Insight Image

حدود التغير والاستمرارية في السياسة الأمريكية تجاه أفريقيا في عهد ترامب

18 ديسمبر 2024

حدود التغير والاستمرارية في السياسة الأمريكية تجاه أفريقيا في عهد ترامب

18 ديسمبر 2024

تحمل عودة الرئيس دونالد ترامب مجددًا إلى سدة الحكم في البيت الأبيض، عقب فوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، على منافسته كامالا هاريس، مرشحة الحزب الديمقراطي، العديد من التكهنات حول مستقبل العلاقات الأمريكية- الأفريقية في الحقبة الترامبية الجديدة، التي تستمر حتى عام 2028. وتتزايد الشكوك بشأن تحول جذري في مسار العلاقات بين الطرفين عما كانت عليه الولاية الأولى لترامب في الفترة بين عامي 2017 و2021 التي اتسمت بالتوتر والإهمال من جانب الإدارة الأمريكية آنذاك، وهو ما يعزز لدى الأفارقة حالة من عدم اليقين إزاء سياسة ترامب المحتملة تجاه القارة الأفريقية خلال المرحلة المقبلة.

هناك بعض الاتجاهات الأمريكية التي تشير إلى احتمال تغيير نوعي في توجهات ترامب تجاه أفريقيا، بهدف التعامل مع دينامية تصاعد التنافس الدولي هناك على الموارد والثروات الطبيعية، لاسيما تنامي النفوذ الصيني على الساحة الأفريقية، وما يرتبط به من تهديد للمصالح الأمريكية الاستراتيجية هناك.

في هذا السياق، تحاول هذه الورقة معالجة حدود التغير والاستمرارية في سياسة ترامب، عقب توليه السلطة في ولايته الثانية تجاه أفريقيا، وذلك من خلال تحليل موقف إدارة ترامب تجاه بعض القضايا المرتبطة بالعلاقات الأمريكية- الأفريقية، التي من شأنها تحديد المسار المستقبلي للحضور الأمريكي في القارة.

أولًا- أفريقيا في برنامج مرشحَي الرئاسة الأمريكية

بالنظر إلى فترة الحملة الانتخابية لمرشحَي الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة؛ دونالد ترامب، مرشح الحزب الجمهوري، وكامالا هاريس، مرشحة الحزب الديمقراطي، التي شهدت جولات متعددة بينهما في سبيل حشد المزيد من الناخبين الأمريكيين للتصويت لأيٍّ منهما، يتضح غياب العلاقات الأمريكية- الأفريقية كقضية انتخابية رئيسية لكلا الطرفين اللذيْن لم يعبرا عن خطط واضحة للتعامل مع القارة، بالرغم من الاهتمام الأفريقي المتزايد بسباق الرئاسة الأمريكية.

فهناك اتفاق على أن القارة الأفريقية عادة ما تحتل مرتبة ثانوية في السياسة الخارجية الأمريكية، بغض النظر عما إذا كان الديمقراطيون أو الجمهوريون على رأس السلطة في البيت الأبيض، وهو ما يعكس تراجعًا في أهمية أفريقيا لدى الإدارات الأمريكية المتعاقبة، باستثناء الاهتمام الأمريكي بالمقاربة الأمنية بما يحقق مصالحها الحيوية في القارة على مدى السنوات الماضية.

لم تعلن حملة كامالا هاريس -المرشحة الخاسرة في الانتخابات الأخيرة- سياسة خاصة بالقارة الأفريقية، خلال حملتها الانتخابية، إلا أن التوقعات أشارت إلى أنه في حالة فوزها، ستواصل استراتيجية إدارة الرئيس جو بايدن تجاه أفريقيا جنوب الصحراء، لاسيما أنها أجرت جولة إلى ثلاث دول أفريقية في مارس 2023[1]، بالرغم من أن بايدن لم يزر القارة منذ توليه السلطة حتى الآن.

في المقابل، يبدو أن نهج الرئيس ترامب فيما يتعلق بالسياسة الخارجية تجاه أفريقيا غير واضح، خاصة أن حملته الرئاسية انصب تركيزها بشكل كبير على القضايا الداخلية، مثل الهجرة وأمن الحدود من المهاجرين الأجانب، وهو ما يجعل من الصعوبة بمكان الحصول على وجهة نظر واضحة لدى ترامب بشأن المسائل المتعلقة بالتعامل مع الدول الأفريقية خلال الفترة المقبلة[2]، مع الأخذ في الحسبان أن سياسته في ولايته الأولى اتسمت بالازدراء والإهمال لأفريقيا، وتجلى ذلك في الاهتمام الضئيل بالقضايا الرئيسية للقارة، مثل تغير المناخ، كما أنه لم يقم بأي زيارة رسمية للقارة خلال السنوات الأربع التي قضاها في منصبه.

هناك اتجاه يرجح أن تركز ولاية ترامب الثانية على تحقيق المكاسب الاستراتيجية للولايات المتحدة، وإعطاء الأولوية للفوائد الاقتصادية القصيرة الأجل على الشراكات الطويلة الأجل، إلى جانب توطين المزيد من الشركات الأمريكية في القطاعات الحيوية في الدول الأفريقية؛ بهدف مواجهة النفوذ الصيني المتصاعد هناك[3].

ثانيًا- فوز ترامب من منظور أفريقي

تباينت ردود الأفعال الأفريقية تجاه فوز دونالد ترامب بولاية رئاسية جديدة في الولايات المتحدة ما بين الترحيب والترقب الحذر عما تحمله الحقبة الثانية لترامب في البيت الأبيض إزاء أفريقيا، لاسيما أن الخبرة السابقة للأفارقة مع ترامب سلبية للغاية، خاصة بعد تصريحاته التي وُصفت بالمهينة للدول الأفريقية، وهو ما لايزال عالقًا في الأذهان، ويثير استياء قطاع عريض من الرأي العام الأفريقي[4].

وبالرغم من مسارعة بعض زعماء الدول الأفريقية لتهنئة ترامب على انتخابه، مثل إثيوبيا وجنوب أفريقيا وكينيا ونيجيريا وزيمبابوي وغيرها، والتعبير عن رغبتهم في إقامة شراكات فعالة بين الطرفين، فإن التوقعات تظل ضئيلة بأن تشهد رئاسته تغييرًا ملحوظًا في القارة[5]، خاصة أن بعض المراقبين يدرك أن إعادة انتخاب ترامب قد تكون لها عواقب وخيمة على الأفارقة. ومع ذلك، ينتظر الجميع سياسات ترامب إزاء العديد من القضايا المرتبطة بالدول الأفريقية، مثل الأمن والتجارة والمساعدات الاقتصادية والإنسانية.

