Insight Image

مؤتمر الأطراف “كوب28” في دولة الإمارات.. نقطة تَحَوُّل في العمل المناخي

14 ديسمبر 2023

مؤتمر الأطراف “كوب28” في دولة الإمارات.. نقطة تَحَوُّل في العمل المناخي

14 ديسمبر 2023

اختُتم مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ كوب 28، والذي عُقد في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، ما بين 30 نوفمبر و13 ديسمبر 2023، بعد أن حقق إنجازات غير مسبوقة على صعيد العمل المناخي. وعلى مدار أسبوعين، انخرط القادة، ومعهم أكثر من 70 ألف مندوب وخبير، من نحو 200 دولة[1] في مفاوضات مكثفة، تَجَلَّتْ ثمرتها في إنجاز سلسلة من الاتفاقيات والالتزامات التاريخية التي تهدف إلى معالجة أزمة المناخ. فبدءًا من التأسيس التاريخي لصندوق الخسائر والأضرار، مرورًا بالمراجعة الطموحة للإسهامات المحددة وطنيًا، ثم وصولًا إلى الاتفاق التاريخي بشأن مسألة الوقود الأحفوري، لم يقتصر نجاح المؤتمر على تحقيق أهدافه فحسب، وإنما نجح أيضًا في صناعة التاريخ من خلال التوصل إلى اتفاق تحريك الأمور – بشكل واضح – بشأن العمل المناخي، ثم من خلال الدخول في مرحلة جديدة من مكافحة التغيُّر المناخي والاحتباس الحراري؛ حيث تعهدت الدول والكيانات الاقتصادية المشاركة من كافة أنحاء العالم، بضخّ مليارات الدولارات، لدعم جهود التحوُّل إلى الطاقة النظيفة، وتقليل البصمة الكربونية، بهدف مواجهة التغيرات المناخية، ما يجعل هذه القمة هي الأكثر نجاحًا منذ إطلاق مؤتمر الأمم المتحدة للتغيُّرات المناخية، وفقًا للكثير من المراقبين.

وتتناول هذه الورقة الإنجازات الرئيسية لمؤتمر الأطراف الثامن والعشرين، وتناقش أهميتها وآثارها على مستقبل جهود المناخ العالمية. وتستكشف التقدم المحرز في القضايا الحاسمة، مثل التخفيف من حدة التغيُّر المناخي، والتكيُّف، والتمويل. ومن خلال تقديم لمحة شاملة عن نتائج المؤتمر، تهدف هذا الورقة أيضًا إلى إعلام وإلهام المزيد من العمل نحو مستقبل أكثر استدامة. وبينما يتصارع العالم مع التأثيرات المتزايدة الحادة لتغيُّر المناخ، فإن القرارات التي تم اتخاذها في مؤتمر الأمم المتحدة المعنيّ بتغيُّر المناخ كوب28 تُعَدُّ بمثابة نقلة نوعية وخطوة تاريخية وحيوية إلى الأمام في بناء مستقبل خالٍ من الكربون، وحياة نظيفة ومستدامة لكل شعوب المعمورة.  

الإنجازات الرئيسية

ينبغي الاعتراف بأن مؤتمر الأطراف كوب28 قد حقق الكثير من الإنجازات، والتي ربما يضيق المجال بالفعل عن عرضها هنا؛ حيث تم تنفيذ برنامج عمل مكثف، غَطَّى كل الملفات المتعلقة بالتغيُّر المناخي دون استثناء. ومما يستحق التنويه والإشادة، أنه بالرغم من التحديات غير المسبوقة التي واجهتها رئاسة المؤتمر – قبل وخلال تنظيم هذه الدورة غير العادية – فإن رئاسة المؤتمر والدولة المستضيفة قد بذلت جهودًا جبارة من أجل تحقيق توافقات حاسمة، والتوصل إلى نتائج عملية قابلة للتنفيذ؛ ومن هنا فقد نجح المؤتمر في تحقيق إنجازات بعضها غير مسبوق بالفعل، وفيما يلي أبرز هذه الإنجازات:

أولًا، اتفاق تاريخي بشأن التَّحَوُّل عن الوقود الأحفوري

فيما يشبه الإعجاز، توصلت قمة كوب28 إلى اتفاق “تاريخي” للانتقال بعيدًا عن جميع أنواع الوقود الأحفوري، على أمل الوصول إلى صافي صفر انبعاثات على مستوى العالم بحلول عام 2050[2]. فبعد مفاوضات شاقة، استلزمت تمديد القمة التاريخية إلى يوم إضافي، اتفق ممثلو ما يقرب من 200 دولة مشتركة في القمة المناخ الثامنة والعشرين، في اليوم الختامي، الأربعاء 13 ديسمبر، على البدء في خفض الاستهلاك العالمي من الوقود الأحفوري، بهدف تجنُّب أسوأ ما في تغيُّر المناخ؛ وهو أول اتفاق من نوعه يشير إلى نهاية عصر النفط في نهاية المطاف[3]. وهو ما بَشَّرَ به الدكتور سلطان الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة في الإمارات، ورئيس مؤتمر الأطراف كوب28، حين ألقى خطابه معلنًا عن التوافق على مضمون البيان الختامي لمؤتمر المناخ، مؤكدًا تقديم “خطة عمل محكمة للحفاظ على عدم تجاوز حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية، استنادًا إلى الحقائق العلمية”[4]. وهذا الاتفاق يبعث برسالة قوية، مفادها أن العالم جاد في معالجة تغير المناخ، وأن الاعتماد على الوقود الأحفوري لم يَعُدْ مستدامًا. ومما يدعو إلى التفاؤل أن هذا الاتفاق – غير المسبوق – سيدفع الدول للمرة الأولى إلى التَّحَوُّل بعيدًا عن استخدام الوقود الأحفوري، بهدف تجنُّب التأثيرات الأسوأ لتغيُّر المناخ، حيث إن وثيقة الاتفاق، في صفحاتها الواحدة والعشرين، قد دعت الدول إلى التخلي عن الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة لديها، كما تضمنت الوثيقة هدف مضاعفة القدرة على استخدام الطاقات المتجددة بمقدار ثلاثة أضعاف بحلول عام 2030، ومضاعفة وتيرة كفاءة استخدام الطاقة خلال هذه الفترة[5].

ثانيًا، اتفاقية صندوق الخسائر والأضرار.. إنجاز تاريخي

ومثلما كان الاتفاق بشأن الوقود الأحفوري – الذي تم التوصل إليه في اليوم الختامي للمؤتمر – يُعَدُّ اتفاقًا تاريخيًا وغير مسبوق، فإن الاتفاق بشأن صندوق الخسائر والأضرار، الذي تم التوصل إليه في اليوم الأول من انطلاق المؤتمر، يمثل أيضًا إنجازًا تاريخيًا في مفاوضات المناخ الدولية[6]. فبعد سنوات من المفاوضات، توصلت البلدان في أول أيام القمة إلى اتفاق غير مسبوق لإنشاء صندوق جديد لمساعدة البلدان النامية التي تواجه أشد آثار تغيُّر المناخ. ومن أهم ما ينبغي الالتفات إليه أن هذا القرار التاريخي يعترف بالآثار المدمرة لتغيُّر المناخ على البلدان النامية الضعيفة، ويُنشئ آلية لتزويدها بالمساعدات المالية. وقد أعلنت مجموعة من الدول عن إسهامات في هذا الصندوق، من بينها دولة الإمارات التي رصدت مبلغ 100 مليون دولار، وقدمت ألمانيا مبلغ 100 مليون دولار، بينما تعهدت الولايات المتحدة بتقديم مبلغ 17.5 مليون دولار – رغم أنها تُعَدُّ من أكثر الدول مسؤولية عن التغيُّر المناخي – فيما تعهدت اليابان بتقديم مبلغ 10 ملايين دولار، وقد وصل المبلغ حتى يوم 12 ديسمبر إلى 792 مليون دولار[7].

ويمثل الاتفاق بشأن هذا الصندوق خطوة كبيرة إلى الأمام في معالجة العدالة المناخية، إذ يعترف بادئ ذي بدء بمسؤولية البلدان المتقدمة عن التسبُّب في تغيُّر المناخ، ويُنشئ آلية لدعم البلدان النامية في التعامل مع آثاره. وهذا من شأنه أن يعزز بشكل كبير قدرة المجتمعات الضعيفة على الصمود، كما يعزز الانتقال إلى مستقبل منخفض الكربون، بطريقة أكثر عدلًا وإنصافًا.

ومن المفترض أن يقوم هذا الصندوق بتوفير الدعم المالي الذي تشتد الحاجة إليه لهذه البلدان لمعالجة الخسائر والأضرار، والتي تشمل التأثيرات المناخية التي تحدث ببطء، “أي تدريجيًا مع مرور الوقت”. ومن الأمثلة على ذلك: ارتفاع مستوى سطح البحر، والتَّصَحُّر، وتَحَمُّض المحيطات. وفي هذا الإطار فإن البلدان النامية – المعرضة بشكل خاص للآثار الضارة لتغيُّر المناخ – ستكون مؤهلة للاستفادة من الصندوق.

