تتكاثر في غربي إفريقيا مجموعات الدفاع الذاتي، باعتبارها رد فعل على استفحال ظاهرة العنف والجريمة، وعجز الدولة بجميع مؤسساتها وأجهزتها عن احتواء ذلك. وهي ظاهرة تعبر عن تحمل المجتمعات المحلية -خصوصًا في القرى والأرياف الطرفية – مسؤوليتها عن تأمين حياة الأهالي وممتلكاتهم، في سياق غياب شبه تام للدولة. وقد تتجاوز هذه الظاهرة حدود الدولة الوطنية لتعم أقطارًا وبلدانًا متجاورة عدة تشكو من الإشكالات ذاتِها، المتمثلة في غياب الأمن، وضعف قدرة الدولة على بسط سلطاتها على مختلف المناطق النائية عن المراكز الحضرية الكبرى، لكن مع بروز ظواهر اللصوصية والجريمة المنظمة، وتكاثر النزاعات العقارية، والتنافس بين الإثنيات على الموارد، ومع استفحال الحركات المسلحة المتمردة والإرهابية، ونشاطها في الأقاليم التي تقل فيها فعالية الأجهزة الرسمية في الضبط والرقابة والقمع، قبلت الدولة – في مرحلة أولى – بالمبادرات الأمنية الأهلية، ثم تبنتها وشجعتها ، و أخيرًا اعتمدتها ضمن استراتيجياتها الأمنية.
وقد ظهرت هذه المجموعات التي تتولى الحماية والدفاع عن الأهالي بصفتها استجابة أهلية محلية في المجال الأمني، وبمبادرات ذاتية، وهي أيضًا أحد أشكال الصمود في وجه الإجرام المنظم، وأحد أوجه المرونة في التعاطي مع تداعيات غياب الدولة، أو بالتنسيق معها. لكن ذلك لا يمنع من أنها قد تتحول إلى “سلطة” موازية، أو متجاوزة للسلطة الرسمية، وترفض التعاون معها، ومحفزًا لنزاعات إضافية بين المجموعات الإثنية المكونة للنسيج الاجتماعي. وقد لوحظ تزايد الحوادث الإثنية التي راح ضحيتها مدنيون ارتفع عددهم بين عامي 2021 و2023 من 750 إلى 1500 ضحية، وقد نُسبت هذه الحوادث إلى أعمال عنف قام بها الجيش أو القوات المدنية – شبه العسكرية – الداعمة له.[1]
وفي هذه الورقة البحثية سندرس حالة مجموعات الدفاع الذاتي في بوركينافاسو، ونستعرض تاريخها، والعوامل التي أدت إلى ظهورها، ودور الدولة في ذلك، ثم كيفية تصديها للجماعات الإرهابية، وطبيعة الإشكالات التي أفرزتها هذه التجربة، وما الأصول التاريخية لهذه الجماعات؟ وما المبررات والمسوغات التي تعتمدها هذه الجماعات في القيام بعملها؟ وهل نجحت في تقديم نفسها كوريث لنظام “الزعامة” التقليدية؟ أم أنها تحولت في النهاية إلى أدوات مدنية مساعدة للإدارة والجيش الرسمي؟ وهل استُخدمت في بعض الحالات بصفتها “وكالات أمن وحماية” خاصة؟ وما علاقة هذه المجموعات بالنخب السياسية والصراعات الإثنية؟
أولا – محطات نشأة مجموعات الدفاع الذاتي
سعت الدولة خلال محطات تاريخية إلى إشراك الأهالي في دعم نشاط الجهود الأمنية، كان من أبرزها؛ المحطة الأولى: التي كانت تتمثل في “لجان اليقظة” في السبعينيات من القرن الماضي، التي تعاونت مع بلدية مدينة بوبو ديولاسو ( Bobo-Dioulasso ). والمحطة الثانية: التي كانت مع “لجان حماية الثورة” التي تأسست عام 1983 وأخيرًا: أوجدت السلطة عام 2010 ما أطلق عليه “الشرطة المجتمعية” ( La Police de Proximité). غير أن هذه التجارب لم تلق من قبل الأهالي التجاوب الذي تمنته السلطة، بسبب أنها كانت مبادرات رسمية، ومفروضة من أعلى الهرم السلطوي، وليست نابعة من إرادة أهلية محلية[2].
وفى تلك المرحلة كانت هناك حاجة لمثل هذه المبادرات بسبب عدة عوامل، كان من أبرزها، انعدام الأمن، فعند الحديث عن انعدام أمني مخل بالحياة العامة، وبالتوازنات المجتمعية في بركينافاسو، فكثيرًا ما يكون الكلام عامًّا، ودون تقديم بيانات دقيقة عن أعداد قوى الأمن والشرطة، أو عن مدى عدالة توزعها الجغرافي، ونسبة تغطيتها للتراب الوطني. فالبلاد تقسم إلى 350 دائرة إقليمية، 85 منها يتوفر فيها مركز شرطة واحد على الأقل، ووحدة درك واحدة، و109 منها لديها وحدة درك أو مركز شرطة، و156 منها لا توجد فيها وحدات لقوى الأمن الداخلي، وهذه تقديرات ترجع إلى بيانات رسمية تعود إلى عام 2018م.[3]
وتوجد بعض البيانات الدقيقة نسبيًّا، وردت في تقديرات يعود تاريخ نشرها إلى عام 2022 وتشير نتائجها إلى ضعف نسبة التغطية، وإلى النقص الكبير في عديد أفراد قوات الأمن والدرك، وإلى الخلل البيّن في تنظيمها والتنسيق بينها وبين الجيش الوطني، وعدم التساوي في انتشارها بين المحليات. فقد كان هناك غياب للقوات الأمنية في 36% من البلديات، ونسبة أفراد الدرك والشرطة بلغت عنصرًا واحدًا لكل 758 ساكنًا على المستوى الوطني، في حين أن المعيار الدولي هو 1/400. وبصفة عامة فقد بلغ العدد الإجمالي لقوات الدرك 2195 عنصرًا، ونحو 22 ألف عنصر شرطة، وذلك ما يرفع إجمالي عدد قوات الأمن العام البوركينابية إلى نحو 219 27 عنصرا.[4] وقد تكون هذه الأرقام قد حدث فيها بعض الخلط، بين عدد قوات الأمن (الشرطة والدرك)، والقوات العسكرية. ذلك أن بعض المصادر الأخرى، تشير إلى أن عدد جنود القوات المسلحة في عام 2024 يتراوح ما بين 15 ألف و20 ألف عنصر، مسنودة بنحو 50 ألف عنصر من متطوعي الدفاع الوطني.[5] ويشير المصدر نفسه، إلى أنه في عام 2023 بلغ عدد الجنود 10500 عنصر، وعدد الدرك والشرطة يقدر بـ 5 آلاف.[6]
وتكمن أهم عوامل ظهور المبادرات الأمنية المحلية، في انعدام الاستقرار الأمني والسياسي العام؛ فثمة علاقة جدلية في بوركينافاسو، بين تدهور الأوضاع الأمنية، وعدم الاستقرار، وحدوث الانقلابات العسكرية والانتفاضات الشعبية؛ فعدم قدرة النخب السياسية الحاكمة على تمرير المراحل التي شهدتها البلاد منذ استقلالها، للوصول إلى توافقات جامعة وثابتة، أدت إلى كثرة الانقلابات العسكرية وتتاليها؛ فمنذ الاستقلال عن فرنسا عام 1960 شهدت بوركينافاسو ثمانية انقلابات، كان آخرها الذي قام به الرئيس الحالي إبراهيم تراوري في 30 سبتمبر عام 2022، [7] لكن عمومًا، لم تكن الانقلابات العسكرية تقع ضد أنظمة مدنية، عاجزة عن مواجهة انهيار الأوضاع الأمنية في بعض المناطق فحسب، بل كانت أيضًا تقع ضد سلطة عسكرية أخفقت في مواجهة الانهيارات الأمنية والسياسية ومكافحة الإرهاب،[8] إلى درجة الاعتقاد أن الدولة بكل مؤسساتها السياسية والأمنية، تمثل حالة نموذجية للدولة الفاشلة، التي تخلت عن وظائفها السيادية لصالح أطراف دون الدولة.