فقد عبر عدد من الدول الأفريقية عن موقفها إزاء فوز ترامب بولاية رئاسية جديدة، بما يعكس حجم التباين في تلك المواقف، الذي يشير بدوره إلى برجماتية الأفارقة في التعامل بشكل منفرد مع الولايات المتحدة. ففي كينيا، انطلقت الاحتفالات في شوارع نيروبي، ترحيبًا بإعلان فوز ترامب، لاسيما أن معظم الكينيين يرون أن فوز الجمهوريين هو أمر جيد، في ضوء اعتقادهم بأن رسالة الحزب الديمقراطي الأمريكي ليست محفزة. ومع ذلك، هناك قطاع من الكينيين يخشى أن يؤدي مبدأ ترامب “أمريكا أولًا” إلى خفض المساعدات المالية الأمريكية للقارة بشكل كبير، حتى إن رايلا أودينغا، المرشح الكيني لرئاسة مفوضية الاتحاد الأفريقي عام 2025، صرح بأن أفريقيا لديها أصدقاء آخرون، إذا لم يكن ترامب يريد العمل مع القارة خلال المرحلة المقبلة[6].

وفي نيجيريا، استقبلت النسبة العظمى فوز ترامب بحماسة، حتى إن أحد المطربين أنتج “أغنية” انتشرت على نطاق واسع في أنحاء البلاد، احتفالًا بفوز ترامب. ويرى بعض المحللين أن الحماسة لترامب سببها أن إدارته الجديدة لن تتدخل في شؤون نيجيريا الداخلية، وتحديدًا في الانتخابات، على عكس تدخل إدارة أوباما الديمقراطية في انتخابات عام 2015، والتي لاتزال لها ذكرى سيئة لدى الشعب النيجيري. ومع ذلك، فإن هناك اتجاهًا يتخوف من سياسات ترامب فيما يتعلق بالتعامل مع المهاجرين الأفارقة في الداخل الأمريكي، فيما يرى اتجاه آخر أن أفريقيا لن تكون ذات قيمة بالنسبة لترامب في الولاية الجديدة[7].

كذلك، عبر الكثيرون في المغرب عن سعادتهم عقب فوز ترامب، على أمل أن تساعد إدارته الجديدة في مواصلة مساعي المملكة للحصول على اعتراف عالمي بسيادتها على الصحراء الغربية المتنازع عليها، حتى إن صحيفة الصباح المغربية وصفت في افتتاحيتها فوز ترامب بعودة صديق المغرب إلى البيت الأبيض. ويرجح بعض المحللين أن يستأنف ترامب تنفيذ القرار الذي اتخذه قبل مغادرته للبيت الأبيض عام 2021 بتأسيس قنصلية أمريكية لدى الرباط في الصحراء الغربية[8].

فيما نظر قطاع عريض في جنوب أفريقيا إلى انتخاب دونالد ترامب بقلق، وتجلى ذلك في تناول بعض الصحف المحلية للحدث، التي وصفت فوز ترامب بأن “الفاشية فازت، وهذا ما يريده الأمريكيون”. فقد أثار ترامب غضب المواطنين في بريتوريا، بعد مقارنته نفسه مرارًا ببطلهم القومي نيلسون مانديلا[9].

لذلك، فإن هناك حالة من عدم اليقين لدى الأفارقة بشأن سياسة واشنطن تجاه القارة في عهد ترامب، خاصة أن بعضهم يرى أنها ستكون أقل احترامًا لهم، في ضوء نظرة قطاعات كبيرة من الأفارقة لترامب على أنه مجرد زعيم لا يستطيع أن يفعل الكثير لمشكلاتهم اليومية، وأنه لن ينقذهم من الجوع والفقر المنتشرَين على نطاق واسع في القارة.

هذه التوقعات بانزواء أمريكي جديد في قارة أفريقيا خلال عهد ترامب قد تترتب عليها خسائر أمريكية كبيرة أمام النفوذ الصيني المتزايد في القارة. وربما يستغل الأفارقة ذلك لابتزاز واشنطن في ضوء تنافسها المحتدم مع التنين الصيني في مناطق النفوذ الاستراتيجية، بما في ذلك أفريقيا، وإن كان ذلك ربما يورط الدول الأفريقية في معضلة الاستقطاب الدولي بين القوتين الكبريين، وانعكاسات ذلك المحتملة على توتر العلاقات الأمريكية- الأفريقية.

ثالثًا- حدود التغير والاستمرار في سياسة ترامب تجاه أفريقيا

ثمة تباين في الآراء على نطاق واسع في الأوساط الأمريكية حول مدى حدود التغير أو الاستمرار في سياسة الرئيس ترامب تجاه أفريقيا في ولايته الثانية المرتقبة؛ إذ إن هناك اتجاهين يعززان طرحهما حول موقف ترامب من الدول الأفريقية خلال السنوات الأربع المقبلة.

يربط الاتجاه الأول ولاية ترامب الثانية بالولاية الأولى، التي اتسمت سياسته فيها بالانعزالية، نظرًا لتأكيده أن سياساته تركز بالأساس على المصالح الوطنية في الداخل بما يتماشى مع شعاره “أمريكا أولًا”؛ ما يعني أنه يريد بوضوح التراجع على جبهات مختلفة في جميع أنحاء العالم، من بينها أفريقيا، التي لم يُظهر ترامب اهتمامًا كبيرًا بها في الولاية الأولى. يتشكك أصحاب هذا الاتجاه في أن تكون القارة أولوية بارزة بالنسبة لإدارة ترامب، وسط تكهنات بأن يستمر نهجه الذي تميز بالإهمال في أفريقيا مستقبلًا[10]. فضلًا عن ذلك، فإن هناك تشككًا في إمكانية أن يزور ترامب القارة الأفريقية مثلما كان الحال في الولاية الأولى[11]، بما يعني أن أفريقيا ربما تكون في أسفل قائمة أولويات ترامب الخارجية، وهو ما يعد امتدادًا لسياسة إدارة بايدن الحالية، التي بالرغم من أنها اعتبرت أفريقيا شريكًا، فإنها لم تترجم ذلك عمليًّا بشكل واضح على أرض الواقع، خلال السنوات الأربع الأخيرة.