ويُذْكَر أن معايير الأهلية لا تزال قيد البحث، ومن المحتمل أن تركز على عوامل مثل الموقع الجغرافي، والتنمية الاقتصادية، والمسؤولية التاريخية عن انبعاثات غازات الدفيئة.

وفيما يتعلق بآلية التمويل المحددة للصندوق فهي لا تزال قيد المناقشة، والخيارات المتاحة تشمل إسهامات من البلدان المتقدمة، وفرض رسوم على انبعاثات الوقود الأحفوري، وحصة من أسواق الكربون الدولية. وينص الاتفاق على الانتهاء من آلية التمويل خلال العام المقبل.

أمّا فيما يتعلق بالتنفيذ، فإن من المقرر أن يتم تفعيل صندوق الخسائر والأضرار خلال السنوات القليلة القادمة. ومن المقرر أيضًا إنشاء هيئة حاكمة دولية للإشراف على عمليات الصندوق، بما في ذلك تحديد معايير الأهلية، وتخصيص الموارد، ومراقبة التقدم.

ثالثًا، التمويل وتعبئة الموارد للعمل المناخي

شَكَّلَ موضوع تعبئة الموارد المالية لدعم العمل المناخي محور التركيز الرئيسي في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين، إلى جانب العديد من التطورات والاتفاقيات الرئيسية التي تهدف إلى سد الفجوة المالية، وتسريع التقدم نحو تحقيق أهداف اتفاق باريس. وفي هذا الإطار يُعَدُّ إطلاق دولة الإمارات صندوق ALTERRA خلال انعقاد مؤتمر كوب28 بمثابة إنجاز كبير وغير مسبوق على الإطلاق في تعبئة التمويل المناخي؛ ويُذْكَر أن هذه المبادرة – التي تبلغ قيمتها 30 مليار دولار – تهدف إلى جذب واستثمار 250 مليار دولار أخرى بحلول عام 2030، ومن المحتمل أن تصبح حافزًا حاسمًا لتسريع العمل المناخي العالمي[8].

وغنيٌّ عن البيان أن هذه المبادرة قد وضعت دولة الإمارات في مصافّ الدول الرائدة عالميًا في مجال العمل المناخي، فمن من خلال إطلاق صندوق ألتيرا، تكون دولة الإمارات قد اتخذت خطوة عملية وحقيقية نحو سد فجوة تمويل المناخ، وتوفير الموارد الحيوية للدول النامية لتنفيذ خطط عملها المناخية. ويشكل هذا الدور القيادي مثالًا إيجابيًا للدول الأخرى، ويشجعها على زيادة التزاماتها بتمويل المناخ، كما أن تركيز الصندوق على الاستثمار في الدول النامية يتوافق مع التزام دولة الإمارات طويل الأمد بالتنمية والاستدامة العالمية. ومن خلال إعطاء الأولوية لاحتياجات المجتمعات الضعيفة، تكون الدولة قد رسّخت مكانتها كداعم ومدافع عن العدالة المناخية.

ومن المتوقع أن يكون لهذا الصندوق فوائد كثيرة، حيث إن موارد الصندوق ستدعم البلدان النامية في تنفيذ خطط مناخية طموحة، مما يُسهم في تحقيق أهداف اتفاق باريس؛ كما يؤدي إلى تسهيل الاستثمارات في التقنيات النظيفة والحلول المبتكرة لمعالجة تغيُّر المناخ، ويركز على مشاريع التكيُّف لمساعدة المجتمعات الضعيفة على الاستعداد والاستجابة لتأثيرات تغيُّر المناخ، وفي الوقت نفسه يُطلق العنان لاستثمارات القطاع الخاص.

كما تعهدت العديد من البلدان المتقدمة بزيادة إسهاماتها في القنوات العامة لتمويل المناخ، مثل صندوق المناخ الأخضر، ومرفق البيئة العالمية. كما تم استكشاف مبادرات جديدة – مثل تسعير الكربون، ومقايضة الديون بالمناخ – لإطلاق العنان للتمويل العام الإضافي.

علاوة على ذلك فقد أعلنت مؤسسات القطاع الخاص عن استثمارات بمليارات الدولارات في مجال الطاقة النظيفة والبنية التحتية المستدامة، وغيرها من المشاريع الصديقة للمناخ. كما ركزت الجهود على مزج التمويل العام والخاص؛ للاستفادة من الأموال العامة، وجذب المزيد من الاستثمارات الخاصة. وفي الوقت نفسه تم طرح المبادرات التي تُرَوِّج للسندات الخضراء، والقروض المرتبطة بالاستدامة، وغيرها من الأدوات المالية المبتكرة لتوجيه رأس المال الخاص نحو الإسهام في الحلول المناخية.

