Insight Image

العلاقات الدبلوماسية الإماراتية – الإسرائيلية: الأهمية والدلالات

16 سبتمبر 2020

العلاقات الدبلوماسية الإماراتية – الإسرائيلية: الأهمية والدلالات

16 سبتمبر 2020

أصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة الدولة الثالثة عربياً والأولى خليجياً التي بدأت رسمياً عملية تطبيع علاقاتها مع إسرائيل في إطار اتفاقية سلام لا تنظر إليها باعتبارها تؤسس لعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل فحسب، بل على أنها اتفاقية استراتيجية شاملة بين البلدين أيضاً، وهو ما يشير إلى بروز خطاب جديد لإحداث التغيير في منطقة الشرق الأوسط يحظى بالقبول والتأييد، على نحو ما تؤكده الاتفاقية اللاحقة التي تم توقيعها بين مملكة البحرين وإسرائيل، والتي تقف دليلاً على التأثير الذي أحدثته الاتفاقية الأولى والبناء عليه.

وتناقش هذه الورقة أبعاد هذه الرؤية الجديدة الحاكمة لسياسة دولة الإمارات في ما يخص هذه القضية، وذلك قبل النظر في الفرص الممكنة التي قد تنشأ عن الاصطفافات والتحالفات الجديدة في منطقة الشرق الأوسط. كما تناقش الفرص الاقتصادية التي قد تسفر عنها هذه المبادرة؛ وتخلص الورقة إلى أن هذه الاتفاقية تمثل خطوة إيجابية توفر فرصاً حقيقية من شأنها تعزيز الاستقرار الإقليمي وإيجاد حل للنزاع الطويل الأمد بين إسرائيل وفلسطين.

مقاربة جديدة لحل نزاع قديم

وفق تصريح صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، فإن اتفاق السلام الإماراتي – الإسرائيلي، جاء تجسيداً للرغبة في “وضع خريطة طريق لتدشين التعاون المشترك وصولاً إلى علاقات ثنائية”. وقبل ذلك، كتب السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة الأمريكية، يوسف العتيبة، في إحدى الصحف الإسرائيلية في شهر يونيو الماضي، موضحاً أن التحرُّك الإسرائيلي لضم أجزاء من الضفة الغربية سيكون “استيلاءً غير قانوني على الأراضي الفلسطينية”.

لقد أوقفت هذه المبادرة الدبلوماسية خطط إسرائيل الرامية إلى ضم الأراضي الفلسطينية، إضافةً إلى أنها ستُعطي دولة الإمارات والبحرين، وأي دول عربية أخرى تعقد اتفاقاً مع إسرائيل، نفوذاً أكبر يمكّنها من دعم الحقوق الإنسانية والاقتصادية للفلسطينيين في أي مفاوضات مستقبلية (1). كما أن التعامل المباشر مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يمكن أن يجعله أكثر تقبُّلاً لتغيير ذلك الاتجاه.

وأكدت دولة الإمارات أن هذا الاتفاق سيشكّل الخطوة الأولى في مسار سيحتاج إلى بعض الوقت ليصبح علاقة موثوقة، وأن المراد من العلاقة الثنائية هو تهدئة المواجهات الناشبة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. كما أكدت أيضاً التزامها وتمسكها بمبدأ حل الدولتين. وتجدر الإشارة إلى أن هذه المقاربة الجديدة في جوهرها تشدّد على اعتماد الحوار واستكشاف مسارات بديلة تضمن الوصول إلى حل مستدام يعود بالنفع على جميع الأطراف.