أما بالنسبة للبدايات التاريخية الفعلية لمجموعات الدفاع الذاتي، فتختلف المصادر في تحديد تاريخ نشأة مجموعات الدفاع الذاتي في بوركينافاسو، أو ما يمكن تسميته بلجان “اليقظة” عمومًا، وخاصة منها “الكوجلويجو” koglweogo، ولعل ذلك يعود إلى عدم وجود اتفاق حول تعريف وتحديد مواصفات الظاهرة، وحصر سياقات بروزها، وتحديد أسباب نشأتها، أو انتشارها، وما إن كانت المبررات أمنية اجتماعية، أو هي سياسية، ومرتبطة بأحداث على علاقة بتدهور الأوضاع الأمنية، في ظل عجز مؤسسات الدولة عن تأمين التداول السلمي على السلطة، وقصور أجهزتها لاحقًا على التصدي للحركات الإرهابية.
ويمكننا إرجاع تاريخ نشأة هذه المجموعات إلى مطلع الألفين، وخاصة ابتداء من عام 2013 فقد تجد لها بعض الجذور تعود إلى ما قبل التشكل الحديث للمجتمعات المحلية، وبالتالي تستفيد من تقاليد عرفية قديمة، تتعلق بالزعامة التقليدية في مجتمعات ما قبل حديثة، كانت تتولى الكثير من الوظائف السلطوية المحلية، باعتبار أنها تقوم في مناطق ريفية طرفية. وقد لوحظ في كثير من الحالات، أن هذه الجماعات تدخل القرى بتعاون الزعامات المحلية العرفية وإشرافها، في حين أنها قد تعامل بنوع من الحذر الشديد من هيئات السلطة الرسمية[9].
ويمكن القول إن التنظيمات القروية التقليدية، التي استمرت بصورة أو بأخرى خلال المرحلة الاستعمارية، وتم توظيفها من قبل الإدارة الاستعمارية في صورة لجان قروية، للدفاع الذاتي،[10] تحولت في مرحلة بناء الدولة الوطنية إلى إحدى صور استدعاء الدولة لجهود المواطنين للقيام بوظيفة “أمنية” معترف بها لكنها غير رسمية. وقد ظهرت هذه الأخيرة في السبعينيات من القرن الماضي مع “لجان اليقظة” في بعض المدن، التي كانت تتولى وظيفة الأمن الليلي دون حمل أسلحة نارية، وهي مهمة طوعية لا تترتب عليها رواتب أو أجور تدفعها الدولة[11].
وعلى الجانب الآخر، ترى بعض المصادر الأكاديمية، بعض أوجه الشبه في تاريخ نشأة وتطور مجموعات “كوجلويجو” koglweogo ، مع ما حدث أثناء حكم الرئيس توماس سانكارا في ثمانينيات القرن الماضي؛ ففي عام 1983 اتخذ سانكارا قرارًا بتأسيس “لجان حماية الثورة” عبر عملية أطلق عليها “اللامركزية الأمنية”، تمثلت في نوع من منح تفويض للأهالي بالقيام ببعض الوظائف الأمنية، وبالتالي إمكانية امتلاك السلاح واستخدامه بترخيص من الدولة. وبالرغم من أن هذا يعدُّ اعترافًا رسميًّا بالاستعانة بما يشبه “الميليشيات”، لدعم المجهود الرسمي في مجال الأمن، وسد ثغرات التقصير أو الفشل الحكومي، في أداء بعض الوظائف، فقد رأى توماس سانكارا أن عمل “لجان حماية الثورة”، هو بمثابة إجراء مؤقت، وأنه يمثل إجراءً غير معترف به ضمن آليات عمل الدولة[12]. وتذهب مصادر أخرى إلى تأكيد أن فصائل الدفاع الذاتي الحديثة، وبصورتها الحالية، ظهرت في التسعينيات من القرن الماضي، ثم تكاثرت في العشرية الأولى من الألفية، إلى حد أن اعترفت بها الدولة عام 2005م[13].
ويعود سياق البروز الطاغي للمبادرات المحلية ذات الطابع الأمني إلى التداعيات المباشرة لسقوط نظام الرئيس بليز كومباوري عام 2014 وقد تم ذلك إثر ثورة شعبية نهاية شهر أكتوبر عام 2014 أدت إلى وضع حد لحكم الرئيس كومباوري الذي امتد 27 عامًا. وقد أدى سقوط النظام إلى تفكك الروابط السلطوية وملحقاتها التي كانت تابعة له في القرى والأرياف، وذلك ما ترك مناخًا من انعدام الأمن، وانتشار مظاهر العنف الاجتماعي حتى في المدن الكبرى، ودخلت البلاد في مرحلة انتقالية، اتسمت بنوع من بدايات تفسخ العلاقات والروابط الاجتماعية، وعجز منظمات المجتمع المدني والأحزاب التي تولت مهمة تأمين السلطة الانتقالية؛ وهذا بدوره أدى إلى وقوع محاولة انقلابية عسكرية فاشلة، قادها الجنرال جيلبير دياندري على الحكومة الانتقالية في سبتمبر عام 2015م[14].
ومهما يكن من أمر، فالثابت أن قوات حفظ الأمن (من الشرطة والدرك)، ليست لديها القدرة الكافية، ولا التأهيل المطلوب، ولا الوسائل اللازمة للقيام بوظيفة حفظ أمن الناس والممتلكات[15]. وأن المبادرات الأمنية الأهلية – بما في ذلك شركات الأمن في القطاع الخاص – تلقى انخراطًا وتأييدًا شعبيًّا كبيرًا. وهذا ما أشار إليه الرئيس روك مارك كريستيان كابوري عام 2016م بالقول: إن “80% من ساكنة الريف يوافقون على وجودها – أي مبادرات الأمن الذاتي – ويشعرون بالرضا عن إجراءات الحماية الأمنية التي تتخذها”[16]. لذلك كان تقدير السلطة حينها أن هذه المبادرات الأمنية الأهلية نافعة لمجتمعاتها، وللسكان عمومًا، وللدولة أيضًا وخصوصًا في حال التزامها بالقوانين[17].
لكن يبدو أن من الأنسب القول إن جماعات ” الكوجلويجو ” وما شابهها من جمعيات أخرى، مرت عبر تاريخها بمراحل مختلفة، واستجابت لظرفيات اجتماعية وسياسية متنوعة، فاختلفت أهدافها وتشكلاتها؛ وذلك ما جعل دراستها كظاهرة سوسيو- سياسية مسألة معقدة.
ثانيا – أهم فصائل مجموعات الدفاع الذاتي “كوجلويجو ودوزو ”
أثار تناسل هذه الجمعيات نقاشًا أكاديميًّا، على مستوى النخب الجامعية والبحثية، لكنه طرح أيضًا حوارات محلية ومجتمعية، خصوصًا بين النخب السياسية والإعلامية المحلية، حول عوامل نشأتها، وسرعة انتشارها، وطبيعة عمل هذه الجماعات، وأدواتها، ونتائج اقتحامها لمجال يفترض أنه من الوظائف السيادية للدولة، وخاصة مسألة شرعية العنف وحمل السلاح، وبالتالي تداعيات انخراطها في النزاعات المحلية أو الإثنية، وفي معركة مكافحة الإرهاب.