كما اتفقت الدول على تحسين شفافية تدفقات تمويل المناخ لديها، مما يسهل تتبع التقدم وضمان الاستخدام الفعال للموارد. وهناك جهود متواصلة من أجل وضع مقاييس موحدة لقياس تأثير استثمارات تمويل المناخ، وتعزيز دور المؤسسات المستقلة في الإشراف والتحقق من تدفقات تمويل المناخ.

ومن ثم، فإن مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين – من خلال إعطاء الأولوية للتمويل – يكون قد وضع الأساس أمام المجتمع الدولي لمستقبل أكثر استدامة، عن طريق ضمان توافر الموارد الكافية لدعم العمل المناخي الطموح.

رابعًا، التخفيف ورفع الطموح وتسريع العمل

ركزت أجندة التخفيف في كوب28 على تعزيز الطموح وتسريع العمل، بهدف الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، والحد من ظاهرة الاحتباس الحراري. فقد وافقت البلدان على مراجعة وتعزيز إسهاماتها المحددة وطنيًا، والتي تحددها خططها الوطنية في مجال الحد من انبعاثات غازات الدفيئة. ومن البديهي أن هذه الإسهامات – المحددة وطنيًا والمنقحة – سوف تمثل زيادة كبيرة في الطموح مقارنة بالتعهدات السابقة؛ إذ إن العديد من البلدان قد وافقت على مراجعة وتعزيز إسهاماتها المحددة وطنيًا، مع متوسط ​​زيادة في الطموح بنسبة 30% مقارنة بالتعهدات السابقة.

كما أعلنت غالبية الدول عن خطط طموحة لزيادة حصتها من الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة لديها، والابتعاد عن الوقود الأحفوري؛ حيث وقعت 118 دولة تعهدًا غير ملزم، يهدف إلى مضاعفة قدرات الطاقات المتجددة في العالم ثلاث مرات بحلول عام 2030 [9]. وهذا الأمر يُشَكّل خطوة حاسمة نحو تحقيق أهداف اتفاق باريس في الحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراري. كما أعلنت دول كثيرة عن التزامها بالتخلص التدريجي من طاقة الفحم، باعتباره أحد المصادر الرئيسية لانبعاثات غازات الدفيئة. ويمثل هذا الالتزام تَحَوُّلًا كبيرًا بعيدًا عن الوقود الأحفوري، ونحو مصادر الطاقة النظيفة.

كما أعلنت العديد من الدول عن خطط طموحة لزيادة حصتها من الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة لديها، وفي مقدمتها دولة الإمارات، التي دشنت خلال انعقاد مؤتمر كوب28 أكبر مشروع للطاقة الشمسية المركّزة على مستوى العالم، وذلك ضمن المرحلة الرابعة من “مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية”[10]. كما تعهدت الحكومات ومستثمرو القطاع الخاص بتقديم مليارات الدولارات لدعم تطوير ونشر تكنولوجيات الطاقة المتجددة

علاوة على ذلك، فقد تم إطلاق العديد من المبادرات للحد من انبعاثات غاز الميثان، مثل ميثاق خفض انبعاثات قطاع النفط والغاز، الذي أطلقته دولة الإمارات والمملكة السعودية خلال المؤتمر، وهو ميثاق عالمي يهدف إلى تسريع وتوسيع نطاق العمل المناخي في القطاعات الصناعية. وقد وقَّع على هذا الميثاق أكثر من 50 شركة، تسيطر على أكثر من 40 بالمئة من إنتاج النفط العالمي، وتشكل الشركات الوطنية أكثر من 60% منها، وهو أكبر عدد من شركات النفط الوطنية يتعهد بالالتزام بمبادرة لخفض الانبعاثات[11]. كما تم الاعتراف بإمكانيات تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه في احتجاز وتخزين انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، بما في ذلك إنشاء مركز أبحاث احتجاز الكربون وتخزينه لتعزيز البحث والتطوير في هذا المجال.

خامسًا، التكيُّف وبناء القدرة على الصمود في مناخ متغير

في حين أن التخفيف، أو الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، يهيمن تقليديًا على العناوين الرئيسية في مؤتمرات الأطراف، إلَّا أن مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين في دبي قد مَثَّل تَحَوُّلًا كبيرًا نحو التكيُّف. ومن منطلق إدراك الواقع القاسي لتغيُّر المناخ – الذي أصبح محسوسًا بالفعل في جميع أنحاء العالم – فقد ركز المؤتمر بشدة على مساعدة المجتمعات والنُّظُم البيئية على التعامل مع آثار تغيُّر المناخ التي لا يمكن تجنبها. وكان أحد الإنجازات الرئيسية هو مضاعفة تمويل التكيُّف بحلول عام 2025، وهي تُعَدُّ خطوة حاسمة نحو تزويد الدول الضعيفة بالموارد اللازمة لبناء قدرتها على التكيُّف. وهذا الأمر يشمل الاستثمارات في أنظمة الإنذار المبكر، والمحاصيل المقاومة للجفاف، وتحديث البنية التحتية.