إضافة إلى ذلك، ورغم تشدد الموقف الفلسطيني الرافض للتحرك الإماراتي، فإن هذا الموقف لا يدرك حقيقة وأهمية الموقف الإماراتي، وأنه في مقدور دولة الإمارات من خلال هذا التوجه أن تغيِّر ديناميات المفاوضات العقيمة الجارية منذ سنوات دون تحقيق اختراق حقيقي يخدم مصالح الشعب الفلسطيني. فعلى مدى سنوات طويلة وجّهت دولة الإمارات الكثير من رأس المال السياسي والموارد لدعم الشعب الفسطيني والقيادة الفلسطينية، ولكن تلك الجهود لم تثمر سوى القليل جداً من النتائج، فيما ظل الجمود مسيطراً على المشهد، ولم تبذل القيادة الفلسطينية أي جهد لتغيير الوضع القائم. وقد عبّر الإماراتيون علناً عن استيائهم إزاء الخلاف الدائم داخل القيادة الفلسطينية بين حركة حماس وحركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، كما عبروا عن استيائهم من رفض مبادراتهم لتقديم الدعم للشعب الفلسطيني الذي يعاني بسبب سلوك قيادته لمجرد ـأن هذه المساعدات جاءت عبر المطارات الإسرائيلية. ورغم أن دولة الإمارات ما زالت مستمرة في تقديم الدعم المالي وغيره للفلسطينيين، فقد رفضت السلطة الفلسطينية المساعدات الإنسانية والطبية التي أرسلتها االدولة على متن طائرة في رحلة مباشرة هي الأولى من أبوظبي إلى تل أبيب، وذلك في مايو 2020(2) ؛ ولذا فإن هذه العلاقة الحالية تجعل الحاجة إلى مقاربات جديدة أمراً أكثر إلحاحاً.

قيادة إقليمية صاعدة

تؤمن دولة الإمارات بأن هذا الاتفاق يشكّل تجسيداً آخر لتوجُّه حكومتها وتركيزها على مفهوميْ “الاعتدال” و”التسامح” اللذين تقوم عليهما أجندة سياستها الخارجية بمفهومها الأوسع؛ ففي الوقت الذي تعمل فيه الدولة على بناء جسور التواصل مع إسرائيل وتقاوم قوى الإسلام السياسي أيضاً، فإن فكرة الحوار الديني بين المسلمين واليهود والمسيحيين والأديان الأخرى تمثل إحدى الطرق التي يمكن من خلالها أن تؤطر أبوظبي تواصلها مع تل أبيب. وفي ظل استمرار العديد من الدول العربية في معارضة التطبيع مع إسرائيل، سيكون من المهم أن تمتلك دولة الإمارات خطاباً مقنعاً وموثوقاً يبرر تحسين علاقاتها مع الدولة اليهودية، ويشجِّع الدول الأخرى على أن تحذو حذوها (3).

وقد لعبت دولة الإمارات دوراً أكثر ثقةً وتأكيداً للذات يسهم في تعزيز مكانتها الإقليمية باعتبارها عنصراً تقدمياً فاعلاً، وذلك ضمن سعيها لترسيخ نفسها نموذجاً للعالم العربي، كما استفادت من تراجُع القوى التقليدية في الشرق الأوسط، مثل مصر وسوريا والعراق، في وقت يتواصل فيه صعود دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من حيث الازدهار والنفوذ.

وقد مكن هذا التحول في ميزان القوى، دولة الإمارات من التحرك لملء الفراغ الناجم عنه وإثبات وجودها، حيث أظهرت استعدادها لتحمل المخاطر من أجل السلام، وأعلنت عن موقفها بالانخراط المباشر في عملية سلام بدلاً من الاكتفاء بالجلوس على الهامش أو انتظار الولايات المتحدة الأمريكية أو قوى أخرى لتقود مسار الأحداث(4).

إضافة إلى ذلك، تعكس أهداف دولة الإمارات جزئياً اعتباراتها الأمنية الوطنية واستجابتها العقلانية للبيئة الجيوسياسية الإقليمية؛ وبالتوقيع على ما أُطلق عليه “اتفاق إبراهيم”، عملت على تولي مسؤولية الدبلوماسية العربية من أجل إدارة المصالح الأمنية الإقليمية على نحو أفضل في ظل النوايا الأمريكية الغامضة والعداء الإيراني وطموحات الهيمنة التركية في المنطقة.

لقد أدركت دولة الإمارات أن استراتيجية واشنطن في الشرق الأوسط بدأت تتجه أكثر فأكثر إلى السماح للاعبين الإقليميين بأخذ زمام القيادة باعتبارهم جهات فاعلة مسؤولة عن ضمان الأمن وتسهيل التنمية الاقتصادية. وبعد أن تولت دوراً إقليمياً قيادياً، فإن ارتباط تحركات الإمارات بإسرائيل على وجه التحديد كان أقل من ارتباطها بالجهود التي تبذلها في محاولة إدارة الوضع الأمني الإقليمي المحفوف بالمخاطر الذي يتطلّب عملاً توازنياً دقيقاً، تفادياً للضغوط التي يمكن أن تفرضها إيران وتركيا والحركات المتطرفة (5).