وتتحدث بعض المصادر، عن وجود ما لا يقل من عشرة آلاف قرية أو محلة في بوركينافاسو، ووجود ما لا يقل عن مبادرة أمنية محلية واحدة في 90% من القرى[18]، علمًا أن ثلاثة أرباع السكان -بحسب الإحصاء الرسمي لعام 2019- يصنفون ساكنة ريفية[19]، والمناطق الريفية هي المعنية الأكثر بالمبادرات الأمنية للمجتمعات المحلية. وسنتعرض هنا إلى أهم الهياكل الأمنية المحلية، وحيثيات تعاملها مع السلطات الرسمية وأجهزة الدولة.
ويمكن تصنيف المجموعات المنخرطة في المجال الأمني، المحلي أو الجهوي، إلى ثلاثة فصائل، أولها الكوجلويجو المذكورة أعلاه، وهي الفصيل الأهم، وقد تكون التأسيسي للبقية. والثانية، ميليشيات مجموعات الصيادين “دوزو” الناشطة في غرب البلاد، ومنها ميليشيات “دان نان أمباساغو” ( Dan Nan Ambassagou )، العاملة أساسًا في شمال البلاد ووسطها، وثالثها، جمعيات “الروغا” (Rugas )، وهي جمعيات مهنية خاصة بمربي الماشية، ونهتم هنا بالأولى والثانية فقط.
أ- جماعات الكوجلويجو
تتكون كلمة “كوجلويجو” Kogl-weogo من الفعل كوجل “Kogl” في لغة الموري -لغة إثنية الموسي- الذي يعني “المحافظة أو الحماية”، وكلمة ويجو “Weogo” التي تعني “الأدغال/البلد”[20] . وقد شهدت ظاهرة الكوجلويجو تطورًا كبيرًا من حيث الأهمية الميدانية والوظيفية، وسعة الانتشار؛ إذ كانت عناصرها في البداية تعمل بطريقة “المخبرين” لصالح الأجهزة المحلية، فإذا ما أمسكوا بسارق أو مشتبه به فإنه يُسلم إلى الشرطة. لكن، وبسبب ما يقولون إنه تراخ من أجهزة الأمن، أصبحوا هم من يقومون بالتفتيش وإلقاء القبض والتحقيق والمحاكمة وسجن اللصوص، بل في بعض الأحيان، يقومون بنصب نقاط تفتيش على المسارات والمسالك في الغابات[21].
وتذهب أبرز الدراسات إلى أن تاريخ تأسيس الكوجلويجو، كما هي معلومة اليوم، تعود إلى عام 2005 عندما تشكلت أولى فصائلها الريفية في منطقة (ياتنغا-(Yatenga ، التي تقع في شمال المنطقة الوسطى المحادة لجمهورية مالي[22]. ثم تم تأسيس مجموعة حضرية في العاصمة واغادوغو عام 2013، ومع سقوط نظام الرئيس بليز كومباوري عام 2014 انتشرت مجموعات الكوجلويجو في الكثير من الجهات[23].
وتقدر بعض المصادر عددهم عام 2020م بنحو خمسة وأربعين ألف عنصر[24]، أغلبيتهم الساحقة من الرجال، ونادرًا ما تشترك معهم النساء، لكن ذلك قد يحدث في بعض المناطق. وتظهر هذه الجماعات بمبادرات ذاتية، وتجمع بين عناصر شابة ومبتدئة في المجال الأمني الذاتي، وأخرى ذات خبرة سابقة، وهذه الأخيرة تقوم بتأطير الفئة الأولى. ويُقدر عددها بنحو 4400 خلية على طول مساحة البلاد عام 2020م[25]. وتستقطب هذه الجماعات رجالها من أوساط الرعاة، أو مربي الماشية، والمزارعين؛ لذلك فإنها تاريخيًّا قد انطلقت من المناطق النائية والريفية القصية نحو المراكز شبه الحضرية. ومن الناحية الجغرافية تتمركز هذه الجماعات أساسًا في منطقة الوسط الشمالية، والوسط الشرقي، والشرق، وبعض المناطق الوسطى، والجنوبية، والهضبة الوسطى. ويمكن القول إنها تنتشر بصفة عامة في المناطق الشرقية والشمالية والجنوبية، وبعض نواحي الوسط[26]، أما في بقية جهات البلاد فتنافسها مجموعات أخرى مختلفة عنها من الناحية الإثنية، بالرغم من أن الكوجلويجو تنفي عنها أية انتماءات عرقية، وتسعى إلى تعبئة عناصرها من مختلف الشرائح الاجتماعية.
ويبدو أن بعض عناصر هذه المجموعات قد يكونون هم أنفسهم من بين “المجرمين” السابقين الذين تحولوا إلى ممارسة ما يشبه وظيفة أعوان “حماية” أو “حراسة “، خصوصًا أنهم يعرفون أسرار مجتمع اللصوصية وأساليب عمله[27].
وعلى الجانب الآخر، تقوم هذه الجماعات بدور الوساطة في النزاعات بين الأفراد أو الجماعات؛ فكانت الدولة تستعين بها للضبط والقمع والمواجهة، أو الحصول على معلومات حول المجرمين والخارجين عن القانون.
وتراوحت العلاقة مع الدولة عمومًا، ومؤسساتها وأجهزتها المحلية، مع هذه الجماعات ما بين التعاون، والتكامل، والحذر، والتجاهل، والصدام في بعض الأحيان[28]. وهذا التذبذب في العلاقة يختلف من منطقة إلى أخرى، ومن جماعة إلى أخرى أيضًا، لكن لا يمكن تعميم طبيعة العلاقة التي تربط مؤسسات الدولة بكل جماعات الكوجلويجو، كما أن التعاون بين الطرفين من عدمه يعود إلى طبيعة المرحلة التي تمر بها البلاد، ونوعية التحديات التي تشهدها، وكذلك شخصية القيادات التقليدية المتزعمة للكوجلويجو، وتقييمها للمرحلة، وما تتضمنه من مكاسب، أو تجره من مخاطر.
ففي عهد سانكارا مثلًا، كانت الدولة قد أشاعت نوعًا من المناخ المعادي للزعامات التقليدية، التي كان ينظر إليها بوصفها “قوى متخلفة ورجعية”[29]، ومعلوم أن شبكات الزعامات التقليدية، سواء كانت اجتماعية أو دينية – في المناطق الريفية – هي التي تقف وراء تأسيس “مجموعات الدفاع الذاتي”. لكن في المقابل، استعان النظام الحاكم الذي أقامه سانكارا بـ “لجان الدفاع عن الثورة”. ولئن كانت هنا الآلية متشابهة إلا أن عملية التوظيف مختلفة، لكنها تثبت في كل الحالات، استعانة الدولة بلجان شعبية، نتيجة عجزها عن القيام بوظائفها السيادية.
وقد أدى اعتراف الدولة بمحدودية قدراتها في أداء وظائفها الأمنية ليس فقط إلى الاعتراف الضمني بالمجموعات، ولكن أيضًا إلى القبول بنجاعة وفعالية عمل الكوجلويجو في المجال الأمني. وفي هذا السياق جاء قول وزير الدولة للأمن الداخلي يوم 7 مارس عام 2016: “يجب أن تعمل مجموعات الدفاع الذاتي “الكوجلويجو” بصورة قانونية تمامًا، وأن تبدأ بالحصول على الاعتراف، ولا يمكننا أن نفكر للحظة واحدة أنَّ من الممكن للدولة المركزية أن تقوم بتثبيت فرق من الدرك في كل قرية، فمواردنا البشرية والمادية محدودة”.[30] وذكر أيضًا أنه “يوجد في البلاد 8900 قرية، ولا يمكن لقوات الأمن أن توجد في كل مكان، لذلك نحتاج إلى مساندة من الميليشيات، ولكن يجب أن يتم تأطيرها”[31]. وفي الوقت الذي كان الوزير يُصرح بهذه العبارات، كانت الدولة غائبة عن ربع مساحة البلاد. ويضيف الوزير: “إن الأنظمة الأمنية والقضائية التي وضعتها الدولة في العديد من المحليات، لا تسمح بحماية الناس وممتلكاتهم، وهي تترك السكان لحالهم في مواجهة المنحرفين؛ وذلك ما يعطي شرعية معينة لمجموعات الدفاع الذاتي”[32].
