Insight Image
Snapshot Image

سناب شوتس

العامل الدرزي ومقاربة الرئيس أحمد الشرع

17 يوليو 2025

يمر الملف السوري في الوقت الراهن بحالة من عدم الاستقرار من جرّاء الأحداث الأخيرة في كل من محافظتَي السويداء ودمشق؛ إذ أدت الاشتباكات التي نشبت بين المقاتلين الدروز، وعشائر سنية بسبب حادثة اختطاف تاجر درزي على طريق دمشق-السويداء إلى توسع دائرة الاشتباك وصولًا إلى تدخّل القوات السورية الرسمية في هذه المستجدات، ومن ثمّ إسرائيل عبر استهداف دمشق.

تصرف حكومة الرئيس أحمد الشرع لاحتواء الاشتباكات بين الدروز والعشائر السنية كان إجراءً طبيعيًّا، تمثل في نشر وحدات من وزارتَي الدفاع والداخلية لوقف الاشتباكات، لكن سرعان ما اتخذت الأحداث مجرى صداميًّا بين القوات الحكومية والفصائل الدرزية، أدى إلى دخول إسرائيل في المعادلة، بزعم أنها تحمي الدروز. وبناء عليه؛ شَنّت إسرائيل غارات جوية استهدفت دبابات وقوافل حكومية في محيط السويداء، كما استهدفت مبنى الأركان العامة ووزارة الدفاع ومحيط القصر الرئاسي في دمشق؛ للضغط على الحكومة الحالية، وإيصال رسالة بأنها تستطيع عرقلة المسار السوري الجديد الرامي إلى بناء نظام سياسي محكم للدفع بالعجلة التنموية في البلاد، إضافة إلى توسيع دائرة العلاقات السورية الخارجية لضمان الدعم الإيجابي من المجتمع الدولي لمستقبل لسوريا.

وعلى الرغم من وجود مؤشرين لاحتواء هذا التصعيد؛ تمثلا في الآتي: (1) خطاب الرئيس السوري أحمد الشرع الذي قرّر فيه تكليف فصائل محليّة ورجال دين دروز بـ «مسؤولية حفظ الأمن في السويداء»، (2) إعلان الشيخ يوسف جربوع – وهو أحد “شيوخ العقل” الثلاثة في السويداء مع كل من حمود الحناوي، وحكمت الهجري- الذي قال إنه ” تم التوصل لاتفاق مع الحكومة السورية بشأن السويداء، يقضي بوقف العمليات العسكرية وإنهاء مظاهر السلاح خارج الدولة”، فإن عوامل عودة التصعيد لا تزال موجودة.

أحد أبرز مؤشرات عودة الاشتباكات وحالة عدم الاستقرار تتمثل في رأي الشيخ حكمت الهجري الذي رفض وقف إطلاق النار وأصر على ضرورة التحرر الكامل من العصابات. أما حكمت الحناوي فلم يصدر منه أي بيان نظرًا إلى ظروفه الصحية؛ وعلى الرغم من توجهاته الوسطية، فإن رأي مؤيديه غير واضح حتى الآن. أما النقطة الأبرز لاحتمالية عودة التصعيد فتتمثل في الموقف الإسرائيلي، فالمقاربة الإسرائيلية ترمي إلى تعزيز المكتسبات عبر ضمان أمن المناطق الدرزية؛ خصوصًا أنها حدودية مع مناطق الدروز الإسرائيليين في الشمال (هضبة الجولان المحتل، والجليل، والكرمل)، إضافة إلى أن السلوك الإسرائيلي يدلّ على عدم استعداد تل أبيب للانسحاب من المناطق التي بسطت سيطرتها عليها في الجنوب السوري بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، وأن أي تفاهمات لانسحابها من هذه المناطق لن تكون سهلة “وقد تكون غير مطروحة على الطاولة”.

هذه الأحداث تدلّ على أننا متجهون إلى عدد من السيناريوهات؛ منها: (1) التوصل إلى استقرار هش، فرغم وقف إطلاق نار، فإن الاشتباكات والتهديدات الأمنية لا تزال قائمة، وربما نعود إلى حالة التصعيد في أي لحظة. (2) زيادة الضغط الإسرائيلي من الناحية الجوية، وذلك في حال عدم انسحاب القوات السورية من المناطق الدرزية، وعدم تطبيق الرئيس السوري لما جاء في كلمته. (3) استمرار حالة الاستنفار في دمشق؛ خصوصًا مع الرسائل التي بعثتها إسرائيل بقدرتها على استهداف المقرات الحكومية بكل سهولة، وهو أول تحدٍّ إقليمي يشهده الرئيس أحمد الشرع ضد حكومته بشكل مباشر. (4) في حال عدم التوصل لأي تفاهمات مجدية وفاعلة وطويلة الأمد بين (الحكومة السورية والدروز، والحكومة السورية وإسرائيل)، فإن دائرة الاشتباكات ستتوسع بلا أدنى شك؛ خصوصًا في الحدود السورية الإسرائيلية. (5) الأمر المستبعد، ولكن المطروح، هو دخول الدروز الإسرائيليين بشكل مباشر في هذه المواجهات. هذا السيناريو مرفوض وبقوة من الجانب السوري والإسرائيلي، فهو أمر “قد” يُمهد لتغير المزاج الدرزي والتحول الفعلي للمطالبة بدولة درزية ستشق من جغرافية سوريا وإسرائيل، ولا شك أن هذا الأمر سيُدخل دمشق وتل أبيب في تعقيدات غير مطلوبة في الوقت الحالي.

وفي جميع الأحوال، فإن سلوك الرئيس السوري أحمد الشرع يدل على اتباعه المقاربة العقلانية وغير التصعيدية، ولا شك أن تعامله مع الوضع الحالي سيبعث رسائل للغرب حول جدية وفاعلية إداراته؛ خصوصًا مع عدم رده العسكري على إسرائيل، الذي يبعث هو أيضًا رسائل للولايات المتحدة والغرب بأن الإدارة الحالية ليست ضد الوجود الإسرائيلي. أما رسالته إلى الدروز، التي يمكن فهمها عبر تحليل مضمون خطابه، فهي تسعى لاحتوائهم في الصف السوري، وهي خطوة تُحسب للشرع في سبيل عدم الانجرار نحو تقسيم الأراضي السورية. ويبقى رأي الدروز والموقف الإسرائيلي هو الحَكم والمحدد في التماهي مع مقاربة الشرع الإيجابية أو العودة إلى الاشتباكات التي ستطال تداعياتها السلبية الجميع.