Insight Image

آفاق العلاقات الصينية-الروسية في ضوء زيارة فلاديمير بوتين للصين

04 يونيو 2024

آفاق العلاقات الصينية-الروسية في ضوء زيارة فلاديمير بوتين للصين

04 يونيو 2024

مدخل الدراسة:

جاءت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للصين في إطار تعميق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، حيث من الممكن ملاحظة تطورات علاقة البلدين بشكل ملحوظ؛ إذ انتقلت من العداء خلال فترة الحرب الباردة إلى موقف أكثر تعاونًا وبراغماتية خلال السنوات الأخيرة[1]. لذا يمكن أن يتم وصف العلاقة الحالية بين الصين وروسيا بأنها مزيج من البراغماتية والمواءمة الاستراتيجية، مدفوعةً بالمصالح المشتركة لمواجهة النفوذ الغربي ولتعزيز التعددية القطبية في النظام الدولي[2]. وفي حين أن كلا البلدين لهما إرث شيوعي، فإن شراكتهما تستند في المقام الأول إلى المصالح المشتركة والأخذ بالاعتبارات الجيوسياسية، بدلًا من التقارب الإيديولوجي. ولا تشير هذه الشراكة بالضرورة إلى إحياء منافسة “شيوعية” بينهما، بل يمكن وصفها بمحاذاة استراتيجية لموازنة الهيمنة الغربية وتعزيز مصالحها الاستراتيجية في مشهد عالمي متغير ومتقلب.

تناقش هذه الورقة أولًا: خلفية الزيارة مُشيرة إلى توقيت ودلالات زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الصين بعد تنصيبه رئيسًا لروسيا للفترة الخامسة. ويليه، المحور الثاني من الورقة ليلقي نظرةً معمقة على قراءة متكاملة في نتائج الزيارة وحيثياتها. وأما المحور الثالث فيُناقش تأثيرات الزيارة على الحرب الروسية-الأوكرانية. في حين يتطرق المحور الرابع إلى العلاقات الصينية-الروسية عبر مناقشة أبرز عوامل التقارب والتباعد بين البلدين. وأخيرًا يستشرف المحور الخامس أبرز السيناريوهات التي تتضمن رؤية لمستقبل العلاقات بين الدولتين.

أولًا- توقيت ودلالات زيارة بوتين للصين:

تأتي أهمية الزيارة التي دامت يومين من تاريخ 16 إلى 17 مايو[3] والتي جاءت بدعوى من الرئيس الصيني[4]، من أنها أول زيارة خارجية لفلاديمير بوتين بعد استلام ولاية جديدة في السلطة حتى عام 2030؛ حيث تعد زيارة بوتين لمقابلة نظيرة الصيني “شي جين بينغ ” في بكين، مهمة لتوسيع وتعميق الشراكة الاستراتيجية بين الدولتين وذلك لاعتبارين اثنين؛ الأول أن الدولتين لاعبان مؤثران على الساحة الدولية لكونهما دولتين عظميين، والثاني هو ابتداء بوتين ببكين لتكون أول عاصمة يزورها بعد إعادة توليه منصب الرئاسة. وبالرغم من أن الزعيمين التقيا أكثر من 40 مرة[5]، غير أن هذه الزيارة تأتي لتؤطر المصالح والقضايا ولترسم آفاقًا جديدة للتعاون بين الدولتين. ويشير توقيت هذه الزيارة إلى رغبة الجانبين على بذل جهود لتحديد الاتجاهات الرئيسية لتحقيق مزيد من التطوير الملموس حيال التعاون الروسي الصيني، ولتبادل وجهات النظر بشأن القضايا الدولية والإقليمية.

