Insight Image

آفاق النمو الاقتصادي العالمي وتحدياته خلال عام 2022 مع إشارة خاصة لتوقعات النمو في قارة أفريقيا

27 فبراير 2022

آفاق النمو الاقتصادي العالمي وتحدياته خلال عام 2022 مع إشارة خاصة لتوقعات النمو في قارة أفريقيا

27 فبراير 2022

أصدرت العديد من المؤسسات الدولية، مؤخراً، تقاريرها السنوية عن آفاق النمو المتوقع في مختلف أقاليم العالم المتقدمة والنامية، وتكتسب هذه التقارير عادة زخماً واهتماماً جماً من جانب صانعي السياسات وجهات الاستثمار المختلفة لأنها تعبر بصورة أو بأخرى عن توقعات هذه المؤسسات عن الوضع الاقتصادي للدول والأقاليم خاصة في ظل بيئة عدم التأكد التي تسود العالم جراء جائحة “كوفيد – 19” وامتداد آثارها لآجال أطول مما كان متوقعاً وتعقّد عمليات التعافي الاقتصادي من تبعاتها.

وبشكل عام تعتمد هذه التقارير عادة في توقعاتها عن النمو الاقتصادي على تحليل مصادر هذا النمو أو تتبع المكونات المختلفة للناتج المحلي الإجمالي للدول والأقاليم والتغيرات التي قد تطرأ عليه خلال هذا العام. وفي هذا السياق تحاول هذه الورقة إلقاء الضوء على آفاق النمو الاقتصادي العالمي لعام 2022 بالتركيز على القارة الأفريقية من خلال عرض إطار نظري عام عن تحليل مصادر النمو الاقتصادي، ثم استعراض أهم ملامح آفاق النمو الاقتصادي العالمي ثم التركيز على آفاق النمو الاقتصادي في القارة الأفريقية خلال عام 2022.

 مصادر النمو الاقتصادي: نظرة عامة

يشير النمو الاقتصادي إلى تطور أو زيادة حجم النشاط الاقتصادي في دولة أو إقليم ما خلال فترة معينة. ويتم تقويمه عادة بإحدى الطريقتين: الأولى من خلال جانب العرض بمعنى قيمة ما يتم إنتاجه من سلع وخدمات نهائية وبالتالي يتم تحليل مصادر النمو الاقتصادي من خلال تتبع معدلات نمو القيم المضافة للقطاعات الاقتصادية الرئيسية. أما الطريقة الثانية فتكون من جانب الطلب أو من خلال تحليل تيار الإنفاق، وفي هذه الحالة يكون النمو مدفوعاً بإنفاق القطاعات الاقتصادية الرئيسية في الدولة أو الإقليم والمتمثلة في كل من: الإنفاق الاستهلاكي أو إنفاق القطاع العائلي، والإنفاق الحكومي والاستثمار أو إنفاق قطاع الأعمال، بالإضافة إلى الطلب الخارجي الذي يتمثل في حركة التجارة الخارجية من خلال الفرق بين الصادرات والواردات.

وبالتالي فإن تتبع آفاق النمو الاقتصادي العالمي خلال فترة معينة تستلزم بالضرورة تتبع العناصر المختلفة أو مصادر هذا النمو إما من خلال جانب العرض، وإما من جانب الإنتاج بمعنى نمو حجم الإنتاج في القطاعات الاقتصادية المختلفة، وإما من خلال تحليل جانب الطلب بمعنى التغيرات التي تطرأ على معدلات إنفاق القطاع العائلي والحوكمي وتدفقات الاستثمار والتجارة الخارجية، وهي الطريقة الأكثر شيوعاً في ظل تبنّي الكثير من الاقتصاديين للفكرة الكلاسيكية بأن الطلب هو المحرك الحقيقي لأي تغيرات تطرأ في الإنتاج كما أنه يظهر بشكل أكثر وضوحاً تأثير الصدمات أو الظروف المحلية أو الخارجية على اقتصادات الدول والأقاليم المختلفة. أما جانب الإنتاج فيتم التركيز عليه عند تحليل التطورات الإنتاجية أو التغيرات الهيكلية لاقتصادات الدول وهو الأمر الذي يتم التركيز عليه عادة عند الحديث عن التنمية الاقتصادية التي يستلزم حدوثها تحقيق نمو اقتصادي يتضمن تغيراً في الهياكل الاقتصادية للدول النامية في اتجاه قطاعات التصنيع.

ملامح النمو الاقتصادي العالمي وآفاقه:

دفعت عمليات تخفيف إجراءات الإغلاق والإعلان عن ضرورة التعايش مع فيروس “كوفيد – 19” المؤسسات الدولية إلى إعطاء مؤشرات أكثر تفاؤلاً بشأن معدلات النمو الاقتصادي المتوقعة لعام 2021 ليصل معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي وفقاً لتقديرات البنك الدولي إلى نحو 5.5%، فيما أطلق عليه البنك الدولي أسرع عملية تعافي اقتصادي منذ 80 عاماً. إلا أن استمرار الجائحة والتحورات المختلفة والمتتالية للفيروس دون وجود علاج ناجع للمرض وعودة إجراءات الإغلاق بشكل كلي أو جزئي في العديد من الدول مرة أخرى واستمرار حالة عدم التأكد أدت إلى تباطؤ معدلات تعافي الاقتصاد العالمي مع تراجع الدعم المتاح من المالية العامة واستمرار اختناقات جانب العرض وتتابع بل وتزايد الضغوط التضخمية جعل التوقعات بشأن الآفاق الاقتصادية لعام 2022 أقل تفاؤلاً وإن كانت لا تماثل بالطبع ما حدث في عام 2020 مع بداية الأزمة[1].