ب- مجموعات الصيادين “دوزو ” Dozo
تنتشر روابط الصيادين الملقبة بـ”دوزو”، التي تعني في لغة البمبارا “الصياد” في عدة دول من إفريقيا الغربية، مثل: ساحل العاج، ومالي، وبوركينافاسو. وفي هذه الأخيرة، يتمركزون في المنطقة الغربية بخاصة؛ لذلك تذهب بعض المصادر إلى أنه في عام 2016 كانت روابط الكوجلويجو تنتشر في مختلف أنحاء البلاد، باستثناء المنطقة الغربية وإقليم الشلالات، حيث توجد مجموعات “الدوزو”[33].
ومن الناحية الثقافية، ينتمي أغلب الدوزو إلى الشعوب الناطقة بلغة الماندينغ، لذلك لا يمثلون انتماءً إثنيًّا بعينه، بل ينحدرون من إثنيات مختلفة. كما أن الانتماء للدوزو يُعد عادة متوارثة، لكنه ليس بالحصري، فهي جماعة منفتحة، وذلك ما يجعل الانتماء إليها تقليدًا اجتماعيًّا وثقافيًّا أكثر منه انتماءً إثنيًّا مغلقًا[34]، خصوصًا أن هذه الجماعة تشتهر بمعرفتها الدقيقة بالأعشاب الطبية في المناطق التي تسكنها، وهذا ما يبرر اعتماد تسمية “ثقافة الدوزو” من جهة، ومن جهة ثانية جعلهم يمارسون الطب التقليدي[35]، وتنعكس هذه الثقافة على بعض الطقوس والعادات التي يقومون بها قبل القتال؛ وذلك ما أدى إلى استنتاجات ميدانية سلبية بخصوصهم، تذهب إلى أنهم ليسوا بمقاتلين ماهرين، بسبب اعتمادهم على أعراف وطقوس هي أقرب للسحر والشعوذة، لا سيما أن بعضهم ينقصه التدريب على التعامل مع السلاح والقتال، وسوء التجهيز لذلك[36].
ومن ثم، فإن ثقافة الدوزو تُعد مزيجًا من الطقوس والأعراف الإفريقية الإحيائية المتوارثة والثقافة الإسلامية[37]، لكن ذلك لا يعني أن جميعهم يعتنق الديانة الإسلامية، بل إن بعض مجموعاتهم ينتمي إلى الديانة المسيحية وأخرى تتبنى العقائد الإفريقية التقليدية، لكن “تجمعهم قيم الصيادين حماة نباتات وحيوانات الغابة”[38]. وتذهب بعض المصادر المحلية إلى أن جماعة الصيادين “دوزو” تعود إلى بعض الأساطير الإفريقية المؤسسة، وأن ظهورها وبداياتها قد تعود إلى القرن الثالث عشر الميلادي[39]، حيث كانوا يقومون بوظائف الأمن والضبط في مناطق انتشارهم، نظرًا لضعف حضور أجهزة الدولة أو النقص في فعاليتها.
وبحسب بعض التقارير فقد بلغ عدد صيادي الدوزو عام 2023 نحو خمسة آلاف عنصر في غرب البلاد[40]، إلا أن المسؤولين على روابط الدوزو يعلنون أرقامًا أعلى بكثير من هذه؛ فالاتحاد الوطني للدوزو، الذي يقوده علي كوناتي، يزعم أن أعداد منتسبيه تبلغ 17 ألف عنصر، منضوين في 172 رابطة أخوية[41]. وفي النهاية سينتقل عناصر روابط الدوزو إلى مقاتلين مع الجيش الوطني، مثلهم في ذلك مثل جماعات “كوجلويجو”.
ثالثًا – مواجهة الحركات الإرهابية وظهور متطوعي الدفاع الوطني
بدأت العمليات الإرهابية في بوركينافاسو تتكثّف ابتداءً من عامي 2015-2016، وكان ذلك على أيدي كل من “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” الموالية لتنظيم القاعدة، و”داعش” (تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية الساحل)، ومع تأسيس ميليشيا “متطوعي الدفاع الوطني” أصبحت الأطراف المتقاتلة ثلاثة أطراف، هي: الجيش البوركينابي، والجماعات “الجهادية” المسلحة، والميليشيات المدنية المجندة.
فبالنسبة لظهور ما يسمي بالجيش الرديف: ميليشيا “متطوعو الدفاع عن الوطن-VDP“[42]، فقد وَجدت مجموعات الكوجلويجو نفسها في مواجهة مع الحركات الإرهابية منذ عام 2017 وبما أن الدولة عجزت عن احتواء العمليات المسلحة للحركات المتطرفة، فقد لجأت إلى تجنيد جماعات الكوجلويجو، وكذلك الدوزو، باعتبار أنها هيئات منظمة ومسلحة، وإن كان سلاحها بدائيًّا، وأنها منتشرة على أغلب تراب الجمهورية[43]. وقد تم تحديد وضع “متطوعي الدفاع عن الوطن” بموجب قانون يعود إلى تاريخ 21 يناير 2020، ويُعرّف المتطوع بأنه “شخص من جنسية بوركينابية، مساعد لقوات الدفاع والأمن (FDS)، يخدم طوعًا المصالح الأمنية لقريته أو منطقة إقامته[44]“. وقد كان ذلك استجابة لتدهور الأوضاع الأمنية بسبب تعدد العمليات التي تقوم بها الجماعات المتشددة المسلحة.
وقد حُددت مهام تشكيلات الدفاع عن الوطن (VDP) حسب ما حددتها السلطة، بأنها دعم ومساعدة السلطات وقوات الأمن والجيش، في الاستطلاع والاستخبار، والتوقع للعمليات الإرهابية على المستوى المحلي[45].
وقُدر عددهم عام 2022 بـ 28 ألف عنصر[46]، وقد أُسست بقرار من الرئيس روش كابوري في شهر يناير 2020 وذلك على إثر عملية قامت بها “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” راح ضحيتها 40 قتيلًا، فكان التوجه الذي تبنته الدولة يتمثل في تعبئة شعبية للدفاع عن البلاد ضد التطرف المسلح، ووضعت هذه المجموعات تحت إشراف وزارة الدفاع، وقد اشترك في هذه التشكيلة الجديدة “متطوعو الدفاع عن الوطن”، وعناصر تنحدر من مجتمعات محلية عدّة، وبالأساس من “إثنية الموسي”. وتم تقسيمها إلى قسمين، يمثل القسم الأول تشكيلات تعمل على مستوى الوطن كله ويعمل القسم الثاني على مستوى المحليات، لكن مع تطور الأحداث سيتم التركيز على المناطق الحضرية خشية التهديدات الإرهابية، في حين تم توجيه المتطوعين إلى المناطق الريفية، وهي أكثر تماسًّا مع الجبهات المفتوحة مع الإرهاب. وجاء تأسيس هذه الكتائب المدنية وتسليحها، في إطار تطوير للقوى الأمنية، من أجل إدماج الهياكل الأمنية المحلية لمبادرات الدفاع الذاتي، استجابة لاستراتيجية شاملة، لمواجهة التحديات الأمنية على مستوى الوطن[47].
وقد بذلت الدولة جهودًا كبيرة في مكافحة الإرهاب؛ فمع وصول العقيد الملازم، جان بول داميبا، للسلطة -دامت فترة حكمه 8 أشهر فقط- تم تكثيف القصف الجوي (نحو 200 ضربة جوية، والقضاء على أكثر من 1300 مسلح متمرد) على قواعد الحركات المسلحة المتمردة، إلا أن الاعتماد على المقاتلين من تشكيلات متطوعي الدفاع الوطني كان محدودًا.
