Insight Image

ما يجمع الإخوان المسلمين وتنظيم “داعش”

21 أبريل 2025

ما يجمع الإخوان المسلمين وتنظيم “داعش”

21 أبريل 2025

 بالرغم مما قد یقال عن الاختلافات التاریخیة والثقافیة بین الإخوان المسلمين وتنظيم “داعش”، فإن التشابه الأيديولوجي بينهما يجعل مثل هذا التحالف ممكنًا إلى حد كبير؛ لأن ما يميِزالمجموعتين هو الطريقة التي تستخدمان بها التكتيكات المختلفة، فيما تبقى الأيديولوجية الإخوانية أساسًا للفكر والعمل الإرهابي، والرابط المشترك الذي يوحدهما.

كما أن ما يجمع بين الإخوان و”داعش” هو قراءتهما المتميزة للنصوص الدينية (القرآن والسنة)، وتركيزهما الشديد على المعنى الحرفي للنصوص، بدلًا من المقاصد العامة للشريعة الإسلامية.

وقد أثار الاعتماد على العنف، من وجهة نظر كل منهما باسم “الجهاد”، باعتباره الوسيلة الوحيدة للوصول إلى السلطة واستعادة “الخلافة”، قلقًا بالغًا في الدول الإسلامية، وأوجد الكثير من التوترات على مستوى الأمن والاستقرار، وكذلك حدود العلاقات الاجتماعية بين مكونات المجتمعات الإسلامية.

ولهذا السبب، تتطرق الدراسة إلى أوجه التشابه بين التنظيمين من حيث المبادئ الأيديولوجية، وتأثر “داعش” بجماعة الإخوان المسلمين، والدور الذي يلعبه كل منهما في المدن والصحاري وساحات العنف، وفق ما تعدّانه ساحات الجهاد والسياسة لاستعادة ما يسميانها “الخلافة الإسلامية”.

المرتكزات الفكرية

يتشابه البنيان الأيديولوجي بين جماعة الإخوان وتنظيم “داعش”، سواء من حيث الأهداف أو الوسائل، بحيث إن تصرفاتها، وفقًا لمتطلبات المراحل التاريخية ومعطياتها المنهجية، توحّد جوهر الجماعتين؛ ولذلك يتم شرح العلاقة بينهما على النحو التالي:

في الأصل العقائدي:

إن “السلفیة الجهادية”، التي تجمع بين جماعة الإخوان وتنظيم “داعش”، هي أيديولوجية دينية وسياسية تتجاوز الحدود الوطنية، وتستند إلى الاعتقاد بضرورة هيمنة المسلمين على غير المسلمين “الكفار” أينما كانوا، وشرعية استخدام العنف من أجل تطبيق الحدود والقصاص في البلدان الإسلامية، فضلًا عن خلفيتهم العملية، التي ظهرت في تسعينيات القرن الماضي، وبلغت ذروتها مع أحداث ما يسمى “الربيع العربي”.

يضاف إلى ما سبق اعتقادهما بأن النهج الحضاري لمفهوم الدولة القومية هو محاولة غربية لزرع بذور الانقسام والفرقة بين المسلمين، ابتداءً من اتفاقية سايكس-بيكو عام 1916، التي قسّمت الشرق الأوسط بين بريطانيا وفرنسا، كمناطق نفوذ، وانتهاء بالتدخل الغربي في المنطقة بشكل عام. ولذلك، أعلن تنظيم “داعش”، عقب استيلائه على الموصل، أن “عصر سايكس-بيكو قد انتهى”[1].

فی واقع الأمر، لم يكن هذا الإعلان إلا تطبيقًا لنظرية حسن البنا حول ضرورة استعادة الخلافة، التي شكلت بطبيعة الحال القاعدة الأساسية لقيام جماعة الإخوان المسلمين عام 1924.

