شهدت الولايات المتحدة أزمة مركَّبة (سياسية وأيديولوجية ودستورية، بل وقومية) مركزها ولاية تكساس، وعنوانها “المواجهة بين حكومة الولاية والحكومة الفيدرالية على حق الوصول الفيدرالي للحواجز الحدودية” على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة في نطاق ولاية تكساس وتباين اقتراب مكافحة الهجرة غير الشرعية بين الطرفين. وقد أشعل المواجهة قرار المحكمة العليا، في 22 يناير الجاري، بالسماح لعملاء حرس الحدود الفيدراليين بإزالة الأسلاك الشائكة التي ركّبها مسؤولو تكساس على الحدود[1]، وغذاها الاستقطاب “السياسي” الحاد بين الديمقراطيين والجمهوريين منذ أعوام عدة، والتفسيرات المتباينة للنصوص الدستورية، ووجود حركة قومية في الولاية ذات النجمة الواحدة تنشد الاستقلال وتطالب بـ “تكسيت[2]” على غرار الخروج البريطاني السلمي من الاتحاد الأوروبي.
تسعى هذه الورقة إلى استقراء الأبعاد المتعددة للأزمة المركبة التكساسية، واستشراف مآلاتها أو سيناريوهاتها المحتملة. ولكن قبل ذلك يتم استقصاء جذور الأزمة الحالية في طبيعة النظام السياسي الأمريكي وملف الهجرة غير الشرعية.
أولًا- جذور الأزمة: الدستور والسياسة والهجرة غير الشرعية والانتخابات:
تعد تكساس ثاني أكبر ولاية أمريكية من حيث المساحة بعد ألاسكا، ومن حيث عدد السكان بعد كاليفورنيا. تبلغ مساحة تكساس (695.660 كم2)، ومعظم حدودها مع الولايات الأخرى والمكسيك أنهار ومجارٍ مائية. ويبلغ عدد سكانها (30,503,301) مليون نسمة، وفقًا لتقديرات يوليو 2023، وخُمْسَا ذلك العدد من أصل أسباني[3]. وتاريخيًا؛ هي الولاية رقم 28 في اتحاد الولايات الأمريكية عندما انضمت عام 1845، وقد كانت قبل ذلك جمهورية مستقلة لبضع سنوات قبل أن تتخلى عن استقلالها وتنضم إلى الاتحاد الأمريكي. وقبل ذلك، كانت جزءًا من المكسيك، في الفترة من عام 1821 لعام 1836، وقبل ذلك كانت جزءًا من الإمبراطورية الإسبانية لأكثر من قرن.
واقتصاديًّا؛ تعد ثاني أكبر ولاية أمريكية مسهمة في اقتصاد الولايات المتحدة، حيث يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لتكساس 2.4 ترليون دولار، وفقًا لإحصاءات 2022؛ ما يجعل اقتصادها ثاني أكبر اقتصاد في الولايات المتحدة بعد كاليفورنيا، وهو أكبر من اقتصادات البرازيل وكندا وروسيا وكوريا الجنوبية وإسبانيا، ولو كانت دولة مستقلة، لجاءت تكساس في المركز الثامن بين أكبر اقتصادات العالم. كما أن تكساس هي الأولى أمريكيًّا في إنتاج النفط والغاز الطبيعي، وفي تكرير النفط. كما تتصدر إنتاج طاقة الرياح، حيث تنتج ثلث إجمالي الإنتاج الأمريكي منها[4].
لم تكن الأزمة التكساسية الراهنة وليدة الأيام الأخيرة وإنما هناك جذور عدة لها، يتمثل بعضها في طبيعة النظام السياسي الأمريكي ذاته وتعقيداته العميقة، وما يسمح به الدستور من مرونة وتفاوض واسعين بين الفاعلين السياسيين في الولايات المتحدة رأسيًّا وأفقيًّا، سواء بين الحكومة الفيدرالية والحكومات المحلية من جهة، أو بين أفرع الحكومة الفيدرالية ذاتها سواء السلطة القضائية أو التشريعية أو التنفيذية، ما ينعكس على عملية التفاوض السياسي بين أطراف أي أزمة سياسية داخل النظام الأمريكي. ومن جذور الأزمة أيضًا ملف الهجرة غير الشرعية الذي يُعد أحد أهم ملفات السياسة الأمريكية في السنوات السابقة؛ وربما القادمة. وبناء على ذلك، فهو ورقة رابحة للتسويق والفوز بالانتخابات الأمريكية.