فمع سيادة مناخ من عدم التأكد ومخاطر تضخمية عالمية ناتجة عن اختلالات العرض وعجزه عن مجاراة انتعاش معدلات الطلب العالمي نتيجة استئناف الأنشطة الإنتاجية المختلفة بعد الجائحة، بالإضافة إلى المخاطر المتعلقة بالمتحورات المتتالية لفيروس “كوفيد – 19” خاصة في ظل عدم عدالة توزيع اللقاحات -ففي حين نجحت الدول المتقدمة في توفير اللقاحات لأكثر من 80% من سكانها سواء الجرعات الأساسية أو التعزيزية، لم يتمكن أكثر من ثلثي سكان الدول الأقل تقدماً من الحصول حتى على جرعة واحدة- جاءت التقديرات الاقتصادية عن النمو الاقتصادي العالمي لعام 2022 أقل تفاؤلاً، فقدر تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن البنك الدولي معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي لعام 2022 بنحو 4.1%، وهو معدل أقل من معدل النمو لعام 2021 بنحو 1.4 نقطة مئوية، بل إنه من المتوقع أن يستمر هذا التراجع لعام 2023 ليبلغ معدل النمو العالمي لنحو 3.2% [2]، خاصة في ظل تباطؤ النمو الاقتصادي في الاقتصادات الكبرى المسؤولة أو ذات المساهمة الأكبر في دفع الاقتصاد العالمي مثل الولايات المتحدة الأمريكية والصين ودول الاتحاد الأوروبي وذلك كما يتبين من الشكل التالي:

شكل رقم (1)

تطور معدل نمو الاقتصاد العالمي ومساهمة الاقتصادات المختلفة فيه [3]

وبالنظر بصورة أكثر تفصيلاً إلى آفاق النمو الاقتصادي العالمي في الأقاليم المختلفة، يلاحظ من الجدول رقم (1) تباين معدلات التعافي الاقتصادي بين مجموعات الدول والأقاليم مثلما تباينت معدلات الـتأثر بالأزمة نتيجة اختلاف ديناميكيات التعامل مع الجائحة في دول كثيرة وتباين قدراتها الاقتصادية. فبينما من المتوقع أن تعود مستويات الإنتاج والاستثمار في الدول المتقدمة إلى ما كانت عليه قبل الجائحة، فإنها ستظل دون هذه المستويات في الدول النامية والصاعدة نتيجة استمرار الآثار الاقتصادية للجائحة والسياسات المالية والنقدية في تلك الدول.

ففي الدول المتقدمة وعلى الرغم من توقعات تباطؤ النمو الاقتصادي من 5% في عام 2021 إلى نحو 3.8% عام 2022، فإن هذا التراجع أو التباطؤ هو نتيجة انخفاض معدلات الطلب وعودتها إلى مستوياتها الطبيعية بعد انتعاشها جزئياً نتيجة عودة النشاط الاقتصادي بعد انتهاء إجراءات الإغلاق جراء الأزمة بالإضافة إلى تراجع الدعم المالي المقدم من الحكومات للتعامل مع آثار الجائحة ما أدى إلى التباطؤ الذي من المتوقع أن يستمر كذلك إلى عام 2023 ليبلغ متوسط معدل النمو المقدر في تلك الدول نحو 2.3%. لكن بشكل عام فإن هذه الفترة ستشهد تعافياً لاقتصادات تلك الدول بشكل شبه كامل وعودة النشاط الاقتصادي فيها بمختلف مكوناته من إنتاج واستثمار ومعدلات طلب إلى ما كان عليه قبل الجائحة. بعكس الدول الصاعدة والنامية التي ستظل خلال الأجل المتوسط وفقاً لتقديرات البنك الدولي تعاني الآثار الاقتصادية لـ “كوفيد – 19” مع انحراف معدلات النمو في الناتج والاستثمار عن المستويات التي كانت عليها قبل الأزمة واستمرار الحاجة لسياسات مالية ونقدية داعمة لعمليات التعافي الاقتصادي وبالتالي تباطؤ معدلات النمو المتوقع في تلك الدول من 6.3% عام 2021 إلى 4.6% فقط عام 2022 و4.4% عام 2023 وهي معدلات أقل من معدل النمو الاقتصادي الذي حققته تلك الدول قبل الأزمة والذي بلغ متوسطه خلال العقد الأخير نحو 5.5%، وفق ما هو موضح في الجدول التالي رقم (1). هذا بالإضافة إلى ظهور المتحور الجديد لـ “كوفيد – 19” (الأوميكرون) في النصف الثاني من عام 2021 دون الوصول لمعدلات تلقيح عادلة في تلك الدول.

جدول رقم (1)

معدلات النمو الاقتصادي في العالم والأقاليم الفرعية [4]

وتتباين آفاق النمو الاقتصادي في الأقاليم المختلفة لمجموعة الدول الصاعدة والنامية بشكل عام وفقاً لطبيعة الهياكل الاقتصادية لتلك الدول، فعلى سبيل المثال من المتوقع أن تسجل منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط معدلَ نموٍّ اقتصادي مرتفعٍ نسبياً مدفوعاً بارتفاع أسعار البترول بعد فترة طويلة من الانخفاض بالإضافة إلى نجاح تلك الدول في التكيف مع صدمة “كوفيد – 19” من خلال سياسات اقتصادية حافظت على مناخ استثمار جيد في تلك الدول. وكذلك منطقة شرق أوروبا ووسط آسيا من المتوقع أن تحقق معدلاً اقتصادياً متوسطاً مدفوعاً بالدعم المالي من دول الاتحاد الأوروبي وإن كان معدل النمو المتوقع لعام 2022 مازال أقل منه قبل الجائحة بنحو 1.7 نقطة مئوية. بعكس منطقة شرق آسيا والمحيط الهادي التي من المتوقع أن تشهد تباطؤاً اقتصادياً يستمر خلال عامي 2022 و2023 نتيجة تباطؤ معدلات نمو الاقتصاد الصيني وأزمة قطاع العقارات فيها. كذلك من المتوقع أن تشهد الدول التي تعتمد اقتصادياً على قطاعات تتسم بقدر من الهشاشة معدلات تباطؤ أقل مثل الدول التي تعتمد على قطاع السياحة الذي لايزال متأثراً بالجائحة بشكل كبير وهي ليست بعدد قليل، حيث تمثل نصف دول أقاليم شرق آسيا والمحيط الهادي وأمريكا اللاتينية والكاريبي وشمال أفريقيا والشرق الأوسط ونحو خُمسي دول أفريقيا جنوب الصحراء دافعة متوسطات نمو هذه الأقاليم للانخفاض لمعدلات أقل من معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي في هذه الدول قبل الجائحة[5]، ويبين الشكل التالي معدلات النمو الاقتصادي في أقاليم العالم المختلفة المتقدمة والصاعدة والنامية وكذلك الفجوة بين آفاق النمو الاقتصادي في تلك الأقاليم وما كانت عليه هذه المعدلات قبل الجائحة حيث يلاحظ أن الاقتصادات المتقدمة هي التي عادت إلى مستويات النمو الاقتصادي قبل الجائحة وتخطتها بينما لاتزال هناك فجوة بين آفاق النمو الاقتصادي في الدول الصاعدة والنامية تتباين بين الأقاليم المختلفة لتبلغ أقصاها في إقليم أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا لتكون الأبطأ في التعافي.

