للحرب فنونها، ومن أهمها أن ترى في كل ما يحيط بك سلاحًا محتملًا يمكن استخدامه للفوز بها، وربما كانت الانتخابات الرئاسية الأمريكية إحدى أهم المعارك التي يشهدها العالم كل 4 سنوات. ولم لا؟ والفائز بها يمتلك مقاليد الحكم بالدولة الأكثر نفوذًا بالعالم، منذ سقوط الاتحاد السوفيتي وحتى الآن، وهي قوة هائلة لم يمتلك مثيلًا لها أيٌّ ممن خاضوا غمار الحروب في أي بقعة حول العالم.
أولًا: تأثير وسائل التواصل الاجتماعية في الحملات الانتخابية الأمريكية:
وجد المرشحون لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية في مواقع التواصل الاجتماعي سلاحًا محتملًا يمكنهم استخدامه في عرض برامجهم الانتخابية، وكذلك في تفكيك خطاب المنافسين لهم ومهاجمتهم، خاصة أن هذه المنصات الإلكترونية أصبحت مصدرًا رئيسيًا للحصول على المعلومات، لا سيما بين صفوف الشباب.
تشير إلى ذلك الأمر إحصاءات مركز Pew للأبحاث، حيث أوضحت أن 65% من مستخدمي موقع X في الولايات المتحدة الأمريكية يرون أن متابعة الأخبار سبب رئيسي أو ثانوي لاستخدامهم منصة X مقارنة بـ37% في منصة فيسبوك، فيما يركز 92% من المستخدمين في منصة X على متابعة شكل خبري واحد على الأقل لمعرفة آخر الأخبار، مقارنة بـ91% على منصة فيسبوك(1). كذلك تشير الإحصاءات، التي نشرها موقع Statista، إلى أن 25% من حسابات مواقع التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة الأمريكية تعود لجيل المراهقين Gen Z، مواليد 1995-2012، فيما يسيطر الشباب Millennials، مواليد 1980-1994، على 37% من هذه الحسابات، وذلك حتى يوليو 2024(2)، أي أن فئة الشباب، إن صح التعبير، تسيطر على 62% من إجمالي مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في أمريكا.
لكن السؤال الأكثر أهمية: هل يهتم الشباب الأمريكي بالانتخابات الرئاسية ويذهب لصناديق الانتخابات بالفعل؟ الإجابة نعم، ويؤكد ذلك الإحصائية الصادرة عن مركزCenter For Information and Research on Civic Learning and Engagement “CIRCLE”، التي تشير إلى أن جيل الشباب Gen Z الحالي يصوت في الانتخابات بمعدلات أعلى من الأجيال السابقة في فئته العمرية نفسها. كذلك يوضح المركز أن الانتخابات الأمريكية المقبلة 2024 سوف تشهد وجود كتلة تصويتية من الشباب تقدر بـ40.8 مليون صوت، تتراوح أعمارهم بين 18 و27 عامًا، منهم 8.3 ملايين صوت، تتراوح أعمارهم بين 18 و19 عامًا، يمتلكون الحق في التصويت للمرة الأولى منذ انتخابات التجديد النصفي في 2022، وهؤلاء الشباب يمتلكون قوة هائلة في التأثير على الانتخابات(3). ويشير 57% من الشباب الأمريكي إلى أنهم “يرغبون بشدة” في التصويت خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة، فيما أفاد 15% منهم بأنهم “يرغبون” في التصويت بها(4)، أي أن هناك نحو 72% من الشباب الأمريكي سيصوتون في الانتخابات المقبلة.
يثير ذلك، بالتأكيد، تساؤلات في أذهان المرشحين للانتخابات عن الطرق الواجب اتباعها للاستفادة من كتل تصويتية ضخمة مثل هذه، خصوصًا أنها قادرة على قلب موازين التصويت لمصلحتهم، إذا أحسنوا استخدامها. من هنا، تبرز مواقع التواصل الاجتماعي، التي تؤكد الدراسات اعتماد الشباب عليها لمعرفة الأخبار وأبرز المستجدات داخليًا وخارجيًا، أي أن السيطرة على طريقة تشكيل الرسالة الإعلامية المقدمة من هذه المواقع سوف تمكنهم من بلورة الصور الذهنية المشكَّلة لدى الشباب حول مختلف القضايا، وبالتالي تحديد ردود أفعالهم تجاهها بصورة غير مباشرة. يفسر ذلك الأمر أسباب اهتمام المرشحيَن الرئاسيَّين المحتملَين، دونالد ترامب وكامالا هاريس، بصفحتيهما الرسميتين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما نسعى لفهمه وتفكيك مكوناته خلال هذه الدراسة، والتي تمتد منذ انسحاب الرئيس الأمريكي جو بايدن، 21 يوليو 2024، وحتى 21 أكتوبر 2024، أي خلال الربع الأخير قبل بدء الانتخابات الأمريكية رسميًّا.
ثانيًا: الفيس بوك والتأثير في الحملات الانتخابية:
يعد تطبيق فيسبوك أكثر التطبيقات الإلكترونية انتشارًا في العالم بعدد مستخدمين فاعلين شهريًا يبلغ 3.06 مليارات مشترك(5)، وتمتلك الولايات المتحدة بمفردها 193.8 مليونًا في التطبيق، وتقع في المرتبة الثانية عالميًا في عدد مستخدمي التطبيق بعد الهند(6)، وهو ما يوضح أهميته ومكانته في أمريكا.
تباينت علاقة المرشحَين على رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، دونالد ترامب وكامالا هاريس، مع تطبيق فيسبوك والرئيس التنفيذي لشركة ميتا Meta المالكة للتطبيق، مارك زوكربيرج، حيث اتسمت علاقة الأخير مع ترامب بالتوتر الشديد على فترات مختلفة، فيما اتسمت علاقته مع هاريس بالهدوء، ولم تظهر بها خلافات تذكر.
