شهد العالم، في سبتمبر 2024 بمدينة نيويورك، انعقاد مؤتمر القمة المعنيّ بالمستقبل خلال الاجتماع السنوي رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي شكّل نقطة تحول مهمة على الساحة الدولية. وقد أطلق الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الاستعدادات لهذه القمة، مؤكدًا أن التحديات التي تواجه العالم اليوم هي تحديات ذات طابع عالمي، لا يمكن مواجهتها بحلول محلية، أو من خلال تكتلات صغيرة من الدول، وإنما تتطلب تعاونًا شاملًا. وقد شدد غوتيريش على أن الأمم المتحدة هي المنصّة الوحيدة القادرة على إحداث هذا التغيير الجوهري.
ومثَّلت القمة فرصة استثنائية لقادة العالم لإعادة تأكيد المبادئ المشتركة، والسعي نحو بناء مستقبل أكثر استدامة ومرونة. ووسط الانقسامات العالمية المتزايدة، هدفت القمة إلى تحفيز الجهود لإعادة بناء الثقة وتعزيز التعاون الدولي؛ ما يعكس أهمية التعددية في مواجهة الأزمات المستمرة، التي تمتدّ تأثيراتها لتشمل الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية والصحية والإنسانية. وقد كانت استجابة المجتمع الدولي، خلال هذه القمة، حاسمة في رسم ملامح المستقبل لسنوات قادمة، وكان للقارة الأفريقية حضور قوي خلال القمة، وتم استعراض بعض القضايا المهمة، التي تخصّها، فيما ركز بعض قادة الدول الأفريقية على استعراض العديد من القضايا التي تهم القارة. وفي إطار الأعمال التمهيدية لهذه القمة، انتُخب رئيس الوزراء الكاميروني الأسبق، فليمون يانغ، رئيسًا للدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة[1]. ويمكن تناول هذا الموضوع من خلال محاور عدة فيما يلي:
أولًا: التطلعات الأفريقية خلال القمّة
جاءت القمة متضمنة 8 بنود أساسية؛ حيث أتت القارة الأفريقية ضمن البند الثالث الخاص بجدول أعمالها، وذلك تحت شعار “تنمية أفريقيا”؛ للعمل على تحقيق التنمية والسلام المستدامَين للقارة. وقد حظيت القمة بمشاركة 54 دولة أفريقية، وكان حضور القارة الأفريقية ما يقرب من ثلث الحضور. فضلًا عن ذلك، فقد حضر القمة ما يقرب من 71 رئيسَ دولة، وحظيت القارة الأفريقية بمشاركة 25 رئيسًا أفريقيًّا، أي ما يقرب من 35% من إجمالي مشاركة الرؤساء بالقمة. كذلك، جاءت مشاركة القادة الأفارقة في هذه القمة معبِّرة عن عدد من القضايا والملفات المهمة بالنسبة للقارة، ولاسيّما القضايا الإقليمية، سواء كانت اقتصادية أو سياسية. ولعل أبرز تطلعات القارة الأفريقية من القمة ما يلي:
- الحصول على مقعد دائم داخل مجلس الأمن الدولي: تسعى القارة الأفريقية، منذ سنوات طويلة، إلى الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي؛ حيث إنها القارة غير الممثَّلة حتى الآن داخل المجلس، وتناضل من أجل إجراء إصلاحات داخل أجهزة الأمم المتحدة، ومنها مجلس الأمن الدولي؛ حيث تطالب القارة الأفريقية، منذ إعلان “سرت” في عام 1999، بالحصول على مقعدَين دائمَين لهما جميع الحقوق والامتيازات الخاصة بالعضوية الدائمة، بما في ذلك حق النقض “الفيتو”. وتجدر الإشارة إلى أن أفريقيا لديها مقعدان غير دائمَين بمجلس الأمن من أصل 10، في الوقت الذي لا تمتلك فيه أي مقعد دائم، وهو ما تراه القارة غير منصف وغير عادل، ولاسيّما أن القضايا الأفريقية ذات أهمية كبيرة على الساحتين الإقليمية والدولية[2].