وقد أكدت دولة الإمارات عبر هذا الاتفاق وفي إطار توليها دوراً قيادياً في المنطقة، أن نهجها يختلف عن نهج الدول الأخرى التي ما زالت تستغل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني لمصلحة أجنداتها الخاصة. فعلى سبيل المثال، سعت تركيا، وتحديداً رئيسها الشعبوي الطموح، رجب طيب أردوغان، إلى استغلال المظالم الفلسطينية لاستمالة مشاعر المسلمين في العالم العربي ودعم القوى الإسلاموية، خصوصاً الجماعات التابعة لتنظيم الإخوان المسلمين التي تُعدّ من بين شركاء تركيا (ووكلاء قطر).

وعلى العكس من هذه الدول، لم تؤمن دولة الإمارات بأن إسرائيل شكّلت أي تهديد لمصالحها الوطنية الجوهرية، في حين أنها هي والمملكة العربية السعودية والبحرين ترى أن إيران تشكّل مثل هذا التهديد. وتحمل إسرائيل النظرة نفسها تجاه إيران (6).

 

وجهة نظر أمريكية: الحصول على منفذ وكسب الاحترام

بالتوصل إلى اتفاق مع إسرائيل، تستكشف دولة الإمارات فرصةً لتعزيز موقفها قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر 2020، وذلك باتخاذ خطوة من شأنها أن تجلب لها دعماً قوياً من جانب الحزبين الديمقراطي والجمهوري؛ ولذا فإن “العلاقة الدبلوماسية الجديدة الإماراتية – الإسرائيلية وجدت ترحيباً حاراً من قِبل الجمهوريين والديمقراطيين، ورفعت قيمة دولة الإمارات أضعافاً باعتبارها شريكاً للولايات المتحدة في المنطقة”(7).

ومن شأن هذا الأمر، أن يساعد دولة الإمارات في تحقيق مصالحها الوطنية خاصة ما يتعلق بالحصول على الأسلحة المتقدمة، فقد سعت الدولة منذ فترة طويلة، إلى الحصول من الولايات المتحدة على أسلحة أكثر تطوراً، وبعد سنوات من رفض الأخيرة بيع هذه الأسلحة، مثل مقاتلات الجيل الخامس من طائرات لوكهيد مارتن “إف-35″، فإن أي تغير في الموقف الأمريكي سيرتبط بالمبادرة الإماراتية الدبلوماسية. وبطبيعة الحال، ستحصل الإمارات أيضاً على أحدث التقنيات العسكرية من العديد من حلفائها الدوليين، مثل فرنسا وألمانيا وروسيا والصين.

ولا شك في أن هذا الاتفاق سيساعد الإمارات في التغلب على الاعتراضات الأمريكية على بيع الأسلحة بناءً على التزام الولايات المتحدة بالمحافظة على التفوق النوعي العسكري الذي تتمتع به إسرائيل مقارنةً بدول المنطقة. كما أنه من المحتمل، في المقابل، أن تخفف إسرائيل من تشدد سياستها تجاه صادرات الأسلحة إلى دول الخليج، وكذلك محاولاتها الحد من بيع الأسلحة الأمريكية المتقدمة لها، وذلك في إشارة إلى أنها ترى في الإمارات شريكاً محتملاً لا تهديداً(8).

اقتصاديات التطبيع

يتميز “اتفاق إبراهيم”، بالنسبة لدولة الإمارات، بأنه بعيد الأثر ويتضمن التعاون في مجالات التجارة والسياحة وتطوير لقاح ضد فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” كمسألة ذات أولوية. وفي ظل استمرار الفيروس الذي هزّ اقتصادات المنطقة، يأمل المسؤولون في إسرائيل والإمارات أن يجلب السير نحو تطبيع العلاقات مكاسب اقتصادية، خصوصاً في قطاعات مثل التكنولوجيا الطبية والطاقة المتجددة، التي يمكن أن تستفيد بسرعة أكبر من غيرها. وتشير الأخبار إلى أن المؤسسات التجارية والمالية الإسرائيلية تأمل أن ينمو حجم التجارة الثنائية مع الإمارات والبحرين في المستقبل إلى نحو 6.5 مليار دولار(9).

إن تركيز الاتفاق على تطوير التجارة سيقود أيضاً إلى تعزيز العلاقات بين دولة الإمارات وإسرائيل، حيث أعربت المصارف وشركات الطيران الإسرائيلية سلفاً عن اهتمامها ورغبتها في الاستفادة من فرص الاستثمار الممكنة في منطقة الخليج العربي(10). وسيحقق الجانبان مكاسب اقتصادية من خلال التعاون والمشاريع المشتركة في قطاعات الصحة والطب ومشاركة القطاع الخاص وزيادة حركة السياحة.