كذلك تم تسليط الضوء على الحلول القائمة على الطبيعة، باعتبارها نهجًا فعالًا من حيث التكلفة، ومستدامًا في مجال التكيُّف. وتشمل هذه الحلول زراعة أشجار المانغروف لحماية السواحل، وزراعة الغابات لمكافحة التصحُّر، واستخدام الأراضي الرطبة لتصفية المياه.

وينبغي الإشارة أيضًا إلى أن التكنولوجيا كان لها دور بارز، وقد ظهر ذلك خلال المناقشات حول استخدام الذكاء الاصطناعي للتنبُّؤ بالمناخ، وأنظمة الإنذار المبكر التي تعمل بالطائرات بدون طيار، والتكنولوجيات الزراعية المقاومة لتغيُّرات المناخ.

وقد تم التأكيد على إجراءات التكيُّف التي تمارسها المجتمعات المحلية، مع الاعتراف بأهمية المعرفة والملكية المحلية في بناء القدرة على التحمُّل. وهذا الأمر يشمل العمل مع المجتمعات الأصلية لحماية الممارسات التقليدية، وتمكينها من التكيُّف مع الظروف المتغيرة.

مما لا شك فيه أن مؤتمر كوب28 قد وضع التكيُّف في صدارة أجندة المناخ العالمي، وأن التركيز المتزايد على التمويل والابتكار والأساليب التي تعتمد على المجتمع يوفر طريقًا واعدًا إلى الأمام. ومن خلال إعطاء الأولوية للتكيُّف، يكون المؤتمر قد أرسل رسالة واضحة، مفادها أن خفض الانبعاثات ليس هو الواجب الوحيد علينا فحسب، بل يجب علينا أيضًا الاستعداد لمواجهة التأثيرات الحتمية الناجمة عن تغيُّر المناخ. وعلى كل حال، فإن هناك حاجة إلى بذل جهود متواصلة لمواجهة التحديات، وضمان أن يصبح التكيُّف حقيقة واقعة بالنسبة للمجتمعات الأكثر ضعفًا في جميع أنحاء العالم.

سادسًا، التكنولوجيا والابتكار وقيادة الحلول من أجل مستقبل مستدام

ومما تجدر الإشارة إليه أن التكنولوجيا والابتكار قد حظيت باهتمام واضح في مؤتمر الأطراف كوب28، باعتبارها محركات رئيسيه لمعالجة تغيُّر المناخ، حيث تمت مناقشة العديد من القضايا ذات الصلة. وفي الوقت نفسه تم طرح العديد من المبادرات التي تهدف إلى توظيف التكنولوجيا لتسريع التحوُّلات في مجال الطاقة النظيفة، وتعزيز استراتيجيات التكيُّف، ودعم التنمية المستدامة. وقد جرى – على سبيل المثال – مناقشة وتشجيع الاستثمارات في مجال البحث وتطوير التقنيات اللازمة لالتقاط وإعادة تدوير وتدمير انبعاثات غاز الميثان، واتفقت الدول على العمل معًا عبر تبادل أفضل الممارسات، وتنفيذ استراتيجيات فعالة لخفض غاز الميثان. وسوف يقوم مركز أبحاث احتجاز الكربون بتسهيل تبادل المعرفة، وتوثيق التعاون بين الباحثين وصانعي السياسات وأصحاب المصلحة في الصناعة، بهدف تسريع نشر تقنيات احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه. وقد أكدت العديد من دول العالم خلال فعاليات كوب 28 أنها سوف تتجه لاستخدام تقنيات احتجاز أو تخزين الكربون، وهو ما يُعَدَّ حلًا واقعيًا لمواجهة آثار التغيُّر المناخي، لا سيّما أن هذه الفكرة كانت تُوَاجَه من قَبْلُ بعدم القبول من طرف بعض الدول.

كما تم في هذه القمة استعراض التقدم الكبير في تقنيات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وغيرها من تقنيات الطاقة المتجددة، مما سلط الضوء على قدرتها على الإسهام في مستقبل الطاقة النظيفة. وتم التأكيد كذلك على الابتكار في تقنيات تخزين الطاقة – مثل البطاريات وتخزين الهيدروجين – لمواجهة تحديات تكامل الشبكة، وضمان إمدادات موثوقة للطاقة المتجددة.