الخريطة (1)
توضح الموقع الجغرافي لولاية تكساس من الحدود الأمريكية المكسيكية
المصدر/ خرائط جوجل (تاريخ الدخول 28 يناير 2024)
فمن السمات الفريدة للدستور الأمريكي -الذي يُوصف بالقليل نسبيًّا في عدد مواده وتعديلاته- أنه يسمح بمساحات تفاوض واسعة بين أفرع الحكومة على المستوى الرأسي فيدراليًّا/محليًّا، وعلى المستوى الأفقي قضائيًّا/تنفيذيًّا/تشريعيًّا، ولعل هذه السمة من السمات التي تضفي مزيدًا من التنافس بين الأفرع المختلفة للحكم في الولايات المتحدة من ناحية، لكنها تتسبب في العديد من الأزمات السياسية بين الحين والآخر، ومنها الأزمة الراهنة. ولفهم الإطار الدستوري للأزمة والتباين بين الحكومة الفيدرالية والمحلية في إعمال الدستور الأمريكي في الأزمة، تَجدر الإشارة إلى متن المواد التي استند إليها كل طرف فيها. فينص الدستور الأمريكي في الفقرة التاسعة من المادة التاسعة من المادة الأولى، بند 2 “إن امتياز استصدار أمر استحضار أمام القضاء لا يجوز أن يُعلَّق إلا عندما تستدعي السلامة العامة ذلك في حالات العصيان أو الغزو”. كما نصت الفقرة العاشرة من المادة الأولى بند 3 أنه “لا يجوز لأية ولاية، من دون موافقة الكونغرس، أن تفرض أية رسوم على حمولة السفن، أو تحتفظ بقوات عسكرية أو سفن حربية في وقت السلم، أو تعقد أي اتفاق أو ميثاق مع ولاية أخرى أو دولة أجنبية، أو تشتبك في حرب إلا إذا غُزيت فعلًا، أو إذا كان هناك خطر داهم لا يسمح بالتأخير”[5].
كما تنص المادة الرابعة في الفقرة الرابعة منها أنه “تضمن الولايات المتحدة لكل ولاية في هذا الاتحاد حكومة ذات نظام جمهوري، وتحمي كلًا منها من الغزو، كما تحميها، بناء على طلب الهيئة التشريعية، أو السلطة التنفيذية (في حال تعذر انعقاد الهيئة التشريعية) من أعمال العنف الداخلية”، وهي المواد الدستورية التي استند إليها حاكم تكساس “غريغ أبوت” لتحدي إدارة الرئيس “بايدن” سواء بتعطيل حكم المحكمة العليا القاضي بعدم منع العملاء الفيدراليين من الوصول إلى الحواجز الحدودية، أو إعلانه حق الدفاع عن النفس، وذلك عندما قال في بيان له ما نصه: “إن فشل إدارة بايدن في حماية كل ولاية من الغزو -كما هو مذكور في المادة الرابعة من القسم الرابع من الدستور- أدى إلى تفعيل المادة الأولى، الفقرة 10، البند 3، التي تلتزم بها، وهو حق الدفاع عن النفس، واستنادًا إلى ما سبق فقد أعلن حاكم الولاية الغزو بموجب المادة الأولى، الفقرة 10، البند 3 لاستدعاء السلطة الدستورية لولاية تكساس للدفاع عن نفسها وحمايتها، وهذه السلطة هي القانون الأعلى للبلاد، وتحل محل أي قوانين اتحادية تتعارض مع ذلك. وعليه، فإن الحرس الوطني في ولاية تكساس وإدارة السلامة العامة في تكساس وموظفي تكساس يتصرفون بناء على تلك السلطة، إضافة إلى قانون الولاية، لتأمين حدود تكساس”.
بَيد أنه ووفقًا للمادة السادسة من الدستور الأمريكي المعنونة بـ”سمو الحكومة القومية” التي تنص على الآتي: “هذا الدستور، وقوانين الولايات المتحدة التي تصدُر تبعًا له، وجميع المعاهدات المعقودة أو التي تُعقد تحت سلطة الولايات المتحدة، تكون القانون الأعلى للبلاد، ويكون القضاة في جميع الولايات ملزمين به، ولا يُعتدُّ بأي نص في دستور أو قوانين أية ولاية يكون مخالفًا لذلك”، وعليه ووفقًا لهذه المادة، يكون للرئيس “بايدن” مساحات دستورية واسعة للتعامل مع حاكم تكساس إذ ما اتجه إلى أن يطلب من الكونجرس استصدار تشريع لتنظيم الوصول الفيدرالي للحواجز الحدودية أو غيرها، بدلًا من استصدار قرار إداري أو طلب حكم قضائي، وذلك على الرغم من أن الجمهوريين يسيطرون على مجلس النواب بـ221 مقعدًا مقابل 213 للديمقراطيين منذ انتخابات التجديد النصفي في 2022، لكن ذلك لا يزال ممكنًا بصورة أصعب – إذا ما تطلب الأمر- وما يدعم ذلك أن السيطرة حاليًّا في المحكمة العليا للقضاة المحافظين، ومع ذلك تمكنت الحكومة الفيدرالية من استصدار قرارها محل النزاع الراهن والقاضي بتمكين العملاء الفيدراليين التابعين لحرس الحدود من الوصول للحواجز الحدودية وإزالتها[6].