وما يعزز ما ذُكر آنفًا، هو أن الرئيس بوتين حين استلم فترة ولايته الخامسة بعث إليه “شي جين” تهانيه بفوزه في الانتخابات الرئاسية الروسية ليكون من أوائل الرؤساء المهنئين لبوتين، حيث أشار إلى أن “إعادة انتخاب بوتين تعكس بالكامل حقيقة دعم الشعب الروسي لنهجه[6]“. وخلال الزيارة وعند الاحتفال بالذكرى الخامسة والسبعين للعلاقات الدبلوماسية الروسية-الصينية، صرّح بوتين بأن هناك عبارة كانت تتداول قبل 75 عامًا وأصبحت الآن شعارًا وهي أن “الروس والصينيين إخوة إلى الأبد[7]“. وهو ما يظهر أن العلاقة بين البلدين وإن اتسمت بالفتور فهي علاقة متينه منذ عقود من الزمان، حيث صرح بوتين بأن العلاقات التجارية والاقتصادية بين بلاده والصين تتطور بصورة ملفتة، وأن ذلك يدلّ على “مناعة مستقرة في مواجهة التحديات الخارجية وظواهر الأزمات”[8].

ويمكن اعتبار هذه الزيارة استكمالًا لما سبق وأن أعلنَ عنه الطرفان الروسي والصيني من بدء “حقبة جديدة” في العلاقات الدولية لوضع حد لهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية (وفق تعبيرهما)، بـاعتبارهما ندين للولايات المتحدة الأمريكية، وأعلنا عن استراتيجية “شراكة بلا حدود” في فبراير عام 2022، عندما زار الرئيس بوتين بكين قبل إرسال القوات الروسية إلى أوكرانيا واندلاع الحرب الأوكرانية[9]. ويأتي هذا اللقاء ليركز على تعزيز العلاقات والتعاون الاستراتيجي لمواءمة المواقف بشأن القضايا العالمية الرئيسية، وليحدد أولويات البلدين لمواجهة المتغيرات العالمية المتسارعة.

ثانيًا- قراءة في نتائج الزيارة:

انعكاسًا للتعاون الاستراتيجي وتطبيقًا لاستراتيجية “شراكة بلا حدود”، أعلن فلاديمير بوتين و”شي جين بينغ” بيانًا مشتركًا يهدف إلى تعميق شراكة التنسيق الاستراتيجية الشاملة في العصر الجديد في سياق الذكرى الـ 75 للعلاقات الدبلوماسية بين الصين وروسيا[10]، وقد اشتمل هذا البيان على أكثر من 30 صفحة تحدد مستقبل شمولية التعاون الاستراتيجي[11]. وعبر القمة التي عقدت بصيغتيها المصغرة والموسعة، أكد الرئيسان أن تحول المدفوعات بين البلدين إلى العملات الوطنية “الروبل واليوان”[12] أعطى زخمًا قويًّا لتوسيع التعاملات التجارية، وهو ما عزز التعاون الاقتصادي بين البلدين. وأوضح بوتين أن العلاقات بين روسيا والصين تستند إلى مبادئ الديمقراطية والعدالة، وليست موجهة ضد أي طرف آخر، مشيرًا إلى وجود 80 مشروعًا استثماريًّا مشتركًا قيد التنفيذ[13]. وعلى الجانب الآخر، وصف شي جين بينغ العلاقات بين البلدين بأنها “معيار التعاون بين القوى الكبرى[14]“. وفي السياق ذاته أكدت الخارجية الصينية أن التعاون بين بكين وموسكو يعد عاملًا إيجابيًّا للحفاظ على الاستقرار الاستراتيجي العالمي، ويعزز الطابع الديمقراطي للعلاقات الدولية[15]. ويأتي هذا البيان في إطار رؤية مشتركة لتشكيل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، إضافة إلى ترسيخ التعاون الثنائي وتوسيع مجالاته. 

ثالثًا- تأثير الزيارة على الحرب الروسية-الأوكرانية:

لعل استراتيجية “شراكة بلا حدود” التي جرى توقيعها قبل الحرب الأوكرانية آتت أكلها؛ حيث إن زيارة الرئيس بوتين إلى بكين تعزز الدعم الصيني لروسيا في حربها بأوكرانيا. وعند النظر إلى ما بعد فرض العقوبات الغربية على روسيا، يتضح تعاون بكين مع موسكو في العديد من المستويات التي تشمل الجانب التجاري[16]، والدعم العسكري في مجال الصناعات الدفاعية[17]. ويرتبط تأثير زيارة بوتين إلى بكين على الحرب الروسية-الأوكرانية بجهود الصين خلال عام 2023 الذي نشرت فيه وثيقة مكونة من 12 نقطة لإنهاء الحرب، ومع ذلك أثنى بوتين على التدابير الإضافية التي أُعلنَ عنها الشهر الماضي، ووصفها بأنها “خطوات واقعية وبناءة” من شأنها تعزيز فكرة الحاجة للتغلب على مفهوم الحرب الباردة[18]. وبناء على ذلك التقى الرئيس “شي جين” المستشارَ الألماني أولاف شولتس في بكين يوم 14 مايو[19]، حيث نوقشت 4 مبادئ جديدة لقرار الحرب الروسية الأوكرانية. وبالرغم من أن الصين تدعم الموقف السياسي والعسكري الروسي في حرب أوكرانيا، غير أنه وبحسب ما ورد خلال الزيارة فقد اتفق كلٌّ من الرئيس بوتين والرئيس “شي جين” على ضرورة التوصل إلى “حل سياسي” بشأن أوكرانيا[20]. وفي هذا الصدد قال الرئيس شي جين إنَّ “تحقيق السلام والاستقرار يتطلب التخلي عن المصالح الشخصية، ووقف التصعيد في الصراعات، وتجنُّب الحركات التصعيدية، والحد من تأثيرها على الاقتصاد العالمي”[21].

رابعًا- العلاقات الصينية-الروسية.. عوامل التقارب والتباعد

بالرغم من أن العلاقات بين الصين وروسيا تشهد تقدمًا ملحوظًا في عدة مستويات، تشمل التعاون الاقتصادي والسياسي والعسكري والأمني، غير أن هناك عوامل من شأنها أن تعزز الروابط بين البلدين. ويمكن حصر عوامل التقارب والتباعد في الآتي:

عوامل التقارب

  • العلاقات الاقتصادية: تعززت علاقات البلدين الاقتصادية من خلال التجارة والاستثمارات المشتركة، حيث أظهرت بيانات الجمارك الصينية أن التغيرات الجيوسياسية خصوصًا خلال الحرب الروسية الأوكرانية وتبعاتها دفعت روسيا إلى تعزيز علاقاتها التجارية مع الصين، حيث ارتفعت التجارة بين البلدين بنسبة 26.3% في العام الماضي، لتصل إلى مستوى قياسي بلغ 240.1 مليار دولار[22]. وفي هذا السياق، تفوقت روسيا على المملكة العربية السعودية لتصبح المصدّر الرئيسي للنفط الخام إلى الصين، مع زيادة الشحنات بأكثر من 24%، ويأتي ذلك بالرغم من التحديات الناجمة عن العقوبات الغربية المفروضة على قطاع الطاقة الروسي[23]. وتعدُّ الصين أكبر شريك تجاري لروسيا؛ حيث إن هناك مشاريع كبرى تتعلق بنقل الطاقة بين البلدين مثل خط الأنابيب “power of Siberia” لنقل الغاز الروسي إلى الصين. كما أن روسيا تسعى منذ عدة سنوات لإجراء محادثات حيال إنشاء خط أنابيب “power of siberia- 2″، الذي من المتوقع أن ينقل سنويًّا 50 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي الروسي من منطقة يامال الشمالية في روسيا إلى الصين عبر منغوليا[24].
  • تناغم الرؤى السياسية: هناك تناغم سياسي ملحوظ بين الدولتين حيث يتخذ البلدان مسارات متوازية في أغلب رؤاهم السياسية فيما يتعلق بالتحركات الجيوسياسية للبلدين، ويشتركان في موقفهما المناهض للولايات المتحدة والغرب. ويؤكد كل من الرئيسين بوتين وشي جين بينغ رؤيتهما المشتركة لنظام عالمي جديد “متعدد الأقطاب”، تتمكن فيه الدول بقيادة الصين وروسيا من العمل وفقًا لمجموعة من القواعد المختلفة عن تلك التي وضعتها الولايات المتحدة والدول الديمقراطية الليبرالية الأخرى[25]. وسبق لبوتين أن قال “إننا ندافع معًا عن مبادئ العدالة والنظام العالمي الديمقراطي الذي يعكس حقائق متعددة الأقطاب”[26].
  • الدبلوماسية العسكرية:
    • تعميق التعاون العسكري عبر المناورات والتدريبات العسكرية المشتركة، حيث أجرت الصين وروسيا تدريبات عسكرية مشتركة متعددة لإظهار تعاونهما العسكري المتزايد؛ ويشمل ذلك تدريبات برية وبحرية، بهدف تحسين التنسيق وقابلية التشغيل البيني بين قواتهما المسلحة[27]. وعلى النقيض تمامًا فإن المساعدات العسكرية ومبيعات الأسلحة بين الطرفين آخذه في التناقص، فبين عامي 1990 و2005 اشترت الصين أكثر من 83% من وارداتها من الأسلحة من روسيا، ومن ثم وانخفض إجمالي واردات الصين من الأسلحة الروسية بنسبة 30%خلال الفترة 2007-2021 وهو انخفاض ملحوظ من 84% خلال فترة الخمسة عشر عامًا السابقة[28]. وإضافة إلى أن البيان المشترك بين الطرفين الروسي والصيني خلال زيارة بوتين قد أشار إلى أن الطرفين سيعملان على تعميق الثقة والتعاون العسكري المتبادل من خلال “توسيع نطاق التدريبات العسكرية المشتركة، وإجراء دوريات بحرية وجوية مشتركة منتظمة، وتعزيز التنسيق بينهما في إطار أطر ثنائية ومتعددة الأطراف[29]“.
    • تعزيز الصين وروسيا تحالفهما الاستراتيجي عسكريًّا خصوصًا في ظل المخاوف إزاء التهديدات المحتملة من الولايات المتحدة وشركائها. ويشمل هذا التعاون بذل جهود مشتركة لمواجهة الحضور العسكري الأمريكي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ والعمل ضد هيمنة القوى الغربية. حيث عارض “شي جين” وبوتين خلال زيارة بوتين لبكين (17 مايو) “تشكيل بنية كتلة مغلقة وحصرية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، خصوصًا التحالف العسكري ضد أي طرف ثالث. وأشار البيان المشترك إلى أن استراتيجية الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وتحركات الناتو في منطقة آسيا والمحيط الهادئ كان لها تأثير سلبي على السلام والاستقرار في المنطقة”[30].
    • تطوير التعاون الصيني-الروسي في مجال الأمن السيبراني، حيث تعمل بكين وموسكو على تكثيف تعاونهما فيما يتعلق بالأمن السيبراني، وترغب كل منهما في إعادة تشكيل الإنترنت للحد من النفوذ الغربي والعمل على حماية البيانات من الاختراقات والعمل ضد عمليات التجسس من قبل الولايات المتحدة والغرب، بل ومحاولة التجسس على الغرب والعمل عبر “الهندسة العكسية” لبعض بنود الملكية الفكرية[31]، وبالفعل بدء البلدان توسعة تعاونهما في المجال السيبراني منذ عام 2024[32].

عوامل التباعد

  • في المدى المنظور والمتوسط ليست هناك مؤشرات تدعم التباعد بين الطرفين، ويعود ذلك إلى أن الصين وروسيا تحافظان، حاليًا، على علاقة وثيقة في مختلف المجالات والرؤى كما ذكرنا سابقًا؛ بيد أن هناك العديد من العوامل المحتملة التي يمكن أن تؤدي إلى توتر شراكتهما وتفرق بينهما.

ويمكن استشراف عوامل التباعد بين الدولتين في الآتي:

    • تداخل المصالح وتنافسهما على النفوذ في منطقة آسيا الوسطى[33]، حيث إنّ لدى روسيا اتحادًا اقتصاديًّا آوراسيًّا وللصين مبادرة الحزام والطريق الذي يعبر من منطقة آسيا الوسطى. وبالنظر إلى حجم وكم الطموح الروسي والصيني، يمكن القول إن تلك المنطقة تعدُّ مهمة للمشروعين الروسي والصيني وهو ما يتطلب التنسيق المستمر، إذ إن الصين تطمح إلى أن تصبح من أقوى اقتصادات العالم، كما أن لدى روسيا اقتصادًا يمر بأزمة بسبب الحرب في أوكرانيا.
    • تأثير التحولات الجيوسياسية: قد تلعب التحولات الجيوسياسية، في الأمد البعيد، دورًا مؤثرًا فيما يتعلق أولًا بديناميكيات تحالف الدولتين، حيث يمكن أن تؤثر التغييرات في شراكات وتحالفات الطرفين على علاقاتهما خصوصًا إذا ما اتجه أحدهما إلى التحالف، ولو بشكل جزئي، مع قوى غربية وهو ما قد يعزز من توتر العلاقة بينهما. وثانيًا التحولات في ديناميكيات القوة العالمية، ذلك أنّ صعود أو تراجع أي قوة عالمية من شأنه أن يؤثر على الحسابات الاستراتيجية للطرفين الصيني والروسي. وعلاوة على ما سبق فإن الأرضية المشتركة بين الدولتين هي توافق الرؤى السياسية، والإيدلوجية الشيوعية، والمصالح الاستراتيجية، وإن طرئ تغيير على تلك العوامل فمن المرجح أن يؤثر ذلك على العلاقات الصينية-الروسية.

خامسًا- سيناريوهات مستقبل العلاقات الصينية-الروسية

اعتمادًا على معطيات عوامل التقارب والتباعد، وتحليلًا لمخرجات زيارة بوتين للصين، ونظرًا إلى تاريخ العلاقات الروسية الصينية؛ وضعنا ثلاثة سيناريوهات لمستقبل العلاقات بين الدولتين:

السيناريو الأول: تعاون استراتيجي روسي-صيني متوسط المدى (الأكثر ترجيحًا)

إن العلاقات الصينية الروسية آخذه بالتطور وبشكل متزايد وعميق وفي إطار مؤسسي، ويستند التعاون بين الصين وروسيا إلى المصالح المتبادلة والتهديدات المشتركة والرؤية المشتركة لعالم أحادي القطب (وفق الرؤية الصينية-الروسية) والرغبة في تحويله إلى عالم متعدد الأقطاب. وعلى الرغم من الاختلافات الثقافية والتاريخية، فإن كلتا الدولتين شريك استراتيجيّ في مختلف القطاعات بما في ذلك الاقتصاد والطاقة والتكنولوجيا والدفاع. حيث تستثمران بشكل تعاوني في مشاريع البنية التحتية والطاقة، مثل خط أنابيب غاز “قوة سيبيريا 2” النفطي، ومشاريع الربط الاقتصادي المختلفة[34]، وهو ما يعزز شراكتهما المتبادلة. وإضافة إلى ذلك، يشارك البلدان في التدريبات العسكرية المشتركة وفي تنسيق السياسات. وعمومًا يُظهر هذا السيناريو التزامًا عميقًا من جانب كلا الطرفين بإقامة تحالف متين ومرن يتصدى للتحديات الجيوسياسية متوسطة الأجل.

السيناريو الثاني: تعاون مرحلي “براغماتي” (مُتوقع)

يرسم هذا السيناريو توقعًا لتعاون مرحلي بين البلدين في فترات معينة لتحقيق أهداف محددة. ويمكن تقييم التعاون بين الصين وروسيا استنادًا إلى عوامل ظرفية أو مصالح مثل الأزمات الاقتصادية أو الحاجة إلى الدعم السياسي في مواجهة الجزاءات الدولية. وفي الوقت الذي توجد فيه مصالح مشتركة بينهما، فإن التعاون يوصف بأنه “براغماتي في طبيعته” نظرًا لأنه غير ثابت ويتأثر بتغيرات الظروف السياسية والاقتصادية. ويعتمد على تقارب مصالح البلدين في قضايا محددة، قد تحدث الفترات الشديدة من التعاون، مثل التنسيق داخل الأمم المتحدة أو الاتفاقيات الاقتصادية الرئيسية، ولكنها تُتبع بفترات تباعد حين تتباعد الأهداف أو تتحسن العلاقات مع القوى الغربية. وسيناريو التعاون القائم على المبادئ الاستراتيجية طويلة الأجل والشاملة أقل احتمالًا مقارنة بالسابق، ويعود ذلك إلى تحالف البلدين الاستراتيجي القائم بالفعل ويمكن الاستدلال على ذلك بمخرجات زيارة بوتين للصين.