في الحاكمية وخطة الخلافة:

إن مفهوم الحاكمية الدينية، من وجهة نظر جماعة الإخوان، وكذلك تنظيم “داعش” المنبثق عنها، فكرة مشتركة، حيث إنهما يعدّان “دولة الخلافة” جزءًا من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة، بحيث يُعدّ إنكارها كفرًا وخروجًا عن ربقة الإسلام. وبذلك، فإن جوهر أيديولوجية “داعش”، التي تسعى لإقامة خلافة عالمية، وتجميع مسلمي العالم تحت مظلة واحدة، مستوحاة من أيديولوجية الإخوان التي تقول “إن الإخوان المسلمين يضعون مفهوم الخلافة والعمل على إعادتها في مقدمة خططهم”[2].

وبما أن المسلمين لم يتحركوا لإعادة “الخلافة” بعد سقوطها، وقبلوا بسيادة الحكومات الوطنية، بل وحققوا النمو والتطور في ظلها، وشاركوا في كثير من الأحيان في انتخاب الحاكم، وسنّ القوانين، وفقًا لحاجات مجتمعاتهم، فإن هذا القبول والرضا يُعدان كفرًا من وجهة نظر الإخوان و”داعش” معًا. وفي هذا الصدد، فإنهما لا يترددان في التعامل معهم باعتبارهم كفارًا.

أيضًا، يمتد ارتباط “داعش” بأيديولوجية الإخوان ليشمل المنطلقات الفكرية الأخرى، ووسائل العمل ومناهج التغيير، من أجل استعادة الخلافة، ومنها اتخاذ الإخوان رمز السيفيَن المكتوب في وسطهما كلمة “وأعدوا” شعارًا ورمزًا لهم لإعلان هذا التغيير القسري الذي لا تفسير له إلا استحضار العنف لتحقيق هدفه، وأخذ البيعة للجماعة على المصحف والسيف؛ والذي رفع حسن البنا اللثام عن المقصود منه بقوله: “إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يُجدي غيرها، وحيث يثقون بأنهم قد استكملوا عُدة الإيمان والوحدة، وهم حين يستخدمون هذه القوة سيكونون شرفاء صرحاء وسيُعذرون أولًا، وينتظرون بعد ذلك ثم يُقدِمون..”[3].

وقد تحدث مؤسس الإخوان عن استخدام القوة لإحداث التغيير وكأنه يقود دولة في حالة حرب مع دولة أجنبية، أو في أزمة داخلية تتحدث حكومتها عن إنهائها بالوسائل المشروعة، متناسيًا أن جماعته كانت دائمًا جماعة سرية وغير قانونية لم تعترف بها الحكومات الوطنية، وكانت تحاول منعها من ممارسة أنشطة إرهابية.

 في التكفير

1- نشأت أيديولوجية “داعش”، التي ترجع نسخها المبكرة في أصولها إلى حركات مماثلة شكلتها فروع منشقة عن جماعة الإخوان، حيث تتسم علاقة “داعش” بالإخوان بالعنف المسلح في إطار رؤية الإخوان الفقهية على “الفرضية العينية” للجهاد من حيث الوجوب، واستمراره إلى يوم القيامة من حيث المدة، وانتقال فضاءات تطبيقه من “مواجهة العدو في الخارج” إلى “عدو موجود في الداخل”؛ ما يعني أن فكرة التغيير المسلح لم تكن مستبعدة لدى الإخوان أبدًا. وما منع من إعلانها على طريقة “داعش” هو فقط عدم توافر الظروف اللازمة، التي يؤكدها خطاب حسن البنا لأتباعه بصدد ضرورة قيامهم بالجهاد، قائلًا “أن تكون جنديًّا لله تقف له نفسك ومالك لا تُبقي على ذلك من شيء، فإذا هُدد مجد الإسلام وديست كرامة الإسلام، ودوّى نفير النهضة لاستعادة مجد الإسلام كنت أول مجيب للنداء وأول متقدم للجهاد”[4]. وبطبيعة الحال، فإن هذا التصريح في حد ذاته يشكل الأساس الأيديولوجي لتحدي السيادة الوطنية، ويمهد الطريق للخروج عن الشرعية الوضعية؛ لأن حسن البنا بوضعه قيادة الجماعة كمرجعية لإعلان الجهاد ينفي مسألة الطاعة لقيادة الدولة الوطنية وقوانينها (باعتبارها حكمًا لغير الله).

