منذ انقلابهم على الحكومة الشرعية في اليمن عام 2014، أصبح الحوثيون عاملًا رئيسيًّا في إشعال صراع أهلي طويل الأمد تجاوز العقد، مخلفين وراءهم أزمة اقتصادية وإنسانية تُعَدُّ من بين الأسوأ في العصر الحديث. ولم تقتصر آثار سياساتهم على الداخل اليمني فحسب، بل امتدت لتشكل تهديدًا خطيرًا للأمن الإقليمي، عبر انخراطهم في محاور إقليمية وسلوكيات عدائية تُهدد استقرار المنطقة بشكل مباشر.
تسعى هذه الدراسة إلى استكشاف الأبعاد المختلفة للتهديد الحوثي للأمن الإقليمي، من خلال تحليل دورهم في إدامة الصراع الداخلي في اليمن، وتقييم تأثيرهم على أمن الملاحة البحرية في جنوب وغرب الجزيرة العربية. كما تركز الدراسة بشكل خاص على تهديداتهم المباشرة لأمن دول مجلس التعاون الخليجي، مستندةً إلى أحداث مفصلية؛ مثل الهجمات التي استهدفت منشآت ومناطق مدنية في دولة الإمارات يوميْ 17 و24 يناير 2022، لاستنتاج الدروس المستفادة من تلك التجارب.
أولًا- خلفية عن الصراع اليمني وتأثيره على استقرار المنطقة
تعود جذور الصراع الأهلي في اليمن إلى انقلاب الحوثيين على الحكومة الشرعية في سبتمبر 2014، وسيطرتهم على العاصمة صنعاء، ثم زحفهم للسيطرة على المحافظات اليمنية. وقد أفضى الانقلاب الحوثي إلى اندلاع حربٍ أهلية في اليمن، وتجدد القضية الجنوبية في صورة حراك مسلح ضد محاولات الحوثيين للسيطرة على اليمن، وتمدد تنظيميْ داعش والقاعدة جنوبي البلاد[1].
واستجابةً لطلبٍ من الحكومة الشرعية، شنّ التحالف العربي لدعم الشرعية بقيادة السعودية، عبر العملية العسكرية “عاصفة الحزم”، في مارس 2015، غارات جوية مفاجئة، مستهدفة المطارات والقواعد العسكرية، ومراكز القيادة والسيطرة التي استولى عليها الحوثيون. وفي منتصف العام نفسه، وفي عملية أُطلق عليها “عملية إعادة الأمل”، تمكن التحالف العربي مع القوات الحكومية الشرعية وقوات المقاومة الجنوبية و”الشمالية” من استعادة مدينة عدن ومحافظات جنوبية عدة، وعدد من المناطق على الساحل الغربي لليمن، بما في ذلك منطقة باب المندب[2].
وبينما الحرب الأهلية تتمدد في البلاد، أعلن الرئيس السابق، على عبدالله صالح، في عام 2017، فض تحالفه مع الحوثيين، ومن ثم نَشَبَ قتال بين الطرفين أفضى إلى مقتله في 4 ديسمبر 2017[3]. وفي عام 2019، حدثت توترات بين قوات الحكومة اليمنية وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي أدت إلى حرب مفتوحة. وبوساطة خليجية، تم التوصل إلى اتفاق تقاسم السلطة بين الطرفين عام 2020 وتشكيل حكومة ائتلافية. وفي أبريل 2022 تم تشكيل المجلس الرئاسي برئاسة رشاد العليمي لإدارة اليمن من عدن[4].
وبعد سنوات من الحرب الضارية، رعت الأمم المتحدة، في مارس 2022، هدنة “غير مستقرة”، توقفت معها عمليات التحالف العربي ضد الحوثيين، وأدت إلى تجميد خطوط الصراع[5]. ومع انتهاء الهدنة في أكتوبر 2022، لم يَعُدْ القتال إلى “مستويات ما قبل الهدنة”، وتوقفت هجمات الحوثيين عبر الحدود على السعودية، وكذلك الغارات الجوية للتحالف العربي على اليمن. وأعقب ذلك بذل جهود إقليمية ودولية بُغية تحويل الهدنة إلى وقف دائم لإطلاق النار، وتمكين الحل السياسي[6]، ولكنها لم تصل حتى اليوم إلى اتفاق سلام شامل؛ بسبب التعنت الحوثي فيما يتعلق بعدد من البنود التفاوضية، مثل قانون تبادل الأسرى، واستئناف تصدير النفط الخام، وعدم شمول الاتفاق المقترح جميع الأطراف المتنافسة، ولاسيّما محافظات الجنوب، فضلًا عن استمرار الانقسام السياسي بين الفرقاء في المشهد اليمني، وخاصةً بين المجلس الانتقالي الجنوبي والمجلس الرئاسي[7].
وما يزال اليمن يشهد اشتباكات منخفضة المستوى بين الحوثيين من جانب، وبين وقوات الحكومة اليمنية وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي من جانب آخر، فضلًا عن هجماتٍ إرهابية -بين الحين والآخر- لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية؛ حيث يظل التنظيم نشطًا في المناطق النائية. وثمة تنسيق بين جماعة الحوثي والتنظيم الإرهابي.[8]
وبعد أكثر من عشر سنوات من الصراع، يعيش اليمن حالة من التقسيم الواقعي بين ثلاث قوى رئيسية، وهي: الحكومة الشرعية، وجماعة الحوثيين، والمجلس الانتقالي الجنوبي، حيث يسيطر كل طرف على أجزاء من الأراضي اليمنية؛ مما يجعل خريطة النفوذ والسيطرة مُعقدة ومتشابكة؛ إذ تتغير مناطق السيطرة باستمرار نتيجة الصراعات المستمرة بين الأطراف (انظر الخريطة أسفله).
وقد اتبع الحوثيون نهجًا مركبًا لتعزيز سيطرتهم على المناطق الخاضعة لهم، وتوسيعها، يتضمن التصعيد العسكري ضد خصومهم، وتشديد القبضة الأمنية على المواطنين، من قبيل عمليات التهجير القسري وحملات التفتيش والاعتقالات، وابتكار آليات ومؤسسات جديدة للجباية، ومصادرة أموال المودعين، وإغلاق وهدم الأسواق، والامتناع عن دفع رواتب الموظفين. كل ذلك دون الحديث عن تقديم برامج ثقافية تهدف إلى حوثنة المجتمع اليمني[9].