اتسمت العلاقات الأمريكية- الأفريقية في الفترة بين عامي 2017 و2021 بعدم الثقة والعداء والإهمال، وكانت النظرة العالمية الأكثر عزلة للرئيس ترامب “أمريكا أولًا” ترى أفريقيا غائبة تمامًا عن العديد من أولويات السياسة الخارجية الأمريكية الرئيسية. ويمثل ذلك استمرارًا لنهج الولايات المتحدة، إذ لم تظهر القارة أبدًا كأولوية استراتيجية لواشنطن تحت إدارات الديمقراطيين أو الجمهوريين على مدى السنوات الماضية. وقد شهدت العلاقات الأمريكية- الأفريقية مستوى متدنيًّا للغاية خلال إدارة ترامب الأولى، لاسيما أن فترته اتسمت بغياب رؤية استراتيجية أمريكية ذات أهداف واضحة تجاه القارة[12].

اتساقًا مع ما سبق، يبدو أن الرئيس ترامب يعتزم مع بدء ولايته الثانية بحلول يناير 2025 تكثيف نهجه القائم على مبدأ “أمريكا أولًا” في التعامل مع السياسة الخارجية والعلاقات الدولية، وهو ما قد يعني التحول بعيدًا عن خطاب الشراكة الذي تبنته إدارة بايدن خلال فترة رئاسته، التي ركزت على التعاون والمصالح المتبادلة مع أفريقيا، وسلطت الضوء على استقلال القارة وتطلعاتها الاقتصادية، وأهمية معالجة القضايا العالمية، مثل تغير المناخ والأزمات الصحية. وربما يتحدى ترامب بعض المبادرات الدولية، مثل تغير المناخ، باعتبارها تتعارض مع المصالح الأمريكية، وكذلك علاقة واشنطن بالعديد من المؤسسات الدولية على غرار انسحابها من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عام 2018[13].

في المقابل، يتوقع الاتجاه الآخر، الذي تمثله شخصيات ذات ميول جمهورية، أن تتبنى إدارة ترامب الثانية نهجًا أكثر واقعية وبرجماتية في التعامل مع أفريقيا[14]. يستند هؤلاء في طرحهم إلى أن ترامب أطلق خلال ولايته الأولى بعض المبادرات المهمة في القارة، مثل مبادرة “ازدهار أفريقيا” لدعم المستثمرين الأمريكيين والطبقة المتوسطة المتنامية في جميع أنحاء القارة، والتي من المرجح أن يعمل على تفعيلها خلال الفترة المقبلة، بالإضافة إلى مبادرة مشروعات التنمية الممولة من مؤسسة تمويل التنمية في أفريقيا، وهو ما يوفر للقارة المزيد من خيارات الشراكة الاقتصادية المباشرة وتعميق العلاقات التجارية والبنية التحتية[15]. في هذا السياق، يرى بيتر فام، المبعوث الخاص السابق لترامب إلى منطقة البحيرات العظمى والساحل في أفريقيا، أن رئاسة ترامب المقبلة قد تبحث عن وضع مربح للجانبين في القارة. وربما يشمل ذلك تجديد قانون النمو والفرص في أفريقيا، الذي يمنح الدول الأفريقية المؤهلة إمكانية الوصول إلى الأسواق الأمريكية معفاةً من الرسوم الجمركية[16].

بالإضافة إلى ذلك، فإن ترامب يجد نفسه مضطرًا إلى تكثيف تركيزه على تعزيز العلاقات الأمريكية- الأفريقية من أجل الحد من النفوذ المتنامي لكل من الصين وروسيا في القارة[17]، لاسيما أن السياسة الخارجية الأمريكية لم تجعل من أفريقيا أولوية لفترة طويلة باستثناء رؤيتها من خلال عدسة مواجهة المنافسين الاستراتيجيين مثل الصين وروسيا.

قد يدعم هذا الاتجاهَ فريقُ ترامب ومستشاروه في السياسة الخارجية، خاصة أن مشروع 2025 الذي أصدرته مؤسسة هيرتيج Heritage -المحسوبة على الجمهوريين- ورَوَّجَ له ترامب خلال حملته الانتخابية، يحمل بعض السياسات والتوصيات التي تعكس مدى الاهتمام بتعزيز الترابط مع الدول الأفريقية[18].

ينظر هذا المشروع إلى أفريقيا على أنها تمتلك قوة سكانية هائلة واحتياطيات هائلة من المعادن الاستراتيجية للصناعات الثقيلة والدقيقة، إضافة إلى القرب الجغرافي من طرق الشحن البحري الرئيسية، إلى جانب قوتها الدبلوماسية الجماعية التي تضمن الأهمية العالمية للقارة. يشير ذلك الأمر إلى إدراك فريق الرئيس ترامب، على الأقل، الأهمية الاستراتيجية لأفريقيا على المدى الطويل، وأنها قوة متأصلة وليس مجرد مكون أصغر من الصراع الجيوسياسي الأوسع نطاقًا الذي تخوضه الولايات المتحدة مع منافسيها مثل الصين وروسيا. وربما يكون الاختبار الحاسم لإدارة ترامب الثانية هو ما إذا كان قادرًا على الاستمرار في التعبير عن القيمة الاستراتيجية لأفريقيا بالنسبة للمصالح الأمريكية الحيوية، أو إذا كان سيعود إلى سياسته التي ميزت ولايته الأولى[19].

تدعو أجندة ترامب للسياسة الخارجية تجاه أفريقيا، وفقًا لـ”مشروع 2025″، إلى تغييرات جذرية في سياسة الأمن القومي الأمريكي تجاه القارة، وإلى تحويل جميع منح المساعدات الأجنبية للمستفيدين الأفارقة إلى قروض، وإلغاء جميع برامج مساعدات التنمية، بالإضافة إلى تحويل التركيز الاستراتيجي من المساعدات إلى التنمية، وتعزيز مشاركة القطاع الخاص الأمريكي في أفريقيا، فضلًا عن زيادة التمويل المخصص للعمليات العسكرية والأمنية التي يقوم بها حلفاؤها الأفارقة من خلال توفير المزيد من التعليم العسكري والتدريب والمساعدة الأمنية؛ بهدف حماية الرعايا الأمريكيين في الخارج، وتعظيم الأهداف والمصالح الأمريكية في أفريقيا[20].