- تأكيد أهمية القضايا الأفريقية داخل مجلس الأمن الدولي: لاتزال القضايا الأفريقية تهيمن على أجندة مجلس الأمن في معظم الجلسات؛ حيث تحتل القضايا الأمنية والصراعات أهمية كبيرة في المناقشات؛ ذلك أن القارة مازالت تعاني حالةً من عدم الاستقرار في معظم المناطق، كما أصبحت تشهد في الآونة الأخيرة قضايا عالمية جديدة، مثل التغيرات المناخية وانعدام الأمن الغذائي، فضلًا عن استمرار تهديدات الجماعات الإرهابية، والتحولات السياسية للأنظمة والحكومات. وتمتلك الدول الأفريقية نصيبًا كبيرًا فيما يتعلق بعضوية الدول داخل منظمة الأمم المتحدة؛ حيث إنها تمتلك ما يقرب من 28% من إجمالي عضوية الدول بها، ويبلغ عدد الدول الأفريقية نحو 54 بإجمالي 193 عالميًّا؛ وهو ما أكسب القارة أهمية كبيرة من الناحية التصويتية[3].
- تبنّي موقف مشترك تجاه القضايا الأفريقية: تعاني القارة فشلَ مجلس الأمن في حل القضايا الخاصة بها، وهو ما دعا إلى ضرورة تبنّي موقف أفريقي موحد تجاه القضايا الأفريقية، ولاسيّما في ظل استمرار الصراعات، مع عدم قدرة مجلس الأمن على تبنّي موقف واضح، وإنهاء هذه الصراعات. وقد أكدت هذه التطورات حاجة القارة الأفريقية إلى ضرورة وجود تكاتف أفريقي موحد؛ من أجل العمل على حل مشكلاتها من خلال القمم العالمية، ومخاطبة الرأي العام العالمي. كذلك، تعاني القارة ازدواجية في المعايير لدى الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن بخصوص القضايا الأفريقية؛ حيث تبحث هذه الدول عن مصالحها الخاصة تجاه الصراعات والمناقشات. ويقوّض ذلك الأمر جهود السلام، وربما انتهاكات مبادئ القانون الدولي، وانهيار مصداقية النظام العالمي، ولاسيّما أن الصراعات الأفريقية لم تشغل قادة هذه الدول، مقارنةً ببعض القضايا الأخرى، خصوصًا الحرب الروسية-الأوكرانية؛ حيث إن هناك بعض الدول الأفريقية، كالسودان، تعاني حربًا أهلية، وسط تهديد مئات الآلاف من السكان[4].
ثانيًا: الأهداف الأفريقية من القمّة
تسعى الدول الأفريقية، من خلال مشاركتها في هذه القمة، إلى تسليط الضوء على قضاياها وأولوياتها، بدءًا من تحقيق العدالة المناخية، وتعزيز الاستثمارات في التنمية المستدامة، وصولًا إلى تمكين الشباب ودعم الابتكار والتكنولوجيا. وفي ظل التحولات العالمية السريعة، تُعدّ هذه القمة فرصة لإبراز صوت القارة الأفريقية على الساحة الدولية، وتأكيد التزامها بالشراكات التي تعزز استقرارها وتطورها. وتُعدّ أهداف أفريقيا في قمة المستقبل 2024 خريطة طريق لتأمين مستقبل أفضل لشعوبها، وتعزيز رؤيتها الطموحِ إلى خطوات عملية تُسهم في نهضة القارة، وتحقيق تطلعاتها. ولعل أبرز الأهداف ما يلي:
- تأكيد الموقف الأفريقي تجاه القضية الفلسطينية: أظهرت القمة استمرار تضامن الدول الأفريقية تجاه القضية الفلسطينية، ورفض الانتهاكات التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، حيث ندّدت خطابات معظم القادة الأفارقة بالممارسات الإسرائيلية، وأدانت الانتهاكات الصارخة لقواعد القانون الدولي. فضلًا عن ذلك، سعت الدول الأفريقية إلى إبراز ضرورة الوقف الفوري لهذه الحرب[5]. وفي هذا الصدد، أدان الرئيس الجنوب أفريقي، سيريل رامافوزا، النهج الإسرائيلي تجاه المدنيّين العزّل في القطاع، فيما أكد وزير الخارجية المصري السابق، سامح شكري، ضرورة وقف الممارسات الإسرائيلية على القطاع، والوقوف ضد السياسة الإسرائيلية الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية بشتّى الوسائل[6].