ومهما يكن من أمر؛ فإن الجهود الحكومية التي بُذلت لصد الهجمات المسلحة المعادية للدولة، لم تكن موفقة، وتلقت الاستراتيجية الدفاعية الحكومية فشلًا في مواقع مهمة، في وجه عمليات كل من “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”، التي استطاعت في شهر أغسطس عام 2022 السيطرة على مدينة “سولينزو” عاصمة إقليم بانوة[48]، كما تلقت ضربة موجعة في نهاية سبتمبر عام 2022 في قرية جاسكيند، بكمين نصبته جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وراح ضحيته العديد من أفراد الجيش ومتطوعي الدفاع الوطني، وكانت بمثابة مجزرة في صفوف قافلة للجيش كانت متجهة لتموين مدينة دجيبو في إقليم السوم في شمال البلاد، التي كانت محاصرة من قبل مقاتلي جماعة النصرة[49]. وجاءت هذه العملية بعد أحداث دامية أخرى استهدفت مناطق ومواقع عدة، خصوصًا بالقرب من المثلث الحدودي، أثارت تساؤلات عدّة حول حدود التناغم والتنسيق بين مختلف أجسام القوى الحاملة للسلاح، والخلافات الموجودة بين النخب والقيادات العسكرية والسياسية. وقد تكون هذه الحادثة بالتراكم مع سابقاتها في عهد الرئيس داميبا، أحد أسباب الانقلاب عليه، خصوصًا أن استراتيجيته كانت تعتمد على المواجهة العسكرية من جهة، ومصحوبة ببعض المبادرات السياسية، والتوجه نحو التفاوض مع بعض الجماعات المسلحة من جهة ثانية. أما تقييم تجربة الاعتماد على مقاتلي “متطوعو الدفاع الوطني” فقد كانت سلبية في عمومها، وفي هذا السياق حدث الانقلاب الذي قاده النقيب إبراهيم تراوري.
وقد قام هذا الأخير بتغيير جذري في استراتيجية المواجهة والانتقال نحو الحرب الشاملة ضد الجماعات المسلحة، وذلك ما تطلب الدعوة لتعبئة شعبية عامة، وتوجه القيادة نحو تجنيد 50 ألف مقاتل في جسم “متطوعو الدفاع الوطني”، مع الاهتمام أكثر من السابق بتحسين وضعهم المادي والتدريبي والتسليحي[50]. ويبدو أن هذه الدعوة الرسمية قد لقيت تجاوبًا شعبيًّا كبيرًا، إذ أشارت بعض المصادر إلى أن الذين تقدموا للتطوع بلغ عددهم 90 ألف عنصر، وأطلق على هذه الهيئة “لواء اليقظة والدفاع الوطني-patriotique”[51].
وربما سيعيد القائد أو الكابتن إبراهيم تراوري، تعريف دور ومهام تشكيلات الدفاع الوطني، ويخرجها من مجرد مهمة الاستطلاع، وجمع المعلومات المحلية، والدعم غير المباشر لقوات الأمن والجيش، إلى الدفع بها إلى الخطوط الأمامية للقتال. ومنذ البداية كانت المآخذ على هذه الخطة في تسليح المدنيين، تتعلق بعدم خبرتهم، ورداءة تسليحهم، ووضعهم المادي المتردي؛ فمدة التدريب لا تتجاوز الأسبوعين، كما أن قدرات الدولة في توفير الأسلحة والذخائر لهذا العدد الكبير من المقاتلين قد لا تكون كافية[52].
وإن كان ثمة بعض النتائج لهذا الاعتماد الكبير على الجسم المسلح للمتطوعين، على مستوى الجبهات والإنجاز العسكري، فإنها محدودة، إلا أن الأكيد هو أنها أثارت وسعّرت نزاعات بين بعض الإثنيات[53]، خاصة أن الفولاني شعروا أنهم أكثر استهدافًا من غيرهم، من طرف “متطوعي الدفاع الوطني” بسبب” شبهة “دعمهم الجماعات المتطرفة، ولاسيما أن جبهة تحرير ماسينا -أحد مكونات جماعة نصرة الإسلام والمسلمين- كل عناصرها تقريبًا من الفولاني، كما تم استهداف ساكني القرى التي رفضت المشاركة في التعبئة الشعبية العامة، التي كان أعلنها الرئيس. وفي المقابل أدى ذلك إلى ردود فعل عنيفة ودامية من قبل المسلحين المتمردين، ضد القرى التي يعتقد أن أبناءها شاركوا بكثافة في صفوف “متطوعو الدفاع الوطني”[54]. وعلى العموم، ومنذ البداية في عام 2020 كان هناك خلط بين الفولاني والعناصر الجهادية؛ لذلك حدث أن استبعدت في بعض المناطق إثنية الفولاني من المشاركة في قوات متطوعي الدفاع الوطني، وكان يُنظر لهم بعين الريبة، والتشكك في نواياهم، بل ذهبت الجهات الرسمية إلى إجراء مسح أمني لكل من يتقدم للانخراط في قوات هذه التشكيلات المدنية المسلحة المستحدثة[55]. وتشير بعض التقارير إلى أنه منذ عام 2022 كان أغلب المنخرطين في كتائب متطوعي الدفاع الوطني ينحدرون من إثنيات الموسي، والجورمانش، والفولسي[56]. وهكذا وبالتدريج تحول الجيش الوطني في أغلبه من مؤسسة محترفة بالأساس إلى هيكل رسمي يعتمد بين صفوفه على مجموعات كثيرة من الناحية العددية وغير محترفة من حيث النوعية، وقائمة على أساس فرز إثني.
ثالثًا- عوامل وتداعيات ضعف الجيش الوطني
لقد تعرضت القوات المسلحة البوركينابية لعمليات تطهير عديدة، إثر كل انقلاب عسكري، أو تغيير جذري يقع على مستوى أعلى الهرم السياسي للدولة، وهذا ما أضعف من قدرات الجيش وجهوزيته النوعية. وهنا نذكر أنه وقعت عدة عمليات لتصفية الخصوم من بين أعلى الرتب العسكرية منذ سقوط نظام “بليز كومباوري”، وإلى حد السنوات القليلة الأخيرة؛ فالمحاولة الانقلابية الفاشلة التي جرت عام 2015 أدت إلى حل فوج الأمن الرئاسي الذي كان – إلى جانب أنه يمثل الحماية الرئاسية – جهاز استخبارات فعال ومهم جدًّا[57]، وكان يمثل 10% من القوات المسلحة[58]. إضافة إلى وجود تنافس بين الشرطة والقوات العسكرية، منذ فترة المرحلة الانتقالية 2014-2015؛ وذلك ما زاد في إضعاف التنسيق والتناغم الميداني[59]، وستستمر هذه السمة لاحقًا بين متطوعي الدفاع الوطني والقوات العسكرية، وقد تكون قائمة إلى حد الوقت الراهن؛ وذلك لأسباب عدّة من بينها: سوء الأوضاع المادية للمتطوعين من المدنيين، ورداءة تسليحهم، ووضعهم في الخطوط الأمامية على جبهات القتال.
ومع انقلابي هنري داميبا، ثم إبراهيم تراوري، استمرت عمليات التصفية لضباط من الرتب العليا، ولعل آخرها كانت عملية عزل لستة عشر ضابطًا من قبل الرئيس تراوري، كانوا مقربين من الرئيس السابق داميبا، وذلك في نهاية شهر أكتوبر عام 2024م[60]. ونلاحظ في هذا الصدد حدوث انهيار للنظام الأمني العام، وفقدان جزء مهم من مهنية الأجهزة الأمنية والعسكرية بشكل مبكر[61]، وقد تظل الدولة تعاني من ذلك وتراكماته لعدّة سنوات قادمة.