2- إن الاعتقاد بأن شعوب الدول الإسلامية خاضعة لحكومة غير الله، وإنهم لم يضحوا بأموالهم وأنفسهم من أجل عودة الخلافة، وبالتالي يُعدون خارجين عن دين الإسلام، منصوص عليه بوضوح في أقوال حسن البنا، حين يقول “إننا نعلن في وضوح وصراحة أن كل مسلم لا يؤمن بهذا المنهج ولا يعمل لتحقيقه لا حظَ له في الإسلام، فليبحث عن فكرة أخرى يدين بها ويعمل بها”[5].

 كذلك، قام سيد قطب بتكفير المجتمعات الإسلامية في تنظيره للمجتمع الجاهلي، بقوله “هو المجتمع الذي لا يُطبق فيه الإسلام ولا تحكمه عقيدته وتصوراته، وقيمه وموازينه، وسلوكه، ونظامه، وشرائعه”[6]، محددًا قصده من تكفير الدولة الوطنية بقوله: “إنها تعلن العلمانية كمنهج في التشريع، وحتى الحياة كلها، وبعضها وضع القوانين من عند نفسه تخالف شرع الله”؛ ما يعني اعتقاده (بناءً على تفسير القرضاوي) أن الإسلام قد انقطع وجوده من الأرض، فلا توجد أمة مسلمة، ولا يوجد مجتمع مسلم، بل لا يوجد أفراد مسلمون، لا بمعنى أنهم ارتدوا عن الإسلام، بل لأنهم لم يدخلوا أصلًا في الإسلام؛ لأن دخول الإسلام لا يتحقق إلا بشهادة أن “لا إله الا الله”، بما تتضمنه من إفراد الله تعالى بـ”الحاكمية”، وهم لم ينطقوا بالشهادة بهذا المدلول”[7].

يعني ذلك أن المعرفة الإنسانية عاجزة عن تحديد أساليب الحياة وعاداتها الصحيحة، ومحكوم عليها بالفشل مسبقًا. وما يقدمه العقل الإنساني، الذي هو مناط التكليف من النظم السياسية والاقتصادية والأنظمة القانونية، يفتقر إلى الشرعية، نظرًا لعدم استنادها إلى مبادئ سماوية، علمًا بأن مسألة “الحاكمية” بهذا المفهوم لم تكن لها سابقة في تاريخ الفكر الإسلامي إلا بين الخوارج. ولذلك، كانت محل ردود فعل شديدة من جمهور علماء المسلمين والمؤسسات الدينية، خاصة الأزهر الشريف.

ولكن جاذبية كلمات مُنظّري الإخوان، ولعبهم بالكلمات والاستعارات اللفظية، خاصة في فترة الحرب الباردة، وحقیقة أن ادعاءات الإسلاميين لم يتم اختبارها في الواقع العملي حينها، قد استحوذت على عقول العديد من الشباب، وهو الأمر الذي أدى إلى تراجع فاعلية موقف علماء المسلمين والمؤسسات الدينية الرسمية.

وبناءً على ذلك، فإن مفهومَي التكفير والجهادية، باعتبارهما من التصورات العامة للإخوان، يشكلان حدودًا عائمة بين سائر الجماعات الإرهابية، ويسهّلان الحركة داخل صفوفها[8]، بالإضافة لاستخدام عناصر “داعش” أدبيات الإخوان، كجزء من برنامجهم للتلقين الديني (حول ما يسمونها “المنطلقات، والحقائق، والرقائق”)، للمجندين المحتملين، تمهيدًا لنقلهم إلى النشاط الإرهابي.