شكل رقم (2)

آفاق النمو الاقتصادي في أقاليم العالم ودرجة تعافيها الاقتصادي [6]

وبشكل عام يمكن إجمال الملامح الرئيسية للاقتصاد العالمي في عام 2022 التي دفعت إلى توقعات بتباطؤ عملية التعافي الاقتصادي فيما يلي:

أولاً: استمرار الاختناقات في سلاسل التوريد: شكلت الاختلالات التي طرأت على سلاسل التوريد أو الإمداد العالمية جراء الجائحة عاملاً رئيسياً في تباطؤ عملية التعافي الاقتصادي العالمي بعد أزمة “كوفيد – 19”. حيث أدى انتشار الجائحة وما تبعه من إجراءات إغلاق إلى توقف حركة الشحن والتوريد ثم تباطؤها حتى بعد تخفيف القيود الوبائية. وقد أدى ذلك إلى إحداث اختلالات هيكلية في العرض مستمرة حتى الوقت الحالي، تمثلت في تأخر عمليات توريد المواد الخام للمنتجين وتأخر عمليات شحن المنتجات ونقلها إلى الأسواق. وبالإضافة إلى ذلك، حدث توقف وتباطؤ في عمليات الإنتاج نفسها، مع عجزها عن اللحاق بالانتعاش الذي طرأ على الطلب العالمي بعد انحسار الأزمة. كل ذلك أدى إلى وجود اختناقات حقيقية في سلاسل التوريد العالمية واختلالات بين العرض والطلب على مستوى العالم. ورغم ذلك، فإن الاختناقات الحالية في سلاسل التوريد أفضل مما كانت عليه في عام 2020 في الفترة الأولى للجائحة، التي ظهر فيها قصور حاد في التوريد إلى درجة عدم توافر بعض السلع الأساسية، وانخفاض المخزون من السلع الاستهلاكية حتى في الدول المتقدمة. حيث انخفض حجم المخزون من السلع الاستهلاكية الأساسية على سبيل المثال في الولايات المتحدة الأمريكية من 43 يوماً في إبريل 2020 إلى نحو 33 يوماً فقط في يونيو 2021[7]، كما أن عمليات التوريد لم تتعافَ بشكل كامل بعد لأن عودة عمليات الإنتاج إلى ما كانت عليه قبل الأزمة وقدرتها على مواجهة الطلب المتنامي قد تستغرق وقتاً أطول لما قد تستلزمه من استثمارات أكبر أو رفع في معدلات التشغيل. الأمر الذي انعكس في النهاية في صورة ارتفاع في أسعار العديد من السلع والمنتجات في الدول النامية والمتقدمة على حد السواء[8]. وقد دفع استمرار الاختناقات في سلاسل التوريد إلى خفض صندوق النقد الدولي لتوقعاته بشأن التعافي الاقتصادي مع توقعه لاستمرار هذه الاختناقات خلال عام 2022 حتى منتصف عام 2023.

ويبين الشكل (3) الاختناقات أو التشوهات التي لحقت بسلاسل الإمداد العالمية منذ بداية الجائحة في عام 2020 التي استمرت للسنوات اللاحقة وفقاً لمؤشر الضغط على سلاسل الإمداد العالمية Global Supply Chain Pressure Index، الذي تم تطويره، مؤخراً، من خلال بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك لقياس تلك الاختناقات باستخدام مجموعة من المؤشرات الفرعية التي تعبر عن مشكلات سلاسل الإمداد مثل الفترة الزمنية اللازمة لتوفير السلع وتكلفة النقل والشحن وغيرها من المؤشرات المتعلقة بسلاسل الإمداد[9].

شكل رقم (3)

 مؤشر الضغط على سلاسل الإمداد العالمية GSCI – [10]

ثانياً: ارتفاع معدلات التضخم على مستوى العالم: حيث شهد النصف الثاني من عام 2021 موجة تضخمية عالمية كبيرة ناجمة عن ارتفاع أسعار السلع والمواد الأولية خاصة البترول وغيره من موارد الطاقة نتيجة لارتفاع معدلات الطلب العالمي الناجم عن عودة النشاط الاقتصادي وما صحبه من اختناقات في العرض والإنتاج نتيجة الاختلالات التي أصابت سلاسل التوريد العالمية جراء الأزمة كما في الشكلين (4) و(5). وقد أدت هذه العوامل إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية أيضاً، حيث ارتفع الرقم القياسي لأسعار السلع الزراعية في يناير 2022 بنحو 20% مقارنة بما كان عليه في يناير 2021، ما شكل تهديداً حقيقياً للدول النامية والهشة لمواجهة أزمة توفير الأمن الغذائي لمواطنيها[11]، وقد ارتفع عدد الأفراد الذين يعانون نقصاً حاداً في الغذاء على مستوى العالم خلال عام 2021 بنحو 7% وهي نسبة ليست بالقليلة على الإطلاق فهي تعني زيادة عدد هؤلاء الأفراد إلى 227 مليون نسمة يعيش 80% منهم في دول هشة أو غير مستقرة[12]. كذلك فقد تؤدي السياسات الاقتصادية وبوجه خاص النقدية – والمتمثلة في رفع أسعار الفائدة وخفض عمليات شراء السندات – التي تتبعها الدول أو الاقتصادات المتقدمة لمواجهة أزمة التضخم إلى نقل هذه الأزمة إلى الاقتصادات النامية مسببة صدمة تضخمية مزدوجة لهذه الاقتصادات خاصة مع استمرار موجة التضخم إلى آجال أطول مما كان متوقعاً في بداية الأزمة.