وما يزال الصراع في اليمن يزداد تعقيدًا؛ بسبب أطرافه العديدة والمتباينة، ومصالحهم المتعارضة والمتصارعة، والتدخلات الخارجية في الشأن اليمني، وأخطرها التدخل الإيراني، والتوترات الإقليمية الحالية. وثمة حالة من الجمود السياسي والعسكري تسيطر على الأوضاع اليمنية الحالية[10].
وفي ضوء تعثر الوصول إلى اتفاق وفق خريطة الطريق الأممية، عادت الاستعدادات العسكرية من جانب الحكومة اليمنية وجماعة الحوثيين، في ظل تغيراتٍ إقليمية مضطربة؛ ما قد يُفضي إلى استئناف الحرب في اليمن، تزامنًا مع تحذير المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، هانس غروندبرغ، في أكثر من مناسبة من إمكانية عودة الحرب في اليمن، في ظل تصعيد الأنشطة العسكرية، وتدهور الوضع الأمني، وانعكاسات التصعيد الإقليمي على واقع عملية السلام[11].
والواقع أنّ الصراع في اليمن يمثل تهديدًا خطيرًا لأمن الخليج وللأمن الإقليمي عامةً. وتكمن أبعاد هذا التهديد في احتمال تكريس وضع اليمن كدولة فاشلة على الحدود الجنوبية لدول مجلس التعاون، وعلى مفترق طرق الملاحة الدولية عبر مضيق باب المندب وإلى قناة السويس. وفي ضوء ما كشفته التقارير الإخبارية عن تنسيق بين جماعة الحوثي وتنظيم القاعدة، وتمدد تنظيم “داعش” في اليمن، ثمة احتمال بأن يتحول اليمن إلى بؤرة للإرهاب الدولي. كما أن زيادة تدفق اللاجئين يؤدي إلى صعوبة مراقبة الحدود، ما يسهل تحركات الجماعات المسلحة والمهربين. وقد تحدثت تقارير منظمة الهجرة الدولية (IOM) 2023، عن تزايد التهريب عبر الحدود؛ ما أدى إلى تهديد الأمن الحدودي. ووفقًا لـ”مركز أبحاث النزاعات المسلحة” (CAR)، فإن تهريب الأسلحة عبر الحدود اليمنية يهدد استقرار دول الخليج، وخاصة السعودية وعُمان.
غير أنّ أهم التهديدات التي يفرزها الوضع اليمني هو تنامي النفوذ الإيراني في المنطقة، بل وتأسيس دولة مذهبية “شيعية” في اليمن الشمالي تابعة لإيران، وانفصال جنوبي اليمن، واندلاع الحرب الأهلية من جديد بين شطريْ اليمن. ولاشك أن الوضع اليمني الراهن يحمل مع الاحتمالات المتصورة مخاطر عالية المستوى على الأمن الخليجي الجماعي، وعلى الأمن الوطني لدول مجلس التعاون، بل وعلى الأمن الإقليمي كله، إضافةً إلى المشكلات الرئيسية التي خلقتها الهجرة غير الشرعية والتهريب عبر الحدود اليمنية، والتي تشكل الآن تهديدًا للسعودية وعُمان ودولة الإمارات[12]، وتهديدات الحوثيين للملاحة البحرية في البحر الأحمر والمناطق المحيطة به، على النحو الذّي سوف يتم الإشارة إليه لاحقًا.
ثانيًا- المشاركة الإماراتية في التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن
في سبتمبر 2014 أعلنت دولة الإمارات رفضها انقلاب الحوثيين في اليمن، وانحيازها إلى جانب الشرعية الدستورية التي يمثلها الرئيس عبدربه منصور هادي وحكومته، ودعت إلى اتخاذ موقفٍ حازم وعاجل يرفض تغيير الواقع بالعنف والقوة. وتؤمن دولة الإمارات أنّ تسوية الأزمة اليمنية لابُدّ أنْ تستند إلى بنود وثيقة الحوار الوطني الموقعة في يناير عام 2014، واستكمال تنفيذ المبادرة الخليجية (أبريل 2011) وآلياتها التنفيذية[13]. كما تؤمن دولة الإمارات بأن تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي لن يتحقق إلا بترسيخ أركان الدولة الوطنية ومؤسساتها الشرعية ومواجهة التنظيمات الإرهابية.
وقد شاركت دولة الإمارات في عملية “عاصفة الحزم”، التي انطلقت في 26 مارس 2015، واستمرت لمدة نحو شهر، ضمن ائتلاف خليجي-عربي بقيادة السعودية، وبناءً على طلب الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي؛ من أجل دعم الشرعية في اليمن، والحؤول دون سيطرة الحوثيين على سائر البلاد، وذلك بعد تقدمهم نحو الجنوب، ومحاولتهم الاستيلاء على مدينة عدن معقل الرئيس اليمني. ويُذكر أنّ الولايات المتحدة أعلنت دعمها السياسي واللوجستي للتحالف المذكور، فيما أعلنت باكستان دعمها للسعودية في حالة وقوع اعتداء عليها[14]. وكانت دولة الإمارات هي الدولة الثانية في هذه العملية من حيث قوة المشاركة والتأثير السياسي والعسكري[15].
وجاءت المشاركة الإماراتية في عملية عاصفة الحزم دعمًا للحكومة الشرعية ومساندةً للشعب اليمني في مواجهة خطر هذه الميليشيا الانقلابية، وهي تمثل تجسيدًا حيًّا لقيم النخوة والشهامة الإماراتية الأصيلة. ويشير مفهوم النخوة إلى المروءة والشهامة والقدرة على تحمّل الصعاب في سبيل مساعدة الغير وهو الدور الذي قامت به الدولة في مواجهة الحوثيين.
وفي أبريل 2015، أعلن التحالف العربي عن التحول من عملية “عاصفة الحزم” العسكرية إلى عملية “إعادة الأمل”. وتمكن التحالف، في يوليو، من إخراج الحوثيين وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح من مدينة عدن. وقد قامت القوات المسلحة لدولة الإمارات، سواء كانت القوات الخاصة أو القوات الجوية والبحرية والجوية والدفاع الجوي لدولة الإمارات، بدورٍ رئيسي في تحرير مدينة عدن، بالاشتراك مع قوات المقاومة اليمنية[16].
