استهل مركز تريندز للبحوث والاستشارات مشاركته، عبر مكتبه الافتراضي في الصين، في النسخة الواحدة والثلاثين من معرض بكين الدولي للكتاب 2025، بتنظيم ندوة بحثية تحت عنوان «آفاق العلاقات الصينية-الشرق أوسطية في ظل التحولات العالمية»، وذلك في جناح المركز رقم «E1.A01»، بمركز الصين الوطني للمؤتمرات.

وناقش المشاركون في الندوة، التي أدارتها فريدة باي يي نان، رئيسة قسم اللغة العربية بمجلة الصين اليوم، دور مبادرة «الحزام والطريق» في تعزيز التكامل الاقتصادي العربي-الصيني، وفرص ومجالات التعاون الثقافي والتعليمي بين الصين والدول العربية، إلى جانب موقف الصين من قضايا الشرق الأوسط الرئيسية، وكيف تنظر النخب الفكرية الصينية إلى الشراكة مع الدول الخليجية والعربية؟.

تبادل المعرفة والثقافة
بدوره، أكدت هو جيوان، الباحثة المتخصصة في مركز الدراسات العربية بجامعة تشيجيانغ للدراسات الدولية، أن التعاون الثقافي هو رابط مهم في العلاقات بين الصين والدول العربية، مشيرة إلى أن تبادل المعرفة والثقافة بين الصين والدول العربية قد بلغ مستوى جيداً من الأساس، فعلى سبيل المثال، يوجد أكثر من 48 جامعة في الصين تُدرّس اللغة العربية، كما يتزايد حماس الدول العربية لتعلم اللغة الصينية، فقد أدخلت دولة الإمارات والسعودية اللغة الصينية إلى نظام التعليم الوطني، ويوجد حالياً أكثر من 20 معهداً لمعهد كونفوشيوس في منطقة الشرق الأوسط.
وأضافت أن الطرفان يمكنهما في المستقبل تعزيز التعليم اللغوي المتبادل، من أجل توسيع انتشار تعلم اللغتين، والتركيز على إعداد كوادر قادرة على تحليل وفهم عميق للثقافتين الصينية والعربية، إلى جانب تنفيذ مشاريع مشتركة في مجال التنقيب الأثري ورقمنة التراث الثقافي، لاستكشاف القيمة الثقافية المشتركة للتراث التاريخي لكلا الجانبين، بالإضافة إلى تعميق التعاون في مجال الإنتاج السينمائي المشترك للأفلام والمسلسلات التي تركز على التاريخ المشترك، وإنشاء منصة حاضنة للابتكار الثقافي الصيني-العربي، والاستفادة من تقنيات الاقتصاد الرقمي لتوسيع المنتجات الرقمية الإبداعية.

تفاعل حضاري فريد
من جانبه، قال عبدالعزيز الشحي، الباحث الرئيسي، ونائب رئيس قطاع البحث العلمي في مركز تريندز للبحوث والاستشارات، إن العلاقات الصينية العربية تمثل نموذجاً فريداً للتفاعل الحضاري الذي يجمع بين أصالة الماضي والتقاليد المميزة والعريقة، وطموحات المستقبل والازدهار، فالأمر الذي يجمع الدول العربية والصين هو أن كلاهما يتطلع لمستقبل مزدهر دون التضحية بالتاريخ والعادات في سبيل تحقيق هذا الازدهار، مضيفاً أن الأعوام الماضية شهدت تطوراً ملحوظاً في العلاقات الثنائية بين الصين والدول العربية، ليست على مستوى التبادل التجاري فحسب، بل امتدت لتشمل تعاوناً ثقافياً وتعليمياً عميقاً، يُعتبر حجر الزاوية في بناء جسور التفاهم بين الشعوب.

مشاريع ثقافية مشتركة
وأشار الشحي إلى أنه لا يمكن الحديث عن التعاون العربي الصيني دون التوقف عند النموذج الإماراتي، فدولة الإمارات لا تعد الشريك التجاري الأول للصين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فحسب، بل تعد الأكثر تقدماً في مجال التعاون الثقافي، حيث أعلنت دولة الإمارات عن استثمارات تصل إلى 10 مليارات دولار في المشاريع الثقافية والتعليمية المشتركة مع الصين خلال السنوات العشر المقبلة.
وذكر أن التعاون الثقافي والتعليمي بين الصين والدول العربية ليس مجرد شعارات، بل هو واقع ملموس أثبت نجاحه عبر الأرقام والإنجازات، ولعل النموذج الإماراتي الصيني خير دليل على أن هذا التعاون قادر على خلق شراكة استراتيجية شاملة، تخدم مصالح جميع الأطراف.
وحول المتغيرات الجارية في منطقة الشرق الأوسط، أكد الشحي أن المنطقة تمر بمرحلة خطيرة من التصعيدات العسكرية والصراع والمتغيرات الجيوسياسية، ولكن ما يمكن لدولة الإمارات وجمهورية الصين الشعبية التركيز عليه هو جعل العلاقات العربية الصينية متينة حتى يقل تأثير هذه المتغيرات، فدولة الإمارات تسعى دائماً لتخفيف وتيرة هذه المتغيرات بسياستها الخارجية المنادية للسلام، واستعداد كلا الدولتين للعب دور إيجابي في الوساطة السياسية.

نزع فتيل الصراعات
أما يانغ يو شين، الباحث في مركز الدراسات الإفريقية بجامعة تشيجيانغ للمعلمين، فأوضح أن دولة الإمارات والصين تحاولان دائماً لعب دور إيجابي في إحلال السلام ونزع فتيل الصراعات الإقليمية والعالمية، خاصة الدائرة في الشرق الأوسط، حيث تعتبر منطقة مهمة ومحورية للعالم أجمع، مبيناً أن موقف الصين حازم فيما يتعلق بالوضع في دولة فلسطين، وتؤكد في جميع تصريحاتها السياسية دعمها التام لحل الدولتين، وقيام دولة فلسطينية مستقلة.
وبين أن الصين هي الشريك التجاري الأول لدول الإمارات، كما تعد الإمارات أكبر سوق للصادرات الصينية ووجهة استثمارية رئيسية للصين في منطقة الشرق الأوسط، وفي السنوات الأخيرة شهد التعاون بين البلدين في مجال الطاقة المتجددة ومحطات الطاقة الكهروضوئية وطاقة الرياح تطوراً واسعاً، كما تعد دولة الإمارات الوجهة الرئيسية للسياح الصينيين في الشرق الأوسط، مع أكثر من مليون سائح في العام الماضي، إلى جانب وجود ما يزيد على 100 مدرسة صينية في الإمارات، مما يعزز التبادل التعليمي والثقافي بين البلدين.

مضمون علمي قيم
وفي سياق متصل، جذبت الإصدارات المتنوعة لمركز تريندز للبحوث والاستشارات في معرض بكين الدولي للكتاب 2025، الذي تتواصل فعالياته حتى 22 يونيو الجاري، عدداً كبيراً من زوار المعرض الذين ثمنوا مضمونها العلمي القيم، كما اطلع معالي حسين إبراهيم الحمادي، سفير دولة الإمارات لدى جمهورية الصين الشعبية، وسعادة الدكتور علي بن تميم، رئيس مركز أبوظبي للغة العربية، على أحدث إصدارات «تريندز» البحثية والمعرفية في معرض بكين الدولي للكتاب، بينما تعرف سعادة مبارك الناخي، وكيل وزارة الثقافة في دولة الإمارات، على إصدارات المركز، خاصة كتاب «عصر اللؤلؤ.. من الفقر إلى الازدهار».