- العمل على إصلاح المؤسسات المالية: يمثّل إصلاح المؤسسات المالية إحدى القضايا البارزة التي تشغل تفكير العديد من القادة الأفارقة؛ حيث تسعى الدول الأفريقية إلى ضمان تمثيل عادل للدول النامية في الهيئات والمؤسسات المالية، خصوصًا ما يتعلق بالحوكمة الاقتصادية، التي من الممكن أن تعزز تحقيق التنمية الوطنية، مع ضمان تقديم مساعدات مالية للدول النامية، وفقًا لشروط خاصة.
- تعزيز التنمية المستدامة: نادت الدول الأفريقية بضرورة تحقيق التمويل المستدام، وزيادة الدعم المالي من الدول المتقدمة والمؤسسات الدولية؛ لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وكذلك العمل على التكيف مع تغير المناخ، والتركيز على الحصول على تمويل لمشاريع التكيف مع التغير المناخي، خصوصًا في ظل تزايد الآثار السلبية للتغيرات المناخية في أفريقيا. فضلًا عن ذلك، لاتزال أجندة 2063 تواجه العديد من المخاطر والتحديات، ولاسيّما في ظل حاجتها إلى إطار قارّي من أجل معالجة التهديدات المناخية، وكذلك المضيّ قدُمًا نحو مسارات منخفضة الكربون، وسط تزايد مخاطر التغيرات المناخية المتصاعدة، في الوقت الذي أصبحت فيه التغيرات المناخية تمثل تهديدًا كبيرًا للأمن البشري، ونمو الاقتصاد والتنمية الأفريقية[7]. ونال كذلك تأثير التغيرات المناخية في القارة حيّزًا كبيرًا من مناقشات القادة الأفارقة، ولاسيّما في ظل التهديد الكبير والحقيقي الذي يشكله تغير المناخ على القارة، خصوصًا أن التغيرات المناخية أصبحت تمثل تهديدًا كبيرًا للدول والسكان؛ حيث أدت في بعض المناطق إلى تنامي أعداد النازحين واللاجئين؛ نتيجة الحروب. وقد دعت الدول الأفريقية إلى ضرورة المضيّ قدُمًا نحو تفعيل نصوص اتفاقية باريس؛ لتحقيق “صفر انبعاثات كربونية”.
- تعزيز التكامل الإقليمي: يأتي ذلك من خلال تقوية الروابط التجارية والاستثمارية بين الدول الأفريقية لزيادة الاستفادة من منطقة التجارة الحرة القارية، والحصول على دعم تقني ومادي لتطوير مشروعات إقليمية مثل شبكات الطاقة والنقل؛ حيث تمتلك الدول الأفريقية مجموعة من المزايا التنافسية وتنوع مواردها الطبيعية، التي من المرجح أن تساعدها على تعزيز فرص التصنيع، ومن ثم تعزيز الفرص نحو توطين صناعات ذات كثافة عمالية كبيرة. بالإضافة إلى ذلك، تمتلك أفريقيا فرصًا أخرى نحو عملية التصنيع، وذلك في ضوء تنامي معدلات النمو للقطاع الصناعي بها، مقارنةً ببعض الأقاليم الأخرى في العالم النامي[8].
- تعزيز الأوضاع الأمنية الأفريقية: شهدت القارة الأفريقية، في الآونة الأخيرة، تحولات أمنية واسعة، ولاسيّما داخل منطقتَي الساحل والقرن الأفريقي؛ حيث تعاني تصاعد التحديات الأمنية، التي تقوّض تحقيق الأمن والاستقرار بالمنطقة، وسط ارتفاع وتيرة التهديدات التي تعانيها منطقة البحر الأحمر، في ظل التهديدات التي تمارسها جماعة الحوثيين ضد السفن التجارية المارّة؛ وذلك من أجل الضغط على الجيش الإسرائيلي من أجل وقف إطلاق النار في غزة، فضلًا عن التهديدات الأخيرة بين الصومال وإثيوبيا.