3- إن جماعة الإخوان، باعتبارها بؤرة الإنتاج الإرهابي الرئيسية، لا تدخر جهدًا في القضاء على الفكر الليبرالي ومعارضيها الفكريين بالقوة، وذلك من خلال وضع مفاهيم العلمانية والإلحاد والكفر في سياق دلالي واحد.

 ولهذا السبب، يستخدم الإخوان والأصوليون، في كثير من الأحيان، مصطلحَي “العلمانية” و”الكفر” كمفهومَين مترادفَين في دعايتهم بهدف إقصاء الخصوم وحرمانهم من حقوقهم من خلال إخراجهم من دائرة المعتقدات الدينية، ولتهيئة العقل العام لقبول الروح التكفيرية[9].

   فيما يُعد اللجوء إلى التكفير، من منظور الإجماع الفقه الإسلامي، ممارسة فكرية مرفوضة لا تتوافق ولا تنسجم مع روح الإسلام وفلسفته؛ لأن الترويج لأيديولوجية الإخوان وغيرهم من الجماعات المتطرفة يعني أن الناس ليس لديهم الحق في اختيار طريقتهم في التفكير والمعتقدات، بل يضطرون إلى قبول المعتقدات التي يراها الآخرون ضرورية.

وعندما يصل الإنسان إلى النضج الفكري في نطاق واجباته، فإنه يختار دينه ومعتقداته الميتافيزيقية، ولا يستطيع أحد أن ينكر عليه هذا الحق الشخصي والخاص، الذي، يتحول، في بعض الأحيان، إلى اقتناع متأصل لا يستطيع الإنسان نفسه أن يغيره في مراحل معينة، بحيث إن أي ضغط لتغيير المعتقدات يعني نفاقًا من أجل تجاوز المرحلة، أو إزالة عوامل الإكراه.

في نهج العنف وتبادل الأدوار

ترجمت الجماعة فكرة التغيير العنيف عمليًّا بإنشاء التنظيم الخاص (الذي نفذ عمليات اغتيال منذ عام 1949)، ثم تطورت الفكرة في مرحلة لاحقة على يد سيد قطب، ولم تعد مقتصرة على الحكومات، بل شملت المجتمعات أيضًا، حيث طور الأخير مفهوم الحاكمية (نادى به أبوالأعلى المودودي) وأضاف إليه مفاهيم الجاهلية، والعبودية، والألوهية، وغيرها[10].

فقد أكد تنظيم “داعش” تمسكه بهذه المبادئ، قائلًا: يعدّ داعش نفسه من الحركات الإسلامية/الإسلاموية القليلة التي تمتلك عقيدة شاملة، لا خلل في بنيانها، ولا سوء في تطبيقها، فيما يتهم باقي الحركات الإسلاموية التي تزعم السعي لإقامة الدين والتمكين له في الأرض بأن “أحد أهم أسباب فشلها هو إما فقدان العقيدة، أو لخلل بها، أو للفشل في إقامة بنيان الصراع على أساسها”[11].

لذلك، استمرت الجماعة في نهجها بتأسيس جماعات عنيفة محددة، مثل حركة حسم، وكتائب حلوان، والجيش المصري، ولواء الثورة، تحت إشراف القيادي الإخواني محمد كمال، في مصر، بعد ثورة 30 يونيو 2013[12].

بالإضافة إلى ذلك، فإن نهج الإخوان المباشر ينعكس في ممارسة العنف، ودعمهم السياسات العنيفة التي ينتهجها فرعهم الفلسطيني “حماس”، وارتباطهم بأعمال العنف الإرهابية في مصر، بعد سقوط حكومتهم عام 2013، خاصة عملية اغتيال النائب العام المصري، هشام بركات، عام 2015، فضلًا عن التعاون المباشر بين الإخوان و”داعش” في سيناء. أيضًا، تتجلى العلاقة القوية بين الجماعة والتنظيمات الإرهابية العابرة للحدود الوطنية في العمليات التي تم تنفيذها في تونس، حيث وُجهت اتهامات لـ”حركة النهضة” الإخوانية التونسية، وأُجريت تحقيقات في عام 2020 مع أعضائها في اغتيال المعارضَين: شكري بلعيد ومحمد البراهمي في عام 2013.

