لقد أحدث التحول الرقمي توجهات جديدة في هيكل الأنظمة المالية وطبيعتها في البُلدان النامية والمتقدمة على حدّ سواء، حيث شهد العقد الأخير تطوراً في استخدام الخدمات المالية الرقمية، في مقابل الخدمات المالية التقليدية؛ نتيجة للعديد من الدّوافع على غرار جائحة كوفيد 19-، هذه الأخيرة أثرت تأثيرًا كبيرًا في الفئات المستبعدة من النظام المالي، حيث تجد صعوبة في الوصول إلى الخدمات المالية الأساسية للتنمية، كالمدفوعات والائتمان والادّخار، أو تنعدم إمكانية وصولها إليها. وقد بذلت المؤسسات المالية الدولية وصناع القرار والسياسات في مختلف دول العالم جهودًا كبيرة لخلق فرص جديدة للفئات ذات الدخل المنخفض، والنساء، والشركات الصغيرة التي لها إمكانية محدودة أو معدومة للوصول إلى الخدمات المالية الرسمية. ومن ثم، فإن الشمول المالي الرقمي يؤدي دورًا حيويًّا في تعزيز الشمول المالي لأي بلد، وفي تحقيق العديد من أهداف التنمية المستدامة.
التقرير السنوي الأخير عن حالة أنظمة الدفع الفوري الشاملة في إفريقيا عام 2023 يُشير إلى وجود نحو 400 مليون بالغ إفريقي يُعانون من الاستبعاد المالي، وهو من أهم التحديات التي يُواجهها قطاع الخدمات المالية. هذا الواقع يدفع إلى مواصلة دعم نمو الخدمات المالية الرقمية في القارّة، من خلال إجراء الاستثمارات في البنية التحتية والتكنولوجيا والمهارات الفنية، وإصلاح السياسات والهيئات التنظيمية التي تهدف إلى ضمان الوصول إلى المنتجات والخدمات المالية، واستخدامها على نحو سهل ومسؤول.
ولقد ساعدت تقنيات الهاتف المحمول والتقنيات الرقمية في تعزيز الشمول المالي تعزيزًا كبيرًا في السنوات الأخيرة في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، إذ إن خدمات الأموال عبر الهاتف المحمول، التي تقدمها شركات التكنولوجيا المالية وشركات الاتصالات، تعمل على سد الفجوات التي خلفتها البنوك التقليدية على نحو متزايد، ولا تتطلب خدمات الأموال عبر الهاتف المحمول نفس الاستثمار في البنية التحتية مثل البنوك التقليدية. في عام 2021، كان لدى 55% من البالغين في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء حسابات مالية، بما في ذلك 33% من البالغين الذين بملكون حسابات للخدمات المالية عبر الهاتف المحمول، وهي أكبر نسبة في أي منطقة في العالم، وتشكل أكثر من ثلاثة أضعاف المتوسط العالمي لملكية حسابات الخدمات المالية عبر الهاتف المحمول البالغ 10%. وبحلول عام 2022 أصبحت المنطقة موطنًا لجميع الاقتصادات الاثني عشر في العالم التي يمتلك فيها عدد أكبر من البالغين حسابات للخدمات المالية عبر الهواتف المحمولة، مقارنةً بمن يمتلكون حسابات في البنوك أو مؤسسات مالية مماثلة. ويُعَدُّ هذا الأمر أكثر أهمية بالنظر إلى أن متوسط ملكية هذا النوع من الحسابات في الاقتصادات النامية يبلغ 13%. وقد أدى انتشارها إلى خلق فرص جديدة لتقديم خدمة أفضل للنساء والفقراء، وغيرهم من الفئات التي كانت تعاني من الاستبعاد المالي خارج النظام المالي الرسمي. وفي الواقع، فإن حسابات الخدمات المالية عبر الهاتف المحمول قد تساعد في سد الفجوة بين الجنسين. وفي مسح للمؤشر العالمي للشمول المالي عام 2021 تَبَيَّن أن نحو ثلاثة من بين كل أربعة من أصحاب حسابات الخدمات المالية عبر الهاتف المحمول في إفريقيا جنوب الصحراء قاموا بإرسال أو استلام دفعة مالية واحدة على الأقل، كما أصبحت حسابات الخدمات المالية عبر الهاتف المحمول أيضًا وسيلة مهمة للادخار في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، إذ استخدم 15% من البالغين و39% من أصحاب حسابات الخدمات المالية عبر الهاتف المحمول حسابًا من هذا القبيل للادخار، كما اقترض 7% من البالغين في المنطقة باستخدام حسابات الخدمات المالية عبر هواتفهم المحمولة.