وصلت العلاقة بين ترامب وزوكربيرج إلى ذروة توترها في مناسبتين؛ الأولى عندما رأى ترامب أن مارك “مجرم” بسبب “السماح له بالتبرع بـ400 مليون دولار، وهو ما منحه القدرة على التأثير في الانتخابات الأمريكية”(7)، الأمر الذي نفاه زوكربيرج، الذي أوضح أن هذه الأموال لم تذهب لحزب بعينه، وأنها خُصصت لشراء أدوات الوقاية اللازمة من فيروس كورونا داخل لجان الاقتراع، مؤكدًا أن غياب الحكومة عن القيام بهذا الدور هو ما دفعه لذلك(8). أما المناسبة الأخرى، فجاءت عندما توعد ترامب في كتابه بـ”إبقاء مارك في السجن لفترة طويلة، إذا قام بأي شيء غير قانوني تجاه الانتخابات الأمريكية المقبلة”(9).
وعلى الرغم من تباين موقفهما، فإنه يمكن القول إن كلًا من دونالد ترامب وكامالا هاريس يعرف جيدًا أهمية تطبيق فيسبوك والقدرة الكبيرة التي يمتلكها في التأثير في قطاع واسع من الناخبين؛ نظرًا لما يمتلكه من قاعدة جماهيرية عريضة في أمريكا، وهو ما يفسر اهتمامهما بصفحتيهما بالتطبيق، الأمر الذي نعرفه بصورة أكثر تركيزًا في الآتي:
1- دونالد ترامب وفيسبوك.. “الرغبة في الانتشار برغم العداوة”
أ- إعادة تفكيك المواد المنشورة:
وصل عدد المتابعين للصفحة الرسمية للرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، إلى 34 مليونًا، حيث تدير حملتَه الانتخابية صفحتُه، ونشرت 427 مادة، خلال الإطار الزمني لهذه الدراسة.
وعلى الرغم من أنها صفحة شخصية لمرشح محتمل لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، فإن ترامب، وعلى غلاف Cover صفحته الرسمية، فضل وضع صورته مع زوجته السيدة الأولى السابقة، ميلانيا ترامب، بدلًا من وضعها مع نائبه المحتمل، جيمس فانس، أو حتى وضع اسمه.
يتأكد ذلك من مراجعة قائمة المتابعين Following، التي تشمل 7 حسابات فقط، وهم زوجته وأبناؤه وكيمبرلي جيلفويل، خطيبة ابنه ترامب جونيور، فيما لم يتابع ترامب الحساب الرسمي لنائبه، على الرغم من أن حملة ترامب للانتخابات الرئاسية هي المسئولة عنه.
يؤمن ترامب بأن منصات التواصل الاجتماعي تُعد الإعلام البديل الذي يُمكّنه من نشر ما يريد، حيث يكمن دور هذه المنصات، مثل فيسبوك، في نقطتين، الأولى: نشر نشاطاته الانتخابية والاحتفاء بها، والأخرى: مهاجمة الحزب الديمقراطي وأعضائه، خصوصًا المنافسين المباشرين له.
رسخت تلك النظرة طبيعة المواد المنشورة عبر الصفحة الرسمية له في فيسبوك، حيث نشرت 427 مادة، خلال الإطار الزمني للدراسة، وجاءت الفيديوهات في مقدمة المواد المنشورة بنسبة 50.67%، وجاءت الصور في المرتبة الثانية بنسبة 31.67%، ثم جاء دمج النص والصورة معًا في المرتبة الثالثة بنسبة 17%، فيما جاء النص فقط في المرتبة الأخيرة بنسبة 0.66%.
وركزت 55.75% من المواد المنشورة عبر الصفحة الرسمية لترامب على مهاجمة مرشحي الحزب الديمقراطي، سواء كان الرئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، أو نائبته المرشحة الحالية كامالا هاريس، أو نائبها حاكم ولاية مينيسوتا الحالي، تيم والز، بينما ركزت 43.36% من المواد المنشورة على البرنامج الانتخابي لترامب، و0.88% منها على ذكر نائب ترامب، وهو الأمر الذي ظهر بندرة طوال الإطار الزمني للدراسة.
منها على ذكر نائب ترامب، وهو الأمر الذي ظهر بندرة طوال الإطار الزمني للدراسة.
أيضًا، يمكن تقسيم المواد المنشورة، وفقًا لمضمون الخطاب الخاص بها، وهنا يجب إيضاح أن المادة المنشورة
أيضًا، يمكن تقسيم المواد المنشورة، وفقًا لمضمون الخطاب الخاص بها، وهنا يجب إيضاح أن المادة المنشورة قد تتضمن خطابين معًا في آن واحد. على سبيل المثال، تضم خطابًا أمنيًا ذا بعد اجتماعي، حيث جاء الهجوم على الآخر في المقدمة بنسبة 25.22%، ثم متغير آخر بنسبة 20.77% في صورة تكرارات متنوعة، شملت المواد التي تضم روابط إلكترونية، أو إنشاء تجمعات افتراضية Events وغيرها، ثم القضايا السياسية بنسبة 18.99%، ثم القضايا الاجتماعية 13.95%، ثم القضايا الأمنية بنسبة 12.17%، ثم القضايا الاقتصادية بنسبة 8.01%، ثم القضايا المتعلقة بالسياسات الخارجية بنسبة 0.89%.
ب- محتوى المواد المنشورة:
بصورة أكثر تركيزًا على المواد المنشورة، نجد أن ترامب اهتم بالترويج لبرنامجه الانتخابي والأهداف التي يسعى لتحقيقها، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، وذلك عن طريق استخدام الاستمالات العقلية والعاطفية في مضمون المواد التي ينشرها عبر صفحته الرسمية في فيسبوك.
على سبيل المثال، ركز ترامب على مستوى الاستمالات العاطفية في الترويج لنفسه، فقد سعى إلى إبراز رغد الحياة التي عاشها لسنوات طويلة، ومقارنة ذلك بصورته، بعد محاولة اغتياله مباشرة وهو مُلقى على الأرض وتسيل الدماء من وجهه، وذكر عبارة: “الحياة التي عاشها.. الحياة التي اختارها”، وكذلك الترويج لزياراته الشخصية للولايات الأمريكية المختلفة، من خلال ذكر نشر صور وفيديوهات وعبارات توضح شعبيته الجارفة بمختلف الولايات؛ بهدف صنع صورة ذهنية إيجابية عن نفسه لدى الناخب الأمريكي.