وقد تعاونت الجماعة مع “داعش” لإضفاء الشرعية على الهجمات الانتحارية/الاستشهادية، التي أصبحت الأداة الأكثر فتكًا ضد الناس، بغض النظر عن ديانتهم ومعتقداتهم. ورغم أن جماعة الإخوان أصدرت هذه الفتوى الخطيرة بشأن جواز استخدام هذه العمليات في ظروف معينة، كالحالة الفلسطينية، كما ذكر القرضاوي في كتابه “فقه الجهاد”، فإنه من الواضح أن مجرد قبول مبدأ استخدام التفجيرات والتدمير وقتل النفس بنفسه يعني تمهيد الطريق لمن يستخدمه كوسيلة للتغيير في المجتمعات الإنسانية[13].

 في تحديد مفهوم المواطنة

تلعب أيديولوجية الإخوان و”داعش”، المرتكزة على الأشكال المهيمنة للإسلام، دورًا حاسمًا في تشكيل مفهوم المواطنة من وجهة نظرهما، حيث يشتركان في النظرة لمفهوم “الوطن” والعلاقة مع “الآخر غير المسلم” في إلغاء الهوية الوطنية، وإعطاء الأولوية للأمة (جماعة المؤمنين بحسبهم)[14]. فجميع أفراد الجماعتين ينادون بأخوة العقيدة التي تتجاوز المواطنة، ويرون أن وطن المسلم هو دينه، وأن حرمة إراقة الدماء في البلاد الإسلامية تقتصر على دماء المسلمين فحسب. وهي الرؤية التي تجمع بين الإخوان و”داعش” في اختزال الحياة الاجتماعية والسياسية إلى حياة دينية، تختلط فيها الحدود بين الديني والدنيوي[15]، وذلك عندما أفتى مجلس الهيئة الشرعية والفقهية للإخوان المسلمين في سوريا (بصدد هجرة السوريين إلى الدول الغربية) بقوله: “إن الخروج طوعًا من دار الإسلام إلى دار الكفر من كبائر الذنوب، لأنه يؤدي إلى الكفر”؛ ما يُظهر تماهي موقف الإخوان مع “داعش” تجاه اقتصار مفهوم المواطنة على وحدة الدين[16].

وبناءً عليه، فرض تنظيم “داعش” الجزية على غير المسلمين في الأماكن التي سيطر عليها في العراق وسوريا وإفريقيا، وهو الأمر نفسه، الذي عبر عنه مصطفى مشهور، مرشد الإخوان الأسبق في مصر، مطالبًا بتطبيق الجزية على أقباط مصر، مع منعهم من أداء الخدمة العسكرية في الجيش المصري.

الآليات السلوكية والعملية للوحدة الأيديولوجية:

آلية الجهاد: تشكلت أيديولوجية داعش “الجهادية” على أساس كتابات سيد قطب من جماعة الإخوان المسلمين، خاصة على تفسيراته الحركية لآيات القر ان الكريم “في ظلال القرآن”، وكتابه “معالم في الطريق”، حيث قال إن العالم كله، بما في ذلك الدول الإسلامية، كان أسيرًا للجهل الجاهلي، وإن الأقلية من المسلمين الحقيقيين كانت مسؤولة عن إعادة نور الإسلام إلى العالم من خلال الحركة الثورية[17].

 وكذلك، واصل عبدالله عزام، المُنظِرالإخواني (فلسطيني قُتل عام 1989 في باكستان) نهج سيد قطب، واعتباره “الجهاد” كالصلاة والصيام من أركان الدين الإسلامي، الذي لا يكتمل إيمان المرء إلا بالاعتقاد به وبممارسته.