وفي سياق دعم القوات المسلحة ورفدها بأعداد جديدة من المجندين، أعلن في نهاية شهر أكتوبر عام 2022 عن توظيف ثلاثة آلاف عنصر في الجيش الوطني، وكانت هذه المرة الثانية التي تتم فيها عملية توظيف في صفوف الجيش بمثل هذا المستوى، خلال عام 2022 في الوقت الذي كان فيه تعداد الجيش يبلغ حسب مصادر صحفية محلية وعالمية ثلاثين ألف عنصر[62]، وقد أشار الرئيس تراوري في شهر أكتوبر عام 2024 إلى أنه ومنذ وصوله للسلطة، وفي غضون سنتين، تمكن من توظيف ثلاثين ألف عنصر جديد في الجيش الوطني[63].
ولا يعني لجوء الرئيس إبراهيم تراوري إلى الحرب الشاملة على الإرهاب أنه لم يضع في استراتيجيته رافعات سياسية مرافقة للعمل العسكري؛ ذلك أن التعبئة الشاملة للأهالي في وجه الحركات المسلحة، تستدعي أيضًا تعبئة سياسية، لا تتم سوى عبر حوار وطني شامل، خصوصًا مع مختلف المكونات العسكرية والمقاتلة، بما في ذلك عناصر الدفاع الوطني ( VDP)، وممثلون عن الأحزاب وجمعيات المجتمع المدني، كما دعا إلى دعم شعبي للمجهود العسكري الوطني عبر الدعم المادي الشعبي[64].
ومهما يكن من أمر، فإن موجة العنف التي انطلقت في عامي 2015 و2016 ماتزال تعصف بحياة الآلاف من المدنيين. وأن تجنيد وتسليح أعداد كبيرة من المدنيين، أو استخدام الهياكل الأهلية التقليدية المسلحة، لمواجهة المتمردين المسلحين، قد يكون زاد من أحداث العنف، وحفّز النزاعات الإثنية، وعممها في مناطق كثيرة.
وتشير التقارير الأممية إلى أن عدد المدنيين القتلى، جراء المواجهات المسلحة والعمليات الانتقامية، بين كل الأطراف المتقاتلة، بلغ 6 آلاف بين يناير وأغسطس عام 2024 في حين بلغ عدد المهجرين داخليًّا، جراء العمليات الحربية، مليونين ومائة ألف شخص، ومائتي ألف آخرين نزحوا نحو البلدان المجاورة[65]، بينما ذكرت تقارير أخرى أنه بين 10 يونيو عام 2023 و 21 يونيو عام 2024 شهدت بوركينافاسو 1542 حادثة قتالية[66]، وكانت أكثر المناطق التي سقط فيها أكبر عدد من ضحايا القتال والعنف، هي تلك التي يسكنها الفولاني شرقي البلاد (1878 ضحية)، مقابل (1692 ضحية ) في منطقة الساحل، و(1409 ضحايا) في منطقة وسط الشمال[67].
وتقدر المصادر الرسمية، مطلع عام 2025، أن 30% من مساحة البلاد ماتزال خارج سيطرة الدولة[68]، وكان الحديث منذ عام 2022 عن أن أكثر من 40% من التراب الوطني يقع تحت سيطرة الحركات المسلحة المناهضة للدولة[69].
وحتى المناطق التي استطاع الجيش البروكينابي استرجاعها، فإنها ماتزال موقع استهداف مكثف من قبل المسلحين، وذلك مثل مدينة دجيبو في إقليم السوم، التي ظلت محاصرة لمدة 3 سنوات، واستهدفت في مطلع شهر فبراير من هذا العام (2025). وكان من بين القتلى والجرحى عدد مهم من مقاتلي “متطوعي الدفاع الوطني” والجيش[70].
خاتمة
إن الصراع الحقيقي الذي تعيشه مجتمعات بوركينافاسو، والدول الشبيهة لها في غربي إفريقيا (مالي والنيجر)، يتمثل في انعدام وجود اتصال وحوار مقنع بين مستويات أو دوائر ثلاث، هي مؤسسات الدولة، والمؤسسات الأمنية الأهلية، والفئات الاجتماعية الهشة. وتعطل الحوار بينها، جعل الأخيرة تشعر أنها مستهدفة من الأولى والثانية من جهة. وجعل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، تشعر أيضًا أن وظائفها مستهدفة من طرف الشباب المهمش وبعض الفئات الإثنية، وبالتأكيد يوجد أحيانًا تعاون بين “أدوات الأمن الأهلي”، والأجهزة الأمنية الحكومية، لكن في الكثير من الأحيان ثمة حالة تجاهل، تحل محل التكامل بينهما، ولكن يضاف إلى ذلك أيضًا حالة غياب الدولة، وحدوث فراغ أمني ومؤسساتي، يتم استثماره من طرف “المجتمع الأهلي”، العرفي والروحي المتوارث عن الأسلاف. لكن هذا المجتمع الأهلي تحركه مصالح مادية، وأخرى سياسية ضيقة، وجزئية، وسلطوية تقليدية، بل وانتهازية أيضًا، وذلك بحسب انخراط الفئات الاجتماعية المختلفة، ووضعياتها المادية في تشابك أمني واجتماعي مركّب، علاوة على أن أخطر ما في هذه العلاقات المتشعبة بين جميع الأطراف هو أن الدولة مسؤولة عن “تهميش” نفسها بفعل بعض السياسات والكثير من الإجراءات والصراعات بين النخب السياسية من أجل توزيع وتشارك السلطة والموارد؛ وهذا الخلل في العلاقات السلطوية يمثل أحد أهم أسباب استفحال ظاهرة الإرهاب وإخفاق الجيوش الوطنية وروافدها الشعبية في التصدي لها.
[1] Romain Le Cour Grandmaison, et al., Groupes d’autodéfense en réponse à la criminalité et aux conflits en Afrique de l’Ouest : Tirer les leçons des expériences internationals (ABUJA: ECOWAS COMMISSION, 2023), https://globalinitiative.net/wp-content/uploads/2024/01/3.-800850-RR-ISS-OCWAR-T-Vigilantes-FRE-02A.pdf.
[2] Kouraogo Patrice et KABORE Amado, LES GROUPES D’AUTO-DEFENSE « KOGL-WEOGO » AU BURKINA FASO (Accra: African Security Sector Network, 2016), https://africansecuritynetwork.org/assn/wp-content/uploads/2016/12/Les-groupes-dauto-défense-Kogl-Weogo-au-Burkina-Faso-1.pdf.
[3] DCAF – Geneva Centre for Security Sector Governance, Critical Human Security Issues in Burkina Faso(Geneva: DECAF, 2021), p5.
[4] DCAF – Geneva Centre for Security Sector Governance, Etude de Référence sur le Secteur de la Sécurité Privée au Burkina Faso (Geneva: DCAF, 2022), 21, https://www.privatesecurityobservatory.org/media/pdf/baseline-studies/2022-burkina-faso_fr.pdf
[5] Le World Factbook, Burkina Faso (Washington, DC: Le World Factbook, 2025), https://www.cia.gov/the-world-factbook/countries/burkina-faso/.
[6] Le World Factbook, Burkina Faso (Washington, DC: Le World Factbook, 2023), https://www.cia.gov/the-world-factbook/about/archives/2023/countries/burkina-faso/.
[7] “Comprendre le dernier coup d’État au Burkina Faso,” Centre d’études stratégiques de l’Afrique, Novembre 1, 2022, https://africacenter.org/fr/spotlight/comprendre-le-dernier-coup-detat-au-burkina-faso/.
[8] Thurston, A “Military Coups, jihadism and insecurity in the Central Sahel, ” Sahel and West Africa Club (SWAC/OECD), West African Papers 43, (Paris: OECD Publishing, 2024), https://doi.org/10.1787/24142026.