وفي يناير 2017، نفذ الجيش اليمني والمقاومة الشعبية، بإسناد التحالف العربي، عملية عسكرية عُرفت باسم “الرمح الذهبي”؛ لتحرير مدن الساحل الغربي المطلة على البحر الأحمر ومضيق باب المندب. وفي محاولة لاستعادة مدينة الحديدة تمكنت القوات الموالية للحكومة في يونيو 2018 من الوصول إلى الأجزاء الجنوبية من المدينة وفرض حصار عليها. ولكن الأمم المتحدة تدخلت، وتم تنفيذ وقف لإطلاق النار في ديسمبر. ومن ثم، بدأت محادثات السلام برعاية الأمم المتحدة بين الأطراف اليمنية المتنازعة في استوكهولم، وأسفرت عن اتفاقية استكهولم حول الحديدة (مايو 2019)، التي تضمنت وقفًا فوريًّا لإطلاق النار، في محافظة ومدينة الحديدة، وموانئ الحديدة، والصليف، ورأس عيسى، وانسحاب القوات من الجانبين، التي حلت محلها السلطات المحلية، وشملت الاتفاقية مراقبة الأمم المتحدة لموانئ المدينة وتوزيع المساعدات. وظل وقف إطلاق النار هشًّا، حيث اتهمت الأطراف المختلفة بعضها بعضًا بخرق شروط الاتفاق[17].
وفي يونيو 2019، بدأت دولة الإمارات بهدوء في فك ارتباط قواتها باليمن، بهدف دعم وقف إطلاق النار في الحديدة.[18] ولكن بعد فترة من الجمود العسكري، ترافقت مع ذروة انتشار وباء كورونا-19، أعلن التحالف، في يناير 2022، عن تنفيذ عملية عسكرية واسعة لشل قدرات ميليشيا الحوثيين في عدد من المحافظات اليمنية، عُرفت باسم “حرية اليمن السعيد”[19]، قبل أن يتم التوصل إلى هدنة أخرى “غير مستقرة” في مارس 2022.
ومن ثم، بدأت مباحثات سعودية-حوثية، بوساطة عُمانية، في أبريل 2023، من أجل وقف الحرب اليمنية[20]. وبالفعل، أُعلن في 23 ديسمبر 2023 عن وقف لإطلاق النار، بوساطة أممية، يشمل عموم البلاد، وإجراءات لتحسين الظروف المعيشية، والانخراط في استعدادات لاستئناف عملية سياسية جامعة تحت رعاية الأمم المتحدة[21].
ومع ذلك، ما يزال التقدم الملموس بعيد المنال، ولم تسفر أول زيارة رسمية للحوثيين إلى العاصمة السعودية منذ بدء الحرب، في سبتمبر 2023، عن شيء سوى التصريحات المتفائلة.[22]
ثالثًا- الحوثي وتهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن
في نوفمبر 2023، شرع الحوثيون في استهداف السفن المتجهة إلى إسرائيل، أو المرتبطة بها، عبر خليج عدن والبحر الأحمر، ردًّا على العدوان الإسرائيلي على غزة؛ ما استدعى تشكيل تحالف “حارس الازدهار”، الذي تقوده الولايات المتحدة ضد الحوثيين. ومن ثم، أُضيفت السفن الأمريكية والبريطانية إلى دائرة الاستهداف، ولاسيّما بعد الهجمات الجوية والصاروخية الأمريكية والبريطانية على أهدافٍ في مناطق سيطرة الحوثيين. وأدى ذلك إلى تصاعد التهديدات لأمن الملاحة البحرية في البحر الأحمر وخليج عدن إلى مستوى غير مسبوق، وتحولها إلى منطقة عمليات عسكرية نشطة[23]، مع تواصل الهجمات الحوثية ضد السفن التجارية والحربية، واستهداف الولايات المتحدة مواقع القيادة والسيطرة لجماعة الحوثي، وإطلاق العملية العسكرية الأوروبية “أسبيدس”، والتصعيد العسكري الإسرائيلي-الحوثي.
وقد اتبع الحوثيون استراتيجية مركبة لتهديد أمن الملاحة البحرية في المنطقة؛ فلم يقتصروا على استهداف السفن التجارية والعسكرية، بل قاموا بإجراء مناورات عسكرية في البحر الأحمر، واستعراض القوة بالإعلان عن أسلحة حديثة (مركبات مسيّرة تحت الماء، وغواصة “القارعة” المسيّرة). ولم يقتصر الحوثيون كذلك في استهدافهم السفن والناقلات على السلاح الجوي، بل استخدموا مجموعة متنوعة وحديثة من الأسلحة، ولاسيّما المراكب السطحية المحملة بالمتفجرات (USV)[24]. وفي منتصف عام 2024، بدا أنّ الحوثيين يتجهون إلى توسيع نطاق عملياتهم المستهدفة للشحن الإسرائيلي، عن طريق استهداف السفن والموانئ الإسرائيلية في البحر الأبيض المتوسط باستخدام أنواع مختلفة من الأسلحة، خصوصًا ميناء حيفا، بيد أنّ هذا الاتجاه لم يتبلور بَعْدُ كاستراتيجية أو نمط سلوك. وقد نفذ الحوثيون خلال السنة الأولى (19 نوفمبر 2023-18 نوفمبر 2024) نحو 110 هجمات ضد السفن التجارية والسفن الحربية منذ نوفمبر 2023، وأعلنوا قيودًا جديدة على الشحن في كل مرحلة من حملتهم[25].