كذلك، تشير الأجندة إلى أن واشنطن يجب أن تتوقف عن الترويج للسياسات الأمريكية الضاغطة على الحكومات الأفريقية لاحترام سيادة القانون وحقوق الإنسان وحقوق المثليين والحقوق السياسية والمدنية والديمقراطية، التي لا تتقبلها الدول الأفريقية، باعتبارها تدخلًا في شؤونها الداخلية، وتقويضًا لسيادتها، والتركيز بدلًا من ذلك على الأمن الأساسي والمشاركة الاقتصادية، بما في ذلك دعم الشركات الأمريكية العاملة في الصناعات المهمة للمصالح الأمريكية، أو التي تتمتع بميزة تنافسية في أفريقيا. تشدد الأجندة، أيضًا، على ضرورة مواجهة الولايات المتحدة للنشاط الصيني الذي وصفته بالخبيث في القارة[21].

ومع ذلك، يظل النهج الذي سوف تتبناه الإدارة الأمريكية المقبلة، خلال السنوات الأربع المقبلة، مرتهنًا بنظرة الرئيس ترامب إلى القارة الأفريقية، إما باعتبارها أزمة ومعضلة، وهو ما قد يشير إلى اتباع سياسات الفترة الرئاسية الأولى نفسها (2017 –2021) بما تعكسه من إهمال جديد وازدراء أمريكي للدول الأفريقية؛ ما قد يترتب عليه تراجع العلاقات الأمريكية- الأفريقية، وما يمثله ذلك من فرصة سانحة للمنافسين الاستراتيجيين لواشنطن في الخصم من نفوذها على الساحة الأفريقية، أو باعتبارها قارة تمتلك العديد من الفرص، التي يجب استثمارها واغتنامها؛ للحفاظ على المصالح الأمريكية الحيوية هناك في مواجهة خصومها الاستراتيجيين[22].

رابعًا- أبرز القضايا المطروحة

هناك عدد من القضايا الشائكة التي ربما تحدد مسار العلاقات الأمريكية- الأفريقية خلال الحقبة الثانية للرئيس ترامب، وتتماس بشكل مباشر مع المصالح الأمريكية الحيوية على الساحة الأفريقية. ويمكن الإشارة إلى أبرز تلك القضايا على النحو التالي:

1- قضايا الاستقرار والديمقراطية

تظل أفكار دونالد ترامب متسقة إلى حد كبير مع ولايته الأولى (2017- 2021) التي تتمحور حول الانعزالية والنزعة القومية. ومع تعهده بمواصلة برنامجه “أمريكا أولًا”، وخفض المساعدات الخارجية، تزداد التوقعات حول تبني واشنطن نهجًا انعزاليًّا تجاه أفريقيا؛ فقد تراوح نهج ترامب تجاه القارة في ولايته الأولى بين الازدراء والإهمال، وكان سلبيًّا بشكل عام بالنسبة لها، حيث لم يسبق لترامب زيارة القارة الأفريقية طوال السنوات الأربع في فترته الأولى.

لاتزال التصريحات المثيرة للجدل، التي وصف فيها ترامب بعض الدول الأفريقية بالقذرة، عالقةً في أذهان الأفارقة الذين يخشى معظمهم صعوده للسلطة مرة أخرى[23]، لاسيما أن ترامب قد سَخِر مجددًا من الدول الأفريقية، بعدما علق ساخرًا على حادث إطلاق نار من شاب موريتاني في شيكاغو عبر منصة “X”: “هل سمعت من قبل عن دولة اسمها موريتانيا؟”[24]. يعزز ذلك الأمر من الترجيحات بألا يعطي ترامب الأولوية لأفريقيا، ما يعني استمرار تراجع القارة في حساباته، بما يعزز تراجع العلاقات الأمريكية- الأفريقية خلال الفترة المقبلة. بمعنى آخر، يجب توقع قدر كبير من الاستمرارية في النهج الأساسي لواشنطن تجاه أفريقيا، الذي يتضمن قدرًا قليلًا من المبادرات الإنمائية والمساعدات الإنسانية الرئيسية.

لذلك، من المرجح أن تعطي إدارة ترامب الثانية الأولوية لمصالح الأمن القومي الأمريكي على حساب الترويج الأيديولوجي للديمقراطية. وقد يستخدم ترامب بند الإعفاء في قانون المخصصات الموحدة لعام 2023 للتعامل مع الأنظمة العسكرية التي تتوافق مع المصالح الأمريكية. وربما يؤدي ذلك إلى مشاركة أمريكية أكثر تناقضًا في أفريقيا، مع استبدال نهج أكثر برجماتية ومدفوعًا بالمصالح على حساب تعزيز الديمقراطية والحكم الرشيد، وهو ما قد يجعل هذه الجهود الرامية إلى تعزيز الديمقراطيات في القارة تواجه العديد من التحديات، خاصة في ضوء التراجع الحالي في العديد من البلدان الأفريقية[25].

2- مواجهة المد الصيني

من المتوقع أن تراقب الصين توجهات إدارة ترامب الجديدة في الساحة الأفريقية، التي تمثل مسرحًا للتنافس بين القوتين الكبريين، خاصة بعدما أعلن ترامب، خلال حملته الانتخابية، تعهده بفرض تعريفات جمركية أعلى وأوسع نطاقًا على الواردات الصينية. كذلك، فإن هناك تباينًا في الآراء حول موقف ترامب تجاه طموحات بكين في أفريقيا، إذ يرى بعض المحللين أنها قد تكون بمنزلة فرصة للصينيين، في حالة تبني ترامب الأجندة الانعزالية تماشيًا مع مبدئه “أمريكا أولًا”، بما يعني تجدد تجاهله للقارة الأفريقية أربع سنوات مقبلة على غرار الولاية الأولى. فيما يرى بعضهم الآخر أن ترامب أدرك مدى القوة التي أصبحت عليها الصين كلاعب رئيسي في أفريقيا.

في هذا السياق، يرى تيبور ناجي Tibor Nagy، الذي شغل منصب مساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية في عهد ترامب، أن إدارة ترامب القادمة لن تتجاهل أفريقيا؛ لشعورها بقلق بالغ إزاء مصالحها الاستراتيجية، لاسيما أنها تعتبر الصين مهددة لتلك المصالح، خاصة في ظل التنافس المحتدم على المعادن الحيوية الجاذبة لكلتا القوتين العظميين.

