أدركت جماعة الإخوان المسلمين مبكراً وقبل غيرها من جماعات الإسلام السياسي أهمية الإعلام الرقمي، فسعت إلى توظيف هذا النوع الجديد من الإعلام لتحقيق مجموعة من الأهداف التي تخدم مشروعها السياسي والترويج لأيديولوجيتها العابرة للحدود والمرتبطة بأحلامها الخاصة بـ “إحياء دولة الخلافة وأستاذية العالم“. وتمكنت الجماعة بالفعل من أن يكون لها وجود واسع على الشبكة العنكبوتية عبر عدد كبير من المواقع الإلكترونية الناطقة باسمها والمؤيدة لها، والتي استخدمتها في الترويج لأفكارها المتطرفة عبر الحدود.
الإخوان وامتلاك أدوات الإعلام الرقمي
لم تتأخر جماعة الإخوان المسلمين في الانخراط في الإعلام الرقمي والعمل على امتلاك أدواته المختلفة، فمع بدء استخدام شبكة الإنترنت في مصر – مقر التنظيم الأم للجماعة – خلال تسعينيات القرن الماضي، تنبهت الجماعة إلى أنها وجدت أداة حقيقية تساعدها في كسر الحصار الإعلامي الذي فرضته عليها الدولة في محاولة للحد من قدرتها على نشر أفكارها في المجتمع عبر وسائل الإعلام التقليدية.
وفطن الإخوان في ظل هذه البيئة الجديدة الزاخرة بوسائل تواصل جديدة إلى أنه بات بمقدورهم نشر أفكارهم والترويج لها ليس فقط داخل المجتمع المصري وإنما أيضاً خارج حدوده بالنظر إلى إمكانيات الشبكة العنكبوتية الهائلة التي تربط بين مختلف أرجاء العالم، وذلك من دون أن يكون في وسع الدولة منعها من ذلك.
ويعود أول تعامل من قبل الإخوان مع الإعلام الرقمي إلى عام 1998 حينما أطلقت الجماعة موقعاً إلكترونياً لمجلتها المطبوعة “الدعوة”[1]. كما أطلقوا بعد فترة وجيزة، مجموعة من المواقع الإلكترونية التي كانت بمثابة منظومة إعلامية إلكترونية متكاملة، مثل إخوان أون لاين عام 2003، وإخوان ويب عام 2005، وإخوان تيوب عام 2009، وإخوان ويكي عام 2009[2]، وإخوان بوك عام 2010، بالإضافة إلى Ikhwan search وهو محرك بحث خاص بالإخوان على غرار محرك البحث غوغل[3].
كما نشطت الجماعة وأعضاؤها بصورة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي سواءً في المدونات الشخصية التي ظهرت في البداية أو في مواقع التواصل الاجتماعي التي انتشرت لاحقًا (تويتر، فيسبوك، يوتيوب، انستجرام، وغيرها)، والتي أصبحت تمثل وسيلة رئيسية لها في عمليات الحشد والتجنيد ونشر الأفكار ومهاجمة النظم القائمة، كما تبين في انتفاضات ما أطلق عليه اسم الربيع العربي.
الإعلام الرقمي: وسيلة لنشر أيديولوجيا الجماعة
وظفت الجماعة هذا الإعلام العابر للحدود والبعيد عن الرقابة بقوة في الترويج لأفكارها لاجتذاب مزيد من الأتباع داخل مصر وخارجها؛ فعرضت آراءها في مختلف القضايا، وبثت مواقفها إزاء مختلف ظواهر الواقع السياسي ومتغيراته. كما خصصت موقع إخوان ويب الناطق بالإنجليزية للتواصل مع صناع الرأي الغربيين حسبما ذكر خالد حمزة، رئيس تحرير الموقع، حين قال: “مهمة الموقع الأساسية هي سد الفجوة المعرفية بين الإخوان المسلمين والمثقفين الغربيين”[4].
كما اعتُبر، في هذا السياق، موقع إخوان ويكي بمثابة مكتبة إلكترونية مصغرة يسهل الوصول من خلالها إلى سرديات الإخوان وكتابات مفكريهم، حيث عرضت الجماعة على الموقع آلاف المقالات التي تتضمن وجهة نظرها لتاريخها، والأحداث التي شاركت فيها أو تعتقد أنها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بقضيتها الإسلامية أو السياسية[5]. وساعد كذلك موقع إخوان تيوب الجماعة في مشاركة آلاف الوثائق والخطب والبيانات ومقاطع الفيديو مع الأعضاء والأتباع[6].