وبذلك، فإن الجماعة، وعبر عقود من سنوات عملها السري والعلني، هي الأصل في الإرهاب الإسلاموي. وليس “داعش” والجماعات الإسلاموية والتنظيمات الإرهابية، بغض النظر عن مذهبها الديني وأهدافها السياسية، إلا فروعًا تدين بالولاء العقائدي والتاريخي لذلك الأصل[18].

 يعني ذلك أن جماعة الإخوان، باعتبارها أمّ الجماعات الاسلامویة، لديها فصائل ومجموعات، بعضها یرتدي رابطات العنق، وبعضها أحزمة ناسفة، وهما وجهان لعملة واحدة لا يختلفان بتاتًا حول الأهداف إلا في الطريقة.

آلية التمويل: فضلًا عن أن العلاقة بين مصادر تمويل الإخوان و”داعش” ليست خفية، بل هي واحدة أحيانًا، فإنه يتبين بنظرة بسيطة أن توفير وسائل الحرب والتخريب ونقل الأفراد والجماعات من مكان إلى آخر يتطلب مبالغ ضخمة من المال، يعجز الأفراد عن توفيرها. ومن الواضح أن الإخوان و”داعش” حاولا إنشاء شركات ومؤسسات ربحية لتحقيق أهدافهما المالية، بل وصل بهما الأمر أحيانًا إلى اللجوء إلى أجهزة استخبارات دول أجنبية لتمويل مشاريعهما التدميرية[19].

لذلك، سنّت العديد من الدول قوانين لمكافحة تمويل الإرهاب؛ لمنع الحيل المالية لجماعة الإخوان التي تمتلك العديد من المؤسسات المالية والاقتصادية الغامضة في العديد من الدول، خاصة في أوروبا وأمريكا، وتستخدمها لتمويل الأنشطة الإرهابية حول العالم، وهذا يؤكد أن الجماعات الإرهابية، بما فيها “داعش”، ليست سوى جيب من الميليشيات الموالية لأيديولوجية الإخوان، الذين لا يتورعون عن استخدام أي وسيلة، بما في ذلك الاحتيال واعتبار السيطرة على ممتلكات الآخرين شرعية، كأداة للوصول إلى السلطة.

الخاتمة

إن العلاقة بين الإخوان المسلمين و”داعش” غير قابلة للانفصال، فكلاهما يعمل على تحقيق الهدف نفسه، وهو إقامة حكمهما على الدول الإسلامية تحت مسمى “الخلافة”.

وتعمل الجماعتان على فكر حسن البنا وسيد قطب، الذي يقوم على أن كل المعارضين فكريًّا للإخوان و”داعش” هم خارجون عن دائرة الإسلام؛ وبالتالي فإن أموالهم وأنفسهم وأعراضهم ليست ذات أهمية في أي مكان وزمان. وعلى هذا الأساس، يمكنهم الهيمنة عليهم بأي أداة صلبة أو ناعمة.

فأيديولوجية الإخوان و”داعش” المبنية على السيادة الدينية تدمر مفهوم الدولة الوطنية والمدنية المعاصرة، وتستبدل مفهوم الخلافة والأمة به؛ الأمر الذي يقلل في المقام الأول من شأن المواطنين غير المسلمين باعتبارهم ذميين؛ ما يعني تدميرًا للأسس الدينية والأخلاقية الصحيحة للدين الإسلامي، بالإضافة لتدمير كل منجزات العلم والمعرفة الإنسانية في اتجاه السيادة الوطنية والديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان.

ومن الجدير بالذكر أنه من خلال دراسة طبيعة العلاقة بين الإخوان المسلمين وتنظيم “داعش”، يتبين -استنادًا إلى السابقة التاريخية وتنظيرات الإخوان في كتبهم- أن الجماعات الإرهابية الإسلاموية، بما فيها “داعش”، ليست إلا نتاج مرحلة، وقد جلب الإخوان عناصرهم إلى الواجهة كما تقتضي الظروف.