استمر ترامب في استخدام الاستمالات العاطفية المختلفة، وذلك خلال تأكيده أنه يتذكر كل الجنود الذين قُتلوا في أفغانستان، خلال عملية الانسحاب الأمريكي، التي وصفها بالعملية الأكثر إحراجًا لبلاده في تاريخها؛ بهدف كسب أصوات أسرهم ومعارضي الانسحاب، وكذلك في إبراز الأدوار التي يقوم بها خلال إعصار “هيلين” وتوفير الإنترنت مجانًا لسكان المناطق المتضررة بواسطة مشروع “ستار لينك” المملوك لأبرز مؤيديه إيلون ماسك.
بلغت الاستمالات العاطفية، التي ركزت عليها الصفحة الرسمية لدونالد ترامب، ذروتها في محاولة ربط المواطنين بالحملة الانتخابية بصورة وثيقة، وتأكيد أهميتهم بها، سواء من خلال التبرع المادي للحملة، أو التطوع في أنشطتها المختلفة، من خلال التسجيل بموقع “TRUMPFORCE47″، الذي يتم نشره في أول تعليق على المواد المنشورة بالصفحة.
ولأن الاستمالات العاطفية في انتخابات بحجم الانتخابات الرئاسية الأمريكية لا تكفي، فقد انتقل ترامب إلى الاستمالات العقلية في الترويج لحملته الانتخابية، وحَظِي الوضع الاقتصادي بنصيب كبير في الاستمالات العقلية التي ركز عليها ترامب.
فقد حاول جذب المواطن الأمريكي له من خلال تذكيره بـ”الإنجازات الاقتصادية” في عهده، مقارنة بالوضع الحالي، مثل قدرته على السيطرة على معدل التضخم، وخفض قيمة الإيجار للسكن، وزيادة قدرة المواطن على الحصول على سكنه الخاص، وقدرة كل مواطن على بدء العمل الخاص به، وغيرها من إيجابيات فترته الرئاسية اقتصاديًا.
تجدر الإشارة إلى أن ترامب حاول استغلال كل الأساليب والأدوات والإمكانيات التي يمكن استغلالها لكسب أصوات الناخبين، حتى إنه لجأ لاستخدام الصور الساخرة 9 مرات، خلال الإطار الزمني للدراسة؛ وصُمِّم بعضها بواسطة AI، بينما شارك ترامب بنفسه في صور أخرى، مثل وقوفه في محل ماكدونالدز لبيع الوجبات الساخنة؛ للسخرية من كامالا هاريس وحديثها حول عملها خلال فترة الجامعة في ماكدونالدز.
ج- مضامين خاصة بالمنافسين:
يؤمن ترامب كذلك بأهمية منصات التواصل الاجتماعي في مهاجمة المنافسين، حيث حَظِي منافسوه ب55.75% من المواد المنشورة في صفحته، أي ما يزيد عن نصف المواد المنشورة، حيث استغل ترامب هذه المنصات في الهجوم الشديد عليهم، سواء بصورة شخصية، أو فيما يتعلق بآرائهم وتوجهاتهم.
وهاجم ترامب الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن فيما يتعلق بوضعه الصحي وإخفائه الحقيقة حول قدرته على أداء مهام وظيفته، كما هاجم نائب الرئيس المحتمل، تيم والز؛ بسبب أعمال الشغب التي شهدتها ولاية مينيسوتا التي يحكمها، فيما كان التركيز الأكبر مع نائبة الرئيس الحالية المرشح المحتمل، كامالا هاريس، التي وصفها ترامب بصفات عدة مثل ”Border Czar” و”San Francisco Radical”.
جاء هجوم ترامب على كامالا بصورة واسعة النطاق. فمنذ اليوم الأول لإعلان بايدن انسحابه من السباق الانتخابي، هاجمها في البداية؛ بسبب عدم إدلائها بتصريحات صحفية كثيرة، منذ ترشيحها للرئاسة، ثم حاول تشويه قدراتها عن طريق نشر عدد من الفيديوهات المقتطعة من سياقها التي تظهر ردودها المتلعثمة على بعض الأسئلة الإعلامية.
استمر ترامب في هجومه من خلال تقديم فيديوهات عدة لمواطنين، من خلفيات عرقية مختلفة، تضرروا من سياسات كامالا، طوال حياتها السياسية، خصوصًا في أثناء توليها منصب نائب الرئيس، واستغل في ذلك صفحات عدة شبه رسمية، مثل صفحة Team Trump، التي أنتجت، على سبيل المثال، فيديوهات لمواطنين، من ذوي البشرة السوداء، يهاجمون هاريس وسياساتها.
على المستوى الأمني، هاجم ترامب منافسته هاريس فيما يتعلق بتأييدها خفض المبالغ المخصصة للإنفاق على الشرطة، وهو ما عدَّه المواطنون بفيديوهات ترامب “تهديدًا لأمنهم الشخصي وأمن ممتلكاتهم”، فيما اتهم ترامب منافسته هاريس بـ”كره رجال الشرطة”، وكذلك عدم تشديد أمن الحدود، وهو ما عدَّه سماحًا لآلاف “المرضى النفسيين والمجرمين والإرهابيين” بالدخول إلى أمريكا من دون تدقيق.
لخص ترامب، في تصميمات إنفوجراف، ما عدَّه نقاط ضعف هاريس، سواء فيما يتعلق بالخطوات التي اتخذتها، في أثناء توليها منصب نائب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، أو ما تعتزم فعله، حال فوزها بالانتخابات الرئاسية، وهذه التصميمات تُعد بمنزلة جرعة مكثفة للمتلقي.
ركز ترامب في هجومه على الأوضاع الاقتصادية، بعدِّها عاملًا أساسيًا في حسم أصوات الناخبين في الانتخابات بصورة عامة، حيث اتهم كامالا هاريس بأن سياساتها كانت سببًا رئيسيًا في التضخم، الذي أثر في مجال الأعمال في البلاد، وأغلق العديد من المحال التجارية بها، وكذلك تأثير سياساتها في أسواق العقارات في أمريكا؛ ما أثر سلبًا في قدرة المواطن الأمريكي على الحصول على سكن ملائم له ولأسرته.