علاوة على ذلك أنشأت الجماعة موقع إخوان بوك ليكون، حسب ما ذكره محمد مرسي، عضو مجلس إرشاد الجماعة آنذاك موقعًا يهدف على حد قوله إلى: “التعريف بالإسلام المعتدل وتوضيح من نحن، وماذا نريد”[7]. ورغم أن الجماعة استهدفت أن يقدم هذا الموقع الخدمات ذاتها التي يقدمها موقع فيسبوك العالمي، فقد اعتبره الخبراء وسيلة دعاية متحكم فيها تعطي انطباعاً بالانفتاح على آخر مستجدات العصر[8].
توظيف الإخوان لـ “الإعلام الرقمي” خلال أحداث الربيع العربي
تمكنت جماعة الإخوان المسلمين من خلال هذه المنظومة الإلكترونية المتكاملة من إرساء وجود قوى لها على ساحة الإعلام الرقمي، ساعدها في التحرك مع بدء ما يسمى “أحداث الربيع العربي” وانتقاله إلى مصر، واندلاع “ثورة 25 يناير 2011″، إذ وظفت الجماعة وسائل الإعلام الرقمي في تحقيق مجموعة من الأهداف الأخرى التي تنوعت بحسب المرحلة التي عاشتها الجماعة.
وقد استطاع الإخوان “اختطاف” ثورة 25 يناير بواسطة منصاتهم الإلكترونية الإعلامية، إذ لوحظ أفول نجم صفحة “كلنا خالد سعيد” التي كان لها دور محوري في اندلاع الثورة، لصالح الصفحات والمواقع الإخوانية التي سبقت الإشارة إليها[9]. وانضمت شبكة “رصد” الإخبارية الإلكترونية التي أُطلقت في 24 يناير 2011 إلى هذه المواقع، أي قبل يوم واحد من الثورة.
وارتبطت شبكة “رصد” الإخبارية الإلكترونية بجماعة الإخوان رغم أنها لم تعرف نفسها رسمياً بأنها ذراع إعلامي للجماعة[10]. كما لعبت شبكة “رصد” دوراً كبيراً في الترويج لدور الإخوان في اندلاع الثورة، وفي حض الأتباع في مختلف أرجاء البلاد على الخروج والمشاركة في المظاهرات خاصة بعدما أيقن الإخوان أن النظام في طريقه إلى السقوط.
ودفعت الأوضاع السياسية والإعلامية التي تلت ثورة 25 يناير الجماعة إلى تبني مشروعات جديدة، كان هدفها النهائي الترويج لها، وترويج لدعوتها داخل مصر وخارجها[11] ؛ إذ أطلقت الجماعة خلال عام 2011 حسابها على موقعي فيسبوك وتويتر، وبوابة “الحرية والعدالة” على شبكة الإنترنت باللغتين العربية والإنجليزية، وحساب حزب الحرية والعدالة على فيسبوك.
كما دشنت الجماعة مواقع لإخوان الأقاليم (المحافظات والمدن) على موقع فيسبوك مثل: “غربية أون لاين”، و”الشرقية أون لاين”، و”سويف أون لاين”، و”دقهلية أون لاين”، و”إخوان الإسماعيلية”، و”إخوان أون لاين البحيرة”، و”إخوان أون لاين كفر الشيخ”، وغيرها، علاوة على تدشين صفحات لحزب الحرية والعدالة في هذه المحافظات على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة[12].
وقد وظفت جماعة الإخوان المسلمين آلتها الإعلامية الرقمية لدعم مرشحها محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية التي أجريت عام 2012، وحسب البعض كون الإخوان ما يعرف بـ “مليشيات إلكترونية” أو “لجان إلكترونية” نشطت بشكل كبير خلال مرحلة الإعادة بين مرسي وأحمد شفيق، وسعت إلى نشر عبارات في المجتمع تساعد في نجاح مرسي من قبيل، “أنا مش إخوان بس بحترمهم”، و”أنا بكره الإخوان المسلمين ولكن بدعم محمد مرسي عشان أخلص من شفيق”[13].
ونشطت هذه اللجان أيضاً خلال حكم مرسي، ولعب أعضاؤها دوراً كبيراً في الدفاع سواء عن مرسي أو الجماعة في المنتديات والحوارات على الشبكات الاجتماعية، أو الهجوم على الخصوم بشدة على كل من خلافها الرأي[14]. كما لعبت مواقع الإعلام الإلكترونية دوراً مهماً أثناء المواقف الصعبة التي مر بها مرسي؛ على سبيل المثال، لعبت شبكة “رصد” دوراً رئيسياً قبل الاستفتاء على الدستور المصري الجديد وأثناءه وبعده، حيث حشدت الشبكة الـتأييد لصالح مشروع الدستور الذي تم تمريره في نهاية المطاف بأغلبية شعبية لكن دون إجماع مجتمعي[15].
