یرى ديفيد هارد (David Heard) - مؤلف كتـاب مــن اللولو إلى النفط » - وهو مؤرخ بريطاني، سبق لـه العـيــش في دولة الإمارات إبان ستينيات القرن العشرين، أن مهنة الغوص للبحــث عــن اللولو، التي عمل بها سكان الإمارات لعقود طويلة، يعود لها الفضل في اكتسابهم الخبرة الكافية في التعامل مع البحر، والتي كان لها أثر كبير في مساعدة شركات النفط الأجنبية في العثور على حقول النفط البحرية.
لكن هذا ليس هو الرابـط الـوحيـد أو الأهــم، الذي يربط بين عصري اللولو والنفط إذ إن الدروس المستفادة من مرحلة ازدهار اللؤلؤ ثــم اندثاره، وحالة الفقر والحرمان وشظف العيش التي عاشها أهـل المنطقة بسبب هذا الاندثار، كل ذلك كان حاضرا بقوة عندمــا بــدأ التعامل مـــع الثروة النفطية الجديدة، ومع طريقة استثمارها إبان ظهورها، وكما سيتضح في ثنايــا هـذا الكتاب، فقد كان الدرس الأكبر يتمثل في خطورة الاعتماد على مصدر واحـد للدخل، مهما كانت أهميته في الاقتصاد المحلي والعالمي، وأهمية استثمار هـذا المصـدر مــن أجـل استدامة التنمية للأجيال المقبلة، وضمان عدم الارتداد إلى حياة المعاناة التي عاشها أهـل المنطقة. ومن هنــا كان العمل على خطين متوازيين: الاستثمار الأمثل للنفط في تحقيق نهضة حضارية كبيرة على جميع المستويات، وفي الوقت نفسه تعزيز التنويع الاقتصادي، وبناء اقتصاد عصري مستدام.
لم يستعد سكان المنطقـة الــعـصـر مـا بعـد اللولو، بل ربما لم يدر في خلدهم أصلا أن هذا الوقت سيأتي في يــوم مــا، ولذلك كانت الصدمة كبيرة والنتائج سلبية للغاية عندمــا وجدوا أنفسهم – وجها لوجـه - أمـام واقـع حـيـاتي جـديـد ومـريـر مـن دون اللولو، وهـذا فإن هذا الدرس التنموي المبكـر الـذي ترسخ في الوعي الجمعي، وتوارثته الأجيال من صانعي القرار في دولة الإمارات ظهـر بـقـوة في عصر النفط، حيث استوعبت القيادة الرشيدة الدرس، وتستعد منذ عقود لعصر مـا بعـد النفط، وتعرف أن هذه اللحظة آتية لا محالة، ولا ترى أن هذا الأمر سيشكل مناسبة للقلق أو الهلع، بل مناسبة احتفالية، إذا كان الاستعداد لها جيداً واستثمار الثروة النفطية استثمارًا صحيحًا، وهو ما عبر عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، في كلمته التاريخية أمام القمة العالمية للحكومات عام 2015 بقوله : ".. بعد خمسين سنة بنحمل آخر برميل نفط.. هل بنحزن؟ إذا كان استثمارنا اليوم صحيحًا، أنا بأراهن.. إخواني وأخواتي.. إننا بنحتفل في هذه اللحظة".
ومن الملاحظات ذات الدلالة في هذا الخصوص أن وعي القيادة الرشيدة في دولة الإمارات العربية المتحدة بضرورة الاستعداد لما بعد النفط قد بدأ مبكرا، وكذلك العمل والتخطيط له. فهـا هـو ذا المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، يقول في سبتمبر 1971، أي قبل إعلان قيام اتحاد دولة الإمارات: "كم سنة تعتقدون أن هذه الثروة البترولية ستعيش ؟ خمسين سنة ؟ مائة سنة ؟ وما هي المائة سنة في حياة الشعوب ؟ صدقوني إنها قصيرة، فلو اعتمدنا على بيع هذا البترول وصرف عائداته دون أن نفعل شيئًا للأجيال القادمة، ولسنوات ما بعد البترول، فهذا يعني أن ترجع بلادنا - كما كانت - صحراء قاحلة، وستعود الأجيال القادمة إلى حياة المعاناة التي عشناها قبل أن يهبنا الله سبحانه وتعالى نعمته، ويعطينا هذه الثروة البترولية"