وعلى الرغم من أنه لم يذكر ذلك سوى مرة واحدة، فإنه كان من اللافت للنظر لجوء ترامب إلى قصة القديس “ميخائيل” وحربه ضد الشر، وربط ذلك بالحرب التي يقوم بها لإنقاذ بلاده، وهو استدعاء للدِّين في العمل السياسي بصورة لافتة.
د- القضايا الخارجية:
على الرغم من الأزمات الطاحنة التي يشهدها العالم، مثل الحرب الروسية- الأوكرانية واحتمالات نشوب حرب إقليمية في منطقة الشرق الأوسط، والتوترات الأمريكية مع الصين حول جزيرة تايوان، فإننا نجد أن صفحة ترامب الرسمية في فيسبوك لم تنشر سوى 3 مواد حول السياسة الخارجية، وركزت هذه المواد على ما يحدث في الشرق الأوسط، وضعف إدارة بايدن في التعامل مع إيران، والسماح لها بزعزعة الاستقرار في المنطقة.
2- كامالا هاريس وفيسبوك.. استدعاء الماضي لضمان المستقبل:
أ- إعادة تفكيك المواد المنشورة:
تمتلك كامالا هاريس صفحتين رسميتين على موقع فيسبوك؛ الأولى خاصة بكونها نائبة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وتسمى “Vice President Kamala Harris”، فيما تركز الأخرى على كونها المرشحة لمنصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وتسمى “Kamala Harris”، وهي الصفحة التي تركز عليها الدراسة، وتتولى اللجنة الوطنية الديمقراطية The Democratic National Committee مهمة إدارتها، وهي لجنة تابعة للحزب الديمقراطي.
تتابع كامالا على صفحتها 4 حسابات فقط، الأول خاص بزوجها Douglas Emhoff، والثاني خاص بالحزب الديمقراطي، والثالث للرئيس الأمريكي باراك أوباما، والرابع والأخير للرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن. ويلاحظ أنها لم تتابع نائبها المحتمل تيم والز حتى الآن، وهو ما يشبه ما قام به ترامب مع نائبه.
بيد أن كامالا تختلف كثيرًا فما يتعلق بالتعامل مع نائبها، حيث نشرت اسمه على الغلاف Cover لصفحتها الرئيسية، وكذلك وضعت تعريفات عدة لها في صفحتها الرئيسية، وكل تعريف لديه هدف خاص به. أما عن الهدف السياسي، فقد عرّفت نفسها بأنها “محاربة من أجل الشعب” “Fighting for the people”، وهو ما يعني أن المصلحة العامة لديها تغلب على المصالح الشخصية.
فيما يخص الهدف الاجتماعي، عرّفت هاريس نفسها بأنها “زوجة” ثم “مومالا”، في إشارة إلى قيامها بدور الأم لأبناء زوجها، ثم “العمة”، ويبدو أن كامالا حاولت التأثير عاطفيًا في الناخب الأمريكي. أما على مستوى الجندر، فقد عرّفت نفسها بأنه “She/Her”، أي أنها تفضل أن تستخدم ضمائر المؤنث في مخاطبتها، وهي مصطلحات مرتبطة بمجتمع LGBTQ+، حيث يهتم أفراده بتوضيح هويتهم الجندرية، خصوصًا إذا كانت لديهم ميول جنسية تختلف عن تلك التي وُلدوا بها.
تضم صفحة كامالا هاريس 5.5 ملايين مشترك، ونشرت الصفحة 673 مادة، خلال الإطار الزمني للدراسة، وجاءت الفيديوهات في المقدمة بنسبة 32.17%، ثم دمج النص مع الصورة بنسبة 27.13%، ثم النص بنسبة
23.41%، ثم المواد الأخرى، مثل الروابط الإلكترونية، بنسبة 11.16%، ثم الصور فقط بنسبة 6.13%.
ركزت 31.19% من المواد المنشورة على صفحة كامالا على مهاجمة منافسها دونالد ترامب، فيما ركزت 16.24% من المواد المنشورة على ذِكر نائبها تيم والز، وركزت 3.70% من المواد المنشورة على الرئيس الأمريكي جو بايدن، بينما ركزت 48.15% من المواد على ذكر البرنامج الانتخابي لها.
على مستوى المضمون، جاء المضمون السياسي في المقدمة بنسبة 23.97%، ثم المضمون الاجتماعي بنسبة 23.78%، ثم الهجوم على المرشح الآخر بنسبة 18.73%، ثم المضمون الاقتصادي بنسبة 14.23%، ثم المضامين الأخرى بنسبة 13.30%، ثم المضمون الأمني بنسبة 5.81%، ثم المضمون الخاص بالسياسة الخارجية بنسبة 0.19%.
ب- محتوى المواد المنشورة:
قسمت كامالا المواد المنشورة إلى ثلاثة أقسام؛ يركز الأول على برنامجها الانتخابي، ويركز الثاني على محطيها السياسي (جو بايدن وتيم والز)، فيما يركز الثالث والأخير على الهجوم على منافسها دونالد ترامب، واعتمدت على استراتيجية محددة تقوم على استدعاء الماضي لمواجهة المستقبل، أي عرض محطات حياتها؛ لإبراز كفاءتها للمنصب.
على سبيل المثال، ذكرت كامالا أن والدتها عانت لأكثر من عقد من الزمان؛ للحصول على سكن خاص، حيث وظفت هذه القصة لعرض برنامجها الخاص لتوفير السكن للمواطنين. في موضع آخر، أوضحت أنها اضطرت إلى العمل في مطعم “ماكدونالدز”؛ لكسب المال في الجامعة، وشاهدت معاناة زملائها لتوفير المال لأسرهم، لذا فهي تركز على تخفيض تكلفة المعيشة للمواطنين، وهي النقطة التي حاول ترامب التقليل من شأنها بذهابه إلى المطعم والعمل به.
استغلت كامالا نشأتها في الطبقة المتوسطة؛ لمحاولة الحصول على أصوات هذه الطبقة، حيث أكدت المواد المنشورة، عبر صفحتها مرارًا وتكرارًا، أن وجود طبقة متوسطة قوية عامل قوة بالنسبة لأمريكا، وهو ما يستدعي القيام بإصلاحات اقتصادية واجتماعية تساعد أفراد هذه الطبقة على البقاء.