شكل رقم (4)

تطور أسعار الغذاء العالمية [13]

شكل رقم (5)

تطور أسعار خام النفط في الأسواق العالمية [14]

وقد بلغ متوسط معدل التضخم العالمي مستويات أعلى من المستويات المتوقعة من قِبل المؤسسات الدولية لعام 2021، وانعكس بصورة سلبية على توقعات الأوضاع الاقتصادية لعام 2022. حيث بلغ متوسط التضخم العالمي في أكتوبر 2021 نحو 4.6% وهو معدل مرتفع جداً مقارنة بمعدل التضخم قبل الأزمة الذي بلغ في مايو 2020 نحو 1.2% فقط[15]. وذلك كما يتبين من الشكل (6):

شكل رقم (6)

تطور معدل التضخم العالمي في الدول النامية والمتقدمة [16]

ثالثاً: تفاقم أزمة المديونية: نجم عن أزمة “كوفيد – 19” زيادة مفرطة في معدلات الاستدانة على مستوى العالم حيث شهد عام 2020 أكبر طفرة في مستويات الديون عالمياً خلال عام واحد منذ الحرب العالمية الثانية. فقد وصل الدين العالمي إلى نحو 226 تريليون دولار تشكل نحو 256% من مجموع الناتج المحلي الإجمالي العالمي بزيادة 28 نقطة مئوية عن معدلاته عام 2019. وقد كان هذا النمو مدفوعاً بصورة أساسية بزيادة الاقتراض الحكومي حيث ارتفع الدين الحكومي من 70% من الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 124% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2020. كما ارتفع الدين الخاص كذلك لكن بمعدلات أقل إذ ارتفع من 164% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 178% خلال عام 2020[17]، وذلك كما يتبين من الشكل رقم (7) التالي:

شكل رقم (7)

تطور معدل الدين العالمي وهيكله [18]

 والحقيقة أن أزمة الديون، وإن كانت أكثر حدة في الدول الصاعدة والنامية إلا أنها موجودة كذلك في الدول المتقدمة نتيجة للسياسات الاقتصادية التي اتبعتها دول العالم كلها للتعامل مع تداعيات الجائحة وما ترتب عليها من قصور وعجز ماليين في الدول كافة. فالمتأمل للتغيرات التي طرأت في معدلات المديونية يجد أن الزيادة في الديون العالمية كانت ناجمة عن ارتفاع معدلات الدين في الدول المتقدمة والصين التي مثلت ديونها وحدها نحو 26% من إجمالي الدين العالمي. ولكن هشاشة اقتصادات الكثير من الدول النامية ومعاناة الدول الأشد فقراً منها في الوفاء بالتزاماتها المالية حتى قبل الأزمة يجعل مشكلة الديون من أكبر التحديات التي قد يعيق تعافيها الاقتصادي، بل طرحت العديد من التساؤلات حول مدى قدرة هذه الدول على الاستمرار في الوفاء بالتزاماتها دون تعثر، خاصة مع استمرار آفاق الأزمة الاقتصادية حتى منتصف عام 2023 واضطرار الدول لاتباع سياسات نقدية لمواجهة التضخم تقتضي من البنوك المركزية رفع أسعار الفائدة وتخفيض مشترياتها من السندات الحكومية وغيرها من أصول الاستدانة في الدول المتقدمة. ويبين الشكل رقم (8) تطور معدل ديون الدول النامية والمتقدمة.

شكل رقم (8)

تطور مستويات الدين الإجمالي والعام [19]

آفاق النمو الاقتصادي في أفريقيا:

شهدت الدول الأفريقية في الفترة التي سبقت أزمة “كوفيد – 19” معدلات نمو متصاعدة اقتربت في دول عدة من الـ 10%، فيما أطلق عليه في كثير من الكتابات الاقتصادية والسياسية مصطلح “الصعود الأفريقي”. إلا أن جائحة “كوفيد – 19” التي اجتاحت دول العالم مع بداية عام 2020 خلفت آثاراً اقتصادية حادة على الدول الأفريقية، مبرزة على نحو لا يدعو للشك المشكلات والاختلالات الهيكلية التي تعانيها هذه الاقتصادات برغم ما حققته من نمو اقتصادي. تمثلت هذه الاختلالات أساساً في اعتماد الهياكل الاقتصادية في أغلب الدول الأفريقية على الموارد الطبيعية، وانخفاض القيمة المضافة للقطاعات الاقتصادية الأفريقية، وهشاشة اقتصاد هذه الدول نتيجة ارتباطها بصورة شبه كاملة بالأسواق العالمية سواء في تصريف منتجاتها من السلع الأولية من جهة أو الحصول على احتياجاتها الرئيسية من هذه الأسواق من جهة أخرى. وبالتالي جاء التأثير الاقتصادي لهذه الأزمة مضاعفاً حيث شكلت الجائحة صدمة اقتصادية مزدوجة على اقتصادات هذه الدول من حيث تأثيرها في جانب العرض أو الإنتاج وخاصة في أسعار السلع الأولية ومعدلات الطلب الخارجي عليها، أو في جانب الطلبين المحلي والخارجي من خلال أثرها في التدفقات النقدية والاستثمار ومعدلات الاستهلاك المحلي وتدفقات التجارة الخارجية.

