحاجات الإنسانية وتسهل التواصل بين البشر، وتوفر أجواء نقاشية عميقة وتفتح أفاقاً كبيرة للتفاعل الحضاري البناء بين البشر، إلا أن خطورتها تكمن في قدرة التنظيمات المتطرفة مثل الإخوان المسلمين على اختراقها وتوظيفها لخدمة أجنداتهم وأفكارهم التي تروج للكراهية والعنف ورفض الآخر[8].
ومن هنا تأتي أهمية التحرك الجاد والمنسق دولياً لمنع هذه الجماعات والتنظيمات المتطرفة من اختراق تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي، والضغط على شركات تقنيات المعلومات الكبرى المسؤولة عن هذه التطبيقات لوضع الآليات والتدابير الصارمة التي تحول دون استفادة هذه الجماعات من تطبيقاتها في ترويج خطابها المتطرف وأفكارها التي تحرض على العنف والإرهاب، والتصدي الفاعل لهذا الفكر الذي يستهدف زعزعة أمن الدول والمجتمعات.
المصادر:
[1] أحمد فوزي سالم، “لماذا تسارع الإخوان بإنشاء مراكز بحثية في كل بلدان العالم؟”، موقع فيتو، 26 فبراير 2021، https://bit.ly/3bMa5vd
[2] فهد سليمان الشقيران،” كلوب هاوس ..المثقف وأزمة الأثر المفقود”، صحيفة الشرق الأوسط، 25 فبراير 2021، https://bit.ly/3aV8jZI
[3] مركز تريندز للبحوث والاستشارات، “شركات التكنولوجيا والتطرف الرقمي“، صحيفة الاتحاد، 14 نوفمبر 2020. https://bit.ly/2MD82RL
[4] فهد سليمان الشقيران، المرجع السابق
[5] محمد خلفان الصوافي، “أحاديث الإخوان المسلمين في كلوب هاوس”، موقع العين الإخبارية، 23 فبراير 2021، https://bit.ly/3r3XkTl
[6] تركي بن عبدالله الدخيل، منصات الميديا الجديدة والعنف المقدس، (دبي، مركز المسبار للدراسات والبحوث، مارس 2015) ص ص 5-7
[7] محمد خلفان الصوافي، مرجع سابق
[8] سوسن الأبطح، “كلوب هاوس يكتسح”، صحيفة الشرق الأوسط، 26 فبراير 2021، https://bit.ly/3r1BnV5