استمر استدعاء كامالا للماضي، عندما سعت لكسب أصوات الجمعيات البيئية وأنصارها، من خلال استدعاء الخطوات التي اتخذتها تجاه هذا الشأن، حيث واجهت شركة Big Oil عندما كانت مدعيًا عامًا، ونجحت في الفوز بالقضية، وأسهمت بعد ذلك في تدفق استثمارات، هي الأكبر من نوعها، فيما يخص قضايا المناخ وأزماته، مؤكدة استمرارها في ذلك.
تعوّل هاريس على ترسيخ صورة ذهنية إيجابية كثيرًا، حتى في الوقت الحاضر، حيث نجدها تنشر صورة غير رسمية وهي تداعب وجه زوجها، احتفالًا بذكرى زواجهما، وكذلك ظهرت وهي تتحدث إلى طفلة صغيرة، بالإضافة إلى وجودها في المحال التجارية وغيرها من المواقف التي ترسخ هذه الفكرة.
استمرت هاريس في استدعاء الماضي، خلال حديثها عن جو بايدن، حيث سعت في الأيام الأولى لانسحابه إلى استدعاء القرارات والإجراءات التي قاما بها معًا، وأثرت إيجابيًا في المواطنين؛ لتأكيد جدارتها بالمنصب، مثل الخطوات المتخذة لإيقاف تدفق المواد المخدرة عبر حدود أمريكا، وهو ما أسهم في خفض نسبة الوفيات؛ نتيجة الجرعات الزائدة.
أما فيما يخص نائبها المحتمل، تيم والز، فقد ركزت المواد المنشورة على إبراز امتلاكه الكفاءة اللازمة لأداء هذا الدور المهم، وإيضاح مشاركته في فعاليات الحملة الانتخابية لكامالا هاريس، وكذلك أثنت على كونه فردًا من “الطبقة المتوسطة”، التي كثيرًا ما سعت كامالا إلى مغازلتها، منذ بدء حملتها الانتخابية وحتى الآن.
ركزت هاريس، أيضًا، على إبراز تيم والز في المحتوى المنشور حول زياراتها لمختلف الولايات، ضمن حملاتها الانتخابية، سواء من خلال الصور أو النصوص أو الفيديوهات، وهي رسالة تسعى كامالا إلى إيصالها لمناصريها ومتابعيها بأنها تؤمن بالعمل الجماعي، ولا تسعى للانفراد بالسلطة والحكم، وهو أحد أبرز الاتهامات التي وجهتها كامالا لمنافسها دونالد ترامب.
اتبعت هاريس، في زياراتها الانتخابية لمختلف الولايات، استراتيجية إلكترونية ثلاثية، تبدأ مع إعلان الزيارة، من خلال رابط Event على صفحتها الرسمية، ثم بث الزيارة والخطاب الخاص بها مباشرة Live على الصفحة الرسمية لها. وقد كان من الملاحظ أن إدارة صفحتها تغلق التعليقات خلال البث المباشر، ثم تنشر صورًا متعددة للزيارة، عقب الانتهاء منها.
ج- مضامين خاصة بالمنافسين:
حَظِي ترامب بنحو ثُلث إجمالي المواد المنشورة عبر الصفحة الرسمية لكامالا هاريس، التي استدعت الماضي مرة أخرى في حديثها عنه، حيث أكدت أن خبرتها في وظيفة المدعي العام في كاليفورنيا، وغيره من المناصب القضائية التي عملت بها، وتعاملها مع المحتالين واللصوص والمجرمين، سوف يساعدانها على التعامل مع ترامب، في إشارة إلى القضايا التي يواجهها منافسها.
فضلًا عن ذلك، استدعت زيارتها لمقبرة “أرلينجتون” الوطنية، في أثناء عملها نائبة للرئيس الأمريكي جو بايدن، وهي مقبرة خاصة بضحايا الحروب الأمريكية؛ لمهاجمة زيارة دونالد ترامب لها، وتصويره فيديوهات سياسية بها، وربطت ذلك بتصريحاته السابقة التي وصف فيها جنودًا أمريكيين قتلى بـ”الفاشلين والحمقى”.
أيضًا، انصب تركيز كامالا بوضوح على “المشروع 2025″، الذي يوصف بأنه البرنامج الانتخابي لمنافسها ترامب، وجاء في 922 صفحة، وهو عدد كبير من الصفحات يصعب على المواطن العادي قراءته. لذا لجأت الحملة الانتخابية لهاريس إلى تصميم فيديوهات قصيرة؛ لإبراز أهم نقاط المشروع، الذي عدَّته تهديدًا حقيقيًا للطبقة المتوسطة.
تشير الفيديوهات التي نشرتها الصفحة الرسمية لهاريس إلى أن “المشروع 2025” يهدف إلى قطع الرعاية الصحية عن الطبقة المتوسطة وزيادة تكلفتها، بالإضافة إلى زيادة الضرائب المقررة عليهم بما يخدم أصحاب الأموال الطائلة ممن ينتمي إليهم ترامب، كما يسعى لمنع الإجهاض، وتكريس نظام الحكم الديكتاتوري، وغيرها من النقاط التي ركزت عليها تلك الفيديوهات في جميع القطاعات الحيوية بالبلاد.
بالإضافة إلى ذلك، سعت كامالا إلى المقارنة بين قرارات دونالد ترامب وإدارة بايدن، حيث عملت نائبًا للرئيس، في مختلف المجالات، مثل صناعة الأدوية، إذ أوضحت أن ترامب صرح بأنه سيقف في وجه شركات الأدوية الكبرى ويجبرها على خفض سعر الأدوية، وهو ما لم يحدث، فيما حددت هي وبايدن سعر الأنسولين بـ35 دولارًا أمريكيًا في الشهر لكبار السن.