وأيًّا ما كان الأمر، فقد نجح الحوثيون فعليًّا في تحويل نقطة الاختناق في باب المندب إلى منطقة محظورة/منع الوصول[26]. وبحسب تقرير جديد أصدرته وكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية في يونيو 2024، فقد أثرت هجمات جماعة الحوثي في البحر الأحمر على مصالح 65 دولة و29 شركة كبرى في مجال الطاقة والشحن. وأفاد التقرير أن البحارة مصدومون، ويرفضون الإبحار في البحر الأحمر نتيجة لهجمات الحوثيين، الأمر الذي يؤدي إلى التناقص الشديد في عدد البحارة والضباط. وكانت رويترز قد أجرت مقابلات مع أكثر من 15 من أفراد الطاقم ومسؤولين في صناعة الشحن، الذين ذكروا أن البحارة يترددون في الإبحار عبر البحر الأحمر بسبب هجمات الحوثيين المستمرة. وذكرت رويترز أن العديد من شركات الشحن وأصحاب السفن قرروا عدم الإبحار عبر البحر الأحمر، مما أثر على التكاليف والوقت، حيث اختارت الشركات الإبحار عبر الطريق الأطول والأكثر تكلفة حول أفريقيا بدلًا من ذلك.[27]
وفي مواجهة ذلك، اتبعت الولايات المتحدة استراتيجية مضادة، تتضمن أدوات عسكرية (ضربات جوية وصاروخية أمريكية وبريطانية ضد مواقع عسكرية حوثية، مثل منصات الصواريخ والطائرات المسيّرة والرادارات ومواقع الرصد الساحلية)، وهجمات إلكترونية بهدف إعاقة قدرة الحوثيين على تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتصفية العناصر الحوثية المنتشرة في العراق وسوريا (قتل خبير الطائرات المسيَّرة “حسين الشعبل”)، وإعادة تصنيف الجماعة باعتبارها “جماعة إرهابية مصنفة بشكل خاص”. كما تضمنت الاستراتيجية الأمريكية أدوات اقتصادية، شملت العقوبات الاقتصادية على أفراد، وعلى كيانات وشركات تعمل على تسهيل شحنات سلع ومعاملات مالية للحوثيين، وعلى مسؤولين عسكريين حوثيين[28]. وبلغت عمليات القصف الجوي والبحري الأمريكي والبريطاني على اليمن 931 غارة جوية وقصفًا بحريًّا خلال عام (يناير 2024-يناير 2025). وقد خلفت هذه العمليات نحو 106 قتلى و314 جريحًا.
أمّا العملية الأوروبية “أسبيدس” فإنها لم تتمكن من مواجهة التصعيد الحوثي، حيث واجهت مشكلات تتصل بالقدرات البحرية المتواضعة التي توفرها الدول المساهمة، ومحدودية قدرات الدفاع الجوي، وارتفاع كلفتها، وتراجع الخدمات اللوجستية والمالية[29].
ومن المرجح أن تسلك الولايات المتحدة استراتيجية أكثر تعقيدًا، من خلال اتباع أكثر من مسار في وقت واحد، وهو ما يمكنها في النهاية، وخلال فترة زمنية قصيرة، من التوصل إلى اتفاق يحسم هذا الملف، تحسبًا لانتقال التهديد إلى مرحلة أخرى، تشترك فيها حركة الشباب الصومالية في تهديد الملاحة في القرن الأفريقي إلى جوار جماعة الحوثي؛ إذ أفادت تقارير إخبارية، في يونيو 2024، بأن الاستخبارات الأمريكية علمت أن الحوثيين يجرون محادثات لتوفير الأسلحة من الصواريخ وقذائف الهاون لجماعة الشباب في الصومال، وإن لم تتوافر حتى الآن أدلة دامغة تثبت تسليم الحوثيين أسلحة إلى حركة الشباب في الصومال. وعلى الرغم من أن الحوثيين ربما كانوا يستمدون الثقة في السابق من دعم طهران، من المرجح أن يعيدوا تقييم هذا التقدير في ضوء سقوط نظام الأسد في سوريا. وقد يخلق ذلك فرصة للضغط على الحوثيين لوقف هجماتهم على البحر الأحمر[30].
رابعًا- هجوم الحوثيين على أبوظبي في 17 يناير 2022
في 17 يناير 2022، نفذت ميليشيا الحوثي هجومًا “إرهابيًّا” صاروخيًّا وبالمسيرات، مستهدفةً منشآت مدنية حيوية، مما أدى إلى سقوط ضحايا مدنيين وخسائر مادية جسيمة[31]. وقد اعتمد الحوثيون في هجومهم على استراتيجية مزدوجة، حيث استخدموا طائرات مسيرة وصواريخ باليستية في وقت واحد[32]، مستهدفين ثلاثة مواقع رئيسية في إمارة أبوظبي:
- منطقة مصفح الصناعية (إيكاد 3): وقع انفجار ضخم في منطقة مصفح الصناعية، والتي تضم مستودعات تخزين تابعة لشركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك). وقد أظهرت التحقيقات أن الانفجار نجم عن استهداف ثلاثة صهاريج نقل محروقات، بطائرات مسيرة صغيرة، محملة بمواد متفجرة. وقد تسبب هذا الانفجار في اندلاع حريق هائل[33].
- مطار أبوظبي الدولي: تزامنًا مع الهجوم على مصفح، تعرضت منطقة الإنشاءات الجديدة في مطار أبوظبي الدولي لهجوم آخر، مما أدى إلى اندلاع حريق محدود. وأشارت التقارير إلى أن هذا الهجوم نجم عن صاروخ باليستي، تم إطلاقه من الأراضي اليمنية. وعلى الرغم من أن الحريق لم يتسبب في أضرار كبيرة، إلا أنه أثار حالة من الهلع بين المسافرين والعاملين في المطار.
وقد وقع الهجوم حوالي الساعة العاشرة صباحًا بالتوقيت المحلي لدولة الإمارات، مما يشير إلى نية الحوثيين لتعظيم الخسائر البشرية والمادية، حيث تكون المنشآت المستهدفة في ذروة نشاطها خلال هذا التوقيت[34]. وقد أعلنت جماعة الحوثي مسؤوليتها عن الهجوم بشكل رسمي، وأكدت استخدامها طائرات مسيرة وصواريخ باليستية في الهجوم، وهددت بتنفيذ مزيد من الهجمات على الأراضي الإماراتية في المستقبل[35].
وفيما يتعلق بالأضرار، فقد أسفر الهجوم الإرهابي عن مقتل ثلاثة مدنيين، منهم مواطنان هنديان ومواطن باكستاني، وإصابة ستة آخرين بجروح مختلفة. وقد نعت القيادة الإماراتية الضحايا المدنيين، مؤكدةً على تقديم الدعم الكامل لعائلاتهم. أمّا الخسائر المادية فقد تسبب الهجوم في أضرار مادية جسيمة في المنشآت المستهدفة، خاصةً صهاريج الوقود في منطقة مصفّح الصناعية.
وفي 24 يناير 2022، تصدى الدفاع الجوي الإماراتي بنجاح لصاروخين باليستييْن أطلقهما الحوثيون، فجر 24 يناير، باتجاه أبوظبي دون حدوث خسائر بشرية.