ثالثًا: التحديات والفرص التي تواجه مساعي القارة الأفريقية في قمّة المستقبل 2024
مثَّلت قمة المستقبل 2024 فرصة مهمة لدول القارة في سياق التعبير عن الرؤية الأفريقية التنموية، ومناقشة تحدياتها وآفاقها المستقبلية على المستوى العالمي، ولاسيّما في ضوء تسارع التغيرات الاقتصادية والتكنولوجية والسياسية عالميًّا. كذلك، تواجه القارة تحديات كبيرة، قد تفرض عليها المزيد من الضغوط؛ من أجل المضيّ قدُمًا نحو مواجهة هذه التحديات. ولعل أبرز هذه التحديات ما يلي[9]:
- التغيرات المناخية وتأثيراتها في التنمية: تشهد أفريقيا تقلبات مناخية شديدة، تشمل الجفاف والفيضانات وانحسار الأراضي الصالحة للزراعة. وتؤثر هذه الظواهر بشكل كبير في الأمن الغذائي والاستدامة البيئية، خصوصًا أن معظم سكان القارة يعتمدون على الزراعة كوسيلة رئيسية للعيش.
- الفقر والبطالة: بالرغم من النمو الاقتصادي الذي حققته بعض الدول الأفريقية، فإن مستويات الفقر والبطالة مازالت مرتفعة في العديد من المناطق. ويعيش ملايين الأشخاص تحت خط الفقر، ويعاني الشباب صعوبات كبيرة في الحصول على فرص عمل ملائمة؛ وذلك ما يقلّل من قدرتهم على المشاركة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
- البنية التحتية والتنمية التكنولوجية: تعاني العديد من الدول الأفريقية ضعفًا في البنية التحتية في مجالات النقل والطاقة والاتصالات. كذلك، فإن الفجوة الرقمية مازالت واسعة؛ وذلك ما يُعيق تبنّي التقنيات الحديثة، والاستفادة منها في تحسين الإنتاجية وتعزيز الخدمات.
- الصراعات السياسية والأمنية: تشهد بعض المناطق الأفريقية نزاعات مسلحة واضطرابات سياسية تؤثر في استقرار الدول، وتُعيق تنفيذ الخطط التنموية. وتستنزف هذه الصراعات الموارد البشرية والمادية، وتعرقل الجهود الدولية والمحلية لتحقيق السلام والتنمية المستدامة.
- ضعف التكامل الإقليمي: بالرغم من وجود منظمات إقليمية، مثل الاتحاد الأفريقي والمجموعات الاقتصادية الإقليمية، فإن ضعف التنسيق بين الدول الأفريقية يحدّ من القدرة على استغلال الفرص المشتركة، سواء في التجارة، أو الاستثمار، أو التنمية المستدامة.
- تنامي حجم الجرائم الإلكترونية التي تتعرّض لها أفريقيا: شهدت القارة، في الآونة الأخيرة، تصاعدًا في وتيرة العمليات السيبرانية، خصوصًا في البنية التحتية الحيوية لها، وتعدّ البنوك من أهم هذه الأهداف. وقد أدت هذه الهجمات إلى خسارة مجموعة من البنوك الأفريقية مليارات الدولارات، في ظل تنامي عمليات القرصنة؛ حيث تعطلت أيضًا بعض الخدمات الإلكترونية. كذلك، تعرضت بعض وكالات الأمن في الدول الأفريقية إلى عمليات اختراق؛ وذلك ما أدى إلى تعطل عملها، كما حدث في نيجيريا وجنوب أفريقيا، التي تسربت منها بعض البيانات والمعلومات الخطيرة. لذا، تسعى بعض الدول الأفريقية إلى تعزيز الشراكات؛ من أجل القضاء على هذه الأشكال المهدِّدة لعمليات السلم والتنمية الأفريقية[10].
وفي سياق آخر، هناك العديد من الفرص التي تمتلكها القارة، وتمثل قمة المستقبل 2024 فرصة تاريخية لها لإبراز قدراتها ورؤيتها التنموية أمام العالم. وبالرغم من التحديات التي تواجهها، فإن الفرص المتاحة لها كبيرة، إذا تم استغلالها بحكمة. ومن خلال التعاون الإقليمي والدولي، والاستثمار في الإنسان والطبيعة، يمكن لأفريقيا أن تصنع مستقبلًا أفضل لشعوبها في هذا الصدد. ولعل أبرز هذه الفرص تتمثل في:
- الطاقة المتجددة والاستدامة البيئية: تُعدّ أفريقيا غنية بالموارد الطبيعية التي يمكن استغلالها في مجال الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية، والرياح، والطاقة المائية. ويمكن أن يساعد الاستثمار في هذه المجالات على توفير مصادر طاقة نظيفة ومستدامة، مع تعزيز النمو الاقتصادي، وتوفير فرص عمل جديدة.