ويُعدُّ ملف الهجرة غير الشرعية البُعد الرئيسي في الأزمة الراهنة بين ولاية تكساس والحكومة الفيدرالية. وتجدر الإشارة إلى أن طول الحدود الأمريكية المكسيكية يبلغ نحو 3145 كيلومترًا، وتعبر تلك الحدود أربع ولايات هي كاليفورنيا، وأريزونا، ونيومكسيكو وتكساس، وتضم الحدود الأمريكية المكسيكية 42 معبرًا بين البلدين. أما عن المسارات الشائعة للهجرة غير الشرعية للداخل الأمريكي فتبدأ عادة عبر رحلات المهاجرين غير الشرعيين بالقطارات المنطلقة من مدينتَي “كواتزاكوالكوس” و”تونسكي” المكسيكيتين على بُعد خمسين كيلومترًا من الحدود مع غواتيمالا في اتجاه الحدود الأمريكية. وتسيطر عصابات الجريمة المنظَّمَة على تلك المناطق، حيث تقوم بسرقة أموال المهاجرين وخطفهم وطلب فدية، أو مطالباتهم بإتاوات لركوب القطارات، ما قد يضطر معه أغلبهم إلى السير على الأقدام في اتجاه الحدود تجنبًا لتلك العصابات، ليسهُل القبض عليهم من قِبَل حرس الحدود الأمريكيين، أو بتعبير أدق، ليتحقق هدف هؤلاء المهاجرين بالقبض عليهم من قِبَل حرس الحدود الأمريكيين. وكذا فهناك مسار آخر شائع للعبور، حيث يتوجه عدد من المهاجرين إلى مدينة “تيخوانا” المكسيكية المشتركة في الحدود مع ولاية كاليفورنيا، وذلك في محاولة للتسلل عبر الجدار الحديدي الذي شيدته السلطات الأمريكية هناك.
بَيد أن رحلة المهاجرين لا تبدأ في الأساس من الحدود المكسيكية الأمريكية، بل قبل ذلك بمراحل تتصف بالخطورة البالغة، حيث يأتي المهاجرون من دول أمريكا الوسطى والشرق الأوسط وشرق أوروبا لدولة جواتيمالا أو حولها من الدول التي تمنح تأشيرات يسيرة للأجانب، ويتجه المهاجرون عند دخولهم لغواتيمالا، لحدودها مع المكسيك ليعبروا نهر “سوشيات” بولاية “تشياباس” المكسيكية، ليواجهوا خطر الغرق وسوء المعاملة من أفراد الشرطة المكسيكية، لتأتي بعد ذلك مرحلة عبور الحدود المكسيكية الأمريكية عبر تحيُّن لحظة الهروب من دوريات مراقبة الحدود الأمريكية بواسطة مهربين مقابل آلاف الدولارات من خلال حشدهم في ظروف غير إنسانية داخل شاحنات وسط صحراء شديدة الحرارة. ويقدَّر عدد العابرين للحدود بصورة غير شرعية ما بين 400 ألف إلى مليون و200 ألف سنويًّا، منها 2500 حالة ضبط أو إعادة أو رفض دخول من المعابر الشرعية لتلك الحدود يوميَّا[7].
وليست الأزمة الراهنة هي الوحيدة في تاريخ الأزمات بين الحكومات الفيدرالية المتعاقبة وحكّام الولايات، ولعل أشهر تلك الأزمات السابقة التي حدثت بين الحكومة الفيدرالية وحكام الولايات واستُخدم فيها الحرس الوطني لإنفاذ القانون وأُعيد تنظيمه فيدراليًّا، ما حدث في يونيو 1963 عندما قام الطالبان الأسودان “فيفيان مالون” و”جيمس هود” بالتسجيل في الفصول الدراسية بجامعة ألاباما إبّان الفصل العنصري، على الرغم من محاولة حاكم الولاية حينها “جورج سي والاس” منع تسجيلهم أو دخولهم الجامعة[8]، فقام الرئيس كينيدي بإرسال حراس فيدراليين والحرس الوطني في ولاية ألاباما لمرافقة الطالبين لتمكينهما من دخول قاعة “فوستر” والتسجيل في الفصول الدراسية، فرفض حاكم الولاية “ولاس” ذلك في بيان علني، منددًا بالحكومة الفيدرالية، فما كان من كينيدي إلا أن أمر الحرس الوطني بإزاحته فورًا عن منصبه بعد ظهر ذلك اليوم؛ ما دفع “والاس” لإدلاء بيان امتثل فيه لأمر الرئيس، وسُجّل الطالبان من دون وقوع أي حادث آخر[9]. وقد أعقب هذه الحادثة توحيد الرئيس كيندي للحرس الوطني وإعادة تنظيمه فيدراليًّا في 10 سبتمبر 1963 لمنع تكرار تلك الحوادث أو إساءة توظيف الحرس الوطني[10].