وبعد سقوط حكم الجماعة في 3 يوليو 2013 عقب ثورة الشعب المصري عليها، وإغلاق وسائل إعلامها التقليدية، اعتمدت الجماعة على آلتها الإعلامية الرقمية في مواجهة الجيش، إذ استخدمت العشرات من الصفحات الإلكترونية لإدانته وإلقاء الضوء على أجندته، وفي الدعوة إلى العصيان المدني، وحشد الأعضاء والأتباع لمواجهة السلطات، بالإضافة إلى شن حملات إلكترونية ضد عناصر الجيش والشرطة[16].
كما لجأت جماعة الإخوان المسلمين إلى أذرعها الإعلامية في الغرب، والتي تمتلك خبرة كبيرة في مجال الإعلام الرقمي، في محاولة الدفاع عن الجماعة وتحسين صورتها من ناحية، والتحريض على النظام المصري من ناحية ثانية، مستغلة في ذلك مناخ الانفتاح والحريات في العديد من الدول الأوروبية في الترويج لنفسها، باعتبارها جماعة معتدلة تؤمن بالديموقراطية والحريات العامة، لكن مع ذلك فإن استراتيجيتها هذه بدأت في الانكشاف خلال الآونة الأخيرة، بعدما أدركت العديد من الدول الأوروبية موقفها المعادي للدولة الوطنية الحديثة وقيم التسامح والتعايش.
خلاصة
يكشف العرض السابق عن قدرات كبيرة تمتلكها جماعة الإخوان المسلمين في مجال الإعلام الرقمي مكنتها من الترويج لفكرها والوصول إلى شريحة عريضة من الجمهور سواء في مصر أو خارجها؛ وهو الأمر الذي بدا واضحا قبل ثورة 25 يناير 2011 وبعدها. وأخذا بعين الاعتبار حقيقة أن جماعة الإخوان المسلمين هي مصدر كل أشكال الفكر المتطرف الذي اعتنقته الجماعات الأخرى، يصبح من الضروري تبني استراتيجية تواجه هذا الانتشار الإلكتروني للجماعة وتوظيفها في نشر التطرف عبر العالم..
المراجع
[1] Alexandra A. Siegel, “New Media and Islamist Mobilization in Egypt”, Alexandra-siegel.com, July 4, 2020, P.6, https://bit.ly/3et6bIH
[2] د.شريف درويش اللبان، “من النشأة إلى السقوط: الأدوات الإعلامية لجماعة الإخوان المسلمين”، المركز العربي للدراسات والأبحاث، 19 مارس 2014، https://bit.ly/34SDq54
[3] جون لاين، “إخوان بوك: نسخة الإخوان المسلمين من فيسبوك”، موقع بي بي سي، 24 أغسطس 2010، https://bbc.in/35Yy4of
[4] Anita Breuer, “Media experiences and communication strategies of the Egyptian Muslim Brotherhood from 1928 to 2011: A brief historical overview”, Forschungsjournal Soziale Bewegungen, https://bit.ly/34VLUbN
[5] Pakinam Amer, “Muslim Brotherhood use new media to document history”, Egypt independent, February 23, 2010, https://bit.ly/2I3nns4
[6] Alexandra A. Siegel,Op.cit. P.6.
[7] “إخوان بوك النسخة الإسلامية من فيسبوك”، موقع ميدل إيست أونلاين، 25 أغسطس 2010، https://bit.ly/360mEQY
[8] “الإخوان المسلمون يطلقون النسخة الإسلامية من فيسبوك”، فرانس 24، 8 يوليو 2010، https://bit.ly/327FqEU
[9] فيصل عباس، “هل أسهمت مواقع التواصل الاجتماعي حقا في تمدّد الإسلام السياسي؟”، صحيفة الشرق الأوسط، 6 يناير 2014، https://bit.ly/3ejAMIP
[10] Sara El–Khalili,” Social media as a government propaganda tool in post-revolutionary Egypt, First Monday, Volume 18, Number 3 – 4 March 2013, https://bit.ly/34Tpo31
[11] مركز الإنذار المبكر، “مصدر واحد هدف واحد: تفكيك الشبكات المعقدة للإعلام التابع لجماعة الإخوان المسلمين”، موقع حفريات، https://bit.ly/3enQhiT
[12] د.شريف درويش اللبان، مصدر سابق.
[13] Linda Herrera and Mark Lotfy, “E-Militias of the Muslim Brotherhood: How to Upload Ideology on Facebook”, jadaliyya, Sep 5, 2012, https://bit.ly/384ReLU
[14] “دور شبكات التواصل… في الإطاحة بمرسي”، ميدل إيست أونلاين، 11أغسطس 2014، https://bit.ly/3jOrh5z
[15] Sara El–Khalili, Op.cit.
[16] Alexandra A. Siegel, Op.cit. PP 11-13.