ومع تخفيف إجراءات الإغلاق المرتبطة بـ “كوفيد – 19” واستئناف النشاط الاقتصادي وانتعاش الطلب العالمي، شهدت الاقتصادات الأفريقية ارتفاعاً في معدل النمو الاقتصادي خلال عام 2021، حيث بلغ متوسط معدل النمو الاقتصادي في أفريقيا جنوب الصحراء نحو 3.5%، وهو أعلى بنحو 0.7 نقطة مئوية عن معدل النمو الذي قدره البنك الدولي لهذا الإقليم في بداية الفترة وإن كان لايزال أقل مما كان عليه قبل الجائحة. ويرجع هذا التحسن في النمو الاقتصادي عما كان متوقعاً بصورة كبيرة إلى الزيادة التي طرأت على أسعار السلع الأولية وارتفاع معدلات الطلب عليها في الأسواق العالمية مع استئناف النشاط الاقتصادي في ظل اعتماد الكثير من اقتصادات دول أفريقيا جنوب الصحراء على تصدير هذه السلع بصورة كبيرة. أما الدول غير الغنية بالموارد الطبيعية فلاتزال تعاني الانكماش الاقتصادي الناجم عن أزمة “كوفيد – 19” خاصة الدول الأفريقية التي يعتمد اقتصادها بصورة كبيرة على قطاع السياحة، مثل: سيشل وناميبيا وكينيا وموريشيوس. فمع انخفاض حركة السياحة بصورة حادة واستمرار الارتفاع في معدلات الإصابة في أفريقيا فمن المتوقع أن تسجل هذه الدول انكماشاً اقتصادياً يمتد لعامي 2022 و2023.

كذلك فإن أزمة توفير اللقاحات في الدول الأفريقية مع ظهور متحور “أوميكرون” وارتفاع معدلات الإصابة بأكثر من 50% في 70% من الدول الأفريقية وما نجم عنه من إعادة فرض إجراءات الإغلاق الجزئي في عدد من الدول الأفريقية مثل جنوب أفريقيا وناميبيا وأوغندا، بالإضافة إلى عدم الاستقرارين السياسي والأمني في العديد من الدول الأفريقية مثل حرب التيغراي في إثيوبيا وكذلك في بوركينافاسو ومالي وتشاد وموريتانيا والنيجر ونيجيريا، هذه العوامل كلها أدت إلى تباطؤ تدفقات الاستثمار في القارة الأفريقية وبالتالي توقعات أقل تفاؤلاً بشأن آفاق نمو دول أفريقيا جنوب الصحراء خلال عام 2022. وقد قدر النمو الاقتصادي المتوقع في أفريقيا جنوب الصحراء وفقاً للبنك الدولي بنحو 3.6% لعام 2022 و3.8% لعام 2023. إلا أن هذا المعدل لايزال أقل من متوسط النمو الاقتصادي لأفريقيا جنوب الصحراء قبل الجائحة للفترة (2019 – 2000) بنقطة مئوية واحدة[20]. وبذلك يمكن تحديد مصادر النمو الاقتصادي لأفريقيا خلال عام 2022 في بُعدين رئيسيين:

أولاً: من جانب العرض: ويتضمن ذلك التعافي النسبي لبعض القطاعات الرئيسية بعد الجائحة مثل قطاع التعدين والصناعات الاستخراجية في الدول المنتجة للبترول، وقطاع الخدمات ويشمل قطاع السياحة مع توقعات بعودة حركة السياحة بشكل جزئي في الدول السياحية، وقطاع الإنشاءات والبنية التحتية مع العودة النسبية إلى تدفقات الاستثمار في تلك الدول. أما قطاع الزراعة الذي يسهم بصورة كبيرة في الاقتصادات الأفريقية سواء في شكل ارتفاع مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي في تلك الدول أو من خلال مساهمته في التشغيل والإعالة لنسبة كبيرة من الأسر المعيشية في أفريقيا حتى في الدول الغنية بالموارد الطبيعيةـ فقد شكلت التحديات المرتبطة بالتغير المناخي متمثلة في مشكلات الجفاف في بعض المناطق أو تغير في معدلات الأمطار في مناطق أخرى عائقاً رئيسياً أمام تعافي هذا القطاع في كثير من الدول الأفريقية مثل بورندي وجزر القمر ومدغشقر وتنزانيا، أو تأثيرات عدم الاستقرار الأمني والعنف مثلما حدث في إثيوبيا ومالي، ما شكل عائقاً أمام نمو هذا القطاع وبالتالي دوره أو مساهمته في تحقيق النمو الاقتصادي في تلك الدول.

ثانياً: من جانب الطلب: يعتبر الاستثمار والتصدير من أهم محركات أو دوافع النمو الاقتصادي في القارة الأفريقية، وقد شكل ارتفاع أسعار السلع الأولية وتعافي الطلب العالمي على هذه السلع، وما تبع ذلك من زيادة في حصيلة الصادرات الأفريقية نتيجة انتعاش اقتصادات الشركاء التجاريين الرئيسيين للقارة الأفريقية والمتمثلين في الولايات المتحدة الأمريكية والصين والاتحاد الأوروبي، دافعاً إلى التوقعات بتعافي النمو الاقتصادي في القارة الأفريقية خلال عامي 2022 و2023. إلا أن معدل النمو المتوقع للواردات الأفريقية للحاق بالعجز في توفير السلع الذي نجم عن تباطؤ عمليات التوريد في بداية الأزمة يظل أعلى من المعدل المتوقع لنمو الصادرات ما أدى إلى انكماش صافي المعاملات الخارجية بنحو (-0.4%) في عام 2022 و(-0.2%) في عام 2023 وبالتالي أثر سلباً في معدل النمو الاقتصادي المتوقع في دول أفريقيا[21]. كذلك وبالرغم من التعافي النسبي لحركة التجارة لاتزال معدلات التبادل التجاري لأفريقيا جنوب الصحراء أقل مما كانت عليه قبل الجائحة وذلك ما يتبين من الشكل (9) التالي:

شكل رقم (9)

معدل التبادل التجاري لأفريقيا جنوب الصحراء [22]