السيناريو الثالث: التنافس المحتمل (مُستبعد)

هذا السيناريو، بالرغم من كونه مستبعدًا، يبقى احتمالًا يمكن افتراضه جدلًا، إذا سعت الصين وروسيا إلى تحقيق أهداف استراتيجية متماثلة، أو تنافستا للحصول على الموارد والأسواق، أو شهدت المنطقة تغييرات سياسية تنتج عنها سياسات أكثر مدعاة للمنافسة والصراعات بين هاتين الدولتين. ويمكن أن تنبع الصراعات من تداخل مجالات الاهتمام، والتنافس على النفوذ في مناطق مثل آسيا الوسطى والشرق الأوسط وأفريقيا، وتهديد التوسع التكنولوجي والابتكار. وهذه العوامل يمكن أن توتر العلاقة وتؤدي إلى تراجع التعاون الاقتصادي والسياسي، بل وقد تزيد من احتمال نشوب توترات عسكرية في مناطق معينة.

 الخاتمة:

سعت هذه الورقة إلى مناقشة أبعاد زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى بكين باعتبارها نقطة تحول محورية في العلاقات الصينية-الروسية، مسلطةً الضوء على عمق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين من خلال تعزيز تعاونهما في المجالات السياسية والاقتصادية والدفاع. حيث يعمل البلدان على تشكيل جبهة موحدة في مواجهة التحديات الجيوسياسية المشتركة، خصوصًا النفوذ الغربي. وبالرغم من وجود بعض نقاط التباعد، غير أن المصالح المشتركة والتوجهات الاستراتيجية تسهم في تعزيز هذا التحالف. وتتراوح السيناريوهات المستقبلية لعلاقاتهما الثنائية بين التعاون الاستراتيجي متوسط المدى وهو الأكثر ترجيحًا، أما المتوقع فهو التعاون المرحلي، وما يمكن استبعاده من السيناريوهات هو التنافس المحتمل بين الطرفين. وذلك ما يعكس تعقيد وتعددية العلاقات الدولية في مشهد عالمي متسارع ومتغير ويغلب عليه طابع “البراغماتية” في نهاية المطاف.


[1] Mats Engman, Zack Nhan and Tove Jalmerud, isdp, Sino-Russian Relations, From Where – To Where, January 2024, https://2u.pw/aoDfnQy7

[2] Huizhong Wu and Emily Wang Fujiyama,The diplomat, In China, Russia’s Putin Emphasizes Strategic and Personal Ties, 18 May 2024, https://2u.pw/sGuOu2Yj

[3] Harold Thibault and Benoît Vitkine, Le Monde, Putin meets with Xi in China to test ‘no-limits’ friendship, 16 May 2024, https://2u.pw/UTjvQcWn

 [4] شراكة “بلا حدود”: روسيا والصين تؤكدان على تعميق العلاقات خلال زيارة بوتين إلى بكين، euronews، 16 May 2024، https://2u.pw/ln3l35sD

[5] The Guardia, Putin arrives in China on mission to deepen partnership with Xi, 16 May 2024, https://2u.pw/kSXbNPi1

[6] بوتين يحقق فوزًا كاسحًا بانتخابات شهدت نسبة مشاركة تاريخية.. الأصدقاء يهنئون والنتائج تثير ضغينة الغرب، RT العربية، 18 Mach 2024، https://2u.pw/dwe93QpO

[7] Emily Wang Fujiyama and Huizhong Wu, AP, China and Russia reaffirm their close ties as Moscow presses its offensive in Ukraine, 17 May 2024, https://2u.pw/wJCbehQI

[8] في أول رحلة خارجية له بعد إعادة توليه الرئاسة.. بوتين يصل الصين في زيارة دولة، euronews، 15 May 2024، https://2u.pw/o4cWPQps

[9] Bernard Orr, Guy Faulconbridge and Andrew Osborn, Reuters, Putin and Xi pledge a new era and condemn the United States, 17 May 2024, https://2u.pw/qQJJm28G

[10] MFA, President Xi Jinping and Russian President Vladimir Putin Jointly Sign and Issue A Joint Statement on Deepening the China-Russia Comprehensive Strategic Partnership of Coordination for the New Era, 16 May 2024, https://2u.pw/GZyqdZ10