ومن خلال إعطاء الأولوية للتكنولوجيا والابتكار في مؤتمر كوب28، يكون المجتمع الدولي قد حقق قفزة كبيرة نحو مستقبل مدعوم بالطاقة النظيفة والمجتمعات المرنة والتنمية المستدامة؛ وهذا كله يُعَدُّ إنجازًا مهمًا لهذه القمة.

دولة الإمارات في كوب28.. القيادة بالقدوة

لعبت دولة الإمارات العربية المتحدة دورًا محوريًا في استضافة وصياغة نتائج مؤتمر الأمم المتحدة المعنيّ بتغيُّر المناخ كوب28 في دبي. ولم تقتصر جهودها على توفير منصة للتعاون الدولي فحسب، بل إن دولة الإمارات عرضت مبادراتها المناخية الطموحة وقيادتها على عدة جبهات رئيسية:

أولًا، الريادة في مجال الطاقة المتجددة: برزت دولة الإمارات العربية المتحدة باعتبارها دولة رائدة عالميًا في مجال الطاقة المتجددة، على ضوء ما تملكه من خطط طموحة لتنويع مزيج الطاقة لديها، وما تستهدفه من تحقيق صافي انبعاثات صفر بحلول عام 2050. وقد استبقت دولة الإمارات عقد المؤتمر الدولي بالإعلان عن “استراتيجية الإمارات للحياد المناخي 2050″، والتي تمثل خطة عمل لتحقيق أهداف مبادرة دولة الإمارات الاستراتيجية لتحقيق الحياد المناخي التي أطلقتها الدولة قبل عامين[12]. وهي تحدد خارطة طريق لتحقيق هدف حياد الكربون من خلال الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة، وتقنيات الطاقة النظيفة، واحتجاز الكربون وتخزينه.

ثانيًا، مناصرة صندوق الخسائر والأضرار: بعد سنوات من المفاوضات المتوقفة، لعبت دولة الإمارات دورًا حاسمًا في التوسط في صفقة لإنشاء صندوق الخسائر والأضرار التاريخي. والمأمول من هذا القرار التاريخي أن يوفر المساعدة المالية للبلدان النامية التي تواجه أشد آثار تغيُّر المناخ، وأن يُلبي الطلب طويل الأمد على العدالة المناخية.

ثالثًا، تطوير حلول التكيُّف: إدراكًا للحاجة الملحّة للتكيُّف مع تغيُّر المناخ، أطلقت دولة الإمارات العربية المتحدة “مركز التكيُّف العالمي” في مؤتمر الأمم المتحدة المعنيّ بتغيُّر المناخ كوب28. وستكون هذه المبادرة بمثابة منصة لتبادل المعرفة، ومركز للموارد لدعم البلدان النامية في بناء القدرة على التكيُّف مع آثار تغيُّر المناخ.

رابعًا، تعزيز التمويل الأخضر: رسّخت دولة الإمارات مكانتها كمركز للتمويل الأخضر، وجذب الاستثمارات، وتسهيل تدفق رأس المال نحو المشاريع المستدامة. وقد استضافت الدولة خلال المؤتمر الأممي لقاءات جمعت بين المؤسسات المالية والمستثمرين لمناقشة آليات التمويل المبتكرة للعمل المناخي.

خامسًا، تعزيز كفاءة الطاقة: اضطلعت دولة الإمارات بتنفيذ العديد من المبادرات لتعزيز كفاءة الطاقة والحفاظ عليها في مختلف القطاعات. وفي مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ، أعلنت دولة الإمارات عن التزامات جديدة لمواصلة تحسين كفاءة استخدام الطاقة، وأعادت التأكيد على التزامها بالحد من بصمتها الكربونية.

سادسًا، إشراك الشباب والمجتمع المدني: شاركت دولة الإمارات بنشاط مع الشباب ومنظمات المجتمع المدني خلال مؤتمر الأمم المتحدة المعنيّ بتغيُّر المناخ كوب28، مع الاعتراف بدورها الحاسم في قيادة العمل المناخي. ويُذْكَر أن “منتدى المناخ بقيادة الشباب”، مع غيره من اللقاءات الأخرى، قد أتاح منصات للشباب والمجتمع المدني للإسهام بأصواتهم وأفكارهم في الحوار المناخي.

سابعًا، عرض الابتكار: استخدمت دولة الإمارات العربية المتحدة مؤتمر كوب28 كمنصة لإظهار التزامها بالابتكار والتقدم التكنولوجي في مكافحة تغيُّر المناخ. وقد تضمن المؤتمر أنشطة ومعارض تتناول أحدث التقنيات والحلول في مختلف القطاعات، مما يدل على تفاني الدولة في الاستثمار في الحلول المستدامة.