أما فيما يتعلق بمعدلات الاستثمار وتدفقاته، فقد شهدت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر انخفاضاً ملحوظاً بلغ نحو (-16%) من عام 2019 إلى عام 2020، بل إن هذا الانخفاض كان حاداً في بعض الدول الأفريقية حيث وصل إلى نحو (-52%) في غانا على سبيل المثال خلال العام نفسه. كما انخفض عدد المشروعات التأسيسية خلال العام نفسه نسبة تصل إلى (-62%) وانخفض تمويل المشروعات الدولية بنحو (-74%). وعلى الرغم من عودة معدلات الاستثمار الأجنبي المباشر في أفريقيا إلى المعدلات التي كانت عليه قبل الأزمة خلال النصف الأول من 2021، إلا أن هذه المعدلات عاودت الانخفاض مرة أخرى في النصف الثاني في العديد من الدول الأفريقية خاصة في ظل ظهور المتحورات الجديدة لـ “كوفيد – 19” وعودة إجراءات الغلق الجزئي في عدد من الدول الأفريقية ومشكلات عدم الاستقرارين السياسي والأمني في دول أخرى. وقد كان لقطاع البنية التحتية وكذلك القطاعات التكنولوجية المرتبطة بعمليات الرقمنة دوراً أساسياً في جذب الاستثمارات الأجنبية إلى دول القارة الأفريقية خلال هذا العام. وبشكل عام من المتوقع أن يبلغ معدل نمو الاستثمارات في أفريقيا جنوب الصحراء بنحو 6.8% عام 2022 و8.7% عام 2023 خاصة في ظل ارتفاع المتوقع في الطلب على السلع الأساسية والموافقة واستكمال الإجراءات الخاصة بالعديد من المشروعات التأسيسية التي توقفت أو تعطلت جراء الأزمة والانتهاء الوشيك من وضع بروتوكول الاستثمار المستدام ضمن اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية[23].

وعلى صعيد آخر، يظل تباطؤ معدلات نمو الاستهلاك العائلي عاملاً أساسياً لكبح معدلات النمو الاقتصادي في الدول الأفريقية خاصة مع تأثير الجائحة في معدلات الفقر والقوى الشرائية للأفراد بصورة كبيرة في الدول الأفريقية بالإضافة إلى ما أدت إليه الأزمة من ارتفاع معدلات البطالة في تلك الدول[24]. ومن المتوقع أن يبلغ معدل نمو الاستهلاك الخاص نحو 3.1% عام 2022، و3.2% عام 2023 بعدما شهده هذا النمو من انكماش بواقع (-1.5%) خلال عام 2020.

شكل رقم (10)

معدلات النمو الاقتصادي في الدول الأفريقية [25]

وبذلك فتأثيرات المصادر المختلفة للنمو الاقتصادي في القارة الأفريقية متشابكة ومرتبطة بصورة أساسية كما سبقت الإشارة إليه في الهياكل الاقتصادية لكل دولة في ظل تعافي بعض القطاعات وتباطؤ قطاعات أخرى من جانب العرض، وتباطؤ تعافي جانب الطلب خاصة الطلب المحلي والمدفوع أساساً بتراجع معدلات الاستهلاك العائلي. ما يجعل بعض الدول الأفريقية تشهد معدلات تعافي اقتصادي جيدة بينما تعاني غيرها انكماشاً اقتصادياً من المتوقع أن يستمر في الأجل القصير. وذلك كما يتبين من الشكل رقم (10):

وبنظرة أكثر تفصيلاً على الآفاق الاقتصادية على مستوى الدول والأقاليم الأفريقية الفرعية والمبينة في الشكل رقم (11)، فقد تباينت معدلات التعافي الاقتصادي كما حدث من قبل في التأثيرات الاقتصادية للجائحة في هذه الأقاليم بحيث كان شمال أفريقيا وشرقها هي الأقاليم الأسرع تعافياً بمتوسط معدل نمو اقترب من 6%، في حين سجل إقليم جنوب أفريقيا معدل النمو الأبطأ بنحو 2% فقط.

شكل رقم (11)

تطور معدلات النمو الاقتصادي في الأقاليم الأفريقية الفرعية [26]

ويمكن وبشكل عام تحديد أهم التحديات المتعلقة بإقليم أفريقيا جنوب الصحراء التي تؤثر في معدلات تعافيها الاقتصادي فيما يلي:

أولاً: تباطؤ توفير اللقاحات وقصور ها في الدول الأفريقية: تعاني دول أفريقيا جنوب الصحراء من عجزها عن توفير عددٍ كافٍ من اللقاحات لسكانها. حيث تشير الإحصاءات الأخيرة إلى أن نحو 6.2% فقط من السكان حصلوا على الجرعات الكاملة للقاح “كوفيد – 19”. وهو معدل شديد التدني مقارنة بغيرها من الأقاليم الصاعدة والنامية التي بلغ متوسط معدلات التلقيح فيها نحو 44%. بل إن هذا المعدل انخفض بشكل حاد في الدول الأفريقية كثيفة السكان، مثل: إثيوبيا ونيجيريا وتنزانيا، ليبلغ نحو 2% فقط. بل إنها بلغت في الكونغو الديمقراطية التي تأتي في المرتبة الثالثة من حيث عدد السكان في أفريقيا جنوب الصحراء نحو 0.1% فقط[27].

ثانياً: تفاقم العجز العام ومشكلة الديون: لجأت العديد من الدول الأفريقية إلى تبنّي سياسات اقتصادية انكماشية لمواجهة أزمة ارتفاع الأسعار العالمية مثل أنجولا وموزمبيق وإثيوبيا وجنوب أفريقيا. إلا أن هذه السياسات لم تنجح بصورة كبيرة في كبح معدلات التضخم في تلك الدول خاصة مع انخفاض قيمة بعض العملات المحلية وانخفاض القدرة على قيام هذه الحكومات بدعم اقتصاداتها مالياً. وفي السياق نفسه اضطرت هذه الدول إلى زيادة إنفاقها العام لمواجهة تداعيات الأزمة ودعم الفئات الأكثر هشاشة ودعم قطاعاتها الصحية الأمر الذي أدى إلى قصور الإنفاق العام في بعض القطاعات وخاصة قطاع البنية التحتية من جهة، وتنامي العجز العام من جهة أخرى، وهو ما انعكس في ارتفاع حجم الدين العام أو الحكومي بصورة مطردة في أكثر من ثلثي دول أفريقيا جنوب الصحراء. وبشكل عام فقد ارتفع حجم الديون الخارجية في أفريقيا جنوب الصحراء كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي من نحو 22% قبل أزمة “كوفيد – 19” إلى نحو 27% عام 2020 ومن المتوقع أن تبلغ هذه النسبة نحو 26% عام 2022 و25.3% عام 2023. وتباينت معدلات الزيادة في المديونية وفقاً لطبيعة اقتصاد الدول بحيث تتراوح معدلات الزيادة من 10% إلى 25% من الناتج المحلي الإجمالي، بحيث تكون الزيادة الأكبر في الدول البترولية والأقل في الدول غير الغنية بالموارد الطبيعية. وتشكل هذه الزيادة المطردة في الديون تهديداً حقيقياً للاقتصادات الأفريقية خاصة أن العديد من هذه الدول كانت تعاني بالفعل أزمة في سداد ديون متراكمة بقيمة 583 مليار دولار حتى قبل الجائحة. وقد أشار تقرير لصندوق النقد الدولي، مؤخراً، إلى أن هناك 17 دولة أفريقية معرضة لخطر التعثر في سداد مديونيتها، منها: إثيوبيا وأنجولا ونيجيريا وغانا وناميبيا. وكان أن تخلفت زامبيا بالفعل عن سداد التزامات ديونها حيث تخلفت عن سداد قيمة سندات دولية بقيمة 42.5 مليون دولار في نوفمبر 2020. وتحتاج الدول الأفريقية إلى ما يقرب من 410 مليارات يورو لسداد مستحقات الديون بحلول عام 2023 في ظل تباطؤ اقتصادي وتراجع في التدفقات المالية النقدية من المتوقع أن يطول أمده مع استمرار الجائحة[28].

