
سناب شوتس
لوس أنجلوس بين احتجاجات الشارع ومقاربة الحكومة الفيدرالية
09 يونيو 2025
تشهد مدينة لوس أنجلوس، التي تُعد أهم وأكبر مدن ولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة، موجةً من المظاهرات التي جاءت كرد فعل على حملات الترحيل الواسعة، التي نفذتها وكالة الهجرة والجمارك الأمريكية (ICE) التابعة للحكومة الفيدرالية ضد المهاجرين غير الشرعيين في جميع الولايات، بما فيها كاليفورنيا. الأمر الذي فجّر الأوضاع هو اعتقال أكثر من 100 شخص في منطقة الأزياء ومتاجر Home Depot، حيث تصاعدت المواجهات مع استخدام الغاز المسيل للدموع والقنابل الشخصية، وتبع ذلك قرار ترامب نشرَ 2000 جندي من الحرس الوطني، وتلويح وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيغسيث، بإمكانية نشر قوات من مشاة البحرية (المارينز) إذا استمرت أعمال العنف.
الجدير بالذكر أن هذا التطور لم يعد مرتبطًا بقضية المهاجرين فحسب، وإنما سيأخذ منحى آخر بتشعب القضايا التي ستثار مع هذه الأحداث، ويمكن تلخيصها في: مسألة انقسام ثقة المواطنين الأمريكيين بالحكومات المحلية، والخلاف بين صلاحيات الحكومات المحلية مقابل الحكومة الفيدرالية دستوريًّا، وتوجه الديمقراطيين ضد الجمهوريين بشكل عام، وتوجه الولايات التي لم تصوت لترامب تجاه سياساته القادمة بشكل خاص.
بالنسبة لمسألة الثقة، فإن هناك عددًا من الأوجه التي كشفتها هذه الأحداث، ويمكن تفسيرها بشقين، هما الأمني والسياسي؛ ففي الشق الأمني، فشلت حكومة ولاية كاليفورنيا في السيطرة، وضبط الأوضاع الأمنية نظرًا لتوسعها، واتساع موجة التخريب وسرقة الممتلكات، وهو الأمر الذي إذا استمر فستشمل تداعياته الأمنية سمعة واقتصاد الولاية ككل الذي بلغ حوالي 4.10 ترليون دولار في عام 2024. أما سياسيًا؛ فقد اكتسبت العمدة كارين باس، وحاكم الولاية، الديمقراطي غافين نيوسوم، شعبية كبيرة بمعارضتهما لترامب، وتصريحاتهما المستمرة ضد إدارته، علمًا بأن الإجراءات التي اتُخذت ضد المهاجرين كانت من قِبل الحكومة الفيدرالية، وليس من قِبل الحكومة المحلية. فالمهاجرون غير الشرعيين لديهم بعض الامتيازات التي تكفلها القوانين الخاصة بولاية كاليفورنيا، ويمكن تلخيصها في:
- التعليم المجاني
- الرعاية الطبية الطارئة
- الإسكان
- الشرطة المحلية ممنوعة من السؤال عن وضعهم القانوني أو مساعدة ICE في الترحيل
- الحق في الحصول على محامٍ عند الاعتقال
هذه الصلاحيات هي صلاحيات قانونية للمهاجر غير الشرعي بالنسبة لولاية كاليفورنيا؛ وهو ما يضعها كملاذ آمن للمهاجرين غير الشرعيين. ولكن مع تضارب هذه القوانين مع مقاربة الإدارة الحالية، توجد أزمة دستورية في تفعيل سياسات الحكومة الفيدرالية المعارضة للقوانين المحلية، فضلًا عن أن مسألة استخدام قوات الحرس الوطني أثارت جدلًا فيما يتعلق بدستورية توظيفه في هذه الأحداث، بحكم أن مهمته هي الدفاع عن البلاد ضد التهديدات الخارجية، وليس الأحداث الداخلية التي ترتبط بصلاحيات الشرطة المحلية.
فيما يتعلق بالحزبين الجمهوري والديمقراطي، فقد استثمر قادة الجمهوريين الأحداث لتدعيم رواية “انعدام القانون” في المدن الليبرالية، مطالبين بزيادة دعم الشرطة، وتشديد القبضة الأمنية؛ وهو ما زاد من تأييد القاعدة المحافظة لهم. في المقابل، وجد الحزب الديمقراطي نفسه أمام فرصة لانتقاد سياسات ترامب ككل، خصوصًا مع استخدام القوة، حيث وصف الديمقراطيون العمليات بأنها انتهاك لحقوق المهاجرين والدستور، ودعوا للمقاومة السلمية ضد سياسات الترحيل الجماعي والتدخل الفدرالي في الشؤون المحلية. هذه التصريحات مع مقاطع الفيديو المستمرة للمتظاهرين من المرجح أنها ستعزز من القوة التصويتية للديمقراطيين في الانتخابات النصفية القادمة.
بالنسبة لدونالد ترامب، فإن هذه الأحداث عززت من قاعدته المؤيدة لسياسات الهجرة الصارمة، لكنه في الوقت نفسه أثار انتقادات حول استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين. أما بالنسبة للولايات الديمقراطية، التي لم تصوت لترامب في انتخابات 2024، وبلغ عددها نحو 20 ولاية، ومن بينها كاليفورنيا، ونيويورك، وإلينوي، وواشنطن، وماساتشوستس، وكوكنتيكت، وفيرمونت، ونيوجيرسي، وماريلاند، وديلاوير، وهاواي، ونيو هامبشاير، وغيرها، فإن الأرجح أنها ستدخل في مسار تصادمي مع الحكومة الفيدرالية في القضايا المخالفة لقوانينها الداخلية بشكل أشد. ومن غير المستبعد أن تعمل هذه الولايات على تعزيز فكرة المدن الآمنة أو ما يسمى “بالملاذ الآمن” لحماية المهاجرين غير الشرعيين محليًا، تمسكًا بالمبادئ الأمريكية، وتضامنًا مع الحكومة المحلية لولاية كاليفورنيا.