ومن ثم، فإنه من المرجح أن تشهد القارة مرة أخرى مواجهة عدوانية للنفوذ الصيني في أفريقيا، في الوقت الذي ادعى فيه تيبور أن ترامب أول من أثار الوعي بشأن التهديد الهائل الذي تشكله بكين على المصالح الأمريكية في القارة. يأتي ذلك في إطار رؤية النائب جون جيمس، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي بشأن أفريقيا، أن القارة الأفريقية هي مهد الاستعمار الاقتصادي، والهيمنة العسكرية للحزب الشيوعي الصيني[26]. كذلك، يشير “مشروع 2025” إلى أن الدول الأفريقية تمثل تكتلًا يحمي الصين وروسيا من العزلة الدولية؛ بسبب انتهاكاتهما لحقوق الإنسان، خاصة أن الدول الأفريقية تدعم بقوة أهداف السياسة الخارجية الصينية في بعض الملفات الخلافية، مثل هونج كونج، ونزاعات بحر الصين الجنوبي وتايوان[27].

3- التنافس على الموارد والثروات الأفريقية

قد يرتبط تركيز ترامب بالأساس بتأمين سلاسل التوريد للمعادن الحيوية في أفريقيا، بما في ذلك الليثيوم الأكثر أهمية في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية، واليورانيوم والكوبالت، وغيرها من المعادن الاستراتيجية. فقد أكد بيتر فام أنه لا يمكن إنكار أن الوصول إلى العديد من المعادن الحيوية، التي تمتلكها أفريقيا بوفرة كبيرة، هو أمر ضروري للاقتصادي الأمريكي اليوم، وكذلك للتكنولوجيات التي ستقود واشنطن إلى المستقبل. كذلك، فإن احتكار دولة بمفردها سلاسل التوريد لتلك الموارد الاستراتيجية، لاسيما الصين، يشكل تهديدًا لأمن الولايات المتحدة[28]. من هنا، يرى بعض المراقبين أن بكين ستظل المحرك الرئيسي للمشاركة الأمريكية في القارة الأفريقية خلال المرحلة القادمة[29].

4- الاعتراف بأرض الصومال

يحظى إقليم أرض الصومال -الذي أعلن استقلاله عن الصومال من طرف واحد في عام 1991- بتأييد واسع من تيار اليمين في الولايات المتحدة، حتى إن بعض المحللين ربط بين فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، وتنامي فرص أرض الصومال في الحصول على الاعتراف الأمريكي، باعتبارها دولة مستقلة. فقد أشار تيبور ناجي Tibor Nagy -أحد مسؤولي فريق ترامب في الولاية الأولى- إلى أنه سيكون هناك تعاطف أكبر مع مناطق مثل أرض الصومال، التي تتمتع بالاستقرار، مقارنة بمحيطها الإقليمي المضطرب، فضلًا عن كونها مؤيدة للغرب، وموجهة نحو السوق الحرة، وتهتم بأمن أراضيها، وتجري انتخابات منتظمة وديمقراطية[30].

في هذا السياق، يحث العديد من أنصار التيار اليميني في الولايات المتحدة على كسر التقاليد مرة أخرى، والاعتراف بمنطقة أرض الصومال، بالرغم من المعارضة الشديدة من جانب الصومال ومخاوف الاتحاد الأفريقي من نزعة انفصالية متنامية في المنطقة المضطربة أمنيًّا على مدى العقدين الأخيرين. أيضًا، يرى بعض المراقبين أن مواجهة سياسة الصين يجب أن تشمل الاعتراف بأرض الصومال، تفاديًا لأي تهديد للوجود الأمريكي في جيبوتي خلال الفترة المقبلة، خاصة أن مسألة الاعتراف بأرض الصومال كانت مطروحة على الطاولة في ولاية ترامب الأولى، ويُعتقد أنه كان سيحدث لو فاز ترامب بولاية ثانية عام 2021[31]، وهو ما قد يشير إلى أن إدارة ترامب القادمة ستدعم إثيوبيا، التي وقّعت في يناير 2024 اتفاقًا مع أرض الصومال؛ للحصول على منفذ بحري بالقرب من ميناء بربرة، مقابل الاعتراف بها كدولة مستقلة ذات سيادة[32].

5- التبادل التجاري مع أفريقيا

يبدو أن الرئيس ترامب يفضل إبرام صفقات تجارية ثنائية مع الدول الأفريقية على حساب إبرام اتفاقات متعددة الأطراف، وهو ما قد تستفيد منه بعض الدول الأفريقية، مثل كينيا، التي عبر رئيسها ويليام روتو، خلال زيارته الأخيرة لواشنطن، عن حرص الأفارقة على إبرام اتفاقيات تجارية تعزز النمو العادل وتوفير فرص العمل، خاصة أن الولايات المتحدة والصين تتنافسان على النفوذ في القارة. إلا أن تعهد ترامب، خلال حملته الانتخابية، بتطبيق تعريفة جمركية عالمية بنسبة 10% على جميع السلع المصنعة خارج الولايات المتحدة، من شأنه أن يجعل السلع المستوردة أكثر تكلفة. وبالتالي، قد تضيف تلك الزيادات المقترحة ضغوطًا جديدة على التجارة بين الولايات المتحدة وأفريقيا؛ ما قد يترتب عليها ارتفاع أسعار المستهلك في مختلف أنحاء القارة. ومن ثم، ربما يبيع المصدرون الأفارقة كميات أقل من منتجاتهم في السوق الأمريكية[33].

في سياق متصل، ومع أن ترامب أشار، في وقت سابق، إلى أنه يفكر في إنهاء قانون النمو والفرص في أفريقيا (أغوا) -الذي منح الدول الأفريقية حق الوصول إلى الأسواق الأمريكية دون رسوم جمركية منذ عام 2000- عام 2025[34]، فإن رغبته في مواجهة النفوذ الاقتصادي المتزايد للصين في أفريقيا قد تدفعه إلى مواصلة الحفاظ على الشراكة مع القارة بالتصديق على القانون بحلول العام المقبل[35]، في حين قد تتعرض بعض الدول الأفريقية لقرارات تتعلق بإيقاف عضويتها في قانون “أغوا” مثل جنوب أفريقيا؛ بسبب شراكتها مع الصين وروسيا في مجالات مختلفة[36].