- التطور التكنولوجي والتحول الرقمي: تتيح الثورة التكنولوجية فرصًا هائلة للدول الأفريقية لتعزيز الابتكار وريادة الأعمال. ويمكن للتكنولوجيا أن تسهم في تحسين التعليم، والخدمات الصحية، والإدارة الحكومية؛ وذلك ما يعزز من كفاءة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
- الشباب كمحرك للتغيير: يشكل الشباب نسبة كبيرة من سكان أفريقيا؛ وذلك ما يمثل قوة دافعة للنمو والتغيير. ومع توفير التعليم والتدريب المناسبَين، يمكن لهؤلاء الشباب أن يصبحوا روادًا في مختلف المجالات، ويسهموا في بناء مستقبل أفضل للقارة.
- الموارد الطبيعية: تمتلك أفريقيا موارد طبيعية هائلة، تشمل المعادن الثمينة، والنفط، والغاز الطبيعي. إضافةً إلى أن إدارة هذه الموارد بشكل مستدام يمكن أن تكون أساسًا للتنمية الاقتصادية، وتوفير إيرادات ضخمة لدعم المشاريع التنموية.
- تعزيز التعاون الدولي: توفر قمة المستقبل فرصة للدول الأفريقية لتعزيز شراكاتها مع المجتمع الدولي، ويمكن لهذه القمة أن تفتح الباب أمام استثمارات جديدة، ودعم تقني ومساعدات تنموية من الدول المتقدمة والمنظمات الدولية.
- تحقيق أقصى استفادة من هذه الفرص ومواجهة التحديات؛ حيث تحتاج الدول الأفريقية إلى اعتماد سياسات استراتيجية وشاملة لتعزيز التكامل الإقليمي عبر تحسين البنية التحتية، وتبنّي سياسات اقتصادية موحدة، وتحقيق الاستثمار في التعليم والابتكار لتطوير رأس المال البشري، والعمل على تبنّي حلول مستدامة للتغيرات المناخية، مع التركيز على الطاقة المتجددة، وتعزيز الشفافية والإدارة الرشيدة للموارد الطبيعية.
رابعًا: أبرز القضايا التي شغلت اهتمام القادة الأفارقة
شهدت القمة مشاركة أفريقية واسعة، وتناولت الخطابات الأفريقية العديد من القضايا الرئيسية التي تهم القارة الأفريقية، وكذلك بعض القضايا الإقليمية الأخرى المرتبطة بالناحيتَين السياسية والاقتصادية. وقد سلّط بعض القادة الأفارقة الضوء على مجموعة من القضايا الملحّة التي تشغل اهتمام القارة في ضوء التطورات المتسارعة التي تشهدها الساحتان الإقليمية والدولية، لعل أبرزها ما يلي[11]:
- التركيز على الأمن الأفريقي: أكدت الدول الأفريقية ضرورة تعزيز الأمن والسلم داخل دول القارة، ولاسيّما داخل منطقتَي الساحل والقرن الأفريقي، في ظل الاضطرابات التي تشهدها كلتا المنطقتين؛ في ضوء التغيرات التي تمرّ بهما. كذلك، حرصت الدول الأفريقية على ضرورة تحقيق الأمن والاستقرار، كما ندّدت بعض الدول بالتدخلات الخارجية لعدد من الدول الأخرى في القارة الأفريقية، كما أثار عددٌ من دول شرق أفريقيا مخاطر تزايد الاضطرابات داخل منطقة البحر الأحمر، في ضوء تنامي الحركات المتطرفة، وتصاعد تهديداتها على المنطقة.
- تعزيز جهود التنمية المستدامة: ندّدت بعض دول القارة الأفريقية بالتباطؤ الشديد في عملية التنمية المستدامة، خصوصًا أن استراتيجية التنمية المستدامة كان من المفترض أن يتم الانتهاء منها بحلول عام 2030. فيما أكد بعض القادة الأفارقة، خلال القمة، ضرورة اتخاذ تدابير شاملة؛ من أجل تعزيز جهود دول القارة في تحقيق التنمية، وتعزيز مفهوم التمويل المستدام لتخفيف وطأة الديون.