[1] “خاستگاه مشترک عدالت و توسعه، اخوان المسلمين و داعش،” فراتاب, September 22, 2016,

https://goo.su/d7ou1

[2] “How ISIS Ideology is a Cocktail of Jihadist Ideas,” Indian Narrative, May 26, 2023,

 https://goo.su/metLM

[3] “هل خرجت داعش من رحم فكر الإخوان المسلمين؟ (الجزء الثاني) ,” Ikhwan Wiki, February 10, 2016,

https://goo.su/vrvO

[4] مفهوم الجهاد في فكر حسن البنا,” مدونة أمتي”, May 10, 2017,

 https://goo.su/DFyP5I

[5] “رسالة إلى الشباب,” Ikhwan Wiki, accessed March 29, 2025, https://goo.su/dKbXiH9.

 https://goo.su/dKbXiH9

[6] “منهج حركة الإخوان المسلمين ورؤاها الفكرية,” الجزيرة نت, March 10, 2004, https://goo.su/RwXQ.

 https://goo.su/RwXQ

[7] “هل خرجت داعش من رحم فكر الإخوان المسلمين؟ (الجزء الخامس) ,” Ikhwan Wiki, March 6, 2016,

  https://goo.su/tPtTytZ

[8]  “تاثير حکم مرسی بر گرایش جوانان اخوانی به داعش,” مشرق نیوز, March 29, 2025,

 https://goo.su/n9WhoCz

[9] Muhammad Maḥiq, “جهان اسلام و تکفیری‌ها از دیروز تا امروز,” BBC News فارسی, July 28, 2019,

 https://2u.pw/zgSlm

[10]  Babiker Faisal, “الإخوان والحركات الجهادية,” الحرة, June 24, 2020, https://goo.su/ukLKCFH.

 https://goo.su/ukLKCFH

[11]  Abdullah Suleiman Ali, “عقيدة ‘داعش’ القتالية: هجوم على ‘الاخوان’ و’القاعدة’,” 180Post, May 9, 2020,

https://goo.su/YhYKz1

[12]  Mahmoud Jamal, “تكتيكات العمل.. المصالح المتبادلة بين جماعة الإخوان والتنظيمات الإرهابية العابرة,” القاهرة الإخبارية, November 19, 2022,

 https://goo.su/Fyd8sJ

[13] محمد إسماعيل، هدى زكريا، وأحمد عرفة، “فتاوى الدم في تاريخ الإخوان.. الجماعة أجازت قتل الإعلاميين والقضاة والمعارضين واقتحام السجون”، اليوم السابع، تم الوصول إليه في 29 مارس 2025،

 https://goo.su/4gaaR

[14] بابكر فيصل بابكر، “الإخوان المسلمين وداعش”، الراكوبة، 31 ديسمبر 2015، تم الوصول إليه في 29 مارس

  https://goo.su/Gs0zgRU

[15] “Syrian Islamic Council: Legitimate Power of Muslim Brotherhood,” MENA Research Center, 24 مارس 2022، تم الوصول إليه في 29 مارس 2025،

https://goo.su/VCWqcIR

[16]  معتز الخطيب، “فتاوى اللجوء إلى ‘دار الكفر’ ودلالاتها”، الجزيرة نت، 11 نوفمبر 2015، تم الوصول إليه في 29 مارس 2025،

 https://goo.su/Sls01

 [17] حاكم المطيري، “الواقعيون ووحي الشيطان: سيد قطب والثورة الحسينية”، الموقع الرسمي للشيخ الدكتور حاكم المطيري، 7 أبريل 2021، تم الوصول إليه في 7 أبريل 2025،

  https://goo.su/TFH9jAa

[18]  [فاروق يوسف]، “[لو لم تكن جماعة الإخوان لما كان داعش]”، [اسم الموقع]، تم الوصول إليه في [28/06/2017]، [الرابط].

 https://goo.su/CmdSUzC

[19]“الإخوان المسلمون في أوروبا: الهيكل التنظيمي ومصادر التمويل (ملف)”، المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، 11 يوليو 2023، تم الوصول إليه في 29 مارس 2025،

 https://goo.su/QsRR7

المواضيع ذات الصلة