6- برامج التمويل

يعد خفض التمويل للبرامج التي تدعم تمويلها الولايات المتحدة من أبرز القضايا التي تثير القلق لدى الأفارقة من رئاسة ترامب المقبلة، وهو ما قد يؤثر في قطاعات كبيرة في المجتمعات الأفريقية، لاسيما الصحة الإنجابية لملايين الفتيات والنساء الشابات؛ فقد سعى ترامب، خلال الولاية الأولى، باستمرار إلى خفض التمويل الخارجي[37]. ومن ثم، فإن هناك قلقًا حول ما إذا كانت المشروعات الأمريكية الرئيسية في مجالات الصحة والأمن والتنمية سوف يتم تنفيذها في عهد ترامب أم لا، خاصة أن معظم المناطق في القارة الأفريقية تعاني مشكلات وأزمات متفاقمة، مثل الجفاف والجوع والفقر والتهديدات الأمنية وغيرها.

في سياق متصل، هناك اتجاه بين مؤيدي ترامب يرى أنه قد حان الوقت لمكافأة أصدقاء الولايات المتحدة في المقام الأول؛ فبدلًا من تقليص الموارد الفيدرالية المحدودة من خلال توزيع الأموال على جميع البلدان، بما في ذلك بعض البلدان غير الداعمة للولايات المتحدة، أو حتى المعادية لها، يجب على الإدارة المقبلة أن تركز على البلدان التي يمكن لواشنطن أن تتوقع معها علاقة مفيدة للطرفين[38].

7- مشروعات البنية التحتية

تسعى الولايات المتحدة إلى موازنة النفوذ الصيني الاقتصادي في أفريقيا، بما في ذلك مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها بكين في سبتمبر 2013، وذلك من خلال انخراط إدارة الرئيس بايدن في تطوير ممر لوبيتو الاستراتيجي، الذي يربط بين دول أنغولا والكونغو الديمقراطية وزامبيا، ويمثل جزءًا من رؤية عابرة للقارة الأفريقية تربط بين المحيطين الهندي والأطلسي، وهو مشروع وصفته الخارجية الأمريكية بأنه المشروع الأكثر أهمية الذي ساعدت واشنطن على تطويره في أفريقيا منذ سنوات. وتمول الولايات المتحدة المشروع بالتعاون مع البنك الأفريقي للتنمية ومؤسسة التمويل الأفريقية والاتحاد الأوروبي.

مع ذلك، فإن هناك تخوفات من أن يتراجع الرئيس ترامب عن الاستمرار في دعم الممر الاستراتيجي، خاصة وسط التوقعات التي تشير إلى احتمال تضاؤل الشراكات التجارية المتعددة الأطراف القائمة بين واشنطن وأفريقيا خلال إدارة ترامب القادمة. فيما يرى بعض المسؤولين السابقين في إدارة ترامب الأولى تزايد احتمال استمرار الإدارة في المشروع، خاصة بعدما تمت الصفقة بالفعل[39]؛ إذ يرى بيتر فام أن المبادرات الاستراتيجية، مثل ممر لوبيتو، سوف تستمر، وربما تزداد في السنوات المقبلة، لاسيما في ظل التوقعات بتركيز ترامب مجددًا على أفريقيا من أجل مواجهة النفوذ الصيني[40].

8- التهديدات الأمنية والانتشار العسكري الأمريكي

في ضوء التهديدات الأمنية التي تشهدها بعض دول القارة الأفريقية، بما في ذلك دول الساحل وغرب أفريقيا، نتيجة اضطراب الأوضاع السياسية؛ بسبب سلسلة الانقلابات العسكرية، التي شملت بعض دولها خلال السنوات الأربع الماضية، واتساع نشاط بعض التنظيمات الإرهابية المتمركزة هناك، لاسيما تنظيمَي “القاعدة” و”داعش”، إضافة إلى تصاعد النفوذين الصيني والروسي في القارة، خاصة غرب أفريقيا، الذي اعتبره مايكل لانجلي، قائد “أفريكوم”، بمنزلة أنشطة مزعزعة للاستقرار في غرب أفريقيا، تهدد المصالح الأمريكية- لا يبدو في الأفق أي تغيير محتمل في سياسة ترامب.

تدور رؤية ترامب حول ما المصلحة التي لدى واشنطن في تعريض الجنود الأمريكيين للخطر في معارك في أفريقيا لم تكن لها، بما يعزز نهجه، الذي يقوم على الحد من الوجود العسكري الأمريكي في القارة[41]، وهو ما دفعه إلى إصدار أمر بمراجعة الصفحة البيضاء للقوات الأمريكية في أفريقيا، التي كان من الممكن أن تؤدي إلى الانسحاب الكامل للقوات من القارة، الأمر الذي تحقق بالكامل في الصومال، قبل أن يتراجع بايدن في هذا القرار عقب وصوله للسلطة عام 2021[42]. ومع ذلك، انتهت فترة ترامب قبل أن يتم الانتهاء من المراجعة، وربما يستأنف هذه السياسة خلال فترة ولايته الجديدة.

فقد زعم روبرت أوبراين، مستشار ترامب للأمن القومي السابق، أن البنتاغون يجب أن تفكر في نشر سلاح مشاة البحرية بالكامل في المحيط الهادي، مقابل تخفيف مهامه بشكل خاص في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لكن أفريقيا تختلف الآن عما كانت عليه خلال ولاية ترامب الأولى؛ فهناك تصعيد للنشاط الإرهابي في مناطق عدة هناك، وأضحت روسيا لاعبًا رئيسيًّا في المشهد الأمني في عدد من الدول الأفريقية، فضلًا عن أن عدد القوات الأمريكية أصبح أصغر مما كان عليه في ولاية ترامب، بعد طرد القوات الأمريكية من عدد من الدول الأفريقية، مثل النيجر وتشاد.

قد تصطدم مساعي “أفريكوم”، التي عاينت بالفعل قواعد عسكرية جديدة محتملة للقوات الأمريكية في كوت ديفوار وبنين وتشاد وليبيا، مع نهج ترامب الذي يسعى إلى التقليل من الوجود العسكري الأمريكي في القارة، الأمر الذي ربما يقوّض أمن واستقرار الدول المواجهة للإرهاب في غرب أفريقيا[43]، وهو ما قد يهدد المصالح الأمنية الأمريكية، لاسيما في ظل تنامي النفوذين الصيني والروسي على الساحة الأفريقية، التي اعتبرها ترامب بمنزلة رقعة شطرنج؛ لكبح الطموحات الخبيثة المتنامية لبكين[44].