- تأكيد ضرورة إصلاح المؤسسات المالية العالمية: كانت القمة فرصة كبيرة بالنسبة للدول الأفريقية من أجل تأكيد ضرورة المضيّ قدُمًا في سبيل إجراء إصلاحات هيكلية واسعة النطاق داخل المؤسسات المالية العالمية؛ حيث طالبت بضرورة تعديل قواعد العمل داخل المؤسسات المالية، بما يضمن تمثيلًا حقيقيًّا للدول الصغيرة والنامية في صناعة السياسات المرتبطة بعملية الحوكمة الاقتصادية الدولية، التي قد تمثل تأثيرًا حقيقيًّا في عمليات التنمية الوطنية للبلدان الأفريقية.
- العمل على حل النزاعات وحفظ السلام: شدّد القادة الأفارقة على ضرورة حل النزاعات بالطرق السلمية، ولاسيّما في ضوء تنامي الصراعات الإقليمية أخيرًا، مثل التوترات الناشبة بين رواندا وجمهورية الكونغو، واستمرار الأزمة الليبية، وتنامي حجم التهديدات الإرهابية في مختلف نواحي القارة الأفريقية. فضلًا عن ذلك، أكد قادة الدول الأفريقية، خلال القمة، ضرورة تبنّي نهج أكثر فعالية في إطار جهود حفظ السلام، وكذلك المضيّ قدُمًا نحو معالجة القيود في العمليات التي تُجريها بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
- تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية: شدّد قادة الدول الأفريقية، خلال القمة، على أهمية تخفيف حدة الفقر، والعمل على تسريع عمليات التنمية للقارة لمعالجة الفجوة الكبيرة في البنية الأساسية؛ لتسريع عمليات التنمية الاجتماعية والاقتصادية، والمضيّ نحو معالجة القضايا الملحّة المرتبطة بها، مثل انعدام الأمن الغذائي، وتحقيق التكنولوجيا والتمويل والنقل. بالإضافة إلى ذلك، ركزت بعض المقترحات المقدمة من بعض الدول الأفريقية، مثل مصر وكينيا، على ضرورة التوسع في المشاريع الخاصة بالطاقة المتجددة، وكذلك العمل على تشجيع شراكات الاستثمارات الخضراء، ولاسيّما أن أفريقيا تمتلك مقومات كبيرة في مجالات الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والطاقة الكهرومائية.
خامسًا: رؤية مستقبلية
اكتسبت أفريقيا، منذ الحرب الروسية-الأوكرانية، اهتمامًا كبيرًا من جانب القوى الدولية، ولاسيّما في ظل بروز القارة ككتلة تصويتية لا يمكن الاستهانة بها؛ حيث سعت الدول الكبرى إلى السيطرة على بعض الأنظمة الأفريقية، وهو الأمر الذي نقل الصراع بين القوى الدولية إلى أفريقيا. وجاءت قمة المستقبل في وقت تسعى فيه القارة إلى إصلاح عمل الأمم المتحدة، والحصول على مقعدَين دائمَين داخل مجلس الأمن الدولي، في الوقت الذي ترى فيه الدول الكبرى أن استمرار الانقسامات داخل القارة قد يخدم مصالحها في استمرار سيطرتها على الموارد الطبيعية للدول، والاستفادة من الموقع الاستراتيجي لبعض الدول الأخرى. ويمكن تناول بعض السيناريوهات، في هذا السياق، فيما يلي:
أولًا، سيناريو تفاؤلي: وهو احتمالية المضيّ قدُمًا في مسار تخصيص مقعدَين دائمَين لأفريقيا في مجلس الأمن؛ حيث دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى ضرورة إصلاح المؤسسات الدولية، مؤكدًا أهمية منح القارة الأفريقية مقعدَين دائمَين في مجلس الأمن، مشيدًا بأهمية التعاون القائم بين الاتحاد الأفريقي ومنظمة الأمم المتحدة، ولاسيّما في ضوء مخرجات ونتائج قـمة المستقبل، التي عُقدت أخيرًا، والتي طالبت بضرورة توفير العدالة للشعوب الأفريقية[12].