[9] Zakaria SORÉ, “S’adosser à la chefferie traditionnelle pour se développer : la stratégie d’implantation des koglweogo au Burkina Faso.,” Revue africaine et malgache de recherche scientifique, September 2, 2019, 224, https://www.academia.edu/92612228/Sadosser_a_la_chefferie_traditionnelle_pour_se_d%C3%A9velopper_la_strat%C3%A9gie_d_implantation_des_koglweogo_au_Burkina_Faso.
[10] Sten Hagberg, “Performing Tradition while Doing Politics: A comparative study of the dozos and koglweogos self-defense movements in Burkina Faso,” African Studies Review, 62: 1, 2019, https://www.researchgate.net/publication/331726874_Performing_Tradition_while_Doing_Politics_A_comparative_study_of_the_dozos_and_koglweogos_self-defense_movements_in_Burkina_Faso.
[11] Antonin Tisseron, Une boîte de Pandore. Le Burkina Faso, les milices d’autodéfense et la loi sur les VDP dans la lutte contre le jihadisme (Sénégal: Friedrich Ebert Stiftung, 2021), https://library.fes.de/pdf-files/bueros/fes-pscc/17591-20210423.pdf.
[12] Thibaut François, “Édifier l’État par la kalach. Les Comités de défense de la Révolution de Ouagadougou et le maintien de l’ordre,” Ordres et coercitions, Politique africaine, 2: 170, 2023.
[13] Tisseron, Une boîte de Pandore. Le Burkina Faso, les milices d’autodéfense et la loi sur les VDP dans la lutte contre le jihadisme, 10.
[14] Sidney Leclercq and Geoffroy Matagne, “‘With or Without You’: The Governance of (Local) Security and the Koglweogo Movement in Burkina Faso,” Stability International Journal Of Security and Development, 9:1, 2020, https://stabilityjournal.org/articles/10.5334/sta.716.
[15] Ludovic Kibora, et al., “Vers une réforme du système de sécurité burkinabé ?” Fondation pour la recherche stratégique, Sebtmber 26, 2017, https://www.frstrategie.org/programmes/observatoire-du-monde-arabo-musulman-et-du-sahel/vers-une-reforme-systeme-securite-burkinabe-2017.
[16] Patrice et Amado, LES GROUPES D’AUTO-DEFENSE « KOGL-WEOGO » AU BURKINA FASO.
[17] Patrice et Amado, LES GROUPES D’AUTO-DEFENSE « KOGL-WEOGO » AU BURKINA FASO.
[18] Niagalé Bagayoko et Mahamoudou Savadogo, L’architecture de sécurité intérieure burkinabé face à la gestion d’une crise multidimensionnelle (Oslo: Norwegian Institute of International Affairs, 2022), https://www.nupi.no/content/pdf_preview/24809/file/NUPI_Working_Paper_898_BagayokoSavadogo.pdf.
[19] Comité National du Recensement Institut National de la Statistique et de la Démographie, Cinquième Recensement Général de la Population et de l’Habitation du Burkina Faso (Ouagadougou: Comité National du Recensement Institut National de la Statistique et de la Démographie, 2019), https://www.insd.bf/sites/default/files/2023-08/INSD_Rapport_SYNTHESE%20DES%20RESULTATS%20DEFINITIFS_1.pdf.
[20] Patrice et Amado, LES GROUPES D’AUTO-DEFENSE « KOGL-WEOGO » AU BURKINA FASO.
[21] Rémi Carayol, “Burkina : Koglweogo, les justiciers de la brousse,” Jeune Afrique, April 6, 2016, https://www.jeuneafrique.com/mag/313508/societe/burkina-koglweogo-justiciers-de-brousse/.
[22] Melina Kalfelis, “Tricky Violence: Vigilantism as a Moral Experiment in Urban Burkina Faso,” Conflict and Society, 10: 1, 2024, 85, https://www.researchgate.net/publication/386901059_Tricky_Violence_Vigilantism_as_a_Moral_Experiment_in_Urban_Burkina_Faso
[23] “Mouvement d’autodéfense au Burkina Faso : Diffusion et structuration des groupes Koglweogo,” Noria Research, Novembre 15, 2018, https://noria-research.com/africas/fr/mouvement-dautodefense-au-burkina-faso-diffusion-et-structuration-des-groupes-koglweogo/#noria-5208.
[24] Tisseron, Une boîte de Pandore. Le Burkina Faso, les milices d’autodéfense et la loi sur les VDP dans la lutte contre le jihadisme, 15.
[25] “Koglweogo : Miroir d’une faillite d’Etat,” La Libre.Be, 2020, https://dossiers.lalibre.be/koglweogo/index.php.
[26] UNHCR, INTERSOS, MBDHP, ICAHD, ACT Alliance, Christian Aid, ATAD, DIGNUS, SERACOM, UNMGCY, OCHA, Rapport Final Consultations avec les personnes déplacées internes et les communautés hôtes au nom du Panel de Haut Niveau sur le Déplacement Interne, Burkina Faso, Septembre 2020, https://sheltercluster.s3.eu-central-1.amazonaws.com/public/docs/consultations_final_report_pdf.pdf.
[27] Kibora, et al., “Vers une réforme du système de sécurité burkinabé ?”.
[28] Ismaël Compaoré and Heidi Bojsen, “Sécurité d’en bas au Burkina Faso”, Cahiers d’études africaines, 239 | 2020, https://journals.openedition.org/etudesafricaines/31833.
[29] Sten Hagberg et autres, Transformations sociopolitiques burkinabè de 2014 à 2016. Uppsala 2017. Uppsala Papers in Africa Studies 2, 41, https://uu.diva-portal.org/smash/get/diva2:1109664/FULLTEXT01.pdf.
[30] Tisseron, Une boîte de Pandore. Le Burkina Faso, les milices d’autodéfense et la loi sur les VDP dans la lutte contre le jihadisme, 18.
[31] Carayol, “Burkina : Koglweogo, les justiciers de la brousse”.
[32] Mamouda TANKOANO, “Simon Compaore à Propos d’une eventuelle Recuperation politique des Koglweogo : « Celui qui s’amuse, il va se brûler les doigts,” Le Pays, April 25, 2016, https://lepays.bf/simon-compaore-a-propos-dune-eventuelle-recuperation-politique-koglweogo-celui-samuse-va-se-bruler-doigts/.
[33] Patrice et Amado, LES GROUPES D’AUTO-DEFENSE « KOGL-WEOGO » AU BURKINA FASO.
[34] Tisseron, Une boîte de Pandore. Le Burkina Faso, les milices d’autodéfense et la loi sur les VDP dans la lutte contre le jihadisme, 18.
[35] André Tibiri and Others, “Indigenous Knowledge of Medicinal Plants Among Dozo Hunters: An Ethnobotanical Survey in Niamberla Village, Burkina Faso.” Journal of alternative and complementary medicine, 2015.
[36] “Believing they can’t be shot, Burkina Faso hunters confront extremists,” Africa News, August 13, 2024, https://www.africanews.com/2021/04/29/believing-they-can-t-be-shot-burkina-faso-hunters-confront-extremists.
[37] Joseph Hellweg, “Songs from the Hunters’ Qur’an: Dozo Music, Textuality, and Islam in Northwestern Côte d’Ivoire, from the Repertoire of Dramane Coulibaly (Cambridge: Cambridge University Press, 2019), https://2u.pw/r71QQluD.
[38] “Burkina : « La confrérie Dozo ne disparaîtra jamais »,” Burkina 24, Avril 28, 2019, https://burkina24.com/2019/04/28/burkina-la-confrerie-dozo-ne-disparaitra-jamais/.
[39] Gabriel NOAGA, “Mythes, rites, récits initiatiques : à la découverte des chasseurs traditionnels,” Le Faso, Decembre 27, 2004, https://lefaso.net/spip.php?article5274.
[40] Crisis Group, “Burkina Faso: Arming Civilians at the Cost of Social Cohesion?” Crisis Group, December 15, 2023.