9- الهجرة غير الشرعية

تبدو آراء ترامب بشأن الهجرة غير الشرعية واضحة، فقد تعهد خلال حملته الانتخابية لعام 2024 بترحيل مليون شخص ليس لديهم إذن قانوني للوجود في الولايات المتحدة، وينطبق هذا الأمر على أفريقيا؛ ففي عام 2022، تم تسجيل نحو 13 ألف مهاجر أفريقي على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، وفقًا لبيانات الجمارك وحماية الحدود الأمريكية. وبحلول عام 2023، تضاعف هذا العدد أربع مرات ليصل إلى 58 ألف مهاجر أفريقي. كان الرئيس ترامب قد سبق أن اتخذ بعض الإجراءات تجاه الهجرة، التي من شأنها كبح جماح الهجرة من عدة دول أفريقية، بما في ذلك نيجيريا وإريتريا والسودان وتنزانيا. يأتي ذلك مع اعتقاد المهاجرين الكينيين، الذين يبلغ عددهم نحو 160 ألف شخص، أنهم سيواجهون التمييز مع تولي ترامب الرئاسة.

وفي ظل استمرار الهجرة غير الشرعية، باعتبارها قضية رئيسية لتعزيز قاعدة ترامب السياسية، تتزايد احتمالات التوتر في العلاقات بين بعض الدول الأفريقية وواشنطن، على غرار التوتر مع غانا في الفترة الأولى لترامب على خلفية محاولات ترحيل المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين. فلا يُستبعد إمكانية فرض إجراءات حظر السفر في الفترة المقبلة على بعض الدول الأفريقية، ذات الأغلبية المسلمة، مثل نيجيريا وتنزانيا والصومال، وهو ما قد تترتب عليه آثار اجتماعية واقتصادية على قطاعات كبيرة من الأفارقة ممن يعتمدون على التحويلات المالية من الخارج[45].

10- قضيتا تغير المناخ والصحة

تشير دراسة حديثة لمؤسسة هيرتيج Heritage إلى أنه من السيئ أن تطلب وكالات المعونة الأمريكية من الأفارقة التخلي عن النمو الاقتصادي لإرضاء المخاوف الغربية من قضية التغيرات المناخية، وهو ما يشير إلى احتمال استمرار إدارة ترامب في العمل ضد قضية المناخ على المستوى الدولي، بما في ذلك أفريقيا[46]. ومع ذلك، فإن هناك ترجيحات تشير إلى اختلاف ترامب مع إحدى أولويات استراتيجيات بايدن في التعامل مع أفريقيا، والمرتبطة بالمرونة في التعامل مع تغير المناخ والرعاية الصحية. وفي السياق الأفريقي، الذي تتشابك فيه التحديات المناخية والصحية، قد يعطي نهج ترامب الأولوية للاحتياجات الصحية الفورية للأفارقة على حساب قضية المناخ[47].

خامسًا- مستقبل الحضور الأمريكي في أفريقيا

 يرتبط مسار العلاقات الأمريكية- الأفريقية، خلال السنوات الأربع المقبلة، برؤية وتوجه الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب تجاه أفريقيا، وما إذا أضحى أكثر تشددًا أم لا، عبر تفعيل شعاره “أمريكا أولًا”، الذي سيظل عقبة أمام تطوير العلاقات الأمريكية- الأفريقية، وما قد يترتب عليه من تراجع النفوذ الأمريكي على الساحة الأفريقية؛ نتيجة إهمال العديد من الملفات الجوهرية، التي من شأنها أن تمنح واشنطن قيمة مضافة لحضورها الاستراتيجي في القارة.

ومن ثم، ربما تتضح ملامح سياسة ترامب تجاه أفريقيا من خلال تفاعله وموقفه تجاه بعض الملفات والقضايا، التي ستحدد المسار المستقبلي للعلاقات الأمريكية- الأفريقية، وفي مقدمتها قانون النمو والفرص في أفريقيا (أغوا)، والبنية التحتية “ممر لوبيتو”، والمساعدات الإنسانية، والتجارة المتعددة الأطراف، وغيرها. من هنا، يظل الأفارقة في مرحلة من عدم اليقين تجاه سياسات ترامب، في ظل الميراث السلبي الذي تركته إدارته في الولاية الأولى (2017- 2021)، واتسم بمزيد من الإهمال والتهميش للعلاقات مع الدول الأفريقية؛ ما أسهم في تراجعها بدرجة كبيرة.

ومع ذلك، ثمة فرصة سانحة لتحسين العلاقات بين ترامب والدول الأفريقية، إذا تبنى توجهات “مشروع 2025” فيما يتعلق بأهمية الانخراط الأمريكي في القارة، وإيلاء المزيد من الأهمية لها، في ضوء المساعي الأمريكية لتعزيز مصالحها الاستراتيجية هناك، خاصة أن ترامب إذا فضل مبدأ الانعزالية في علاقاته مع أفريقيا، فسيترك الساحة فارغة لمنافسيه الاستراتيجيين، مثل الصين وروسيا وغيرهما، وهو ما قد يمثل تقويضًا للأمن القومي الأمريكي ومصالح واشنطن الحيوية على الساحة الأفريقية.

ربما تحمل نظرة “مشروع 2025″، الذي يروج له ترامب وفريق إدارته القادمة إلى قارة أفريقيا، المزيد من الانتهازية والنفعية البحتة، التي تعبر عن النظرة الغربية بشكل عام إزاء القارة الأفريقية، لاسيما أنها تقوم على استنزاف الموارد والثروات الأفريقية، والاستيلاء عليها بدلًا من تحقيق المنفعة المتبادلة بين الطرفين، وعدم تركها للمنافسين الاستراتيجيين مثل الصين، خوفًا من تقويض النفوذ الأمريكي في القارة. وربما يدفع ذلك الأفارقة إلى التوسع في التحول من الفلك الأمريكي للبحث عن حلفاء دوليين آخرين؛ من أجل الشراكة التي تقوم على مبدأ المنفعة المتبادلة والكل رابح win-win، بما يعزز فرص بعض القوى الفاعلة في الساحة الأفريقية، مثل الصين وروسيا وتركيا، وغيرها.