د- القضايا الخارجية:
ركزت هاريس على الشأن الداخلي في صفحتها الرسمية بصورة كاملة، كما هو الحال مع ترامب، ولم يكسر هذه القاعدة سوى بيان نشرته، نقلًا عن صفحتها الرسمية نائبةً للرئيس، حول الشاب الأمريكي هيرش جولدبرج بولين “Hersh Goldberg-Polin”، الذي وُجد ميتًا إلى جانب آخرين كانوا محتجزين لدى “حماس” في قطاع غزة، معربة عن تعازيها لأسر الضحايا، ووصفت الحركة بـ”المنظمة الإرهابية الشيطانية”، وعلى الرغم من أن ترامب استدعى في حديثه الحرب في الشرق الأوسط والقدرات الإيرانية المتزايدة فإن هاريس لم تذكر ذلك في حديثها.
ثالثًا: X والانتخابات الأمريكية.. بين الماضي والحاضر:
يحظى المرشح الجمهوري دونالد ترامب بتأييد المالك الجديد لتطبيق X إيلون ماسك، إلا أن هذا الأمر لم يمنع كامالا هاريس من استخدام التطبيق؛ لاستغلال انتشاره الواسع، ومحاولة كسب قطاعات جديدة من الناخبين الأمريكيين، خصوصًا أنها لم تحظ بخلافات معلنة مع الإدارتين، الحالية والسابقة، للتطبيق.
وفيما -حظرت الإدارة السابقة لتطبيق X، تويتر آنذاك، حساب ترامب أكثر من مرة، كان آخرها وأطولها بعد اقتحام أنصاره مبنى الكونجرس، مؤكدة أنها قامت بذلك “بسبب المخاطر المتعلقة بالعنف”(10)، فإن المالك الجديد نجح في إقناعه بالعودة مرة أخرى؛ للتغريد عبر المنصة، وهو ما تحقق بالفعل في 12 أغسطس 2024.
وعلى الرغم من أن ترامب كان قد أطلق منصة TRUTH Social، كي تكون بديلًا لمنصات التواصل الاجتماعي المشهورة عالميًا، وحاول الترويج لها بفيديو يشير إلى بث هذه المنصة لمناظرته مع هاريس، فإن إحصاءات موقع Similarweb، المتخصص في البيانات، أغسطس 2024، تشير إلى أن إجمالي عدد زوار منصة TRUTH Social، منذ إنشائها، بلغ 16.5 مليون زيارة، وترتيبها 1045 بالولايات المتحدة الأمريكية(11). فيما أوضح الموقع نفسه أن إجمالي عدد زوار منصة X منذ إنشائها بلغ 4.8 مليارات زيارة، وترتيبها السابع في أمريكا(12)، وهو ما يؤكد هذه الفجوة الكبيرة للغاية، ليس عالميًا فقط، بل محليًا أيضًا.
1- كامالا هاريس وX.. تكرار.. ولكن:
أ- إعادة تفكيك المواد المنشورة:
كما هو الحال في فيسبوك، تمتلك كامالا هاريس حسابين على تطبيق X، أحدهما خاص بكونها نائبة الرئيس ويتابعه 14.9 مليون متابع، ونشرت به 10.8 آلاف مادة Post، والآخر خاص بكونها مرشحة الحزب الديمقراطي لرئاسة أمريكا، ويتابعه 20.9 مليون متابع، ونشرت به 19.1 ألف مادة Post، وكلاهما تم توثيقه على “تويتر” بعدِّه حسابًا تابعًا لجهة حكومية. فيما تتابع 724 حسابًا، من بينهم نائبها وزوجته، والعديد من المشاهير في أمريكا.
استخدمت كامالا هاريس التعريف نفسه الذي استخدمته في صفحتها الرسمية على فيسبوك، مع إضافة إشارة إلى حسابها الآخر، وثَبّتت Pinned فيديو في بداية صفحتها يتعلق بقبولها الترشح لمنصب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية عن الحزب الديمقراطي.
كذلك، نشرت الصفحة الرسمية لكامالا هاريس 521 مادة، خلال الإطار الزمني للدراسة، بانخفاض قدره 152 مادة عن ما نشرته في فيسبوك، حيث انخفض معدل النشر في شهري سبتمبر وأكتوبر، مقارنة بالفترة التي أعقبت ترشحها للانتخابات مباشرة، حيث شهدت زيادة في عدد المواد المنشورة على X مقارنة بفيسبوك بمعدل 63 مادة؛ وهو ما يعني أن هناك اختلافًا إلى حدٍّ ما بين المواد المنشورة في الصفحتين وطريقتهما في طرح المعلومات والأفكار المراد إيصالها إلى الجمهور.
جاء الفيديو في مقدمة المواد المستخدمة بنسبة 30.73%، ثم المواد التي دمجت النص مع الصورة بنسبة 27.09%، ثم المواد التي تتضمن نصوصًا فقط بنسبة 26.36%، فيما جاءت المواد الأخرى في صورة روابط لمواقع إلكترونية بنسبة 10.73%، وتروج هذه الروابط للقاءات الانتخابية المنتظرة بدلًا من استخدام خاصية Events، وجاءت الصور بنسبة 5.09% فقط.
وركزت الصفحة على نشر مواد تخص النائب المحتمل، تيم والز، بنسبة 16.85%، كما ذكرت الرئيس الأمريكي جو بايدن بنسبة تصل إلى 2.25%، وركزت أيضًا على المنافس دونالد ترامب بنسبة تصل إلى 26.78% من إجمالي المنشور بالصفحة، بينما ركزت 54.12% من المواد على البرنامج الانتخابي لهاريس.
أما على مستوى مضمون المواد المنشورة، فقد جاء المضمون الاجتماعي بنسبة 26.79%، ثم الهجوم على الآخر بنسبة 23.30%، ثم المضمون الاقتصادي بنسبة 15.60%، ثم المضامين الأخرى بنسبة 13.76%، ثم المضمون السياسي بنسبة 13.58%، ثم المضمون الأمني بنسبة 6.79%، ثم المضامين الخاصة بالسياسة الخارجية بنسبة 0.18%.