تعامل مؤسسات الدولة مع الهجوم الحوثي:
كان رد الإمارات سريعًا وشاملًا، حيث نجحت قوات الأمن في اعتراض وتحييد العديد من المقذوفات باستخدام أنظمة دفاع صاروخي متطورة، مما أدى إلى تقليل الخسائر والأضرار بشكل كبير. وتم نشر خدمات الطوارئ على الفور في المواقع المتضررة، وإطفاء الحرائق، وتأمين المناطق لمنع المزيد من الضرر. كما قامت الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث بتنسيق الجهود بين مختلف الجهات، مما يضمن استجابة سلسة وفعالة.
وفي الساعات التي أعقبت الهجوم، أصدرت القيادة الإماراتية إدانات شديدة للحادث، مؤكدة على ضرورة التعاون الدولي لمواجهة التهديد الحوثي المتزايد. وطمأنت السلطات العامة من خلال اتصالات شفافة، مؤكدة على جاهزية الدولة وقدرتها على التعامل مع مثل هذه الأزمات. وأبرزت عملية إعادة الإعمار السريعة للبنية التحتية المتضررة قدرات الإمارات المتقدمة في إدارة الأزمات.
كما دفع الهجوم دولة الإمارات إلى تعزيز تدابير الأمن الداخلي، بما في ذلك زيادة المراقبة وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع الحلفاء. وتم نشر تقنيات متقدمة، مثل أنظمة المراقبة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، لاستباق التهديدات المحتملة ومواجهتها. وأظهرت هذه التدابير النهج الاستباقي الذي تنتهجه الدولة لحماية مواطنيها وبنيتها التحتية من الحرب غير المتكافئة.
خامسًا- التعاطي الدبلوماسي الإماراتي مع هجوم 17 يناير:
لم تقتصر جهود دولة الإمارات في التعامل مع الهجوم على الجانب الأمني والعسكري فحسب، بل امتدت لتشمل تحركًا دبلوماسيًّا مكثفًا على مختلف الأصعدة؛ بهدف حشد الدعم الدولي، وتسليط الضوء على خطورة هذا الهجوم الإرهابي وتداعياته على الأمن والسلم الإقليمي والدولي.
فقد بادرت دولة الإمارات إلى التواصل مع المنظمات الدولية، وفي مقدمتها الأمم المتحدة، لاطلاعها على تفاصيل الهجوم وإدانته. وفي هذا الخصوص، قدمت الحكومة الإماراتية رسالةً إلى مجلس الأمن الدولي تطلب فيها عقد اجتماع طارئ لبحث الهجوم الحوثي. وقد أصدر المجلس بيانًا بالإجماع يُدين فيه الهجوم، ويؤكد على ضرورة محاسبة المسؤولين عنه.[36] كما أبلغت دولة الإمارات الجامعة العربية بالهجوم الحوثي، وطالبتها باتخاذ موقف حازم ضد ميليشيا الحوثي وداعميها. كما نشطت الدبلوماسية الإماراتية في التواصل مع الدول الشقيقة والصديقة لشرح ملابسات الهجوم وحشد الدعم الدولي لموقف الإمارات.
وفي حملتها الدبلوماسية المكثفة، دعت الإمارات المجتمع الدولي إلى تكثيف جهوده للتوصل إلى حل سياسي للصراع اليمني، مؤكدة أن استمرار الصراع يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية، ويزيد من التهديدات الأمنية في المنطقة. وفي نفس الوقت، ركزت الدبلوماسية الإماراتية على تسليط الضوء على دور إيران في دعم ميليشيا الحوثي وتزويدها بالأسلحة والتكنولوجيا المتطورة، مما يمكنها من تنفيذ مثل هذه الهجمات الإرهابية التي تهدد أمن واستقرار المنطقة. كما أكدت الإمارات على موقفها الثابت في مكافحة الإرهاب بجميع أشكاله وصوره، وعلى استمرارها في التعاون مع المجتمع الدولي للقضاء على هذه الآفة التي تهدد السلام والأمن في العالم.
وقد نجحت الدبلوماسية الإماراتية في التعامل مع هجوم الحوثيين على أبوظبي بكفاءة وحرفية، حيث تمكنت من حشد الدعم الدولي وإدانة هذا الهجوم الإرهابي، والتأكيد على حق الإمارات في الدفاع عن نفسها، وتسليط الضوء على خطورة التهديد الإرهابي الذي يمثله الحوثيون والدعم الإيراني لهم، ودعوة المجتمع الدولي إلى تكثيف جهوده للتوصل إلى حل سياسي للأزمة اليمنية.
سادسًا- المواقف الدولية الداعمة للإمارات بعد هجوم يناير 2022
أثار هجوم الحوثيين على أبوظبي موجةً عارمةً من الإدانات الدولية، حيث عبّرت دول وشعوب العالم عن تضامنها مع الإمارات في وجه هذا العمل الإرهابي الجبان، مؤكدةً على ضرورة وقف العدوان الحوثي ومحاسبة المسؤولين عنه. وقد تجلى هذا التضامن الدولي من خلال مجموعة من المواقف والبيانات الرسمية التي أصدرتها العديد من الدول والمنظمات الدولية[37]، والتي أكدت جميعها على رفض الإرهاب بجميع أشكاله وصوره، ودعم حق الإمارات في الدفاع عن أراضيها ومواطنيها.
فقد أصدر مجلس الأمن الدولي بيانًا بالإجماع يدين فيه الهجوم الحوثي على أبوظبي، ويؤكد على ضرورة محاسبة المسؤولين عنه. وقد أعرب أعضاء المجلس عن قلقهم البالغ إزاء تصاعد العنف في اليمن، ودعوا جميع الأطراف إلى الالتزام بوقف إطلاق النار والتوصل إلى حل سياسي للأزمة.[38]
كما أدانت الجامعة العربية الهجوم الحوثي على الإمارات، وأكدت تضامنها الكامل مع الإمارات في مواجهة هذا الاعتداء الذي يستهدف أمنها واستقرارها. ودعت الجامعة العربية المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف حازم ضد ميليشيا الحوثي وداعميها، والعمل على وقف تدخلاتهم في الشؤون الداخلية للدول العربية.[39]
وأعربت دول مجلس التعاون الخليجي عن تضامنها المطلق مع الإمارات في وجه الهجوم الحوثي، وأكدت وقوفها إلى جانب الإمارات في جميع الإجراءات التي تتخذها للدفاع عن أراضيها ومواطنيها. وقد أكدت هذه الدول على أهمية تعزيز التعاون الأمني بين دول المجلس لمواجهة التهديدات الأمنية المشتركة.