ثانيًا- تطور الأزمة:
يمكن إرجاع الأزمة الراهنة إلى عام 2006، عندما شرعت الحكومة الفيدرالية في بناء سور تنتشر في محيطه أسلاك شائكة على كامل الحدود الجنوبية، ووضعت حوله آلاف الكاميرات وأجهزة الرؤية الليلية والاستشعار، وتنفق الحكومة الأمريكية لتأمين تلك الحدود فقط 3.5 مليارات دولار سنويًّا، وتنشر 17 ألف عنصر أمن تابعين لحرس الحدود. ولكن مع تغيُّر الإدارات الأمريكية عادة ما يحدث تباطؤ أو تعطُّل في بناء السور. وفي ديسمبر 2021، شرعت ولاية تكساس منفردة ببناء “الجدار الحدودي”، في سابقة هي الأولى من نوعها، منتقدة إدارة بايدن لكونها “لم تتخذ خطوات كافية في مواجهة الهجرة غير الشرعية” حسبما صرح حاكم الولاية “غريغ أبوت” في مؤتمر صحفي في ذاك الوقت[11].
ثم عمدت السلطات المحلية لولاية تكساس إلى منع العملاء الفيدراليين التابعين لسلطة حرس الحدود الأمريكي بالوصول إلى جزء من الحدود، ما دعا وزارة العدل الأمريكية إلى إصدار مذكرة قضائية في 12 يناير 2024، طلبت فيها من المحكمة العليا الأمريكية التدخل في الأزمة. وعليه صدر قرار المحكمة العليا الأمريكية بعد 10 أيام بأغلبية 5 أصوات مقابل 4، الذي يسمح لعملاء حرس الحدود الفيدراليين بإزالة الأسلاك الشائكة التي وضعها مسؤولو تكساس على الحدود[12]. ولكن حاكم الولاية، غريغ أبوت، تحدى حكم المحكمة، وأمر الحرس الوطني في تكساس بالاستمرار في حماية حدود الولاية. وبعد أن أعطت إدارة بايدن تكساس مهلة حتى 26 يناير لإزالة الأسلاك الشائكة، لم تلتزم السلطات المحلية بالمهلة. وقد اعتبرت إدارة بايدن الإجراءات التي اتخذها حاكم ولاية تكساس لحماية الحدود الأمريكية غير آمنة.
وتسارعت التطورات، ففي 25 يناير أعلنت 25 ولاية جمهورية – حكامها جمهوريون- أي 50% من ولايات الدولة الأمريكية تقديم دعمهم لحاكم تكساس و”السلطة الدستورية في الولاية للدفاع عن نفسها، بما في ذلك وضع أسوار الأسلاك الشائكة لتأمين الحدود ضد ما وصفه حاكم تكساس “غزو” المهاجرين لولايته، حيث أصدر الحكّام الجمهوريون لتلك الولايات بيانًا مشتركًا، فيما عُرف بـ “بيان دعم تكساس”، جاء فيه: “نحن نفعل ذلك جزئيًّا لأن إدارة بايدن ترفض تطبيق قوانين الهجرة الموجودة بالفعل، وتسمح بشكل غير قانوني بالإفراج المشروط الجماعي في جميع أنحاء أمريكا عن المهاجرين الذين دخلوا بلدنا بشكل غير قانوني”، إذ إنه “نظرًا إلى أن إدارة بايدن تخلت عن واجباتها الدستورية تجاه الولايات، فإن تكساس لديها كل المبررات القانونية لحماية سيادة ولاياتنا وأمّتنا”، وهو ما ترتب عليه بدء إرسال تلك الولايات وحدات من الحرس الوطني إلى ولاية تكساس لتقديم الدعم لها؛ ما اعتُبِرَ تحديًّا لإدارة جو بايدن وسلطاته الفيدرالية، واستجابة عملية لدعوة سابقة للرئيس السابق دونالد ترامب للولايات التي يقودها الجمهوريون إلى التعاون معًا لمكافحة مشكلة الهجرة غير النظامية على الحدود الجنوبية، إذ جاء في دعوته “نشجع جميع الولايات الراغبة في نشر حراسها في تكساس لمنع دخول المهاجرين غير النظاميين وإعادتهم عبر الحدود”، وهو ما يرى الجمهوريون أن إدارة بايدن فشلت في التعامل معه بشكل فعال[13].