ب- محتوى المواد المنشورة:
رغم تشابه المحتوى المنشور ما بين الصفحتين الرسميتين لكامالا هاريس على موقعَي فيسبوك وx إلى حد كبير، إلا أن الأخير شهد عدة اختلافات، ومنها الإعلان عن فريق Official Team Kamala وهو فريق المتطوعين الرسمي لها، وكذلك إعادة نشر Repost للمواد التي تنشرها الصفحة الرسمية لتيم والز، وتنوعت ما بين مواد تخص الانتخابات الأمريكية، وأخرى تتناول الحياة الشخصية، حيث سعى “والز” إلى الاعتماد على سياسة هاريس في استدعاء الماضي، من خلال التركيز على حياته الشخصية، والمهارات التي اكتسبها بما يجعله مناسبًا لشغل هذا المنصب.
بالإضافة إلى ذلك، أعادت صفحة كامالا هاريس نشر مواد تروج لها ولبرنامجها الانتخابي من صفحات أعضاء في مجلسي الشيوخ والنواب، الحاليين والسابقين، مثل برني ساندرز Bernie Sanders وغيره، وكذلك أعادت الصفحة نشر الصور والفيديوهات التي يبثها أتباعها في مختلف الولايات الأمريكية للفعاليات التي يقومون بها للترويج لكامالا رئيسةً لأمريكا.
تحث هاريس أنصارها على القيام بذلك، سواء عن طريق الاتصال بأصدقائهم هاتفيًا، أو القرع على أبواب المنازل للحديث مع المواطنين، أو النشر بصورة إلكترونية، وترى أن هذه الوسائل وغيرها سوف تساعدهم على الفوز بالانتخابات الرئاسية، ويتضح من المواد المرئية المنشورة أن لهذه الرسائل صدًى لدى الجمهور.
يلاحظ أن المرشحة الديمقراطية المحتملة اهتمت بالترويج لصفحتها الرسمية على تطبيق تيك توك، وذلك على الرغم من الأزمات التي يواجهها التطبيق الصيني مع الإدارة الأمريكية التي تعمل بها هاريس نائبةً للرئيس.
ج- مضامين خاصة بالمنافسين:
ركزت هاريس على تناول موضوع المناظرة مع دونالد ترامب، حيث اتهمته في بداية ترشحها بمحاولة التهرب من المناظرة، وهو اتهام متبادل بينهما، قبل أن تحدث المناظرة، وتعيد هاريس نشر أجزاء مصورة من مناظرتها معه، وكذلك من مناظرة نائبها تيم والز مع نائب ترامب الحالي جيه دي فانس.
اعتمدت هاريس، أيضًا، على آلية أكثر عدوانية في الهجوم على ترامب، في صفحتها الرسمية بتطبيق X مقارنة بتطبيق فيسبوك، حيث هاجمت المواد التي ينشرها ترامب، أو تُنشر حوله بصورة مباشرة، من خلال إعادة نشرها Repost ثم التعليق عليها.
كذلك، أكدت هاريس مرة أخرى حق الإنسان في تحديد ميوله الجندرية، من خلال نشر لقائها مع برنامج RuPaul’s Drag Race، وهي القضية التي تُعد من القضايا الخلافية بينها وبين ترامب، خصوصًا أن كامالا تؤيد سنّ قانون يعطي للمرأة الحق في إجهاض جنينها، وهو ما يعارضه ترامب أيضًا.
د- القضايا الخارجية:
لم يختلف تعامل هاريس مع القضايا الخارجية كثيرًا، حيث لم تنشر سوى مادة واحدة عن الشاب الأمريكي، الذي قُتل في قطاع غزة.
2- دونالد ترامب وX.. عودة متأخرة ومضمون متميز:
أ- إعادة تفكيك المواد المنشورة:
نشرت الصفحة الرسمية لترامب 185 مادة، ضمن الإطار الزمني للدراسة، بمتوسط مادتين يوميًا فقط، ويحظى بمتابعة 91.9 مليون Followers، فيما يتابع 52 شخصًا، وهو رقم يفوق عدد من يتابعونه على فيسبوك بمراحل، وتم توثيق حسابه، باعتباره شخصية عامة مشهورة.
لم ينتظر ترامب طويلًا للتأكد من أن قرار عودته كان صائبًا، حيث حظيت التغريدة الأولى له باهتمام بالغ، وتضمنت فيديو تشويقيًا يمزج بين الأحداث التي مر بها، منذ توليه منصب الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية، وما تبع ذلك من أحداث، وبلغت مشاهداته 49.4 مليونًا.
يمكن القول إن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب يمتلك 3 حسابات عبر منصة X، الأول هو الحساب الرسمي التابع له، والحسابان الآخران يعتمد عليهما بصورة واضحة في إعادة نشر مضمونهما بصفحته، وهما Team Trump وTrump War Room.
وجاءت الفيديوهات في مقدمة الوسائط التي استخدمها ترامب بنسبة 60.54%، ثم النصوص بنسبة 22.16%، ثم دمج النص مع الصورة بنسبة 9.19%، ثم المواد الأخرى بنسبة 4.32%، ثم الصور فقط بنسبة 3.78%.
خصص دونالد ترامب 37.84% من المواد التي تنشرها صفحته للهجوم على منافسته كامالا هاريس، كما خصص 6.95% منها لمهاجمة الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، و1.93% لمهاجمة تيم والز، نائب كامالا هاريس المحتمل، بينما خصص 52.90% لعرض برنامجه الانتخابي.
على مستوى المضمون، جاء المضمون المتعلق بالهجوم على المنافسين في المقدمة بنسبة 25.99%، ثم المضمون السياسي بنسبة 25.99%، ثم المضمون الأمني بنسبة 14.80%، ثم المضامين الأخرى، مثل الترويج لعملة ترامب الجديدة والترويج لكتاب زوجته ميلينا، بنسبة 12.64%، ثم المضمون الاقتصادي بنسبة 10.11%، ثم المضمون الاجتماعي بنسبة 8.66%، ثم القضايا الخارجية بنسبة 1.81%.
ب- محتوى المواد المنشورة:
لا يمكن المقارنة بصورة كاملة بين الصفحتين الرسميتين لدونالد ترامب عبر موقعَي فيسبوك وX، ويرجع ذلك إلى العودة المتأخرة نسبيًا من ترامب إلى منصة X للتغريد مرة أخرى، وهو ما جاء عقب بدء الإطار الزمني للدراسة.