[41] Tisseron, Une boîte de Pandore. Le Burkina Faso, les milices d’autodéfense et la loi sur les VDP dans la lutte contre le jihadisme, 19.
[42] VDE= Les Volontaires pour la défense de la Patrie.
[43] Crisis Group, “Burkina Faso: Arming Civilians at the Cost of Social Cohesion?”.
[44] “Burkina Faso : recrutement de 50 000 VDP pour combattre les djihadistes,” African News, August 13 , 2024. https://fr.africanews.com/2022/10/26/burkina-faso-recrutement-de-50-000-vdp-pour-combattre-les-djihadistes/.
[45] حوار الرئيس روش مارك كابوري مع كل من قناة فرنسا الدولية ( RFI ) وقناة فرنسا 24 (France 24) بتاريخ 15 أكتوبر 2020 بالعاصمة واغادوغو. نشر النص الكامل على موقع (aOuaga.com )
“Dossier Thomas Sankara « Il y aura un jugement », Roch Marc Christian Kaboré, Président du Faso,” Octobre 10, 2020, http://www.aouaga.com/m/actualites/article.asp?ID=131022.
[46] Héni Nsaibia, “Actor Profile: Volunteers for the Defense of the Homeland (VDP),” ACLED, Mars 26, 2024. https://acleddata.com/2024/03/26/actor-profile-volunteers-for-the-defense-of-the-homeland-vdp/
[47] Nsaibia, “Actor Profile: Volunteers for the Defense of the Homeland (VDP),” ACLED>
[48] “Burkina : l’armée reprend une ville à la veille de l’indépendance,” Journal du Tchad, December 11, 2022, https://journaldutchad.com/burkina-larmee-reprend-une-ville-a-la-veille-de-lindependance/.
[49] “Terrorisme. Burkina Faso : que s’est-il réellement passé lors du massacre de Gaskindé ? “ Le Courrier International, Septembre 30, 2022, https://www.courrierinternational.com/article/terrorisme-burkina-faso-que-s-est-il-reellement-passe-lors-du-massacre-de-gaskinde.
[50] “Burkina Faso : 1 an après le putsch de Traoré, le défi sécuritaire persiste,” Africa news, August 18. 2023. https://www.africanews.com/2023/09/29/burkina-faso-1-year-after-the-traore-putsch-the-security-challenge-persists//
[51] “Burkina 24, Recrutement de VDP : Plus de 90.000 inscrits,” Burkina 24, Novembre 11, 2022. https://burkina24.com/2022/11/24/recrutement-de-vdp-plus-de-90-000-inscrits/
[52] Fahiraman Rodrigue Koné and Hassane Koné, “Risks of Burkina Faso’s new military approach to terrorism,” ISS Africa, Jan 9, 2023, https://issafrica.org/iss-today/risks-of-burkina-fasos-new-military-approach-to-terrorism.
[53] Crisis Group, “Burkina Faso: Arming Civilians at the Cost of Social Cohesion?”.
[54] ADF, “Burkina Faso Use of Volunteer Militia Drives Increase in Civilian Deaths,” ADF, April 16, 2024. https://adf-magazine.com/2024/04/burkina-faso-use-of-volunteer-militia-drives-increase-in-civilian-deaths/.
[55] Tisseron, Une boîte de Pandore. Le Burkina Faso, les milices d’autodéfense et la loi sur les VDP dans la lutte contre le jihadisme, 25-26.
[56] COMMISSARIAT GÉNÉRAL AUX RÉFUGIÉS ET AUX APATRIDES, COI Focus: BURKINA FASO Situation sécuritaire, 17. https://www.cgra.be/sites/default/files/rapporten/coi_focus_burkina_faso._situation_securitaire_20221006.pdf
[57] COMMISSARIAT GÉNÉRAL AUX RÉFUGIÉS ET AUX APATRIDES, COI Focus: BURKINA FASO Situation sécuritaire, 14. https://www.cgra.be/sites/default/files/rapporten/coi_focus_burkina_faso._situation_securitaire_20221006.pdf
[58] “Geneva Center For Security Sector Governance, Critical Security Issues in BURKINA FASO,” DCAF, Jan 7, 2021, https://www.dcaf.ch/sites/default/files/publications/documents/CriticalHumanSecurityIssues_in_BurkinaFaso.pdf.
[59] International Crisis Group, “Burkina Faso : sortir de la spirale des violences,” International Crisis Group, Février 24, 2020, https://www.crisisgroup.org/fr/africa/sahel/burkina-faso/287-burkina-faso-sortir-de-la-spirale-des-violences.
[60] Manon Laplace, “Burkina Faso : la grande purge d’Ibrahim Traoré dans l’armée,” Jeune Afrique, Novembre 7, 2024. https://www.jeuneafrique.com/1627913/politique/burkina-faso-la-grande-purge-dibrahim-traore-dans-larmee/.
[61] Sophie Douce, Le Burkina Faso désormais sur la carte du djihadisme,’ Le Mondo, Octobre 18, 2018. https://www.lemonde.fr/afrique/article/2018/10/18/le-burkina-faso-desormais-sur-la-carte-du-djihadisme_5371448_3212.html?utm_medium=Social&utm_source=Twitter#Echobox=1539882151.
[62] “Le Burkina Faso lance un recrutement exceptionnel de 3 000 soldats pour combattre les djihadistes,” Le Monde avec, Octobre 20, 2022, https://www.lemonde.fr/afrique/article/2022/10/20/le-burkina-faso-lance-un-recrutement-exceptionnel-de-3-000-soldats-pour-combattre-les-djihadistes_6146613_3212.html.
[63] كان خطاب الرئيس قد تم على إذاعة بوركينابية بمناسبة مرور سنتين على استلامه السلطة في مطلع شهر أكتوبر 2024.
“Destabilizing situations do not affect the morale of soldiers but give them the courage to fight” Tamtam info, Octobre 6, 2024, https://tamtaminfo.com/les-situations-de-destabilisations-naffectent-pas-le-moral-des-soldats-mais-leur-donnent-le-courage-pour-se-battre/.
[64] Fahiraman Rodrigue Koné and Hassane Koné, “Risks of Burkina Faso’s new military approach to terrorism” ISS Africa, Jan 9, 2023, https://issafrica.org/iss-today/risks-of-burkina-fasos-new-military-approach-to-terrorism.
[65] Human rights watch, world report 2025. Burkina Faso: Events of 2024, https://www.hrw.org/world-report/2025/country-chapters/burkina-faso.
[66] CEDOCA, Burkina Faso : Situation Securitare, Setembre 2014, https://www.ecoi.net/en/file/local/2115177/coi_focus_burkina_faso._situation_securitaire_20240917.pdf.
[67] “Salafi-Jihadi Areas of Operation in the Sahel,” Institute For The War, Novembre 21 , 2024. https://www.understandingwar.org/backgrounder/africa-file-november-2024-salafi-jihadi-areas-operation-sahel.
[68] Cryspin Laoundiki, “Burkina : « En 2025, nous allons conquérir les 30% du territoire restants », promet le Capitaine Ibrahim Traoré” Le Faso, Octobre 6, 2024, https://lefaso.net/spip.php?article133310.
[69] Le Monde avec AFP, Le Burkina Faso lance un recrutement exceptionnel de 3 000 soldats pour combattre les djihadistes, Octobre 20, 2022. https://www.lemonde.fr/afrique/article/2022/10/20/le-burkina-faso-lance-un-recrutement-exceptionnel-de-3-000-soldats-pour-combattre-les-djihadistes_6146613_3212.html.
[70] “Burkina Faso: plusieurs positions militaires attaquées dans la province du Soum au nord du pays,” RFI Afrique, Fevrier 3, 2025, https://www.rfi.fr/fr/afrique/20250203-burkina-faso-plusieurs-positions-militaires-attaqu%C3%A9es-dans-la-province-du-soum-au-nord-du-pays.