كما يمكن أن تستفيد دولة الإمارات من السياحة الطبية والخبرة الإسرائيلية في تكنولوجيا تحلية المياه والري على وجه الخصوص، وستكون أيضاً راغبة في الحصول على تكنولوجيات الأمن السيبراني والمراقبة والتكنولوجيات العسكرية الإسرائيلية ويمكنها أن تقيم شراكات مع شركات التكنولوجيا الإسرائيلية لتطوير هذه المنظومات. ولأن المنطقة ستشهد فتح أسواق جديدة مهمة، فقد تزداد الفرص التجارية مع الشركات الفلسطينية أيضاً.

الخاتمة

يُعدّ تطبيع العلاقات بين دولة الإمارات وإسرائيل مبادرة دبلوماسية مبتكرة تمهّد لتحالفات إقليمية جديدة وتقدِّم حلاً للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني؛ كما أن المصالح الأمنية المشتركة في مواجهة عدد من التهديدات الإقليمية تفسِّر جزئياً السياسة الإماراتية في هذا السياق، فيما يجسِّد الاتفاق رغبة أبوظبي واستعدادها لتولي دور إقليمي قيادي والبناء على مكانتها الدولية الحالية من خلال تشجيع الاعتدال والتسامح.

إضافة إلى ذلك، تشكّل الفرص الاقتصادية التي توفرها الاتفاقات بين إسرائيل وكل من دولة الإمارات ومملكة البحرين عاملاً سيساعد على تقوية العلاقات، نظراً إلى أن التجارة تعزز إمكانية التنبؤ بما سيحدث وتقلل احتمالات التنافس والنزاع، وفي ظل الوضع الجديد الذي أوجدته هذه الاتفاقات، من المأمول أن ينتهز جميع الأطراف هذه الفرصة لتقوية الأمن الإقليمي وحسم الصراع المستمر منذ سبعة عقود، وذلك بإيجاد حل عملي يضمن تحقيق السلام والازدهار.


المراجع

[1] The Atlantic Council. 2020. “Will US-brokered agreement between UAE and Israel be a game changer?” https://www.atlanticcouncil.org/blogs/new-atlanticist/will-us-brokered-agreement-between-uae-and-israel-be-a-regional-gamechanger/

[2] Cook, S. 2020. “What’s behind the New Israel-UAE Peace Deal?” Council on Foreign Relationshttps://www.cfr.org/in-brief/whats-behind-new-israel-uae-peace-deal.

[3] Fahy, J. 2018. “The International Politics of Tolerance in the Persian Gulf.” Religion, State & Society, 46(4), 311-327

[4] Bianco, C. and Lovatt, H. 2020. “Israel-UAE peace deal: Flipping the Regional Order in the Middle East,” European Council on Foreign Relations,

https://www.ecfr.eu/article/commentary_israel_uae_peace_deal_flipping_the_regional_order_of_the_middle

[5] Katzman, K. 2019. The United Arab Emirates (UAE): Issues for US Policy. Congressional Research Service. Washington, DC., p. 8-12

[6] Vakil, S. 2018. Iran and the GCC. Hedging, Pragmatism and Opportunism. Chatham House., p. 9-13

[7] The Atlantic Council. 2020. “Will US-brokered agreement between UAE and Israel be a game changer?” https://www.atlanticcouncil.org/blogs/new-atlanticist/will-us-brokered-agreement-between-uae-and-israel-be-a-regional-gamechanger/

[8] Cook, S. 2020. “What’s behind the New Israel-UAE Peace Deal?” Council on Foreign Relations, https://www.cfr.org/in-brief/whats-behind-new-israel-uae-peace-deal.

[9] Bloomberg. 2020. “Israel Sees $6.5 Billion in Trade as UAE Peace Talks Start,” https://www.bloomberg.com/news/articles/2020-08-31/israel-sees-6-5-billion-in-trade-as-uae-peace-talks-kick-off.

[10] Financial Times. 2020. “Israel expects $500m in deals with Bahrain and UAE,” https://www.ft.com/content/d554cc7c-5c49-46dd-ae2b-fb1bbc74a117.

 

المواضيع ذات الصلة