الخريطة (2)
توضح موقع الولايات الداعمة لحاكم تكساس في الأزمة الراهنة
(الجدول 1)
يوضح قائمة حكام الولايات الجمهوريين الموقعين على بيان دعم حاكم تكساس وحجم الناتج المحلي الإجمالي لكل ولاية في القائمة وترتيب مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي
م | اسم الحاكم | الولاية | الناتج المحلي الإجمالي بالمليار دولار | ترتيب مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي |
1 | كاي آيفي | آلاباما | 257 | 27 |
2 | مايك دونليفي | آلاسكا | 58 | 49 |
3 | سارة ساندرز | أركنساس | 150 | 36 |
4 | رون ديسانتيس | فلوريدا | 1300(1.3 ترليون) | 4 |
5 | بريان كيمب | جورجيا | 714 | 8 |
6 | براد ليتل | أيداهو | 98 | 40 |
7 | إريك هولكومب | إنديانا | 438 | 18 |
8 | كيم زينولدز | آيوا | 226 | 30 |
9 | جيف لاندري | لوزيانا | 267 | 26 |
10 | تيت ريفز | ميسيسيبي | 130 | 37 |
11 | مايك بارسون | ميسوري | 373 | 22 |
12 | غريغ جيانفورتي | مونتانا | 62 | 48 |
13 | جيم بيلين | نبراسكا | 154 | 35 |
14 | جو لومباردو | نيفادا | 204 | 32 |
15 | كريس سونونو | نيو هامبشاير | 102 | 39 |
16 | دوغ بورغوم | داكوتا الشمالية | 66 | 46 |
17 | مايك ديواين | أوهايو | 765 | 7 |
18 | كيفن ستيت | أوكلاهوما | 219 | 31 |
19 | هنري ماكماستر | كارولينا الجنوبية | 282 | 24 |
20 | كريستي نويم | داكوتا الجنوبية | 63 | 47 |
21 | بيل لي | تينيسي | 439 | 17 |
22 | سبنسر كوكس | يوتا | 230 | 29 |
23 | جلين يونجكين | فرجينيا | 615 | 13 |
24 | جيم جاستيس | فرجينيا الغربية | 92 | 42 |
25 | مارك جوردون | وايومنغ | 44 | 50 |
الإجمالي | 25 حاكم ولاية | 7348 مليار دولار |
من تصميم الباحث استنادًا إلى بيانات https://wisevoter.com/state-rankings/gdp-by-state/#alabama (تاريخ الدخول 27 يناير 2024)
وعاد الحرس الوطني إلى صدارة المشهد في هذه الأزمة عبر موقفين متباينين بشأن دوره وتبعيته الولائية، الموقف الأول ما صوّره كيفن ستيت حاكم ولاية أوكلاهوما، وهو ضمن الـ 25 حاكمًا الذين وقّعوا “بيان دعم تكساس” – إذا جاز التعبير- إذ قال ما نصه: “الآن لديك العملاء الفيدراليون الذين يقطعون الأسلاك، ثم لديك الحرس الوطني في تكساس الذي لديه أوامر بوضع الأسلاك، هذا برميل بارود يستحق التوتر، إنها حالة غريبة جدًّا، ونحن نقف بالتأكيد مع تكساس في حقها في الدفاع عن نفسها”. أما الموقف الثاني فيتمثل في دعوة النخبة “الديمقراطية” في تلك الولاية إدارة جو بايدن إلى إضفاء الطابع الفيدرالي على الحرس الوطني في تكساس؛ من أجل منعه من وضع المزيد من الأسلاك الشائكة[14].