يمكن رصد عدد من الاختلافات بين الصفحتين، خلال هذا الإطار الزمني، ومنها أن ترامب روج في صفحته على موقع X لكتاب زوجته ميلينا ترامب، الذي تتناول به حياتها، بوصفها السيدة الأولى للولايات المتحدة الأمريكية، وكتابه الشخصي، الذي يضم عددًا من أبرز الصور له التي تعبر عن قضايا ولقاءات محددة، وهذه الدعاية للكتابين لم تظهر في حساب ترامب في فيسبوك.
كما حث المواطنين بصورة أكبر على التسجيل والتصويت المبكر في الانتخابات الأمريكية، مستعينًا في ذلك بالتغريدات التي ينشرها إيلون ماسك، وهو ما لم يحدث في صفحة فيسبوك.
تميز حساب ترامب في منصة X بعدد من الفيديوهات التي لم تُنشر في حسابه الرسمي في منصة فيسبوك، مثل فيديو لمواطنة تحولت إلى تأييده، بعد أن كانت تؤيد الحزب الديمقراطي؛ بسبب أفكاره التي خصص لها فيديو مستقلًا؛ لتأكيد رؤيته الثاقبة تجاه الأحداث.
ج- مضامين خاصة بالمنافسين:
تجدر الإشارة إلى أن ترامب تفوق على هاريس في استغلال الخصائص المميزة لمنصة X، حيث استغل خاصية Space في تنظيم لقاءات مع المواطنين عبر المنصة، كما استغل خاصية هاشتاج Hashtag لضمان الانتشار الواسع للمواد، وصمم ترامب هاشتاجًا رسميًا لحملته #MAGA2024، واستخدم ترامب أيضًا أكثر من هاشتاج؛ لحشد الناخبين تجاه قضايا وأحداث معينة، مثل #TrumpOnX و#NoTaxOnTips.
لجأ ترامب إلى نشر عدد من التصميمات والفيديوهات لمهاجمة كامالا هاريس وسياساتها، وبعض هذه التصميمات نُشرت حصريًا لحسابه في منصة X، كما لجأ إلى الرد مباشرة Repost على تغريدات هاريس، وهو ما حدث مثلًا مع خطة كامالا لتوفير السكن الملائم للمواطنين. فقد نشر ترامب صورة تشير إلى ارتفاع سعر المنازل خلال فترة حكم بايدن بنسبة 39%، ورأى أن أفكار منافسته تتماشى مع أفكار الاتحاد السوفيتي، حيث اتهمها في أكثر من مناسبة باتباع سياسات يسارية ماركسية واشتراكية راديكالية في معالجة الأحداث.
د- القضايا الخارجية:
عالج حساب ترامب في تطبيق X قضية الشاب الأمريكي المقتول في قطاع غزة، بعد احتجازه لدى حركة حماس، وانتقد تعامل الرئيس الأمريكي جو بايدن مع التصعيد الذي يحدث في منطقة الشرق الأوسط، ورأى أن ذلك سوف يؤدي لاندلاع حرب عالمية ثالثة، كما غرد بخصوص المحاولات الإيرانية للتخلص منه أمام أعين الأمن الأمريكي.
ختامًا، يتضح أن مواقع التواصل الاجتماعي تتخذ موقعها كفاعل رئيسي في العملية الانتخابية، وهو ما فطن إليه دونالد ترامب وكامالا هاريس مبكرًا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024؛ لذا أظهرا اهتمامًا واضحًا بصياغة مضمون الرسالة الإعلامية المقدمة لجمهور حساباتهما الرسمية في فيسبوك وX، وهو ما يؤكد أننا أمام درس مستفاد يمكن الاستعانة به في انتخابات أخرى مستقبلية، سواء داخل الولايات المتحدة الأمريكية أو خارجها.
- المراجع:
- Elisa Shearer, Sarah Naseer, Jacob Liedke and Katerina Eva Matsa, How Americans Get News on TikTok, X, Facebook and Instagram, Pew Research Center, Sep. 12, 2024, https://www.pewresearch.org/journalism/2024/06/12/how-americans-get-news-on-tiktok-x-facebook-and-instagram/
- Statista, Share of social media users in the United States as of June 2024, by generation, Sep.12,2024, Statista, https://www.statista.com/forecasts/1490499/us-social-network-users-generation
- Alberto Medina and Sara Suzuki, 41 Million Members of Gen Z Will Be Eligible to Vote in 2024, Circle, Sep. 12,2024, CIRCLE, https://circle.tufts.edu/latest-research/41-million-members-gen-z-will-be-eligible-vote-2024.
- CIRCLE, Youth and the 2024 Election: Likely to Vote and Ready to Drive Action on Key Political Issues. CIRCLE, Sep.12, 2024, https://tinyurl.com/278hvbes
- Statista, Most popular social networks worldwide as of April 2024, by number of monthly active users, Sep. 16,2024, Statista, Found on https://www.statista.com/statistics/272014/global-social-networks-ranked-by-number-of-users/
- Statista, Leading countries based on Facebook audience size as of April 2024, Statista, Sep. 16, 2024. Found on https://www.statista.com/statistics/268136/top-15-countries-based-on-number-of-facebook-users/
- Graig Graziosi, Trump calls Facebook’s Mark Zuckerberg ‘criminal’ for donating $400m to election offices, Independent, Sep. 16, 2024, Found on https://tinyurl.com/2xok545q
- Nicholas Riccardi, Mark Zuckerberg donates $100M more to help election offices, AP News, Sep. 16, 2024. Found on https://tinyurl.com/y4gsaq4w
- Sky News, Donald Trump threatens to imprison Mark Zuckerburg for ‘rest of his life’ if ‘he does anything illegal’ over election, found on https://tinyurl.com/2yqp36pe
- Brian Fung, Twitter bans President Trump permanently, CNN Business, found on https://edition.cnn.com/2021/01/08/tech/trump-twitter-ban/index.html
- Similarweb, truthsocial.com Traffic & Engagement Analysis, found on https://www.similarweb.com/website/truthsocial.com/#ranking
- Similarweb, x.com Traffic & Engagement Analysis, found on https://www.similarweb.com/website/x.com/#ranking