ثامنًا، التعاون العالمي: إلى جانب مبادراتها الخاصة، فقد عززت دولة الإمارات بشكل فعال التعاون بين الدول وأصحاب المصلحة في مؤتمر الأمم المتحدة المعنيّ بتغيُّر المناخ كوب28. وتدعو المبادرة إلى تفعيل الشراكات المتعلقة بالعمل المناخي، التي عُقدت خلال المؤتمر بمتابعة ودعم من دولة الإمارات، وذلك بهدف تشجيع التعاون بشأن أهداف مناخية محددة، وتسريع التقدم نحو تحقيق أهداف اتفاق باريس.

ومما لا خلاف عليه أن رئاسة وقيادة دولة الإمارات العربية المتحدة، ومبادراتها التي أطلقتها في مؤتمر الأمم المتحدة المعنيّ بتغيُّر المناخ كوب28، قد تركت بصمة مهمة على أجندة المناخ العالمي، كما أن التزام دولة الإمارات بالتَّحَوُّل إلى الطاقة المتجددة، والاهتمام بالتكيُّف، والتمويل الأخضر، والمجالات الرئيسية الأخرى، كل ذلك يُظْهِر استعدادها لاتخاذ خطوات عملية وملموسة نحو مستقبل أكثر استدامة. ومن أجل الُمِضّي قُدُمًا، تواصل دولة الإمارات لعب دور حيوي في دفع العمل المناخي العالمي، وضمان تنفيذ الاتفاقيات التي تم التوصل إليها في مؤتمر الأمم المتحدة المعنيّ بتغيُّر المناخ كوب28.

الخلاصة

من خلال إلقاء نظرة سريعة على الإنجازات التي حققها كوب28، يتأكّد لنا أن هذا المؤتمر قد شَكَّل بالفعل لحظة محورية في مكافحة تغير المناخ. ومع أنه ثاني مؤتمر للأطراف يُعْقَد في الشرق الأوسط، بعد مؤتمر الأطراف كوب27 الذي انعقد العام الماضي في شرم الشيخ بمصر، فقد استطاع أن يجمع أكثر من 70 ألف مندوب وخبير من نحو 200 دولة، يمثلون الحكومات والشركات والمنظمات غير الحكومية والمجتمعات، وكلهم يَسْعَوْن إلى هدف مشترك يتمثل في تسريع العمل المناخي.

لا يمكن إنكار أن هذا المؤتمر قد حقق إنجازات تاريخية وغير مسبوقة، حيث توصل إلى اتفاق تاريخي للتخلص من الوقود الأحفوري. وهذه هي المرة الأولى على الإطلاق التي يعترف فيها اتفاق عالمي – صراحةً – بالحاجة إلى الابتعاد عن الوقود الأحفوري، وهو ما يبعث برسالة قوية، مفادها أن العالم جاد في معالجة تغيُّر المناخ، وأن الاعتماد على الوقود الأحفوري لم يَعُدْ أمرًا مستدامًا. وهذا في حد ذاته يمثل أمرًا بالغ الأهمية؛ لأن العالم بات يقترب بسرعة من نقاط التَّحَوُّل الحرجة في النظام المناخي، ومن ثم فإن هذا الاتفاق يُشَكِّل خطوة مهمة نحو التعاون الدولي في مجال العمل المناخي. وهذا أمر ضروري بطبيعة الحال؛ لأنه لا يمكن لأي دولة أن تحل هذه المشكلة بمفردها. كما أن هذا الاتفاق يوفر إطارًا لدعم تطوير ونشر تقنيات الطاقة النظيفة، وهذا من شأنه أن يساعد في تسريع عملية الانتقال إلى مستقبل منخفض الكربون.

وانطلاقًا من إدراك الأهمية البالغة لهذا الوضع، فقد شدّد مؤتمر الأطراف كوب28 على الحاجة إلى تجاوز تحديد الأهداف، والتركيز على الإجراءات الفعلية الملموسة وخطط التنفيذ. ويشمل ذلك: تعبئة التمويل، وتطوير التكنولوجيات النظيفة، وبناء القدرة على الصمود في مواجهة تأثيرات المناخ.

جديرٌ بالذكر أيضًا أن التقييم الشامل للتقدم المحرز بموجب اتفاق باريس – وهو الأول على الإطلاق – هذا التقييم قد سلط الضوء على التحدي الهائل الذي يواجهه العالم، كما أنه حدد المجالات الرئيسية التي تحتاج إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للغاية، مثل الحد من الانبعاثات الناجمة عن الوقود الأحفوري وإزالة الغابات.