ثالثًا- تأثير الأزمة على الحركة القومية في ولاية تكساس:
في عام 2005، تأسست حركة تكساس القومية TNM؛ بهدف تحقيق الاستقلال السياسي والاقتصادي والثقافي التام لتكساس. ولكنها لم تكتسب زخمًا شعبيًّا أو مؤسسيًّا يؤثر على السياسة والحكم في الولاية. ومع ذلك، أخذت الحركة قوة دفع جديدة عقب قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي، وأطلقت خطة “تكسيت”، التي ترمي إلى استقلال الولاية للسبب نفسه الذي خرج من أجله البريطانيون من الاتحاد الأوروبي (تكلفة البقاء أكبر من عوائده). وفي هذا الشأن، أكد دانيال ميللر، زعيم الحركة، أن التصويت الذي قاده المواطنون في بريطانيا يمكن أن يكون نموذجًا لتكساس. ومن ثم، عمد قادة حركة تكساس القومية إلى تبنّي الأساليب التي اعتمدت عليها حملة مؤيدي الخروج لإقناع البريطانيين للتصويت لصالحها ويطالبون باستقلال ولايتهم عن البلاد[15].
ولكن الحركة لم تنجح في تأمين تصويت شعبي لازم لإجراء استفتاء استقلال في الولاية. ففي ديسمبر 2023، سلمت حركة تكساس التماسًا وقّعه أكثر من 139 ألف شخص إلى الحزب الجمهوري في تكساس بأوستن من أجل إدراج استفتاء استشاري على استقلال تكساس في الانتخابات التمهيدية للولاية في مارس 2024. ولكن الحزب رفض الالتماس، بسبب تقديمه متأخرًا، إضافة إلى أن “الغالبية العظمى من توقيعات الالتماس كانت غير صحيحة”، كما تبين فيما بعد. وقد أثار هذا رد فعل غاضبًا من القوميين في تكساس، وأعلن ميلر أن حركته “ستخوض حربًا مع الحزب الجمهوري في تكساس”. وفي 10 يناير الجاري، قدمت حركة تكساس القومية التماسًا طارئًا إلى المحكمة العليا بالولاية تعهدت فيه “بالنضال من أجل الحق في الحكم الذاتي”. وقد رُفِض هذا الطلب على الفور تقريبًا.
وقد حاول القوميون المؤيدون للانفصال في تكساس تحقيق أهدافهم بالطريق التشريعي، فقدَّم ممثل الولاية آنذاك بريان سلاتون، في مارس 2023، مشروع قانون يدعو إلى إجراء استفتاء على ” إذا ما كان ينبغي على الولاية التحقيق في إمكانية استقلال تكساس أم لا”. ولكن المشروع فشل في التمرير عبر لجنة الشؤون التشريعية للولاية. وقد جاء ذلك بعد أن وافق الحزب الجمهوري في تكساس على دعوات إلى إجراء استفتاء حول إذا ما كان ينبغي على الولاية “إعادة تأكيد وضعها كأمة مستقلة” في مؤتمره المنعقد في يونيو 2022 بمدينة هيوستن.
وقد أفضت الأزمة الحالية إلى تعزيز تحركات ومطالبات حركة تكساس القومية. ففي مقابلة مع “نيوزويك”، جادل ميلر بأن حركة تكساس القومية هي التطعيم ضد النظام الفيدرالي الفاشل، وهو نظام لا يمكن إصلاحه، وألقى باللائمة على الحكومة الفيدرالية في ارتفاع أسعار الغاز والسلع الأساسية، وزيادة الدَّيْن الوطني[16].
رابعًا- سيناريوهات الأزمة:
تُطرح سيناريوهات عدة للأزمة الراهنة بين ولاية تكساس والحكومة الفيدرالية، التي تتداخل فيها السياسة والهوية القومية والتفسيرات الدستورية. بادئ ذي بدء، فإن فكرة الانفصال تبدو احتمالًا بعيدًا في الوقت الراهن، سواء من الناحية السياسية أو الدستورية؛ وذلك لأنّ الأزمة الحالية بين ولاية تكساس وإدارة بايدن تتعلق حصرًا بكيفية التعامل مع الهجرة غير الشرعية، وتنازع الاختصاص بين المستويين المركزي والمحلي، تغذيها “السياسة” أو الاختلافات الأيديولوجية بين الديمقراطيين والجمهوريين، ولكنها لا ترقى إلى مستوى انفصال تكساس أو اندلاع حرب أهلية في الولايات المتحدة. فمن الناحية السياسية، وبرغم ما يظهر أنه تعبئة جمهورية لدعم موقف حاكم تكساس، فإنه ليس من مصلحة الحزب الجمهوري انفصال الولاية التي تُعدّ مخزن التأييد الجمهوري الأساسي؛ ومن دون أصوات أعضائها في المجمع الانتخابي، لم يكن ليفوز أي من الرئيسين الجمهوريين جورج دبليو بوش ودونالد ترامب بالمنصب؛ ومن ثم من المستبعد للغاية أن يؤيد الزعماء الجمهوريون انفصال تكساس، بما فيهم دونالد ترامب، الذي ستكون محاولاته استعادة الرئاسة في انتخابات 2024 شبه محكوم عليها بالفشل من دون دعم الولاية[17]. ومن الناحية الدستورية، فصلت المحكمة العليا في قضية تكساس ضد وايت عام 1869 بأن مغادرة الولاية للاتحاد هو أمر غير دستوري. بَيد أن كثرة تكرار دعوات الانفصال من قبل كل من الجمهوريين والديمقراطيين، على حد سواء، ينبغي أن يدفع الأمريكيين إلى التوقف والتفكير في الأسباب التي تؤدي إلى تلك الدعوات، والتأمل في عيوب النظام الفيدرالي الذي يؤدي إلى تململ البعض واعتقادهم أنهم ربما سيصبحون أفضل حالًا إذا انفصلوا عن اتحاد الولايات الأمريكية وكوَّنوا دولًا مستقلة[18].