إجمالًا، من المتوقع أن ترتبط سياسة ترامب تجاه أفريقيا بدرجة كبيرة بموقفه من تنامي النفوذ الصيني على الساحة الأفريقية، خلال الفترة المقبلة، وهو ما قد يرجح احتفاظ إدارة ترامب ببعض الملفات التي تسمح لواشنطن بمساحة حركة تضمن بها جزءًا كبيرًا من نفوذها هناك، وتعزز من خلالها العلاقات مع الدول الأفريقية، وفي مقدمتها الملف الاقتصادي والتبادل التجاري والملف الأمني، الأمر الذي ربما يترتب عليه تصاعد التنافس الدولي بدرجة أكبر على القارة خلال المرحلة القادمة، وما يرتبط به من تهديد لاستقرار الدول الأفريقية وأمنها.


[1]. Africa News, US presidential candidates have no clear Africa policies, 4 November 2024, accessible at: https://tinyurl.com/mw3xdkxp

[2]. SABC News, Trumps foreign policy regarding Africa unclear: Analyst, 9 November 2024, accessible at: https://tinyurl.com/msvpnk7r

[3]. Kate Bartlett, How could US-China rivalry in Africa play out under Trump 2.0?, Voice of America, 12 November 2024, accessible at: https://tinyurl.com/yc8zftcz

[4]. Julian Pecquet, Five Africa policy changes if Trump wins US presidency, The Africa Report, 11 March 2024, accessible at: https://tinyurl.com/msakvsdm

[5]. Eunice Wanjiru, African leaders hope Trump’s win leads to closer cooperation, Deutsche Welle, 11 July 2024, accessible at: https://tinyurl.com/5h2dkye7

[6]. Kate Bartlett, Idem,.

[7]. Emmanuel Igunza, Kate Bartlett and Jewell Bright, Trump never visited Africa as President. Here’s what Africans expect from a second term, npr, 9 November 2024, accessible at: https://tinyurl.com/a4n8a9e9

[8]. Chinedu Asadu, In Africa, meager expectations and some hopes for a second Trump presidency, The Associated Press, 13 November 2024, accessible at: https://tinyurl.com/4a38ejmk

[9]. Emmanuel Igunza, Kate Bartlett and Jewell Bright, Idem,.

[10]. Kate Bartlett, Idem,.

[11]. Ibid,.

[12]. Priyal Singh, New problems, old problems, Friedrich Ebert Stiftung, 14 November 2024, accessible at: https://tinyurl.com/37enpkdp

[13]. Amandine Gnanguenon, US Interests and African Agendas: Africa Policy After the 2024 Elections, German Marchall Fund, 27 September 2024, accessible at: https://tinyurl.com/yj5skunr

[14]. Julian Pecquet, Idem,.

[15]. Adewunmi Emoruwa, What Trump’s win means for Africa’s trade and investment?, Open Democracy, 8 November 2024, accessible at: https://tinyurl.com/4zvbmktt

[16]. Chinedu Asadu, Idem,.

[17]. Voice of America, US president-elect Trump’s government tasked with advancing US-Africa relations, 12 November 2024, accessible at: https://tinyurl.com/5dffphw9

[18]. Daniel Volman, Africa Policy in Trump’s Second Term, Foreign Policy in Focus, 13 June 2024, accessible at: https://tinyurl.com/yxxu58cb

[19]. Cameron Hudson, What U.S. Elections Could Mean for Africa?, Center for Strategic & International Studies, 8 October 2024, accessible at: https://tinyurl.com/3tp9vwfr

[20]. Julian Pecquet, Idem,.

[21]. Daniel Volman, Idem,.

[22]. Chinedu Asadu, Idem,.

[23]. Nicholas Norbrook, Trump wants ‘capable partners’ in Africa: former US special envoy, The Africa Report, 31 October 2024, accessible at: https://tinyurl.com/53v66zdj

[24]. موقع أنباء إنفو الموريتاني، دونالد ترامب ساخرًا: هل سمعت من قبل عن دولة اسمها موريتانيا؟، 31 أكتوبر 2024، متاح على: https://tinyurl.com/463t4p7e

[25]. Ishmael Kwabla Hlovor, The return of Trump and its implications for Africa, Joy Online, 10 November 2024, accessible at: https://tinyurl.com/2ymmjze2

[26]. Julian Pecquet, Five Africa policy changes if Trump wins US presidency, The Africa Report, 11 March 2024, accessible at: https://tinyurl.com/msakvsdm

[27]. Julian Pecquet, Idem,.

[28]. Ishmael Kwabla Hlovor, Idem,.

[29]. Cameron Hudson, Idem,.

[30]. Yinka Adegoke, Trump’s Africa plans take pragmatic turn, SEMAFOR, 9 November 2024, accessible at: https://tinyurl.com/zxjhjvjv

[31]. Julian Pecquet, Idem,.

[32]. Daniel Volman, Idem,.

[33]. The Atlantic Council, Donald Trump just won the presidency. Our experts answer the big questions about what that means for America’s role in the world, 6 November 2024, accessible at: https://tinyurl.com/5n7jw3nx

[34]. Vin Weber, What Africa can expect under a second Trump administration: A focus on the ‘numbers’?, The Atlantic Council, 29 October 2024, accessible at: https://tinyurl.com/mbnp7w37

[35]. Joel Odota, Harris or Trump: America’s Africa strategy is unlikely to change, Devpolicy Blog, 12 September 2024, accessible at: https://tinyurl.com/ymjs3r5m

[36]. Silja Fröhlich, Will America’s Africa policy change under next US president?, Deutsche Welle, 23 October 2024, accessible at: https://tinyurl.com/3tu4p44z

[37]. Kalu Aja, The Trump Trade: What broad sectors will do well under President Trump?, Nairametrics, 13 November 2024, accessible at: https://tinyurl.com/4j7xsnn3

[38]. Julian Pecquet, Idem,.

[39]. Kate Bartlett, Idem,.

[40]. Esthar Istifanus, Donald Trump’s Africa policy: aid cuts and rising strategic tensions, The Truth, 10 November 2024, accessible at: https://tinyurl.com/mtrbjp8p

[41]. Ishmael Kwabla Hlovor, Idem,.

[42]. Chinedu Asadu, Idem,.

[43]. Cameron Hudson, Idem,.

[44]. Council on Foreign Relations, Why the U.S. Presidential Election Matters for Africa?, 27 September 2024, accessible at: https://tinyurl.com/ys4ab3zf

[45]. Ishmael Kwabla Hlovor, Idem,.

[46]. Cameron Hudson, Idem,.

[47]. Adewunmi Emoruwa, Idem,.

المواضيع ذات الصلة