ومع إدراك ما تتعرض له البلدان النامية من التأثير غير المتناسب لتغيُّر المناخ ، وفي ضوء الحاجة الملحة لتقديم الدعم للدول الضعيفة والأكثر تَضَرُّرًا، فقد أحرز مؤتمر الأطراف تقدمًا غير مسبوق في تأسيس وتفعيل مِرْفَق مالي جديد، من شأنه معالجة الخسائر والأضرار الناجمة عن الكوارث المناخية؛ وهو ما يُعَدُّ انتصارا للعدالة المناخية، ولدول العالم النامي على وجه التحديد؛ وهذا يُعَدُّ من أبرز الإنجازات.

ولا شك أن نتائج المؤتمر بشأن التكيُّف قد أظهرت التزامًا عالميًا متزايدًا ببناء القدرة على الصمود وحماية المجتمعات من تأثيرات المناخ. وسيكون تنفيذ خطة العمل العالمية للتكيُّف، ودعم مركز التكيُّف العالمي، أمرًا بالغ الأهمية لتسريع جهود التكيُّف في جميع أنحاء العالم، بينما سيكون الاستثمار المستمر والابتكار والتعاون أمورًا ضروريةً لضمان استعداد المجتمعات الضعيفة لمواجهة تحديات تغيُّر المناخ. ومن خلال إعطاء الأولوية للتكيُّف في مؤتمر الأمم المتحدة المعنيّ بتغيُّر المناخ كوب28، اتخذ المجتمع الدولي خطوة مهمة نحو بناء مستقبل أكثر مرونة واستدامة للجميع.

وأخيرًا وليس آخرًا، فإن مؤتمر كوب28 قد شَكَّل نقطة تَحَوُّل حاسمة في مكافحة تغيُّر المناخ. وفي حين لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به، فإن هذا المؤتمر قد ضخ طاقة متجددة وزخمًا في العمل المناخي العالمي. وإحقاقًا للحق، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة – باعتبارها الدولة المضيفة – قد وضعت نفسها كدولة رائدة في هذا المسعى الحاسم، وسيستمر التزامها بالعمل المناخي في تشكيل استجابة المنطقة والعالم لهذا التحدي الوجودي.



[1] بي بي سي عربية، ما هو مؤتمر كوب 28 في دبي؟ وما سبب أهميته؟، 30 نوفمبر 2023، على الرابط: https://rb.gy/3a3ydr 

[2] Financial Times, Countries reach ‘historic’ COP28 deal to transition from fossil fuels,

13 December 2023: https://shorturl.at/xHWZ9

[3] Valerie Volcovici, Gloria Dickie and William James, Reuters, Nations strike deal at COP28 to transition away from fossil fuels, 13 December 2023: https://shorturl.at/ouvyM

[4] سكاي نيوز عربية، كوب28 يقر “اتفاق الإمارات” التاريخي للعمل المناخي، 13 ديسمبر 2023، على الرابط: https://shorturl.at/sJ358

[5] دويتشه فيله، قمة كوب28 تتوصل إلى اتفاق تاريخي للتحوُّل عن الوقود الأحفوري، 13 ديسمبر 2023، على الرابط: https://shorturl.at/bjGU0

[6] NRDC, Countries Establish Historic Loss and Damage Fund, November 30, 2023: https://shorturl.at/fhjH8 

[7] EARTH.ORG, Loss and Damage Fund Contributions at COP28 So Far Cover Less Than 0.2% Of Climate-Related Losses in Developing Countries, December 8, 2023: https://rb.gy/j960sb

[8] Financing the New Climate Economy, About ALTÉRRA: https://www.alterra.ae/

[9] سكاي نيوز عربي، 118 دولة تتعهد بمضاعفة الطاقة المتجددة 3 مرات بحلول 2030، 2 ديسمبر 2023، على الرابط: https://rb.gy/zb0ddw

[10] محمد بن راشد يدشّن أكبر مشروع للطاقة الشمسية المركّزة على مستوى العالم، المكتب الإعلامي لحكومة دبي، 6 ديسمبر 2023، على الرابط: https://rb.gy/vz86bm 

[11] سكاي نيوز عربية، إطلاق ميثاق خفض انبعاثات قطاع النفط والغاز في COP28، 2 ديسمبر 2023، على الرابط: https://shorturl.at/ktuES

[12] سكاي نيوز عربية، الإمارات تعلن عن “استراتيجية الإمارات للحياد المناخي 2050، 9 نوفمبر 2023، على الرابط: https://rb.gy/ed5aqy

 

المواضيع ذات الصلة