وثمة سيناريو آخر يتبناه بعض دارسي العلاقات الدولية، مفاده أنّ ما يجري في الولاية ذات النجمة الواحدة مؤشرٌ قوي على تحول الدبلوماسية الموازية Paradiplomacy للولاية إلى نمط الدبلوماسية التأسيسية[19] Protodiplomacy التي تنشد الاستقلال وتكوين دولة جديدة أو إعادة تكوين جمهورية تكساس قبل التحاقها بالاتحاد الأمريكي[20]. ويدللون على ذلك بالقيادة الحاسمة لحاكم الولاية آبوت في المواجهة مع واشنطن، وما أثارته الأزمة السياسية بين حكومة الولاية والحكومة الفيدرالية من تعزيز دعوات الانفصال في الولاية، ورفد الحركة القومية في تكساس بقوة دفع جديدة[21]. بَيد أنه من المبكر جدًا إعطاء أهمية لهذا السيناريو؛ وذلك لأنّ مجرد وجود حركة شعبية تدعو إلى الاستقلال أو حق تقرير المصير لسكان الإقليم، من دون أنْ تتمكن من تأمين تأييدٍ شعبي غالب أو تؤسس نفسها في هيكلٍ تنظيمي واضح يتبنى برنامجًا انفصاليًّا في حركته الخارجية، لا يؤشر إلى تحول الدبلوماسية الموازية إلى الدبلوماسية التأسيسية. وفيما يتعلق بمسألة الهوية التكساسية التي تغذي روح الاستقلال، فمن الصحيح أن مواطني ولاية تكساس يتمتعون بالشعور بهوية متميزة عن سائر الولايات، ولكن هذا لا يعني إهمال تأثير بوتقة الصهر الأمريكية التي أثرت في هذا الشعور لمصلحة الهوية الأمريكية، لدرجة أن البعض يعتقدون أن سكان الولاية يعدّون أنفسهم “تكساسيين فقط وليسوا أمريكيين”.
ومن ثم، فإن السيناريو المرجح هو حصول حل وسط بين الديمقراطيين والجمهوريين على هذه الأزمة، وما يتصل بها من سياسات الهجرة، والإسراع بإقرار قانون سلطة الطوارئ الجديدة، الذي يتيح للرئيس بايدن إغلاق الحدود.
[1] Aleks Phillips, “Map Shows 25 States Now Backing Greg Abbott in Border Feud,” Newsweek, Jan. 26, 2004, https://shorturl.at/vxABX
[2] “تكسيت” Texit هي حركة أطلقتها حركة تكساس القومية منذ 2016، وهي كلمة مستلهمة من (بريكسيت)؛ التي تُحيل إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وترمي إلى استقلال الولاية للسبب نفسه الذّي خرج به البريطانيون من الاتحاد الأوروبي (تكلفة البقاء أكبر من عوائده).
[3] المعلومات الأساسية لولاية تكساس من مكتب حكومة الولايات المتحدة الأمريكية للتعداد، ومتاح عبر الرابط الآتي:
(تاريخ الدخول 28 يناير 2024) https://shorturl.at/fnpU6
[4]Texas Economic Development, Texas Economic Snapshot, https://gov.texas.gov/business/page/texas-economic-snapshot.
[5] دستور الولايات المتحدة الأمريكية، المصدر: مكتبة جامعة مينيسوتا لحقوق الإنسان،
(تاريخ الدخول 28 يناير 2024) http://hrlibrary.umn.edu/arabic/us-con.html
[6] Balance of Power: Republican Majority in the House, Bloomberg government, 14 Dec 2023, via:
(تاريخ الدخول 28 يناير 2024) https://shorturl.at/beizM
[7] Camilo Montoya-Galvez, Migrants cross U.S. border in record numbers, undeterred by Texas’ razor wire and Biden’s policies, CBC News, January 24, 2023, https://www.cbsnews.com/news/record-number-migrant-border-crossings-december-2023/.