[11] بوتين وشي يوقعان بيانًا بشأن تعميق الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي، RT  أخبار روسيا، 16 May 2024،https://2u.pw/kdGKVRI4

[12] الرئيسان الصيني والروسي يؤكدان ضرورة تسوية الأزمة الأوكرانية سلميًا، TRT العربي، 16 May 2024، https://2u.pw/Okfadttu

[13] بوتين وشي يوقعان بيانًا بشأن تعميق الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي، RT  أخبار روسيا، 16 May 2024

[14] بيان صيني روسي يُعلن تعميق “الشراكة الكاملة” و”التعاون الاستراتيجي”، الرؤية، 16 May 2024، https://2u.pw/SxrNafo0

[15] Yang Zhang in Beijing and Zhang Wei lan in Harbin, Global Times, Xi, Putin hold talks, sign joint statement on deepening ties, 16 May 2024, https://2u.pw/4f6RhcQf

[16] presstv, Russia’s Putin to visit China on President Xi’s invitation, 14 May 2024, https://2u.pw/60Xm3zwx

[17] Dr. Cenk TAMER, Angkasa, Putin’s Visit to Beijing: Western Concerns and Hopes for a Solution on Ukraine, 16 May 2024, https://2u.pw/DtkYSvL3

[18] Aljazeera, ‘Genuine desire’: Putin backs China peace plan to end Ukraine war, 15 May 2024, https://2u.pw/h0BkXJch

[19] The state council, Xi puts forth four principles to resolve Ukraine crisis, 16 April 2024, https://2u.pw/qZ1d3YoN

[20] شي يدعو لحل سياسي في أوكرانيا وبوتين يثني على “مبادرات” بكين، DW، 16 May 2024، https://2u.pw/5gfAfUDQ

[21] The state council, Xi puts forth four principles to resolve Ukraine crisis, 16 April 2024

[22] Laura He, CNN, China’s largest oil supplier in 2023 was Russia, 22 January 2024, https://2u.pw/53bUHJSr

[23] Bernard Orr, reuters, Putin to push growing Moscow-Beijing trade in China’s northeast, 17 May 2024, https://2u.pw/YVdBMhGC

[24] Reuters, Russia and China to sign Power of Siberia-2 gas pipeline contract ‘in near future’, says Novak, 17 May 2024, https://2u.pw/pOvoqTwN

[25] Michelle Ye Hee Lee and Pei-Lin Wu, The washington post, Putin hails Russia’s ties with China as ‘stabilizing’ force in the world, 15 May 2024, https://2u.pw/320bEKqe

[26] Michelle Ye Hee Lee and Pei-Lin Wu, The washington post, Putin hails Russia’s ties with China as ‘stabilizing’ force in the world, 15 May 2024

[27] William Yang, voanews, Analysts See China-Russia Exercise as Sign of Deepening Cooperation, 20 July 2023, https://2u.pw/ejD3Gsit

[28] Brian Hart, Bonnie Lynn, Matthew P. Funaiole, Samantha Lu, Hannah Price, Nicholas Kaufman, Gavril Torrijos, China Power, How Deep Are China-Russia Military Ties?, https://2u.pw/uvKFqiMx

[29] Liu Zhen, scmp, Vladimir Putin, Xi Jinping agree to expand Russia-China military coordination, 17 May 2024, https://2u.pw/gOv79t0N

[30] Riyaz ul Khaliq, AA, China, Russia to expand military coordination, 17 May 2024, https://2u.pw/DCB6Gipx

[31] ADAM SEGAL, warontherocks, PEERING INTO THE FUTURE OF SINO-RUSSIAN CYBER SECURITY COOPERATION, 10 August 2020, https://2u.pw/A35uhCfk

[32] Daniel R. Coats, “statement for the record: worldwide threat assessment of the us intelligentce community (senate select committee on intelligence, 29 January 2019), P.24, https://2u.pw/0JllFPrl

[33] Timur Umarov and Nargis Kassenova, carnegie endowment, China and Russia’s Overlapping Interests in Central Asia, 22 February 2024, https://2h.ae/tiLo

[34] Reuters, Putin says oil pipeline would run alongside planned new gas link to China, 17 May 2024, https://2u.pw/5oIkkL3e

المواضيع ذات الصلة