ثالثاً: التداعيات الاقتصادية للتغير المناخي: على الرغم من أن مساهمة القارة الأفريقية في الانبعاثات على مستوى العالم هي مساهمة محدودة للغاية، فإن أفريقيا تعتبر من أكثر المناطق التي تعاني تداعيات هذه الظاهرة خاصة فيما يتعلق بانعكاساتها المباشرة على الإنتاجية الزراعية وحجم الإنتاجين الزراعي والحيواني في العديد من الدول في شرق أفريقيا وجنوبها، مثل: كينيا وأنجولا وتنزانيا ومدغشقر، وما يستتبع ذلك من آثار على مستويات الأمن الغذائي من جهة ومعدلات الفقر ومستويات المعيشة من جهة أخرى. بل إن بعض الدراسات ربطت بين التغير المناخي وعدم الاستقرار السياسي في عدد من الأقاليم والمناطق الأفريقية، حيث تؤدي أزمات الجفاف المتلاحقة إلى تصاعد النزاع مثل ما حدث في إقليم دارفور وأزمات جماعة الفولاني في مالي وشمال نيجيريا وهي الأزمات التي أسندتها العديد من الدراسات إلى مشكلة التغير المناخي والتهديدات البيئية المرتبطة به.

 وختاماً، على الرغم من أن المؤشرات الاقتصادية للدول الأفريقية قد بدأت في التعافي مع عودة النشاط الاقتصادي والمحاولات المستمرة للتعايش مع الجائحة، فإن هذه المعدلات مازالت متباطئة في الدول الأفريقية مقارنة بباقي أقاليم العالم خاصة في ظل التحورات الجديدة للفيروس والمشكلات المتعلقة بمعدلات توفير اللقاحات التي لاتزال شديدة التدني في معظم دول القارة الأفريقية مقارنة بباقي الأقاليم النامية. وبذلك أصبح هناك مجموعة من التحديات التي يجب التعامل معها في الأجل القصير حتى يمكن التعجيل بمعدلات التعافي الاقتصادي في القارة الأفريقية وهي التحديات التي يمكن إجمالها في: أزمة الديون، وارتفاع معدلات التضخم، وتباطؤ عودة تدفقات الاستثمار الأجنبي لهذه الدول. بالإضافة إلى التحديات المتعلقة بالقطاع الصحي أو التحديات المتعلقة بتوفير اللقاحات لسكان هذه الدول والتعامل مع الآثار المجتمعية التي خلفتها الجائحة مثل ارتفاع معدلات الفقر ومخاطر انعدام الأمن الغذائي ما يشكل ضغطاً حقيقياً على أولويات تعبئة التمويل المتاح في هذه الدول التي تعاني بالفعل القصور حتى قبل الأزمة.

أما في الأجلين المتوسط والطويل فعلى الدول الأفريقية التعامل بصورة أكثر جدية وفاعلية مع مشكلة اختلالات هياكلها الاقتصادية والتوجه إلى تنويع إنتاجها من خلال تعزيز القطاعات الإنتاجية التي تدعم عملية الاستدامة وتجعل اقتصادات هذه الدول أقل هشاشة وقادرة بصورة أكبر على الصمود أمام الأزمات الخارجية والمتمثلة أساساً في ضرورة بناء وجود قطاع تصنيع حقيقي وتعزيزه، وأن يكون قادراً على دفع عجلة التنمية وخلق قيم مضافة لاقتصادات هذه الدول ودمجها في سلاسل الإنتاج العالمية بصورة أكثر فاعلية. أما الأولوية الثانية التي لا تقل أهمية فتتمثل في ضرورة تولية اهتمام أكبر بقطاع الصحة من خلال تعبئة أو توجيه حجم أكبر من التمويل لهذا لقطاع.

كذلك من أهم الأولويات التي يجب أن تتبنّاها القارة الأفريقية هو إعطاء أهمية أكبر لعملية التحول الرقمي وما يستلزمه ذلك من بنية تحتية وبشرية للتعجيل بهذه العملية في المجالات الاقتصادية المختلفة ومنها بالطبع التجارة الإلكترونية الأمر الذي تعززت أهميته بصورة كبيرة خلال جائحة “كوفيد – 19”. وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن تفعيل عمليات التجارة الإلكترونية وتعزيز عمليات التعامل المالي الرقمي كانا ركنين أساسيين في اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية القارية التي دشنتها الدول الأفريقية، مؤخراً، في يناير 2021 وتتضمن من ضمن آليات تنفيذها إنشاء مرصدٍ للتجارة الإلكترونية ونظامٍ إلكتروني لتسوية المدفوعات.