كما أعربت العديد من الدول العربية عن إدانتها للهجوم الحوثي وتضامنها مع الإمارات، مؤكدة على ضرورة وقف دعم إيران لميليشيا الحوثي. وبالمثل، أدانت العديد من دول العالم، بما فيها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، الهجوم الحوثي على الإمارات، وأكدت دعمها لحق الإمارات في الدفاع عن نفسها. وفي نفس الوقت، أعربت هذه الدول عن قلقها إزاء تصاعد العنف في اليمن، ودعت جميع الأطراف إلى وقف إطلاق النار والتوصل إلى حل سياسي للأزمة.
وأعربت العديد من الدول الأخرى حول العالم، بما فيها الصين وروسيا، عن إدانتها للهجوم الحوثي على الإمارات، وأكدت تضامنها مع الإمارات في مواجهة هذا الاعتداء.
وقد شكلت المواقف الدولية الداعمة للإمارات بعد هجوم الحوثيين على أبوظبي رسالة واضحة للحوثيين وداعميهم بأن العالم يرفض الإرهاب بجميع أشكاله وصوره، وأن المجتمع الدولي يقف إلى جانب الإمارات في حقها في الدفاع عن نفسها وحماية أمنها واستقرارها. كما أكدت هذه المواقف على أهمية تكثيف الجهود الدولية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة اليمنية ووقف العنف في هذا البلد المنكوب.
ومع كل ما سبق، أثار الهجوم تساؤلات متجددة حول مدى التزام الولايات المتحدة بحماية حلفائها الخليجيين من تهديدات الحوثيين، وكيفية تحقيق ذلك في ظل معارضتها للعمليات التي كان ينفذها الحلفاء في مواقع الميلشيات في اليمن. وقد اتسم تعامل إدارة بايدن مع هذه القضية بالحذر[40]. ومن اللافت أن الولايات المتحدة نفسها لم تتردد في شن هجمات على الحوثيين بعد تعرض سفنها لهجماتهم في أعقاب 7 أكتوبر 2023، مما يسلط الضوء على ازدواجية مواقفها بين حماية مصالحها المباشرة والتعامل مع أمن حلفائها الخليجيين.
سابعًا- التزام دولة الإمارات بالاستقرار الإقليمي ودورها في إدارة الصراعات الإقليمية والدولية:
أكد تعامل دولة الإمارات مع هجوم السابع عشر من يناير على التزامها بالاستقرار الإقليمي ودورها في إدارة وتسوية الصراعات الإقليمية والدولية. كما أن البنية التحتية الأمنية القوية في البلاد، والدبلوماسية الاستباقية والحكيمة، تؤكد على مكانتها كقائدة إقليمية[41].
وإلى جانب الاستجابة للتهديدات المباشرة، تواصل دولة الإمارات دعم الحلول طويلة الأجل للصراع اليمني، والدعوة إلى الحوار والحكم الشامل. وتشكل جهودها لمواجهة التهديد الحوثي جزءًا من استراتيجية أوسع لتعزيز الأمن والازدهار في الشرق الأوسط، مما يضع دولة الإمارات كلاعب محوري في ديناميكيات الأمن العالمي. فقد كان الهجوم اختبارًا حقيقيًّا لثقل الإمارات في المنطقة، وقد أظهر بالفعل قدرة الدولة على الجمع بين الحسم الأمني والقيادة الدبلوماسية، مما عزز مكانتها كلاعب رئيسي في تعزيز الاستقرار الإقليمي والعالمي.
لقد تعاملت دولة الإمارات مع الهجوم الحوثي بمزيج من القوة الأمنية والدبلوماسية الفاعلة؛ ما عكس التزامها الراسخ باستقرار المنطقة. وأظهرت الدولة كفاءة عالية في حماية بنيتها التحتية ومواطنيها، رغم التحديات الأمنية المتزايدة. وكان التحرك الدبلوماسي سريعًا ومؤثرًا، حيث تمكنت الإمارات من حشد تضامن دولي واسع عبر بيانات الإدانة والتضامن من دول ومنظمات عديدة. بالإضافة إلى ذلك، لعبت الإمارات دورًا محوريًّا في تعزيز التعاون الأمني الإقليمي، مما عزز مكانتها كقائدة مسؤولة قادرة على مواجهة التهديدات المشتركة بالتنسيق مع شركائها في المنطقة وخارجها.
ولم تقتصر استجابة دولة الإمارات للهجوم الحوثي على الدفاع عن نفسها، بل ركزت على دعم حلول طويلة الأمد للأزمة اليمنية. فقد أكدت على أهمية الحوار والحكم الشامل كوسيلة لحل النزاعات، مما يعكس رؤية متوازنة تتجاوز الردود العسكرية. وتشمل جهود الإمارات لمواجهة الحوثيين استراتيجية شاملة، تجمع بين الإجراءات الأمنية، والدعم التنموي للشعب اليمني، والدفع نحو حلول دبلوماسية. هذا النهج يعكس إدراكًا عميقًا للدور القيادي الذي يمكن أن تلعبه الإمارات في المنطقة، ورغبتها في تحقيق السلام الدائم الذي يخدم أمن المنطقة واستقرارها.[42]
والواقع أنّ دولة الإمارات تلعب دورًا محوريًّا في صياغة سياسات الأمن الإقليمي والعالمي، عن طريق تعزيز التعاون الأمني ودعم استقرار الممرات البحرية الحيوية. وتعمل الإمارات على بناء شراكات أمنية فعالة مع دول الخليج والدول الكبرى لضمان الأمن الجماعي. وإلى جانب الجهود الأمنية، تسهم الإمارات في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في اليمن، مما يسلط الضوء على أهمية التنمية كعامل أساسي لتحقيق السلام. وتمتد جهود الإمارات إلى بناء تحالفات دولية تعزز قدرتها على مواجهة التحديات المشتركة، مما يبرز مكانتها كقوة مسؤولة تساهم في صياغة مستقبل أمن المنطقة والعالم.