سيناريو تشاؤمي: عرقلة الجهود الدولية الرامية إلى تخصيص مقعدَين دائمَين للقارة الأفريقية. وبالرغم من وجود ترحيب كبير من جانب الدول الخمس الدائمة العضوية بمجلس الأمن، فإن هذه الدول سوف تعرقل جميع الجهود الرامية إلى وجود مقاعد دائمة للقارة الأفريقية، في ظل امتلاكها حق النقض “الفيتو”؛ ذلك أن حصول القارة الأفريقية على أي مقاعد دائمة بالمجلس يشكل عرقلة كثير من القرارات والسياسات، إلى جانب أن هذه الدول لا ترغب في الدخول في صدامات أخرى مع دول قوية، مثل اليابان وألمانيا، وربما الهند والبرازيل؛ للحصول على عضوية دائمة بالمجلس على غرار الدول الأفريقية؛ حيث إن قارة أمريكا اللاتينية غير ممثَّلة في العضوية الدائمة.
سيناريو محايد: إجراء بعض الإصلاحات الشكلية في الأنظمة العالمية، فقد تؤدي نتائج القمة إلى إعادة النظر تجاه بعض الهيئات الدولية، وربما يقود ذلك إلى إصلاح للنظام داخل مجلس الأمن، وإلى إجراء إصلاح حقيقي للمؤسسات المالية العالمية، التي تفرض سيطرتها وهيمنتها على الدول النامية، وتُعرقل جهودها نحو التنمية.
ختامًا، يمكن تأكيد أن انعقاد قمة المستقبل في هذا العام كانت بمنزلة فرصة للقارة الأفريقية نحو وضع استراتيجيات للعودة نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، التي تسعى إليها دول القارة، بالإضافة إلى غيرها من الأهداف الأخرى المرتبطة بالتغيرات المناخية، فضلًا عن صعوبة حصول أفريقيا على مقاعد للتمثيل الدائم داخل مجلس الأمن الدولي. وقد تشكل القمة خطوة مهمة للقارة نحو إعادة النظر تجاه بعض سياسات العمل الأفريقي المشترك، وربما تكون بدايةً لموقف أفريقي واحد، مطالبٍ بحقوقه، وقادر على تعزيز المشاركة للقارة، بشكل حقيقي، داخل سياسات الحكم العالمي.
[1] President-elect of the 79th Session of the General Assembly, United Nations. https://www.un.org/en/ga/president/79/
[2] Sithembile Mbete, Africa on the UN security council: why the continent should have two permanent seats, the conversation. https://theconversation.com/africa-on-the-un-security-council-why-the-continent-should-have-two-permanent-seats-236720
[3] Africa Has Provided Clear, Compelling Vision for Security Council Representation, Speakers Stress in Historic Debate on Enhancing Continent’s Participation, United Nations. https://press.un.org/en/2024/sc15788.doc.htm
[4] إيمان الشعراوي، قمة المستقبل 2024: هل يمكن أن تحصل أفريقيا على عضوية دائمة في مجلس الأمن؟، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة. https://shorturl.at/avfEP
[5] فاروق حسين أبوضيف، مستقبل الوجود الإسرائيلي في القارة الأفريقية بعد حرب غزة، مجلة آفاق مستقبلية، العدد الرابع. https://idsc.gov.eg/Article/details/9132
[6] محمد صالح عمر، أفريقيا في القمة الأممية.. حضور بحجم هموم وتطلعات القارة، مركز الجزيرة للدراسات. https://shorturl.at/XWhGm
[7] فاروق حسين أبوضيف، هل أجندة 2063م قادرة على الصمود في مواجهة تغيُّر المناخ في أفريقيا؟، قراءات أفريقية. https://shorturl.at/fbmiE
[8] د. سماح المرسي، خيارات التنمية الاقتصادية داخل القارة الأفريقية، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار. https://www.idsc.gov.eg/Article/details/9099
[9] أفريقيا في القمة الأممية.. حضور بحجم هموم وتطلعات القارة، مرجع سابق.
[10] Nathaniel Allen, Africa’s Evolving Cyber Threats, africa center for strategic studies, https://bit.ly/3S0Yc8u
[11] الدفاع عن أفريقيا.. خطاب القيادات الأفريقية والقضايا الرئيسية في القمة 79 للأمم المتحدة، المركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي). https://afropolicy.com/الدفاع-عن-أفريقيا/
[12] الأمين العام للأمم المتحدة يدعو إلى تخصيص مقعدين دائمين لأفريقيا في مجلس الأمن، أخبار الأمم المتحدة، سبتمبر 2024. https://news.un.org/ar/story/2024/10/1135876