وفي هذا السياق من الجدير بالذكر أن أزمة “كوفيد – 19” التي شكلت نقطة فاصلة في الاقتصاد العالمي، وعلى الرغم من تداعياتها الإنسانية والاقتصادية الكبيرة فإنها في الوقت نفسه كانت أزمة كاشفة للاختلالات الاقتصادية في دول القارة الأفريقية، فجاءت لتؤكد ضرورة ترتيب أولويات الأجندة الأفريقية والتعجيل أو إعطاء أهمية أكبر لبعض السياسات مثل تنويع الهياكل الاقتصادية والرقمنة والتكامل الإقليمي وبناء سلاسل الإمداد الأفريقية وغيرها من الأفكار  والاستراتيجيات التي كانت مطروحة في الساحة الأفريقية ولكنها أصبحت ذات أولوية للدول الأفريقية لكي تستطيع الخروج من هذه الكبوة وليس تحقيق التعافي الاقتصادي فقط، وإنما تحقيق تنمية مستدامة حقيقية أيضاً.

 

المراجع

[1]. World Bank: Global Economic Prospects 2022 (Washington D.C: WB, 2022).

[2]. Idem.

[3].  لوسيا كواليتي وكوليت ويلر: الآفاق الاقتصادية العالمية، البنك الدولي، يناير 2022، في:

https://blogs.worldbank.org/ar/voices/alafaq-alaqtsadyt-alalmyt-fy-khmst-rswm-byanyt-2022

[4]. World Bank: Global Economic Prospects 2022 (Washington D.C.: WB, 2022).

[5]. Idem.

[6]. World Bank: Global Economic Prospects 2022 (Washington D.C.: WB, 2022)

[7]. Soltas, S. H.: Why the Pandemic Has Disrupted Supply Chains, White House written materials, 2021, at:

https://www.whitehouse.gov/cea/written-materials/2021/06/17/why-the-pandemic-has-disrupted-supply-chains/

[8]. World Economic Forum: 5 Ways the COVID-19 Pandemic has Changed the Supply Chain, 2022, at:

https://www.weforum.org/agenda/2022/01/5-ways-the-covid-19-pandemic-has-changed-the-supply-chain/

[9]. Gianluca Benigno, Julian di Giovanni, Jan J. J. Groen, and Adam I. Noble: A New Barometer of Global Supply Chain Pressures, Federal Reserve Bank of New York, January 2022, at:

https://libertystreeteconomics.newyorkfed.org/2022/01/a-new-barometer-of-global-supply-chain-pressures/

[10]. Gianluca Benigno, Julian di Giovanni, Jan J. J. Groen, and Adam I. Noble: A New Barometer of Global Supply Chain Pressures, Federal Reserve Bank of New York, January 2022, at:

https://libertystreeteconomics.newyorkfed.org/2022/01/a-new-barometer-of-global-supply-chain-pressures/

[11]. لا يقتصر تأثير أزمة “كوفيد – 19” على قضية الأمن الغذائي وتأثيره في أسعار الغذاء فقط ولكن في تفاقم هذه الأزمة في العديد من الدول، التي جاءت نتيجة مجموعة من العوامل المتشابكة المرتبطة بتأثيرات “كوفيد – 19” الممثلة في تأثيره في سلاسل الإمداد وفي مستويات الدخول والفقر في هذه الدول، وهي العوامل التي أدت مجتمعة إلى تفاقم أزمة انعدام الأمن الغذائي.

[12]. World Bank: Food Security and Covid-19, 2022, at:

https://www.worldbank.org/en/topic/agriculture/brief/food-security-and-covid-19

[13]. Simon Pott: Food Prices Approaching Record Highs, Welt Hunger Hilfe, January 2022, at:

https://www.welthungerhilfe.org/news/press-releases/2022/food-prices-approaching-record-highs/

[14]. US energy information Administration: EIA Forecast Crude Oil Prices Will Fall in 2022 and 2023, January 2022, at:

https://www.eia.gov/todayinenergy/detail.php?id=50858

[15]. World Bank: Global Economic Prospects 2022, Op cit.

[16]. Morgan Stanly Research: 2002 Outlook: Growth Despite Inflation, December 2021, at:

https://us.etrade.com/knowledge/library/perspectives/market-happenings/ms-2022-global-economic-outlook

[17]. صندوق النقد الدولي: الدين العالمي يسجل مستوى قياسياً قدره 226 مليار دولار، ديسمبر 2021. في:

https://www.imf.org/ar/News/Articles/2021/12/15/blog-global-debt-reaches-a-record-226-trillion

[18]. صندوق النقد الدولي: الدين العالمي يسجل مستوى قياسياً قدره 226 تريليون دولار، ديسمبر 2021. في:

https://www.imf.org/ar/News/Articles/2021/12/15/blog-global-debt-reaches-a-record-226-trillion

[19]. World Bank: Global Economic Prospects 2022 (Washington D.C.: WB, 2022)

[20]. World Bank: Global Economic Prospects 2022, Op cit.

[21]. Idem.

[22]. IMF: Regional Economic Outlook 2021: Sub Saharan Africa, (Washington D.C.: IMF, October 2021).

[23]. الأونكتاد: تقرير الاستثمار العالمي 2021: الاستثمار في انتعاش مستدام، 2021، في:

 https://unctad.org/system/files/official-document/wir2021_overview_ar.pdf

[24]. Strobel, A.: Post COVID-19 Sub Saharan African Consumer Spending, May 2021, at:

https://ihsmarkit.com/research-analysis/postcovid19-subsaharan-african-consumer-spending.html

[25]. AFDB: African Economic Outlook 2021: Regional Reports, at:

https://www.afdb.org/en/news-keywords/african-economic-outlook

[26]. African Development Bank (Afdb): North Africa Economic Outlook 2021, 2021. At:

https://www.afdb.org/en/documents/north-africa-economic-outlook-2021

[27]. International Monetary Fund (IMF): Regional Economic Outlook 2021: Sub Saharan Africa, at:

https://www.imf.org/en/Publications/REO/SSA/Issues/2021/10/21/regional-economic-outlook-for-sub-saharan-africa-october-2021

[28]. جيهان عبدالسلام: أزمة الديون في أفريقيا في ظل وباء كورونا: الأسباب وجهود الاحتواء، مركز فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، عام 2021، في:

https://pharostudies.com/?p=6542

المواضيع ذات الصلة