كما أثبتت الإمارات من خلال مواجهة الهجوم الحوثي أنها لاعب دولي استراتيجي يسهم في تعزيز الأمن العالمي. فحماية الممرات البحرية الحيوية، مثل البحر الأحمر والخليج العربي، تعزز الأمن الاقتصادي الدولي. علاوة على ذلك، تحافظ الإمارات على دور فاعل في المنظمات الدولية، مما يسهم في دفع جهود السلام والاستقرار في اليمن. والتوازن الذي تحققه الإمارات بين القوة الحاسمة وبين الدعوة إلى الحوار يجعلها نموذجًا فريدًا لدولة تجمع بين الأمن والاعتدال. هذا النهج يضع الإمارات في طليعة الدول التي تعمل على تحقيق الاستقرار في المنطقة والعالم، مستفيدة من قوتها الاقتصادية والدبلوماسية في خدمة الأمن الدولي.
خاتمة:
عالجت هذه الدراسة هجمات الحوثيين على منشآت ومناطق مدنية في دولة الإمارات، في 17 و24 يناير 2022، وتهديدهم لأمن الملاحة البحرية في جنوب وغرب الجزيرة العربية، وممارسة “الإرهاب الطائفي” داخل اليمن.
وقد خلصت الدراسة إلى مسؤولية جماعة الحوثي عن الأزمة المركبة (السياسية والاقتصادية والإنسانية) غير المسبوقة في اليمن، منذ انقلابهم على الشرعية في العام 2014. كما أنّ طول فترة الصراع الأهلي في اليمن ألقت بظلالها على حكم الحوثيين؛ حيث تختبر الجماعة صراعًا على السلطة، وينخر الفساد فيها من قاعدة هرمها السياسي إلى قمته، وتُعاني من أزمة متزايدة في الشرعية في المناطق التي تُسيطر عليها.
وقد أبانت أحداث 17 و24 يناير الإرهابية عن مدى استعداد وجاهزية قوات إنفاذ القانون والقوات المسلحة للتصدي لأية تهديدات للأمن الوطني الإماراتي. فقد كشف الهجوم الحوثي عن قدرة الإمارات على مواجهة التهديدات والتعامل معها بحزم واستراتيجية متوازنة، عبر الجمع بين القوة الأمنية، والدبلوماسية الاستباقية، والالتزام بالحلول السلمية؛ ما عزز مكانة الإمارات كدولة ذات ثقل استراتيجي، قادرة على قيادة المنطقة نحو الاستقرار. ولا يقتصر دورها الريادي على حماية أمنها الوطني، بل يمتد إلى التأثير في الأمن الإقليمي والدولي، مما يجعلها شريكًا لا غنى عنه في جهود تحقيق السلام والتنمية في المنطقة وما وراءها. ويؤكد تعامل دولة الإمارات مع الهجمات الإرهابية الحوثية أنها تمتلك من القدرات العسكرية المتطورة ما يجعلها تحفظ أمنها وتضمن سلامة كل من يقيم على أرضها، وتحافظ على مساراتها في مختلف المجالات، خاصة المسار الاقتصادي الذي لم ولن يتأثر بمثل هذه الأفعال.
وقد فشلت السياسات التي تابعها ويتابعها الحوثيون في اليمن والمنطقة. فقد عمد الحوثيون بسياساتهم إلى اللجوء إلى الرأي العام الداخلي والعربي، واستهداف خلق ضغط دولي على المجتمع الدولي للاعتراف بشرعية حكمهم في اليمن، وتقويض سمعة الإمارات كمركز تجاري آمن. فلم تفلح سياسات الحوثي العدوانية تجاه دولة الإمارات وغيرها من دول الخليج، ولم يفلح تهديد الملاحة البحرية في تحقيق أي من مراميها لكسب تعاطف الرأي العام في اليمن والدول العربية والإسلامية، أو إضعاف خصومها. بل إنّ ما حدث هو العكس؛ حيث تضعضعت قدرات الحوثيين بفعل الضربات الجوية والصاروخية الأمريكية والبريطانية، في إطار “تحالف حماية الازدهار”، والغارات الإسرائيلية، ردًا على هجمات حوثية على مدن ومواقع إسرائيلية بالصواريخ والمسيّرات.
كما أنّ توجه الحوثيين إلى الرأي العام الداخلي لكسب دعمه وتعاطفه في معركة “وهمية” مع أعداء خارجيين لم يخلف فحسب فشلًا ذريعًا في تحقيق غايات الحوثيين؛ بل إن السحر قد ارتدّ على الساحر؛ حيث ترصد التقارير الإخبارية -المستندة إلى شهادات موثقة من الداخل- مواجهة الميليشيات الحوثية صعوبات جمة في حشد مقاتلين جدد من القبائل اليمنية في الشمال والجنوب، وتزايد أزمة الشرعية.
ويبدو أنّ الحوثي عدو نفسه؛ فبعد أن كان هناك اتجاه دولي، وربما عربي، لدمج الجماعة في النظام السياسي اليمني، عن طريق عملية تسوية سياسية، يتشكل الآن تحالف دولي واسع النطاق لمواجهة تهديدهم الإرهابي في الداخل والخارج. وإذا استمر الضغط الدولي على مراكز الحكم والقيادة الحوثية، فمن المحتمل أن ينهار نظام حكم الحوثيين -المتداعي من الداخل- في المستقبل القريب[43].
لقد استهدفت مخططات الحوثيين من هجماتهم على أبوظبي عام 2022 تقويض سمعة الإمارات كمركز تجاري آمن، ومن ثم إثارة مواجهة عسكرية قد تُخيف السائحين والشركات والمستثمرين، وهي ركائز أساسية لاستراتيجية الإمارات للتنمية الاقتصادية. والحقيقة أنّ الذي يثبت فشل هذه المخططات هو تواصل انعقاد الفعاليات الدولية في دولة الإمارات، والمستوى العالي للاستعداد والجاهزية، الذي أبدته قوات إنفاذ القانون والقوات المسلحة الإماراتية للتعامل مع الهجمات.
غير أنّه ينبغي الاعتراف بأن الأعمال الإرهابية، التي تنفذها هذه الجماعة، لها مضامينُ وانعكاساتٌ خطِرة على الأمن والسلم الدوليين، وعلى حركة الملاحة في الممرات المائية الحيوية بالمنطقة، والتي تستدعي من المجتمع الدولي أنْ يقوم بواجبه للحد من خطورة جماعة الحوثي، وإعادة تصنيفها جماعة إرهابية، وإدراجها ضمن المستهدفين في الحرب على الإرهاب.