[8] (تاريخ الدخول 28 يناير 2024) https://www.pbs.org/wgbh/americanexperience/features/president-kennedy-civil-rights/
[9] تقرير بعنوان “في ذكرى 11 يونيو 1963” منشور على الموقع الرسمي لجامعة ألاباما الأمريكية عبر الرابط الآتي:
(تاريخ الدخول 28 يناير 2024) https://diversity.ua.edu/desegregation-at-the-university-of-alabama/
[10] Kennedy federalized National Guard to integrate Alabama public schools (Sept. 10, 1963), 10 Sep. 2013, via:
(تاريخ الدخول 28 يناير 2024) https://rb.gy/drn7aw
[11] “Texas governor ignores Supreme Court ruling, adds more razor wire to border”, report published in 26 Jan, 2024, CBS7, via:
(تاريخ الدخول 28 يناير 2024) https://t.ly/364vJ
[12] John F. Kennedy’s Address on Civil Rights, public broadcasting service-PBS, via:
(تاريخ الدخول 28 يناير 2024) https://shorturl.at/avBJ6
[13] جبران محمد، “تصاعد التوترات بين تكساس والحكومة الأمريكية بسبب أسلاك المكسيك”، المصري اليوم، 29 يناير 2024.
[14] تكساس تبدأ بناء “جدارها” على الحدود مع المكسيك، تقرير إخباري منشور على موقع العربية الإخباري بتاريخ 19 ديسمبر 2021، عبر الرابط الآتي: (تاريخ الدخول 28 يناير 2024) http://tinyurl.com/2h88zzt7
[15] https://jp.reuters.com/article/texas-separatists-ea7-idARAKCN0ZA3IX/
[16] James Bickerton, How Greg Abbott’s Border Fight Bolsters Calls for an Independent Texas, Newsweek, Jan. 23, 2024, https://www.newsweek.com/2024/02/09/texas-independence-texit-1863224.html.
[17] https://www.bbc.com/arabic/world-62031109
[18] Richard Kreitner, Break It Up: Secession, Division, and the Secret History of America’s Imperfect Union. Hachette Book Group, New York, 2020.
[19] تُشير الدبلوماسية الموازية إلى الأنشطة الدولية للأقاليم، أو انخراط الأقاليم في السياسة الدولية، من خلال إقامة اتصالات دائمة أو مؤقتة مع كيانات خارجية عامة أو خاصة؛ بهدف تمثيل أنفسهم لدى هذه الكيانات (الفاعلين الدوليين)، ومتابعة مصالحهم الاقتصادية، أو لإبراز التميز الثقافي والقومي للعالم الخارجي، أو السعي لنيل الاعتراف الدولي بالذات القومية، أو لغير ذلك من الأغراض الوظيفية والسياسية. وتنخرط ولاية تكساس في شبكة مكثفة من العلاقات الخارجية مع غيرها من الفاعلين الدوليين. وتكشف الملاحظة الإمبيريقية أنه ليس لغالبية الأقاليم، التي تنخرط في الشؤون الخارجية، تطلعات لتكوين دولٍ مستقلة. ولذلك يُستخدم مصطلح “الدبلوماسية التأسيسية” لوصف مبادرات الأقاليم وأنشطتها الخارجية، وروابطها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالدول الأجنبية التي تتضمن رسالة انفصالية بشكل أو بآخر. بعبارة أخرى، تحمل الدبلوماسية التأسيسية رسائل استقلالية من جانب الإقليم إلى الساحة الدولية، وترادف السعي الخارجي لتحقيق الاستقلال، وهي بهذا المعنى ذات وجهين: فهي تسعى إلى الحلول محل دبلوماسية الدولة التي ينتمي إليها الإقليم حاليًّا، وتمثل الأساس الذي ستُبنى عليه دبلوماسية الدولة المنشودة. انظر:
- Cornago, (2018). Paradiplomacy and Protodiplomacy. In G. Martel (Ed.) Encyclopedia of Diplomacy. Oxford: Blackwell-Wiley. doi: 10.1002/9781118885154.dipl0211
[20] Cf. 28) French, D., (2020). Divided We Fall: America’s Secession Threat and How to Restore Our Nation. New York: St Martin’s Press.
[21] James Bickerton, How Greg Abbott’s Border Fight Bolsters Calls for an Independent Texas, Newsweek, Jan. 23, 2024, https://www.newsweek.com/2024/02/09/texas-independence-texit-1863224.html .