[1] The Editors of Encyclopaedia Britannica, “Yemeni Civil War | MAP, Houthi, Saudi Arabia, & Israel,” Encyclopaedia Britannica, January 17, 2024, https://www.britannica.com/event/Yemeni-Civil-War.
[2] “الحرب في اليمن: تسلسل زمني منذ بداية الصراع وصولًا إلى مباحثات سعودية حوثية”، بي بي سي، 11 أبريل 2023، https://shorturl.at/SLcYb.
[3] “الحرب في اليمن”، بي بي سي.
[4] Congressional Research Service (CRS), Yemen: Conflict, Red Sea Attacks, and U.S. Policy, October 24, 2024, https://shorturl.at/nGppI.
[5] CRS, Houthi Attacks in the Red Sea: Issues for Congress, CRS Insight, September 06, 2024, IN1230, https://crsreports.congress.gov
[6] CRS, Yemen: Conflict, Red Sea Attacks.
[7] محمد عبد العاطي، “اليمن بعد عشرة أعوام من الحرب الداخلية والتدخلات الخارجية”، مركز الجزيرة للدراسات، 18 سبتمبر 2024، https://shorturl.at/w4jwb؛
Center for Preventive Action, Conflict in Yemen and the Red Sea, October 08, 2024, https://shorturl.at/RINXE.
[8] CRS, “Yemen: Conflict, Red Sea Attacks.”
[9] The Editors of Encyclopaedia Britannica, “Yemeni Civil War.”
[10] عبد العاطي، “اليمن بعد عشرة أعوام”.
[11] فخر العزب، “عودة طبول الحرب الأهلية في اليمن”، العربي الجديد، 2 يناير 2025، https://shorturl.at/OaBsv.
[12] Anthony Cordesman, “Moving toward Unity: Making Effective Use of Arab Gulf Forces and Resources”, in The Future of Warfare in the 21st Century (Abu Dhabi: The Emirates Center for Strategic Studies and Research, 2014), 229.
[13] وزارة الخارجية، تقرير وزارة الخارجية بمناسبة اليوم الوطني الثالث والأربعين لدولة الإمارات، ديسمبر 2014، 15-16.
[14] “تحالف خليجي بقيادة السعودية يشن عملية عسكرية باليمن، ومصر مستعدة للمشاركة”، بي بي سي، 26 مارس 2015، https://shorturl.at/aXwWF.
[15] درع الوطن، “ملف العدد: القوات المسلحة.. دور فاعل في تعزيز دور الإمارات اقليميًّا ودوليًّا”، العدد 520 (مايو 2015).
[16] Michael Knights, 25 Days to Aden: The Unknown Story of Arabian Elite forces at War (Profile Editions (GB), 2023).
[17] The Editors of Encyclopaedia Britannica, “Yemeni Civil War.”
[18] Ahmed Nagi, “The Conflict in Yemen Is More Than a Proxy War,” Foreign Affairs, July 21, 2023, https://shorturl.at/Y9jFw.
[19] “التحالف: أهداف عملية “حرية اليمن السعيد تتحقق”، العربية، 20 يناير 2022، https://shorturl.at/DeCKN.
[20] Nagi, “The Conflict in Yemen”.
[21] الشرق (23 ديسمبر 2023). “الأمم المتحدة تعلن توصل الأطراف اليمنية إلى اتفاق وقف إطلاق نار شامل”.
[22] The Editors of Encyclopaedia Britannica, “Yemeni Civil War.”
[23] “الحوثيون: سنستهدف السفن المتجهة إلى إسرائيل.. ونحذّر شركات الشحن”، الشرق، 9 ديسمبر 2023، https://shorturl.at/osoto.
[24] Noam Raydan and Farzin Nadimi, “Houthi Shipping Attacks: Patterns and Expectations for 2025,” The Washington Institute for Near East Policy, December 16, 2024, https://shorturl.at/NKavw.
[25] ACELD, “Red Sea Attacks: Interactive Map,” December 12, 2024, https://shorturl.at/uYtfH; Noam Raydan and Farzin Nadimi, “Tracking Maritime Attacks in the Middle East Since 2019,” December 20, 2024, https://shorturl.at/MhANh.
[26] Raydan and Nadimi, “Houthi Shipping Attacks”.
[27] CRS, Houthi Attacks.
[28] CRS, Houthi Attacks.
[29] Ibrahim Jalal, “Operation Aspides, or the Peril of Low Expectations in Yemen,” Carnegie Endowment for International Peace, November 19, 2024, https://shorturl.at/5Xw3A.
[30] Heistein and Rabkin, “After Assad.”
[31] العربية، استهدفها الحوثيون.. ما أهمية منطقة مصفح الصناعية في الإمارات،17 يناير 2022
[32] العتيبة: الحوثيون استخدموا صواريخ ومسيرات بهجوم أبوظبي، سكاي نيوز عربية، 20 يناير 2022:
[33] وكالة أنباء الإمارات، 17 يناير 2022: https://shorturl.at/HBQo9
[34] وزارة الخارجية والتعاون الدولي، 18 يناير 2022:
https://www.mofa.gov.ae/ar-ae/mediahub/news/2022/1/18/18-01-2022-uae
[35] سي إن إن، 17 يناير 2022:
https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2022/01/17/uae-abu-dhabi-attack-0
[36] وكالة انباء الإمارات وام، 18 يناير 2022: https://shorturl.at/reOaD
[37] العربية، 24 يناير 2022: https://tinyurl.com/5ehe5s9a
[38] صحيفة الخليج، 21 يناير 2022: https://tinyurl.com/5bu3xyuh
[39] الشارقة 24، 23 يناير 2022: https://sharjah24.ae/ar/Articles/2022/01/23/zxc42
[40] إلينا دبلوجر، الضربات الحوثية على الإمارات تفتح جبهة أخرى في حرب اليمن، معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، 18 يناير 2022: https://tinyurl.com/wcy9t3rk.
[41] الخليج، 20 يناير 2022: https://tinyurl.com/mrxyj972
[42] جوناثان ماركوس، هل سيكون التقارب الإماراتي الإيراني ضحية هجوم الحوثيين؟ بي بي سي عربي, 23 يناير 2022: https://www.bbc.com/arabic/middleeast-60096281
[43] Heistein and Rabkin, “After Assad.”